نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

ولو ابتدأ بسفر الطاعة ، ثم عدل إلى قصد المعصية ، انقطع ترخصه حينئذ ، فإن عاد إلى سفر الطاعة ، عاد إلى الترخص إن كان الباقي مسافة ، وإن لم يكن لكن بلغ المجموع من السابق والمتأخر مسافة ، احتمل القصر ، لوجود المقتضي ، وهو قصد المسافة مع انتفاء مانعية قصد المعصية. والمنع اعتبارا بالباقي ، كما لو قصد الإقامة في أثناء المسافة.

ولا يترخص العاصي بسفره في تناول الميتة عند الاضطرار ، لما فيه من التخفيف على العاصي ، وهو متمكن من دفع الهلاك عن نفسه ، بأن يتوب ثم يأكل ، ويحتمل الجواز ، لاشتماله على إحياء النفس المشرفة على الهلاك ، ولأن المقيم متمكن من تناول الميتة عند الاضطرار ، فليس ذلك من رخص السفر ، فأشبه تناول الأطعمة المباحة لما لم يكن من خصائص السفر ، لم يمنع منه العاصي بسفره ، والأشهر الأول.

ولو عدم الماء في سفر المعصية ، وجب التيمم ، ولم يجز له ترك الصلاة ، والأقرب عدم وجوب الإعادة ، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ولو وثب من بناء عال أو من جبل متلاعبا ، فانكسرت رجله ، صلى قاعدا ولا إعادة ، لأن ابتداء الفعل باختياره دون دوام العجز.

والسفر لزيارة القبور والمشاهد يوجب الرخص ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتي قبا راكبا وماشيا ويزور القبور ، وقال : زوروها تذكركم الآخرة (١).

ولو سافر للتنزه والتفرج ، فالأقرب الترخص لإباحته ، أما اللاهي بسفره كطالب الصيد لهوا وبطرا ، فإنه لا يقصر ، لأن زرارة سأل الباقر عليه‌السلام عمن يخرج من أهله بالصقورة والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أم لا؟ فقال : لا يقصر إنما خرج في لهو (٢). ولأن اللهو حرام فالسفر له معصية.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ ـ ٥٠٠ الرقم ١٥٦٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥١١ ح ١.

١٨١

ولو كان الصيد لقوته وقوت عياله ، وجب القصر في الصلاة والصوم إجماعا ، لقول الصادق عليه‌السلام : إن خرج لقوته وقوت عياله ، فليفطر وليقصر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة (١).

ولو كان الصيد للتجارة ، فكذلك على الأقوى لإباحته. وقول الشيخ : يقصر في الصلاة دون الصوم ، ليس بمعتمد ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت (٢).

ولو قصد مسافة ، ثم عدل في أثنائها إلى الصيد لهوا ، أتم عند عدوله وقصر عند عوده.

وسالك الطريق المخوف اختيارا مع عدم التحرز عاص ، ليس له الترخص.

المطلب الخامس

( فيما ظن أنه شرط وليس كذلك )

وهو أمور خمسة :

الأول : لا يشترط في القصر وجوب السفر عند علمائنا ، لأنه تعالى علق القصر على الضرب في الأرض.

الثاني : لا يشترط كون السفر طاعة ، فيجب الترخص في المباح ، لما تقدم.

الثالث : لا يشترط الخوف ، بل يجب القصر في سفر الأمن ، لقول يعلى بن أمية لعمر : ما بالنا نقصر وقد آمنا؟ فقال عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته (٣). وسافر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين مكة والمدينة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥١٢ ح ٥.

(٢) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٣٠ ح ١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ ـ ٣٣٩ الرقم ١٠٦٥.

١٨٢

آمنا لا يخاف إلا الله تعالى وصلى ركعتين (١).

الرابع : نية القصر ليست شرطا فيه ، فلو صلى ولم ينو القصر وجب.

وكذا لو نوى الإتمام ، لأن المقتضي لوجوب الإتمام والقصر ليس هو القصد التابع لحكمه تعالى بل حكمه تعالى ، فلا يتغير الفرض بتغير النية ، بل لو نوى المخالف ، لم يجز ووجب ما حكم به تعالى.

ولو نوى الإتمام في المواطن الأربعة التي تستحب فيها الإتمام لم يجز. وكذا لو نوى القصر ، بل يبقى على التخيير عملا بالاستصحاب.

ولو كان في الصلاة فشك هل نوى الإقامة أم لا؟ لزمه القصر عملا بالاستصحاب.

ولو وصل إلى بلده في السفينة ، فشك هل هي بلدة إقامته؟ فالأقرب وجوب القصر ، للاستصحاب ، مع احتمال الإتمام ، لوقوع الشك في سبب الرخصة.

ولو صلى أربعا سهوا ، ثم عزم على إقامة عشرة قبل التسليم ، احتمل أن يقوم فيصلي ركعتين غيرهما ، لأنه ساه في فعلهما ، فلا يحتسب به عن الفرض. ولو قصد الإتمام ساهيا ، أعاد في الوقت خاصة.

الخامس : لا يشترط في القصر عدم الايتمام بالمقيم ، فلو ائتم مسافر بمقيم قصر المسافر ، وقد تقدم.

المطلب السادس

( في بقايا مباحث هذا الباب )

وهي :

الأول : الواجب على المسافر القصر عندنا ، فلو أتم عامدا أعاد في الوقت‌

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٤٥.

١٨٣

وخارجه ، سواء قعد قدر التشهد أو لا ، لأن الزيادة في الفريضة عمدا مبطلة (١). وقول ابن عباس : من صلى أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين. وسئل الصادق عليه‌السلام صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر؟ قال : أعد (٢).

ولو أتم جاهلا بوجوب القصر ، لم يعد مطلقا عند أكثر علمائنا ، لقوله عليه‌السلام : الناس في سعة ما لم يعلموا. وقول الباقر عليه‌السلام : إن كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسرت له أعاد ، وإن لم يكن قرأت عليه ، ولم يعلمها لم يعد (٣).

وإن أتم ساهيا ، أعاد في الوقت لا خارجه ، لأنه لم يفعل المأمور به على وجهه ، فيبقى على عهدة التكليف ، وبعد الوقت يكون قضاء ، والأصل عدمه. وقول الصادق عليه‌السلام في الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات إن ذكر في ذلك اليوم فليعد ، وإن لم يذكر حتى مضى ذلك اليوم فلا إعادة (٤).

الثاني : لو قصر المسافر اتفاقا من غير علم بوجوبه ، أو جهل المسافة فاتفق الإصابة ، لم يجزيه الصلاة ، لأن القصر إنما يجوز مع علم السبب أو ظنه ، فالدخول الذي فعله منهي عنه في ظنه ، فلا يقع مجزيا.

ولو ظن المسافة فأتم ، ثم علم القصور ، احتمل الإجزاء للموافقة ، ولرجوعه إلى الأصل ، وعدمه لإقدامه على عبادة يعتقد فسادها ، فلا تقع مجزية عنه.

الثالث : الشرائط في قصر الصلاة والصوم واحدة إجماعا ، وكذا الحكم‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ ـ ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣١ ح ٦.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣١ ح ٤.

(٤) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٠ ح ٢.

١٨٤

على الأقوى ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت (١).

الرابع : إذا نوى المسافر إقامة عشرة في بلد ، أتم على ما تقدم. فإن رجع عن نيته ، قصر ما لم يصل تماما ولو صلاة واحدة. فلو صلى صلاة تمام ولو كانت واحدة أتم ، لأن مجرد النية غير كاف في الإقامة ، فإذا صلى على التمام ، فقد ظهر حكم الإقامة فعلا ، فانقطع السفر بالنية والفعل ، ثم لا يصير مسافرا بالنية ، بل بالضرب في الأرض.

ولو لم يصل صلاة واحدة على التمام ، كان سفره باقيا ، ولقول الصادق عليه‌السلام لما سأله أبو ولاد كنت نويت الإقامة بالمدينة عشرة أيام ثم بدا لي بعدها فما ترى؟ إن كنت صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام ، فليس لك أن تقصر حتى تخرج منها ، وإن كنت دخلتها وعلى نيتك التمام فلم تصل فيها فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ، فأنت في تلك الحال بالخيار ، إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى شهر فأتم الصلاة (٢).

ولو رجع عن نية الإقامة في أثناء الصلاة ، فالأقرب أنه إن تجاوز في صلاته فرض القصر ، بأن ركع في الثالثة وجب الإتمام ، وإلا جاز القصر ، لأن المناط في وجوب الإتمام صلاة تامة ولم توجد في الأثناء.

ولو رجع عن نية الإقامة بعد خروج وقت الصلاة ولم يصل ، فإن كان الترك لعذر مسقط ، صح الرجوع ووجب القصر ، وإن لم يكن لعذر مسقط ، لم يصح ووجب الإتمام إلى أن يخرج على إشكال.

ولو نوى الإقامة فشرع في الصوم ، فالوجه أنه كصلاة الإتمام. لأنه أحد العبادتين المشروطتين بالإقامة ، فقد وجدت النية وأثرها ، فأشبه العبادة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٧ ـ ١٣٠ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٥٣٢ ح ١.

١٨٥

الأخرى. ويحتمل صحة الرجوع ، لعدم المناط وهو الصلاة التامة. وإذا جعلنا الصوم ملزما للإقامة ، فإنما هو الصوم الواجب المشروط بالحضر ، أو النافلة إن شرطنا في صحتها الإقامة.

ولو شرع في نوافل النهار ، فالأقرب أنه كالفرض.

الخامس : لو أحرم بنية القصر ، ثم نوى في الأثناء المقام عشرة أيام ، أتم الصلاة تماما ، لوجود نية الإقامة المنافية لنية السفر.

وإذا دخل بنية القصر ، ثم نوى الإتمام ، لم يجز له الإتمام عندنا ، لأنه غير فرضه إلا أن ينوي المقام عشرا.

السادس : لو أراد السفر إلى بلد ثم إلى آخر بعده ، فإن كان الأول مما يقصر في مثله قصر ، وإلا فلا إن نوى الإقامة في الأقرب عشرة ، وإلا قصر إن بلغ المجموع المسافة ، ولو دخل الأقرب وأراد الخروج إلى الآخر ، اعتبرت المسافة إليه.

ولو قصد بلدا ، ثم قصد أن يدخل في طريقه إلى بلد آخر يقيم فيه أقل من عشرة ، لم يقطع ذلك سفره ، واعتبرت المسافة من البلد الذي أنشأ منه السفر إلى البلد الذي قصده.

ولو خرج إلى الأبعد ، فخاف في طريقه ، فأقام يطلب الرفقة أو ليرتاد الخبر ، ثم طلب غير الأبعد الذي قصده أولا جعل مبتدئا للسفر من موضع إقامته لارتياد الخبر ، لأنه قطع النية الأولى. ولو لم يبد له لكن أقام أقل من عشرة ، قصر.

السابع : لو فارق البلد إلى حيث غاب الأذان والجدران ، ثم عاد إلى البلد لحاجة عرضت له ، لم يترخص في رجوعه وخروجه ثانيا ، إلى أن يغيب عنه الأذان والجدران ، إلا أن يكون غريبا عن البلد ، أو قد بلغ سيره الأول مسافة ، فله استدامة الترخص ، وإن كان قد أقام أكثر من عشرة في بلد الغربة.

١٨٦

الثامن : لو عزم على إقامة عشرة في غير بلده ، ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على العود والإقامة ، أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد. وإن لم يعزم على الإقامة بعد العود ، فالأقوى التقصير.

التاسع : لو قصر في ابتداء السفر ، ثم رجع عن نية السفر ، لم يجب عليه الإعادة ، لأنها وقعت مشروعة ، ولا فرق بين بقاء الوقت وخروجه.

العاشر : لا يفتقر القصر إلى نية ، بل يكفي نية فرض الوقت.

الحادي عشر : لو خرج إلى البلد والمسافة طويلة ، ثم بدا له في أثناء السفر أن يرجع ، فقد انقطع سفره بهذا القصد ، ولم يكن له أن يقصر ما دام في ذلك الموضع ، إلا أن يكون على حد المسافة بينه وبين مبدإ سفره ، فإذا ارتحل عنه فهو سفر جديد ، فإن كان بينه وبين مقصده مسافة قصر ، وإلا فلا.

ولو توجه إلى مكان لا يقصر إليه الصلاة ، ثم نوى مجاوزته إلى بلد يقصر إليه الصلاة ، فابتداء سفره من حين غيّر النية ، فإنما يترخص إذا كان من ذلك الموضع إلى مقصده الثاني مسافة.

ولو خرج إلى سفر طويل على قصد الإقامة في كل أربعة فراسخ عشرة أيام ، لم ترخص ، لانقطاع كل سفر عن الأخرى.

الثاني عشر : هل يحتسب يوما الدخول والخروج من جملة العشرة؟ إشكال ، ينشأ من أن المسافر لا يستوعب النهار بالسير ، إنما يسير في بعضه ، وهو في يومي الدخول والخروج سائر في بعض النهار ، ولأنه يوم الدخول في شغل الخط وتنضيد الأمتعة ، ويوم الخروج في شغل الارتحال ، وهما من أشغال السفر. ويحتمل احتسابهما لا بأجمعهما ، بل يلفق من حين الدخول إلى حين الخروج.

ولو دخل ليلا لم يحتسب بقية الليل ، ويحسب الغد ، والعشرة يعتبر فيها الليل بأيامها.

الثالث عشر : لو كان عالما بوجوب القصر مطلقا ، واستحباب الإتمام في‌

١٨٧

المواطن الأربعة ، ثم جهل حد موضع الحائر مثلا ، فتوهم دخول ما ليس منه فيه ، احتمل إلحاقه بجاهل وجوب القصر ، إذ لا فرق بين الجهل بوجوب القصر مطلقا ووجوبه في هذا الموضع ، وبالعالم. وكذا لو جهل المكاري وشبهه وجوب القصر لو أقام عشرة.

١٨٨

الفصل الثالث

( في صلاة الخوف )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( في مشروعيتها )

وهي ثابتة بالنص والإجماع ، قال الله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (١) الآية ، وصلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عدة مواطن (٢). واتفق العلماء إلا من شذ على أن حكمها باق بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن ما ثبت في حقه عليه‌السلام كان ثابتا في حقنا ، إلا أن يقوم المخصص ، لأنه تعالى أمرنا باتباعه.

وسئل عن القبلة للصائم؟ فأجاب عليه‌السلام بأنني أفعل ذلك ، فقال السائل : لست مثلنا ، فغضب وقال : إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي (٣). ولو اختص بفعله لما كان الإخبار بفعله جوابا ، ولا غضب من قول السائل « لست مثلنا » لأن قوله حينئذ يكون صوابا. وكان أصحابه عليه‌السلام يحتجون بأفعاله وينتمون بها أقواله. وصلى علي عليه‌

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٢.

(٢) جامع الأصول ٦ ـ ٤٧٠.

(٣) جامع الأصول ٧ ـ ١٦٥.

١٨٩

السلام صلاة الخوف ليلة الهرير (١).

وقيل : إنه قبل نزول آية الخوف كان الحكم تأخير الصلاة إلى أن يحصل الأمن ثم يقضى ، ثم نسخ إلى صلاة الخوف ، ولهذا أخر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربع صلوات يوم الخندق.

وهي مشروعة في السفر إجماعا ، وفي الحضر عند جميع علمائنا ، لقوله تعالى ( وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ ) (٢) وهو عام ، ولأنها حالة خوف ، فجاز صلاة الخوف فيها كالسفر.

المطلب الثاني

( في كيفيتها )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في القصر )

صلاة الخوف إن كانت في السفر ، قصرت في العدد إجماعا ، سواء صليت جماعة أو فرادى ، لاستقلال السفر بالقصر ، وإنما يقصر الرباعيات خاصة إلى ركعتين ، وأما البواقي فعلى عددها في الحضر إجماعا.

وإن صليت في الحضر ، فكذلك على الأقوى ، سواء صليت جماعة أو فرادى ، لقوله تعالى ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ ) (٣) وليس المراد بالضرب سفر القصر ، وإلا لكان اشتراط الخوف لغوا. ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة الخوف في المواضع التي صلاها ركعتين ، ولم يرو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٧ ح ١٠.

(٢) سورة النساء : ١٠٢.

(٣) سورة النساء : ١٠١.

١٩٠

عنه أنه صلى أربعا في موضع البتة.

وسأل زرارة الباقر عليه‌السلام عن صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران؟ فقال : نعم ، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه (١).

ولم يشترط الجماعة. ولأن المشقة بالإتمام أكثر من المشقة في السفر ، فكان الترخص فيه أولى.

البحث الثاني

( في صورها )

وهي أربع صورة الأول : ذات الرقاع ، وسميت بذلك لأن فيه جبلا ألوانه مختلفة ، بعضها أحمر وبعضها أسود وبعضها أصفر. وقيل : إنه موضع مر به ثمانية نفر حفاة ، فتشققت أرجلهم وتساقطت أظفارهم ، فكانوا يلفون عليها الخرق ، فسميت لذلك « ذات الرقاع ».

وصورتها : أن يفرقهم الإمام فرقتين ، لينحاز بطائفة إذا التحم القتال واحتمل الحال اشتغال بعضهم بالصلاة إلى حيث لا يبلغهم سهام العدو ، فيصلي بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية انفردوا واجبا وأتموا والأخرى تحرسهم ، ثم تأخذ الأولى مكان الثانية ، وتنحاز الثانية إلى الإمام وهو ينتظرهم ، فيقتدون به في الثانية ، فإذا جلس للتشهد قاموا فأتموا ولحقوا به وسلم بهم ، فتحصل للطائفة الأولى تكبيرة الافتتاح وللثانية التسليم. لأنه عليه‌السلام صلى كذلك ، وكذا وصفها الصادق عليه‌السلام للحلبي (٢).

الثاني : صلاة عسفان ، وعسفان قرية جامعة على اثني عشر فرسخا من مكة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٧٨ ح ١.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٠ ح ٤.

١٩١

وصورتها : أن يقوم الإمام ويصف المسلمين صفين وراءه ، ويحرم بهم جميعا ويركع بهم ، ويسجد بالأولى خاصة وتقوم الثانية للحراسة ، فإذا قام الإمام بالأولى سجد الصف الثاني ، ثم ينتقل كل من الصفين مكان صاحبه ، فإذا ركع الإمام ركعوا جميعا ، ثم يسجد بالصف الذي يليه ، ويقوم الثاني الذي كانوا أولا لحراستهم ، فإذا جلس بهم سجدوا وسلم بهم جميعا.

ولم يثبت عندي نقلها عن أهل البيت عليهم‌السلام.

الثالث : صلاة بطن النخل ، وقد روي أنه عليه‌السلام صلى الظهر ، فصف بعض أصحابه خلفه ، وبعضهم جعله بإزاء العدو للحراسة ، فصلى ركعتين ثم سلم ، ثم انطلق الذين صلوا فوقفوا موقف أصحابهم للحراسة ، ثم جاء أولئك فصلى بهم الظهر مرة ثانية ركعتين ، الأولى له فرض والثانية سنّة (١).

وهذه لا تحتاج إلى مفارقة الإمام ، ولا إلى تعريف كيفية الصلاة ، ولا إلى كلفة ، بل ليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل والمأموم مفترض ، وليس فيها مخالفة لصلاة الآمن أيضا.

وأما ما روي أنه عليه‌السلام صلى بالأولى ركعتين وبالثانية ركعتين من غير تسليم ، حتى كانت له أربعا وللمأمومين ركعتين ، ومن أنه صلى بكل طائفة ركعة ، فيكون له ركعتان وللمأمومين ركعة واحدة ، فبعيد من الصواب في النقل.

الرابع : صلاة شدة الخوف وسيأتي بيانها.

البحث الثالث

( في الشرائط )

يشترط في صلاة ذات الرقاع أمور :

__________________

(١) جامع الأصول ٦ ـ ٤٦٥.

١٩٢

الأول : كون الخصم في غير جهة القبلة ، بحيث لا يتمكن من الصلاة حتى يستدبر القبلة ، أو يكون عن يمينه ، أو شماله ، أو حصول حائل يمنع من رؤيتهم لو هجموا ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعلها على هذه الصورة فيجب متابعته ، ولو قيل بعدمه أمكن ، وفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقع اتفاقا.

الثاني : كون الخصم قويا ، بحيث يخاف هجومه على المسلمين متى اشتغلوا بالصلاة ، وإلا انتفى الخوف الذي هو مناط هذه الصلاة.

الثالث : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم أن يفترقوا فرقتين ، يقاوم كل فرقة العدو ، وإلا لم يتحقق هذه الصلاة.

الرابع : عدم الحاجة إلى زيادة التفريق على فرقتين ، وإلا يحصل لكل فرقة أقل من ركعة فلا يتحقق الايتمام.

وهذه الصلاة تخالف غيرها في وجوب الانفراد للمؤتم ، وانتظار الإمام للمأموم ، وايتمام القائم بالقاعد.

ويشترط في صلاة عسفان أمور ثلاثة :

الأول : أن يكون العدو في جهة القبلة ، لأنهم لا يمكنهم حراستهم في الصلاة إلا كذلك ، ليشاهدوهم فيحرسوهم.

الثاني : أن يكون في المسلمين كثرة يمكنهم معها حراسة بعضهم بعضا ، وأن يفترقوا فرقتين يصلي معه إحداهما ويحرس الثانية معه.

الثالث : أن يكونوا على قلة جبل ، أو مستوى الأرض ، لا يحول بينهم وبين أبصار المسلمين حائل من جبل وغيره ، ليتوقوا كبساتهم والحملات عليهم ، ولا يخاف كمين لهم.

١٩٣

البحث الرابع

( في أحكام صلاة ذات الرقاع )

وهي :

الأول : يستحب للإمام في صلاة ذات الرقاع تخفيف قراءة الأولى ، لما هم به من حمل السلاح. وكذا يخفف في كل فعل لا يفتقر فيه الانتظار. وكذا الطائفة التي تفارقه وتصلي لنفسها يستحب لها التخفيف.

الثاني : إذا قام الإمام إلى الثانية ، تابعه الطائفة الأولى ، فإذا انتصبوا نووا مفارقته ، لأنه لا فائدة لهم في مفارقته قبل ذلك ، لاشتراكهم في النهوض ، ولأن الرفع من السجدة الثانية من الركعة الأولى. ولو فارقوه بعد الرفع من السجود الثاني جاز ، وإذا انفردوا بقي الإمام قائما ينتظرهم حتى يسلموا ، وحتى تجي‌ء الطائفة الثانية تدخل معه.

والأقوى أنه يقرأ في انتظاره ، لأنه قيام للقراءة ، فيجب أن يأتي بها فيه ، فيطول حينئذ القراءة حتى يفرغ الطائفة الأولى ويلتحق به الثانية. فإذا جاءت الطائفة الثانية ، فإن كان فرغ من قراءته ركع بهم ، ولا يحتاج المأمومون إلى قراءة. ولو ركع عند مجيئهم أو قبله ، فأدركوه راكعا ركعوا معه ، وصحت لهم الركعة مع تركه للسنة. ولو أدركوه بعد رفعه ، فاتتهم الصلاة.

الثالث : إذا صلى الركعة الثانية بالفرقة الثانية وجلس للتشهد ، قامت الفرقة إلى صلاتها ، ويطول الإمام في تشهده بالدعاء حتى يدركوه ويتشهدون ثم يسلم بهم ، ولا يحتاجون إلى الجلوس معه والتشهد ، لأنها لا تعود إليه ليسلم معه ، فلا فائدة في تطويله عليها بالجلوس معه ، مع أن مبنى هذه الصلاة على التخفيف.

ولو تابعوه في الجلوس جاز ، لكن لا يتشهدون بل يذكرون الله تعالى ، فإذا سلم الإمام قاموا فأتموا صلاتهم ، ثم تشهدوا وسلموا. وبه رواية عن الصادق عليه‌السلام (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٠.

١٩٤

الرابع : إذا قامت الفرقة الثانية إلى الثانية حال تشهد الإمام ، لا تنوي الانفراد حال قيامها إلى الثانية ، فإن نووه ففي جواز نية الاقتداء بعده للتسليم وجهان.

الخامس : للإمام ثلاث انتظارات : ينتظر الأولى في الركعة الثانية حتى يفرغ. وانتظار آخر فيها للطائفة الثانية حتى تأتي وتحرم معه ، وكلاهما في حكم انتظار واحد لاتصاله. والثالث للطائفة الثانية حال تشهده حتى تتم الصلاة.

السادس : لو انتظر الثانية بعد رفعه من السجود الأخير من الركعة الأولى ، فإن كان لعذر لمرض أو ضعف جاز ، ولو كان عن قدرة وتركه عمدا إلى مجي‌ء الثانية قال الشيخ : بطلت صلاته دون الأولى (١) ، لأنها فارقته حين رفع الرأس.

وأما الثانية فإن علمت أن ذلك تبطل (١) صلاته وتابعته ، بطلت صلاتها ولو اعتقدت عذرا أو جوزت ذلك ، لم تبطل صلاتها ، لأن الظاهر من حاله العذر.

ولو فعله سهوا ، لحقه حكم سهوه دون الطائفة الأولى ، لأنها برفع الرأس قد فارقته ، وفي بطلان الصلاة عندي بذلك إشكال.

السابع : لو أراد أن يصلي بهم المغرب صلاة ذات الرقاع ، تخير الإمام بين أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين ، وبين العكس. لأن عليا عليه‌السلام صلى ليلة الهرير بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين (٢).

واختلف في الأولوية ، فيحتمل الأولى ، لأن عليا عليه‌السلام فعله ، ولأن الأولى أدركت معه فضيلة الإحرام والتقدم ، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات لينجبر نقصهم وتساوي الأولى. ويحتمل الثاني ، لئلا يكلف الثانية‌

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ١٦٤.

(٢) في « س » مبطل.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٠.

١٩٥

زيادة جلوس ، وهي مبنية على التخفيف.

الثامن : إذا صلى بالأولى ركعتين ، جاز أن ينتظر الثانية في التشهد الأول وفي القيام الثالث ، فقيل : الأول أولى ، ليدركوا معه ركعة من أولها. وقيل : الثاني ، لأن القيام مبني على التطويل ، والجلسة الأولى على التخفيف. فإن انتظرهم في القيام ، فالأولى أن يفارق (١) الأولى عند الانتصاب. وإذا صلى بالثانية الثالثة وجلس للتشهد ، قامت الطائفة ولا تتشهد.

وإن صلى بالأولى ركعتين ، تشهد طويلا ، ثم أتمت الأولى صلاتها وسلمت وقامت ، وتجي‌ء الثانية فينهض الإمام ويصلي بهم الثالثة ، وإن شاء تشهد خفيفا ثم قام إلى الثالثة ، وقامت الأولى وطول في القراءة حتى يتم ويأتي الثانية.

التاسع : لو صلى بالأولى ركعة ، طول قراءة الثانية ، ونوت الأولى مفارقته حين انتصابها ، وخففت وصلت الثانية وتشهدت خفيفا ، وقامت إلى الثالثة وتشهدت خفيفا وسلمت ، ثم تجي‌ء الثانية فتدخل معه في ثانيته ، فإذا جلس للتشهد جلسوا معه يذكرون الله تعالى من غير تشهد. فإذا قام إلى الثالثة قاموا معه ، فإذا جلس للتشهد الثاني جلسوا وتشهدوا خفيفا ، وطول هو إلى أن يتموا ، ثم يتشهدون خفيفا ويسلم بهم.

العاشر : لو قلنا بوجوب الإتمام في الحضر ، صلى بالأولى ركعتين وتشهد بهم ، ثم يقوم إلى الثالثة فيطول القراءة ، ويخففون ويتمون أربعا ويمضون إلى موقف أصحابهم ، ويجي‌ء أصحابهم فيركع بهم الثالثة ، وهي أولى لهم ، ثم يصلي الرابعة ويطول في تشهده حتى يتم صلاتهم أربعا ، ثم يسلم بهم ، فيكون انتظار الثانية في الثالثة والتشهد الثاني.

ويجوز أن ينتظر في التشهد الأول.

وقسمتهم فرقتين أولى من قسمتهم أربعا ، لقلة المخالفة وقلة الانتظار.

__________________

(١) في « ق » يفارقه.

١٩٦

فإن فرقهم أربعا ، جاز للأصل ، وجواز المفارقة مع النية ، فيصلي بالأولى ركعة ، ثم يقوم إلى الثانية ، فيطول القراءة إلى أن تصلي الطائفة ثلاث ركعات ، ثم تذهب فتجي‌ء الثانية فيصلي بهم الثانية ، ويطول في تشهده أو قيامه في الثالثة ، حتى تتم صلاتها أربعا ، ثم تأتي الثالثة فيصلي بهم ركعة ، ويقوم إلى الرابعة ويطول حتى يتم من خلفه أربعا ، ثم يأتي الرابعة فيصلي بهم تمام الرابعة ، ويطول تشهده حتى يتم أربعا ، ثم يسلم بهم.

وقال في الخلاف : تبطل ، لأنها مقصورة ، ولو قلنا بالشاذ من قول أصحابنا ينبغي البطلان أيضا ، لأنها لم يثبت لها في الشرع هذا الترتيب (١).

ويمنع عدم المثل ، فإن الانتظار ومفارقة الإمام ثابتان ، والزيادة في أعمال الصلاة غير مبطلة ، كما لو طول القيام قارئا ، ولأن الحاجة قد تدعو إليه ، بأن يكون العدو من أربع جهات ، ويكون في المسلمين كثرة ، فيكون في التفريق صلاح الحرب والصلاة.

ولا يجب في هذا التفريق سجود ، ولو صلى بطائفة ثلاث ركعات وبأخرى ركعة ، فالأقرب الجواز.

والأقرب جواز أن يفرقهم في السفر والحضر في المغرب ثلاث فرق ، وكذا في الرباعية ، فيصلي بطائفة ركعتين وبكل طائفة ركعة.

الحادي عشر : لا تجب التسوية بين الطائفتين ، للأصل ، بل صلاحية الحارسة (١) للحراسة.

ولو خاف اختلال حالهم واحتيج إلى إعانتهم بالطائفة الأخرى ، فللإمام أن يكب بمن معه على العدو ويبنوا على صلاتهم. ويجوز أن تكون الطائفة واحدا ولا تجب الثلاثة للأصل ، ولأن الواحد يسمى طائفة.

الثاني عشر : يجب أخذ السلاح في الصلاة ، لقوله تعالى ‌( وَلْيَأْخُذُوا

__________________

(١) الخلاف : ١ ـ ٢٥٦.

(٢) في « س » الحراسة.

١٩٧

أَسْلِحَتَهُمْ ) (١) والأمر للوجوب ، ولا تبطل الصلاة بتركه إجماعا. ولا فرق في وجوب الأخذ بين الطاهر والنجس للحاجة ، ولأنه مما لا تتم الصلاة فيه منفردا.

ولو منع شيئا من واجبات الصلاة ، حرم الأخذ إلا مع الضرورة ، فيومي بالممنوع كالركوع والسجود.

ولو كان مما يتأذى به غيره ، كالرمح في وسط الناس ، لم يجز. ولو كان في حاشية الصفوف جاز ، لعدم الأذى به.

الثالث عشر : يجوز أن يصلي الجمعة في الخوف على صفة ذات الرقاع ، بأن يفرقهم فرقتين. إحداهما تقف معه للصلاة فيخطب بهم ويصلي بهم ركعة ، ثم يقف بهم في الثانية فيتم صلاتها ، ثم تجي‌ء الثانية فتصلي معه ركعة جمعة بغير خطبة كالمسبوق. فإذا تشهد وطول ، أتموا الثانية وسلم بهم ، لعموم الأمر بالجمعة. ويجوز أن يخطب بالفرقتين معا ، ثم يفرقهم فرقتين.

وتجب هذه الصلاة بشروط الحضر ، وكون الفرقة الأولى كمال العدد. فلو تم العدد بالثانية ، لم تصح الخطبة للفرقة الأولى. فلو لم يخطب ، لم تصح. ولو خطب لها ثم مضت إلى العدو قبل الصلاة وجاءت الأخرى ، وجب إعادة الخطبة. فإن بقي من الأولى كمال العدد ، جاز أن يعقد الجمعة لبقاء العدد الذي سمع الخطبة معه.

ولو كملت الأولى العدد ، ونقصت الثانية ، صحت الجمعة لهما. ولو انعكس الفرض فلا جمعة ، لأنه لا يصلي بالأولى إلا الظهر ، فلا يجوز أن يصلي بعدها جمعة نعم يجوز أن يستنيب من يصلي بهم الجمعة منهم فيخرج عن هذه الصلاة ولا يجوز أن يصلي الجمعة على صفة صلاة بطن النخل ، إذ لا جمعتان في بلد.

ويجوز أن يصلي على صفة صلاة عسفان ، بل هو أولى إن سوغناه مطلقا ، أو لم يتقدم أحد الصفين ويتأخر الآخر كثيرا.

__________________

(١) سورة النساء : ١٠٢.

١٩٨

الرابع عشر : يجوز أن يصلي صلاة الاستسقاء على صفة صلاة الخوف ، فيصلي بالأولى ركعة ، ثم ينتظر حتى يتم ، ويصلي بالثانية أخر وينتظر حتى يتم.

ويجوز أن يصلي العيدين والخسوفين في الخوف جماعة على صفة المكتوبة ، فيصلي بالأولى ركعة مشتملة على خمس ركوعات ، وينتظر حتى يتم في الثانية ، وكذا بالثانية. ويجوز أن يصلي الكسوفين فرادى ، بخلاف العيدين.

الخامس عشر : قد بينا أن حكم السهو مختص بمن يختص به سببه. وللشيخ قول بتعدي حكمه إلى المأموم لو سها الإمام ، فعلى هذا لو سها في الأولى ، لزم حكمه الطائفة الأولى ، فيشير إليهم بالسجود بعد فراغهم.

ولو سها بعد مفارقتهم له ، لم يلحقهم حكمه ، لصيرورتهم منفردين. فإن سهوا بعد سهوه في ثانيتهم ، انفردوا بسجوده ، وفي الاكتفاء بالسجدتين قولان.

أما الطائفة الثانية فيلحقهم سهو الإمام فيما تابعته فيه دون الأولى ، قال : وإن تابعته فيه كان أفضل ، ولم يتعرض لسهوه حال انتظاره. ويحتمل المتابعة ، لأنها في حكم ايتمامه.

السادس عشر : لا حكم لسهو المأمومين حال المتابعة عندنا ، بل حالة الانفراد ، ومبدؤه رفع الإمام من سجود الأولى. ويحتمل اعتداله في قيام الثانية. والأولى عندي إيقاع نية الانفراد.

ولو سهت الطائفة الثانية في الركعة الثانية ، فإن نوت الانفراد سجدت ، وإلا احتمل ذلك أيضا ، لأنهم ينفردون (١) بها حقيقة ، وعدمه لأنهم مقتدون ، لعدم احتياجهم إلى إعادة نية الاقتداء.

ولا يرتفع حكم السهو بالقدوة الطارية إن جوزنا نية اقتداء المنفرد. وفي المزحوم إذا سها في وقت تخلفه إشكال.

__________________

(١) في « س » منفردون.

١٩٩

المطلب الثالث

( في صلاة شدة الخوف )

وهي تثبت عند التحام القتال ، وعدم التمكن من تركه لأحد ، أو عند اشتداد الخوف ، وأن يلتحم القتال فلم يأمنوا هجومهم عليهم لو ولوا عنهم أو انقسموا ، وحينئذ يصلون رجالا ومشاة على الأقدام وركبانا ، مستقبل القبلة واجبا مع الإمكان ، وغير مستقبلها مع عدمه على حسب الإمكان.

فإن تمكنوا من استيفاء الأركان وجب ، وإلا أومئوا لركوعهم وسجودهم ، ويكون سجودهم أخفض من الركوع. ولو تمكنوا من أحدهما خاصة وجب.

ويجوز لهم التقدم والتأخر ، لقوله تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً ) (١) وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مستقبل القبلة وغيره مستقبلها. وقول الباقر عليه‌السلام في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال : يصلي كل إنسان منهم بالإيماء حيث كان وجهه (٢).

وهي صلاة صحيحة لا يجب قضاؤها ، لاقتضاء الأمر الإجزاء. ولا يجوز تأخير الصلاة إذا لم يتمكن من إيقاعها إلا ماشيا ، لعموم « فرجالا ».

ولو انتهت الحال إلى المسايفة وتمكن من الصلاة مع الأعمال الكثيرة ، كالضرب المتواتر والطعن المتتابع ، وجب على حسب حاله بالإيماء في الركوع والسجود ، مستقبل القبلة إن أمكن وإلا فلا ، ولا إعادة عليه لاقتضاء الأمر الإجزاء.

ويجب الاستقبال مهما أمكن ، فإن تعذر فبتكبيرة الافتتاح ، لقول الباقر عليه‌السلام : غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه (٣). فإن لم يتمكن‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣٩.

(٢) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٦ ح ٨.

(٣) وسائل الشيعة ٥ ـ ٤٨٧ ح ١١.

٢٠٠