نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

اعتراف التفتازاني

ومنهم : سعد الدين التفتازاني (١) المتوفّى سنة ٧٩٣ ، فقد قال في شرح المقاصد (٢) :

« نزلت باتّفاق المفسّرين في علي بن أبي طالب ـ رضي‌الله‌عنه ـ حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته » (٣).

اعتراف القوشجي

ومنهم : القوشجي السمرقندي ، وهو : علاء الدين علي بن محمّد الحنفي ، المتوفّى سنة ٨٧٩.

قال قاضي القضاة الشوكاني بترجمته :

« علي بن محمّد القوشجي. بفتح القاف وسكون الواو وفتح الشين المعجمة بعدها جيم وياء النسبة ، ومعنى هذا اللفظ بالعربية : حافظ البازي ، وكان أبوه من خدّام ملك ما وراء النهر يحفظ البازي.

__________________

(١) قال الحافظ ابن حجر : « الإمام العلاّمة ، عالم بالنحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغيرها ، أخذ عن القطب والعضد ، وتقدّم في الفنون ، واشتهر ذكره وطار صيته ، وانتفع الناس بتصانيفه ، وكان في لسانه لكنة ، وانتهت إليه معرفة العلم بالمشرق » الدرر الكامنة ٤ / ٣٥٠. وكذا قال السيوطي وابن العماد والشوكاني وأضاف : « وبالجملة ، فصاحب الترجمة متفرّد بعلومه في القرن الثامن ، لم يكن له في أهله نظير فيها ، وله من الحظ والشهرة والصيت في أهل عصره فمن بعدهم ما لا يلحق به غيره ، ومصنّفاته قد طارت في حياته إلى جميع البلدان ، وتنافس الناس في تحصيلها ... » البدر الطالع ٢ / ٣٠٣ ، بغية الوعاة : ٣٩١ ، شذرات الذهب ٦ / ٣١٩.

(٢) ذكره صاحب كشف الظنون ٢ / ١٧٨٠ فقال : « المقاصد في علم الكلام ... وله على شرح جامع » ثمّ ذكر بعض الحواشي عليه.

(٣) شرح المقاصد في علم الكلام ٥ / ١٧٠.

٦١

قرأ على علماء سمرقند ثمّ رحل إلى الروم ، وقرأ على القاضي زاده الرومي ثمّ رحل إلى بلاد كرمان فقرأ على علمائها وسود هنالك شرحه للتجريد ... ولمّا قدم قسطنطينيّة أوّل قدمة تلقّاه علماؤها ... وله تصانيف منها شرح التجريد الذي تقدّمت الإشارة إليه وهو شرح عظيم سائر في الأقطار كثير الفوائد ... وهو من مشاهير العلماء » (١).

وذكر شرحه على التجريد في كشف الظنون ، حيث قال تحت عنوان تجريد الكلام :

« وهو كتاب مشهور اعتنى عليه الفحول ، وتكلّموا فيه بالردّ والقبول ، له شروح كثيرة وحواش عليها » إلى أن قال : « ثمّ شرح المولى المحقّق علاء الدين علي بن محمّد الشهير بقوشجي ـ المتوفّى سنة ٨٧٩ ـ شرحاً لطيفاً ممزوجاً ... وقد اشتهر هذا الشرح بالشرح الجديد » ، ثمّ ذكر كلامه في ديباجته ، ثمّ قال : « وإنّما أوردته ليعلم قدر المتن والماتن ، وفضل الشرح والشارح » ، ثمّ ذكر الحواشي على هذا الشرح الجديد ، بما يطول ذكره ، فراجع (٢).

وهذه عبارة القوشجي في نزول الآية المباركة :

وبيان دلالتها على الإمامة لأمير المؤمنين :

« بيان ذلك : إنّها نزلت باتّفاق المفسّرين في حقّ علي بن أبي طالب حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته ... » ثمّ إنّه ـ وإن حاول المناقشة في الاستدلال ـ لم ينكر اتّفاق المفسّرين على نزولها في الإمام عليه‌السلام ، فراجع (٣).

__________________

(١) البدر الطالع ١ / ٤٩٥ ـ ٤٩٦.

(٢) كشف الظنون ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٠.

(٣) شرح تجريد الاعتقاد : ٣٦٨.

٦٢

هذا ، ومن ناحيةٍ أُخرى ، فقد نصّ الشهاب الآلوسي على أنّ هذا القول « عليه غالب الأخباريين » (٣).

فإذا كان هذا القول « عليه إجماع المفسّرين » و « غالب الأخباريين » ـ بغضّ النظر عن صحّة غير واحد من أسانيد الخبر ، حتّى أنّ مثل ابن كثير قد اعترف بقوّة بعضٍ وسكت عن القدح في بعض ما أورد منها ـ فأيّ وقع لإنكار مثل الدهلوي الهندي؟! فضلاً عن تكذيب مثل ابن تيميّة لأصل الخبر ، ودعوى أنّ جمهور الامّة لم تسمع هذا الخبر؟! وأنّه أجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع.

وبهذا يظهر سقوط التمسّك بمخالفة مثل عكرمة الخارجي ـ على فرض صحة النّسبة ـ مع ما سيأتي في ترجمة هذا الرجل في آية المباهلة.

وأيضاً : لا قيمة لنقل مثل النقّاش ، مضافاً إلى تكلّمهم فيه وفي تفسيره ، كما لا يخفى على المطّلع الخبير!!

٢ ـ إنّ القول بنزولها في حق علي للثعلبي فقط وهو متفرّد به

والجواب : إنّ هذا لا يصدر إلاّمن متعصّب شقي أو جاهل غبي ، وهو عبدالعزيز الدهلوي ، الملقّب عندهم بـ « علاّمة الهند »!! فإنّ لهذا الرجل في هذا المقطع من كلامه كذبات ، منها :

١ ـ إنّ هذا القول للثعلبي فقط وهو متفرّد به. فإنّ الثعلبي وفاته سنة (٤٢٧) وقد روى الخبر قبله عدد كبير من الأئمّة ، ذكرنا أسمائهم في الفصل الأوّل ، بل عليه إجماع المفسّرين كما عرفت.

٢ ـ إن المحدّثين يلقّبونه بحاطب ليل. فإنّ المحدّثين لا يلقّبونه بهذا

__________________

(١) روح المعاني ٦ / ١٦٨.

٦٣

اللّقب ، بل الذي لقّبه بذلك هو ابن تيميّة في منهاج السنّة ، عند إنكار فضائل علي وأهل البيت عليهم‌السلام.

٣ ـ أكثر روايات الثعلبي في التفسير عن الكلبي عن أبي صالح ، وهي أوهى ما يروى في التفسير عندهم. فقد حقّقنا في بعض بحوثنا أنّ روايات الكلبي في التفسير مخرَّجة في غير واحدٍ من الصّحاح ، وأنّ رواياتهم عن الكلبي عن أبي صالح موجودة بكثرةٍ في الكتب المعروفة المشتهرة ، وليست أوهى ما يروى في التفسير عند جمهور علمائهم.

وبعد ، فإنّ رواية الثعلبي نزول الآية المباركة في حقّ أمير المؤمنين عليه‌السلام المتقدمة في الفصل الأول ، ليست لا عن الكلبي عن أبي صالح ، ولا عن السدّي الكبير أو الصّغير!!

هذا ، وأمّا وجود الرّطب واليابس في تفسير الثعلبي فأمر ثابت ، وكذلك سائر تفاسير القوم وأسفارهم الحديثية ، حتى الملقّبة عندهم بالصحاح ...

وهذه جملة من مصادر ترجمة الثعلبي والثناء عليه ، أذكرها لتراجع : وفيات الأعيان ١ / ٧٩ ، معجم الأدباء ٢ / ١٩ ـ ٢٠ ، تذكرة الحفاظ ٣ / ١٠٩٠ ، المختصر في أخبار البشر ٢ / ١٦٠ ، الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٧ ، مرآة الجنان ٣ / ٣٦ ، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٤ / ٥٨ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٦ ، النجوم الزاهرة ٤ / ٢٨٥ ، طبقات المفسّرين ١ / ٦٦ رقم ٥٩.

وأكتفي بنقل كلام القاضي ابن خلّكان ـ الذي اعتمده في ترجمة الكلبي ـ فإنّه قال : « كان أوحد زمانه في علم التفسير ، وصنّف التفسير الكبير الذي فاق غيره من التفاسير ، وله كتاب العرائس ... وقال أبو القاسم القشيري : رأيت ربّ العزّة عزّوجلّ في المنام وهو يخاطبني واخاطبه ، فكان في أثناء ذلك أن قال الرب تعالى اسمه : أقبل الرجل الصالح ، فالتفتُ فإذا أحمد الثعلبي مقبل. وذكره عبدالغافر بن إسماعيل الفارسي في كتاب سياق تاريخ نيسابور وأثنى

٦٤

عليه وقال : هو صحيح النقل موثوق به ، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ ، توفّي سنة ٤٢٧. وقال غيره : سنة ٤٣٧ » (١).

فهذه ترجمته عند القاضي ابن خلكان ، ولا تجد فيها إلاّ المدح والثناء ، وحتّى من الله جلّ جلاله!

وقد جاءت هذه الكلمات وأمثالها في حقّ الرجل في سائر التراجم ، لكنّا اكتفينا بكلام القاضي ابن خلّكان إلزاماً واحتجاجاً على الدهلوي الذي استند إلى كلامه بترجمة الكلبي.

٣ ـ المراد من الولاية فيها هو النصرة بقرينة السّياق

ادّعاه القاضي المعتزلي وتبعه من الأشاعرة ابن روزبهان والرازي وغيرهما.

والجواب : إنّه قد أقمنا الأدلّة المتقنة والبراهين الصّادقة على أنّ لفظة « وليّكم » في حديث : « علي منّي وأنا من علي وهو وليّكم من بعدي » الذي هو من أصحّ الأخبار وأثبتها ، هي بمعنى « الأولى بكم » ، فكذلك هذه اللفظة في الآية المباركة ، بل ذلك هنا أوضح وأولى ، لعطف « الولي » و « النبيّ » على ذات الباري تعالى ، ومن المعلوم أنّ الولاية الثابتة له عزّوجلّ هي الولاية العامة المطلقة.

وأمّا السّياق ، فإنّه لا يقاوم النصّ ، على ما تقرّر عند العلماء المحقّقين ، فاستدلال بعضهم كالفخر الرازي به مردود هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّه قد فصل بين الآية والآية التي يزعمون وحدة السياق معها آيات اخرى ، فلا سياق أصلاً ، فراجع.

__________________

(١) وفيات الأعيان ١ / ٦١.

٦٥

٤ ـ مجي الآية بصيغة الجمع ، وحملها على الواحد مجاز

ذكره القاضي عبد الجبّار وتبعه غيره كالرازي وأضاف : إنّه تعالى ذكر المؤمنين الموصوفين في هذه الآية بصيغة الجمع في سبعة مواضع : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وحمل ألفاظ الجمع وإن جاز على الواحد على سبيل التعظيم لكنّه مجاز لا حقيقة ، والأصل حمل الكلام على الحقيقة.

والجواب : إنّ مقتضى النصّ الصحيح ، القائم عليه الإجماع من المفسّرين وغيرهم ، وهو المتّفق عليه بين الطرفين ، هو حمل الصّيغة هذه على الواحد المعيّن ، وهو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولكنْ لا بدّ لإتيان الآية بصيغة الجمع من نكتة.

قال الزمخشري : « فإنْ قلت : كيف صحّ أن يكون لعليّ رضي‌الله‌عنه ـ واللفظ لفظ جماعة؟

قلت : جيء به على لفظ الجمع وإنْ كان السبب فيه رجلاً واحداً ، ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أنْ تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء ، حتّى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها » (١).

واختار بعض المفسرين من أصحابنا كالطبرسي صاحب ( مجمع البيان في تفسير القرآن ) (٢) أنّ النكتة هي التعظيم ، وهو ما أشار إليه الرازي في كلامه المذكور.

__________________

(١) الكشّاف ١ / ٦٤٩.

(٢) مجمع البيان ٣ / ٢١١.

٦٦

والسيّد شرف الدين العاملي ذهب إلى أنّ النكتة هي أنّه لو جاءت الآية بلفظ المفرد ، فإنّ شانئي علي وأهل البيت وسائر المنافقين لا يطيقون أن يسمعوها كذلك ، وإذْ لا يمكنهم حينئذٍ التمويه والتضليل ، فيؤدّي ذلك إلى التلاعب بألفاظ القرآن وتحريف كلماته أو نحو ذلك ممّا يخشى عواقبه على الإسلام (١).

هذا ، وقد ذكر صاحب الغدير طاب ثراه طائفةً من الآيات الواردة بصيغة الجمع والمقصود بها الآحاد ، استناداً إلى تفاسير القوم وأحاديثهم ، فراجع (٢).

٥ ـ الولاية بمعنى الأولويّة بالتصرّف غير مرادة في زمان الخطاب

وهذا ما ذكره القاضي المعتزلي ، وأخذه غير واحد من الأشاعرة ، كالدهلوي والآلوسي والتفتازاني ، فليكن المراد بعد عثمان.

وقد أجاب عنه السيّد المرتضى وغيره من أعلام الطائفة. قال شيخ الطائفة : « إنّا قد بيّنا أنّ المراد بلفظ « ولي » فرض الطاعة والإستحقاق للتصرّف بالأمر والنهي ، وهذا ثابت له في الحال ، وإذا كان المراد به الحال ، فليس بمقصورٍ عليها ، وإنّما يقتضي الحال وما بعدها من سائر الأحوال ، وإذا كان الأمر على ذلك فنحن نخرج حال حياة النبيّ بدلالة الإجماع ، وتبقى سائر الأحوال على موجب الآية ، وليس هناك دليل يخرج أيضاً ما بعد النبيّ عليه وآله الصلاة والسلام ويردّه إلى ما بعد عثمان ، ولأنّ كلّ من أثبت بهذه الآية الإمامة أثبتها بعد وفاة النبيّ بلا فصل ، ولم يقل في الامّة أحد إنّ المراد بالآية

__________________

(١) المراجعات : ٢٦٣.

(٢) الغدير ٦ / ٢٣١ ـ ٢٣٨. الطبعة الحديثة المحقّقة.

٦٧

الإمامة وأثبتها بعد عثمان » (١).

٦ ـ إنّ التصدق في أثناء الصّلاة ينافي الصلاة

وهذا أيضاً ذكره القاضي المعتزلي وتبعه عليه القوم.

إلاّ أنّ الآلوسي أجاب عن هذه الشبهة بقوله : « بلغني أنّه قيل لابن الجوزي : كيف تصدّق علي بالخاتم وهو في الصلاة ... فأنشأ يقول :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته

عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعه سكره حتّى تمكّن من

فعل الصحّاة فهذا واحد الناس » (٢)

وقد سبق إلى الاستشهاد بالبيتين : السيّد الشهيد التستري في ( إحقاق الحق ) (٣) ونسبهما إلى بعض الأصحاب. والله العالم.

أقول :

هذه عمدة شبهاتهم في المقام ، والعمدة في الجواب عنها هو النصُّ الصحيح المقبول بين الطّرفين ، فلا مجال بعده لتلك الشبهات ، ولا لغيرها ، من قبيل احتمال حمل « الواو » في ( وَهُمْ راكِعُونَ ) على العطف ، أو احتمال حمل « الركوع » على « الخضوع » أو دعوى أن « الزكاة » إنّما تقال للزكاة الواجبة ، والذي فعله أمير المؤمنين كان نفلاً ، أو دعوى أنّ لازم الاستدلال بالآية عن طريق إفادتها الحصر على بطلان إمامة من تقدّمه ، هو بطلان إمامة الأئمّة من ولده ، فإنّها جهل أو تجاهل من مدّعيها ، لأنّه لا يقول بإمامة أئمّة العترة على كلّ

__________________

(١) تلخيص الشافي ٢ / ٤٤ ـ ٤٥.

(٢) روح المعاني ٦ / ١٦٩.

(٣) إحقاق الحق وإزهاق الباطل ٢ / ١٤ مع اختلاف قليل في اللفظ.

٦٨

تقدير ، أمّا الإماميّة ، فإنّهم يبطلون إمامة من تقدّم على أمير المؤمنين بهذه الآية ، ولهم أدلّتهم على إمامة سائر الأئمّة من الكتاب والسنّة وغيرهما ، على أن البحث هو بين إمامة علي وإمامة أبي بكر ، وإمامة الأئمّة بعد علي فرع على إمامته ، كما أنّ إمامة عمر وعثمان ومعاوية ويزيد ... تتفرّع على إمامة أبي بكر ، فإذا ثبتت إمامة علي من الآية ، ثبتت الإمامة في ولده ، وبطلت إمامة أبي بكر وكل إمامة متفرّعة على إمامته.

والحقيقة ـ كما ذكرنا من قبل ـ إنّ هذه الآية ونزولها في هذه القضيّة ، من أقوى الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولذا فقد اضطرب القوم تجاهها ، واختلفت كلماتهم في ردّ الاستدلال بها ، وبذلوا أقصى جهودهم في الجواب ، ولكنّهم لم يُفلحوا فازدادوا بعداً عن نهج الحق وطريق الصواب ، فلا الآية يمكن تكذيبها ، ولا الحديث الوارد في تفسيرها ... والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله عليه سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

٦٩
٧٠

آية التطهير

٧١
٧٢

قوله تعالى

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

وهذه آية التطهير.

وقد استدلّ بها أصحابنا ـ تبعاً لأئمّة العترة الطاهرة ـ على عصمة « ( أَهْلَ الْبَيْتِ ) » ومن ثمّ فهي من أدلّة إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة الطاهرين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد كابر بشأنها الخوارج ، والنواصب ، والمخالفون لـ « أهل البيت » منذ اليوم الأوّل ، وإلى يومنا هذا ... ولذا كانت هذه الآية موضع البحث والتحقيق ، والأخذ والردّ ، وكُتبت حولها الكتب والدراسات الكثيرة (٢).

ونحن نذكر وجه الاستدلال ، ولينظر الناظرون هل هو ضمن دائرة التمسّك بالكتاب والسنّة .. أو لا؟!

وهذه هي الأقوال في المسألة نقلاً عن أحد المتعصّبين ضدّ الشيعة الإمامية :

« وفي المراد بأهل البيت هاهنا ثلاثة أقوال : أحدهما : أنّهم نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنّهنّ في بيته. رواه

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) ولنا فيها كتاب ردّاً على كتيب للدكتور علي أحمد السالوس ، أسماه : « آية التطهير بين امّهات المؤمنين وأهل الكساء » صدر بعنوان « مع الدكتور السالوس في آية التطهير » وهناك التفصيل الأكثر.

٧٣

سعيد بن جبير عن ابن عبّاس. وبه قال عكرمة وابن السائب ومقاتل. ويؤكّد هذا القول أنّ ما قبله وما بعده متعلّق بأزواج رسول الله صلى عليه وسلّم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض ، وهو : إنّ جمع المؤنّث بالنون فكيف قيل ( عنكم ) و ( يطهّركم )؟ فالجواب : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهنّ فغلّب المذكَّر.

والثاني : إنّه خاصّ في : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليّ ، وفاطمة ، والحسن والحسين. قاله أبو سعيد الخدري ، وروي عن : أنس وعائشة وأُم سلمة نحو ذلك.

والثالث : إنّهم أهل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأزواجه ، قاله الضحاك » (١).

فهذه عبارة الحافظ ابن الجوزي.

. فالقائل باختصاص الآية بالرسول وبضعته ووصيّه وسبطيه عليهم الصلاة والسلام ، هم جماعة من الصحابة ، وعلى رأسهم : أُم سلمة وعائشة ...

من زوجاته ...

وعلى رأس القائلين بكونها خاصة بالأزواج : عكرمة البربري ... لِما سيأتي من أنّ ابن عبّاس من القائلين بالقول الثاني.

أمّا القول الثالث فلم يحكه إلاّعن الضحاك!

فمن هُم « أصحاب الآراء الصحيحة »؟! ومن هم « أصحاب البدع والأهواء »؟!

ولماذا أعرض الّذين ادعوا أنّهم « كانوا تابعين لما تدلّ عليه معاني القرآن

__________________

(١) زاد المسير في علم التفسير ـ للحافظ ابن الجوزي ، المتوفّى سنة ٥٩٧ ـ ٦ / ٣٨١ ـ ٣٨٢.

٧٤

الكريم ، موضّحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأُمة وعلماؤها ، وكما فسّرها الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان » عن قول أُمّ سلمة وعائشة وجماعةٍ من كبار الصحابة ومشاهيرهم ـ كما سيجيء ـ وأخذوا بقول « عكرمة » الذي ستعرفه ، وأمثاله؟!

وأمّا تفصيل المطلب ، ففي فصول :

٧٥

الفصل الأوّل

في تعيين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولاً وفعلاً

المراد من « أهل البيت »

فقد أخرج جماعة من كبار الأئمّة والحفّاظ والأئمّة حديث الكساء ، الصريح في اختصاص الآية المباركة بالرسول وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام ، عن عشراتٍ من الصحابة :

من الصحابة الرواة لحديث الكساء

ونحن نذكر عدّةً منهم فقط :

١ ـ عائشة بنت أبي بكر.

٢ ـ أُم سلمة زوجة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣ ـ عبدالله بن العبّاس.

٤ ـ سعد بن أبي وقّاص.

٥ ـ أبو الدرداء.

٦ ـ أنس بن مالك.

٧ ـ أبو سعيد الخدري.

٨ ـ واثلة بن الأسقع.

٩ ـ جابر بن عبدالله الأنصاري.

١٠ ـ زيد بن أرقم.

٧٦

١١ ـ عمر بن أبي سلمة.

١٢ ـ ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

من الأئمّة الرواة لحديث الكساء

ونكتفي بذِكر أشهر المشاهير منهم :

١ ـ أحمد بن حنبل ، المتوفّى سنة ٢٤١.

٢ ـ عبد بن حميد الكشّي ، المتوفّى سنة ٢٤٩.

٣ ـ مسلم بن الحجّاج ، صاحب الصحيح ، المتوفّى سنة ٢٦١.

٤ ـ أبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي ، المتوفّى سنة ٢٧٧.

٥ ـ أحمد بن عبدالخالق البزّار ، المتوفّى سنة ٢٩٢.

٦ ـ محمّد بن عيسى الترمذي ، المتوفّى سنة ٢٧٩.

٧ ـ أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى سنة ٣٠٣.

٨ ـ أبو عبدالله محمّد بن علي الحكيم الترمذي.

٩ ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى سنة ٣١٠.

١٠ ـ عبدالرّحمن بن محمّد بن إدريس الرازي ، الشهير بابن أبي حاتم ، المتوفّى سنة ٣٢٧.

١١ ـ سليمان بن أحمد الطبراني ، المتوفّى سنة ٣٦٠.

١٢ ـ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، المتوفّى سنة ٤٠٥.

١٣ ـ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصفهاني ، المتوفّى سنة ٤٣٠.

١٤ ـ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، المتوفّى سنة ٤٥٨.

١٥ ـ أبو بكر أحمد بن علي ، المعروف بالخطيب البغدادي ، المتوفّى سنة ٤٦٣.

٧٧

١٦ ـ أبو السعادات المبارك بن محمّد ، المعروف بابن الأثير ، المتوفّى سنة ٦٠٦.

١٧ ـ شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي ، المتوفّى سنة ٧٤٨.

١٨ ـ جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى سنة ٩١١.

من ألفاظ الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها

وهذه نبذة من ألفاظ الحديث بأسانيدها (١) :

ففي المسند : « حدّثنا عبدالله ، حدّثني أبي ، ثنا عبد بن نمير ، قال :

ثنا عبدالملك ـ يعني ابن أبي سليمان ـ ، عن عطاء بن أبي رباح ، قال :

حدّثني من سمع أُم سلمة تذكر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان في بيتها ، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة ، فدخلت بها عليه ، فقال لها : ادعي زوجَكِ وابنيك.

قالت : فجاء عليٌّ والحسين والحسن فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكّان تحته كساء خيبري. قالت : وأنا أُصلّي في الحجرة ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ).

قالت : فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به ، ثمّ أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

__________________

(١) نعم ، هذه نبذة من الروايات ، إذ لم نورد كلّ ما في المسند أو المستدرك أو غيرهما ، بل لم نورد شيئاً من تفسير الطبري وقد أخرجه من أربعة عشر طريقاً ، ولا من كثير من المصادر المعتبرة في التفسير والحديث وتراجم الصحابة وغيرها.

٧٨

قالت : فأدخلت رأسي البيت فقلت : وأنا معكم يا رسول الله؟

قال : إنّكِ إلى خير ، إنّكِ إلى خير.

قال عبدالملك : وحدّثني أبو ليلى عن أُم سلمة مثل حديث عطاء سواء.

قال عبدالملك : وحدّثني داود بن أبي عوف الجحّاف ، عن (١) حوشب ، عن أُمّ سلمة بمثله سواء » (٢).

وفي المسند : « حدّثنا عبدالله ، حدّثني أبي ، ثنا عفّان ، ثنا حمّاد بن سلمة ، قال : ثنا عليّ بن زيد ، عن شهر بن حوشب ، عن أُمّ سلمة : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لفاطمة : ائتيني بزوجِكِ وابنيك ، فجاءت بهم ، فألقى عليهم كساءً فدكيّاً.

قال : ثمّ وضع يده عليهم ثمّ قال : اللهمّ إنّ هؤلاء آل محمّد ، فاجعل صلواتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد ، إنّك حميد مجيد.

قالت أُمّ سلمة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : إنّكِ على خير » (٣).

وفي المسند : « حدّثنا عبدالله ، حدّثني أبي ، ثنا يحيى بن حماد ، ثنا أبو عوانة ، ثنا أبو بلج ، ثنا عمرو بن ميمون ، قال : إنّي لجالس إلى ابن عبّاس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا : يا ابن عبّاس ، إما أن تقوم معنا وإما أن تخلونا هؤلاء.

قال : فقال ابن عبّاس : بل أقوم معكم.

قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى. قال : فاتندوا فتحدثوا ، فلا ندري ما قالوا.

__________________

(١) كذا.

(٢) مسند أحمد ٦ / ٢٩٢.

(٣) مسند أحمد ٦ / ٣٢٣.

٧٩

قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أُفّ وتفّ ، وقعوا في رجلٍ له عشر ، وقعوا في رجل قال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ( فذكر مناقب لعليّ ، منها : ) « وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه فوضعه على عليٍّ وفاطمة وحسن وحسين فقال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١).

وفي صحيح مسلم : « حدّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ومحمّد بن عبدالله بن نمير ـ واللفظ لأبي بكر ـ قالا : حدّثنا محمّد بن بشر ، عن زكريّا ، عن مصعب ابن شيبة ، عن صفية بنت شيبة ، قالت : قالت عائشة : خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم غداةً وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فدخل معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء عليٌّ فأدخله ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).

وفي جامع الأُصول : « ٦٧٠٢ ت ، أُم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت :

إنّ هذه الآية نزلت في بيتي : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) قالت : وأنا جالسة عند الباب فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل البيت؟ فقال : إنّكِ إلى خير ، أنتِ من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قالت : وفي البيت : رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعليُّ وفاطمة وحسن وحسين ، فجلّلهم بكسائه وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً.

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٣٣٠.

(٢) صحيح مسلم ٧ / ١٣٠.

٨٠