نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ١

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله أجمعين.

حياة المؤلف‌

لم يكن المترجم له إنسانا مغمورا حتى يحتاج إلى التعريف به والإشادة بمآثره ، بل هو طود شامخ وعلم معروف ، انتشرت آثاره العلمية في الأندية الإسلامية ، وعرفت مآثره الدينية في كافة الأوساط.

إنه حي تتجدد ذكراه على مر العصور والدهور. نعم سيبقى حي الذكر أولئك الذين أدركوا مغزى « خلقتهم للحياة لا للفناء » واتجهوا بكنه وجودهم إلى الحي القيوم ، واستضاءوا في مسيرتهم العلمية بأنوار الأنبياء ، وجعلوا سيرة أولياء الحق دستورهم المتبع.

هؤلاء سيبقى ذكرهم حيا خالدا ، ولا يجد الفناء إليهم سبيلا.

وليس المترجم له ممن يباهي به الشيعة فقط ، بل يباهي به المسلمون ، لما أحسوا فيه من الشخصية المسهمة في إعلاء كلمة الله تعالى ، وبذل الجهد ، لنشر الأسس الإسلامية المتينة ، كما يشهد بذلك كتبه القيمة ، فجزاه الله عن الإسلام خير جزاء المحسنين.

اسمه ونسبه :

هو الشيخ الإمام جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر‌

٥

المعروف ب « العلامة الحلي » نشأ في مدينة الحلة في العراق ، البلد الذي امتاز بطيب مناخه واعتدال جوه وجمال طبيعته الخلابة ، وفي بيت شيدت دعائمه بالعلم والمعرفة والتقوى. وكانت أمه بنت الشيخ أبي يحيى الحسن بن يحيى صاحب الجامع وأخت المحقق صاحب الشرائع. وكان والده ( قدس الله روحه ) فقيها محققا مدرسا عظيم الشأن.

إطراء العلماء عليه :

قال ابن داود الحلي في كتاب الرجال : [ ص ١١٩ ] شيخ الطائفة ، وعلامة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول.

وقال ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي [ ١ ـ ٣٨ ] : الشيخ العلامة الفهامة ، أستاذ العلماء جمال الدين.

وقال الأفندي في الرياض : [ ١ ـ ٣٥٨ ] : الإمام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل الشاعر الماهر ، علامة العلماء وفهامة الفضلاء أستاذ الدنيا ، المعروف فيما بين الأصحاب بالعلامة عند الإطلاق ، والموصوف بغاية العلم ونهاية الفهم والكمال في الآفاق.

وقد كان رضي‌الله‌عنه جامعا لأنواع العلوم ، مصنفا في أقسامها ، حكيما متكلما فقيها محدثا أصوليا أديبا شاعرا ماهرا.

وقال المحدث الحر العاملي في أمل الآمل : فاضل عالم علامة العلماء ، محقق مدقق ، ثقة ثقة ، فقيه محدث ، متكلم ماهر ، جليل القدر ، عظيم الشأن ، رفيع المنزلة ، لا نظير له في الفنون والعلوم العقليات والنقليات ، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى.

وقال الخوانساري في روضات الجنات [ ٢ ـ ٢٦٩ ] : مذخر الجهابذة الأعلام ، ومركز دائرة الإسلام ، آية الله في العالمين ، ونور الله في ظلمات الأرضين ، وأستاذ الخلائق في جميع الفضائل باليقين. لم يكتحل حدقة الزمان له‌

٦

بمثل ولا نظير ، ولما تصل أجنحة الإمكان إلى ساحة بيان فضله الغزير ، كيف؟ ولم يدانه في الفضائل سابق عليه ، ولا لاحق. ولم يثن إلى زماننا هذا ثناءه الفاخر الفائق ، وإن كان قد ثنى ما أثنى على غيره من كل لقب جميل رائق ، وعلم جليل لائق ، فإذن فالأولى لنا التجاوز عن مراحل نعت كماله والاعتراف بالعجز عن التعرض لتوصيف أمثاله.

وقال المحدث النوري في المستدرك [ ٣ ـ ٤٥٩ ] : الشيخ الأجل الأعظم ، بحر العلوم والفضائل والحكم ، حافظ ناموس الهداية ، وكاسر ناقوس الغواية ، حامي بيضة الدين ، ماحي آثار المفسدين ، الذي هو بين علمائنا الأصفياء كالبدر بين النجوم ، وعلى المعاندين الأشقياء أشد من عذاب السموم ، وأحد من الصارم المسموم ، صاحب المقامات الفاخرة ، والكرامات الباهرة ، والعبادات الزاهرة ، والسعادات الظاهرة ، لسان الفقهاء والمتكلمين والمحدثين والمفسرين ، ترجمان الحكماء والعارفين والسالكين المتبحرين ، الناطق عن مشكاة الحق المبين ، الكاشف عن أسرار الدين المتين ، آية الله التامة العامة ، وحجة الخاصة على العامة ، علامة المشارق والمغارب ، وشمس سماء المفاخر والمناقب والمكارم والمآرب.

هذه نماذج من إطراء علماء الشيعة لهذا الإمام الفذ ، وقد عجز عن نعته ووصفه جمع من العلماء كالمحقق الأردبيلي في جامع الرواة.

وقال التفرشي في نقد الرجال [ ص ١٠٠ ] : ويخطر ببالي أن لا أصفه ، إذ لا يسع كتابي هذا ذكر علومه وتصانيفه وفضائله ومحامده ، وأن كل ما يوصف به الناس من جميل وفضل فهو فوقه.

أساتذته والذين روى عنهم :

١ ـ الشيخ سديد الدين يوسف ، والد العلامة.

٢ ـ المحقق الحلي جعفر بن الحسن ، خال العلامة.

٣ ـ المحقق الفيلسوف نصير الدين الطوسي.

٤ ـ السيد جمال الدين أحمد بن طاوس الحسني.

٧

٥ ـ السيد رضي الدين علي بن طاوس الحسني.

٦ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلي.

٧ ـ الشيخ مفيد الدين محمد بن جهيم.

٨ ـ الشيخ محمد بن نما.

٩ ـ الشيخ الحسين بن علي بن سليمان البحراني.

١٠ ـ الشيخ كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني.

١١ ـ الشيخ نجم الدين علي بن عمر الكاتبي القزويني.

١٢ ـ الشيخ برهان الدين النسفي.

١٣ ـ السيد أحمد العريضي.

١٤ ـ الشيخ بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي.

١٥ ـ الشيخ المفسر أحمد بن عبد الله الواسطي.

١٦ ـ عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي.

١٧ ـ الشيخ أبو علي الحسن بن إبراهيم الفاروقي الواسطي.

١٨ ـ الشيخ تقي الدين عبد الله بن جعفر بن علي بن الصباغ الكوفي.

١٩ ـ الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد الكيشي.

وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم ، خوفا من الإطناب والإسهاب.

تلامذته والراوون عنه :

١ ـ الشيخ فخر الدين محمد بن الحسن الحلي ولد العلامة.

٢ ـ الشيخ تقي الدين إبراهيم بن الحسين الآملي.

٣ ـ الشيخ جمال الدين أحمد الحداد الحلي.

٤ ـ السيد عز الدين الحسن بن زهرة الحلبي.

٥ ـ الشيخ عز الدين الحسين بن إبراهيم الأسترآبادي.

٦ ـ السيد شرف الدين الحسين بن محمد العلوي الحسيني الطوسي.

٧ ـ كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد الشيباني.

٨ ـ رضي الدين علي بن أحمد بن يحيى المزيدي الحلي.

٨

٩ ـ تاج الدين محمد بن القاسم بن معية.

١٠ ـ الشيخ قطب الدين الرازي البويهي.

١١ ـ السيد عميد الدين عبد المطلب الحسيني الأعرجي الحلي.

١٢ ـ الشيخ زين الدين علي بن أحمد بن طراد المطارآبادي.

١٣ ـ السيد نجم الدين مهنا بن سنان بن عبد الوهاب العبيدلي المدني.

١٤ ـ السيد محمد بن علي الجرجاني.

١٥ ـ السيد ضياء الدين عبد الله الأعرجي الحلي.

١٦ ـ السيد جمال الدين الحسيني المرعشي الآملي.

١٧ ـ الشيخ أبو الحسن محمد الأسترآبادي.

١٨ ـ السيد تاج الدين حسن السرابشنوي.

١٩ ـ المولى زين الدين النيسابوري.

٢٠ ـ المولى تاج الدين محمود بن محمد بن عبد الواحد الرازي.

٢١ ـ السيد شمس الدين الحلي.

٢٢ ـ المولى زين الدين علي السروسي الطبرسي.

وغيرهم ممن ذكر في أسناد طرق الإجازات وغيرها.

تآليفه القيمة :

كتب المترجم له مؤلفات ورسائل في التفسير والفقه والكلام والحديث والحكمة والرجال وغيرها من العلوم المتداولة ، ومن بينها مؤلفات مشهورة قيمة ، هي :

١ ـ الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

٢ ـ أجوبة مسائل السيد مهنا بن سنان المدني.

٣ ـ أجوبة مسائل أخرى له أيضا.

٤ ـ الأدعية الفاخرة المنقولة عن الأئمة الطاهرة.

٥ ـ أربعون مسألة في أصول الدين.

٦ ـ إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان.

٩

٧ ـ استقصاء الاعتبار في تحرير معاني الأخبار.

٨ ـ استقصاء النظر في القضاء والقدر.

٩ ـ الأسرار الخفية في العلوم العقلية.

١٠ ـ الإشارات إلى معاني الإشارات.

١١ ـ الألفين الفارق بين الصدق والمين.

١٢ ـ أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

١٣ ـ إيضاح الاشتباه في أسماء الرواة.

١٤ ـ إيضاح التلبيس من كلام الشيخ الرئيس.

١٥ ـ إيضاح مخالفة أهل السنة للكتاب والسنة.

١٦ ـ إيضاح المعضلات من شرح الإشارات.

١٧ ـ إيضاح المقاصد من حكمة عين القواعد.

١٨ ـ الباب الحادي عشر في أصول الدين.

١٩ ـ بسط الإشارات في شرح إشارات ابن سينا.

٢٠ ـ بسط الكافية اختصار شرح الكافية.

٢١ ـ تبصرة المتعلمين في أحكام الدين.

٢٢ ـ تحرير الأبحاث في معرفة العلوم الثلاث.

٢٣ ـ تحرير الفتاوي والأحكام.

٢٤ ـ تحصيل السداد في شرح واجب الاعتقاد.

٢٥ ـ تذكرة الفقهاء.

٢٦ ـ تسبيل الأذهان إلى معرفة أحكام الإيمان.

٢٧ ـ تسليك الأفهام في معرفة الأحكام.

٢٨ ـ تسليك النفس إلى حظيرة القدس.

٢٩ ـ التعليقة على كتاب أوائل المقالات للشيخ المفيد.

٣٠ ـ التعليقة على خلاف الشيخ.

٣١ ـ التعليقة على شرحه للتجريد.

٣٢ ـ التعليقة على عدة الشيخ.

٣٣ ـ التعليقة على المعارج.

١٠

٣٤ ـ التعليقة على المعتبر.

٣٥ ـ التعليم الثاني العام.

٣٦ ـ تلخيص شرح نهج البلاغة لميثم البحراني.

٣٧ ـ تلخيص فهرست الشيخ.

٣٨ ـ تلخيص المرام في تنقيح تلخيص المرام ، ولعل نفس كتاب غاية الأحكام الآتي.

٣٩ ـ تنقيح قواعد الدين المأخوذة عن آل يس.

٤٠ ـ تهذيب الوصول إلى علم الأصول.

٤١ ـ تهذيب النفس في معرفة المذاهب الخمس.

٤٢ ـ جامع الأخبار أو مجامع الأخبار.

٤٣ ـ جواهر المطالب في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤٤ ـ الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد.

٤٥ ـ حل المشكلات من كتاب التلويحات.

٤٦ ـ خلاصة الأخبار.

٤٧ ـ خلاصة الأقوال في معرفة الرجال.

٤٨ ـ الدر المكنون في علم القانون.

٤٩ ـ الدر والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان.

٥٠ ـ رسالة في تحقيق معنى الإيمان.

٥١ ـ رسالة في التناسب بين الأشعرية والفرق السوفسطائية.

٥٢ ـ رسالة في جواب سؤالين لرشيد الدين فضل الله الهمداني.

٥٣ ـ رسالة في حكمة النسخ.

٥٤ ـ رسالة في خلق الأعمال.

٥٥ ـ الرسالة السعدية في الكلام.

٥٦ ـ رسالة في شرح الكلمات الخمس لأمير المؤمنين (ع) في جواب صاحبه كميل بن زياد.

٥٧ ـ رسالة في نية الصلاة.

٥٨ ـ رسالة في واجبات الوضوء والصلاة.

١١

٥٩ ـ شرح حكمة الإشراق.

٦٠ ـ غاية الأحكام في تنقيح تلخيص المرام.

٦١ ـ غاية الوصول في شرح مختصر الأصول.

٦٢ ـ قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام.

٦٣ ـ القواعد الجلية في شرح رسالة الشمسية.

٦٤ ـ القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والإلهي.

٦٥ ـ القول الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.

٦٦ ـ كاشف الأستار في شرح كشف الأسرار.

٦٧ ـ كشف الحق ونهج الصدق.

٦٨ ـ كشف الخفاء من كتاب الشفاء.

٦٩ ـ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

٧٠ ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

٧١ ـ كشف المشكلات في كتاب التلويحات.

٧٢ ـ كشف المقال في معرفة الرجال.

٧٣ ـ كشف المكنون من كتاب القانون.

٧٤ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (ع).

٧٥ ـ لب الحكمة.

٧٦ ـ المباحث السنية والمعارضات النصيرية.

٧٧ ـ مبادئ الوصول إلى علم الأصول.

٧٨ ـ محصل الملخص.

٧٩ ـ مختلف الشيعة في أحكام الشريعة.

٨٠ ـ مدارك الأفهام.

٨١ ـ مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق.

٨٢ ـ مصابيح الأنوار.

٨٣ ـ المعتمد في فقه الشريعة.

٨٤ ـ المقاصد الواقية لفوائد القانون والكافية.

٨٥ ـ المقاومات.

١٢

٨٦ ـ مقصد الواصلين في معرفة أصول الدين.

٨٧ ـ معارج الفهم في شرح النظم.

٨٨ ـ مناهج اليقين.

٨٩ ـ منتهى المطلب في تحقيق المذهب.

٩٠ ـ منتهى الوصول إلى علم الكلام والأصول.

٩١ ـ نظم البراهين في أصول الدين.

٩٢ ـ النكت البديعة في تحرير الذريعة.

٩٣ ـ نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.

٩٤ ـ نهاية المرام في علم الكلام.

٩٥ ـ نهاية الوصول إلى علم الأصول.

٩٦ ـ نهج الإيمان في تفسير القرآن.

٩٧ ـ نهج العرفان في علم الميزان.

٩٨ ـ نهج المسترشدين في أصول الدين.

٩٩ ـ نهج الوصول إلى علم الأصول.

١٠٠ ـ النهج الوضاح في الأحاديث الصحاح.

١٠١ ـ النور المشرق في علم المنطق.

١٠٢ ـ الهادي في العقائد.

١٠٣ ـ واجب الاعتقاد في الأصول والفروع.

وغيرها من الكتب والرسائل وأجوبة المسائل ليس هنا مجال لذكرها.

ولادته ووفاته :

ولد رحمه‌الله في ليلة الجمعة في الثلث الأخير من الليل ٢٧ رمضان المبارك سنة ٦٤٨ ه‍ في مدينة الحلة في العراق.

وتوفي رحمه‌الله في يوم السبت ٢١ من شهر المحرم من سنة ٧٢٦ ه‍ ، ونقل جثمانه الطيب من مدينة الحلة إلى النجف الأشرف ، ودفن في الحجرة عن يمين الداخل إلى الحضرة العلوية الشريفة ، وقبره ظاهر معروف مزار للمؤمنين.

١٣

حول الكتاب :

نهاية الأحكام كتاب يحتوي على جل المسائل الفرعية الفقهية ، مع الإشارة إلى الدلائل بعبارات موجزة. وجدير أن يقال : أن كتابه هذا من أجمل كتبه الفقهية تفريعا ، كما يدل عليه عنوان الكتاب ، وأوضحها دليلا وبرهانا.

خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والبيع إلى آخر الصرف ، وهو الفصل الأول من فصول المقصد الثاني من مقاصد كتاب البيع.

قال في رياض العلماء [ ١ ـ ٣٦٥ ] : ونهاية الفقه له ـ على ما رأيته عند الفاضل الهندي ـ وصل إلى أواسط بحث زكاة الفطرة ، ثم من كتاب التجارة أيضا إلى بحث الصرف من كتاب التجارة ، والنسخة المتداولة منه مقصورة على كتاب الطهارة.

قال العلامة في مبتدإ كتابه هذا : فهذا كتاب « نهاية الأحكام في معرفة الأحكام » لخصت فيه فتاوى الإمامية على وجه الاختصار ، وأشرت فيه إلى العلل مع حذف الإطالة والإكثار ، إجابة لسؤال الولد العزيز علي الحبيب إلي ولدي « محمد » أطال الله عمره .. إلى آخره.

ويشير إلى عظمة الكتاب إقبال العلماء وأساطين العلم عليه ، وجعله من مصادر كتبهم ، ونقل عباراته في كتبهم ، وقد ذكر العلامة المجلسي في مفتتح كتابه النفيس « بحار الأنوار » الكتاب من مصادر كتابه بقوله « وكتاب نهاية الفقه ». والكتاب كان مشهورا بين الأصحاب متداولا بينهم.

وقال العلامة آغا بزرك الطهراني في الذريعة [ ٢٤ ـ ٣٩٤ ] : ونسخة شائعة منها في الرضوية بخط يعقوب بن خليل العاملي في ٨٥٩ ( وهي النسخة المعتمدة في تحقيق الكتاب ) ونسخة السماوي بخط يونس بن علي بن يونس ، فرغ منه لأحد لأربع خلت من شعبان ٨٥٩ ، وأخرى في مكتبات سيدنا الشيرازي ، والطهراني بكربلاء ، والشيخ مشكور ، والسيد أبي القاسم الأصفهاني في النجف ، ونسخة خط محمد بن علي بن يوسف ، أي ابن أخ المؤلف ، كتبه في ٧١٠ عن خط العلامة ، موجودة عند فخر الدين النصيري.

١٤

مصادر التحقيق والتصحيح :

قوبل هذا الكتاب على ثلاث نسخ خطية :

١ ـ نسخة كاملة من أولها إلى آخرها ، بخط ردي جدا ، قلما كانت توجد العبارات منقطة ، وهي المحفوظة في خزانة المكتبة الرضوية في مشهد المقدس. كاتبها يعقوب بن خليل العاملي ، فرغ منها نهار الثلاثاء لخمس بقين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة تسعة وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية. وجعلت رمز النسخة « ق ».

٢ ـ نسخة ناقصة من أولها وآخرها بخط النسخ الجيد على قطع كبير كالنسخة الأولى. ولكنها مجهولة الكاتب والتاريخ ، وهي أيضا محفوظة في خزانة المكتبة الرضوية. وجعلت رمز النسخة « س ».

٣ ـ نسخة كاملة من أولها إلى آخرها ، مغلوطة محرفة جدا ، كاتبها غير معلوم ، فرغ من نسخها في اليوم السابع والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٢٤٥ ه‍ وهذا الكتاب من النسخ الخطية لمكتبتنا ، وجعلت رمز النسخة « ر ».

هذا ، وقد بذلت الوسع والجهد والطاقة في تصحيح الكتاب ، ومقابلته مع النسخ الثلاثة ، ولم آل جهدا في تنميقه وتحقيقه حق التحقيق.

وقد خرجت أحاديثه من وسائل الشيعة ، وربما لم يكن الخبر الموجود فيه بعين الألفاظ المنقولة وكان فيه زيادة أو نقيصة ، أحلناه للمراجع الأخرى. وكذا استخرجت مصادر الأقوال والكتب المنقولة عنها أحيانا ، وإن لم يكن دأب العلامة في الكتاب نقل مصادر الأقوال.

لفت نظر :

وفي الختام أني أهنئ وأبارك مؤسسة « آل البيت عليهم‌السلام » في قم بما أحرزته من النشاط في نشر آثار الشيعة من القدماء والمتأخرين ، وهي مؤسسة‌

١٥

أسست لنشر معارف الشيعة وإحياء طريقة أهل البيت عليهم‌السلام ، ونشر هذا الكتاب القيم هو إحياء أثر كبير من تراث واحد من علمائنا الإمامية.

ونرجو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب ، أن يتفضلوا علينا بما لديهم من النقد وتصحيح ما لعلنا وقعنا فيه من الأخطاء والاشتباهات والزلات.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، ونستغفره مما وقع من خلل وحصل من زلل ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وزلات أقدامنا وعثرات أقلامنا ، فهو الهادي إلى الرشاد والموفق للصواب والسداد ، والسلام على من اتبع الهدى.

٣٠ ـ ج ٢ ـ ١٤٠٥ قم المشرفة

السيد مهدي الرجائي‌

١٦

بسم الله الرحمن الرحيم‌

مقدمة الكتاب‌

الحمد لله المتقدس عن مشاركة الممكنات بوجوب ماهيته ، المتنزه عن مشابهة المخلوقات بجلال صمديته ، المتعالي عن الشريك والند (١) والمعاند بكمال وحدانيته ، الدالة مصنوعاته على عدم تناهي قدرته ، الكاشف إحكامه وإتقانه عن علمه وحكمته ، الموضح تخصيص آثاره في أوقات صنعه (٢) عن إرادته ، المعرب فناء غيره عن وجوب دوامه (٣) وسرمديته ، المستحق للعبادة باعتبار إفضاله وتتابع نعمته ، الخفي عن إدراك الحواس وارتسام الخيال بتجرده في حقيقته ، تعالى عن المكان والزمان فلا نظير لعظمته ، ولا شبيهه (٤) لبهاء لاهوتيته.

نور قلوب العارفين بإدراك معرفته ، وزين أفئدة العلماء بساطع أنوار هيبته ، ورفع منازل الفقهاء عليهم‌السلام فجعل أقدامهم واطئة على أجنحة ملائكته.

وصلى الله على أشرف (٥) مخلوقاته وأعظم بريته محمد المصطفى ، وعلى‌

__________________

(١) في « س » و « ر » : الضد.

(٢) كذا في « ر » وفي « س » صفته وهذه الكلمة غير موجودة في « ق ».

(٣) في « ق » إدامته.

(٤) في « ر » ولا مشبه لها لا هويته.

(٥) في « ق » سيد.

١٧

أطيب عترته المخصوصين بلطفه وعنايته ، المؤيدين منه بكلمته ، المتميزين عن بني نوعهم بزيادة كرامته ، الفائزين بالخلاص عن الخطإ والنسيان بوجوب عصمته ، القائمين بامتثال أوامره وواجب طاعته.

أما بعد : فهذا كتاب ( نهاية الأحكام في معرفة الأحكام ) لخصت فيه فتاوي الإمامية على وجه الاختصار ، وأشرت فيه إلى العلل مع حذف الإطالة والإكثار ، إجابة لسؤال الولد العزير علي الحبيب إلي ولدي « محمد » أطال الله عمره ، ورفع ذكره ، وأسنى قدره ، وأسعده في الدارين ، وأزلفه بتكميل الرئاستين ، وأبقاه بعدي ، ووفقه لأن يوسدني في لحدي ، فإنه بر بوالديه ، أحسن الله إليه ، وهو خليفتي عليه ، ونعم الوكيل.

١٨

كتاب الطهارة‌

وفيه مقدمة ومقاصد :

أما المقدمة‌ ففي الماهية :

الطهارة لغة : النظافة. وشرعا : أحد الثلاثة ، أعني الوضوء ، والغسل ، والتيمم ، إذا وقع على وجه له صلاحية التأثير في استباحة عبادة مشروطة به ، من صلاة ، وطواف ، وصوم ، وقراءة عزيمة ، ومس مصحف ، أو كتابة اسمه تعالى ، أو أسماء أنبيائه ، أو أئمته عليهم‌السلام.

ووقوعها على الثلاثة بالتشكيك ، أو بالحقيقة والمجاز ، وعلى الأولين بالتواطؤ. فلو نذر الطهارة اختص بالمائية على الثاني ، ويكفي التيمم (١) مع عدم الماء على الأول.

وكل واحد منها ينقسم إلى واجب وندب :

فالوضوء تجب : للصلاة الواجبة بالنص (١) والإجماع ، وللطواف الواجب للخبر (٢) ، ولمس كتابة القرآن إن وجب ، لعموم الآية (٢) على الأقوى.

__________________

(١) في « ر » المتيمم.

(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٥٦.

(٣) وسائل الشيعة : ١ ـ ٢٦٢.

(٤) وهي قوله تعالى ( لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ )سورة الواقعة : ٧٩.

١٩

والندب لما عداه من : الصلاة والطواف المندوبين (١) ، وهو شرط فيهما. ولطلب الحاجة ، وللتجديد ، ولحمل المصحف لمناسبة التعظيم. ولأفعال الحج. وللكون على طهارة. ولدخول المساجد. وللنوم. ولصلاة الجنائز. وزيارة قبور المؤمنين. وقراءة القرآن. ولنوم الجنب. ولجماع (٢) المحتلم والحامل. وجماع غاسل الميت ولم يغتسل. ولمريد غسل الميت وهو جنب. وللحائض تجلس في مصلاها ذاكرة لله تعالى. وللتأهب لصلاة الفرض قبل وقته للخبر (٣).

ولا يجب في سجود الشكر (٤) والتلاوة ، لأصالة البراءة. ولا حمل المصحف بالذات أو بالتبعية ، بأن يكون في صندوق فيه قماش فيحمله. ولا مس جلد المصحف ، لأنه ظرف ووعاء لما كتب عليه القرآن فأشبه كيسه. ولا في مس الحواشي ولا البياض خلال السطور ، لمساواته غيره. ولا في مس الخريطة والصندوق والعلاقة وإن كان المصحف فيها ، اقتصارا في المنع على مورده.

ويجوز للمحدث الأصغر والأكبر أن يضع المصحف بين يديه ، ويقلب أوراقه بقضيب وغيره ليقرأ فيه ، وحكم لوح الصبيان وغيره من الدراهم المكتوب عليها (٥) شي‌ء من القرآن وكتب الفقه ، حكم المصحف في جواز الحمل وتحريم مس الكتابة منه ، لأنه قرآن. ولا يحرم على الصبي المميز المس ، لعدم التكليف في حقه ، نعم ينبغي للولي منعه منه ، فإن البالغ إنما منع منه للتعظيم ، والصبي أنقص حالا منه.

ويجوز كتابة القرآن من غير مس. ولا يحرم مس التوراة والإنجيل ، وما نسخ تلاوته من القرآن دون ما نسخ حكمه خاصة ، عملا بالأصل. ولا يلحق‌

__________________

(١) في « ق » المندوب.

(٢) في « ق » و « ر » جماع.

(٣) وهو قولهم عليهم‌السلام كما في الذكرى : ما وقر الصلاة من أخر الطهارة حتى يدخل الوقت‌

(٤) في « س » الشك.

(٥) في « س » عليه.

٢٠