نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

نهاية الإحكام في معرفة الأحكام - ج ٢

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٧٨
الجزء ١ الجزء ٢

الثالث : أطفال المؤمنين كآبائهم تدفع إليهم الزكاة مع فقرهم للعموم ، سواء كان الأب حيا أو ميتا.

ولو كان الأب غنيا ، لم تدفع إلى الولد ، لأنه غني به ، فلو كان يمنعه من الإنفاق أعطي لحاجته.

ولو احتاج إلى أزيد في النفقة عن الواجب ، فالأقرب جواز دفعه إليه مع احتمال المنع.

ولا يجوز إعطاء أولاد الكفار ولا أولاد المخالفين ، لأنهم في الأحكام تابعون لآبائهم.

وإذا أعطي أطفال المؤمنين ، دفع الزكاة إلى وليه ، لأنه المتولي لأمره ، سواء كان رضيعا أو أكل الطعام أو لا للعموم ، ولاحتياج الرضيع إلى أجرة الرضاع والكسوة والنفقة ، وكذا (١) يدفع إلى ولي المجنون.

__________________

(١) في « ق » الدفع.

٤٠١
٤٠٢

الفصل السادس

( في كيفية إخراج الزكاة )

وفيه مباحث :

البحث الأول

( في وقت الزكاة )

تجب الزكاة بعد حولان الحول في النقدين والأنعام وبعد التصفية في الغلاة ويبس الثمار ، لقول الصادق عليه‌السلام : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها (١). ولأن الفقراء لحاجتهم مطالبون بشاهد الحال ، فيجب التعجيل كالوديعة والدين الحال.

ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحق والتمكن من الإخراج ، فإن أخر معه كان ضامنا مأثوما ، لإخلاله بالواجب.

وكذا لو دفع إليه غيره زكاته ليفرقها ، أو أوصى إليه بذلك فأخر مع إمكان الدفع.

وكذا كل من كان في يده مال لغيره وطالبه فامتنع ، أو أوصى إليه بشي‌ء فلم يصرفه فيه ، أو دفع إليه ما يوصله إلى غيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ١٩٨ ح ١.

٤٠٣

ولو كان عليه ضرر في الإخراج ، جاز له التأخير للضرورة.

ولو أخر ليدفعها إلى من هو أحق بها كالقرابة ، أو ذي الحاجة الشديدة مع وجود المستحق ضمن وإن كانت قليلة ، لأنه أخر الواجب عن وقته.

ولو كثر المستحقون وأراد التشريك ، جاز أن يؤخر إعطاء بعض المستحقين بقدر ما يعطي غيره.

ولو أخر مع وجوب الفور ، لم تصح صلاته الموسع وقتها في أوله بل في آخره. وكذا المديون القادر مع المطالبة ، ويدخل في ضمانه ، حتى لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان ، سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقير أو قبل ذلك.

وإن أتلفه أجنبي ، لم تسقط الزكاة ، لأن التمكن ليس شرطا في الوجوب بل في الضمان ، وينتقل حق المستحقين إلى القيمة أو المثل المأخوذ من الأجنبي ، لأنها بدل العين التي تعلقت الزكاة بها.

ولو لم يتمكن من الأخذ من الأجنبي ، لم يضمن إن لم يفرط. وإذا لم يتمكن من إخراجها ، لم يكن مفرطا ، سواء كان ذلك لعدم المستحق ، أو لبعد المال عنه ، أو لكون الفريضة لا توجد في المال ويحتاج إلى شرائه فلم يجد ما يشتريه ، أو كان في طلب الشراء ، أو نحو ذلك.

ولو تمكن من أداء قيمة الزكاة دون العين ، فأخر فتلف المال ففي السقوط إشكال ، ينشأ : من تمكنه من إيصال مساوي الحق إلى مستحقه. ومن تعلق الزكاة بالعين ، والقيمة تبع ، فيسقط بسقوط متبوعه وإمكان الأداء يفوت بغيبة المال ، فلو كان غائبا عنه ، لم نوجب إخراج زكاته من موضع آخر ، وإن جوزنا نقل الصدقات بغيبة المستحق للإعطاء ، وهو الفقراء ، أو السلطان أو نائبه.

ولو وجد الفقير فأخر ، أو وجد الإمام أو الساعي فأخر ، ضمن وإن سوغنا له التأخير لإعطاء القريب ، أو من هو أشد فاقة ، لأن الإمكان حاصل ، وإنما تؤخر لغرض نفسه ، فتتقيد الجواز بشرط سلامة العاقبة.

٤٠٤

ولو تردد في استحقاق الحاضر فأخر ليتروى ، جاز ولم يكن ضامنا.

البحث الثاني

( في التعجيل )

لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت وجوبها على الأشهر ، لأنها عبادة موقتة ، فلا يجوز إيقاعها قبل وقتها كغيرها. ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عمر بن يزيد الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول. لأنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها. وكذا الزكاة. ولا يصوم رمضان إلا في شهره إلا قضاء ، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت (١).

وقد وردت رخصة في جواز تقديمها شهرا أو شهرين. قال الشيخ : إنه محمول على القرض ، (٢) ويكون صاحبها ضامنا متى جاء الوقت وقد أيسر الآخذ.

ولا يضمن لو بقي على الاستحقاق ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة يعيد المعطي (٣) فإذا كان المدفوع قبل الوقت قرضا على ما اخترناه ، فلو كان النصاب يتم به سقطت الزكاة ، لانتقال بعضه عنه فينقص النصاب ، والدين لا يجبر العين ، ولا تتعلق فيه الزكاة كما تقدم.

وإن لم يتم النصاب ، احتسب ما دفعه قرضا عند الحول من الزكاة إن بقي الآخذ على الاستحقاق والمال على الوجوب ، وله استعادتها ودفعها إلى غيره ، لأنها ليست زكاة معجلة عندنا ، ولم يملكها الفقير على أنها زكاة ، بل على أنها قرض يستعيده ، وله إذا استعاده أن يدفع غيره إليه أو إلى غيره ، لأنه مال قرض استعاده ولم يتعين للزكاة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢١٢ ح ٢.

(٢) المبسوط ١ ـ ٢٢٧.

(٣) وسائل الشيعة ٦ ـ ٢١١ ح ١.

٤٠٥

وللقابض دفع القرض (١) إما مثلا أو قيمة إن كانت ذات قيمة وقت القبض ، وإن كانت العين موجودة وكره المالك ، لأنه ملكها بالقرض.

ولو خرج عن الاستحقاق وتعذرت الاستعادة غرم المالك ، لأن المدفوع لم يقع زكاة ، وسبب الزكاة متجددة وإذا دفع المالك الزكاة لا على وجه القرض ، بل على وجه التعجيل قبل الوقت ، فالدفع فاسد وله الاستعادة ، وإن لم يصرح بالرجوع ، لبقائها على ملكه ، ولا يملكها الفقير. ولا ينثلم النصاب إن بقيت وتمكن من الاستعادة.

فإن قيد الدفع بأنها زكاة معجلة ، وجب على الفقير ردها إليه مع طلبه إياها لفساد الدفع ، فلا يثمر الملك. ولا يجب بدون الطلب ، لجواز أن يكون المالك قد احتسبها من الزكاة عند الوقت.

ولو لم يقيد بالتعجيل لكن قصده ، فإن علم الفقير ذلك فهو كالمصرح به ، إذ الأفعال إنما تقع على حسب القصود والدواعي ، والتقدير قصد التعجيل وهو لا يتم.

ولو لم يعلم وادعاه المالك ، احتمل تقديم قوله مع اليمين ، لأن المرجع إلى نيته ، وهو أعرف بما قصده. وتقديم قول الفقير ، لأصالة عدم الاشتراط ، وأغلبية الأداء في الوقت. وكذا لو اختلفا في ذكره.

ولو تلفت العين في يد القابض ، ضمن المثل إن كان مثليا ، والقيمة إن لم يكن.

أما زكاة الفطرة فإنه يجوز تقديمها في رمضان لا قبله على ما يأتي ، لأن وجوبها بشيئين برمضان والفطر منه ، وقد وجد أحدهما.

وأما زكاة الثمار والغلاة ، فإنه يجوز تقديمها قبل الجذاذ والحصاد والجفاف ، فيخرج الرطب ، لأن الزكاة تعلقت بها حينئذ ففي الحقيقة لا تقديم ، لكن يجوز التأخير إلى الجذاذ والجفاف.

__________________

(١) في « ر » العوض.

٤٠٦

ولو استغنى المدفوع إليه بالمال أو به وبمال آخر ، جاز احتسابه من الزكاة ، لأن الزكاة إنما تصرف إلى الفقير ليستغني به ، فلا يصير ما هو المقصود مانعا من الأجر. وإن استغنى بمال آخر ، لم يجز احتساب المدفوع من الزكاة ، لخروجه عن أهلية الاستحقاق.

ولو عرض شي‌ء من الحالات المانعة من الاستحقاق كردة ، أو استغنى ثم زال وكان بصفة الاستحقاق عند تمام الحول ، جاز الاحتساب من الزكاة.

وإذا أخذ الإمام من المالك قبل تمام الحول مالا للمساكين ، فإما أن يكون على وجه القرض ، أو ليحتسبه عن زكاته عند تمام الحول. فإن أخذه قرضا ، فإن كان قرضا بسؤال المساكين ، فضمانه عليهم ، سواء تلفت في يده ، أو سلمه إليهم ، كما لو استقرض الرجل مالا لغيره بإذنه.

ثم الدافع إن لم يعلم أن الإمام استقرض للمساكين بإذنهم ، كان له مطالبة الإمام ، ويرجع الإمام على المساكين ، وإلا لم يكن له مطالبته ، كالوكيل في الشراء.

ولو أقرضه المالك للمساكين ابتداء من غير سؤالهم اختلف في يد الإمام ، فلا ضمان على المساكين لعدم الطلب ، ولا على الإمام لأنه وكيل المالك ، كما لو دفع إليه مالا ليدفعه إلى ثالث فتلف.

ولو استقرضه الإمام بسؤال المالك والمساكين جميعا فهلك عنده ، فالأقرب أنه من ضمان المساكين ، لأنه دفعه ليستعيد عوضه.

ولو استقرضه لا بسؤال أحد منهما ، فإن لم يكن لهم حاجة إلى القرض ، فالقرض يقع للإمام وعليه ضمانه من خالص ماله ، سواء تلف في يده ، أو دفعه إلى المساكين. ثم إن تبرع بالدفع لم يرجع.

وإن أقرضهم فقد أقرضهم من مال نفسه فله الرجوع ، وإن استقرض لهم وبهم حاجة ، فإن هلك في يده ، احتمل أن يكون من مال المساكين ، لأن الإمام قبضه من مال الصدقة ، كولي اليتيم إذا استقرض لحاجته فهلك في يده ،

٤٠٧

فإن الضمان في مال الصبي. وأن يكون من خالص ماله ، لعدم تعين المساكين ، وأكثرهم أهل رشد لا ولاية عليهم لأحد ، ولهذا لا يجوز منع الصدقة عنهم من غير عذر ، ولا التصرف في مالهم بالتجارة.

وإنما يجوز الاستقراض لهم بشرط سلامة العاقبة ، بخلاف اليتيم وإن دفع المال إليهم ، فالضمان عليهم والإمام طريق فيه ، فإن أخذ الزكوات والمدفوع إليه بصفة الاستحقاق ، فله أن يقضيه (١) من الزكوات ، وله أن يحسبه عن صدقة القرض.

وإن لم يكن المدفوع إليه بصفة الاستحقاق عند تمام حول الزكوات المأخوذة ، لم يجز قضاؤه منها ، بل يقضي من مال نفسه ، ثم يرجع على المدفوع إليه إن وجد له مالا.

وإن أخذ المال ليحسبه عن زكاة المأخوذ منه عند تمام حوله ، فإن تلف بسؤال المساكين ودفع إليهم قبل الحول وتم الحول ، وهم بصفة الاستحقاق والمال بصفة الوجوب وقع الموقع ، لكن يجب أن ينوي عند الحول الإسقاط من الزكاة ، لما بينا من المنع من جواز التعجيل.

ولو كان المالك دفع إلى الإمام ليسلمه إلى الفقير ويحسبه من الزكاة عند تمام الحول ، فالوجه أنه ليس للإمام الاستعادة منه ، ويجوز للمالك ، لأن الدفع لم يقع على وجه الزكاة.

ولو خرجوا عن الاستحقاق فعليهم الضمان ، وعلى رب المال إخراج الزكاة ثانيا.

وإن تلفت في يده قبل تمام الحول من غير تفريط ، فإن خرج المالك عن الوجوب ، فله الضمان على المساكين. وفي كون الإمام طريقا احتمال.

وإن لم يخرج عن أن يجب عليه ، (٢) لم يقع المخرج عن زكاته ، لأنه لم يصل‌

__________________

(١) في « ر » يقبضه.

(٢) في « ر » فإن يجب عليه لم يقع إلخ.

٤٠٨

إلى المستحق ، فله أخذ الضمان من المساكين ومن الإمام ويرجع عليهم.

ولو أسقط المالك الضمان عن المساكين على أنه الزكاة ، أجزأ ، لأنه كإسقاط دين في ذمتهم منها.

ولو لم يسقط الضمان عنهم من الزكاة ولا مال لهم ، جاز للإمام إذا اجتمعت الزكاة عنده صرف ذلك القدر إلى قوم آخرين عن جهة الذي تسلف منهم إذا أمره المالك. وإن تسلف بسؤال المالك فإن دفع إلى المساكين ، فتم الحول وهم بصفة الاستحقاق ، جاز الاحتساب وأجزأ ، وإلا رجع المالك على المساكين دون الإمام.

ولو تلف في يد الإمام ، لم يجز له على المساكين ، سواء فرط أو لا ، كما لو دفعه إلى وكيله فتلف عنده. ثم إن تلف بتفريطه فعليه الضمان للمالك ، وإلا فلا ضمان عليه ولا على المساكين.

ولو تسلف بسؤال المالك والمساكين ، فالأقرب أنه من ضمان المالك لقوة جانبه ، إذ له الخيار في الدفع والمنع. ويحتمل أن يكون من ضمان المساكين ، لعود المنفعة إليهم ، فيكون المال من ضمانهم.

ولو تسلف لا بسؤال أحدهما ، بل لما رأى من حاجته ، احتمل أن يكون حكمه كحكم سؤالهم ، لأن مصرف الزكاة جهة الحاجة إلى قوم معين والإمام ناظرهم ، فإذا رأى المصلحة في الأخذ كان له ذلك ، وكان كما لو أخذ بسؤالهم وصار كولي الطفل وإن لا ينزل منزلة سؤالهم ، لأنهم أهل رشد.

ولو عرفوا صلاحهم في التسلف ، التمسوه من الإمام ، فعلى هذا إن دفعه إليهم فخرجوا عن الاستحقاق عند تمام الحول ، استرد منهم ودفعه إلى غيرهم.

وإن خرج الدافع عن أهلية الوجوب استرجعه ورده إليه ، فإن لم يجد المدفوع ضمنه من مال نفسه ، فرط أو لا. وعلى المالك إخراج الزكاة ثانيا لو لم يخرج عن أهلية الوجوب.

ولو كان المأخوذ لهم أطفالا لا مال لهم ، جاز للإمام التسلف لهم ، لأن‌

٤٠٩

حاجتهم كسؤال البالغين ، إذ ليس لهم أهلية النظر والتماس التسلف.

وفي جميع المسائل لو تلف المعجل في يد الساعي ، أو الإمام بعد تمام الحول ، واحتسب المالك ذلك من الزكاة ، سقطت الزكاة عن المالك ، لأن الحصول في يدهما بعد الحول ، كالحصول في يد المساكين ، وكما لو أخذ بعد تمام الحول.

ثم الآخذ إن فرط في الدفع إليهم ، ضمن من مال نفسه لهم ، وإلا فلا ضمان على أحد. ولو انتظر انضمام غيره إليه لقلته ، فالأقرب أنه تفريط.

فروع :

الأول : لو تسلف الساعي الزكاة من غير مسألة أحد ، فإن حال الحول والدافع والمدفوع إليه من أهل الزكاة ، فقد وقعت موقعها ، وإن حال الحول وقد تغيرت الحال بعد الدفع ، بأن افتقر الدافع أو استغنى المدفوع إليه أو ارتد ، فمتى تغير حالهما أو حال أحدهما ، لم تقع الزكاة موقعها ويستردها الإمام.

وإن كان لتغير حال الدافع أو تغيرهما ردها عليه ، لأنها لم تجب عليه ، وإن كان لتغير المدفوع إليه دفعها إلى غيره.

الثاني : لو قال المالك حالة الدفع : هذه زكاتي عجلتها لك ، كان له الرجوع بها. وإن أطلق ولم يقل عجلتها ، فإن نوى التعجيل وصدقه الفقير فكالأول ، وإن اتفقا على الإطلاق ، كان له الاستعادة إن لم يسبق عليه وجوب وعلم الفقير ذلك.

ولو لم يعلم لم يقبل قوله ، لأن الظاهر أنه كان واجبا عليه ، ولا يقبل قوله بعد ذلك إنه عجلها له ، فلو طلب من الفقير الحلف على عدم علم التعجيل ، كان له ذلك.

الثالث : إذا دفع المال إلى الفقير على أنه زكاة معجلة ، كان الدفع فاسدا والملك باق على مالكه ، ولا يكون مضمونا ، بل يكون أمانة في يده ، فإن‌

٤١٠

حصل منه نماء ـ كنتاج أو ربح مضاربة ـ فهو للمالك. فإن دفعه على أنه قرض يحتسبه من الزكاة عند الحول ، ملكه الفقير ، وكان للمالك الرجوع ، ولا يجب الوفاء بوعد الاحتساب (١).

الرابع : لو دفع الزكاة المعجلة وقال : هذه زكاة معجلة ، فإن عرض مانع استردت ، وله الاسترداد سواء حصل مانع أو لا ، لما قدمناه من فساد الدفع.

ولو قال : هذه زكاة معجلة ، ولم يذكر الاسترداد عند المانع ، فله الاسترداد أيضا وإن لم يكن مانع. وكذا لو علم القابض أنها زكاة معجلة.

ولو كان الدافع الإمام ولم يعلم القابض أنها زكاة غيره ، ولا أنها معجلة ثبت الاسترداد لفساد الدفع ، فإن تعذر ، ضمن الإمام ، وإن فعل بدون إذن المالك بتقصيره في ترك شرط الرجوع.

ولو كان الدافع المالك ، احتمل أن لا يثبت الاسترداد أيضا ، لأن المالك يعطي الفرض والتطوع ، وإذا لم يقع عن الفرض وقع تطوعا ، والإمام يقسم مال غيره ، ولا يعطي إلا الفرض ، فكان مطلق دفعه كالمقيد بالفرض.

والوجه أن للمالك الاستعادة أيضا ، والأصل فيه أن الدفع إن وقع بغير نية كان مجرد إباحة ، للمالك الرجوع ما دامت العين باقية. وإن وقع بنية التعجيل ، كان له الاسترجاع لفساد الدفع ، كما لو دفع إلى غيره مالا على ظن أن له عليه دينا فلم يكن له ، فإن له الاسترجاع.

وكذا إن دفع على وجه القرض لتضمنه الاسترجاع.

وليس القول قول الفقير في قصد التملك بالصدقة ، بل قول المالك ، لأنه أعرف بقصده.

وكذا القول قوله مع اليمين لو قال : أنا قصدت التعجيل ولم أذكره لفظا ، وقال الفقير : لم يقصد التعجيل.

__________________

(١) في « ر » الأصل احتساب.

٤١١

ولو ادعى المالك علم القابض بأنها كانت معجلة ، فالقول قول القابض ، لأن الأصل عدم العلم ، والغالب الأداء في الوقت.

الخامس : لو أتلف المالك النصاب قبل الحول ، كان له الاسترداد ، لانتفاء وجوب الزكاة بتلف المال.

وكذا لو أتلف بعضه بحيث خرج الباقي عن كونه نصابا.

السادس : لو أتلف المسكين ما تعجله ، فإن كان قبضه قرضا ، فعليه المثل إن كان مثليا ، والقيمة وقت القرض إن لم يكن ، لأن ما زاد عليها يزاد في ملك القابض فلا يضمنه ، كما لو طلق الزوج بعد تسليم المهر وتلفه قبل الدخول ، وهو من ذوات القيم ، فإن الزوج يرجع بقيمة النصف يوم القبض.

وأما إن دفعه على أنه زكاة معجلة ، فإن قلنا إن الفقير يملك بذلك ، فكما تقدم في القرض. فإن قلنا بفساد الدفع كما هو اختيارنا فيما تقدم والملك غير حاصل ، فيضمن الفقير بأقصى القيم ، لأن يده يد ضمان ، فالزائد مضمون في يده كالأصل.

ويحتمل الضمان يوم التلف ، لأن الواجب العين ، فلا عبرة بزيادة القيمة مع وجودها ، وإنما ينتقل الحق إلى القيمة يوم التلف ، فاعتبر قيمة ذلك اليوم.

السابع : لو كان المدفوع باقيا من غير زيادة ولا نقصان ، فإن دفعه قرضا فللمالك استعادة مثله أو قيمته لا عينه ، فإن دفعه تعجيلا استرده ودفعه أو مثله إلى المستحق ، إن بقي بصفة الوجوب أو إلى غيره.

وإن كان الدافع هو الإمام ، فإن كان قرضا استرجع مثله أو قيمته. وإن كان تعجيلا استرد العين.

وهل يصرفه إلى المستحقين بدون إذن جديد من المالك؟ فإن كان المالك قد فوض إليه على التعميم ، كان له ذلك مع بقاء الوجوب على المالك ، وإن لم يعمم التفويض فالأقرب المنع ، سواء أمره بالإقراض أو بالتعجيل.

وإن زاد المدفوع زيادة متصلة ، فإن كان قرضا فللفقير الزيادة ، وإن كان‌

٤١٢

تعجيلا فللمالك ، وكذا المنفصلة. لظهور فساد الملك بخلاف الموهوب ، لتحقق الملك هناك ، وإن حدث فيه نقص دفع أرشه.

الثامن : المعجل لا يصير ملكا للقابض ، ويحتمله مع الإطلاق ، فيحتمل أن يكون الملك موقوفا إلى أن ينكشف الأمر في المال ، فإن حدث مانع ظهر استمرار ملك المالك ، والأظهر أنه صار ملك القابض من يومئذ.

ويحتمل أن يكون الملك للقابض ، لكن إن استمرت السلامة تبين أنه ملك عن جهة زكاة مستحقة ، وإلا تبين وقوعه قرضا ، ثم القرض يملك بالقبض ، فإن قلنا بالتوقف وجب رد الزوائد ، لتبين حدوثها على ملك المالك.

وإن قلنا بتقدير القرض ، سلمت الزوائد للقابض.

وإذا باع القابض ما قبضه معجلا ، فإن قلنا بالتوقف وحدث المانع (١) ظهر فساد بيعه ، وإن قلنا بالقرض فلا. وعلى القول بالتوقف ، يلزم رد العين لو كانت موجودة ، وعلى القرض لا يجب بل له الإبدال.

التاسع : المعجل مضموم إلى ما عند المالك ، لبقاء ملكه عليه على ما اخترناه ، فإذا استمرت الملكية (٢) منه حتى حال الحول ولم يطرأ مانع ، تعلقت الزكاة حينئذ ، وجاز له الاحتساب والاسترجاع.

فلو عجل شاة عن مائة وإحدى وعشرين ، جاز له أن يحتسب المدفوع من الزكاة ، ويجب عليه شاة أخرى. وكذا لو عجل شاتين عن مائتين وواحدة. وجبت الثالثة مع الشرائط.

ولو كانت المعجلة معلوفة لم تجب الزائدة ، لأن النصاب لا يتم بها ، وإن جاز إخراجها عن النصاب. ولو قلنا إن التعجيل إقراض بعض النصاب بالمدفوع ، فيسقط الزكاة حينئذ. وإن قلنا إن الملك باق للمالك ، فإن تم الحول على السلامة أجزأه ما أخرج إذا نوى أنه أسقطه من الزكاة.

__________________

(١) في « ق » المالك.

(٢) في « ر » المكنة.

٤١٣

وإن عرض مانع من وقوع المعجل زكاة ، فإن كان المخرج أهلا للوجوب والمال نصاب ، وجب الإخراج ثانيا. وإن كان الباقي دون النصاب ، فحيث لا استرداد فلا زكاة ، وكأنه تطوع بشاة قبل الحول ، وحيث ثبت فاسترد ، فهو مستأنف للحول ، فلا زكاة لنقصان ملكه عن النصاب قبل تمام الحول.

وقال الشيخ : عليه أن يخرج من الرأس (١) ، وإن كان الموضع الذي له الاحتساب احتسب به ، لأن ما له استرجاعه في حكم ما في يده. ولو لم يمكنه الاسترجاع في وقت ما فلا زكاة.

ولو كان عنده أربعون فعجل شاة ، ثم حال الحول ، جاز أن يحتسب بها لبقائها في ملكه ، ما دامت العين باقية ، فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول ، فقد انقطع حول النصاب ، ولا زكاة على صاحبها ، وكان له استرجاع ثمنها.

ولو كان عنده مائة وإحدى وعشرين فعجل واحدة ، ثم نتجت واحدة وحال الحول ، لم يلزمه أخرى ، لأن النتاج لا يضم إلى الأمهات.

ولو مات المالك قبل الحول ، انقطع الحول ، لانفصال المال عنه ، واستأنف الوارث الحول ، ولا يبني على حول الميت.

العاشر : لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك (١) النصاب ، بإجماع علماء الإسلام.

ولو ملك بعض النصاب فعجل زكاته أو زكاة نصاب لم يجز ، لأنه عجل الحكم قبل سببه.

وإن ملك نصابا فعجل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربح فيه ، لم يجز عن النصاب عندنا ، لأنا نمنع من التعجيل ولا عن الزيادة لعدمها.

__________________

(١) المبسوط ١ ـ ٢٣١.

(٢) في « ر » مالك.

٤١٤

البحث الثالث

( في المتولي للإخراج )

يجوز للمالك أن يفرق زكاة ماله بنفسه ، سواء الأموال الظاهرة والباطنة ، لأنه عاقل في يده حق لغيره دفعه إليه فأجزأه ، كما لو دفع الدين إلى غريمه.

لكن الأفضل صرفها إلى الإمام ، لأنه أعرف بمواقعها ، ولأنه بتفريق الإمام على يقين من سقوط الفرض ، بخلاف ما لو فرق بنفسه ، لجواز أن يسلم إلى من ليس بصفة الاستحقاق ، خصوصا الأموال الظاهرة ، وهو نائب المساكين.

والأقرب عدم الوجوب ، لأصالة البراءة. نعم لو طلبها الإمام ، وجب الصرف إليه بذلا للطاعة ، ولقوله تعالى ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ) (١) وهو يستلزم وجوب الإعطاء ، ولأنه مال للإمام المطالبة به ، فيجب دفعه إليه مع المطالبة كالخراج.

فإن فرقها المالك بعد طلب الإمام لها أثم ، لأن مخالفة الإمام الواجب الطاعة من أعظم الكبائر. وهل يجزي الدفع؟ قولان : من حيث إنه عبادة لم تقع على الوجه المأمور به ، فلا تقع مجزية. ومن حيث إنه أوصل المال إلى مستحقه ، فخرج عن العهدة كالدين.

ويجوز أن يدفعها إلى العامل ، لأن الإمام نصبه كذلك وهو وكيله.

ويجوز أن يدفعها إلى وكيل له في الصرف إلى الإمام ، أو في التفرقة على المستحقين ، حيث يجوز أن يصرف بنفسه ، لأنه حق مالي ، فيجوز التوكيل في أدائه كديون الآدميين. والتفرقة بنفسه أولى من التوكيل ، لأنه على يقين من فعل نفسه وفي شك من فعل الوكيل ، ولينال أجر التفريق ، وليخص بها أقاربه وجيرانه ، وله على الوكيل غرم ما أتلف.

ولو امتنع من الدفع إلى الإمام ، قاتله الإمام عليه‌السلام ، فإن أجاب.

__________________

(١) التوبة : ١٠٣‌

٤١٥

إلى إخراجها بنفسه ، احتمل الكف وعدمه ، بناء على الإجزاء وعدمه.

ولو لم يطلب الإمام ولم يأت الساعي ، أخر المالك ما دام راجيا مجي‌ء الساعي ، فإن أيس فرقها بنفسه ، لئلا يتأخر عن المساكين حقهم.

ولو علم الإمام من رجل أنه لا يدفع الزكاة ، طالبه بالدفع. إما بأن يحملها إليه ، أو يفرقها بنفسه. وكذا له المطالبة بالنذور والكفارات.

ولا يجوز دفعها إلى الحاكم الجائر اختيارا ، لأنه ظالم ، فلا يجوز الركون إليه. فإن دفعها إليه اختيارا ضمن ، فإن فرقها الجائر حينئذ على المستحقين ، فالأقرب الإجزاء لأنه كالوكيل.

ولو لم يعلم المالك هل وصلت إلى المستحقين أو لا؟ ضمن ، لشغل ذمته بالإخراج ، وعدم العلم بالبراءة.

ولو دفعها مكرها بعد عزلها وعدم التفريط في تفريقها ، لم يضمن لأنها كالتالفة.

ولو فرط في تفريقها ، بأن أخر دفعها إلى المستحقين ، أو إلى الإمام ، أو الساعي من قبله مع قدرته على ذلك ، ضمن لتفريطه في مال الغير.

ولو لم يعزلها ولم يعينها ، فإن أمكنه الجحود أو ادعاء التفريق مع ظن القبول منه ثم دفعها ، ضمن كالوديعة. ولو لم يتمكن احتمل الإجزاء ، لأنه بالدفع إليه يكون قد عزلها. وعدمه ، إذ لم يتعين حق الفقراء في مال المأخوذ. وولي الطفل والمجنون كالمالك.

وإذا أذن الإمام لساعيه في التفريق ، جاز أن يأخذ نصيبه منها ، لأنه مستحق وقد أمر بدفع المأخوذ إلى المستحقين. وإذا لم يعين له الإمام قدرا ، لم يجز له أن يخص نفسه بالجميع ، لأنه نصب للجمع والحفظ ، وإن سوغنا الصرف إلى واحد. وهل له أن يقلل في المدفوع إليهم بحيث يزداد نصيبه؟ إشكال ، أقربه اعتبار المصلحة في نظر الإمام لو تولاه.

ولو طلب الساعي الزكاة وادعى المالك الإخراج ، أو نقص النصاب ، أو‌

٤١٦

الإبدال ، أو عدم حولان الحول ، صدق بغير يمين ولا بينة ، لأنه إخبار عما في ذمته ، وكان القول قوله كغيره من العبادات.

وإذا تولى المالك الإخراج والتفريق بنفسه أو بوكيله ، أو دفعها إلى الإمام ففرقها بنفسه ، سقط سهم العامل منها ، لأنه إنما يأخذ أجر العملة ، فإذا لم يعمل لم يستحق شيئا ، ويبقى سبعة أصناف ، إن وجد جميعهم أعطاهم أو أعطى بعضهم.

ويجوز أن يقتصر على صنف واحد بل شخص واحد ، قل المال أو كثر. ولا تجب القسمة في كل صنف ، لقوله عليه‌السلام : أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم (١). فأخبر أنه مأمور برد جملتها في الفقراء وهم صنف واحد.

ثم أتاه بعد ذلك مال آخر فجعله في صنف آخر غير الفقراء ، وهم المؤلفة الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل قسم فيهم الذهبة التي بعث بها إليه علي عليه‌السلام من اليمن.

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر ، لقوله عليه‌السلام لقبيضة بن المخارق حين يحمل فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسأله فقال : أقم يا قبيضة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها.

ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف ، لم يجز دفعها إلى واحد. نعم يستحب دفعها إلى جميع الأصناف ، أو إلى من أمكن منهم ، لما فيه من التسوية بين المستحقين.

ولو تعذر الإمام ، فالأولى صرفها إلى الفقيه المأمون. وكذا حال الغيبة ، لأنه أعرف بمواقعها ، ولأنه نائب الإمام عليه‌السلام ، فكان له ولاية ما يتولاه.

__________________

(١) جامع الأصول ٥ ـ ٢٩٥.

٤١٧

البحث الرابع

( في كيفية الإخراج )

قد بينا أنه لا يجب التعميم في الإعطاء ، بل يجوز صرفها إلى صنف واحد ، بل إلى شخص واحد ، لكن يستحب التعميم إن أمكن ، فيدفع إلى كل صنف ما يدفع به حاجته من غير زيادة.

فيعطى الفقير والمسكين ما يغنيهما إن أمكن. ويعطى الغارم والمكاتب ما يقضيان دينهما وإن كثر. ولو قدرا على بعض ما عليهما أعطيا الباقي.

ويعطى ابن السبيل ما يبلغه إلى بلده ، والغازي ما يكفيه لغزوه ، والعامل بقدر أجره. ولا يعطى أزيد مما يندفع به الحاجة ، لأن الدفع لها ، فلا يزاد على ما سيغنيه.

وعليه تفريق الزكاة في فقراء بلد المال ، فإن نقلها مع وجود المستحق ضمن. ويجوز النقل لو لم يجد المستحق. ويخرج زكاة الفطرة في بلد المال ، لتعلقها بالبدن لا بالمال.

ولا فرق في المنع من النقل من الموضع القريب والبعيد.

ولو فقد المستحق في بلد المال ووجد في بلدين غيره ، فإن كان أحد البلدين طريقا للآخر ، تعين التفريق في الأقرب. ولو لم يكن لذلك تخير بين البعيد والقريب مع التساوي في غلبة ظن السلامة.

ويستحب التفريق في الأصناف الثمانية إن كانوا موجودين ، وإن لم يكونوا موجودين وضعها فيمن يوجد منهم. ولو وضعها في جنس أو جنسين جاز. وإن تفرق في كل جنس على جماعة.

وإذا عدم صنف في سائر البلاد ، انتقل سهمه إلى باقي الأصناف. وإن عدم في بلد المال ووجد في غيره ، فرق في باقي الأصناف في بلد المال.

وينبغي أن يعطى الأشد حاجة والأكثر استحقاقا ما يكفيه عن غيره ، بحسب نظر الحاكم.

٤١٨

ويعطى الفقير والمسكين ما تزول به حاجتهما سنة ، لتكرر الزكاة كل سنة ، ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي. والمحترف الذي لا يجد آلة لحرفته ، يعطى بقدر ما يشتريها به ، قلت قيمتها أو كثرت لتكسبه.

ويعطى التاجر ما يشتري به من النوع الذي يحسن التجارة والتصرف فيه ، ويكون قدره ما يفي ربحه بكفايته.

ويعطى ابن السبيل ما يبلغه مقصده أو موضع ماله ، ويهيأ له من الكسوة والركوب ما يحتاج إليه وما ينقل به زاده ورحله ، فيعطى أجرة المركوب أو ثمنه إن اتسع المال ، ولا يسترد منه الدابة مع وصوله ، لأنه ملكها بالإعطاء. وكما يعطى للذهاب يعطى للعود إن أراده ، لشمول الحاجة. ويعطى مئونة إقامته لحاجة يتوقع زوالها ، وإن زادت إقامته على إقامة المسافرين. والأقرب أنه يعطى تمام مئونته ، ويحتمل ما زاد بسبب السفر.

ويعطى الغازي النفقة والكسوة مدة الذهاب والمقام في السفر وإن طال ومدة الرجوع. وهل يعطى تمام المئونة أو ما يزيد بسبب السفر؟ إشكال ، ويعطى ما يشتري به الفرس إن قاتل فارسا ، وما يشتري به السلاح وآلات القتال ، ويملك جميع ذلك. ويجوز أن يستأجر له الفرس والسلاح بحسب اختلاف قلة المال وكثرته. وأن يعطى الفرس والسلاح عارية أو وقفا مما وقفه الإمام بعد أن اشتراه بهذا السهم.

وإنما يعطى إذا قرب خروجه ، ليتهيأ به للخروج ، فإن أخذ ولم يخرج استرجع منه. وإن مات في الطريق ، أو امتنع من الغزو ، استرجع الباقي ، فإن غزا وعنده بقية ، احتمل الرجوع إن لم يقتر على نفسه ، لظهور أن المعطى فوق الحاجة ، وخطأ الساعي في الاجتهاد. وإن قتر على نفسه ، أو كان الباقي يسيرا جدا ، لم يسترجع منه. ويأخذ نفقته ونفقة عياله ذهابا ومقاما وغزوا.

وهل للإمام أن يشتري من سهم الغزاة أفراسا ويجعلها وقفا في سبيل الله ، فيعطيهم عند الحاجة قبل وصول المال إليهم؟ الأقوى ذلك ، لأنه نائب عنهم.

٤١٩

ويعطى المؤلفة بحسب ما يراه الإمام. والعامل قدر أجرة عمله. ولو جعل له أكثر من أجرة المثل ، فسدت القسمة من أصلها ، ويرد الفاضل على باقي السهمان. ولو نقص أكمل من بيت المال ، أو من سهم باقي الأصناف على حسب ما يراه الإمام.

ولو اجتمع في شخص سببا استحقاق فما زاد ، جاز أن يأخذ بهما نصيبه للسبب كالميراث ، فإن حصل تضاد لم يجز ، كما لو دفع إلى الفقير العامل عن عمله أولا ما يغنيه ، لانتفاء السبب عن المدفوع إليه.

وإذا فقد المالك المستحق ، ففي وجوب الدفع إلى الإمام ، أو الساعي مع عدم طلبهما ، أو جواز إبقائها في يده ، إشكال ينشأ : من عدم وصولها في الحال إلى المستحق يدفعه إليهما. ومن كونهما نائبين عنه.

ولو تعذر الإمام والساعي أيضا ، استحب له عزلها من ماله وإفرادها منه ، لأنه مال لغيره. فإن تلف بعد العزل من غير تفريط ، فلا ضمان لتعيينها بتعيينه كالدين.

ولو حضرته الوفاة ، وجب عليه الإيصاء بها والإشهاد ، لأنه حق في ذمته يجب عليه إعلام الشاهدين ، أو من يعلم قيامه مقامه ، توصلا إلى إيصال الحق إلى مستحقه.

ولو عين الفطرة من غائب ، ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه ، للتفريط بالنقل.

البحث الخامس

( في النية )

أداء الزكاة عبادة ، فيفتقر إلى النية ، لعموم ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١) ولأنه عمل وقال : إنما الأعمال بالنيات (٢). بخلاف‌

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١ ـ ٣٤ ح ١٠.

٤٢٠