نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

الفصل الرابع

( في ما يستحب فيه الزكاة )

وفيه مطالب :

المطلب الأول

( مال التجارة )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في استحبابها )

الذي عليه أكثر علمائنا استحباب الزكاة فيها ، وقال شاذ منهم بالوجوب. والوجه الأول ، للأصل ، ولقول الصادق عليه‌السلام : ليس في المال المضطرب به زكاة (١).

وقال الباقر عليه‌السلام : يا زرارة أن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتجر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٤٩ ح ٥.

٣٦١

به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة ، إنما الزكاة فيه إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، واختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : القول ما قال أبو ذر (١).

البحث الثاني

( الماهية )

مال التجارة المال المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملك ، فلا يكفي مجرد نية التجارة في جعل المال لها ، فلو كان له عروض قنية ملكها بشراء وغيره ، ثم جعلها للتجارة ، لم يصر مال تجارة ، ولم ينعقد الحول عليه ، لأن ما لا يثبت له حكم الحول بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية ، كما لو نوى بالمعلوفة السوم.

ولأن التجارة اسم للعقود ، فالمال المضاف إليها يختص بها ، بخلاف مال التجارة ، فإنه يخرج عنها بمجرد نية القنية ، لأنه ليس الاقتناء إلا الحبس والإمساك للانتفاع. فإذا أمسك ونوى الاقتناء ، فقد قرن النية بصورة الاقتناء ، ولم يجردها فثبت الاقتناء.

ولأن الأصل في العروض الاقتناء والتجارة عارضة ، فإذا وجد مجرد النية عاد حكم الأصل. وإذا ثبت حكم الأصل ، لم يزل بمجرد النية ، كالمسافر يصير مقيما بالنية ، بخلاف العكس.

وإذا اقترنت نية التجارة بالشراء ، كان الشراء للتجارة ودخل في الحول ، لانضمام قصد التجارة إلى فعلها ، كالمسافر إذا نوى السفر وسار ، فإنه يصير مسافرا ، ولا فرق بين أن يكون الشراء بنقد أو عرض أو دين ، ولا بين أن يكون حالا أو مؤجلا. وإذا ثبت حكم التجارة ، لم يفتقر لكل معاملة إلى نية جديدة.

ولا فرق بين البيع وغيره ، فلو صالح على دين له في ذمة إنسان ، أو عين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٤٨ ح ١.

٣٦٢

في يده على عرض نيته التجارة ، صار للتجارة ، سواء كان الدين قرضا ، أو ثمن مبيع ، أو ضمان ، أو إتلاف.

وكذا لو اتهب بشرط الثواب ونوى التجارة ، أما الاتهاب لا بشرط الثواب والاحتشاش والاحتطاب والاغتنام والإرث ، فلا يعد من أسباب التجارة ، ولا أثر لاقتران النية بها.

وكذا الرد بالعيب والاسترجاع به ، فلو باع عرضا للقنية بعرض للقنية ثم وجد بما أخذ عيبا فرده واسترد الأول على قصد التجارة ، أو وجد صاحبه بما أخذه عيبا فرده فقصد المردود عليه بأخذه التجارة ، لم يصر مال تجارة.

ولو كان عنده ثوب للقنية فاشترى به عبدا للتجارة ، ثم رد عليه الثوب بعيب ، انقطع حول التجارة ، ولم يكن الثوب المردود مال تجارة ، لأن الثوب لم يكن عنده على حكم التجارة حتى يقال ينقطع البيع ويعود إلى ما كان قبله ، بخلاف ما لو كان الثوب للتجارة أيضا ، فإنه يبقى على حكم التجارة.

ولو تقايل التاجران ما تبايعاه ، استمر حكم التجارة في المالين.

ولو كان عنده ثوب تجارة فباعه بعبد للقنية ، فرد عليه الثوب بالعيب لم يعد حكم التجارة في الثوب ، لانقطاع حول التجارة بقصد القنية ، والرد والاسترداد بعد ذلك ليسا من التجارة في شي‌ء ، فصار كما لو قصد القنية بمال التجارة الذي عنده ، ثم نوى جعله للتجارة ثانيا ، لا يؤثر حتى يقترن النية بتجارة متجددة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عوض الخلع ، أو زوج السيد أمته ، أو تزوجت الحرة ونويا التجارة في الصداق ، فالأقوى أنه لا يكون مال تجارة ، لأن الخلع والنكاح ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، ولأن المملوك بهما ليس مملوكا بعين مال. ويحتمل أن يكون مال تجارة ، لأنه مال ملكه بمعاوضة.

وكذا الاحتمال في المال المصالح عليه عن الدم ، والموجر نفسه وماله إذا نوى بهما التجارة ، وفيما إذا كان تصرفه في المنافع ، بأن كان يستأجر المستقلات‌

٣٦٣

ويؤاجرها على قصد التجارة ، والأقوى في ذلك كله أنه لا يكون مال تجارة لما تقدم ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله فعليه الزكاة (١). وهو يدل على اعتبار رأس المال فيه.

البحث الثالث

( في الشرائط )

وهي ثلاث :

الأول : يشترط فيه الحول إجماعا ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٢). وقال الصادق عليه‌السلام لمحمد بن مسلم وقد سأله عن الرجل يوضع عنده الأموال يعمل بها إذا حال عليه الحول فليزكها (٣).

وابتداء الحول من حين صيرورة المال للتجارة ، فلو اشترى سلعة للتجارة بسلعة للقنية ، جرت في الحول من حين ابتياعها.

ولا يشترط حولان : حول على مال بعينه ، بل يشترط بقاء النصاب طول الحول وإن تغايرت أشخاصه.

فلو اشترى بنصاب سلعة للتجارة ، ثم باعها في أثناء الحول بنقد أو عرض للتجارة أيضا ، ثم اشترى بالثانية ثالثة ، وهكذا طول الحول ، تعلقت الزكاة به وجوبا عند قوم واستحبابا عند آخرين. ولا أثر للمبادلة في أموال التجارة.

الثاني : بلوغ قيمة المال نصابا بالإجماع ، ويشترط بقاؤه طول الحول كالمواشي ، فلو نقصت القيمة عن النصاب في لحظة انقطع الحول ، فإن كمل بعد ذلك إما بارتفاع السوق أو بضم سلعة للتجارة ، استأنف الحول حينئذ.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٤٦ ح ٤.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣١٥.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٤٦ ح ٣.

٣٦٤

ولو اشترى بدون النصاب مال تجارة ، لم ينعقد الحول حتى يرتفع السوق إلى أن يبلغ القيمة نصابا فيبتدئ حينئذ الحول ، أو يشتري للتجارة بشي‌ء آخر ما يكمل به النصاب.

ولو باع سلعة للتجارة في أثناء الحول بأخرى لها ، وقيمة كل واحدة نصاب ، بنى حول الثانية على الأولى ولا أثر للمبادلة في أموال التجارة ، إذ الزكاة تتعلق بالنصاب الكلي لا بجزئياته.

ولو باعها في أثناء الحول بالنقد وهو ناقص عن النصاب ، ثم اشترى به سلعة بلغت القيمة نصابا ، تعلقت بها الزكاة من حين البلوغ.

ولو تغابن معه البائع بما يبلغها نصابا ، تعلقت بها الزكاة أيضا ، ولا أثر للنقص الحسي (١) في الثمن ، لانتقال الحكم إلى القيمة.

الثالث : أن يطلب برأس المال ، أو الزيادة على معنى أنه يشترط وجود رأس المال طول الحول ، فلو نقص رأس المال ولو حبة في أثناء الحول فلا زكاة ، وإن زادت القيمة على النصاب أضعافا مضاعفة إجماعا منا ، لأن وضع الزكاة للإرفاق والمواساة ، فلا يكون سببا في إضرار المالك ، ولقول الصادق عليه‌السلام : إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله ، فليس عليه زكاة ، وإن حبس بعد ما وجد رأس ماله ، فعليه الزكاة بعد ما أمسكه (٢).

البحث الرابع

( في اللواحق )

وهي ثمانية عشر :

الأول : زكاة التجارة تتعلق بالقيمة دون العين ، لأن النصاب معتبر بالقيمة ، فتعلقت الزكاة بها ، ولقول الصادق عليه‌السلام : كل عرض فهو‌

__________________

(١) في « ر » الخفي.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٤٦ ح ٣.

٣٦٥

مردود إلى الدراهم والدنانير (١). ولو أخرج من العين ، جاز.

الثاني : القدر المخرج هنا هو ربع العشر ، لأنه الواجب في أحد النقدين ، والتقدير أن الزكاة هنا متعلقة به.

الثالث : لو بلغت السلعة بأحد النقدين نصابا وقصرت بالآخر ، تعلقت بها الزكاة ، لوجود الشرط وهو بلوغ النصاب ، كما لو كان عينا.

الرابع : لو اشترى سلعة التجارة بنصاب ، فإن كان بأحد النقدين بنى حول السلعة على حول النصاب إن كان ثمن مال التجارة ، لما تقدم من أن المعتبر جنس المال وصدق اسم التجارة عليه دون أشخاصه. ولو لم يكن ثمن مال التجارة ، لم يبن ، سواء اشترى بالعين أو في الذمة ونقد ، لأنه لم يكمل حول زكاة المال عليه.

[ ولا تجب زكاة المال وليس مال تجارة (١). ]

لأنه التقدير ، فلا يبنى الحول عليه ، لتغاير الزكاتين.

وإن كان بعروض ، فإن كانت مال تجارة بنى الحول عليها وإلا فلا ، سواء كانت مما تجب فيه الزكاة كالأنعام أو لا ، كالثياب وشبهها.

الخامس : لو اشترى مائتي قفيز كل قفيز بدرهم ، وحال الحول على هذه القيمة ، ثم نقصت قيمتها قبل إمكان الأداء ، فصارت على النصف الناقص مثلا ، لم يضمن الناقص ، لعدم تفريطه كما في الواجب ، ولزمه أقفزة أو درهمان ونصف قيمتها.

ولو زادت فصارت على الضعف ، كان بالخيار في إعطاء خمسة دراهم أو قيمتها قفيزين ونصف ، لأن الدراهم هي القدر الواجب عند الحول والبدل يراعى قيمته وقت العطاء.

السادس : زكاة التجارة تتكرر في كل عام مع وجود الشرائط ، لوجود‌

__________________

(١) الخلاف ١ ـ ٣٤٦ المسألة ١١١.

(٢) الزيادة من « ر ».

٣٦٦

المقتضي ، وحكى الشيخ خلافا أنها لعام واحد.

السابع : لا يضم الربح لو حصل في أثناء الحول إلى الأصل ، بل إذا كمل حول الأصل زكاه ، وإذا كمل حول الربح زكاه إن كان نصابا ، سواء نض المال أو لا ، وسواء أمسك الناض إلى تمام الحول أو لا.

ولو اشترى عرضا للتجارة بمائتي درهم ، فصارت قيمته في أثناء الحول ثلاثمائة ، زكى المائتين عند انتهاء حولها خاصة ، لعدم وجود الشرط في الفائدة وهو الحول. أما لو ارتفعت بعد الحول ، فالربح مضموم إلى الأصل في الحول الثاني كالنتاج.

ولو اشترى عرضا بمائتي درهم وباعه في أثناء الحول بثلاثمائة ، وتم الحول وهي في يده ، زكى المائتين خاصة. أما لو كان الربح موجودا وقت الشراء ، فإنه يضم إلى الأصل ، كما لو اشترى سلعة بألف وهي تساوي ألفين ، فإن الحول ينعقد على الألفين معا.

الثامن : قد بينا أن الربح الحاصل في أثناء الحول يفرد بحول نفسه ، ولا يتبع الأصل في حوله ، ومبدأ حوله من حين الظهور (١) أو الإنضاض.

فلو اشترى سلعة بمائتين فصارت تساوي أربعمائة في أثناء الحول ، ابتدأ حول الزيادة من حين ظهورها وإن لم يبع السلعة ، لأن الربح لم يحصل بالبيع ، إنما حصل بارتفاع قيمة السلعة وإن كانت متوهمة. نعم يشترط حفظها طول الحول.

التاسع : قد بينا أنه يشترط أن لا يطلب بأقل من رأس المال في أثناء الحول ، بل يبقى رأس المال محفوظا ، فلو نقص في الأثناء سقط اعتبار الحول ، فإن عادت إلى رأس المال ، ابتدئ الحول حينئذ ، لأنها كالزيادة.

ولو اشترى سلعة بمائتين ، ثم بلغت في الأثناء إلى خمسمائة ، ثم رجعت إلى أربعمائة ، اعتبر حول المائتين التي هي الأصل من حين الشراء وحول الزيادة‌

__________________

(١) في « ر » لا ، ولعله الصحيح.

٣٦٧

التي هي المائتين من حين ظهورها ، ولا اعتبار بالنقص المتجدد ، لعدم تطرقه إليها.

ولو اشترى عرضا بمائة درهم فباعه بعد ستة أشهر بمائتي درهم ، وبقيت عنده إلى آخر الحول من يوم الشراء ، فلا زكاة حتى يكمل الحول في الربح والأصل معا.

العاشر : لو ملك عشرين دينارا ، فاشترى بها عرضا للتجارة ، ثم باعه بعد ستة أشهر من ابتداء الحول بأربعين دينارا واشترى بها سعلة أخرى ، ثم باعها بعد تمام الحول بمائة ، زكى العشرين بعد تمام الحول.

وابتداء الحول للعشرين الزائدة من حين البيع الأول ، وحول كمال المائة وهو المسنون من حين البيع الثاني يضم إلى العشرين الأولى ، فإذا مضت ستة أشهر من حين البيع الثاني ، زكى العشرين الزائدة على رأس المال ، فإذا مضى ستة أشهر أخرى ، زكى الثمانين.

وكذا الحكم لو لم يبع السلعة الثانية ، لأنا نشترط الظهور لا الإنضاض.

الحادي عشر : لو ملك سلعا في أزمنة متعاقبة ، وقيمة كل واحدة نصاب ، زكى كل سلعة عند تمام حولها.

ولو كانت الأولى نصابا وليس الباقي كذلك ، فكل ما حال عليه الحول يضم إلى الأولى ويزكي ، كالمال الواحد من كل أربعين درهما درهم.

ولو كان الأول دون النصاب والثاني نصاب ، جريا في الحول عند بلوغ النصاب ، ووجبت الزكاة عند انتهاء حول الثانية.

الثاني عشر : مال التجارة إذا كان حيوانا لا تجب فيه الزكاة ، كالخيل والجواري ومعلوفة الأنعام فنتج ، احتمل أن لا يكون الولد مال تجارة ، لأن النماء الذي تفيده العين لا يناسب الاستنماء بطريق التجارة ، فلا يجعل مال تجارة.

وإن يكون ، لأن الولد كالجزء من الأم فله حكمها ، وزوائد مال التجارة‌

٣٦٨

من فوائد التجارة عند أهلها ، والتفصيل. فإن نوى عند شراء الأصل التكسب به وبنتاجه تبعه وإلا فلا.

وكذا الأشجار المثمرة والصوف واللبن.

ولو نقصت الأم بالولادة. فإن قلنا بتبعية الولد ، جبر نقصانها بقيمته ، وإلا فلا ، لأنه كالمستفاد بسبب غير التجارة.

وإذا جعلنا الولد والثمرة مال تجارة ، لم يتبع الأصول في الحول ، بل لها حول بانفراده من حين ظهورها.

الثالث عشر : يقوم السلعة عند كمال الحول بالثمن الذي اشتريت به ، سواء كان نصابا أو أقل ، ولا يقوم بنقد البلد ، لأن نصاب العرض مبني على ما اشتري به ، فيجب اعتباره. ولقول الصادق عليه‌السلام : إن طلب برأس ماله فصاعدا ففيه الزكاة ، وإن طلب بالخسران فلا زكاة فيه (١). وهذا لا يعرف إلا مع التقويم بما اشترى به.

إذا عرفت هذا فنقول : مال التجارة إما أن يملكه بنقد أو عرض أو بهما ، والأول إما أن يملكه بأحدهما أو بهما ، فالأقسام أربعة :

أحدها : أن يملكه (٢) بأحدهما ، فإن كان نصابا كما لو اشترى بمائتي درهم أو عشرين دينارا ، فإنه يقوم في آخر الحول بذلك ، لأن الحول مبني عليه والزكاة متعلقة به ، وإن كان الآخر غالب نقد (٣) البلد.

ولو قوم به لبلغ نصابا حتى لو اشترى بمائتي درهم عرضا وباعه بعشرين دينارا بقصد التجارة. فتم الحول والدنانير في يده لا تبلغ قيمتها مائتي درهم ، فلا زكاة فيها. وإن كان دون النصاب قوم به أيضا لا بنقد البلد ، لأنه أصل ما في يده وأقرب إليه من نقد البلد.

__________________

(١) لم أعثر عليه في مظانه.

(٢) في « ق » يكون.

(٣) في « ق » بنقد.

٣٦٩

ثانيها : أن يملكه بالنقدين معا ، فإن كان كل منهما نصابا قومت بهما على نسبة التقسيط يوم الملك ، بأن يقوم أحد النقدين بالآخر يومئذ ، كما لو اشتراه بمائتي درهم وعشرين دينارا ، فإن كانت قيمة المائتين عشرين فنصفه مشترى بالدراهم ونصفه بالدنانير.

وإن كانت قيمتها عشرة ، فالثلث بالدراهم والثلثان بالدنانير وهكذا ، فيقوم آخر الحول كذلك ، ولا يضم أحدهما إلى الآخر حتى لا تثبت الزكاة ، إذا لم تبلغ واحد منهما نصابا.

وإن كان بحيث لو قوم الجميع بأحد النقدين لبلغ نصابا ، وحول كل واحد من المبلغين من يوم ملك ذلك النقد للتجارة. ويحتمل الضم إن كان النقدان مال تجارة. وإن كان أحدهما نصابا خاصة ، قوم ما ملكه بالنقد الذي هو نصاب بذلك النقد وما ملكه بالثاني على ما تقدم.

ثالثها : أن يملكه بعوض للقنية ، فيقوم في آخر الحول بغالب نقد البلد من الدنانير والدراهم ، فإن بلغ به نصابا أخرج زكاته وإلا فلا. ويحتمل أنه لو بلغ بغيره نصابا ، أخرج زكاته.

ولو تعدد النقد ، قوم بالأغلب ، فإن تساويا ، تخير المالك. ويستحب له مراعاة الأغبط للمساكين.

ولا بد من ضبط قيمة الثمن ، فلو اشترى بكر حنطة جارية للتجارة فحال الحول ، فإن كانت القيمتان محفوظتين وبلغت الأولى نصابا ثبتت الزكاة. وكذا لو زادتا ، أو زادت قيمة الجارية.

ولو نقصت قيمة الجارية وقيمة الكر محفوظة ولا محاباة فيهما ، فلا زكاة ، لتحقق الخسران.

ولو زادت حينئذ قيمة الجارية بما ينجبر به نقص الكر ، ثبتت الزكاة ، لانتفاء الخسران حينئذ.

ولو نقصت قيمة الكر وقيمة الجارية محفوظة ، ثبتت الزكاة ، وكذا لو‌

٣٧٠

زادت. ولو نقصت فلا زكاة ، وإن ساوت الجارية الكر ، أو زادت عليه على إشكال.

رابعها : أن يملك بالنقد وغيره ، كما لو اشترى بمائتي درهم وعرض قنية ، فما يقابل الدراهم يقوم بها ، وما يقوم بالعرض يقوم بنقد البلد ، وكما يثبت التقسيط عند اختلاف الجنسين ، تثبت عند اختلاف الصفة ، كما لو كان بعض الدنانير صحاحا وبعضها مكسرة وبينهما تفاوت.

الرابع عشر : لا يمنع التاجر بعد حولان الحول من بيع مال التجارة ، سواء منعنا في زكاة المال البيع أو لا ، لأن متعلق هذه الزكاة المالية والقيمة ، وهي لا تفوت بالبيع.

ولا فرق بين أن يبيع على قصد التجارة ، أو على قصد اقتناء العرض ، فإن تعلق الزكاة به ، لا تبطل وإن صار مال قنية ، كما لو نوى الاقتناء من غير بيع.

أما لو أعتق عند التجارة أو وهبه ، فحكمه حكم ما لو باع المواشي بعد وجوب الزكاة فيها ، لأن العتق والهبة تبطلان متعلق زكاة التجارة ، كما تبطل البيع متعلق زكاة العين.

ولو باع مال التجارة محاباة ، فقدر المحاباة كالموهوب ، والباقي إن رضي به المشتري ، ضمن البائع زكاته ، وإلا فهو كما لو لم يبع.

الخامس عشر : لا تجمع زكاة العين والتجارة في مال واحد إجماعا ، ولقوله عليه‌السلام : لا ثني في الصدقة (١).

ولو ملك أربعين شاة للتجارة وسامت حولا وقيمتها نصاب ، سقطت زكاة التجارة ، إما لاستحبابها ، أو للخلاف في وجوبها ، وبقيت زكاة العين ، للإجماع على وجوبها ، فهي أقوى ، ولاختصاص وجوبها بالعين.

ولو بادل بها في أثناء الحول بجنسها أو بغير جنسها مما تجب فيه الزكاة ،

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ١ ـ ٢٢٤.

٣٧١

فإن بنينا حول البدل على حول المبدل فكذلك ، وإلا تعلقت بها زكاة التجارة ، لانتفاء المسقط وهو وجوب زكاة العين. وكذا يثبت لو بادل بما لا تجب فيه الزكاة. ولا اعتبار فيما إذا وجبت زكاة العين بالقيمة ، زادت أو نقصت عن الشاة المأخوذة.

وإذا أثبتنا زكاة التجارة مع التبادل وهو الأقوى ، قومت مع ذرها ونسلها وصوفها وما اتخذ من لبنها.

ولو لم يكمل نصاب أحدهما ، ثبتت الأخرى ، فلو ملك أربعين من الغنم السائمة للتجارة ، ولم تبلغ قيمتها نصابا ، أو طلب بنقصان من رأس المال ، ثبتت زكاة العين قطعا.

ولو اشترى أربعين فنقص العدد وقيمة الباقي نصاب ولا خسران ، ثبتت زكاة التجارة لعدم المزاحم ، ويبني حول إحدى الزكاتين على الأخرى ، لوجود المقتضي وهو حولان الحول في الملك.

أما لو اشترى نصابا من السائمة لا للتجارة ، ثم اشترى سلعة للتجارة في أثناء الحول ، لم يبن حول السلعة على حول الماشية.

ولو اشترى بمتاع تجارة أو بمعلوفة لها بعد ستة أشهر نصابا من السائمة ، أو أسام بعد ستة أشهر ، قدمت زكاة التجارة عند كمال حولها ، ومنع المتقدم المتأخر ، لكمال حولها وخلوها عن المزاحم ، فإذا كملت زكاة العين حولها ، لم يجب شي‌ء.

ولو فرض ربع عشر القيمة نصف شاة من أربعين ، لم تجب بعد كمال حول زكاة العين شي‌ء أيضا على إشكال ، ثم يبتدئ حول زكاة العين من انقراض حول زكاة التجارة.

أما زكاة الفطرة ، فإنها تجامع زكاة التجارة عند علمائنا ، لأنهما حقان بسببين مختلفين فلا يتداخلان ، كالجزاء مع القيمة في الصيد المملوك ، فلو‌

٣٧٢

اشترى عبدا للتجارة ، وجب عليه (١) زكاة الفطرة والتجارة عند من يوجبها من علمائنا ، واستحب عند آخرين.

السادس عشر : لو اشترى نخلا للتجارة فأدركت ثمرته ، أو أرضا مزروعة للتجارة فأدرك الزرع وبلغ الحاصل نصابا ، أو تجددت الثمرة والزرع في يد المشتري ، وقلنا أن الثمرة الحاصلة من أشجار التجارة مال تجارة ، واتفق حولاهما ، بأن يكون بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب عند تمام الحول ، وكمل النصابان في الثمرة ، غلبنا زكاة العين فيهما ، واختصت زكاة التجارة بالأرض والأشجار ، فيخرج العشر أو نصفه من الثمار والزرع.

ولا يسقط به زكاة التجارة عن قيمة جذع النخل وتبن الزرع ، وإن كان المقصود هو الثمار والزرع قد أخذ زكاته ، لأنه ليس فيها زكاة العين ، فلا تسقط عنها زكاة التجارة ، لثبوت المقتضي سليما عن المعارض.

ولا يسقط اعتبار زكاة التجارة في المستقبل عن الثمار والزرع ، بل يبتدئ حولها من وقت إخراج العشر وهو القطاف ، لا من وقت بدو الصلاح ، وإن كان ذلك وقت الوجوب ، لأن عليه بعد بدو الصلاح تربية الثمار للمساكين ، فلا يكون زمانها محسوبا عليه ، دفعا للإضرار به.

ولا فرق بين أن يشتريها مزروعة للتجارة ، وبين أن يشتري أرضا وبذرا للتجارة ويزرعها به.

ولو سبق حول التجارة فكمل ، والزرع فصيل والثمرة بلح (٢) ، تثبت زكاة التجارة في الأصل والنماء ، وسقطت زكاة العين بعد بدو الصلاح.

ولو اشترى الزرع وحده ، فبدا صلاحه في يده ، قدم زكاة العين أيضا.

ولو اشترى أرضا للتجارة وزرعها ببذر القنية ، فعليه العشر في الزرع‌

__________________

(١) في « ر » عنه.

(٢) بلح بلحا الثرى : يبس ، والبئر ذهب ماؤها.

٣٧٣

وزكاة التجارة في الأرض ، ولا تسقط زكاة التجارة بأداء العشر ، لتغاير محل الزكاتين.

السابع عشر : عامل القراض إن قلنا يملك بالقسمة لا بالظهور ، فلا زكاة عليه في الربح ، ويثبت على المالك زكاة الأصل وحصته من الربح.

وهل تثبت عليه زكاة حصة العامل؟ إشكال ، ينشأ : من أن الجميع ملكه حينئذ ، ومن منعه من التصرف فيه (١) ، لتأكد حق العامل في حصته وتعذر إبطاله على المالك ، ولا يبنى حول الربح على حول الأصل عندنا.

ثم المالك إن أخرج من غيره ، فلا بحث ، وإن أخرج من العين احتمل احتساب المخرج من الربح ، كالمؤن التي تلزم المالك من أجرة الدلال والكيال ، وكفطرة عبيد التجارة وأرش جنايتهم. وعدمه ، لأنه كطائفة من المال استردها المالك حيث هو مصروف إلى حق لزمه ، فالمخرج من رأس المال والربح جميعا على وجه التقسيط ، فلو كان رأس المال ضعف الربح ، فثلثا المخرج من رأس المال والثلث من الربح.

والأقرب الأول لأن الزكاة تثبت في العين فهي كالمؤن. ويحتمل أن يكون المخرج من رأس المال خاصة ، لأن الواجب لزمه خاصة. وإن قلنا يملك بالظهور ، فعلى المالك زكاة رأس المال ونصيبه من الربح.

وأما العامل فيحتمل سقوطها عنه ، لعدم تمكنه من التصرف على حسب اختياره فكان كالمغصوب ، ولأن ملكه غير مستقر من حيث إنه وقاية لرأس المال على الخسران ، فأشبه مال المكاتب. ويحتمل الثبوت ، لأنه متمكن من التوصل إليه متى شاء بالمقاسمة.

فإن قلنا به فعلى قولنا لا يبنى حول حصته من الربح على حول رأس المال ، بل ولا حصة المالك أيضا ، بل يستأنف للربح حولا من حين ظهوره ، لثبوت ملكه حينئذ.

__________________

(١) في « ق » منه.

٣٧٤

ولو لم تبلغ حصة العامل نصابا ، فلا زكاة ولا أثر للخلطة عندنا ، والأقرب أنه لا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، لأنه لا يعلم سلامة نصيبه له إلا مع المقاسمة ، وحينئذ يزكيه لما مضى.

ويحتمل الوجوب في الحال ، لتمكنه من الاقتسام في الحال ، فأشبه الوديعة عند الغير.

ثم إن أخرج الزكاة من مال آخر ، فله مطلقا. وإن أراد الإخراج من مال القراض ، فله الاستبداد. ويحتمل أن يكون للمالك منعه ، لأنه وقاية فيمنعه إلى أن يسلم إليه رأس ماله.

الثامن عشر : الدين لا يمنع زكاة العين ، ولا زكاة التجارة عندنا وإن فقد غيره ، لعموم الأمر ولاختلاف المحل ، فالدين محله الذمة والزكاة العين.

المطلب الثاني

( في باقي الأنواع التي تستحب فيها الزكاة )

وهي

الأول : جميع الغلات غير الأربع يستحب فيه الزكاة ، كالأرز والماش والعدس والذرة والهرطمان والباقلي ، وغير ذلك من جميع ما نبتته الأرض من المكيلات والموزونات ، لعموم قوله عليه‌السلام : فيما سقت السماء العشر (١). وحملناه على الندب في الأجناس المغايرة للأربع لقول الصادق عليه‌السلام : وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك (٢).

وحكم ما يستحب فيه الزكاة من هذه الغلات ، حكم ما يجب فيه من النصاب وقدر المخرج واعتبار السقي وإخراج المؤن.

ولا زكاة في الخضراوات كالقثاء والباذنجان وسائر البقول ، لقوله عليه‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٣٣.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٣٤ ح ٤ و ٥ و ٦ وغيرها.

٣٧٥

السلام : ليس في الخضراوات صدقة (١).

وهل يضم ما يزرع في السنة مرتين كالذرة بعضه إلى بعض؟ إشكال كالنخل الذي يطلع في السنة مرتين.

الثاني : الخيل يستحب فيها الزكاة وليست فرضا ، لقوله عليه‌السلام : ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة (٢). وعن علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق (٣). وهو محمول على نفي الإيجاب ، لقوله عليه‌السلام : في الخيل السائمة في كل فرس ديناران (٤).

إذا عرفت هذا فشرائط الاستحباب أربعة :

أحدها : الملك ، فلا تستحب الزكاة في المستعار. ويشترط تمامية الملك ، فلا زكاة في المغصوب والضال ، كما في زكاة الأنعام.

ثانيها : السوم ، فلا زكاة في المعلوفة ، لعموم السقوط عنها ، ولما فيه من ثقل المئونة ، ولأن زرارة سأل الصادق عليه‌السلام هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شي‌ء؟ فقال : ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مراحها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء (٥).

ثالثها : الحول ، فلا يستحب إلا بعد الحول ، لقوله عليه‌السلام : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول (٦).

رابعها : الأنوثة ، فلا زكاة في الذكور ، سواء انفردت أو انضمت إلى‌

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٣٣٧.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣٣٩.

(٣) جامع الأصول ٥ ـ ٣٤٠ و ٣١٥.

(٤) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥١ ح ١.

(٥) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥٢ ح ٣.

(٦) جامع الأصول ٥ ـ ٣٤٣.

٣٧٦

الإناث ، لأن النتاج معتبر في إيجاب الزكاة في الحيوان مع كثرة أفراده ، ليخلف النتاج القدر المخرج منها فهنا أولى ، ولأن زرارة قال للصادق عليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ فقال : لا ، قلت : فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : إن البغال لا ينتج ، والخيل الإناث ينتجن (١). وليس على الخيل الذكور شي‌ء.

إذا عرفت هذا فإنه يخرج عن كل فرس عتيق في كل سنة دينارين ، وعن كل برذون دينارا واحدا ، لأن العتيق أشرف والنفع به أكثر ، فناسب زيادة النمو الإخراج.

وقال الباقر والصادق عليهما‌السلام : وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وعلى البرازين دينارا (٢).

الثالث : العقار المتخذ للنماء كالدكاكين والخانات ودور الأجرة ، يستحب أن يخرج من غلتها الزكاة.

ولو لم يكن دار غلة ولا عقارا متخذا للنماء ، لم تستجب الزكاة إجماعا.

ولو بلغت الغلة نصابا وحال عليها الحول ، وجبت الزكاة فيها. أما إذا لم يبلغ ، فيستحب عند حصولها ، ولا يشترط نصاب فيها ولا حولان الحول.

ولا تستحب الزكاة في شي‌ء سوى ما ذكرناه من الأقمشة والأثاث والفرش والأواني والرقيق والماشية عدا ما تقدم عملا بالأصل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥١ ح ٣.

(٢) وسائل الشيعة ٦ ـ ٥١ ح ١.

٣٧٧
٣٧٨

الفصل الخامس

( في مستحق الزكاة )

وفيه مطلبان :

المطلب الأول

( في الأصناف )

مستحق الزكاة من تضمنته الآية في قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (١) فهؤلاء الثمانية هم مستحقوا الزكاة بالإجماع.

وقال زياد بن الحارث الصيداوي : أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعته ، قال : فأتاه رجل فقال : أعطني من الصدقة. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزاها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك (٢).

الصنف الأول والثاني

( الفقراء والمساكين )

ولا خلاف في أن اسم كل واحد منهما يطلق عليهما معا حالة الانفراد ،

__________________

(١) سورة التوبة ٦٠.

(٢) جامع الأصول ٥ ـ ٣٦٩.

٣٧٩

كما لو أوصى للفقراء فإنه يشمل المساكين. وكذا لو أوصى للمساكين فإنه يشمل الفقراء ، أما لو جمع بينهما وميز بينهما تمييزا ، كما في آية الزكاة.

وقد اختلف في أيهما أسوأ حالا وأشد فاقة؟ فقيل : الفقير وهو الذي لا شي‌ء له البتة ، أو له شي‌ء يسير لا يقع موقعا من حاجته ، والمسكين هو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه ولا ما يقع موقعا من حاجته ، وإذا (١) احتاج إلى عشرة يكسب ستة أو أكثر فما دون العشرة.

لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعاذ من الفقر ، وقال : « اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين » (١).

ولأن العرب يبتدئ بالأهم ، وقد تقدم ذكر الفقر في الآية.

ولأنه مشتق من كسر الفقار ، فإنه فعيل بمعنى مفعول ، أي مكسور فقار الظهر ، ولقوله تعالى ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ ) (٢) وسفينة البحر تساوي جملة من المال.

وقيل : بالعكس لقوله تعالى ( أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ ) (٣) وهو المطروح على التراب لشدة حاجته ، ولأنه يؤكد به ، فيقال : فقير مسكين ، إذا أريد المبالغة في الحاجة ، ولقول الشاعر :

أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال ولم يترك له سبد (٤) إذا عرفت هذا فإن الشامل لهما المقتضي لتسويغ الإعطاء ، قصور مال كل واحد منهما عن مئونة سنة له ولعياله على الاقتصار.

والمانع من الإعطاء الغنى ، وهو أن يكون الشخص مالكا لقوت سنة له‌

__________________

(١) في « ر » كما إذا احتاج إلى عشرة فكسب.

(٢) المستدرك كتاب الزكاة الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصدقة ح ١٥.

(٣) سورة الكهف ٧٩.

(٤) سورة البلد ١٦.

(٥) راجع مجمع البيان ٣ ـ ٤٢.

٣٨٠