نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

شيخ شيعي محترق ، وهو حسين الأشقر » (١).

وقال الهيثمي : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، وقد وُثّقوا كلّهم وضعّفهم جماعة ، وبقيّة رجاله ثقات ».

أقول :

فالأخبار الدالّة على القول الحقّ ، المروية في كتب القوم ، منقسمة بحسب آرائهم في رجالها إلى ثلاثة أقسام :

١ ـ ما اتّفقوا على القول بصحّته ، وهو حديث طاووس عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.

٢ ـ ما ذكروه وسكتوا عن التكلّم في سنده ولم يتفوّهوا حوله ببنت شفه! بل منه ما لم يجدوا بُدّاً من الاعتراف باعتباره ، كأخبار قول النبيّ لمن سأله عمّا يطلب في قبال دعوته ، وخطبة الإمام الحسن عليه‌السلام بعد وفاة أبيه ، وكلام الإمام السجّاد في الشام ، ونحو ذلك.

٣ ـ ما رووه وتكلّموا في سنده.

أمّا الأوّل فلنا كلام حوله ، وسيأتي في أوّل الفصل الرابع.

وأمّا القسم الثاني ، فلا حاجة إلى بيان صحّته بعد أنْ أقرّ القوم بذلك.

وأمّا القسم الثالث ، فهو المقصود بالبحث هنا.

ولنفصّل الكلام في تراجم مَن ضعّفوه من رجال أسانيد هذه الأخبار ، ليتبيّن أنّ جميع ما ذكروه ساقط مردود! على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل منهم :

__________________

(١) إرشاد الساري في شرح البخاري ٧ / ٣٣١.

١٤١

١ ـ ترجمة يزيد بن أبي زياد

وهو : القرشي الهاشمي الكوفي ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل.

هو من رجال الكتب الستّة ، قال المزي : « قال البخاري في اللباس من صحيحه عقيب حديث عاصم بن كليب عن أبي بردة : قلنا لعليّ : ما القسيّة؟ وقال جرير عن يزيد في حديثه : القسيّة ثياب مضلعة ... الحديث.

وروى له في كتاب رفع اليدين في الصلاة. وفي الأدب. وروى له مسلم مقروناً بغيره ، واحتجّ به الباقون » (١).

وروى عنه جماعة كبيرة من أعلام الأئمّة كسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وشريك بن عبدالله ، وشعبة بن الحجّاج ، وعبدالله بن نمير ، وأمثالهم (١).

قال الذهبي : حدّث عنه شعبة مع براعته في نقد الرجال (٢).

أقول :

يكفي في جواز الاعتماد عليه وصحة الاحتجاج به على مسلكهم رواية أصحاب الكتب الستّة وكبار الأئمّة عنه.

مضافاً إلى قول مسلم في مقدّمة كتابه : « فإنّ اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم ، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم وأضرابهم » (٣).

وقد وثّقه عدة من الأئمّة أيضاً :

__________________

(١) تهذيب الكمال في أسماء الرجال ٣٢ / ١٤٠.

(٢) تهذيب الكمال ٣٢٠ / ١٣٧ ، سير أعلام النبلاء ٦ / ١٢٩ ، تهذيب التهذيب ١١ / ٢٨٧ رقم ٥٣١.

(٣) سير أعلام النبلاء ٦ / ١٣٠.

(٤) صحيح مسلم ١ / ٥ ـ ٦.

١٤٢

قال ابن سعد : كان ثقة في نفسه ، إلاّ أنّه اختلط في آخر عمره فجاء بالعجائب.

وقال ابن شاهين ـ في الثقات ـ : قال أحمد بن صالح المصري : يزيد بن أبي زياد ثقة ولا يعجبني قول من تكلّم فيه.

وقال ابن حبان : كان صدوقاً إلاّ أنّه لمّا كبر ساء حفظه وتغيّر ، وكان يلقّن ما لقّن فوقعت المناكير في حديثه.

وقال الآجري عن أبي داود : لا أعلم أحداً ترك حديثه ، وغيره أحبّ إليّ منه.

وقال يعقوب بن سفيان : ويزيد وإن كانوا يتكلّمون فيه لتغيّره ، فهو على العدالة والثقة وإنْ لم يكن مثل الحكم والمنصور (١).

ثم إنّا نظرنا في كلمات القادحين ـ بالرغم من كون الرجل من رجال الكتب الستّة ، إذ احتج به الأربعة وروى له الشيخان ـ فوجدنا أوّل شيء يقولونه :

كان من أئمّة الشيعة الكبار (٢).

فإنْ سألتهم : ما المراد من « الشيعة »؟ ومن أين عرف كونه « من أئمّة الشيعة الكبار؟ ».

كان الجواب : تدلّ على ذلك أحاديث رواها ، موضوعة (٣).

فنظرنا ، فإذا به يروي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، عن أبي برزة ، قال : « تغنّى معاوية وعمرو بن العاص ، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : اللّهمّ

__________________

(١). هذه الكلمات بترجمته من تهذيب التهذيب ٦ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، وغيره.

(٢). الكامل لابن عدى ٧ / ٢٧٢٩ ، تهذيب الكمال ٣٢ / ١٣٨ ، تهذيب التهذيب ١١ / ٢٨٨.

(٣). تهذيب الكمال ٣٢ / ١٣٨. الهامش.

١٤٣

اركسهما في الفتنة ركساً ، ودعّهما في النّار دعّاً » (١).

قالوا : فهذا الحديث موضوع (٢) أو غريب منكر (٣) ، لماذا؟ لأنّه ذمٌ لمعاوية رأس الفئة الباغية وعمرو بن العاص رأس النفاق!! فيكون راويه « من أئمة الشيعة الكبار »!!

لكنْ يبدو أنّهم ما اكتفوا ـ في مقام الدفاع عن معاوية وعمرو ـ برمي الحديث بالوضع وراويه بالتشيّع ، فالتجأوا إلى تحريف لفظ الحديث ، ووضع كلمة « فلان وفلان » في موضع الاسمين ، ففي المسند :

« حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا عبدالله بن محمّد ـ وسمعته أنا من عبدالله بن محمّد بن أبي شيبة ـ ، ثنا محمّد بن فضيل ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سليمان بن عمرو بن الأحوص ، قال : أخبرني ربّ هذه الدار أبو هلال ، قال : سمعت أبا برزة ، قال : كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر ، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الاخر وهو يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه

ذوى الحرب عنه أن يجن فيقبرا

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : انظروا من هما؟ قال : فقالوا : فلان وفلان!!

قال : فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : اللهمّ اركسهما ركساً ، ودعّهما إلى النار دّعاً ».

وكأنّ هذا المقدار أيضاً لم يشف غليل القوم ، أو كان التحريف المذكور لأجل الإبهام ، فيكون مقدّمةً ليأتي آخر فيزيله ويضع « معاوية » و « عَمْراً »

__________________

(١). أخرجه أحمد فى المسند ٤ / ٤٢١ ، والطبرانى والبزاز كما فى مجمع الزوائد ٨ / ١٢١.

(٢). الموضوعات لابن الجوزى ، لكن لا يخفى أنه لم يطعن فى الحديث إلا من جهة « يزيد » ولم يقل فيه إلا « كان يقلن بأخرة فيتقلن » ، ولذا تعقبه السيوطى بما سنذكره.

(٣). ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ٤ / ٤٢٤.

١٤٤

آخَرَين!! بخبرٍ مختلق :

قال السيوطي ـ بعد أن أورد الحديث عن أبي يعلى وتعقّب ابن الجوزي بقوله : هذا لا يقتضي الوضع ، والحديث أخرجه أحمد في مسنده : حدّثنا ... وله شاهد من حديث ابن عبّاس : قال الطبراني في الكبير ... ـ : « وقال ابن قانع في معجمه : حدّثنا محمّد بن عبدوس كامل ، حدّثنا عبدالله بن عمر ، حدّثنا سعيد أبو العباس التيمي ، حدّثنا سيف بن عمر ، حدّثني أبو عمر مولى إبراهيم ابن طلحة ، عن زيد بن أسلم ، عن صالح ، عن شقران ، قال : بينما نحن ليلة في سفر ، إذ سمع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوتاً فقال : ما هذا؟! فذهبت أنظر ، فإذا هو معاوية بن رافع ، وعمرو بن رفاعة بن تابوت يقول :

لا يزال جوادي تلوح عظامه

ذوى الحرب عنه أن يموت فيقبرا

فأتيت النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فقال : اللهمّ اركسهما ودّعهما إلى نار جهنم دعّاً. فمات عمرو بن رفاعة قبل أن يقدم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من السفر ».

قال السيوطي : « وهذه الرواية أزالت الإشكال وبيّنت أنّ الوهم وقع في الحديث الأول ، في لفظةٍ واحدة وهي قوله : ابن العاص ، وإنّما هو ابن رفاعة أحد المنافقين ، وكذلك معاوية بن رافع أحد المنافقين ، والله أعلم » (١).

بل السيوطي نفسه أيضاً يعلم واقع الحال وحقيقة الأمر ، وإلاّ فما أجهله!!

أمّا أوّلاً : فلم يكن في الحديث الأوّل إشكال أو وهم حتّى يُزال!! غاية ما هناك أنّ في « المسند » لفظ « فلان وفلان » بدل « معاوية » و « عمرو » والسيوطي يعلم ـ كغيره ـ أنّه تحريفٌ ، إنْ لم يكن عن عمد فعن سهو!! على أنّه

__________________

(١) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ / ٤٢٧.

١٤٥

لم يوافق ابن الجوزي في الطعن في الحديث ، بل ذكر له ما يشهد له بالصحّة.

وأمّا ثانياً : فلو سلّمنا وجود إبهام وإشكالٍ في الحديث الأوّل ، فهل يُزال ويرتفع بحديثٍ لا يرتضي أحد سنده مطلقاً ، لمكان « سيف بن عمر » ... ولنلقِ نظرةً سريعة في ترجمته (١).

قال ابن معين : ضعيف الحديث.

وقال أبو حاتم : متروك الحديث.

وقال أبو داود : ليس بشيء.

وقال النسائي : ضعيف.

وقال الدارقطني : ضعيف.

وقال ابن عديّ : بعض أحاديثه مشهورة وعامّتها منكرة لم يُتابع عليها.

وقال ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الأثبات. قالوا : كان يضع الحديث ، اتُّهم بالزندقة.

وقال البرقاني عن الدارقطني : متروك.

وقال الحاكم : اتُّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط.

والعجيب أنّ السيوطي نفسه يردّ أحاديثه قائلاً : « إنه وضّاع » (٢)!

أقول :

فلينظر الباحث المنصف ، كيف يردّون حديثاً ـ يروونه عن رجلٍ اعتمد عليه أرباب الصحاح الستّة ـ لكونه في ذمّ ابن هندٍ وابن النابغة ، وهم شيعة لهما ... ويقابلونه بحديث يرويه رجل اتّفقوا على سقوطه واتّهموه بالوضع والزندقة!!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ / ٢٩٥.

(٢) اللالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ١ / ١٩٩.

١٤٦

فلينظر! كيف يتلاعبون بالدين وسنّة رسول ربّ العالمين!!

ولا يتوهّمنّ أنّ هذه طريقتهم في أبواب المناقب والمثالب فحسب ، بل هي في الأُصولين والفقه أيضاً!!

فلنرجع إلى ما كنّا بصدده ، ونقول :

إنّ « يزيد بن أبي زياد » ثقة ، ومن رجال الكتب الستّة ، ولا عيب فيه إلاّروايته بعض مثالب أئمّة القوم!! ولذا جعلوه « من أئمّة الشيعة الكبار »!!

على أنّ كون الراوي شيعياً ، بل رافضياً ـ حسب اصطلاحهم ـ لا يضرّ بوثاقته كما قرّروا في محلّه وبنوا عليه في مواضع كثيرة (١).

وتلخص : صحّة روايته في نزول آية المودّة في خصوص « أهل البيت » الطاهرين ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

٢ ـ ترجمة حسين الأشقر

وسنترجم لأبي عبدالله الحسين بن حسن الأشقر الفزاري الكوفي ، في مبحث آية المسابقة ، بأنّه من رجال النسائي في ( صحيحه ) وأنّهم قد ذكروا أنّ للنسائي شرطاً في صحيحه أشدّ من شرط الشيخين (٢).

وأنّه روى عنه كبار الأئمّة الأعلام : كأحمد بن حنبل ، وابن معين ، والفلاّس ، وابن سعد ، وأمثالهم (٣).

وقد حكى الحافظ ابن حجر بترجمته عن العقيلي ، عن أحمد بن محمّد ابن هانئ ، قال : قلت : لأبي عبدالله ـ يعني أحمد بن حنبل ـ تحدّثُ عن حسين

__________________

(١) مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري : ٣٩٨.

(٢) تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٠.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩١.

١٤٧

الأشقر؟ قال : لم يكن عندي ممّن يكذب.

وذكر عنه التشيّع ، فقال له العبّاس بن عبدالعظيم : إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر ، وقلت أنا : يا أبا عبدالله ، إنّه صنّف باباً في معايبهما! فقال : ليس هذا بأهلٍ أن يُحدث عنه (١).

وهذا هو السبب في تضعيف غير أحمد.

وعن الجوزجاني : غالٍ من الشتّامين للخِيَرة (٢).

ولذا يقولون : « له مناكير » وأمثال هذه الكلمة ، ممّا يدلّ على طعنهم في أحاديث الرجل في فضل عليٍّ أو الحطّ من مناوئيه ، وليس لهم طعن في الرجل نفسه ، ولذا قال يحيى بن معين :

كان من الشيعة الغالية ، فقيل له : فكيف حديثه؟! قال : لا بأس به. قيل : صدوق؟ قال : نعم ، كتبت عنه (٣).

هذا ، فالرجل ثقة وصدوق عند : أحمد والنسائي ، ويحيى بن معين ، وابن حبّان ... وإنّما ذنبه الوحيد هو « التشيّع » وقد نصّوا على أنّه غير مضرّ.

أقول :

لكن المهمّ ـ هنا ـ أنّه « صدوق » عند الحافظ ابن حجر أيضاً ، فقد قال : « الحسين بن حسن الأشقر ، الفزاري الكوفي ، صدوق ، يهمّ ويغلو في التشيّع ، من العاشرة ، مات سنة ٢٠٨. س » (٤).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٢) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٤) تقريب التهذيب ١ / ١٧٥.

١٤٨

وحينئذٍ لا بدّ من التنبيه على أن ابن حجر العسقلاني الحافظ قد ناقض نفسه مرّتين :

١ ـ في تضعيفه الرجل في « تخريج أحاديث الكشّاف » مع وصفه بـ « الصدوق » في « تقريب التهذيب »!

٢ ـ في طعنه في الرجل بسبب التشيّع أو الرفض ـ حسب تعبيره ـ مع أنّه نص في « مقدّمة فتح الباري » على أنّ الرفض ـ فضلاً عن التشيّع ـ غير مضرّ.

وبذلك يسقط طعنه في حديثنا ، وكذا طعن غيره تبعاً له.

تنبيه :

قد اختلف طعن الطاعنين في رواية الأئمّة : الطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والحاكم ، وابن مردويه : عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ...

فالسيوطي لم يقل إلاّ « بسند ضعيف » وتبعه الآلوسي.

وابن حجر قال في « تخريج أحاديث الكشّاف » : « وحسين ضعيف ساقط » فلا كلام له في غيره ، لكن في « فتح الباري » : « إسناده واهٍ ، فيه ضعيف ورافضي ».

وابن كثير ـ وتبعه القسطلاني ـ قال عن حسين الأشقر : « شيخ شيعي محترق » وأضاف ـ في خصوص إسناد ابن أبي حاتم لقوله : حدّثنا رجل سماه « فيه مبهم لا يُعرف ».

والهيثمي أفرط فقال : « رواه الطبراني من رواية حرب بن الحسن الطحّان ، عن حسين الأشقر ، عن قيس بن الربيع. وقد وثّقوا كلّهم وضعّفهم جماعة ، وبقيّة رجاله ثقات ».

١٤٩

وبما ذكرنا ـ في ترجمة الأشقر ـ يسقط كلام السيوطي والآلوسي ، وكذا كلام ابن كثير في « الأشقر » أمّا قوله : « فيه مبهم لا يعرف » فيردّه أنّه إن كان هو « حرب بن الحسن الطحّان » فهو ، وإنْ كان غيره فالإشكال مرتفع بمتابعته.

وكذا يسقط كلام ابن حجر في « تخريج أحاديث الكشّاف ».

أمّا كلامه في « فتح الباري » فيمكن أن يكون ناظراً إلى « الأشقر » فقط ، بأنْ يكون وصفه بالرفض وضعفه من أجل ذلك ، ويمكن أن يكون مراده من « ضعيف » غير الأشقر الذي وصفه بالرفض ... وهذا هو الأظهر ، ومراده ـ على الظاهر ـ هو « قيس بن الربيع » الذي زعم غيره ضعفه ، فلنترجم له :

٣ ـ ترجمة قيس بن الربيع

وهو : قيس بن الربيع الأسدي ، أبو محمّد الكوفي :

من رجال : أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجة (١).

روى عنه جماعة كبيرة من الأئمّة في الصحاح وغيرها ، كسفيان الثوري ، وشعبة بن الحجّاج ، وعبد الرزاق بن همام ، وأبي نعيم الفضل بن دكين ، وأبي داود الطيالسي ، ومعاذ بن معاذ ، وغيرهم (١).

وهذه بعض الكلمات في توثيقه ومدحه والثناء عليه باختصار :

قال أبو داود الطيالسي عن شعبة : سمعت أبا حصين يثني على قيس بن الربيع.

قال : قال لنا شعبة : أدركوا قيساً قبل أن يموت!

قال عفّان : قلت ليحيى بن سعيد : أفتتّهمه بكذب؟! قال : لا.

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٤ / ٢٥ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٥٠ ، وغيرهما.

(٢) تهذيب الكمال ٢٤ / ٢٧.

١٥٠

قال عفّان : كان قيس ثقة ، يوثّقه الثوري وشعبة.

قال حاتم بن الليث ، عن أبي الوليد الطيالسي : كان قيس بن الربيع ثقة حسن الحديث.

قال أحمد بن صالح : قلت لأبي نعيم : في نفسك من قيس بن الربيع شئ؟ قال : لا.

قال عمرو بن عليّ : سمعت معاذ بن معاذ يحسن الثناء على قيس.

وقال يعقوب بن شيبة السدوسي : وقيس بن الربيع عند جميع أصحابنا صدوق ، وكتابه صالح ، وهو ردئ الحفظ جدّاً مضطربه ، كثير الخطأ ، ضعيف في روايته.

وقال ابن عديّ : عامّة رواياته مستقيمة ، والقول فيه ما قال شعبة.

هذا ، وقد أُخذ عليه أُمور :

أحدها : إنّه ولّي المدائن من قبل المنصور ، فأساء إلى الناس فنفروا عنه.

والثاني : التشيّع ، نقله الذهبي عن أحمد (١).

والثالث : وجود أحاديث منكرة عنده. قال حرب بن إسماعيل : قلت لأحمد بن حنبل : قيس بن الربيع أيّ شيء ضعّفه؟ قال : روى أحاديث منكرة.

لكن قالوا : هذه الأحاديث أدخلها عليه ابنه لمّا كبر فحدّث بها (٢).

ولكونه صدوقاً في نفسه ، ثقة ، وأنّ هذه الروايات مدخولة عليه وليست منه ، قال الذهبي ، « صدوق في نفسه ، سيّىء الحفظ » (٣).

وقال الحافظ ابن حجر : « صدوق ، تغيّر لمّا كبر ، أدخل عليه ابنه ما ليس

__________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٣٩٣.

(٢) تاريخ بغداد ١٢ / ٤٥٦ ـ ٤٦٢ ، تهذيب الكمال٢٤ / ٢٥ ـ ٣٧ ، سير أعلام النبلاء ٨ / ٤١ ـ ٤٤ ، تهذيب التهذيب ٨ / ٣٥٠ ـ ٣٥٣.

(٣) ميزان الإعتدال في نقد الرجال ٣ / ٣٩٣.

١٥١

من حديثه فحدث بها » (١).

فإنْ كان يقصد في « مقدّمة فتح الباري » تضعيف هذا الرجل ، فقد ناقض نفسه كذلك ...

٤ ـ ترجمة حرب بن حسن الطحّان

وهذا الرجل لم يُعترّض له بالتضعيف ، ولم ينقل كلاماً فيه إلاّ الهيثمي ، ولكنّه مع ذلك نصَّ على أنّه « وُثّق » ولم يذكر المضعِّف ولا وجه التضعيف.

وقال ابن أبي حاتم : « سألت أبي عنه فقال : شيخ » (٢).

وقال ابن حجر : « حرب بن الحسن الطحّان ، ليس حديثه بذاك. قاله الأزدي. إنتهى.

وذكره ابن حبّان في الثقات.

وقال ابن النجاشي : عامّي الرواية. أي شيعي قريب الأمر. له كتاب.

روى عنه : يحيى بن زكريّا اللؤلؤي » (٣).

أقول :

لكنْ لا يلتفت إلى قول الأزدي ، كما نصّ عليه الذهبي ، حيث قال : « لا يلتفت إلى قول الأزدي ، فإنّ في لسانه في الجرح رهقاً » (٤).

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ١٢٨.

(٢) الجرح والتعديل ٣ / ٢٥٢.

(٣) لسان الميزان ٢ / ١٨٤.

(٤) ميزان الاعتدال ١ / ٦١.

١٥٢

تتمّة

فيها مطلبان :

الأوّل : قال الذهبي معقّباً على حديث خطبة الإمام الحسن عليه‌السلام ، الذي أخرجه الحاكم عن أبناء أئمّة أهل البيت والذريّة الطاهرة : « ليس بصحيح »! (١).

ولمّا كان هذا القدح مجملاً ومبهماً ، فإنّه لا يُعبأ به ... وأظنّ أنّه من جهة المتن والمعنى لا السند ، وعذر الذهبي في قدحه في مناقب آل البيت عليهم‌السلام معلوم!!

والثاني : قال ابن عساكر ـ بعد أن أخرج من طريق الطبراني حديث أبي أُمامة الباهلي ـ : « هذا حديث منكَر ، وقد وقع إليّ جزء طالوت بن عباد بعلوّ ، وليس هذا الحديث فيه » (٢).

وهذا الحديث بهذا اللفظ رواه عن طريق الطبراني : الحافظ أبو عبدالكنجي ، وقال : « هذا حديث حسن عال ، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء ، ورواه محدث الشام في كتابه بطرق شتى » (٣) ، وكذا الحافظ ابن حجر (٤). ورواه لا عن طريق الطبراني : الحاكم الحسكاني النيسابوري (٥).

أمّا عدم وجوده في الجزء الذي وقع إلى ابن عساكر من حديث طالوت ابن عباد ، فغير مضرّ كما هو واضح.

__________________

(١) تلخيص المستدرك ٣ / ١٧٢.

(٢) تاريخ دمشق ، ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ١ / ١٣٣.

(٣) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب : ٣١٧.

(٤) لسان الميزان ٤ / ٤٣٤.

(٥) شواهد التنزيل ٢ / ١٤١.

١٥٣

وأمّا نكارة الحديث ، ففي أي فقرة منه؟! أفي حديث الشجرة؟! أو في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لو أن عبدا ... »؟! أو في تلاوة آية المودّة في هذا الموضع؟!

أمّا حديث الشجرة ، فقد رواه من أئمّة الحديث كثيرون (٥) ، وإليه أشار أمير المؤمنين (١) ولم يقل أحد بنكارته.

وأمّا تلاوة الآية هنا ، فقد عرفت أنّها نازلة في عليّ وفاطمة وابنيهما.

بقي قوله : « ولو أنّ عبداً ... » وأظنّه يريد هذا ، وهو كلام جليل ، ومعناه دقيق ، وخلاصة بيانه أنّ الحبّ هو وسيلة الاتّباع والقرب ، والعمل بلا درك حبّ النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير مقرّب إلى الله سبحانه وتعالى ، وكلّ عمل عبادي لا تقرّب فيه إليه فهو باطل ، وصاحبه من أهل النار وبئس القرار.

هذا إذا أخذنا الكلام على ظاهره.

وأمّا إذا كان كنايةً عن البغض ، فالأمر أوضح ، لأنّ بغض النبيّ وأهل بيته مبعّد عن الله عزّ وجلّ ، ولا ينفع معه عمل ...

اللهمّ اجعلنا من المحبين للنبيّ وآله ، ومن المتقرّبين بهم إليك.

__________________

(١) راجع الجزء الخامس من كتابنا.

(٢) نهج البلاغة : ١٦٢.

١٥٤

الفصل الثالث

في دفع شبهات المخالفين

وإذا ثبتت صحّة الأحاديث الدالّة على نزول الآية المباركة في « أهل البيت » حتّى التي تُكلّم في أسانيدها ، بعد بيان سقوط ما تذرّعوا به ، تندفع جميع الشبهات التي يطرحونها في المقام.

ولكنّا مع ذلك نذكر ما قالوه في هذا الباب ، ونجيب عنه بالأدلّة والشواهد القويمة المتينة ، ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ).

ولعلّ أشدّ القوم مخالفةً في المقام هو ابن تيميّة في « منهاج السنة » فلنقدّم كلماته :

* يقول ابن تيميّة :

« ثبت في الصحيح عن سعيد بن جبير : أنّ ابن عبّاس سئل عن قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) قال : فقلت :

إلاّ أنْ تودّوا قربى محمّد ، فقال ابن عبّاس : عجلت! إنّه لمن يكن بطن من قريش إلاّلرسول الله فيهم قرابة فقال : قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوني في القرابة التي بيني وبينكم.

فابن عبّاس كان من كبار أهل البيت وأعلمهم بتفسير القرآن ، وهذا تفسيره الثابت عنه.

ويدل على ذلك أنّه لم يقل : إلاّ المودّة لذوي القربى ، وإنّما قال : إلاّ

١٥٥

المودّة في القربى. ألا ترى أنّه لمّا أراد ذوي قرباه قال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ). ولا يقال : المودّة في ذوي القربى ، وإنّما يقال : المودّة لذوي القربى ، فكيف وقد قال ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )؟!

ويبيّن ذلك : إنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لا يَسأل أجراً أصلاً ، إنّما أجره على الله ، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت لكن بأدلّة أخرى غير هذه الآية ، وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبيّ في شيء.

وأيضاً ، فإنّ هذه الآية مكّيّة ، ولم يكن عليٌّ قد تزوّج بفاطمة ، ولا وُلد له أولاد » (١).

* وقال ابن تيميّة :

« وأمّا قوله : وأنزل الله فيهم ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) فهذا كذب ظاهر ، فإنّ هذه الآية في سورة الشورى ، وسورة الشورى مكّيّة بلا ريب ، نزلت قبل أن يتزوّج عليٌّ بفاطمة ...

وقد تقدّم الكلام على الآية وأنّ المراد بها ما بيّنه ابن عبّاس ... رواه البخاري وغيره.

وقد ذكر طائفةٌ من المصنّفين من أهل السنّة والجماعة والشيعة ، من أصحاب أحمد وغيرهم ، حديثاً عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء؟ قال : عليٌّ وفاطمة وابناهما.

وهذا كذب باتّفاق أهل المعرفة » (٢)!

__________________

(١) منهاج السنّة ٤ / ٢٥ ـ ٢٧.

(٢) منهاج السنّة ٤ / ٥٦٢ ـ ٥٦٣.

١٥٦

* وكرر ابن تيمية :

تكذيب الحديث المذكور ...

وأنّ الآية في سورة الشورى وهي مكيّة ، وأن عليّاً إنّما تزوج فاطمة بالمدينة ...

وأنّ التفسير الذي في الصحيحين يناقض ذلك الحديث ، قال : سئل ابن عبّاس ...

وأنّه قال : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) ولم يقل : إلاّ المودّة للقربى ، ولا المودّة لذوي القربى كما قال : ( وَاعْلَمُوا ... ).

وأن النبي لا يسأل على تبليغ رسالة ربّه أجراً ألبتة ، بل أجره على الله ...

وأن القربى معرّفة باللام ، فلا بدّ أن تكون معروفةً عند المخاطبين ، وقد ذكرنا أنّها لمّا نزلت لم يكن قد خُلق الحسن ولا الحسين ، ولا تزوّج عليٌّ بفاطمة ، فالقربى التي كان المخاطبون يعرفونها يمتنع أنْ تكون هذه ، بخلاف القربى التي بينه وبينهم ، فإنّها معروفة عندهم » (١).

* وابن حجر العسقلاني :

يذكر في ( تخريج الكشّاف ) إلاّ « المعارضة » قال : « وقد عارضه ما هو أولى منه ، ففي البخاري ... » (٢) وكذا في ( فتح الباري ) وأضاف : « ويؤيد ذلك أنّ السورة مكّيّة » (٣).

* وقال ابن كثير :

« وذكر نزول الآية في المدينة بعيد ، فإنّها مكّيّة ، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٩٥ ـ ١٠٣.

(٢) الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشّاف ـ مع الكشّاف ـ ٤ / ٢٢٠.

(٣) فتح الباري في شرح البخاري ٨ / ٤٥٨.

١٥٧

رضي الله عنها أولاد بالكليّة ، فإنّها لم تتزوّج بعليّ ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلاّ بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة ، والحق تفسير هذه الآية بما فسرها حبر الأمة ... » (١).

* وقال القسطلاني :

« والآية مكّيّة ، ولم يكن إذ ذاك لفاطمة أوّلاًد بالكلّيّة ، فإنّها لم تتزوّج بعليّ إلاّبعد بدر من السنة الثانية من الهجرة. وتفسير الآية بما فسّر به حبر الأُمّة وترجمان القرآن ابن عبّاس أحقّ وأولى » (٢).

* والشوكاني :

اقتصر على المعارضة وترجيح الحديث عن طاووس عن ابن عبّاس (٣).

* وابن روزبهان :

ما قال إلاّ : « ظاهر الآية على هذا المعنى شامل لجميع قرابات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم » (٤).

* وقال عبدالعزيز الدهلوي ما حاصله :

« إنّه وإنْ أخرج أحمد والطبراني ذلك عن ابن عبّاس ، لكنّ جمهور المحدّثين يضعّفونه ، لكون سورة الشورى بتمامها مكّيّة ، وما خُلق الحسن والحسين حينذاك ، ولم يتزوّج عليٌّ بعد بفاطمة ... والحديث في طريقه بعض الشيعة الغلاة ، وقد وصفه المحدّثون بالصدق ، والظن الغالب أنّه لم يكذب وإنّما نقل الحديث بالمعنى ، إذ كان لفظه « أهل بيتي » فخصّهم الشيعي بالأربعة ...

والمعنى المذكور لا يناسب مقام النبوّة ، وإنّما ذلك من شأن أهل الدنيا ،

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٤ / ١٠١.

(٢) إرشاد الساري في شرح البخاري ٧ / ٣٣١.

(٣) فتح القدير ٤ / ٥٣٧.

(٤) إبطال الباطل ـ المطبوع مع إحقاق الحقّ ـ ٣ / ٢٠.

١٥٨

وأيضاً ينافيه الآيات الكثيرة كقوله تعالى : ( ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ) فلو كان خاتم الأنبياء طالباً للأجر لزم أن تكون منزلته أدنى من سائر الأنبياء ، وهو خلاف الإجماع » (١).

فهذه شبهات أعلام القوم في هذا المقام ، فلنذكر الشبهات بالترتيب ونتكلّم عليها :

١ ـ سورة الشورى مكّيّة والحسنان غير موجودين

ولعلّ هذه أهمّ الشبهات في المسألة ، وهي الأساس ... ونحن تارةً نبحث عن الآية المباركة بالنظر إلى الروايات ، وأُخرى بقطع النظر عنها ، فيقع البحث على كلا التقديرين.

أمّا على الأوّل : فإنّ الآية المباركة بالنظر إلى الروايات المختلفة الواردة ـ سواء المفسّرة بأهل البيت ، أو القائلة بأنّها نزلت بمناسبة قول الأنصار كذا وكذا ـ مدنية ، ولذا قال جماعة بأنّ سورة الشورى مكيّة إلاّ آيات :

قال القرطبي : « سورة الشورى مكيّة في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.

قال ابن عبّاس وقتادة : إلاّ أربع آيات منها أنزلت بالمدينة : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) إلى آخرها » (٢).

وقال أبو حيان : « قال ابن عبّاس : مكية إلاّ أربع آيات ، من قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) إلى آخر الأربع آيات ، فإنّها نزلت بالمدينة » (٣).

__________________

(١) التحفة الإثنا عشرية : ٢٠٥.

(٢) تفسير القرطبي ١٦ / ١.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٥٠٧.

١٥٩

وقال الشوكاني : « وروي عن ابن عبّاس وقتادة أنّها مكّيّة إلاّ أربع آيات منها ، أُنزلت بالمدينة : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ... ) » (١).

وقال الآلوسي : « وفي البحر : هي مكّيّة إلاّ أربع آيات من قوله تعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) إلى آخر أربع آيات. وقال مقاتل : فيها مدنيّ ، قوله تعالى : ( ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ ... ). واستثنى بعضهم قوله تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى ) ...

وجوّز أن يكون الإطلاق باعتبار الأغلب » (٢).

وبهذا القدر كفاية.

ووجود آيات مدنيّة في سورة مكية أو بالعكس كثير ، ولا كلام لأحدٍ في ذلك.

وأمّا على الثاني : فالآية دالّة على وجوب مودّة « القربى » أي : أقرباء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والخطاب للمسلمين لا لغيرهم.

أمّا أنّها دالّة على وجوب مودّة « قربى » النبيّ ، فلتبادر هذا المعنى منه ، وقد أذعن بها التبادر غير واحدٍ من الأئمّة ، نذكر منهم :

الكرماني ، صاحب ( الكواكب الدراري في شرح البخاري ) (٣).

والعيني ، صاحب ( عمدة القاري في شرح البخاري ).

قال العيني بشرح حديث طاووس : « وحاصل كلام ابن عبّاس : إنّ جميع قريش أقارب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وليس المراد من الآية بنو هاشم ونحوهم كما يتبادر الذهن إلى قول سعيد بن جبير » (٤).

__________________

(١) فتح القدير ٤ / ٥٢٤.

(٢) روح المعاني ٢٥ / ١٠.

(٣) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري ١٨ / ٨٠.

(٤) عمدة القاري في شرح صحيح البخاري ١٩ / ١٥٧.

١٦٠