نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

١٣ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤١٠.

١٤ ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفّى سنة ٤٢٧.

١٥ ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤٣٠.

١٦ ـ أبو بكر البيهقي ، المتوفّى سنة ٤٥٨.

١٧ ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفّى سنة ٤٦٨.

١٨ ـ محيي السنّة البغوي ، المتوفّى سنة ٥١٦.

١٩ ـ جار الله الزمخشري ، المتوفّى سنة ٥٣٨.

٢٠ ـ القاضي عياض اليحصبي ، المتوفّى سنة ٥٤٤.

٢١ ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفّى سنة ٥٧١.

٢٢ ـ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي ، المتوفّى سنة ٥٩٧.

٢٣ ـ أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفّى سنة ٦٠٦.

٢٤ ـ الفخر الرازي ، المتوفّى سنة ٦٠٦.

٢٥ ـ عزّالدين أبو الحسن ابن الأثير الجزري ، المتوفّى سنة ٦٣٠.

٢٦ ـ محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى سنة ٦٥٢.

٢٧ ـ شمس الدين سبط ابن الجوزي ، المتوفّى سنة ٦٥٤.

٢٨ ـ أبو عبدالله القرطبي الأنصاري ، المتوفّى سنة ٦٧١.

٢٩ ـ القاضي البيضاوي ، المتوفّى سنة ٦٨٥.

٣٠ ـ محبّ الدين الطبري ، المتوفّى سنة ٦٩٤.

٣١ ـ نظام الدين الأعرج النيسابوري ، المتوفّى سنة ٧٢٨.

٣٢ ـ أبو البركات النسفي ، المتوفّى سنة ٧١٠.

٣٣ ـ صدر الدين أبو المجامع إبراهيم الحموئي ، المتوفّى سنة ٧٢٢.

٣٤ ـ أبو القاسم ابن الجزّي الكلبي ، المتوفّى سنة ٧٤١.

٢٢١

٣٥ ـ علاء الدين الخازن ، المتوفّى سنة ٧٤١.

٣٦ ـ أبو حيّان الأندلسي ، المتوفّى سنة ٧٤٥.

٣٧ ـ شمس الدين الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨.

٣٨ ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفّى سنة ٧٧٤.

٣٩ ـ ولي الدين الخطيب التبريزي ، المتوفّى سنة ...

٤٠ ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفّى سنة ٨٥٢.

٤١ ـ نور الدين ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفّى سنة ٨٥٥.

٤٢ ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١.

٤٣ ـ أبو السعود العمادي ، المتوفّى سنة ٩٥١.

٤٤ ـ الخطيب الشربيني ، المتوفّى سنة ٩٦٨.

٤٥ ـ ابن حجر الهيتمي المكّي ، المتوفّى سنة ٩٧٣.

٤٦ ـ علي بن سلطان القاري ، المتوفّى سنة ١٠١٣.

٤٧ ـ نور الدين الحلبي ، المتوفّى سنة ١٠٣٣.

٤٨ ـ شهاب الدين الخفاجي ، المتوفّى سنة ١٠٦٩.

٤٩ ـ الزرقاني المالكي ، المتوفّى سنة ١١٢٢.

٥٠ ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفّى سنة ١١٦٢.

٥١ ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفّى سنة ١٢٥٠.

٥٢ ـ شهاب الدين الالوسي ، المتوفّى سنة ١٢٧٠.

وغيرهم من أعلام الحديث والتفسير والكلام والتاريخ في مختلف القرون.

٢٢٢

من نصوص الحديث في الكتب المعتبرة

وهذه ألفاظٌ من الأخبار الواردة في نزول الآية المباركة في عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، كما رواه الحفّاظ بأسانيدهم ، في الكتب المعتبرة :

* أخرج ابن عساكر بسنده ، وابن حجر من طريق الدارقطني ، عن أبي الطفيل : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ناشد أصحاب الشورى ، واحتجّ عليهم بجملة من فضائله ومناقبه ، ومن ذلك أنْ قال لهم :

« نشدتكم بالله ، هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم ، ومن جعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نفسه ، وأبناءه أبناءه ، ونساءه نساءه غيري؟!

قالوا : اللهمّ لا » (١).

أقول :

ومناشدة أمير المؤمنين في الشورى رواها عدد كبير من علماء الفريقين ، بأسانيدهم عن : أبي ذرّ وأبي الطفيل ، وممّن أخرجها من حفّاظ الجمهور : الدارقطني ، وابن مردويه ، وابن عبدالبرّ ، والحاكم ، والسيوطي ، وابن حجر المكّي ، والمتّقي الهندي.

* وفي المسند : « حدّثنا عبدالله ، قال أبي : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم ابن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له ، وخلّفه في بعض مغازيه ، فقال عليٌّ

__________________

(١) تاريخ دمشق ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ : ٣ / ٩٠ ح ١١٣١.

٢٢٣

رضي‌الله‌عنه : أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!

قال : يا علي! أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي؟!

وسمعته يقول ـ يوم خيبر ـ : لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّاً رضي‌الله‌عنه فأُتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضوان الله عليهم أجمعين ، فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي » (١).

* وأخرج مسلم قائلاً : « حدّثنا قتيبة بن سعيد ومحمّد بن عبّاد ـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا : حدّثنا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟!

فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى عليه وسلّم فلن أسبّه ، لأنْ تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له [ وقد ] خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليٌّ : يا رسول الله! خلّفتني مع النساء والصبيان!

فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ / ١٨٥.

٢٢٤

وسمعته يقول يوم خيبر : لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله.

قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه.

ولمّا نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (١).

* وأخرجه الترمذي بالسند واللفظ ، فقال :

« هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه » (٢).

* وأخرج النسائي : « أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمّار الدمشقي ، قالا : حدّثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما يمنعك أنْ تسبّ أبا تراب؟!

فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبّه ، لأنْ يكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له ، وخلّفه في بعض مغازيه فقال له عليٌّ : يا رسول الله! أتخلّفني مع النساء والصبيان؟!

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر : لأُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله.

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٢٠.

(٢) صحيح الترمذي ٥ / ٥٩٦ كتاب المناقب ، مناقب عليّ.

٢٢٥

فتطاولنا إليها فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد ، فبصق في عينيه ودفع الراية إليه.

ولمّا نزلت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » (١).

* وأخرج الحاكم فقال : « أخبرني جعفر بن محمّد بن نصير الخلدي ببغداد ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لما نزلت هذه الآية ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً رضي الله عنهم فقال : اللهمّ هؤلاء أهلي.

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه » (٢).

* ووافقه الذهبي في ( تلخيصه ).

* وستأتي رواية الحاكم عن جابر.

* وأخرجه عن ابن عبّاس ، قال : « ذِكر النوع السابع عشر من علوم الحديث : هذا النوع من العلم معرفة أولاد الصحابة ، فإنّ من جهل هذا النوع اشتبه عليه كثير من الروايات.

أوّل ما يلزم الحديثي معرفته من ذلك : أولاد سيّد البشر محمّد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ومن صحّت الرواية عنه منهم :

حدّثنا علي بن عبدالرحمن بن عيسى الدهقان بالكوفة ، قال : حدّثنا

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين : ٤٨ ـ ٤٩.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠.

٢٢٦

الحسين بن الحكم الحبري ، قال : ثنا الحسن بن الحسين العرني ، قال : ثنا حبان ابن عليّ العنزي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس في قوله عز وجل : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) ـ إلى قوله ـ ( الْكاذِبِينَ ) نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وعلي نفسه ، ( وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) : فاطمة ، و ( أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) : حسن وحسين ، والدعاء على الكاذبين ، نزلت في العاقب والسيّد وعبد المسيح وأصحابهم » (١).

* وقال ابن حجر العسقلاني بشرح حديث المنزلة : « ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقّاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعدٍ : ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب؟!

قال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلنْ أسبّه ...

فذكر هذا الحديث ، وقوله : لأُعطين الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله ...

وقوله : لمّا نزلت ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال : اللهم هؤلاء أهلي » (٢).

تنبيه

الملاحظ أنّهم يروون كلام سعد في جواب معاوية بأشكالٍ مختلفة ، مع أنّ السند واحد ، والقضيّة واحدة!!

بل يرويه المحدّث الواحد في الكتاب الواحد بأشكال ، فاللفظ الذي ذكرناه عن النسائي هو أحد ألفاظه.

__________________

(١) معرفة علوم الحديث : ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠.

٢٢٧

وبينما رواه بلفظٍ آخر عن بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد بن أبي وقّاص : ما يمنعك أنْ تسبَّ ابن أبي طالب؟!

قال : لا أسبّه ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنْ يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم ، لا أسبّه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة ، فأدخلهم تحت ثوبه ثمّ قال : ربّ هؤلاء أهل بيتي ـ أو : أهلي ... » (١).

ورواه بلفظ ثالث : إنّ معاوية ذكر علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقال سعد بن أبي وقّاص : والله لئن لي واحدة من خلالٍ ثلاث أحبّ إليّ من أنْ يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

لأنْ يكون قال لي ما قاله له حين ردّه من تبوك : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأنْ يكون قال لي ما قال له يوم خيبر : لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرّار ، أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس.

ولأنْ يكون لي ابنته ولي منها من الولد ما له أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس » (٢).

ورواه بلفظٍ رابع عن سعد ، قال : « كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فقلت : لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول في عليٍّ خصالاً ثلاث ، لإن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين : ٨١.

(٢) خصائص أمير المؤمنين : ١١٦.

٢٢٨

سمعته يقول : إنّه مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي.

وسمعته يقول : لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله.

وسمعته يقول : مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه » (١).

وهو عند ابن ماجة باللفظ الآتي : « قدم معاوية في بعض حجّاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليّاً ، فنال منه ، فغضب سعد وقال : تقول هذا لرجلٍ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه.

وسمعته يقول : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي.

وسمعته يقول : لأُعطينّ الراية اليوم رجلاً يحبّ الله ورسوله » (٢).

أقول :

إنّه إنْ أمكن حمل اختلاف ألفاظ الروايات في الخصال الثلاث على وجه صحيح ، ولا يكون هناك تحريفٌ كأنْ يحمل على التعدّد مثلاً ، فلا ريب في تحريف القوم للّفظ في ناحية أُخرى ، وهي قضيّة سبّ أمير المؤمنين عليه‌السلام والنيل منه ، خاصّة مع السند الواحد! فإنّ أحمد ومسلماً والترمذي والنسائي وابن عساكر (١) كلّهم اشتركوا في الرواية بسندٍ واحدٍ ، فجاء عند غير أحمد : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟! فقال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً ... سمعت ... ».

لكن أحمد حذف ذلك كلّه وبدأ الحديث من « سمعت ... » وكأنّه لم تكن

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين : ٤٩ ـ ٥٠.

(٢) سنن ابن ماجة ١ / ٤٥.

(٣) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ١ / ٢٠٦ ح ٢٧١.

٢٢٩

هناك أيّة مناسبة لكلام سعدٍ هذا!!

أمّا الحاكم فيروي الخبر بنفس السند ويحذف المناسبة وخصلتين من الخصال الثلاث!!

والنسائي يحذف المناسبة في لفظٍ ، ويقول : « إنّ معاوية ذكر عليّ بن أبي طالب ، فقال سعد ... »!!

وفي آخر يحذفها ويضع بدلها كلمة « كنت جالساً فتنقّصوا علي بن أبي طالب ... »!!

وابن ماجة ، قال : « قدم معاوية في بعض حجّاته ، فدخل عليه سعد ، فذكروا عليّاً ، فنال منه ، فغضب سعد وقال ... ».

فجاء ابن كثير وحذف منه « فنال منه ، فغضب سعد » (٢).

وفي ( الفضائل ) لأحمد : « ذكر علي عند رجل وعنده سعد بن أبي وقاص ، فقال له سعد : أتذكر عليّاً؟! » (٣).

وأبو نعيم وبعضهم حذف القصّة من أصلها ، فقال : « عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله : في علي ثلاث خلال ... » (٤).

هذا ، والسبب في ذلك كلّه معلوم! إنّهم يحاولون التغطية على مساوئ سادتهم ولو بالكذب والتزوير! ولقد أفصح عن ذلك بعضهم ، كالنووي ، حيث قال : « قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها ، قالوا : ولا يقع في روايات الثقات إلاّما يمكن تأويله ، فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبه ، وإنّما سأله عن السبب المانع

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٧ / ٣٤٠.

(٢) فضائل علي ـ لأحمد بن حنبل ـ : مخطوط.

(٣) حلية الأولياء ٤ / ٣٥٦.

٢٣٠

له من السبّ ، كأنّه يقول : هل امتنعت تورّعاً أو خوفاً أو غير ذلك؟! فإنْ كان تورّعاً وإجلالاً له عن السبّ فأنت مصيب محسن ، وإن كان غير ذلك فله جواب آخر.

ولعلّ سعداً قد كان في طائفةٍ يسبّون فلم يسبّ معهم ، وعجز عن الإنكار ، وأنكّر عليهم فسأله هذا السؤال.

قالوا : ويحتمل تأويلاً آخر ، أنّ معناه : ما منعك أن تُخَطّئه في رأيه واجتهاده ، وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنّه أخطأ؟ ». إنتهى (١).

ونقله المباركفوري بشرح الحديث (٢).

أقول :

وهل ترتضي ـ أيّها القارئ ـ هذا الكلام في مثل هذا المقام؟!

أوّلاً : إن كان هناك مجالٌ لحمل كلام المتكلّم على الصحّة وتأويله على وجه مقبول ، فهذا لا يختصّ بكلام الصحابي دون غيره.

وثانياً : إذا كانت هذه قاعدة يجب اتّباعها بالنسبة إلى أقوال الصحابة ، فلماذا لا يطبّقونها بالنسبة لكلّ الصحابة؟!

وثالثاً : إذا كانت هذه القاعدة للأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي! فلماذا يطبّقونها في الأحاديث الواردة في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلم يأخذوا بظواهرها ، بل أعرضوا عن النصوص منها؟! ومنها حديث المباهلة ، حيث لا تأويل فحسب ، بل التعتيم والتحريف ، كما سنرى في الفصل الآتي.

__________________

(١) المنهاج ـ شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ـ ١٥ / ١٧٥.

(٢) تحفة الأحوذي ـ شرح جامع الترمذي ـ ١٠ / ١٥٦.

٢٣١

ورابعاً : إنّ التأويل والحمل على الصحّة إنّما يكون حيث يمكن ، وقولهم : « ليس فيه تصريح بأنّه أمر سعداً بسبه ، وإنّما سأله » كذبٌ ، فقد تقدّم في بعض النصوص التصريح بـ « الأمر » و « النيل » و « التنقيص » وهذا كلّه مع تهذيب العبارة ، كما لا يخفى.

بل ذكر ابن تيميّة : أنّ معاوية أمر بسبّ علي (١).

بل جاءت الرواية عن مسلم والترمذي على واقعها ، ففي رواية القندوزي الحنفي عنهما ، قال : « وعن سهل بن سعد ، عن أبيه ، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً أنْ يسبّ أبا التراب ، قال : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً ... أخرجه مسلم والترمذي » (٢).

وخامساً : قولهم : « كأنّه يقول ... فإنْ كان تورّعاً ... فأنت مصيب محسن » يكذّبه ما جاء التصريح به في بعض ألفاظ الخبر من أنّ سعداً خرج من مجلس معاوية غضبانَ وحلف ألاّ يعود إليه!!

وعلى كل حال ... فهذا نموذج من تلاعبهم بخبر مساوئ أسيادهم ، لإخفائها ، وسترى ـ في الفصل اللاّحق ـ نموذجَ تلاعبهم بفضائل عليّ عليه‌السلام ، لإخفائها ، وهذا دين القوم وديدنهم ، حشرهم الله مع الّذين يدافعون عنهم ويودّونهم!!

* وروى ابن شبّة ، المتوفّى سنة ٢٦٢ ، قال : « حدّثنا الحزامي ، قال : حدّثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث بن سعد ، عن من حدثه ، قال : جاء راهبا نجران إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم يعرض عليهما الإسلام ... قال : فدعاهما النبيّ إلى المباهلة وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ،

__________________

(١) منهاج السنة ٥ / ٤٢.

(٢) ينابيع المودّة ١٩٣.

٢٣٢

فقال أحدهما للآخر : قد أنصفك الرجل.

فقالا : لا نباهلك.

وأقرّا بالجزية وكرِها الإسلام » (١).

* وروى الحسين بن الحكم الحبري (٢) ، المتوفّى سنة ٢٨٦ ، قال : « حدّثني إسماعيل بن أبان ، قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد الخدريّ ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) قال : فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين » (٣).

* وأخرج الطبري : « حدّثنا ابن حميد ، قال : ثنا عيسى بن فرقد ، عن أبي الجارود ، عن زيد بن علي ، في قوله : ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) الآية ، قال : كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ».

« حدّثنا محمّد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) الآية ، فأخذ ـ يعني النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ بيد الحسن والحسين وفاطمة ، وقال لعليّ : اتبعنا ، فخرج معهم ، فلم يخرج يومئذ النصارى وقالوا : إنّا نخاف ... ».

« حدّثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبدالرزاق ، قال : أخبرنا معمر ،

__________________

(١) تاريخ المدينة المنوّرة ، المجلد ١ / ٥٨٣.

(٢) وهو أيضاً في طريق الحاكم في « المستدرك ».

(٣) تفسير الحبري ٢٤٨.

قال محقّقه : « الحديث عن أبي سعيد الخدري قد تفرّد بنقله المؤلّف ، فلم يروه غيره من المؤلّفين ، بل ينحصر وجوده بنسختينا ولم يوجد في سائر النسخ ».

قلت : وما جاء في ذخائر العقبى ، ص ٢٥ : « عن أبي سعيد ... » فغلط ، بقرينة قوله في الآخر : أخرجه مسلم والترمذي ، لأنّ الذي أخرجاه هو عن سعد.

٢٣٣

عن قتادة ، في قوله : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) قال : بلغنا أنّ نبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج ليلاً على أهل نجران ، فلمّا رأوه خرج ، هابوا وفرقوا فرجعوا.

قال معمر : قال قتادة : لمّا أراد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أهل نجران أخذ بيد حسن وحسين ، وقال لفاطمة : اتبعينا ، فلمّا رأى ذلك أعداء الله رجعوا ».

« حدّثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثنا ابن زيد ، قال : قيل لرسول صلّى الله عليه وسلّم : لو لاعنت القوم ، بمن كنت تأتي حين قلت ( أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ )؟

قال : حسن وحسين ».

« حدّثني محمّد بن سنان ، قال : ثنا أبو بكر الحنفي ، قال : ثنا المنذر بن ثعلبة ، قال : ثنا علباء بن أحمر اليشكري ، قال : لما نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) الآية ، أرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين ... » (١).

* وقال السيوطي : « أخرج البيهقي في ( الدلائل ) من طريق سلمة بن عبديشوع ، عن أبيه ، عن جدّه : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران ... فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلةٍ له وفاطمة تمشي خلف ظهره ، للملاعنة ، وله يومئذ عدّة نسوة ... ».

« وأخرج الحاكم ـ وصحّحه ـ وابن مردويه ، وأبو نعيم في ( الدلائل ) عن

__________________

(١) تفسير الطبري ٣ / ٢١٢ ـ ٢١٣.

٢٣٤

جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين ...

قال جابر : فيهم نزلت : ( أَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ. و ( أَبْناءَنا ) : الحسن والحسين. ( وَنِساءَنا ) : فاطمة ».

« وأخرج أبو نعيم في ( الدلائل ) من طريق الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس : ... وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج ومعه عليٌّ والحسن والحسين وفاطمة ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنْ أنا دعوت فأمّنوا أنتم ، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية ».

« وأخرج ابن أبي شيبة ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو نعيم ، عن الثعلبي ... فغدا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومعه الحسن والحسين وفاطمة ... ».

« وأخرج مسلم ، والترمذي ، وابن المنذر ، والحاكم ، والبيهقي في سننه ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ، وقال : اللهمّ هؤلاء أهلي ».

* وقال الزمخشري : « وروي أنّهم لما دعاهم إلى المباهلة قالوا : حتّى نرجع وننظر ، فلمّا تخالوا قالوا للعاقب ـ وكان ذا رأيهم ـ : يا عبدالمسيح! ما ترى؟

فقال : والله لقد عرفتم ـ يا معشر النصارى ـ أنّ محمّداً نبيٌّ مرسل ، وقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ، ولئن فعلتم لتهلكن ، فإنّ أبيتم إلاّ إلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه ، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

٢٣٥

فأثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد غدا محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعليٌّ خلفها ، وهو يقول : إذا أنا دعوت فأمّنوا.

فقال أُسقف نجران : يا معشر النصارى! إنّي لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.

فقالوا : يا أبا القاسم! رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على دينك ونثبت على ديننا.

قال : فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم. فأبوا.

قال : فإنّي أُناجزكم.

قالوا : ما لنا بحرب العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أنْ لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردّنا عن ديننا ، على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حُلّة ، ألفٌ في صفر وألفٌ في رجب ، وثلاثين درعاً عاديّة من حديد.

فصالحهم على ذلك ، وقال : والذي نفسي بيده ، إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران ، ولو لاعنوا لمُسخوا قردةً وخنازير ، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ، ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر ، ولَما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا.

وعن عائشة رضي الله عنها : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ فاطمة ، ثمّ عليّ ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ).

فإنّ قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلاّلتبيين الكاذب منه ومن خصمه

٢٣٦

وذلك أمر يختصّ به وبمن يكاذبه ، فما معنى ضمّ الأبناء والنساء؟

قلت : ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه ، حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى ثقته بكذب خصمه حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الإستئصال إنْ تمّت المباهلة.

وخصّ الأبناء والنساء لأنّهم أعزّ الأهل وألصقهم بالقلوب ، وربّما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتّى يُقتل ، ومن ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ، ويسمّون الذادة عنها بأرواحهم حماة الظعائن.

وقدّمهم في الذِكر على الأنفس لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم ، وليؤذن بأنّهم مقدمون على الأنفس مفدون بها.

وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم‌السلام.

وفيه برهان واضح على نبوّة النبي صلّى الله عليه وسلّم ، لأنّه لم يروِ أحد من موافق ولا مخالف أنّهم أجابوا إلى ذلك » (١).

* وروى ابن الأثير حديث سعد في الخصال الثلاثة ، بإسناده عن الترمذي (٢).

وأرسله في تاريخه إرسال المسلّم ، قال : « وأمّا نصارى نجران فإنّهم أرسلوا العاقب والسيّد في نفرٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأرادوا مباهلته ، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعه عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ، فلمّا رأوهم قالوا : هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

(٢) أُسد الغابة في معرفة الصحابة ٤ / ٢٦.

٢٣٧

لأزالها ، ولم يباهلوه ، وصالحوه على ألفَي حُلّة ، ثمن كلّ حلّة أربعون درهماً ، وعلى أنْ يضيفوا رسل رسول الله ، وجعل لهم ذمّة الله تعالى وعهده ألاّ يُفتنوا عن دينهم ولا يعشروا ، وشرط عليهم أنْ يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به » (١).

* وروى الحاكم الحسكاني بإسناده : « عن أبي إسحاق السبيعي ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة بن اليمان ، قال : جاء العاقب والسيّد ـ أُسقفا نجران ـ يدعوان النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الملاعنة ، فقال العاقب للسيّد : إنْ لاعن بأصحابه فليس بنبيّ ، وإن لاعن بأهل بيته فهو نبيّ.

فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدعا عليّاً فأقامه عن يمينه ، ثمّ دعا الحسن فأقامه على يساره ، ثمّ دعا الحسين فأقامه عن يمين علي ، ثمّ دعا فاطمة فأقامها خلفه.

فقال العاقب للسيّد : لا تلاعنه ، إنّك إنْ لاعنته لا نفلح نحن ولا أعقابنا ، فقال رسول الله : لو لاعنوني ما بقيت بنجران عين تطرف » (٢).

أقول :

وهذا نفس السند عند البخاري عن حذيفة ، لكنّه حذف من الخبر ما يتعلّق بـ « أهل البيت » ووضع مكانه فضيلةً لـ « أبي عبيدة » ، وسيأتي في الفصل اللاّحق ، فانتظر!!

* وقال ابن كثير : « وقال أبو بكر ابن مردويه : حدّثنا سليمان بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن داود المكّي ، حدّثنا بشر بن مهران ، حدّثنا محمّد بن دينار ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن جابر ، قال : ... فغدا رسول الله صلّى الله

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٩٣.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ١٢٦.

٢٣٨

عليه وسلّم فأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين ... قال جابر : وفيهم نزلت ...

وهكذا رواه الحاكم في مستدركه ... ثم قال : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه هكذا.

قال : وقد رواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن المغيرة ، عن الشعبي ، مرسلاً ، وهذا أصحّ.

وقد روي عن ابن عبّاس والبراء نحو ذلك » (١).

ولكنّه ـ في ( التاريخ ) ـ ذكر أوّلاً حديث البخاري المبتور! ثمّ روى القصّة عن البيهقي ، عن الحاكم بإسناده عن سلمة بن عبديشوع ، عن أبيه ، عن جده ، وليس فيه ذكر لعلي عليه‌السلام ، كما سيأتي.

* وقال القاري بشرح الحديث : « عن سعد بن أبي وقّاص ، قال : لمّا نزلت هذه الآية ـ أي المسمّاة بآية المباهلة ـ ( نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) أوّلها ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً ، فنزلّه منزلة نفسه لما بينهما من القرابة والأخوّة ، وفاطمة ، أي لأنّها أخصّ النساء من أقاربه ، وحسناً وحسيناً ، فنزّلهما منزلة ابنيه صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أي : أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. رواه مسلم » (٢).

__________________

(١) تفسير ابن كثير ١ / ٣١٩.

(٢) المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٥٨٩.

٢٣٩

كلمات حول السند

ولنورد نصوص عبارات لبعض أئمّة القوم في قطعيّة هذا الخبر :

قال الحاكم : « وقد تواترت الأخبار في التفاسير ، عن عبدالله بن عبّاس وغيره ، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخذ يوم المباهلة بيد عليّ وحسن وحسين ، وجعلوا فاطمة وراءهم ، ثمّ قال : هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا ، فهلمّوا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين » (١).

وقال الجصاص : « إنّ رواة السِيَر ونقلة الأثر لم يختلفوا في أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخذ بيد الحسن والحسين وعليّ وفاطمة رضي الله عنهم ، ودعا النصارى الّذين حاجّوه إلى المباهلة ... » (٢).

وقال ابن العربي المالكي : « روى المفسّرون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ناظر أهل نجران حتّى ظهر عليهم بالدليل والحجّة ، فأبوا الإنقياد والإسلام ، فأنزل الله هذه الآية ، فدعا حينئذٍ عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، ثمّ دعا النصارى إلى المباهلة » (٣).

وقال ابن طلحة الشافعي : « أمّا آية المباهلة ، فقد نقل الرواية الثقات والنقلة الأثبات نزولها في حقِّ عليّ ، وفاطمة والحسن والحسين » (٤).

واعترف القاضي الأيجي والشريف الجرجاني بدلالة الأخبار الصحيحة والروايات الثابتة عند أهل النقل على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا عليّاً وفاطمة وابنيهما فقط ، وستأتي عبارتهما كاملةً في فصل الدلالة.

__________________

(١) معرفة علوم الحديث : ٥٠.

(٢) أحكام القرآن ٢ / ١٦.

(٣) أحكام القرآن ١ / ١١٥. ط السعادة بمصر ، وفي الطبعة الموجودة عندي ١ / ٣٦٠ لا يوجد اسم عليّ ، فليتحقّق.

(٤) مطالب السؤول : ٧.

٢٤٠