نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

عبدٍ حتّى يسأل عن أربعة : عن جسده فيم أبلاه ، وعمره فيم أفناه ، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت. قيل : يا رسول الله! فما علامة حبّكم؟ فضرب بيده على منكب عليّ رضي‌الله‌عنه.

رواه الطبراني في الأوسط » (١).

أقول :

أوّلاً : لم يتكلّم في سند الحديث الثاني ، مع أنّه تكلم في الأوّل.

وثانياً : السائل : « يا رسول الله! فما علامة حبّكم؟ » هو : « عمر بن الخطّاب » ، وقد جاء هنا : « قيل ».

وثالثاً : في ذيله : « وآية حبّي حبّ هذا من بعدي » ؛ ولم يذكره.

ورابعاً : كلامه في « حسين الأشقر » مردود ، وقد أوضحنا وثاقة هذا الرجل في بحث آية المودّة وسيأتي أيضاً في الآية : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ).

و « عن أبي الطفيل ، عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع : عن علمه ما عمل به ، وعن ماله مما اكتسبه ، وفيم أنفقه ، وعن حب أهل البيت. فقيل : يا رسول الله! ومن هم؟ فأومأ بيده إلى علي بن أبي طالب ».

أقول :

أخرجه ابن عساكر ، « عن مشايخه ، عن الباغندي ، عن يعقوب بن

__________________

(١) مجمع الزوائد ١٠ / ٣٤٦ ، وانظر : المعجم الكبير ١١ / ٨٣ رقم ١١١٧٧ ، والمعجم الأوسط ٩ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥ رقم ٩٤٠٦ ، و ٣ / ٩ رقم ٢٢١٢.

٣٨١

إسحاق الطوسي ، عن الحارث بن محمّد المكفوف ، عن أبي بكر بن عياش ، عن معروف بن خربوذ ، عن أبي الطفيل ، عن أبي ذرّ » (١).

ولا مساغ للطعن في هذا الحديث سنداً.

نعم ، هو من حيث المتن والدلالة ممّا لا تحتمله نفوس القوم ، ولذا تراهم يصفونه بالبطلان ، من غير جرح لأحدٍ من رواته!!

فقد عنون الذهبي في ميزانه « الحارث بن محمّد المعكوف (٢) » ولم يجرحه بشيء ، إلاّ أنّه قال ما نصّه : « أتى بخبر باطل ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاش ، عن معروف بن خرّبوذ ، عن أبي الطفيل ، عن أبي ذرّ مرفوعاً : لا تزول قدما عبدٍ حتّى يسأل عن حبّنا أهل البيت ، وأومأ إلى عليّ. رواه أبو بكر ابن الباغندي ، عن يعقوب بن إسحاق الطوسي ، عنه ». إنتهى (٣).

أكتفي بهذا لئلاّ يطول بنا البحث ، كما أكتفي بالإشارة إلى أنّ للقوم في هذا الحديث تصرّفاتٍ ، لا بُدّ من التحقيق عنه ممّن كان أهلاً لذلك.

* حديث : لا يجوز الصراط إلاّمن معه كتابُ ولاية عليٍ

ونذكر بعض ما ورد في هذا الباب :

١ ـ حديث أمير المؤمنين .. رواه الحافظ أبو الخير الحاكمي الطالقاني ، قال : « وبه قال الحاكم ... وعن عليّ ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم ، ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة بولاية عليّ بن أبي طالب » (٤).

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ / ١٦١.

(٢) كذا ، لكن في لسان الميزان ٢ / ١٥٩ ، وتاريخ دمشق : « المكفوف ».

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ٤٤٣.

(٤) كتاب الأربعين المنتقى من مناقب علي المرتضى : الباب الثالث والثلاثون الحديث رقم ٤٠.

٣٨٢

٢ ـ حديث الإمام جعفر بن محمّد الصادق .. رواه مالك بن أنس ، عنه ، عن آبائه ، عن عليّ ، عن رسول الله صلى عليه وآله وسلّم ، قال : « إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم ، لم يجز أحد إلاّمن كانت معه براءة بولاية عليّ بن أبي طالب ».

روى هذا الحديث : شيخ الإسلام الحمويني بسنده ، عن الحافظ البيهقي ، عن الحاكم النيسابوري بسنده ، عن إبراهيم بن عبدالله الصاعدي ، عن ذي النون المصري ، عن مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمّد ... (١).

أقول :

وهذا الحديث أيضاً لا مجال للطعن في سنده ، ولذا ذكره بعض المتعصّبين ووصفه بكونه « خبراً باطلاً متنه » (٢) ، وادّعى بعضهم أن راويه « إبراهيم بن عبدالله الصاعدي » ، « متروك الحديث » (٣) ، لكنّه جرحٌ بلا ذِكر سبب ، وما هو إلاّرواية مثل هذا الحديث ...

هذا ، وقد تابعه « الهيثم بن أحمد الزيداني » ، قال الحافظ أبو نعيم : « حدّث سوار بن أحمد ، ثنا علي بن أحمد بن بشر الكسائي ، ثنا أبو العبّاس الهيثم بن أحمد الزيداني ، ثنا ذو النون بن إبراهيم المصري ، ثنا مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على ظهراني جهنّم ، لا يجوزها ولا يقطعها إلاّمن كان معه جواز بولاية علي بن أبي طالب » (٤).

__________________

(١) فرائد السمطين ١ / ٢٨٩.

(٢) ميزان الإعتدال ١ / ٤٤٣.

(٣) الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ ١ / ٣٩٩.

(٤) أخبار أصبهان ١ / ٣٤١.

٣٨٣

٣ ـ حديث أنس بن مالك .. قال الفقيه ابن المغازلي : « أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب ـ إذناً ـ ، عن القاضي أبي الفرج أحمد بن علي ، قال : حدّثنا أبو غانم سهل بن إسماعيل بن بلبل ، حدّثنا أبو القاسم الطائي ، حدّثنا محمّد بن زكريا الغلابي ، حدّثني العباس بن بكّار ، عن عبدالله بن المثنّى ، عن عمه ثمامة بن عبدالله بن أنس ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قال رسول الله : إذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على شفير جهنم ، لم يجز إلاّمن معه كتاب ولاية عليّ بن أبي طالب » (١).

٤ ـ حديث عبدالله بن مسعود .. رواه عنه الحسن البصري ، فروى الموفّق بن أحمد المكّي الخوارزمي بإسناده ، عن الحسن البصري ، عن عبدالله ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « إذا كان يوم القيامة ، يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس ـ وهو جبل قد علا على الجنّة ، وفوقه عرش رب العالمين ، ومن سفحه تتفجّر أنهار الجنّة وتتفرّق في الجنان ـ وهو جالس على كرسي من نور ، يجري من بين يديه التسنيم ، لا يجوز أحد الصراط إلاّومعه براءة بولايته وولاية أهل بيته ، يشرف على الجنة ، فيدخل محبيه الجنّة ومبغضيه النار » (٢).

٥ ـ حديث عبدالله بن عبّاس .. رواه عنه سعيد بن جبير ، رواه الحافظ الحاكم الحسكاني ، وقد تقدّم نصه قريباً ..

ورواه عنه مجاهد ، رواه ابن المغازلي ، عن الغندجاني بسنده ، عن طريق السدّي إلى يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : « عليّ يوم القيامة على الحوض ، لا يدخل الجنّة إلاّ من

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ٢٤٣.

(٢) مناقب علي بن أبي طالب : ٣١.

٣٨٤

جاء بجواز من عليّ بن أبي طالب » (١).

ورواه عنه طاووس ، قال ابن عساكر : « قال الخطيب : وأنبأنا أبو نعيم الحافظ : أنبأنا أبو بكر محمّد بن فارس المعبدي ببغداد ، حدّثني أبي فارس بن حمدان بن عبدالرحمن ، حدّثني جدّي ، عن شريك ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن طاووس ، عن ابن عبّاس ، قال : قلت للنبيّ : يا رسول الله! هل للنار جواز؟! قال : نعم. قلت : وما هو؟! قال : حبّ علي بن أبي طالب » ..

قال ابن عساكر : « قال الخطيب : سألت أبا نعيم عنه فقال : كان رافضياً غالياً في الرفض ، وكان أيضاً ضعيفاً في الحديث. قال الخطيب : محمّد بن فارس بن حمدان ... أبو بكر العطشي ، ويعرف بالمعبدي ... » (٢).

٦ ـ حديث أبي بكر بن أبي قحافة .. قال الحافظ محبّ الدين الطبري : « ذِكر اختصاصه ـ رضي‌الله‌عنه ـ بأنّه لا يجوز أحد الصراط إلاّمن كتب له عليّ الجواز ، عن قيس بن أبي حازم ، قال : التقى أبو بكر وعليّ بن أبي طالب. فتبسّم أبو بكر في وجه عليّ. فقال له : مالك تبسّمت؟ قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : لا يجوز أحد الصراط إلاّمن كتب له عليّ الجواز. أخرجه ابن السمّان في كتاب الموافقة » (٣).

أقول :

ذكر الحافظ ابن حجر « قيس بن أبي حازم » ووثّقه ، وجعل عليه علامة الكتب الستّة ، قال : « ويقال : له رؤية » (٤).

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب : ١١٩.

(٢) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ / ١٠٤.

(٣) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ٧١.

(٤) تقريب التهذيب ٢ / ١٢٧.

٣٨٥

الشاهد لحديث الجواز

ثمّ إنّه يشهد لحديث : « لا يجوز أحد الصراط إلاّومعه كتاب بولاية علي » أحاديث كثيرة ، من أشهرها حديث : « علي قسيم الجنّة والنار » ، رواه الدارقطني ، وابن عساكر ، وابن المغازلي ، وابن حجر المكّي ، والمتّقي الهندي ، وكثيرون من أعلام المحدثين غيرهم.

* ما ورد بتفسير قوله تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك .. )

وممّا يؤكّد المطلب ما جاء في جملة من كتب الفريقين بتفسير هذه الآية المباركة ، ونحن نوضّح ذلك على ضوء كتب العامّة فحسب فنقول :

ظاهر هذه الآية أنّها أمر من الله تعالى لرسوله أن يسأل المرسَلين الّذين أُرسلوا إلى أُممهم من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...

فهذا أمرٌ من الله ، والمأمور بالسؤال هو : النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمسؤول منهم : المرسَلون السابقون ، والسؤال ما هو؟

فهاهنا أسئلة :

كيف يسأل الرسلَ وقد ماتوا قبله؟!!

وهل سألهم أو لا؟!!

وعلى الأوّل ، فما كان السؤال؟! وما كان جوابهم؟!

وهذا الموضع من المواضع التي اضطربت فيها كلمات القوم بشدّة واختلفت اختلافاً كبيراً :

يقول ابن الجوزي في تفسيره : « إن قيل : كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة :

٣٨٦

أحدها : إنّه لمّا أُسري به ، جُمع له الأنبياء فصلّى بهم ، ثمّ قال له جبريل : ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ .. ) الآية .. فقال : لا أسأل ، قد اكتفيت ..

رواه عطاء عن ابن عبّاس ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والزهري ، وابن زيد ، قالوا : جمع له الرسل ليلة أُسري به فلقيهم ، وأُمر أن يسألهم ، فما شكّ ولا سأل.

والثاني : إنّ المراد : اسأل مؤمني أهل الكتاب من الّذين أُرسلت إليهم الأنبياء ..

روي عن ابن عبّاس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحّاك ، والسدّي ، في آخرين. قال ابن الأنباري : والمعنى : سل أتباع من أرسلنا قبلك ، كما تقول : السخاء حاتم ، أي : سخاء حاتم ، والشعر زهير. أي : شعر زهير. وعند المفسّرين إنّه لم يسأل على القولين. وقال الزجّاج : هذا سؤال تقرير ، فإذا سأل جميع الأُمم لم يأتوا بأنّ في كتبهم : أن اعبدوا غيري.

والثالث : إنّ المراد بخطاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : خطاب أُمّته ، فيكون المعنى : سلوا. قاله الزجّاج ».

هذا تمام ما ذكره ابن الجوزي (١).

أقول :

فهذه ثلاثة أجوبة ـ وتجدها في التفاسير الأُخرى أيضاً ـ أُولاها حملٌ على ظاهر الآية ؛ فهو جواب على الحقيقة ، والتاليان حملٌ على خلاف الظاهر ، فهما جوابان على المجاز .. ولعلّ المختار عند ابن الجوزي ـ بقرينة التقديم في الذِكر ـ هو الأوّل. واختار الآلوسي الجواب الثاني كما سيأتي ،

__________________

(١) زاد المسير ٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

٣٨٧

وعندهم أجوبةٌ أُخرى على المجاز ، وهي باختصار :

١ ـ إنّ الخطاب للنبيّ ، والسؤال مَجاز عن النظر في أديانهم : هل جاءت عبادة الأوثان قطّ في مِلّةٍ من ملل الأنبياء؟! (١) وهو الذي اختاره الزمخشري ، وتبعه بعضهم كالنسفي ، ثمّ قال الزمخشري : « وكفاه نظراً وفحصاً نظره في كتاب الله المعجز المصدّق لِما بين يديه ، وإخبار الله فيه بأنّهم يعبدون من دون الله ما لم ينزّل به سلطاناً ، وهذه الآية في نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها » (٢).

أقول : فلمَ أُمرَ بالسؤال؟!

٢ ـ إنّ الخطاب ليس للنبيّ ، بل هو للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات ، فقيل له : اسأل أيّها الناظر أتباع الرسل ، أجاءت رسلهم بعبادة غير الله؟! فإنّهم خبرونك أنّ ذلك لم يقع ، ولا يمكن أن يأتوا به ، واختاره أبو حيّان الأندلسي (٣).

أقول كما قال الآلوسي فيه : ولعمري إنّه خلاف الظاهر جدّاً.

٣ ـ إنّ الخطاب للنبيّ ، والسؤال على الحقيقة ، لكنّ المسؤول هو الله تعالى ، فالمعنى : واسألنا عن من أرسلنا ...

نقله أبو حيّان عن بعضهم واستبعده.

وقال الآلوسي : « وممّا يقضى منه العجب ما قيل ... » ثمّ قال : « واسأل من قرأ أبا جاد ، أيرضى بهذا الكلام ويستحسن تفسير كلام الله تعالى المجيد بذلك؟! ».

أقول : لا يرضى به قطعاً.

__________________

(١) تفسير الرازي ٢٧ / ٢١٦ ، البحر المحيط ٩ / ٣٧٧ ، روح المعاني ٢٥ / ٨٦.

(٢) الكشّاف ٤ / ٢٥٤. وانظر : تفسير النسفي ـ مدارك التنزيل ـ هامش الخازن ٤ / ١٠٦ ، فقد قال بالعبارة عينها دون ذِكر الزمخشري!

(٣) البحر المحيط ٩ / ٣٧٧.

٣٨٨

هذه نماذج من كلمات أئمّة القوم.

ولا يخفى اضطراب القوم في تفسير الآية المباركة ، إن أبقوها على ظاهرها ، فبمَ يجيبون عن الأسئلة؟!

وإن أرادوا التخلّص من الجواب عنها ، حملوا الآية على المجاز ، وهو بابٌ واسع ، وقد رأيت كيف يردّ بعضهم على الآخر في ما اختار!

وابن كثير الدمشقي لم يلتفت إلى شيءٍ من هذه الأسئلة ، فلم يبيّن المخاطب بالآية ، ولا السؤال ، ولا المسؤول ... وإنّما قال :

« وقوله سبحانه وتعالى : ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا ... ) أي : جميع الرسل دعوا إلى ما دعوت الناس إليه ، من عبادة الله وحده لا شريك له ، ونهوا عن عبادة الأصنام والأنداد ، كقوله جلّت عظمته : ( وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) (١).

فهكذا فسر الآية ليكون في فسحةٍ من المشكلة وطلباً للراحة منها ، ثمّ ذكر القولين الآتيين.

وبعد ...

فالمهمّ من هذه الأقوال كلّها قولان ، ولذا لم يذكر غير واحدٍ منهم ـ كابن كثير والشوكاني ـ غيرهما :

أحدهما : إنّ المراد سؤاله الأنبياء ، لمّا أُسري به عند ملاقاته لهم ..

قالوا : وهذا قول المتقدّمين منهم ، كسعيد بن جبير ، والزهري ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ورووا عن عطاء ، عن ابن عبّاس : « فقال : لا أسأل ، قد اكتفيت ».

والآخر : إنّ المراد سؤاله الأُمم ، والمؤمنين من أهل الكتاب ، من الّذين

__________________

(١) تفسير ابن كثير ٤ / ١١٥.

٣٨٩

أرسلت إليهم الأنبياء ..

وهذا القول حكوه عن ابن عبّاس كذلك ، وعن مجاهد وقتادة والضحّاك والسدّي في آخرين ، كما قال ابن الجوزي ، واختاره ابن جرير الطبري ، وكثير من المتأخّرين ـ كالآلوسي ـ ، بل في الوسيط للواحدي (١) وتفسير البغوي نسبته إلى أكثر المفسرين ، قال البغوي : « يدل عليه قراءة عبدالله وأُبيّ : واسأل الّذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا » (٢) .. لكنّ ابن كثير قال : « وهذا كأنّه تفسير لا تلاوة. والله أعلم » (٣).

وهذان القولان هما الأوّل والثاني من الأقوال الثلاثة التي ذكرها ابن الجوزي بتفسيره ... فهل سأل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لا؟! وعلى تقدير السؤال ، فما كان الجواب؟!

قال ابن الجوزي : « وعند المفسّرين أنّه لم يسأل ، على القولين » (٤).

أقول :

فلا جواب عندهم عن السؤال ، أو أنّ هناك جواباً صحيحاً مطابقاً لظاهر الآية ـ ولا خروج فيه عن الحقيقة إلى المجاز ـ مشتملاً على جميع جوانب المسألة ، ولكنّهم لا يريدون التصريح به والإفصاح عنه؟!

إنّ هذا الموقف من ابن الجوزي وأمثاله لَيذكّرنا بموقفهم من حديث « الأئمّة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش » ؛ إذ يشرّقون ويغرّبون ، ويختلفون ويضطربون ... حتّى قال ابن الجوزي : « قد أطلت البحث عن معنى هذا

__________________

(١) الوسيط في تفسير القرآن ٤ / ٧٥.

(٢) معالم التنزيل ٥ / ١٠٢.

(٣) تفسير ابن كثير ٤ / ١١٥.

(٤) زاد المسير ٧ / ١٣٩.

٣٩٠

الحديث وتطلّبت مظانّه وسألت عنه ، فلم أقع على المقصود » (١) ..

وما كلّ ذلك إلاّلأنّهم لا يريدون الإعتراف بالحقيقة.

والعجيب ، أنّهم في تفسير الآية ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا ... ) يستدلّون بما يروون عن عبدالله بن مسعود من أنّه قرأها : « وسئل الّذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا » ثمّ يتنازعون هل هو قراءة أو تفسير! ولا يعبأون بحديثٍ مسندٍ مرويّ عندهم عن عبدالله بن مسعود عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في معنى الآية المباركة!!

بل القائلون بالقول الأوّل ـ من هذين القولين ـ لا يستندون في قولهم إلى هذا الحديث ، مع أنّهم بأشدّ الحاجة إليه في بيان معنى الآية وإثبات قولهم في تفسيرها!!

وما كلّ ذلك إلاّلاشتماله على ولاية أمير المؤمنين!!

الحديث كما رواه جماعة من أكابر المحدثين الحفاظ

* رواه الحاكم ، قال : « حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر الحافظ ، قال : حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان ، قال : ثنا علي بن جابر ، قال : ثنا محمّد بن خالد بن عبدالله ، قال : ثنا محمّد بن فضيل ، قال : ثنا محمّد بن سوقة ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد ، قال :

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا عبدالله! أتاني ملك فقال : يا محمّد! ( وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا ) على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب.

قال الحاكم : تفرّد به علي بن جابر ، عن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن

__________________

(١) فتح الباري في شرح البخاري ـ للحافظ ابن حجر ـ ١٣ / ١٨١.

٣٩١

فضيل ، ولم أكتبه إلاّعن ابن المظفّر ، وهو عندنا حافظ ثقة مأمون » (١).

فالآية باقية على ظاهرها ، والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد سأل ، وكان الجواب : بعث الأنبياء على ولايته وولاية عليٍّ عليهما وعلى آلهما الصلاة والسلام.

* ورواه الثعلبي ، قال : « أخبرنا الحسين بن محمّد الدينوري ، حدّثنا أبو الفتح محمّد بن الحسين بن محمّد بن الحسين الأزدي الموصلي ، حدّثنا عبد بن محمّد بن غزوان البغدادي ، حدّثنا علي بن جابر ، حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله ومحمّد بن إسماعيل ، قالا : حدّثنا محمّد بن فضيل ، عن محمّد ابن سوقة ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله بن مسعود ، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أتاني ملك فقال : يا محمّد! ... » (٢).

* ورواه ابن عساكر ، قال : « أخبرنا أبو سعد بن أبي صالح الكرماني وأبو الحسن مكّي بن أبي طالب الهمداني ، قالا : أنبأنا أبو بكر ابن خلف ، أنبأنا الحاكم أبو عبدالله الحافظ ، حدّثني محمّد بن مظفّر الحافظ ... » إلى آخر ما تقدّم عن الحاكم (٣).

* ورواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني ، كما في تنزيه الشريعة عن الحافظ ابن حجر ، وفي غير واحد من كتب أصحابنا أنّه روى بإسناده في هذه الآية ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة أُسري به جمع الله تعالى بينه وبين الأنبياء ، ثمّ قال : سلهم يا محمّد! على ماذا بُعثتم؟ فقالوا : بُعثنا على شهادة أنْ لا إله إلاّ الله ، وعلى الإقرار بنبوّتك ، والولاية لعليّ بن أبي طالب (٤).

__________________

(١) معرفة علوم الحديث : ٩٦.

(٢) تفسير الثعلبي ـ مخطوط.

(٣) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين ـ ٢ / ٩٧.

(٤) الطرائف في معرفة الطوائف ١ / ١٠١ ، البرهان في تفسير القرآن ٤ / ١٤٨ ، غاية المرام : ٢٤٩ ، خصائص الوحي المبين : ١٥٣.

٣٩٢

* ورواه الحافظ ابن حجر العسقلاني من جهة الحاكم ، قال : ورواه أبو نعيم ، وستأتي عبارة ابن حجر.

* ورواه الحافظ ابن عبدالبرّ القرطبي ، على ما نقل عنه العلاّمة الحلّي (١) ، والشيخ يحيى بن البطريق (٢).

* ورواه الحاكم الحسكاني ، قال : « حدّثنا الحاكم أبو عبدالله الحافظ ، قال : حدّثني محمّد بن المظفّر ... » إلى آخر ما تقدّم ...

قال : « وأخبرنا أبو عثمان الحيري من أصله العتيق ، قال : حدّثنا أبو الحسين محمّد بن المظفّر ... سواءً لفظاً ، ولم يذكر علقمة في الإسناد ».

« حدّثني أبو الحسن الفارسي ، حدّثنا عمر بن أحمد ، حدّثنا علي بن الحسين بن سفيان الكوفي ، حدّثنا جعفر بن محمّد أبو عبدالله الحسيني ، حدّثنا علي بن إبراهيم العطّار ، حدّثنا عباد ، عن محمّد بن فضيل ، عن محمّد بن سوقة ».

قال : « وحدّثنا أبو سهل سعيد بن محمّد ، حدّثنا علي بن أحمد الكرماني ، حدّثنا أحمد بن عثمان الحافظ ، حدّثنا عبيد بن كثير ، حدّثنا محمّد ابن إسماعيل الأحمسي ، حدّثنا ابن فضيل ، عن محمّد بن سوقة ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :

لمّا أُسري بي إلى السماء إذا ملك قد أتاني فقال لي : يا محمّد! سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا. قلت : معاشر الرسل والنبيّين! على ما بعثكم الله؟ قالوا : على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب.

__________________

(١) منهاج الكرامة في معرفة الإمامة آخر الطبعة القديمة من منهاج السنّة : ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) خصائص الوحي المبين : ٩٨.

٣٩٣

ورواه غير علي ، عن محمّد بن خالد الواسطي ، وتابعه محمّد بن إسماعيل ..

أخبرنيه الحاكم أبو عبدالله ، حدّثني أبو سعيد أحمد بن محمّد بن رحيم النسوي ، حدّثنا أبو محمّد الحسن بن عثمان الأهوازي ، حدّثنا محمّد بن خالد ابن عبدالله الواسطي ، حدّثنا محمّد بن فضيل ، حدّثنا محمّد بن سوقة ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبدالله ، قال : قال لي النبيّ ... به لفظاً سواءً » (١).

* ورواه الموفّق بن أحمد المكّي ، قال : « وأخبرني شهردار ـ إجازةً ـ ، أخبرني أحمد بن خلف ـ إجازةً ـ ، حدّثني محمّد بن المظفّر الحافظ ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن غزوان ، حدّثنا علي بن جابر ... » إلى آخر ما تقدّم سواء (٢).

* ورواه الحمويني ، عن شهردار بن شيرويه الحافظ ، عن أحمد بن خلف ، عن الحاكم ، عن ابن المظفّر الحافظ ... كما تقدّم سواء (٣).

* ورواه أبو عبدالله الكنجي ، قال : « قرأت على الحافظ أبي عبدالله ابن النجّار ، قلت له : قرأت على المفتي أبي بكر بن عبدالله بن عمر الصفّار ، قال : أخبرتنا الحرّة عائشة بنت أحمد الصفّار ، أخبرنا أحمد بن علي الشيرازي ، أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبدالله النيسابوري ، حدّثني محمّد بن المظفر الحافظ ... » إلى آخر ما تقدّم سواء (٤).

أقول :

هذا في الحديث عن ابن مسعود.

__________________

(١) شواهد التنزيل ٢ / ٢٢٢ ـ ٢٢٥.

(٢) مناقب عليّ بن أبي طالب : ٢٢٠. والظاهر سقوط الحاكم بين أبي خلف وابن المظفّر.

(٣) فرائد السمطين ١ / ٨١.

(٤) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٧٥.

٣٩٤

وهو أيضاً عن عبدالله بن عبّاس :

* قال القندوزي الحنفي : « أيضاً رواه الديلمي ، عن ابن عبّاس ، رضي الله عنهما » (١).

وهو أيضاً عن أبي هريرة :

* قال شهاب الدين أحمد الخنجي : « عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لمّا أُسري بي ليلة المعراج ، فاجتمع عَلَيّ الأنبياء ، فأوحى الله إليّ : سلهم يا محمّد! بماذا بعثتم؟ قالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله ، وعلى الإقرار بنبوّتك ، والولاية لعليّ بن أبي طالب.

أورده الشيخ المرتضى ، العارف الربّاني ، السيّد شرف الدين علي الهمداني في بعض تصانيفه ، وقال : رواه الحافظ أبو نعيم » (٢).

أقول :

هذا ، وهو مروي عند أصحابنا عن أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين عليهم الصلاة والسلام (٣).

وتلخّص :

إنّ الصحيح في الآية المباركة إبقاؤها على ظاهرها ، وتفسيرها بهذا الحديث المروي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين وعدّة من الأصحاب ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) ينابيع المودة ١ / ٢٤٤.

(٢) توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل ـ مخطوط.

(٣) كنز الدقائق في تفسير القرآن ١١ / ٥٤٧.

٣٩٥

والأشهر من بين الأحاديث في الباب هو حديث عبدالله بن مسعود ، فقد ورد في كتبٍ كثيرة من كتب أهل السنّة ، ولهم به أسانيد عديدة ، وفي الرواة عدّة من أعلام الحفّاظ ، والأئمّة الثقات.

يقول ابن تيميّة : « إنّ مثل هذا ممّا اتّفق أهل العلم على أنّه كذب موضوع » ..

وليت شعري! فلماذا اتّفق هذا الجمع من الحفّاظ والمحدّثين على روايته؟!

ثمّ يقول ابن تيميّة : « إنّ هذا ممّا يعلم مَن له علم ودين أنّه من الكذب الباطل الذي لا يصدّق به مَن له عقل ودين ، وإنّما يختلق مثل هذا أهل الوقاحة والجرأة في الكذب ».

وليت شعري! هل كان هؤلاء الأئمّة الرواة لهذا الحديث عالمين بحاله فمع ذلك رووه ، أو كانوا جاهلين ، ومع ذلك يعدّون في كبار أئمّة الحديث وحفّاظه؟!

ثمّ إنّي لم أجد هذا الحديث في الموضوعات لابن الجوزي ، ولا في كتاب العلل المتناهية له.

نعم ، أورد ابن عراق حديث ابن مسعود في ( تنزيه الشريعة الغرّاء ) ومحصّل كلامه ثبوت الحديث لا سقوطه ، وهذا نصّ ما قال :

« حديث : ابن مسعود ، قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا عبدالله! أتاني ملك فقال : يا محمّد! سلْ من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ماذا بعثوا؟ قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب. حا (١).

__________________

(١) هذا رمز للحاكم ، كما ذكر في أوّل الكتاب أيضاً.

٣٩٦

قلت : ولم يبيّن علّته.

وقد أورده الحافظ ابن حجر في زهر الفردوس (١) من جهة الحاكم ، ثمّ قال : ورواه أبو نعيم وقال : تفرّد به علي بن جابر ، عن محمّد بن فضيل. إنتهى.

وعلي بن جابر ما عرفته. والله أعلم » (٢).

أقول :

ظهر من هذا الكلام رواية ثلاثة من أئمّة الحفّاظ هذا الحديث بإسنادهم عن عبدالله بن مسعود ، من غير أن يبيّنوا علّةً له ..

أمّا الحاكم ، فقد تقدّم نصّ روايته للحديث ، وهو في مقام ذِكر شاهدٍ لنوع من أنواع الحديث ، فهو غير معلولٍ عنده ، بل هو حديث معتبرٌ يذكر لقاعدةٍ علميّةٍ في كتابٍ علمي.

وأمّا أبو نعيم ، فقد روى هذا الحديث وهو يناسب ذكره في كتاب دلائل النبوّة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها كانت ثابتةً له منذ القرون السابقة ، وفي زمن الأنبياء الماضين ، حتى كان عليهم أن يدعوا الناس إلى نبوّته ويبشّروا أُممهم ببعثته ، إلاّ أنّا لم نجده في الكتاب المذكور.

وأمّا ابن حجر العسقلاني ، فقد أورد هذا الحديث ضمن أحاديث منتخبة من كتاب الفردوس ، وأضاف إليه رواية الحاكم ، وأبي نعيم.

فظهر إلى هنا من كلام ابن عراق اعتبار هذا الحديث عند القوم.

لكن ابن عراق قال في آخر الكلام : « وعلي بن جابر ما عرفته ».

__________________

(١) وهو مختصر كتاب فردوس الأخبار للديلمي ، أورد فيه ما استجوده من أخباره ، كما له كتاب تسديد القوس في مختصر مسند الفردوس.

(٢) تنزيه الشريعة الغرّاء ١ / ٣٩٧.

٣٩٧

أقول :

فانتهى القدح في سند الحديث عن ابن مسعود إلى أنّ ابن عرّاق لم يعرف « علي بن جابر ». وإذا كان الأمر هكذا فهو سهلٌ جدّاً ، لأنّ أكابر الأئمّة الحفّاظ من المتقدّمين قد عرفوا هذا الرجل ، ولم يذكروه بجرح ..

وممّا يؤكّد ذلك ، قول غير واحدٍ منهم ـ كالحاكم وأبي نعيم ـ بعد روايته : « تفرّد به علي بن جابر ، عن محمّد بن فضيل » فإنّه ظاهر في توثيقهم للرجلين ، وإلاّ لطعنوا فيه قبل أن يقولوا : « تفرّد به ... ».

على أنّه يظهر من روايات الحاكم الحسكاني متابعة غير علي بن جابر له في رواية الحديث عن محمّد بن فضيل.

وأما « محمّد بن فضيل » : فلم يتكلّم فيه أحدٌ ، فهو من رجال الكتب الستّة ، قال الحافظ ابن حجر : « محمّد بن فضيل بن غزوان ، ـ بفتح المعجمة وسكون الزاي ـ الضبّي ، مولاهم ، أبو عبدالرحمن ، الكوفي ، صدوق عارف ، رمي بالتشيّع ، من التاسعة. مات سنة ٩٥. ع » (١).

وتلخّص :

إنّ الحق هو القول الأوّل ، وهو إبقاء الآية المباركة على ظاهرها كما هو مقتضى أصالة الحقيقة ، والأخبار الواردة تفسّرها بكلّ وضوح ، لا سيّما حديث ابن مسعود.

وقد ظهر أنّ هذه الأخبار متّفق عليها بين الفريقين ، وهي عن أمير المؤمنين ، وعبدالله بن مسعود ، وعبدالله بن العبّاس ، وأبي هريرة.

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٠ ، و « ع » : رمز للكتب الستّة ، أي مجمع على وثاقته.

٣٩٨

هذا ، وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خبر الإسراء به ، والتقائه بالأنبياء ، وصلاته بهم ، وهو خبر طويل ، أخرجه الطبراني ، وأبو يعلى ، والبزّار ، والحاكم (١) ، وقال الهيثمي : « رجاله رجال الصحيح ».

فأظنُّ أنّ ما رواه الحاكم في كتابه علوم الحديث هو ذيل هذا الحديث الطويل ، يتعلّق بالسؤال منهم على ما بُعثوا ، إلاّ أنّهم سكتوا عن روايته ، لاشتماله على الولاية لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

فما قالوا من أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لم يسأل ، وقال : اكتفيت » كذبٌ منهم عليه ، إذ كيف يأمره الله عزّوجلّ بالسؤال ، فلم يسأل؟!

مضافاً ، إلى أنّه قد ورد في حديثٍ : « فقدّمني جبريل حتّى صلّيت بين أيديهم وسألتهم فقالوا : بعثنا للتوحيد » (٢) ..

فكان هناك سؤال وجوابٌ!! ولكنّهم لا يريدون التصريح بذلك ، ولا يريدون ذكر الجواب بصورةٍ كاملةٍ ، ليشتمل على الولاية لعليٍّ!!

وكم له من نظير!!

وهذا أحد أساليبهم في إخفاء مناقب أمير المؤمنين وأهل البيت الكرام الطاهرين ، الدالّة على إمامتهم بعد الرسول الأمين عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

فانظر كيف يفترون على الله والرسول الكذب؟!! إنّكاراً لولاية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، ( فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) (٣).

__________________

(١) كنز العمّال ١١ / ٣٩٠ رقم ٣١٨٤١ ، مجمع الزوائد ١ / ٧٥.

(٢) كنز العمّال ١١ / ٣٩٧ رقم ٣١٨٥٢ عن ابن سعد ، عن عدّة من الصحابة.

(٣) سورة البقرة ٢ : ٧٩.

٣٩٩

الفصل الثالث

في دفع شبهات المخالفين

وبعد ، فلنتأمّل في كلمات بعض المناوئين لأمير المؤمنين عليه‌السلام حول حديث السؤال عن ولايته في يوم القيامة الوارد بتفسير قوله تعالى : ( وقفوهم ... ).

* ابن تيمية

قال ابن تيمية ، في جواب استدلال العلاّمة الحلّي بالآية المباركة : « قال الرافضي : البرهان الرابع عشر : قوله تعالى ( قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) ... من طريق أبي نعيم ، عن الشعبي ، عن ابن عبّاس ، قال في قوله تعالى : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) عن ولاية عليّ. وكذا في كتاب الفردوس عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ.

وإذا سئلوا عن الولاية وجب أن تكون ثابتة له ، ولم يثبت لغيره من الصحابة ذلك ، فيكون هو الإمام.

والجواب من وجوه :

أحدها : المطالبة بصحّة النقل ، والعزو إلى الفردوس وإلى أبي نعيم لا تقوم به حجّة باتّفاق أهل العلم.

الثاني : إنّ هذا كذب موضوع بالإتّفاق.

الثالث : إنّ الله تعالى قال : ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ... ) فهذا خطاب عن

٤٠٠