نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

فلو باعه من نفسه لم يصح ، وإن كان الثمن مؤجلا ، بخلاف الكتابة. ويحتمل الصحة. والمغايرة ثابتة فيما يشترط فيه الملك ، وهنا لا ملك في الحقيقة بل إزالة له ، فكأن الشرط خاص لا عام.

المطلب الرابع

( في القدرة على التسليم )

يشترط في المبيع القدرة على التسليم ، ليخرج العقد عن أن يكون بيع غرر ، ويوثق بحصول الغرض ، فلا يصح بيع الطير في الهواء ، إذا لم يقض عادته بعوده ليلا أو نهارا ، ولو كانت عادته الرجوع احتمل الصحة ، كبيع العبد المبعوث في الشغل. والبطلان ، لانتفاء القدرة في الحال على التسليم ، وعوده غير موثوق به ، إذ ليس له عقل باعث.

وكذا لا يصح بيع السمك في الماء ، إلا أن يكون السمك محصورا بحيث يمكنه أخذه ، وإن احتاج إلى تعب ومشقة ، فإن الأقوى صحة بيعه إذا كان مشاهدا مع علم وزنه ، أو عدم اشتراطه ولو لم يشاهده لكدورة الماء لم يصح.

وأما النحل فإن شاهدها وكانت محبوسة ، بحيث لا يمكنها أن تمتنع ، صح بيعها منفردة ، لأنه حيوان طاهر مملوك مقدور على تسليمه ، يخرج من بطونها شراب مختلف (١) ألوانه فيه شفاء للناس ، فجاز بيعها كبهيمة الأنعام ، ولو كانت طائرة وعادتها العود ، فالوجهان.

ولا يصح بيع العبد الآبق منفردا ، سواء علم مكانه أو لا ، لأنه لا يقدر على تسليمه فكان غررا. ولا يشترط في الحكم بالبطلان اليأس من عوده ، بل يكفي ظهور التعذر. ولو عرف مكانه وعلم أنه يصل إليه إذا رام الوصول إليه ، فليس له حكم الآبق. ولو حصل في يد إنسان ، جاز بيعه عليه لإمكان تسليمه.

ولو بيع منضما إلى غيره ، صح بيعه ، سواء قلت قيمة الغير أو كثرت ،

__________________

(١) في « ق » فيه منافع للناس.

٤٨١

وسواء ظفر به المشتري أو لا ، ولم يكن له رجوع على البائع بشي‌ء لو لم يظفر به ، وكان الثمن في مقابلة المنضم. لأن الصادق عليه‌السلام سئل في الرجل يشتري العبد وهو آبق من أهله ، قال : لا يصلح له إلا أن يشتري معه شيئا آخر ، ويقول : أشتري منك هذا الشي‌ء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه (١).

ولو تلف قبل القبض ، فكذلك على إشكال ، ينشأ : من أن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه. ومن عدم وجوب الإقباض هنا ، فلا يدخل تحت ضمان البائع.

والجمل الشارد والفرس العائر وشبههما كالآبق في بطلان البيع ، لتعذر التسليم ، وهل يصح مع الضميمة كالآبق؟ إشكال ، فإن قلنا به فلو تعذر تسليمه ، احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط.

ولو باع المالك ماله المغصوب على الغاصب ، صح البيع مطلقا ، وإن باع على غيره ، فإن أمكنه استرداده وتسليمه ، صح كالوديعة والعارية ، وإن لم يقدر هو ولا المشتري لم يصح ، لعدم إمكان التسليم.

وإن باعه ممن يقدر على انتزاعه منه ، فالأصح الجواز ، لأن القصد وصول المشتري إلى المبيع. ويحتمل المنع ، لوجوب التسليم على البائع وهو عاجز عنه. وعلى الأول لو علم المشتري حقيقة الحال لم يكن له خيار.

ولو عجز عن الانتزاع لضعف عرض له أو قوة عرضت للغاصب ، احتمل ثبوت الخيار.

ولو كان جاهلا عند العقد فله الخيار ، لأن المشتري لا يلزمه كلفة الانتزاع ، فله فسخ البيع ، سواء قدر على انتزاعه أو لا.

ويجوز تزويج الآبقة والمغصوبة وإعتاقهما مطلقا ، وكتابة المغصوب لأنها ليست بيعا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٢٦٣ ح ٢.

٤٨٢

ولو باع نصفا أو ربعا أو جزءا مشاعا من سيف أو إناء أو نحوهما جاز ، ويكون مشتركا بينهما. ولو عين نصفا أو ربعا ، لم يصح ، لأن التسليم لا يتم إلا بالقطع والكسر ، وفيه نقص وتضيع للمال ولو باع ذراعا فصاعدا من ثوب وعينه فإن كان الثوب نفيسا ينقص بالقطع احتمل الصحة كما لو باع ذرعا معينا من دار أو أرض. والمنع لأن التسليم لا يمكن إلا باحتمال النقص والضرر ، بخلاف الأرض التي يحصل التمييز فيها مرز بين النصيبين من غير ضرر.

والوجه الصحة ، لأنهما إذا رضيا به واحتملاه صح البيع ، كما يصح بيع أحد زوجي الخف وإن نقص بالتفريق ، فحينئذ الأقوى عندي صحة ذلك في السيف والإناء أيضا ، لرضاهما به.

ولو باع جزءا معينا من جدار أو أسطوانة ، فإن كان فوقهما شي‌ء لم يجز ، إذ لا يمكن تسليمه إلا بهدم ما فوقه. وإن لم يكن ، فإن كان قطعة واحدة من طين أو خشب فالوجهان ، وإن كان من لبن أو آجر ، جاز إن جعل النهاية شق رصيف من الآجر أو اللبن. وكذا إن جعل القطع لصف سمكها على إشكال.

ولو باع فصا من خاتم ، فالأقوى الجواز ، ولا اعتبار بالنقص بعد أخذه لاتفاقهما عليه.

ولو باع دارا إلا بيتا في صدرها لا يلي شارعا ولا ملكا له على أنه لا مسلوك له في المبيع ، فالأقوى صحة البيع.

ولا يصح بيع المرهون بعد الإقباض قبل الافتكاك ، لأنه ممنوع من تسليمه شرعا ، لما فيه من تفويت حق المرتهن ، فإن أجاز المرتهن صح. وهل يصح قبل الإقباض؟ إن جعلنا القبض شرطا في الرهن صح البيع ، وإلا وقف على الإجازة.

كلام

( في بيع الجاني )

والجاني لا يصح بيعه ، سواء كانت جنايته عمدا توجب القصاص ، أو‌

٤٨٣

خطاءاً توجب المال ، وسواء كانت على النفس أو ما دونها ، وسواء تعلق المال بذمته أو برقبته ، لأنه لم يخرج بالجنابة عن ملكه ، فيكون البيع قد صادف ملكا فصح كالعتق.

وحق الجناية لا يمنع جواز البيع ، أما في الخطإ فلأنه غير مستقر في الجاني ، لأن للمالك أداءه من غيره ، ولأنه حق تعلق به من غير اختيار المالك ، فلا يمنع البيع كالزكاة. وأما العمد فلأنه حي يرجى سلامته ويخشى تلفه فأشبه المريض.

إذا ثبت هذا فإن كانت الجناية خطاء توجب المال ، أو عمدا توجب القصاص ، فعفي على مال فعلى السيد فداؤه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته ، وقيل : بأرش الجناية.

وتزول الحق عن رقبة العبد ببيعه ، لأن الخيار للسيد بين تسليمه وفدائه ، فإذا باعه لزم الفداء لإخراج العبد من ملكه ، ولا خيار للمشتري ، لانتفاء الضرر عنه ، إذ الرجوع على غيره.

هذا إذا كان المولى موسرا ، ولو تعذر استيفاء الدية ، كان للمجني عليه فسخ البيع لأن حقه أقوى من حق المرتهن ، ولهذا لو جنى المرهون قدم حق الجناية على حق المرتهن. ويحتمل أنه لا يلزم المولى فداؤه ، لأنه أكثر ما فيه أنه التزم فداءه فلا يلزم ذلك ، كما لو قال الراهن : أنا أقضي الدين من الرهن ، فحينئذ يبقى الخيار للمجني عليه.

فإن أجاز (١) البيع سقط حقه من الثمن ، وكان باقيا في رقبة العبد إن أجاز على أن الثمن للبائع ، فإن باع المشتري العبد صح ، لأن إجازته تضمنت ملك المشتري تاما. وإن أعتق كان له مطالبته بالدية والأقرب الأول لأنه أزال ملكه عن الجاني فلزمه فداؤه كما لو قتله. ويحتمل إيقاعه موقوفا ، فإن فداه مولاه نفذ وإلا فلا. ويحتمل بطلانه ، لتعلق حق المجني عليه به ، فمنع صحة‌

__________________

(١) في « ر » فإن اختار الفسخ سقط إلخ.

٤٨٤

بيعه كحق المرتهن ، لكن الأول أولى ، لأن الراهن منع نفسه من التصرف بالرهن ، وهنا لم يعقد عقدا ولم يحجر على نفسه في التصرف.

ولو كان البائع معسرا ، لم يسقط حق المجني عليه من العين ، لأن البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه أو ما يقوم مقامه ، ولا يحصل ذلك من ذمة المعسر ، فيبقى الحق في رقبته بحاله مقدما على حق المشتري ، وللمشتري الخيار إن لم يعلم ببقاء الحق في رقبته ، فإن فسخ رجع بالثمن ، وإن لم يفسخ وكانت الجناية مستوعبة لرقبته فأخذها ، رجع المشتري بالثمن أيضا ، لأن أرش مثل هذا جميع ثمنه ، وإن كانت غير مستوعبة لرقبته رجع بقدر أرشه.

ولو كان عالما بعيبه راضيا بتعلق الحق به ، لم يرجع بشي‌ء ، لأنه اشترى معيبا عالما بعيبه ، فإن اختار المشتري فداءه فله ذلك والبيع بحاله ، لأنه يقوم مقام البائع في الخيرة بين تسليمه وفدائه على إشكال. وحكمه في الرجوع فيما فداه به على البائع حكم القضاء عنه.

ولو قلنا ببطلان البيع كان السيد على خيرته بين فدائه وبين دفعه إلى المجني عليه.

وإن قلنا بصحة البيع على ما اخترناه ، إما بعد اختيار الفداء أو قبله ، أجبر على تسليمه ، لأنه مختار للفداء ببيعه مع العلم بجنايته ، وقد فوت بالبيع محل الحق ، فأشبه ما لو أعتقه أو قتله.

ولو تعذر تحصيل الفداء ، أو تأخر لإفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس ، فسخ البيع وبيع في الجناية ، لأن حق المجني عليه أقدم من حق المشتري. وإن كانت الجناية عمدا ولا عفو فالخيار هنا للمجني عليه على ما يأتي بين قتله واسترقاقه.

والأقوى هنا صحة البيع أيضا ، لأن استحقاق القتل لا يخرجه عن المالية وتوقع الهلاك لا يقتضي فسخ البيع كتوقع موت المريض المشرف. فإن اختار المجني عليه أو ورثته الاسترقاق ، بطل العقد إن استغرقت الجناية قيمته‌

٤٨٥

وإلا فبقدرها. وإن اختار القصاص ، كان له ذلك ، لتقدم حقه على حق المشتري.

إذا ثبت هذا فإن للمشتري الخيار بين الرد وأخذ الأرش ، فإن اقتص منه تعين الأرش ، وهو قسط ما بينه جانيا وغير جان ، وليس له الرجوع بجميع الثمن إن شاء ، وإن تلفت بسبب مستحق عند البائع ، لأن التلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه ، فأشبه المريض إذا مات بمرضه ، أو المرتد المقتول بردته.

ولو اشتراه عالما بعيبه ، لم يكن له رده ولا أرشه كسائر المبيعات.

ولو أوجبت الجناية قطع يده ، فقطعت عند المشتري ، فقد تعيب في يده ، لأن استحقاق القطع دون حقيقته ، فحينئذ ليس له الرد بالعيب.

تذنيب :

لو أعتق السيد الجاني ، فإن كانت الجناية خطاء وكان موسرا ، صح العتق. ولو تعذر استيفاء الفداء فكذلك لنفوذه أولا ، لأنه سبيل من نقل حق المجني عليه إلى ذمته باختياره الفداء ، فإن أعتق انتقل إلى ذمته بخلاف الرهن.

وإن كان معسرا فالأقوى عدم النفوذ ، لتعلق حق المجني عليه بالرقبة ، ولا تعلق له بذمة السيد ، فنفوذ العتق تبطل الحق بالكلية. ويحتمل نفوذه ، لأنه صادف ملكا ، وحينئذ تتعلق الجناية بذمة العبد ، وهل تتعلق بالعاقلة؟ إشكال ، ينشأ : من عدم العقل حال الجناية ، ولا بد لأرشها من مقر ، فلا ينتقل بالعتق.

ولو استولد الجانية ، فالأقوى تعلق حق المجني عليه برقبتها ، فإن كانت الجناية عمدا ، تخير بين القصاص والاسترقاق. وإن كانت الجناية خطاء ، فإن فداها المولى فهي باقية على الاستيلاد ، وإلا كان الحق متعلقا برقبتها تباع فيه.

٤٨٦

المطلب الخامس

( في العلم )

يجب كون المبيع معلوما ليعرف ما ملك بإزاء ما بذل ، فينتفي الغرر. ومعلوم أنه لا يشترط العلم بالمبيع من كل وجه ، بل يجب العلم بثلاثة أشياء : عن المبيع ، وقدره ، وصفته ، فهنا مباحث :

البحث الأول

( العلم بالعين )

ويشترط العلم بالعين ، فيخرج ما لو قال : بعتك عبدا من العبيد أو أحد عبدي أو عبيدي هؤلاء أو شاة من القطيع ، فإنه باطل.

وكذا لو قال : بعتك عبيدي أو قطيعي إلا واحدا ولم يعين المستثنى ، لأن المبيع غير معلوم. ولا فرق بين أن يتساوى قيم العبيد والشياه أو تختلف.

وكذا لو قال : على أن تختار أيهم شئت ، سواء قدر زمان الاختيار أو لا. أو قال : بعتك أجودهم ، إلا أن يعرفاه حال العقد.

ولو لم يكن له إلا عبد واحد ، فحضر في جماعة من العبيد ، وقال السيد ، بعتك عبدي من هؤلاء ، والمشتري يراهم ولا يعرفه بعينه ، بطل لعدم تعيينه.

ويصح بيع الجزء الشائع من كل جملة معلومة من أرض ودار وعبد وغلة وثمرة وغير ذلك. ويصح لو باع جزءا شائعا من شي‌ء بمثله من ذلك الشي‌ء ، كما لو كان بينهما نصفين ، فباع هذا نصفه بنصف ذلك ، لاجتماع الشرائط فيه ، وتظهر له فوائد :

الأول : أن يملكا أو أحدهما نصيبه بالهبة من أجنبي ، فإنه ينقطع ولاية الرجوع.

٤٨٧

الثاني : لو ملكه بالشراء ثم اطلع بعد هذا التصرف على عيب ، لم يملك الرد.

الثالث : أن يكون أحدهما أو كلاهما مرهونا وتخير المرتهن البيع ، فإنه يخرج الجميع عن الرهانة ، إلى غير ذلك من الفوائد ولو باع الجملة واستثنى منها جزءا شائعا ، فهو صحيح أيضا ، كأن يقول : بعتك هذه الثمرة إلا ربعها ، أو قدر الزكاة منها.

ويشترط العلم بالجزء المستثنى ، فلو جهلاه بطل البيع ، كأن يقول : بعتك هذا العبد إلا بعضه ، أو إلا شيئا منه ، أو إلا جزءا ، أو إلا سهما. ولا يحمل على الوصية إلا أن يقصد له. وكذا يجوز الاستثناء في الثمن.

وبالجملة إذا استثني الجزء المعلوم المشاع في أحد العوضين ، كان الآخر في مقابلة الباقي.

ولو قال : بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يساوي ألفا بسعر اليوم ، قال الشيخ : يبطل مطلقا للجهالة (١). والوجه ذلك إلا أن يعلما سعر اليوم.

ولو قال : إلا ما يخص ألفا. فإن أراد ما يساوي ألفا عند التقويم ، بطل للجهالة. وإن أراد ما يخص ألفا عند تقسيط جميع الثمرة على أربعة آلاف ، صح البيع في ثلاثة أرباعها بجميع الثمن. وإن أراد ما يخص ألفا من المبيع بعد الاستثناء ، دخلها الدور حينئذ ، لتوقف معرفة قدر كل من المبيع والاستثناء على الآخر ، فإن عرفاه بالجبر والمقابلة ، صح البيع في أربعة أخماسها بجميع الثمن ، لأنا نقول : صح البيع في الجميع إلا في شي‌ء ، وذلك الشي‌ء هو ما يقابل الألف بجميع الثمن ، فإذا جبرنا الثمن بشي‌ء وزدنا على الألف ما يقابله وهو ألف ، صارت الثمرة بأجمعها تعدل خمسة آلاف ، فالمقابل للألف الخمس.

ولو قال : بعتك نصفي من ميراث أبي من هذه الأرض ، فإن عرف القدر صح ، ولو جهله بطل. ولو عرف عدد الورثة وقدر الاستحقاق إجمالا ،

__________________

(١) المبسوط ٢ ـ ١١٦.

٤٨٨

فالأقوى الصحة فيكون له ما يقتضيه الحساب.

وكذا لو قال : بعتك جزءا من مائة وأحد عشر جزءا ، فإنه يصح وإن جهل النسبة.

وكذا يصح لو عكس بأن يقول بعتك نصف تسع عشر هذا الموضع وجهل القدر من السهام.

وكذا لو باع من اثنين صفقة قطعة أرض على الاختلاف ، بأن ورث من اثنين مختلفين ، وجعل لكل واحد منهما أحد النصيبين وللآخر الباقي ، فإنه يصح وإن جهلا قدر نسبة النصيب إلى الجميع في الحال ونسبة النصيب في الثمن ، ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب ، إذ الثمن في مقابلة الجملة ، فلا يضر جهالة الآخر.

فروع من هذا الباب :

الأول : لو قال بعتك خمسة أرطال على سعر المائة باثني عشر ، صح وإن جهل في الحال قدر الثمن ، لأنه مما يعلم بالحساب.

وطريقه هنا أن نقول : نسبة المائة إلى ثمنها وهو اثنا عشر ، كنسبة خمسة إلى ثمنها ، فالمجهول هو المرتفع ، فيضرب الثاني وهو اثنا عشر في الثالث وهو خمسة ، تبلغ ستين ، تقسمها على الأول وهو مائة ، تخرج ثلاثة أخماس ، وهو ثمن المبيع. أو نقول الاثنا عشر وخمس عشر المائة ، فتأخذ بهذه النسبة من الخمسة.

ولو قال : بعتك بخمسة دراهم على سعر المائة باثني عشر ، أخذت ربع وسدس المائة ، لأن الخمسة ربع وسدس الاثني عشر.

الثاني : لو كان له ثلاث قطاع من الغنم ، ثانيها ثلاثة أمثال أولها ، وثالثها ثلاثة أمثال ثانيها ، فاشترى آخر منه ثلثي الأول وثلاث أرباع الثاني وخمسة أسداس الثالث ، اجتمع له مائة وخمسة وعشرون رأسا.

٤٨٩

وطريق ذلك : معرفة قدر كل قطيع ، أن نقول : نفرض القطيع الأول شيئا ، والثاني ثلاثة أشياء ، والثالث تسعة أشياء ، فيأخذ ثلثي شي‌ء وثلاثة أرباع ثلاثة أشياء وخمسة أسداس تسعة أشياء ، ويجمعها فتكون عشرة أشياء وربع وسدس شي‌ء ، وهو يعدل مائة وخمسة وعشرين ، فالشي‌ء يعدل اثني عشر.

الثالث : لو كان له قطعة أرض بين شجرتين ، وقدرها أربع عشر ذراعا ، وطول إحدى الشجرتين ستة ، وطول الأخرى ثمانية ، فاجتاز ظبي بينهما ، فطار إليه طائران من الرأسين بالسوية ، حتى تلاقيا على رأس الظبي ، فباع القطعة من اثنين بثمن واحد بصفقة واحدة ، لأحدهما من أصل الشجرة إلى موضع الظبي ، وللآخر من موضع الظبي إلى أصل الأخرى.

فطريق معرفة حق كل واحد منهما : أن تجعل ما بين أصل الشجرة القصيرة إلى موضع الظبي شيئا ، وتضربه في نفسه ، فيكون الحاصل مالا ، وتضرب طولها وهو ستة في نفسه ، فيكون المجموع مالا وستة وثلاثين ، وجذره مقدار ما طار الطائر ، لأنه وتر القائمة ، فيكون مربعه مساويا لمجموع مربعي ضلعها بشكل العروس.

ويبقى من موضع الظبي إلى أصل الأخرى أربعة عشر الأشياء مربعة مائة وستة وتسعون ، ومالا إلا ثمانية وعشرين شيئا ، وهو يعدل مالا وستة وثلاثين ليساوي الوترين حيث طارا بالسوية ، فإذا جرت وقابلت بقي مائتان وأربعة وعشرون تعدل ثمانية وعشرين شيئا ، فالشي‌ء يعدل ثمانية ، وهو ما بين أصل القصيرة والظبي ، فيبقى ما بينه وبين أصل الأخرى يعدل ستة ، فكل وتر عشرة.

الرابع : لو باع اثنين صفقة قطعة أرض على هيئة مثلث ، قاعدته أربعة عشر ذراعا ، وآخر ضلعيه الباقيين ثلاثة عشر والآخر خمسة عشر ، على أن يكون لأحدهما من مسقط العمود في القاعدة إلى أحد الضلعين. وللآخر منه إلى الضلع الآخر ، وبسط الثمن على الأذرع.

٤٩٠

فطريق معرفة نصيب كل منهما أن تقول : نفرض ما بين الضلع الأقصر ومسقط العمود شيئا ، فيكون مربعه مالا ، ومربع الضلع مائة وتسعة وستون ، فإذا نقص المال منه بقي مربع العمود ، فمربع العمود مائة وتسعة وستون إلا مالا ، ويبقى من مسقط العمود إلى الطرف الآخر أربعة عشر إلا شيئا ، ومربعه مائة وستة وتسعون ومال إلا ثمانية وعشرين شيئا.

وينقص من مربع الأطول وهو مائتان وخمسة وعشرون ، ويبقى تسعة وعشرون وثمانية وعشرون شيئا إلا مالا ، وهو مربع العمود ، ويكون معادلا لمائة وتسعة وستين إلا مالا. فإذا قابلت بقي مائة وأربعون ، تعدل ثمانية وعشرين شيئا ، فالشي‌ء خمسة ، وهو ما بين طرف القاعدة التي تلي الأقصر ومسقط العمود ، ومربعه خمسة وعشرون.

وإذا أسقطناه من مائة وتسعة وستين ، بقي مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربع العمود. ومن الجانب الآخر يكون ما بين مسقط العمود وطرف القاعدة تسعة مربعة أحد وثمانون ، فإذا أسقطناه من مائتين وخمسة وعشرين يبقى مائة وأربعة وأربعون ، وهو مربع العمود ، والعمود يكون اثني عشر.

الخامس : لو قال زيد لعمرو : أعطني ثلث ما معك ليتم لي ثمن المبيع ، وقال عمرو له : بل أعطني ربع ما معك ليتم لي الثمن.

فطريق معرفة قدر الثمن وقدر ما مع كل واحد منهما : أن نفرض ما مع زيد شيئا وما مع عمرو ثلاثة ليصح الثلث ، فإذا أخذ زيد واحدا صار معه شي‌ء وواحد ، وهو ثمن المبيع. وإذا أخذ عمرو ربع ما مع زيد صار معه ثلاثة وربع شي‌ء ، وهو ثمن المبيع ، فشي‌ء وواحد يعدل ثلاثة وربع شي‌ء.

فإذا ما قابلت صار ثلاثة أرباع شي‌ء يعدل اثنين ، فالشي‌ء يعدل اثنين وثلثي واحد ، والثمن ثلاثة وثلثا واحد ، فإذا ضممت الكسر ، كان مع زيد ثمانية ومع عمرو تسعة ، فالثمن المبيع أحد عشر.

السادس : لو باع حوض ماء ركز فيه رمح ظهر حال انتصابه ستة أذرع ، ثم مال حتى غاب رأسه في الماء ، وكان بين موضعه وقت الانتصاب وموضع‌

٤٩١

رأسه عند المغيب عشرة أذرع من الجانبين.

فطريق معرفة قدر عمقه : أن نفرض القدر الفائت من الرمح وقت الانتصاب شيئا ، فيكون مربعه مع مربع العشرة مساويا لمربع الرمح بشكل العروس ، ومربع الشي‌ء مال ، ومربع العشرة مائة ، فمربع طول الرمح مال ومائة.

فكان طول الرمح وقت الانتصاب شيئا وستة ، ومربعه مال واثنا عشر شيئا وستة وثلاثون ، لأن الخط إذا قسم بقسمين ، فإن مربعه مساو لمربع كل قسم ، ويضرب أحد القسمين في الآخر مرتين ، فالمال ضرب الشي‌ء في نفسه ، وثلاثون (١) ضرب ستة في نفسه واثنا عشر شيئا ضرب ستة في الشي‌ء مرتين ، وهو يعادل المال ومائة.

وبعد المقابلة يبقى أربعة وستون تعدل اثني عشر ، ويكون الشي‌ء خمسة وثلثا ، وطول الرمح أحد عشر وثلث ذراع ، فالفاضل عن ستة عمق الماء.

والمسائل كثيرة ذكر منها هذا للتدرب.

البحث الثاني

( في بقايا مسائل يشترط العلم بالعين )

الأول : لو باعه ذراعا من أرض أو ثوب ، وهما يعلمان جملة الذرعان ، كما لو علما أن الجملة عشرة ، صح البيع إن قصد الإشاعة. فكأنه قال : بعت العشر. ولو عنى معينا فسد ، كقوله شاة من قطيع.

ولو أطلقا ، فالأقوى البطلان ، لاحتمال انصرافه إلى كل منهما ، فحمل انصرافه إلى الإشاعة وإلى المنفعة المجهولة ، فتضاعف الجهالة فيه. ويحتمل الصحة ، صرفا للعقد إلى الصحة ، ولأصالة عدم التعيين.

ولو اختلفا فقال المشتري : أردت الإشاعة والعقد الصحيح ، وقال‌

__________________

(١) في « ر » وستة وثلاثون.

٤٩٢

البائع : بل أردت معينا ، فالأقرب تصديق البائع ، لأنه أعرف بقصده ، ودلالة لفظه التابعة لإرادته. ويحتمل تصديق المشتري ، عملا بأصالة الصحة وأصالة عدم التعيين. ويحتمل البطلان وإن قصد الإشاعة ، لأن الذراع اسم لمنفعة مخصوصة ، فيكون المبيع مبهما.

ولو لم يعلما أو أحدهما قدر الذرعان من الأرض والثوب ، بطل البيع ، لتفاوت أجزائهما غالبا في المنفعة والقيمة ، والإشاعة متعددة.

ولو وقف على طرف الأرض وقال : بعتك كذا ذراعا من موقفي هذا في جميع العرض إلى حيث ينتهي الطول ، لم يصح على إشكال ، ينشأ : من العلم به مشاهدة. ومن جهالة القدر ، لأن الموضع الذي ينتهي إليه لا يعلم حال العقد.

وكذا لو قال : بعتك نصف داري مما يلي دارك ، فإنه لا يصح ، لأنه لا يعلم أين ينتهي ، فيكون مجهولا.

الثاني : لو باعه صاعا من صبرة وعلما مبلغ الصيعان ، صح العقد ، وفي تنزيله وجهان :

أحدهما : المبيع صاع من الجملة غير مشاع أي صاع كان ، لعدم اختلاف المقصود ، فحينئذ يبقى المبيع ما بقي صاع. وإذا تلف بعض الصبرة لم يتقسط (١) المبيع وغيره.

ثانيهما : الحمل على الإشاعة ، فإذا كانت عشرة فالمبيع عشرها. ولو تلف بعض الصبرة ، تلف بقدره من المبيع.

ولو جهلا أو أحدهما مبلغ الصيعان ، احتمل البطلان ، لأن المبيع غير معين ولا موصوف ، فأشبه ما لو باع ذراعا من أرض أو ثوب ، وجملة الذرعان مجهولة. والصحة ، فيكون المبيع صاعا أيّ صاع كان ، حتى لو تلف الجميع إلا صاعا تعين العقد فيه. ويتخير البائع بين أن يسلم من أعلى الصبرة أو‌

__________________

(١) في « ر » لم يسقط.

٤٩٣

أسفلها ، وإن لم يكن الأسفل مرئيا ، لأن رؤية ظاهر الصبرة كرؤية جميعها ، بخلاف الذراع من الأرض أو الثوب ، لأن أجزاء الصبرة الواحدة لا تختلف.

والثاني أظهر في المذهب ، والأول أقوى في النظر ، لأنه لو فرق صيعان الصبرة وقال : بعتك واحد منها لم يصح ولا فرق سوى الجمع والتفريق ولا مدخل له في الصحة والمنع ولأنه لو قال بعتك هذه الصبرة إلا صاعا منها لم يصح ، إلا أن يكون الصيعان معلومة.

ولا فرق بين استثناء المعلوم من المجهول ، أو استثناء المجهول من المعلوم في كون الباقي مجهولا.

والتحقيق أن نقول : إن جعلنا علة بطلان البيع في بيع عبد من عبدين الغرر الذي فيه مع سهولة الإخبار عنه ، صح البيع هنا ، لانتفاء الغرر هنا ، لتساوي أجزاء الصبرة. وإن جعلناها افتقار البيع إلى محل معين ، لم يصح ، لعدم التعيين هنا كالعبد.

وأيضا يحتمل أن يقال : إنه مبني على الشرط في العلم بالصيعان ، فإن قلنا المبيع هناك مشاع في الجملة ، بطل هنا لتعذر الإشاعة. وإن قلنا المبيع صاع غير مشاع ، صح هنا ، وعلى تقدير البطلان مع الجهالة ، يحتمله مع العلم ، كما في بيع عبد من عبدين.

الثالث : إبهام السلوك كإبهام المبيع ، كما لو باع أرضا محفوفة بملك البائع من جميع الجانب ، وشرط المشتري حق الاستطراق من جانب ولم يعينه ، بطل البيع ، لاختلاف الأغراض باختلاف الجهات فربما أدى الأمر إلى المنازعة ، فالجهالة في الحقوق كالجهالة في المعقود عليه. ولو عينه من جانب ، صح.

وكذا يصح لو قال : بعتك بحقوقها ، ويثبت للمشتري حق الممر من جميع الجوانب ، كما كان ثابتا للبائع قبل البيع.

ولو أطلق ولم يتعرض للممر ، احتمل الصحة ، لأن مطلق البيع يقتضي حق الممر ، لتوقف الانتفاع عليه ، فأشبه ما لو قال : بعتكها بحقوقها ، ولأنه‌

٤٩٤

على تقدير عدم اقتضاء مطلق البيع حق الممر ، يمكنه التدرج إلى الانتفاع بتحصيل ممر بالعارية أو بالشراء ، فأشبه ما لو بقي الممر. والبطلان ، لعدم الانتفاع بها في الحال. وكذا لو نفى الممر احتمل الوجهان.

ولو كانت الأرض ملاصقة للشارع وأطلق المبيع ، صح الانتفاع بها في الحال ، وليس للمشتري الاستطراق في ملك البائع ، لأن العادة في مثلها الدخول من الشارع فينزل الأمر عليها. ولو كانت ملاصقة لملك المشتري فكالشارع ، ولا يملك المشتري الاستطراق في الباقي.

ولو قال : بحقوقها ، كان له الاستطراق في ملك البائع ، سواء كانت ملاصقة للشارع أو لملك المشتري.

ولو باع دارا واستثنى لنفسه بيتا ، فله الممرّ إن قال بحقوقه : ولو أطلق فالأقرب ذلك أيضا ، سواء كان له طريق غيره على إشكال أو لا. ولو نفى الممر ، صح وإن لم يكن له طريق غيره.

البحث الثالث

( في شرط العلم بالقدر )

يشترط العلم بالقدر فيما يكال أو يوزن ، مبيعا كان أو ثمنا ، سواء كان في الذمة كالسلم والنسية ، أو معينا مشاهدا.

فلو قال : مل‌ء هذا البيت حنطة ، أو بزنة هذه الصنجة ذهبا ، لم يصح.

وكذا لو قال : بعت بما باع به فلان فرسه أو ثوبه ، وهما يجهلانه أو أحدهما ، لأنه غرر يسهل (١) الإخبار عنه. ولو قلنا في الصبرة بالصحة ، احتمل هنا لإمكان الاستكشاف وإزالة الجهالة.

وللشيخ رحمه‌الله قول بجواز بيع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر ،

__________________

(١) في « ر » سيهل.

٤٩٥

كما لو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم ، أو قال : بعتك بهذه الدراهم وهي مشاهدة ، ربطا للعقد بالمشاهدة ، وحصول العلم بالرؤية ، فيصح كبيع الحيوان والثوب.

ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة ، فإنه يشق لكون الحب بعضه على بعض ، ولا يمكن بسطه حبة حبة ، ولأن أجزاءه متساوية ، فاكتفى برؤية ظاهره ، بخلاف الثوب فإن نشره لا يشق ويختلف أجزاؤه ، ولا يحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة ، لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرف وهو الرؤية ، والحق بطلان البيع ، لثبوت الغرر.

وكذا لا يصح لو قال : بعتك نصف هذه الصبرة أو ثلثها ، ويستحب على قول الشيخ.

ولو قال : بعتك بمائة دينار إلا عشرة دراهم ، لم يصح إلا أن يعلما قيمة الدينار بالدرهم.

ولو قال : بعتك بألف من الدنانير والدراهم ، لم يصح لجهالة قدر كل واحد منها. ويحتمل الصحة ، فيحمل على التنصيف.

وإذا باع بدراهم أو دنانير ، فلا بد من العلم بنوعها ، فإن كان في البلد نقد واحد ، أو نقود مختلفة وغلب أحدها ، انصرف العقد إليه ، وإن كان فلوسا إلا أن يعين غيره.

وإن كان نقد البلد مغشوشا وعهدت المعاملة به ، انصرف الإطلاق إليه ، وصح إن كانت النقرة معلومة ، لأن المقصود إذا لم يتميز عما ليس بمقصود ، أدى إلى جهالة الثمن. ويحتمل الصحة مع جهالة قدرها ، لأن العلم بالجملة حاصل ، فلا تضر جهالة الأجزاء ، ولا فرق بين أن يكون الغش غالبا أو مغلوبا.

ولو باع شيئا بدراهم مغشوشة ، ثم بان قلة النقرة ، فله الرد.

ولو تعددت نقود البلد ولا غالب ، فالبيع باطل إلا أن يعين أحدها.

٤٩٦

وتقويم المتلفات يكون أيضا بغالب البلد. فإن تساوى النقدان عين الحاكم واحدا للتقويم. ولو غلب من جنس العرض نوع ، احتمل انصراف الإطلاق إليه كالنقد.

ولو باع صاعا من حنطة بصاع منها أو بشعير في الذمة ، ثم أحضرا قبل التفرق صح ، والأجود المنع ، لتعلق الأغراض بخصوصيات الأعيان في المبيع دون الثمن ، لأنه غير مراد لذاته.

وكما ينصرف النقد إلى الغالب ، كذا ينصرف في الصفات إليه ، حتى لو باع بدينار أو بعشرة والمعهود في البلد الصحاح ، انصرف العقد إليه. وإن كان المعهود المكسرة ، فكذلك إلا أن يتفاوت قيم المكسرة ، فلا بد من التعيين.

ولو كان المعهود أن يؤخذ نصف الثمن من هذا والنصف من ذاك ، أو أن يؤخذ على نسبة أخرى ، صح البيع حمل عليه.

ولو كان يعهد التعامل بهذا مرة وبذلك أخرى ولا تفاوت ، صح وسلم ما شاء. ويحتمل الصحاح ، لأن الكسر عيب والإطلاق إنما يحمل على السليم. ولو كان بينهما تفاوت ، فالأقرب الحمل على الصحة. ويحتمل السليم. ويحتمل البطلان للجهالة [ كما لو تعدد أو نفل العام ] (١).

ولو قال : بعت بألف صحاح ومكسرة ، فالأقوى الصحة ويحمل على التصنيف. ويحتمل البطلان للجهالة.

ولو قال : بعت بدينار صحيح ، فجاء بصحيحين ووزنهما مثقال ، لم يجب القبول وإن اتحد الغرض ، لأنه غير المشترط. وكذا لو جاء بصحيح وزنه مثقال ونصف ، لما في الشركة من الضرر ، وعدم وجوب قبول الأمانة. فإن تراضيا عليه جاز. ولو أراد أحدهما كسره ، لم يجبر عليه ، لما فيه من الضرر.

ولو باع بنصف دينار صحيح وشرط أن يكون مدورا ، جاز إن عم وجوده ، وإن لم يشترط فعليه شق وزنه نصف مثقال ، فإن سلم إليه صحيحا‌

__________________

(١) الزيادة من « ر ».

٤٩٧

وزنه مثقال وتراضيا على الشركة جاز.

ولو باعه آخر بنصف دينار ، لم يجب صحيح عنهما ، فإن دفعه فقد زاده خيرا. ولو سلم قطعتين كل واحدة نصف فهو الواجب. ولو شرط في العقد الثاني تسليم الصحيح عنهما ، فالأقوى عندي الصحة.

ولو باع بنقد ثم انقطع عن أيدي الناس ، بطل العقد لعدم القدرة على التسليم. وإن كان لا يوجد في تلك البلدة ويوجد في غيرها ، فإن كان الثمن حالا أو مؤجلا إلى مدة لا يمكن نقله ، بطل أيضا ، وإن كان إلى مدة يمكن نقله صح ، ثم إن حل الأجل ولم يحضره ، فهو كما لو انقطع المسلم فيه. وإن كان لا يوجد في البلد إلا أنه عزيز ، فالأقوى الجواز. فإن تعذر التسليم ، فالوجه تخير البائع.

ولو كان النقد الذي جرى به التعامل موجودا ثم انقطع ، فهو كانقطاع المسلم فيه. ويحتمل لزوم العقد ، ويثبت في الذمة القيمة.

ولو باع شيئا بنقد معين أو مطلقا ، وحملناه على نقد البلد ، وأبطل السلطان ذلك النقد ، لم يكن للبائع إلا ذلك النقد ، كما لو أسلم في حنطة فرخصت ، لم يكن له سواها. ويحتمل تخير البائع بين إجازة العقد بذلك النقد والفسخ ، كما لو تعيب قبل القبض.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم ، فإن علما قدرها صح ، وإن جهلا جملة الثمن ويرجعان إلى ما يقتضيه الحساب. ولو جهلاه أو أحدهما ، فالأقوى بطلان البيع. ويحتمل الصحة في قفيز واحد. أما لو قالا في الأرض أو الثوب ذلك مع الجهالة ، فإن البيع باطل قطعا.

ولو قال : بعتك عشرة من هذه الأغنام بكذا ، بطل وإن علما قدر الغنم ، لاختلاف قيمة الشياه ، بخلاف الصبرة.

ولو قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب أو هذه الأغنام كل ذراع وكل رأس بدرهم ، مع علمهما بالقدر صح.

٤٩٨

ولو قال : بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم كل صاع بدرهم ، أو قال مثله في الثوب أو الأرض ، فإن خرج كما ذكر ، صح البيع إن باعهما على هذا التقدير.

وإن خرج زائدا أو ناقصا ، احتمل البطلان ، لأنه باع جملة الصبرة بالعشرة ، بشرط مقابلة كل صاع بدرهم ، والجمع بينهما عند الزيادة والنقصان محال. والصحة للإشارة إلى الصبرة ويلغى الوصف ، فإن خرج ناقصا تخير المشتري ، فيحتمل بين الإمضاء بجميع الثمن لمقابلة الصبرة به ، أو بالقسط لمقابلته كل صاع بدرهم.

وإن خرج زائدا ، احتمل أن تكون الزيادة للمشتري ، لأن جملة الصبرة مبيعة منه فلا خيار له ، وفي البائع إشكال ، ينشأ : من رضاء ببيع الجميع ، وأن يكون للبائع فلا خيار له. والأقرب ثبوته للمشتري ، إذ لم يسلم إليه جميع الصبرة.

وإذا جوزنا بيع الصبرة المشاهدة مع جهالة القدر ، فلو كانت على موضع من الأرض فيه ارتفاع وانخفاض ، ثبت الخيار هنا عند معرفة مقدار الصبرة ، أو التمكن من تخمينها برؤية ما تحتها.

ولو باع الصبرة والمشتري يظن أنها على استواء الأرض ، ثم بان تحتها ارتفاع ، احتمل البطلان في أصل العقد ، لأنا تبينا بالآخر أن العيار لم يفد علما. والصحة مع الخيار للمشتري ، تنزيلا لما ظهر منزلة العيب والتدليس.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة إلا صاعا ، فإن علما قدر الصيعان ، وإلا فالوجهان.

البحث الرابع

( في شرط العلم بالصفة )

يشترط العلم بصفة البيع ، إما بالمشاهدة ، أو بالوصف الرافع للجهالة ،

٤٩٩

كما يوصف في السلم ، لثبوت الغرر مع إهماله ، فالمبيع إن كان معينا وكان غائبا أو حاضرا لم ير ، وجب وصفه بما يرفع الجهالة.

فإن لم يكن ضبط أوصافه المقصودة ، لم يصح البيع إلا مع المشاهدة. وإن كان كليا ، وجب وصفه أيضا لذلك ، لكن انحصار المبيع في الأول في ذلك المعين.

ولو تلف قبل القبض ، بطل البيع لعدم محله. ولو تلف بعضه ، بقي الباقي مبيعا بقدر قسطه من الثمن ويتخير المشتري.

وأما الثاني فلا ينحصر في عين دون أخرى ، بل أيّ عين دفعها بالصفات انصرف البيع إليها ، واستفاد المشتري الانتفاع بتلك العين الشخصية ، ولم يكن للبائع الرجوع فيها ، وإن لم يتناولها العقد بالخصوصية. ولا يبطل البيع بتلف أي عين كانت قبل الدفع ، بل يجب عوضها.

ولا فرق في البطلان بين أن لا يراه أحدهما أو لا يرياه معا ، لأنه عليه‌السلام نهى عن بيع الغرر (١). ولأنه مبيع مجهول الصفة عند العاقد حال العقد ، فلم يصح بيعه ، كما لو أسلم في شي‌ء ولم يصفه ، ومع الوصف يتخير المشتري إن لم يجده على الوصف ، لقوله عليه‌السلام : من اشترى شيئا لم يره فله الخيار إذا رآه (٢). وإنما يثبت الخيار في العقود الصحيحة.

وكما يشترط الوصف الرافع للجهالة في شراء الغائب ، فكذا في إجارته ، أو جعله مال الإجارة ، أو مال الصلح ، أو رأس مال السلم ، ثم يسلم في مجلس العقد.

ولو أصدقها عينا غائبة ، فالأقوى صحته لتسامح الجهالة فيه. أما لو خالعها عليها أو على القصاص فإشكال ، فإن أبطلنا المسمى ، وجب مهر المثل على الرجل في النكاح وعلى المرأة في الخلع ، والدية على المعفو عنه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ ـ ٧٣٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ ـ ٣٦١ ب ١٥ ما يدل على ذلك.

٥٠٠