نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وَتُزَكِّيهِمْ بِها ) (١) وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (٢).

فغاية هذا أنْ يكون هذا دعاءً لهم بفعل المأمور وترك المحظور ، والصديق ـ رضي‌الله‌عنه ـ قد أخبر الله عنه بأنّه ( الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى * وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى * وَلَسَوْفَ يَرْضى ) (٣).

وأيضاً : فإنّ السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان ( رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٤) لا بدّ أنْ يكونوا قد فعلوا المأمور وتركوا المحظور ، فإنّ هذا الرضوان وهذا الجزاء إنّما يُنال بذلك ، وحينئذٍ فيكون ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم من الذنوب بعض صفاتهم.

فما دعا به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لأهل الكساء هو بعض ما وصف به السابقين الأوّلين.

والنبيّ دعا لأقوام كثيرين بالجنّة والمغفرة وغير ذلك ، ممّا هو أعظم من الدعاء بذلك ، ولم يلزم أن يكون مَن دعا له بذلك أفضل من السابقين الأوّلين ، ولكنّ أهل الكساء لمّا كان قد أوجب عليهم اجتناب الرجس وفِعل التطهير ، دعا لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنْ يعينهم على فعل ما أمرهم به ، لئلاّ يكونوا مستحقّين للذمّ والعقاب ، ولينالوا المدح والثواب » (٥).

__________________

(١) سورة المائدة ٩ : ١٠٣.

(٢) سورة البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) سورة الليل ٩٢ : ١٧ ـ ٢١.

(٤) سورة التوبة ٩ : ١٠٠.

(٥) منهاج السنّة ٥ / ١٣ ـ ١٥.

١٠١

هذا نص كلام ابن تيميّة ، وأنت ترى فيه :

١ ـ الإعتراف بصحّة الحديث الدالّ على نزول الآية المباركة في أهل الكساء دون غيرهم.

٢ ـ الإعتراف بعدم شمول الفضيلة لغير عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

فأين قول عكرمة؟! وأين السياق؟! وأين ما ذهب إليه ابن كثير؟!

سقوط كلمات ابن تيمية

وتبقى كلمات ابن تيميّة ، فإنّه بعد أن أعرض عن قول عكرمة ، وعن قول من قال بالجمع ، واعترف بالاختصاص بالعترة ، أجاب عن الاستدلال بالآية المباركة بوجوه واضحة البطلان :

* فأوّل شيء قاله هو : « هذا الحديث قد شركه فيه فاطمة ... ».

وفيه : إنّ العلاّمة الحلّي لم يدّع كون الحديث من خصائص علي عليه‌السلام ، بل الآية المباركة والحديث يدلاّن على عصمة « أهل البيت » وهم :

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ...

والمعصوم هو المتعيَّن للإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غير أنّ المرأة لا تصلح للإمامة.

* ثمّ قال : « ثم إنّ مضمون هذا الحديث أنّ النبيّ دعا لهم ... بأن يكونوا من المتّقين الّذين أذهب الله عنهم الرجس ... فغاية هذا أن يكون هذا دعاء لهم بفعل المأمور وترك المحظور ».

وهذا من قلّة فهمه أو شدّة تعصّبه :

أمّا أوّلاً : فلأنّه ينافي صريح الآية المباركة ، لأنّ « إنّما » دالّة على

١٠٢

الحصر ، وكلامه دالٌّ على عدم الحصر ، فما ذكره ردٌّ على الله والرسول.

أما ثانياً : فلأنّ في كثيرٍ من « الصحاح » أنّ الآية نزلت ، فدعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً حسيناً فجلّلهم بكساء وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي ... فالله عز وجل يقول : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ) والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعيّن « أهل البيت » وأ نّهم هؤلاء دون غيرهم.

وأمّا ثالثاً : فلأنّه لو كان المراد هو مجرّد الدعاء لهم بأنْ يكونوا « من المتقين » و « الطهارة مأمور بها كل مؤمن » « فغاية هذا أن يكون دعاءً لهم بفعل المأمور وترك المحظور » فلا فضيلة في الحديث ، وهذا يناقض قوله من قبل « فعُلم أنّ هذه الفضيلة .. »!!

وأمّا رابعاً : فلأنّه لو كان « غاية ذلك أن يكون دعاءً لهم بفعل المأمور وترك المحظور » فلماذا لم يأذن لأُمّ سلمة بالدخول معهم؟!

أكانت « من المتّقين الّذين أذهب الله عنهم الرجس .. » فلا حاجة لها إلى الدعاء؟! أو لم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد منها أن تكون « من المتقين .. »؟!

وأمّا خامساً : فلو سلّمنا أنّ « غاية هذا أنْ يكون دعاءً لهم .. » لكنْ إذا كان الله سبحانه « يريد » والرسول « يدعو » ـ ودعاؤه مستجاب قطعاً ـ كان « أهل البيت » متّصفين بالفعل بما دلّت عليه الآية والحديث.

* فقال : « والصدّيق قد أخبر الله عنه ... ».

وحاصله : إنّ غاية ما كان في حقّ « أهل البيت » هو « الدعاء » وليس في الآية ولا الحديث إشارة إلى « استجابة » هذا الدعاء فقد يكون وقد لا يكون ، وأما ما كان في حق « أبي بكر » فهو « الإخبار » فهو كائن ، فهو أفضل من « أهل البيت »!!

١٠٣

وفيه :

أوّلاً : في « أهل البيت » في الآية شخص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ريب في أفضليّته المطلقة.

وثانياً : في « أهل البيت » في الآية فاطمة الزهراء ، وقد اعترف غير واحد من أعلام القوم بأفضليّتها من أبي بكر :

فقد ذكر العلاّمة المناوي بشرح الحديث المتّفق عليه بين المسلمين :

« فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها أغضبني » : « استدلّ به السهيلي (١) على أنّ من سبّها كفر ، لأنّه يغضبه ، وأنّها أفضل من الشيخين ».

وقال : « قال الشريف السمهودي : ومعلوم أنّ أولادها بضعة منها ، فيكونون بواسطتها بضعة منه ، ومن ثَمَّ لمّا رأت أُمّ الفضل في النوم أنّ بضعةً منه وضعت في حجرها ، أوّلَها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأنْ تلد فاطمة غلاماً فيوضع في حجرها ، فولدت الحسن فوضع في حجرها. فكلّ من يشاهَد الآن من ذرّيّتها بضعة من تلك البضعة وإنْ تعدّدت الوسائط ، ومن تأمّل ذلك انبعث من قلبه داعي الإجلال لهم وتجنّب بغضهم على أيّ حالٍ كانوا عليه.

قال ابن حجر : وفيه تحريم أذى من يتأذّى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأذّيه ، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي صلى عليه وآله وسلّم يتأذى ، بشهادة هذا الخبر ، ولا شئ أعظم من إدخال الأذى عليها من قبل وُلْدها ، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة

__________________

(١) عبدالرحمن بن عبدالله ، العلاّمة الأندلسي ، الحافظ العلم ، صاحب التصانيف ، برع في العربية واللغات والأخبار والأثر ، وتصدّر للإفادة ، من أشهر مؤلّفاته : الروض الأنف ـ شرح « السيرة النبوية » لابن هشام ـ توفي سنة ٥٨١ ، له ترجمة في : مرآة الجنان ٣ / ٤٢٢ ، النجوم الزاهرة ٦ / ١٠١ ، العبر ٣ / ٨٢ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٧٢.

١٠٤

في الدنيا ( وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ ) (١) » (٢).

وثالثاً : في « أهل البيت » في الآية : الحسن والحسين ، وإنّ نفس الدليل الذي أقامه الحافظ السهيلي وغيره على تفضيل الزهراء دليلٌ على أفضليّة الحسنين ، بالإضافة إلى الأدلّة الأُخرى ، ومنها « آية التطهير » و « حديث الثقلين » الدالين على « العصمة » ، ولا ريب في أفضليّة المعصوم من غيره.

ورابعاً : في « أهل البيت » في الآية : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهي ـ مع أدلةٍ غيرها لا تحصى ـ تدلّ على أفضليّته على جميع الخلائق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وخامساً : كون المراد من الآية : ( الْأَتْقَى ... ) « أبو بكر » هو قول انفرد القوم به ، فلا يجوز أن يعارض به القول المتّفق عليه.

وسادساً : كون المراد بها « أبو بكر » أوّل الكلام ، وإنْ شئت فراجع تفاسيرهم ، كالدر المنثور وغيره.

* قال : « وأيضاً : فإنّ السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ...

فما دعا به النبيّ ... ».

وحاصله : أفضليّة « السابقين الأوّلين .. » من « أهل البيت » المذكورين.

ويرد عليه : ما ورد على كلامه السابق ، فإنّ هذا فرع أن يكون الواقع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو صرف « الدعاء » .. وقد عرفت أنّ الآية تدلّ على أنّ الإرادة الإلهيّة تعلّقت بإذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم تطهيراً ، فهي دالّة على عصمة « أهل البيت » وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعلن للأُمّة الإسلامية أنّهم : هو وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين.

__________________

(١) سورة طه ٢٠ : ١٢٧.

(٢) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٤ / ٤٢١.

١٠٥

ثمّ إنّ الآية : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ... ) (١) المراد فيها أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويشهد بذلك تفسير قوله تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (٢) بعليّ عليه‌السلام كما سيأتي بالتفصيل إن شاء الله.

وأمّا أبو بكر ... فلم يكن من السابقين الأوّلين :

قال أبو جعفر الطبري : « وقال آخرون : أسلم قبل أبي بكر جماعة. ذكر من قال ذلك : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا كنانة بن جبلة ، عن إبراهيم بن طهمان ، عن الحجّاج بن الحجّاج ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن محمّد ابن سعد ، قال : قلت لأبي :

أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟

فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكنْ كان أفضلنا إسلاماً » (٣).

تناقض ابن تيميّة

ثمّ إنّ ابن تيميّة تعرض لآية التطهير في موضع آخر ، ولكنّه هذه المرّة لم ينصّ على صحّة الحديث! ولم يعترف بمفاده! بل ادّعى كون الأزواج من أهل البيت! وهو القول الثالث الذي نسبه ابن الجوزي إلى الضحّاك بن مزاحم ، وهذه عبارته :

« وأمّا آية الطهارة فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم ، وإنّما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم ، فإنّ

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٠.

(٢) سورة الواقعة ٥٦ : ١٠ و ١١.

(٣) تاريخ الطبري ٢ / ٣١٦ تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم.

١٠٦

قوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وقوله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) وقوله : ( يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً * يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً ).

فالإرادة هنا متضمّنة للأمر والمحبّة والرضا ، وليست هي المشيئة المستلزمة لوقوع المراد ، فإنّه لو كان كذلك لكان قد طهر كل من أراد طهارته. وهذا على قول هؤلاء القدرية الشيعة أوجه ، فإنّ عندهم أنّ الله يريد ما لا يكون! ويكون ما لا يريد!

فقوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) إذا كان هذا بفعل المأمور وترك المحظور كان ذلك متعلّقاً بإرادتهم وأفعالهم ، فإنْ فعلوا ما أُمروا به طُهّروا وإلاّ فلا.

وهم يقولون : إنّ الله لا يخلق أفعالهم ولا يقدر على تطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم ، وأما المثبتون للقدر فيقولون : إنّ الله قادر على ذلك ، فإذا ألهمهم فعل ما أمر وترك ما حظر حصلت الطهارة وذهاب الرجس.

وممّا يُبيّن أنّ هذا ممّا أُمروا به لا ممّا أخبروا بوقوعه : ما ثبت في الصحيح أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أدار الكساء على عليّ وفاطمة وحسن وحسين ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه عن عائشة ، ورواه أهل السنن عن أُمّ سلمة.

١٠٧

وهو يدلّ على ضدّ قول الرافضة من وجهين :

أحدهما : أنّه دعا لهم بذلك. هذا دليل على أن الآية لم تخبر بوقوع ذلك ، فإنّه لو كان قد وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك ، ولا يقتصر على مجرد الدعاء به.

الثاني : إن هذا يدلّ على أن الله قادر على إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ، وذلك يدلّ على أنّه خالق أفعال العباد.

وممّا يُبين أنّ الآية متضمّنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ ... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ ... وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً ).

وهذا السياق يدلّ على أنّ ذلك أمر ونهي.

ويدلّ على أنّ أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أهل بيته ، فإن السّياق إنّما هو في مخاطبتهنّ.

ويدلّ على أنّ قوله ( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) عمّ غير أزواجه ، كعليّ وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، لأنّه ذكره بصيغة التذكير لمّا اجتمع المذكَّر والمؤنّث ، وهؤلاء خُصّوا بكونهم من أهل البيت من أزواجه ، فلهذا خصهم بالدعاء لمّا أدخلهم في الكساء ، كما أنّ مسجد قباء أُسس على التقوى ، ومسجده صلّى الله عليه وسلّم أيضاً أُسّس على التقوى وهو أكمل في ذلك. فلمّا نزل قوله تعالى : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ... ) (١) بسبب مسجد قباء تناول اللفظ لمسجد قباء ولمسجده بطريق الأولى.

وقد تنازع العلماء : هل أزواجه من آله؟ على قولين ، هما روايتان عن

__________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٨.

١٠٨

أحمد ، أصحّهما أنّهنّ من آله وأهل بيته ، كما دلّ على ذلك ما في الصحيحين من قوله : اللهمّ صلي على محمّد وعلى أزواجه وذرّيّته. وهذا مبسوط في موضع آخر » (٢).

أقول :

لقد حاول ابن تيميّة التهرّب من الإلتزام بمفاد الآية المباركة والسنّة النبويّة الثابتة الصحيحة الواردة بشأنها ـ كما اعترف هو أيضاً ـ بشبهات واهيةٍ وكلماتٍ متهافتة ، ومن راجع كتب الأصحاب في بيان الاستدلال بالآية المباركة ـ على ضوء السنّة المتّفق عليها ـ عرف موارد النظر ومواضع التعصّب في كلامه ...

وقد ذكرنا نحن أيضاً طائفةً من الأحاديث ، المشتملة على وقوع إذهاب الرجس عن أهل البيت وتطهيرهم عنه من الله سبحانه ، بإرادته التكوينيّة غير المنافية لمذهب أهل البيت في مسألة الجبر والاختيار.

فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد عين المراد من « أهل البيت » عليهم‌السلام في الآية المباركة بعد نزولها ، ودعا لهم أيضاً ، ولا ريب في أن دعاءه مستجاب.

كما علمنا من الخصوصيات الموجودة في نفس الآية ، ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في معناها ، أنّ الآية خاصة بأهل البيت ـ وهذا ما اعترف به جماعة من أئمّة الحديث كالطحاوي وابن حبّان تبعاً لأزواج النبيّ وأعلام الصحابة ـ وأنّها نازلة في قضيةٍ خاصة ، غير أنّها وضعت ضمن آيات نساء النبيّ ، وكم له من نظير ، حيث وضعت الآية المكيّة ضمن آياتٍ مدنيّةٍ أو المدنية

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٢١ ـ ٢٤.

١٠٩

ضمن آيات مكّيّة.

وقد دلّت الآية المباركة والأحاديث المذكورة وغيرها على أنّ عنوان « أهل البيت » ـ أي : أهل بيت النبيّ ـ لا يعمّ أزواجه ، بل لا يعمّ أحداّ من عشيرته وأُسرته إلاّبقرينةٍ.

هذا ، وفي صحيح مسلم في ذيل حديث الثقلين عن زيد بن أرقم ، أنّه سئل : هل نساؤه من أهل بيته؟ قال : « لا وأيم الله ، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ».

وهذا هو الذي دلّت عليه الأحاديث.

وأمّا ما رووه عنه من أنّ : « أهل بيته من حرم الصدقة من بعده » فيردّ تطبيقه على ما نحن فيه الأحاديث المتواترة المذكور بعضها ، ومن الواضح عدم جواز رفع اليد عن مفادها بقول زيد هذا.

كلام الدهلوي صاحب التحفة

هذا ، وما ذكرناه في إبطال القولين الاخرين ، وردّ افتراءات ابن تيميّة ، يكفينا عن النظر في كلام عبدالعزيز الدهلوي حول هذه الآية ، والتعرّض لنقده بالتفصيل ، إذ ليس عنده شئ زائد على ما تقدّم ، فإنّه قد ذكر أوّلاً قول عكرمة وأيّده بالسياق ، ثمّ قال : « ولكن ذهب محققوا أهل السنة إلى أنّ هذه الآية وإن كانت واقعة في حق الأزواج المطهرات ، فإنّه بحكم أن العبرة بعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، داخل في بشارتها هذه جميع أهل البيت ، وإنّما يدل التخصيص بالكساء على كون هؤلاء المذكورين مخصصين إذا لم يكن لهذا التخصيص فائدة أخرى ظاهرة ، وهي ههنا دفع مظنة عدم كون هؤلاء الأشخاص في أهل البيت ، نظرا إلى أن المخاطبات فيها هن الأزواج فقط ».

ثمّ ناقش في دلالة الآية على العصمة ، حاملاً « الإرادة » على التشريعيّة

١١٠

قال : « لأن وقوع مراد الله غير لازم لإرادته عند الشيعة » ومن هنا نقض بأنّه « لو كانت هذه الكلمة مفيدة للعصمة فينبغي أن يكون الصحابة لا سيّما الحاضرين في غزوة بدرٍ قاطبةً معصومين ، لأنّ الله تعالى قال في حقّهم في مواضع من التنزيل ( وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقال : ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) وظاهر أن إتمام النعمة في الصحابة كرامة زائدة بالنسبة إلى ذينك اللفظين ووقوع هذا الإتمام أدل على عصمتهم ».

ثمّ قال : « سلّمنا ، ولكن ثبت من هذا الدليل صحّة إمامة الأمير ، أما كونه إماماً بلا فصل فمن أين؟ » (١).

أقول :

كانت هذه خلاصة المهم من كلامه ، فهو يعتمد أوّلاً على كلام عكرمة ، ثمّ يتنازل فيجعل الآية عامة لأهل البيت وللأزواج وهو القول الآخر ، وقد عرفت بطلان كلا القولين.

وقد عرفت أن « الإرادة » في الآية تكوينية وليست بتشريعيّة.

ونقضه بعصمة أهل بدر ، مردود بأن « الإرادة » في الآيتين المذكورتين تشريعيّة ، فالقياس مع الفارق ، على أنّ أحداً لا يقول بعصمة أحدٍ من أهل بدرٍ ولا غيرهم من الصحابة ، فقوله هذا خرق للإجماع القطعي ، بخلاف « أهل البيت » ففيهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو معصوم بالإجماع ، وسائر أهل البيت معصومون بالآية وبحديث الثقلين وغيرهما من الأدلّة.

وما ذكره أخيراً من حمل الآية على إمامة الإمام بعد عثمان ، فباطل من وجوه ، منها أن هذا الحمل موقوف على صحة إمامة الثلاثة ، وهو أوّل الكلام.

هذا تمام الكلام على آية التطهير ، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) التحفة الاثني عشرية : ٢٠٢ وانظر مختصر التحفة الاثني عشرية : ١٦٧ ـ ١٧٢.

١١١
١١٢

آية المودّة

١١٣
١١٤

قوله تعالى

( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )

وهذه آية المودّة.

استدلّ بها أصحابنا على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين بعد رسول الله ٦ بلا فصل.

وبيان ذلك في فصول :

١١٥

الفصل الأول

في تعيين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

المراد من « القربى »

إنّه إذا كنّا تبعاً للكتاب والسنّة ، ونريد ـ حقّاً ـ الأخذ ـ اعتقاداً وعملاً ـ بما جاء في كلام الله العزيز وما أتى به الرسول الكريم صلى عليه وآله وسلّم ...

كان الواجب علينا الرجوع إلى النبيّ نفسه وتحكيمه في كل ما شجر بيننا واختلفنا فيه ، كما أمر سبحانه وتعالى بذلك حيث قال : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١).

لقد وقع الاختلاف في معنى قوله تعالى : ( ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢) ... لكنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبق وأنْ بيّن المعنى وأوضح المراد من « القربى » في الأخبار المروية في كتب طرفَي الخلاف كليهما ، فلماذا لا يقبل قوله ويبقى الخلاف على حاله؟!

لقد عيّن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المراد من « القربى » في الآية ، فالمراد أقرباؤه ، وهم عليٌّ والزهراء وولداهما ... فهؤلاء هم المراد من « القربى » هنا ، كما كانوا المراد من « أهل البيت » في آية التطهير بتعيينٍ منه كذلك.

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٦٥.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

١١٦

ذكر من رواه من الصحابة والتابعين

وقد روي ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدّة كبيرة من الصحابة وأعلام التابعين ، المرجوع إليهم في تفسير آيات الكتاب المبين ، ومنهم :

١ ـ أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

٢ ـ الإمام السبط الأكبر الحسن بن عليّ عليه‌السلام.

٣ ـ الإمام السبط الشهيد الحسين بن عليّ عليه‌السلام.

٤ ـ الإمام السجّاد علي بن الحسين عليه‌السلام.

٥ ـ الإمام الباقر محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام.

٦ ـ الإمام الصادق جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين عليه‌السلام.

٧ ـ عبدالله بن العبّاس.

٨ ـ عبدالله بن مسعود.

٩ ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

١٠ ـ أبو أُمامة الباهلي.

١١ ـ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي.

١٢ ـ سعيد بن جبير.

١٣ ـ مجاهد بن جبر.

١٤ ـ مقسم بن بجرة.

١٥ ـ زاذان الكندي.

١٦ ـ السدّي.

١٧ ـ فضّال بن جبير.

١١٧

١٨ ـ عمرو بن شعيب.

١٩ ـ ابن المبارك.

٢٠ ـ زرّ بن حبيش.

٢١ ـ أبو إسحاق السبيعي.

٢٢ ـ زيد بن وهب.

٢٣ ـ عبدالله بن نجّي.

٢٤ ـ عاصم بن ضمرة.

ومن رواته من أئمّة الحديث والتفسير

وقد روى نزول الآية المباركة في أهل البيت عليهم‌السلام ـ هذا الذي أرسله إرسال المسلَّم إمام الشافعية في شعره المعروف المشهور ، المذكور في الكتب المعتمدة ، كالصواعق المحرقة ـ مشاهير الأئمّة في التفسير والحديث وغيرهما في مختلف القرون ، ونحن نذكر أسماء عدةٍ منهم :

١ ـ سعيد بن منصور ، المتوفّى سنة ٢٢٧.

٢ ـ أحمد بن حنبل ، المتوفّى سنة ٢٤١.

٣ ـ عبد بن حميد ، المتوفّى سنة ٢٤٩.

٤ ـ محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى سنة ٢٥٦.

٥ ـ مسلم بن الحجاج النيسابوري ، المتوفّى سنة ٢٦١.

٦ ـ أحمد بن يحيى البلاذري ، المتوفّى سنة ٢٧٦.

٧ ـ محمّد بن عيسى الترمذي ، المتوفّى سنة ٢٧٩.

٨ ـ أبو بكر البزار ، المتوفّى سنة ٢٩٢.

٩ ـ محمّد بن سليمان الحضرمي ، المتوفّى سنة ٢٩٧.

١١٨

١٠ ـ محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى سنة ٣١٠.

١١ ـ أبو بشر الدولابي ، المتوفّى سنة ٣١٠.

١٢ ـ أبو بكر ابن المنذر النيسابوري ، المتوفّى سنة ٣١٨.

١٣ ـ عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي ، المتوفّى سنة ٣٢٧.

١٤ ـ الهيثم بن كليب الشاشي ، المتوفّى سنة ٣٣٥.

١٥ ـ أبو القاسم الطبراني ، المتوفّى سنة ٣٦٠.

١٦ ـ أبو الشيخ ابن حبان ، المتوفّى سنة ٣٦٩.

١٧ ـ محمّد بن إسحاق ابن مندة ، المتوفّى سنة ٣٩٥.

١٨ ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، المتوفّى سنة ٤٠٥.

١٩ ـ أبو بكر ابن مردويه الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤١٠.

٢٠ ـ أبو إسحاق الثعلبي ، المتوفّى سنة ٤٢٧.

٢١ ـ أبو نعيم الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤٣٠.

٢٢ ـ علي بن أحمد الواحدي ، المتوفّى سنة ٤٦٨.

٢٣ ـ محيي السنّة البغوي ، المتوفّى سنة ٥١٦.

٢٤ ـ جار الله الزمخشري ، المتوفّى سنة ٥٣٨.

٢٥ ـ الملاّ عمر بن محمّد بن خضر ، المتوفّى سنة ٥٧٠.

٢٦ ـ أبو القاسم ابن عساكر الدمشقي ، المتوفّى سنة ٥٧١.

٢٧ ـ أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، المتوفّى سنة ٦٠٦.

٢٨ ـ الفخر الرازي ، المتوفّى سنة ٦٠٦.

٢٩ ـ عزّ الدين ابن الأثير ، المتوفّى سنة ٦٣٠.

٣٠ ـ محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى سنة ٦٥٢.

٣١ ـ أبو عبدالله الأنصاري القرطبي ، المتوفّى سنة ٦٧١.

١١٩

٣٢ ـ أبو عبدالله الكنجي الشافعي ، المتوفّى سنة ٦٥٨.

٣٣ ـ القاضي البيضاوي ، المتوفّى سنة ٦٨٥.

٣٤ ـ محبّ الدين الطبري الشافعي ، المتوفّى سنة ٦٩٤.

٣٥ ـ الخطيب الشربيني ، المتوفّى سنة ٦٩٨.

٣٦ ـ أبو البركات النسفي ، المتوفّى سنة ٧١٠.

٣٧ ـ أبو القاسم الجزّي ، المتوفّى سنة ٧٤١.

٣٨ ـ علاء الدين الخازن ، المتوفّى سنة ٧٤١.

٣٩ ـ أبو حيّان الأندلسي ، المتوفّى سنة ٧٤٥.

٤٠ ـ ابن كثير الدمشقي ، المتوفّى سنة ٧٧٤.

٤١ ـ أبو بكر نور الدين الهيثمي ، المتوفّى سنة ٨٠٧.

٤٢ ـ ابن حجر العسقلاني ، المتوفّى سنة ٨٥٢.

٤٣ ـ نور الدين ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفّى سنة ٨٥٥.

٤٤ ـ شمس الدين السخاوي ، المتوفّى سنة ٩٠٢.

٤٥ ـ نور الدين السمهودي ، المتوفّى سنة ٩١١.

٤٦ ـ جلال الدين السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١.

٤٧ ـ شهاب الدين القسطلاني ، المتوفّى سنة ٩٢٣.

٤٨ ـ أبو السعود العمادي ، المتوفّى سنة ٩٥١.

٤٩ ـ ابن حجر الهيتمي المكّي ، المتوفّى سنة ٩٧٣.

٥٠ ـ الزرقاني المالكي ، المتوفّى سنة ١١٢٢.

٥١ ـ عبدالله الشبراوي ، المتوفّى سنة ١١٦٢.

٥٢ ـ محمّد الصبّان المصري ، المتوفّى سنة ١٢٠٦.

٥٣ ـ قاضي القضاة الشوكاني ، المتوفّى سنة ١٢٥٠.

١٢٠