نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

الفصل الثالث

( في المعقود عليه )

وشروطه خمسة : الطهارة ، والانتفاع به ، وكونه مملوكا للعاقد ، مقدورا على تسليمه ، معلوما ، فهنا مطالب :

المطلب الأول

( الطهارة )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في النجس بذاته )

لا يصح بيع ما لا يقبل الطهارة من الأعيان النجسة ، فمنه الكلب والخنزير وما يتولد منهما ومن أحدهما وغيره إذا تبعه في الاسم ، لأنه عليه‌السلام نهى عن بيع الكلب (١). وقول الصادق عليه‌السلام : ثمن الكلب سحت (٢).

وهل يندرج المعلم فيه؟ إشكال ، ينشأ : من جواز إمساكه وإباحة‌

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣٠.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٨٣ ح ٢.

٤٦١

الانتفاع به والوصية ونقل اليد عنه بالهبة وغيرها ، وله دية مقدرة في نظر الشارع ، فيصح بيعه. ومن العموم. إن سوغنا بيع كلب الصيد ، فلا فرق بين السلوقي وغيره ، لاشتراكهما في الفائدة.

والأقرب حينئذ جواز بيع كلب الماشية والزرع والحائط ، لوجود المعاني المسوغة في كلب الصيد. أما الخنزير فلا مساغ لبيعه بحال.

وتصح إجارة هذه الكلاب (١) المنتفع بها دون الكلب العقور ، لأنها منفعة مباحة ، فجازت المعاوضة عليها. وتصح الوصية به وهبته ، ومن قبله وجب عليه ديته على ما يأتي تفصيله.

ويجوز اقتناء هذه الكلاب ، وإن هلكت الماشية ، أو خرب الحائط ، أو تلف الزرع. والأقرب جواز تربية الجرو الصغير لأحد الأمور الثلاثة ، كما يجوز بيع العبد الصغير والدابة الصغيرة الذي لا انتفاع به في الحال ، لأنه يئول إليه.

البحث الثاني

( في باقي أنواعه )

وهي أنواع :

الأول : الميتة ، لا يجوز بيع الميتة النجسة ، لقوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (١) وهو يستلزم إضافة التحريم إلى جميع المنافع المتعلقة بالعين. ولا فرق بين أن ينتهي الحال إلى جواز الانتفاع بها ، كالأكل في المخمصة أو لا ، لخروجها بالموت عن الملك.

وكذا لا يجوز بيع أبعاضها مما تحله الحياة كالجلد وإن دبغ ، لأنه لا يطهر به عندنا. أما ما لا تحله الحياة كالعظم والصوف والشعر وغيرها مما ينتفع به ، فإنه يجوز لأنه في الحقيقة ليس ميتة ، بل عين ينتفع بها طاهرة فساوت ما ساغ بيعه.

__________________

(١) في « ر » الكلب.

(٢) سورة المائدة ٣.

٤٦٢

الثاني : الخمر ، ولا يجوز للمسلم بيع الخمر ولا شراؤه إجماعا ، لأن جابرا سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وهو بمكة : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام (١). وقول الصادق عليه‌السلام : السحت ثمن الميتة ، وثمن الكلب ، وثمن الخنزير ، ومهر البغي ، والرشا في الحكم ، وأجر الكاهن (٢). وقال الباقر عليه‌السلام : والسحت أنواع كثيرة منها : أجور الفواجر ، وثمن الخمر والنبيذ ، والمسكر ، والربا بعد البينة ، فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله عز وجل العظيم ورسوله (٣).

وكما لا يجوز إيقاع البيع مباشرة ، فكذا تسبيبا. فلا يجوز له أن يوكل ذميا في بيعه وشرائه ، لقوله عليه‌السلام : حرمت التجارة في الخمر (٤). ولأن الخمر نجسة محرمة ، فحرم بيعها والتوكيل فيها ، كالميتة والخنزير. ولأن هذه المعاوضة باطلة ، لا باعتبار خصوصية البائع ، بل باعتبار هذه العين. ولأن يد الوكيل في الحقيقة يد الموكل.

وحكم النبيذ وسائر المسكرات الزبيبية والعسلية والمتخذ من الحنطة والشعير وغيرهما ، حكم الخمر ، لوجود مقتضي التحريم وهو الإسكار فيه. والفقاع عند علمائنا كافة كالخمر في جميع الأحكام.

الثالث : بيع الدم وشراؤه حرام إجماعا ، لنجاسته وعدم الانتفاع به.

الرابع : بيع العذرة وشراؤها حرام إجماعا ، لوجود المقتضي. وكذا البول وإن كان طاهرا لاستخباثه ، كأبوال البقر والإبل وإن انتفع به في شربه للدواء ، لأنه لمنفعة جزئية نادرة فلا يعتد بها ، إذ كل شي‌ء يفرض من المحرمات لا يخلو عن منفعة ، كالخمر للإبقاء في يده للتخليل ، والعذرة للتسميد ، والميتة لأكل جوارح الصيد. ولا يعتبرها الشارع.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٢ ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٦٥.

٤٦٣

والسرجين النجس حرام بيعه وشراؤه لنجاسته ، فأشبه الميتة. وكذا السرجين غير النجس لاستخباثه. والوجه عندي جواز بيعه ، لطهارته والانتفاع به.

الخامس : ما اشتمل على أحد هذه ، كالترياق المشتمل على لحوم الأفاعي ، فإنه لا يجوز بيعه ولا شراؤه ولا الانتفاع به ، إلا مع خوف التلف لولاه ، فالأقرب عندي حينئذ الجواز ، كأكل الميتة للمضطر.

ويصح بيع الحيوان وإن اشتمل باطنه على النجاسة ، لعدم القصد إليها ، وبيع بزر القز وفأرة المسك لطهارته.

البحث الثالث

( فيما نجاسته عرضية )

كل ذات أصلها الطهارة إذا عرض لها التنجيس ، فإن أمكن تطهيرها ، صح بيعها حال نجاستها ، لطهارة جوهرها وإمكان إزالة النجاسة عنها. وما لا يمكن طهارته لا يصح بيعه كذاتي النجاسة ، كالخل واللبن والدبس إذا نجست.

والدهن النجس إن كان نجس العين ، فلا سبيل إلى بيعه بحال ، كالألية المقطوعة من الحية أو الميتة وودك الميتة ، ولا يجوز الاستصباح به تحت السماء ، فإن نجس بعارض جاز بيعه ، لفائدة الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز تحت الظلال ، سواء قلنا يمكن تطهيره أو لا.

ويجوز بيع الماء النجس ، لقبوله الطهارة بالمكاثرة. وكما يجوز بيع الدهن النجس ، كذا يجوز الوصية به والهبة والصدقة.

ويحرم اقتناء الأعيان النجسة إلا لفائدة ، كالكلب والسرجين لتربية الزرع والخمر للتخليل. وكذا يحرم اقتناء المؤذيات كالحيات والسباع.

٤٦٤

المطلب الثاني

( الانتفاع )

يشترط كون المبيع مما ينتفع به منفعة معتبرة في نظر العقلاء شائعة في نظر الشرع ، فإن ما لا منفعة فيه لا يعد مالا ، فكان أخذ المال في مقابلته قريبا من أكل المال بالباطل.

ولخلو الشي‌ء عن المنفعة سببان : القلة والخسة ، فالقلة كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيبة الواحدة ، لأن ذلك لا يعد مالا ، ولا يبذل في مقابلته المال ، ولا نظر إلى ظهور الانتفاع إذا ضم هذا القدر إلى أمثاله ، ولا إلى ما يفرض من وضع الحبة الواحدة في فم القمح ، ولا فرق بين زمان الرخص والغلاء في ذلك.

ومع هذا فلا يجوز أخذ الحبة والحبتين من صبرة الغير ، وإلا لانجر ذلك إلى أخذ الكثير ، فإن أخذ الحبة آخذ ، وجب الرد ، فإن تلفت احتمل الضمان بالمثل ، لأنه من ذوات الأمثال ، وعدمه لأنه لا مالية لها.

وأما الخسة كالحشرات كالفأر والحيات والخنافس والعقارب والنمل والذباب ونحوها ، ولا نظر إلى منافعها المعدودة في الخواص ، فإن تلك المنافع لا تلحقها بما يعد في العادة مالا. وفي معناها السباع التي لا تصلح للاصطياد والقتال عليها ، كالأسد والذئب والنمر. ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة ، فليس هي من المنافع المعتبرة. ويحتمل جواز بيع السباع كلها لفائدة الانتفاع بجلودها عند الذكاة.

ولا يجوز بيع الحدأة والرحمة وإن كان في أجنحة بعضها فائدة ، وكذا بيضها. وكذا المسوخ لا يجوز بيعها كالقرد وإن قصد به حفظ المتاع ، وكذا الدب. وكذا المسوخ البحرية ، كالجري والسلاحف والتمساح.

والأقرب جواز بيع كل ما ينتفع بجلده عند الذكاة ، لتوقع الانتفاع بجلودها في المال ، فصار كالطفل الرضيع ، وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام

٤٦٥

أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن القرد أن يشترى أو يباع (١).

ولا يجوز بيع العلق وإن انتفع به في امتصاص الدم ، لأنها منفعة جزئية غير معتد بها ، فلا تؤثر في المالية عرفا.

أما ما ينتفع به من السباع للصيد ، أو القتال عليه ، فيجوز بيعه لطهارته وكثرة منفعته. ولأن عيصا سأل الصادق عليه‌السلام في الصحيح عن الفهود وسباع الطير ، هل يلتمس للتجارة فيها؟ قال : نعم (٢).

وكذا الفيل وعظامه ، لأن الكاظم عليه‌السلام سئل عن عظام الفيل يحل بيعه أو شراؤه والذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : لا بأس ، وقد كان لأبي مشط أو أمشاط (٣).

وكذا الحيوانات الطاهرة المنتفع بها ، كالنعم والبغال والحمير ، ومن الصيود كالضبي واليحامير ، ومن الجوارح كالصقور والبزاة والفهود ، ومن الطيور كالحمام والعصافير والعقاب. وما ينتفع بلونه أو صورته كالطاوس والزرزور.

ويجوز أيضا بيع دود القز ، لما فيه من المنفعة. وبيع النحل في الكوارة مع المشاهدة ، وإمكان التسليم بجميعها. ولو باعها وهي طائرة ، صح مع المشاهدة وإمكان التسليم.

وأما السم فإن كان مما يقتل كثيره وينفع قليله ، كالسقمونياء والأفيون ، جاز بيعه. وإن قتل كثيره وقليله ، لم يجز لعدم الانتفاع إلا نادرا ، كوضعه في طعام الكافر ، فلا يثبت فيه المالية باعتباره.

ويجوز بيع الحمار الزمن ، لأنه مما يؤكل لحمه عندنا ، فأشبه العبد الزمن الذي يتقرب بإعتاقه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٤ ح ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٣ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٣ ح ٢‌

٤٦٦

وما لا منفعة فيه في نظر الشرع ، كآلات الملاهي مثل المزمار والطنبور وغيرها إن كان مما لا يعد الرض مالا ، لم يجز بيعها ، لأن المنفعة فيها لما كانت محرمة شرعا ألحقت بالمنافع المعدومة حسا. وإن عد الرض مالا ، جاز بيعها قبل الرض ، للمنفعة المتوقعة. ويحتمل المنع ، لأنها على هيئتها آلة الفسق ، ولا يقصد بها غيره ما دام التركيب. وكذا الأصنام والصور المتخذة من الذهب والخشب وغيرها.

ويجوز بيع الجارية المغنية وإن كان الغناء أكثر منافعها ، إذ لا يخرج بهذه الصنعة عن المالية. ولو كانت تساوي ألفا وباعتبار الغناء تساوي ألفين ، فاشتراها بألفين ولو لا الغناء لم تطلب إلا بألف ، فالوجه الصحة. أما لو اشتراها بشرط الغناء المحرم بطل.

ويصح بيع الماء المملوك ، لأنه طاهر ينتفع به ، ويصح بيعه على شط النهر ، وبيع التراب في الصحراء ، وبيع الأحجار فيما بين الشعاب الكثيرة الأحجار ، لأن إمكان تحصيل المنفعة من مثلها لا يقدح في المالية. وكذا يصح بيع لبن الآدميات ، لأنه طاهر ينتفع به ، فأشبه لبن الشاة.

ولو باعه دارا لا طريق إليها ولا مجاز ، جاز مع علم المشتري ، وإلا تخير لأنه عيب.

ولا يجوز بيع السلاح لأعداء الدين وإن كانوا مسلمين ، أو لقطاع الطريق ، أو في الفتنة ، لما فيه من الإعانة على الظلم. ويجوز بيع ما يكن من آلات السلاح كالدرع والبيضة ، قال الباقر عليه‌السلام : فإذا كانت الحرب فينا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا فهو مشرك (١). وقال الصادق عليه‌السلام : إذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج (٢). وسئل الصادق عليه‌السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : بعهما ما يكنهما الدرع والخفين ونحو هذا (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٩ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٩ ح ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٧٠ ح ٣.

٤٦٧

وتحرم إجارة المساكن والسفن للمحرمات ، لما فيه من المساعدة على المعاصي. ولا يملك المؤجر مال الإجارة. أما لو استأجره لا لذلك ، صح وإن عمل هو فيه ذلك المحرم.

ويحرم بيع العنب ليعمل خمرا ، والخشب ليعمل صنما ، أو البيت ليتخذ كنيسة أو بيعة أو بيت نار ، لما فيه من البعث على فعل المعاصي والحث عليه. أما لو باعه ممن يتخذ لا بشرطه ، فإنه مكروه غير محرم ، لعموم ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) (١) ولأنه بيع تم بأركانه وشروطه.

ويحتمل عندي التحريم إن علم ذلك ، لقوله تعالى ( وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ ) (٢) وقد سئل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يؤاجر بيته يباع فيه الخمر ، فقال : حرام أجره (٣). وفي حديث آخر أنه سئل عليه‌السلام عن الرجل يؤاجر سفينته ودابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، فقال : لا بأس (٤). والأول محمول على أنه أجرة لذلك. والثاني على أنه أجرة مطلقا ، أو للحمل عن المنزل. وسئل عليه‌السلام عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا ، فقال : لا (٥).

ولو استأجر الذمي دار المسلم ، لم يكن له منعه من بيع الخمر فيها سرا ، لأنه ملك المنافع ، وهذا فعل سائغ له في دينه ، وقد أمرنا بإقرارهم عليه. ولو آجره لذلك حرم.

ولو استأجر دابة أو إنسانا لحمل الخمر للتخليل أو الإراقة جاز ، وإلا فلا.

__________________

(١) سورة البقرة ٢٧٥.

(٢) سورة المائدة ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٦ ح ١ ب ٢٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٦ ح ٢.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٧ ح ١.

٤٦٨

وهنا مسائل :

الأول : ما نص الشارع على تحريمه لا يجوز التجارة فيه والتكسب به ، كعمل الصور المجسمة ، والغناء واستماعه وأجر المغنية.

وقد وردت رخصة في إباحة أجرها في العرس ، إذا لم تتكلم بالباطل ولم تلعب بالملاهي ، ولم يدخل الرجال عليها ، لقول الصادق عليه‌السلام : أجر المغنية التي تزف العرائس ، ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال (١).

أما التي تطلب بها اللهو ، فإنه يحرم بيعها ، لأن الرضا عليه‌السلام سئل عن شراء المغنية ، فقال : قد تكون للرجل الجارية تلهيه ، وما ثمنها إلا ثمن كلب ، وثمن الكلب سحت ، والسحت في النار (٢).

الثاني : أجر النائحة بالباطل حرام ، ولا بأس إذا ناحت بالحق ، لقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بأجر النائحة التي تنوح على الميت (٣). ويكره مع الشرط للرواية.

الثالث : القمار حرام وما يؤخذ به حتى لعب الصبيان بالخاتم والجوز ، لقوله تعالى ( وَالْمَيْسِرُ ) (٤) وسئل الباقر عليه‌السلام عن الميسر ، فقال : كلما يقمروا به حتى الكعاب والجوز (٥). وسئل الصادق عليه‌السلام الصبيان يلعبون بالجوز والبيض ويقامرون ، فقال : لا تأكل منه فإنه حرام (٦).

الرابع : الغش بما يخفى حرام ، كمزج اللبن بالماء ، ولا بأس بما يظهر للحس ، كما لو مزج الحنطة بالشعير.

الخامس : تدليس الماشطة ، وتزيين الرجل بالحرام. ولو لم تدلس الماشطة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٨٥ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٨٨ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٩٠ ح ٧.

(٤) سورة البقرة : ٢١٩.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٩ ح ٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٠ ح ٧.

٤٦٩

جاز كسبها ، لأن الصادق عليه‌السلام قال : دخلت ماشطة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لها : هل تركت عملك أو قمت عليه؟ قالت : يا رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه فأنتهي؟ فقال : افعلي ، فإذا مشطت فلا تحكي الوجه بالخرق فإنه يذهب بماء الوجه ، ولا تصلي الشعر بالشعر (١).

السادس : معونة الظالمين في الظلم حرام ، قال الصادق عليه‌السلام : إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد (٢).

وقال علي بن أبي حمزة : كان لي صديق من كتاب بني أمية فقال : استأذن لي على أبي عبد الله عليه‌السلام فاستأذنت له ، فأذن له ، فلما أن دخل وجلس ، ثم قال له : جعلت فداك إني كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا فأعظمت (١) في مطالبه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفي‌ء ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقنا ، ولو تركهم الناس وما في أيديهم لما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم.

قال فقال الفتى : جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟ فقال : إن قلت لك تفعل؟ قال : أفعل ، قال : فاخرج من جميع ما كسبت من ديوانهم ، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله ، ومن لم تعرف تصدق به ، وأنا أضمن لك على الله عز وجل الجنة ، قال : فأطرق الفتى طويلا ، فقال له : قد فعلت جعلت فداك.

قال ابن أبي حمزة : فرجع الفتى معنا إلى الكوفة ، فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي على بدنه ، قال : فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه نفقة.

قال : فما أتى عليه إلا أشهر قلائل حتى مرض وكنا نعوده قال : فدخلت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٩٤ ح ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٢٩ ح ٦.

(٣) في الوسائل : وأغمضت.

٤٧٠

يوما وهو في السوق ، قال : ففتح عينيه ثم قال لي : يا علي وفى لي والله صاحبك ، ثم مات ، فتولينا أمره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فلما نظر إلي قال : يا علي وفينا والله لصاحبك ، قال : فقلت صدقت جعلت فداك هكذا والله قال عند موته (١).

السابع : حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض أو الحجة ، ونسخ التوراة والإنجيل ، لأنهما منسوخان. وخرج علي عليه‌السلام يوما إلى المسجد وفي يد عمر شي‌ء من التوراة فأمره بإلقائها ، وقال : لو كان موسى وعيسى عليهما‌السلام حيّين لما وسعهما إلا اتباعي (١). ولأنهما قد حرفا وغيرا وبدلا. وكذا تعليمهما وأخذ الأجرة عليهما لما تقدم.

الثامن : هجاء المؤمن حرام ، وكذا أخذ الأجرة عليه. والغيبة والكذب عليهم ، والنميمة ، وسب المؤمنين ، ومدح من يستحق الذم ، وبالعكس ، قال تعالى ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) (٢) والتشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة غير الزوجة.

التاسع : تعلم السحر وتعليمه ، وهو كلام يتكلم أو يكتبه أو رقية ، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه من غير مباشرة. وهل له حقيقة؟ قال الشيخ : لا ، وإنما هو تخيل. ويقتل لو استحله.

ويجوز حل السحر بشي‌ء من القرآن أو الذكر والأقسام لا بشي‌ء منه.

ودخل عيسى بن سيفي (٢) على الصادق عليه‌السلام وكان ساحرا يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر ، فقال : جعلت فداك أنا رجل صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي ، وقد حججت ومنّ الله علي بلقائك ، وقد تبت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٤٤ ح ١.

(٢) لم أعثر عليه في مظانه.

(٣) سورة الحجرات : ١٢.

(٤) في الوسائل : شفقي.

٤٧١

إلى الله عز وجل ، فهل لي في شي‌ء منه مخرج؟ فقال الصادق عليه‌السلام : حل ولا تعقد (١).

العاشر : تعلم الكهانة حرام ، والكاهن هو الذي له رئيّ من الجن يأتيه بالأخبار. وعن الصادق عليه‌السلام أجر الكاهن من السحت (٢).

وكذا تعلم النجوم مع اعتقاد تأثيرها بالاستقلال ، أو لها مدخل فيه.

والشعبذة حرام ، وهي الحركات السريعة جدا ، بحيث تخفى على الحس الفرق بين الشي‌ء وشبهه ، لسرعة انتقاله من شي‌ء إلى شبهه.

الحادي عشر : القيافة حرام عند علمائنا كافة ، لأن النسب عندنا لا تثبت بها بل بالقرعة ، فلا يجوز سلوك هذا الطريق.

الثاني عشر : بيع المصحف وشراؤه حرام ، بل يباع الجلد والورق ، لمنع الصحابة منه ولم يعلم لهم مخالف ، ولأنه يشتمل على كلام الله فيجب صيانته عن البيع والابتذال. وقال الصادق عليه‌السلام في بيع المصاحف : لا تبع الكتاب ولا تشتره وبع الورق والأديم والحديد (٣) ، والشراء أسهل من البيع لأنه استنقاذ للمصحف وبذل ماله فيه.

ويجوز أخذ الأجرة على كتابة القرآن ، لأنها منفعة مباحة ، فجاز أخذ العوض عليها. نعم يحرم نقشه بالذهب.

قال محمد الوراق : عرضت على الصادق عليه‌السلام كتابا فيه قرآن مختم معشر بالذهب وكتبت في آخر سورة بالذهب فأريته إياه. فلم يغير منه شيئا إلا كتابة القرآن بالذهب ، فإنه قال : لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١٠٥ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٥ ح ٧.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٧ ح ١.

٤٧٢

الثالث عشر : السرقة والخيانة ، يحرم بيعها وأخذها وشراؤها ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه ، فيكون أكلا بالباطل. وقول الصادق عليه‌السلام : لا يصح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت (١). وقال الصادق عليه‌السلام : من اشترى سرقة وهو يعلم فقد شرك في عارها وإثمها (٢). أما لو اشترى من السارق أو الخائن أو الظالم شيئا ولا يعلم أنه من أخذها ، جاز على كراهية ، جمعا بين العمل بالأصل والاحتراز عن الحرام بأبلغ الوجه (١).

ولو وجد عنده سرقة ضمنها ، إلا أن يقيم البينة بشرائها ، فيرجع على بائعها مع جهله. قال الصادق عليه‌السلام في الرجل يوجد عنده سرقة فقال : هو غارم إذا لم يأت على بائعها بشهود (٣). ولو كان عالما بالحال فقد أطلق علماؤنا عدم الرجوع بالثمن ، لأنه أباحه بغير عوض ، فملكه إياه مجانا. والوجه عندي الرجوع إن كانت العين باقية وإلا فلا وسيأتي.

ولو اشترى بالمال المغصوب جارية أو ضيعة ، فإن كان بالعين بطل البيع ، إذ لا يملك المبيع بثمن غيره ، ولو كان قد اشتراه بمال في الذمة ونقد المال ، صح الشراء وحل له وطء الجارية واستنماء الضيعة ، لوقوعهما في ملكه بثمن مطلق ، وهو مغاير للمغصوب ، نعم عليه وزر المال الذي نقده ، ودفع عوضه مع تعذره.

ولو حج بذلك المال ، فإن كان الحج قد وجب عليه بدونه ، برئت الذمة إلا في الهدي. ولو طاف وسعى في الثوب المغصوب أو الدابة المغصوبة ، بطلا.

الرابع عشر : التطفيف في الكيل والوزن حرام ، لقوله تعالى ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ) (٤) ولا ينبغي أن يتولى الكيل والوزن من لا يعرفهما لئلا يزيد أو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥٠ ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥١ ح ٦.

(٣) في « ر » الوجوه.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٥١ ح ١٠.

(٥) سورة المطففين : ١.

٤٧٣

ينقص ، ولو زاد أو نقص كان ضامنا.

وكذا الناقد لا يتولاه إلا العارف ، فإن أخطأ وتعذر الرجوع على صاحبه احتمل الرجوع عليه ، لأنه سبب في الإتلاف وعدمه ، لاستناد التفريط إلى البائع بالإخلال إليه.

الخامس عشر : الرشا في الحكم حرام ، سواء حكم لباذله أو عليه ، بحق أو باطل. قال الباقر عليه‌السلام : فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله عز وجل العظيم وبرسوله (١). قال الصادق عليه‌السلام : السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخنازير ومهر البغي والرشا في الحكم وأجر الكاهن (٢).

السادس عشر : ما يجب على الإنسان فعله يحرم أخذ الأجرة عليه ، كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم ، لتعينه عليه ، ولا يجوز أخذ الأجرة فيه.

أما لو أخذ الأجرة على المستحب ، كما لو أخذ أجرة على تكرار كل غسلة ثلاثا ، أو توضئة الميت ، أو تكفينه بالمستحب ، أو دفنه في اللحد ، فالأقرب الجواز ، لأنه عمل مقصود محلل ، فجاز أخذ الأجرة عليه كغيره. وكذا يجوز أخذ ثمن الكفن وماء تغسيل الميت.

السابع عشر : يحرم أخذ الأجرة على الأذان للرواية (٣) ، ولأنه من أعظم شعائر الإسلام.

الثامن عشر : يحرم أخذ الأجرة على القضاء ، وسيأتي تفصيله. ويجوز أخذ الرزق عليه وعلى الأذان من بيت المال. وكذا يجوز أخذ الأجرة على عقد النكاح والخطبة في الأملاك.

ويحرم الأجرة على الإمامة في الصلاة والشهادة وأدائها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٢ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٦٢ ح ٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٣ ب ٣٠.

٤٧٤

التاسع عشر : الأقرب تحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، لأنه من أعظم المعجزات التي تجب تداولها ونقلها بالتواتر ، فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

ويجوز قبول الهدية عليه. ولأن الصادق عليه‌السلام قال للمعلم : لا تعلم بالأجر وتقبل الهدية (١).

وقال رجل لعلي عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين والله إني لأحبك لله تعالى. فقال له : ولكني أبغضك لله فقال : ولم؟ قال : لأنك تبغي في الأذان وتأخذ على تعليم القرآن أجرا ، وسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة (٢).

المطلب الثالث

( في الملك )

يشترط في المبيع كونه ملكا لمن يقع العقد له ، إما لنفسه إن كان مباشرة ، أو لغيره إن كان بولاية أو وكالة عن ذلك الغير. وهذا شرط اللزوم لا الصحة.

فلو باع مال غيره بغير ولاية ولا وكالة ، وقع موقوفا على إجازة المالك ، فإن أجازه لزم وإلا بطل ، ولا يقع باطلا من أصله ، لأنه عليه‌السلام دفع إلى عروة البارقي دينارا ليشتري به شاة ، فاشترى به شاتين وباع إحداهما بدينار وجاء بشاة ودينار ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بارك الله في صفقة يمينك (٣).

فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجاز ما باعه فضولا ، ولأنه عقد له مجيز في الحال ، فينعقد موقوفا كالوصية. وكذا لو زوج أمة الغير أو ابنته ، أو آجر داره أو رهنها بغير إذنه.

ولا يكفي في الإجازة واللزوم حضور المالك ساكتا ، لأن السكوت كما

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٣ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ١١٤ ب ٣٠.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ ـ ٤٦٢‌

٤٧٥

يحتمل الرضا يحتمل غيره.

ولو اشترى الفضولي لغيره شيئا ، فإن كان بعين مال الغير ، وقف على الإجازة كالبيع. وإن اشترى في الذمة ، فإن أطلق ونوى كونه للغير ، وقف على الإجازة ، فإن أجازه صح له ، وإن رد نفذ في حقه ظاهرا ، وفي نفوذه باطنا إشكال ، ينشأ : من البناء على القصد والنية ، أو على العقد الجامع للشرائط من غير اعتبار نية النسبة.

ولو قال : اشتريت لفلان بألف في ذمته ، فالحكم كما لو اشترى بعين ماله. ولو اقتصر على قوله : اشتريت لفلان بألف ولم يضف الثمن إلى ذمته ، وقف على الإجازة ، فإن أجاز الغير وإلا بطل.

ولو اشترى شيئا لغيره بمال نفسه ، فإن لم يسمه في العقد وقع عن المباشر على إشكال ، سواء أذن ذلك الغير أو لا. وإن سماه ، فإن لم يأذن له لغت التسمية ، وهل يبطل من أصله أو يقع عن المباشر؟ إشكال. وإن أذن له فهل تلغو التسمية؟ احتمال ، فإن ألغيناها فهل يبطل من أصله ، أو يقع عن العاقد؟ احتمال. وإن قلنا بعدم الإلغاء ، وقع عن الإذن ، والثمن المدفوع يكون قرضا أو هبة احتمال.

وهل يشترط في عقد الفضولي أن يكون له مجيز مالك أو غيره في الحال؟ إشكال. فلو باع عبدا لطفل ، لم يتوقف على إجازته بعد البلوغ. ويحتمل ذلك ، فإن اعتبرناه اعتبرنا إجازة من يملك التصرف عند العقد ، حتى لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ. وكذا لو باع مال الغير ثم ملكه وأجاز.

ولو غصب أموالا وباعها وتصرف في أثمانها مرة بعد أخرى ، فللمالك إجازتها وأخذ الحاصل منها ويتبع العقود الكثيرة بالنقض والإبطال ورعاية مصلحته. ولو كان المشتري عالما بالغصب فإشكال ، ينشأ : من رجوعه بالثمن وعدمه.

ولو باع مال أبيه بظن أنه حي وهو فضولي ، فبان أنه كان ميتا حينئذ وأن المبيع ملك للعاقد ، فالأقوى الصحة لصدوره من المالك.

٤٧٦

بخلاف ما لو أخرج شيئا وقال : إن مات مورثي فهذا زكاة ما ورثته منه وكان قد ورث ، فإنه لا يجزيه ، لأن النية لا بد منها في الزكاة ولم تبن نيته على أصل ، والبيع لا حاجة له إلى النية.

ويحتمل البطلان ، لأنه وإن كان العقد منجزا في الصورة إلا أنه في المعنى معلق ، وتقديره إن مات مورثي فقد بعتك ، ولأنه كالعابث عند مباشرة العقد ، لاعتقاده أن المبيع لغيره.

وأما الهازل فإن بيعه باطل. وكذا بيع التلجئة ، كما لو خاف غصب ماله والإكراه على بيعه ، فيبيعه على إنسان بيعا مطلقا ، ولكن توافقا قبله على أنه لدفع الشر لا على حقيقة البيع.

وكذا لو باع العبد على أنه آبق أو مكاتب ، فصادف رجوعه أو فسخ الكتابة. وكذا لو زوج أمة أبيه على ظن أنه حي فبان ميتا.

وكل عقد يقبل الاستنابة يقع موقوفا من غير مالكه ، وليس للمملوك أن يشتري ويبيع إلا بإذن مولاه ، لأنه لا يملك شيئا. فإن وكله غيره في شراء نفسه من مولاه ، فالأقوى الصحة ، لأنه محل قابل للنقل. ويصح استنابته مع الإذن.

ويصح بيع كل من له ولاية شرعية وشراؤه عن المولى عليه ، كالأب والجد له والحاكم وأمينه والوصي والوكيل.

ولا يجوز بيع الحر ولا شراؤه ، لانتفاء الملك عنه إجماعا ، ولقوله عليه‌السلام ، ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره (١). وكذا ما ليس بمملوك ، كالمباحات قبل حيازتها وتملكها.

وليس له أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلمها ، لقوله عليه‌السلام : لا تبع ما ليس عندك (٢).

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٨١٦ الرقم ٢٤٤٢.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣٧ الرقم ٢١٨٧.

٤٧٧

وإذا باع مال غيره ولم يجز المالك ، بطل العقد ويرجع المالك بعينه ، ويرجع المشتري على البائع بما دفع ثمنا وما اغترمه من نفقة ، أو عوض عن أجرة ، أو نماء مع جهله ، أو ادعاء البائع إذن المالك ، سواء حصل مقابلته نفع كأجرة الدار والدابة ، أو لا كقيمة الولد على إشكال ، لأنه دخل على أنه يستوفي المنافع بغير عوض.

وقيل : لا يرجع بما حصل في مقابلته نفع ، لأنه مباشر للإتلاف ، فكان أضعف من السبب ، ويشكل بغروره.

ولو كان عالما ، لم يرجع بشي‌ء ، لأنه أباح البائع في الثمن مع علمه بعدم سلامة المعوض له ، وأذن له في إتلافه ، وأطلق علماؤنا ذلك. والأقوى عندي الرجوع بالثمن إن كانت عينه باقية لفساد القبض.

ولو ادعى المشتري الجاهل للملكية للبائع ، لم يبطل رجوعه ، لأنه بنى على الظاهر ، مع احتمال عدم الرجوع لاعترافه بالظلم ، فلا يرجع على ظالمه.

ولو تلفت العين في يدي المشتري ، تخير المالك في الرجوع على من شاء منهما بالقيمة إن لم يجز البيع ، أما البائع فلتعلق الضمان به بسبب اليد وسببيته الإتلاف ، وأما المشتري فكذلك ولمباشرة الإتلاف ، فإن رجع على البائع ، رجع على المشتري بالزائد مما قبضه إن كان عالما قطعا ، لاستقرار التلف في يده ، وكذا إن كان جاهلا على إشكال ، وإن رجع على المشتري ، لم يرجع على البائع.

ولو باع ملكه وملك غيره ، مضى في ملكه ، ووقف على الإجازة في ملك الآخر ، ويتخير المشتري إن كان جاهلا ، لتفرق الصفقة عليه ، فإن أجاز المالك نفذ البيع ، وقسط الثمن على القيمتين ، بأن يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما ويبسط الثمن عليهما.

ولو كان المبيع من ذوات الأمثال ، بسط على الأجزاء ، سواء اتحدت العين أو تكثرت. ولو فسخ تخير المشتري ، فإن فسخ رجع بالجميع وإلا فقسط غيره.

٤٧٨

ولو كان مالكا لنصف العين ، فباع النصف مطلقا ، انصرف إلى نصيبه ، صرفا للعقد إلى الصحة. ويحتمل الإشاعة كالإقرار ، ولأنه حقيقة اللفظ ، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة ، والإقرار يبنى على الإشاعة قطعا ، لأنه إخبار يتعلق بمال غيره كتعلقه بماله.

ولو ضم إلى المملوك حرا أو خمرا أو خنزيرا ، صح في المملوك وبطل في الباقي ، ويقسط الثمن على المملوك والحر لو كان مملوكا ، وعلى قيمة الخمر والخنزير عند مستحليهما.

ولو باع الثمرة وفيها عشر الزكاة ، صح فيما يخصه دون حصة الفقراء ، إلا مع الضمان ، لأنهم شركاء.

ولو باع أربعين شاة وفيها الزكاة ، فإن ضمنها صح ، وإلا بطل في الجميع ، لاختلاف أجزاء المبيع ، بخلاف أجزاء الثمرة وثمن الحصة مجهول.

ولو كان له شريك بواحدة عوض الفقراء ، صح البيع في الجميع إن أجاز وفي حصة البائع إن لم يجز.

والفرق أن المالك بعدم ضمان الزكاة قد اختار فسخ البيع في نصيب الفقراء ، لأن الخيار له في الإمضاء بضمان القيمة ، وفي التعيين دون الفقراء ، فيبطل البيع في نصيب الفقراء لعدم الإجازة ، وإنما بطل في نصيبه دون نصيبه مع الشريك غير المجيز ، لحصول الجهالة هنا ، إذ له الخيار في التعيين ، فصار بمنزلة ما لو اشترى أربعين إلا شاة بخلاف الشريك.

ولو كانت حصة الشريك مجهولة أو مشتبهة ، صح البيع أيضا ، وإن لم يجز ، ويبقى المشتري معه كالمالك يقضى له بالصلح معه ، لأن العقد تناول المعلوم وهو الجملة ، وإنما حصل التقسيط المجهول بعدم الإجازة المعتبرة بعد عقد البيع لا قبله ، لعدم تأثيره حينئذ ، فلا يقتضي بطلان ما وقع صحيحا في نفسه ، وهو معاملة الجملة بالجملة المعلومة ، بخلاف الزكاة التي تحققت الجهالة في صلب البيع حالة العقد ، لأنه بعدم الضمان حال العقد صار كأنه قد باع أربعين إلا شاة مجهولة.

٤٧٩

ولو كان لكل من الاثنين عبدا بانفراده ، فباعا صفقة واحدة ، صح البيع ، سواء اتفقا أو اختلفا ، ويبسط الثمن على القيمتين ، لأن العقد تناول الجملة وهي معلومة فلا يضر جهالة مقابلة الجزء بالجزء ، كما لو كانا لواحد.

وللأب وللجد للأب التصرف في مال الولد الصغير وغير الرشيد ، وإن طعن في السن. ولو بلغ رشيدا ، زالت ولايتهما عنه ، ولكل منهما أن يتولى طرفي العقد ، فيبيع كل منهما مال أحد الصغيرين من الآخر ومن نفسه ويشتري له من نفسه.

والحاكم وأمينه إنما يليان المحجور عليه لصغر أو جنون أو فلس أو سفه والغائب إذا وجب عليه حق.

والوصي إنما ينفذ تصرفه بعد الموت وصغر الموصى عليه أو جنونه. وللولي أن يقترض مع الملاءة وإن كان الوصي ، وأن يقوم على نفسه كالأب.

والوكيل يمضي تصرفه ما دام الموكل حيا جائز التصرف ، فلو مات أو جن أو أغمي عليه ، بطلت وكالته. وله أن يتولى طرفي العقد مع الإعلام ومطلقا على رأي ، وكذا الوصي. وإنما يصح بيع من له الولاية مع المصلحة للمولى عليه.

ولو وكل اثنين أو أوصى إليهما على الجمع والتفريق ، فعقدا على اثنين ، أو باع الحاكم وأمينه ، أو الأب والجد ، واتفق زمان الإيقاع بطلا ، ولو باعا على شخص ووكيله ، أو على وكيليه ، واتفق الثمن جنسا وقدرا صح وإلا بطلا (١). ولو اختلف الخيار فكما لو اختلف الثمن ، إلا أن يجعلا (٢) مشتركا بينهما. ولو سبق عقد أحدهما ، صح دون الآخر.

تذنيب :

لما شرطنا الملك وهو إضافة تستدعي التغاير ، وجب مغايرته للمعقود له ،

__________________

(١) في « ر » فلا.

(٢) في « ر » يجعلها.

٤٨٠