نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

الفصل الثاني

محاولات يائسة وأكاذيب مدهشة

ولمّا كانت قضيّة المباهلة ، ونزول الآية المباركة في أهل البيت دون غيرهم ، من أسمى مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام الدالّة على إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد حاول بعض المتكلّمين من مدرسة الخلفاء الإجابة عن ذلك ، كما سنرى بالتفصيل.

لكنْ هناك محاولات بالنسبة إلى أصل الخبر ومتنه ، الأمر الذي يدلّ على إذعان القوم بدلالة الحديث على مذهب الإماميّة ، وبخوعهم بعدم الجدوى فيما يحاولونه من المناقشة فيها ...

وتلك المحاولات هي :

١ ـ الإخفاء والتعتيم على أصل الخبر

فمن القوم من لا يذكر الخبر من أصله!! مع ما فيه من الأدلّة على النبوّة وظهور الدين الإسلامي على سائر الأديان ... أذكر منهم ابن هشام (١) وتبعه ابن سيّد الناس (٢) ، والذهبي (٣) وهذه عبارة الثاني في ذكر الوفود ، وهي ملخّص عبارة الأوّل :

« ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خالد بن الوليد في شهر ربيع

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٥٩٢.

(٢) عيون الأثر في المغازي والسير ٢ / ٢٤٤.

(٣) تاريخ الإسلام ـ المغازي ـ : ٦٩٥.

٢٤١

الآخر أو جُمادى الأوُلى سنة عشر ، إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أنْ يدعوهم إلى الإسلام قبل أنْ يقاتلهم ، ثلاثاً ، فإنّ استجابوا فاقبل منهم وإنْ لم يفعلوا فقاتلهم.

فخرج خالد حتّى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كلّ وجه ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون : أيّها الناس أسلموا تسلموا ، فأسلم الناس ودخلوا في ما دعوا إليه ، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام ، وكتب إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم بذلك.

فكتب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُقْبِل ويُقْبِل معه وفدهم ، فأقبل وأقبل معه وفدهم ، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ... وأمّر عليهم قيس بن الحصين.

فرجعوا إلى قومهم في بقيّة من شوّال أو في ذي القعدة ، فلم يمكثوا إلاّ أربعة أشهر ، حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ».

٢ ـ الإخفاء والتعتيم على حديث المباهلة

وهذا ما حاوله آخرون ، منهم :

* البخاري ـ تحت عنوان : قصة أهل نجران ، من كتاب المغازي ـ :

« حدّثني عبّاس بن الحسين ، حدّثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : جاء العاقب والسيّد ـ صاحبا نجران ـ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، يريدان أن يلاعناه. قال : فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل ، فوالله لئن كان نبيّاً فلاعنّا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا. قالا : إنّا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أمينا ولا تبعث معنا إلاّ أميناً ، فقال : لأبعثنّ معكم رجلاً أميناً حقّ أمين.

٢٤٢

فاستشرف له أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : قُم يا أبا عبيدة بن الجرّاح ، فلمّا قام ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : هذا أمين هذه الأُمّة.

حدّثنا محمّد بن بشّار ، حدّثنا محمّد بن جعفر ، حدّثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة رضي‌الله‌عنه قال : جاء أهل نجران إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقالوا : ابعث لنا رجلاً أميناً. فقال : لأبعثنّ إليكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ ، فاستشرف له الناس ، فبعث أبا عبيدة بن الجراح » (١).

أقول :

قد تقدّم حديث حذيفة بن اليمان ، رواه القاضي الحسكاني بنفس السند ... لكنّ البخاري لم يذكر سبب الملاعنة! ولا نزول الآية المباركة! ولا خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم‌السلام!

ولا يخفى التحريف في روايته ، وعبارته مشوّشة جدّاً ، يقول : « جاء ... يريدان أن يلاعناه فقال أحدهما لصاحبه : لا تفعل » فقد جاءا « يريدان أن يلاعناه » فلا بُدّ وأن حَدَثَ شيء؟ « فقال أحدهما لصاحبه ... » فما الذي حَدَث؟!!

لقد أشار الحافظ ابن حجر في شرحه إلى نزول الآية وخروج النبيّ للملاعنة بأهل البيت عليهم‌السلام ، لكنّها إشارة مقتضبة جدّاً!!

ثمّ قال : « قالا : إنّا نعطيك ما سألتنا » والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يسأل شيئاً ، وإنّما دعاهما إلى الإسلام وما جاء به القرآن ، فأبَيا ، فآذنهم

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ / ٢١٧. ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

٢٤٣

بالحرب ، فطلبا منه الصلح وإعطاء الجزية ، فكتب لهما بذلك وكان الكاتب علي عليه‌السلام.

ثمّ إنّ البخاري ـ بعد أن حذف حديث المباهلة إخفاءً لفضل أهل الكساء ـ وضع فضيلة لأبي عبيدة ، بأنهما قالا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ابعث معنا رجلاً أميناً » فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح ...

لكنْ في غير واحدٍ من الكتب أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل إليهم عليّاً عليه‌السلام ، وهذا ما نبّه عليه الحافظ وحاول رفع التعارض ، فقال : « وقد ذكر ابن إسحاق أنّ النبيّ بعث عليّاً إلى أهل نجران ليأتيه بصدقاتهم وجزيتهم ، وهذه القصّة غير قصّة أبي عبيدة ، لأنّ أبا عبيدة توجّه معهم فقبض مال الصلح ورجع ، وعلي أرسله النبي بعد ذلك يقبض منهم ما استحق عليهم من الجزية ويأخذ ممن أسلم منهم ما وجب عليه من الصدقة. والله أعلم » (١).

قلت :

ولم أجد في روايات القصة إلاّ أنّهما « أقرّا بالجزية » التزما بدفع ما تضمّنه الكتاب الذي كتبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم ، ومن ذلك : ألفا حُلّة « في كلّ رجبٍ ألف ، وفي كلّ صفرٍ ألف » وهذه هي الجزية ، وعليها جرى أبو بكر وعمر ، حتّى جاء عثمان فوضع عنهم بعض ذلك! وكان ممّا كتب : « إنّي قد وضعت عنهم من جزيتهم مائتي حُلّة لوجه الله! » (٢).

ثمّ إنّ رجوعهما إلى قومهما كان في بقيّة من شوّال أو ذي القعدة (٣) فأين

__________________

(١) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ـ ٨ / ٧٧.

(٢) فتوح البلدان : ٧٧.

(٣) عيون الأثر ٢ / ٢٤٤ ، وغيره.

٢٤٤

رجب؟! وأين صفر؟!

فما ذكره الحافظ رفعاً للتعارض ساقط.

ولعلّه من هنا لم تأتِ هذه الجملة في رواية مسلم ، فقد روى الخبر عن أبي إسحاق ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : « جاء أهل نجران إلى رسول صلّى الله عليه وسلّم فقالوا : يا رسول الله! ابعث إلينا رجلاً أميناً ، فقال : لأبعثنّ إليكم رجلاً أميناً ... » (١).

ثمّ إنّه قد تعدّدت أحاديث القوم في « أمانة أبي عبيدة » حتّى أنّهم رووا بلفظ « أمين هذه الأُمّة أبو عبيدة » ، وقد تكلّمنا على هذه الأحاديث من الناحيتين ـ السند والدلالة ـ في موضعه من كتابنا بالتفصيل (٢).

* ابن سعد ، فإنّه ذكر تحت عنوان « وفد نجران » : « كتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهل نجران ، فخرج إليه وفدهم ، أربعة عشر رجلاً من أشرافهم نصارى ، فيهم العاقب وهو عبدالمسيح ... ودعاهم إلى الإسلام ، فأبوا ، وكثر الكلام والحجاج بينهم ، وتلا عليهم القرآن ، وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنْ أنكّرتم ما أقول لكم فهلُمّ أُباهلكم ، فانصرفوا على ذلك.

فغدا عبدالمسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فقال : قد بدا لنا أنْ لا نباهلك ، فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك ، فصالحهم على ...

وأشهد على ذلك شهوداً ، منهم : أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس ، والمغيرة بن شعبة.

فرجعوا إلى بلادهم ، فلم يلبث السيّد والعاقب إلا يسيراً حتّى رجعا إلى

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٣٩.

(٢) راجع : الجزء الحادي عشر ، من الصفحة : ٣١٥ إلى الصفحة ٣٣٨ من كتابنا.

٢٤٥

النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فأسلما ، وأنزلهما دار أبي أيّوب الأنصاري.

وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى قبضه الله ... » (١).

* وقال الطبري ـ في ذكر الوفود في السنة العاشرة ـ : « وفيها قدم وفد العاقب والسيّد من نجران ، فكتب لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب الصلح » (٢).

ثمّ قال في خروج الأمراء والعمّال على الصدقات : « وبعث عليّ بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم ويقدم عليه بجزيتهم » (٣).

* وقال ابن الجوزي : « وفي سنة عشر من الهجرة أيضاً قدم العاقب والسيّد من نجران ، وكتب لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتاب صلح » (٤).

* وقال ابن خلدون : « وفيها قدم وفد نجران النصارى ، في سبعين راكباً ، يقدمهم أميرهم العاقب عبدالمسيح من كندة ، وأُسقفهم أبو حارثة بن بكر بن وائل والسيّد الأيهم ، وجادلوا عن دينهم ، فنزل صدر سورة آل عمران ، وآية المباهلة ، فأبَوا منها ، وفرقوا وسألوا الصلح ، وكتب لهم به على ألف حُلّة في صفر وألف في رجب ، وعلى دروع ورماح وخيل وحمل ثلاثين من كلّ صنف ، وطلبوا أن يبعث معهم والياً يحكم بينهم ، فبعث معهم أبا عبيدة بن الجرّاح ، ثمّ جاء العاقب والسيّد وأسلما » (٥).

__________________

(١) الطبقات الكبرى ١ / ٣٥٧ ـ ٣٥٨.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ١٣٩.

(٣) تاريخ الطبري ٣ / ١٤٧.

(٤) المنتظم في تاريخ الأمم ـ حوادث السنة العاشرة ٤ / ٣.

(٥) تاريخ ابن خلدون ٤ / ٨٣٦ ـ ٨٣٧.

٢٤٦

٣ ـ الإخفاء والتعتيم على اسم عليّ!!

وحاول آخرون منهم أن يكتموا اسم عليّ عليه‌السلام.

* فحذفوا اسمه من الحديث ، كما في الرواية عن جدّ سلمة بن عبديشوع المتقدّمة.

* بل تصرّف بعضهم في حديث مسلم ، وأسقط منه اسم « علي » ، كما سيأتي عن ( البحر المحيط )!!

* والبلاذري عنون في كتابه « صلح نجران » وذكر القصة ، فقال :

« فأنزل الله تعالى : ( ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ * إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ـ إلى قوله : ـ ( الْكاذِبِينَ ) فقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليهما ، ثم دعاهما إلى المباهلة ، وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسين ، فقال أحدهما لصاحبه ، اصعد الجبل ولا تباهله ، فإنّك إنْ باهلته بؤت باللعنة. قال : فما ترى؟ قال : أرى أنْ نعطيه الخراج ولا نباهله ... » (١).

* وابن القيّم اقتصر على رواية جدّ سلمة ، ولم يورد اللفظ الموجود عند مسلم وغيره ، قال : « وروينا عن أبي عبدالله الحاكم ، عن الأصم ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن سلمة بن عبديشوع ، عن أبيه ، عن جده ، قال يونس ـ وكان نصرانيّاً فأسلم ـ : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كتب إلى أهل نجران ... » فحكى القصّة إلى أن قال :

« فلمّا أصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الغد بعد ما أخبرهم الخبر ، أقبل مشتملاً على الحسن والحسين رضي الله عنهما في خميل له وفاطمة

__________________

(١) فتوح البلدان : ٧٥ ـ ٧٦.

٢٤٧

رضي الله عنها تمشي عند ظهره ، للمباهلة ، وله يومئذٍ عدّة نسوة ... » (١).

* وكذا فعل ابن كثير في تاريخه ... (٢).

* واختلف النقل عن الشعبي على أشكال :

أحدها : روايته عن جابر بن عبد الله ، وفيها نزول الآية في عليٍّ وفاطمة والحسنين.

والثاني : روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ!! رواه عنه جماعة ، وعنهم السّيوطي ، وقد تقدّم.

وجاء عند الطبري بعد الخبر عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، وليس فيه ذكر عليٍّ : « حدّثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، قال : فقلت للمغيرة : إنّ الناس يروون في حديث أهل نجران أنّ عليّاً كان معهم!

فقال : أمّا الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أميّة في عليّ ، أو لم يكن في الحديث » (٣).

والثالث : روايته الخبر مع حذف اسم عليٍّ! وإضافة « وناس من أصحابه »!! وهو ما نذكره :

٤ ـ التحريف بحذف اسم عليّ وزيادة « وناس من أصحابه »

وهذا الخبر لم أجده إلاّعند ابن شبّة ، عن الشعبي ، حيث قال :

« حدّثنا أبو الوليد أحمد بن عبد الرحمن القرشي ، قال : حدّثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدّثنا إبراهيم بن محمّد الفزاري ، عن عطاء بن السائب ، عن

__________________

(١) زاد المعاد في هدى خير العباد ٣ / ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) البداية والنهاية ٥ / ٥٣.

(٣) تفسير الطبري ٣ / ٢١١.

٢٤٨

الشعبي ، قال : قدم وفد نجران ، فقالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أخبرنا عن عيسى ... قال : فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وغداً حسن وحسين وفاطمة وناس من أصحابه ، وغدوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا : ما للملاعنة جئناك ، ولكن جئناك لتفرض علينا شيئاً نؤديه إليك ... » (١).

فإذا كان المراد من « وغداً حسن .. » أنّهم خرجوا مع رسول الله ليباهل بهم ، فقد أخرج صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل بيته « ناسا من الصحابة »!!

وإذا كان قد خرج مع النبي « ناسٌ من أصحابه » فلماذا لم يجعل الراوي عليّاً منهم في الأقلّ!!

لكنّ الشعبي ـ إن كانت هذه التحريفات منه لا من الرواة عنه ـ معروف بنزعته الاموية ، ولعلّ في أحد الروايات التي نقلناها سابقاً عن تفسير الطبري إشارة إلى ذلك ... وقد كان الشعبي أمين آل مروان ، وقاضي الكوفة في زمانهم ، وكان نديماً لعبد الملك بن مروان ، مقرّباً إليه ، وكلّ ذلك وغيره مذكور بترجمته في الكتب ، فلتراجع.

٥ ـ التحريف بزيادة « عائشة وحفصة »

وهذا اللفظ وجدته عند الحلبي ، قال : « وفي لفظٍ : أنّهم وادعوه على الغد ، فلمّا أصبح صلّى الله عليه وسلّم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعليّ رضي الله عنهم وقال : اللهمّ هؤلاء أهلي ...

وعن عمر رضي‌الله‌عنه ، أنّه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم : لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ؟ قال صلّى الله عليه وسلّم : آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة.

__________________

(١) تاريخ المدينة المنورة ١ / ٥٨١ ـ ٥٨٢.

٢٤٩

وهذا ـ أي زيادة عائشة وحفصة ـ دل عليه قوله تعالى : ( وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ ) وصالحوه ... » (١).

٦ ـ التحريف بحذف « فاطمة » وزيادة : « أبي بكر وولده وعمر وولده وعثمان وولده »

وهذا لم أجده إلاّعند ابن عساكر ، وبترجمة عثمان بالذات!! من تاريخه ، قال :

« أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إبراهيم ، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي ، أنبأنا أبو الحسن العتيقي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، نا أبو الحسين أحمد بن قاج ، نا محمّد بن جرير الطبري ـ إملاء علينا ـ نا سعيد بن عنبسة الرازي ، نا الهيثم بن عدي ، قال : سمعت جعفر بن محمّد ، عن أبيه في هذه الآية ( تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ). قال : فجاء بأبي بكر وولده ، وبعمر وولده ، وبعثمان وولده ، وبعلي وولده » (٢).

ورواه عنه : السيوطي (٣) والشوكاني (٤) والآلوسي (٥) والمراغي (٦) ساكتين عنه!! نعم قال الآلوسي : « وهذا خلاف ما رواه الجمهور ».

__________________

(١) إنسان العيون ـ السيرة الحلبية ٣ / ٢٣٦.

(٢) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفّان ـ : ١٦٨ / ١٦٩.

(٣) الدرّ المنثور ٢ / ٤٠.

(٤) فتح القدير ١ / ٣٤٨.

(٥) روح المعاني ٣ / ١٩٠.

(٦) تفسير المراغي ٤ / ١٧٥.

٢٥٠

أقول :

كانت تلك محاولات القوم في قبال حديث المباهلة ، وتلاعباتهم في لفظه ... بغضّ النظر عن تعابير بعضهم عن الحديث بـ « قيل » و « روي » ونحو ذلك ممّا يقصد منه الاستهانة به عادةً.

هذا ، والأليق بنا ترك التكلّم على هذه التحريفات ـ زيادةً ونقيصةً ـ لوضوح كونها من أيدٍ أُمويّة ، تحاول كتم المناقب العلويّة ، لعلمهم بدلالتها على مزايا تقتضي الأفضليّة ، كما حاولت في ( حديث الغدير ) و ( حديث المنزلة ) ونحوهما.

وفي ( حديث المباهلة ) أرادوا كتم هذه المزيّة ، ولو بترك ذِكر أصل القضيّة! أو بحذف اسم عليّ أو فاطمة الزكيّة ، ...

ولولا دلالة الحديث على الأفضليّة ـ كما سيأتي ـ لَما زاد بعضهم « عائشة وحفصة » إلى جنب فاطمة!!

بل أراد بعضهم إخراج الحديث عن الدلالة بانحصار هذه المزيّة في أهل البيت عليهم‌السلام ، فوضع على لسان أحدهم ـ وهو الإمام الباقر ، يرويه عنه الإمام الصادق ـ ما يدلّ على كون المشايخ الثلاثة في مرتبة عليٍّ!! وأنّ وُلْدهم في مرتبة وُلده!!

وضعوه على لسان الأئمّة من أهل البيت عليهم‌السلام ليروج على البسطاء من الناس!!

وكم فعلوا من هذا القبيل على لسان أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام وأوّلاًدهم ، في الأبواب المختلفة من التفسير والفقه والفضائل (١)!

__________________

(١) ذكرنا في بعض بحوثنا المنشورة نماذج من ذلك ، ويا حبذا لو تُجمع وتنشر في رسالة مفردة ، والله الموفّق.

٢٥١

إنّ ما رواه ابن عساكر لم يخرجه أحدٌ من أرباب الصحاح والمسانيد والمعاجم ، ولا يُقاوم ـ بحسب قواعد القوم ـ ما أخرجه أحمد ومسلم والترمذي وغيرهم ، ونص الحاكم على تواتره ، وغيره على ثبوته.

بل إنّ هذا الحديث لم يعبأ به حتى مثل ابن تيمية المتشبث بكلّ حشيش!

إن هذا الحديث كذبٌ محضٌ ، باطلٌ سنداً ومتناً ... ولنتكلّم على اثنين من رجاله :

١ ـ سعيد بن عنبسة الرازي

ليس من رجال الصحاح والسنن ونحوها ، وهو كذّاب ، ذكره ابن أبي حاتم فقال : « سعيد بن عنبسة ، أبو عثمان الخزّاز الرازي ... سمع منه أبي ولم يحدّث عنه ، وقال : فيه نظر.

حدّثنا عبدالرحمن ، قال : سمعت علي بن الحسين ، قال : سمعت يحيى بن معين ـ وسُئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال : لا أعرفه.

فقيل : إنّه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان ، فقال : هذا كذّاب.

حدّثنا عبدالرحمن ، قال : سمعت عليّ بن الحسين يقول : سعيد بن عنبسة كذّاب.

سمعت أبي يقول : كان لا يصدق » (١).

٢ ـ الهيثم بن عدي

وقد اتّفقوا على أنّه كذّاب.

__________________

(١) الجرح والتعديل ٤ / ٥٢.

٢٥٢

قال ابن أبي حاتم : « سُئل يحيى بن معين عن الهيثم بن عديّ ، فقال : كوفي وليس بثقة ، كذاب.

سألت أبي عنه ، فقال : متروك الحديث » (١).

وأورده ابن حجر الحافظ في ( لسانه ) فذكر الكلمات فيه :

البخاري : ليس بثقة ، كان يكذب.

يحيى بن معين : ليس بثقة ، كان يكذب.

أبو داود : كذّاب.

النسائي وغيره : متروك الحديث.

ابن المديني : لا أرضاه في شئ.

أبو زرعة : ليس بشئ.

العجلي : كذّاب.

الساجي : كان يكذب.

أحمد : صاحب أخبار وتدليس.

الحاكم والنقاش : حدث عن الثقات بأحاديث منكَرة.

محمود بن غيلان : أسقطه أحمد ويحيى وأبو خيثمة.

ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء.

كذّب الحديث ـ لكون الهيثم فيه ـ جماعة كالطحاوي في « مشكل الحديث » والبيهقي في « السنن » والنقاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات (٢).

__________________

(١) الجرح والتعديل ٩ / ٨٥.

(٢) لسان الميزان ٦ / ٢٠٩.

٢٥٣

أقول :

هَب أنّ ابن عساكر روى هذا الخبر الموضوع في كتابه « تاريخ دمشق » فإنّ هذا الكتاب فيه موضوعات كثيرة ، كما نص عليه ابن تيميّة (٢) وغيره ، فما بال السيوطي ومن تبعه يذكرونه بتفسير القرآن الكريم وبيان المراد من آيةٍ من كلام الله الحكيم؟!!

__________________

(١) منهاج السنّة ٧ / ٤٠.

٢٥٤

الفصل الثالث

في دلالة آية المباهلة على الإمامة

« إعلم أنّ يوم مباهلة النبيّ صلوات الله عليه وآله لنصارى نجران كان يوماً عظيم الشأن ، اشتمل على عدّة آيات وكرامات.

فمن آياته : إنّه كان أوّل مقام فَتَح الله جل جلاله فيه باب المباهلة الفاصلة في هذه الملّة الفاضلة عند جحود حججه وبيّناته.

ومن آياته : إنّه أوّل يوم ظهرت لله جلّ جلاله ولرسوله صلوات الله عليه وآله العزّة ، بإلزام أهل الكتاب من النصارى الذلّة والجزية ، ودخولهم عند حكم نبوّته ومراداته.

ومن آياته : إنّه كان أوّل يوم أحاطت فيه سرادقات القوة الإلهيّة والقدرة النبويّة بمن كان يحتجّ عليه بالمعقول والمنقول والمنكرين لمعجزاته.

ومن آياته : إنّه أوّل يوم أشرقت شموسه بنور التّصديق لمحمّد صلوات الله عليه من جانب الله جل جلاله ، بالتفريق بين أعدائه وأهل ثقاته.

ومن آياته : إنّه يوم أظهر فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخصيص أهل بيته بعلوّ مقاماتهم.

ومن آياته : إنّه يوم كشف الله جل جلاله لعباده أنّ الحسن والحسين عليهما أفضل السلام ، ـ مع ما كانا عليه من صغر السنّ ـ أحقّ بالمباهلة من صحابة رسول الله صلوات الله عليه والمجاهدين في رسالاته.

ومن آياته : إنّه يوم أظهر الله جلّ جلاله فيه أنّ ابنته المعظّمة فاطمة

٢٥٥

صلوات الله عليها أرجح في مقام المباهلة من أتباعه وذوي الصلاح من رجاله وأهل عناياته.

ومن آياته : إنّه يوم أظهر الله جل جلاله فيه أنّ مولانا علي بن أبي طالب نفس رسول الله صلوات الله عليهما ، وأنّه من معدن ذاته وصفاته ، وأنّ مراده من مراداته ، وإن افترقت الصورة فالمعنى واحدٌ في الفضل من سائر جهاته.

ومن آياته : إنّه يومٌ وَسِمَ كلّ من تأخّر عن مقام المباهلة بوَسمٍ يقتضي أنّه دون من قُدِّم عليه في الاحتجاج لله عزّ وجلّ ونشر علاماته.

ومن آياته : إنّه يوم لم يجرِ مثله قبل الإسلام في ما عرفنا من صحيح النقل ورواياته.

ومن آياته : إنه يوم أخرس ألسنة الدعوى ، وعرس في مجلس منطق الفتوى ، بأن أهل المباهلة أكرم على الله جل جلاله من كلّ مَن لم يصلح لِما صلحوا له من المتقرّبين بطاعاته وعباداته.

ومن آياته : إنّ يوم المباهلة يومُ بيانِ برهان الصادقين ، الّذين أمر الله جلّ جلاله باتّباعهم في مقدّس قرآنه وآياته.

ومن آياته : إنّ يوم المباهلة يومٌ شهد الله جلّ جلاله لكلّ واحد من أهل المباهلة بعصمته مدّة حياته.

ومن آياته : إنّ يوم المباهلة أقرب في تصديق صاحب النبوّة والرسالة من التحدّي بالقرآن ، وأظهر في الدلالة ، الّذين تحدّاهم صلوات الله عليه بالقرآن قالوا : ( لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ) (١) ، وإن كان قولهم في مقام البهتان ، ويوم المباهلة ما أقدموا على دعوى الجحود ، للعجز عن مباهلته ، لظهور حجّته وعلاماته.

__________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣١.

٢٥٦

ومن آياته : إنّه يوم أطفأ الله به نار الحرب ، وصان وجوه المسلمين من الجهاد والكرب ، وخلّصهم من هيجان المخاطرة بالنفوس والرؤوس ، وعتقها من رقّ الغزو والبؤس لشرف أهل المباهلة الموصوفين فيها بصفاته.

ومن آياته : إنّ البيان واللسان والجَنان اعترفوا بالعجز عن كمال كراماته » (١).

واستدل علماء الإماميّة بآية المباهلة ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا إليها الإمام عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقط ... على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

* استدلال الإمام الرضا عليه‌السلام

وأمّا وجه دلالة الآية على الإمامة ، فإنّ الإماميّة أخذت ذلك من الإمام أبي الحسن عليّ الرضا عليه‌السلام ، فقد قال الشريف المرتضى الموسوي طاب ثراه :

« حدّثني الشيخ ـ أدام الله عزّه ـ أيضاً ، قال : قال المأمون يوماً للرضا عليه‌السلام :

أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام يدلّ عليها القرآن.

قال : فقال له الرضا عليه‌السلام : فضيلته في المباهلة ، قال الله جلّ جلاله : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ).

فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن والحسين فكانا ابنيه ،

__________________

(١) الإقبال بصالح الأعمال : ٥١٤.

٢٥٧

ودعا فاطمة فكانت ـ في هذا الموضع ـ نساءه ، ودعا أمير المؤمنين فكان نفسه بحكم الله عزّوجلّ.

وقد ثبت أنّه ليس أحد من خلق الله سبحانه أجلّ من رسول الله صلى عليه وآله وسلّم وأفضل ، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله صلى عليه وسلّم بحكم الله عزّوجلّ.

قال : فقال له المأمون : أليس قد ذكر الله الأبناء بلفظ الجمع ، وإنّما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنيه خاصّة ، وذكر النساء بلفظ الجمع ، وإنّما دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته وحدها ، فلِمَ لا جاز أن يذكر الدعاء لمن هو نفسه وبكون المراد نفسه في الحقيقة دون غيره ، فلا يكون لأمير المؤمنين عليه‌السلام ما ذكرت من الفضل؟!

قال : فقال له الرضا عليه‌السلام : ليس بصحيح ما ذكرت ـ يا أمير المؤمنين ـ وذلك أنّ الداعي إنّما يكون داعياً لغيره ، كما يكون الآمر آمراً لغيره ، ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة ، كما لا يكون آمراً لها في الحقيقة ، وإذا لم يدعُ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً في المباهلة إلاّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقد ثبت أنّه نفسه التي عناها تعالى في كتابه ، وجعل حكمه ذلك في تنزيله.

قال : فقال المأمون : إذا ورد الجواب سقط السؤال » (١).

* وقال الشيخ المفيد ـ بعد أن ذكر القصّة ـ : « وفي قصّة أهل نجران بيانٌ عن فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، مع ما فيه من الآية للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعجز الدالّ على نبوّته.

ألا ترى إلى اعتراف النصارى له بالنبوّة ، وقطعه عليه‌السلام على

__________________

(١) الفصول المختارة من العيون والمحاسن : ٣٨.

٢٥٨

امتناعهم من المباهلة ، وعِلمهم بأنّهم لو باهلوه لحلّ بهم العذاب ، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجّة عليهم ، وأنّ الله تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه‌السلام بأنّه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل ، ومساواته للنبيّ عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام ، وأنّ الله جلّ ذكره جعله وزوجته وولديه ـ مع تقارب سنّهما ـ حجّة لنبيّه عليه وآله السلام وبرهاناً على دينه ، ونصّ على الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه ، وأنّ فاطمة عليها‌السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج؟!

وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأُمّة ، ولا قاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه ، وهو لاحق بما تقدّم من مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام الخاصّة به ، على ما ذكرناه » (١).

* وهكذا استدلّ الشريف المرتضى ، حيث قال : « لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دُعي إليها وجعل حضوره حجّة على المخالفين ، واقتضائها تقدّمه على غيره ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز أنْ يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّة فيه إلاّمن هو في غاية الفضل وعلو المنزلة.

وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة ، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسلّم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك ...

ونحن نعلم أنّ قوله ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه هو الدّاعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره ، كما لا يجوز أنْ يأمر نفسه وينهاها ،

__________________

(١) الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ١ / ١٦٩.

٢٥٩

وإذا كان قوله تعالى : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لابدّ أنْ يكون إشارةً إلى غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجب أن يكون إشارةً إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم‌السلام في المباهلة » (١).

* وقال الشيخ الطوسي : « أحد ما يستدلّ به على فضله عليه‌السلام ، قوله تعالى : ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ... ) إلى آخر الآية.

ووجه الدلالة فيها : أنّه قد ثبت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام إلى المباهلة ، وأجمع أهل النقل والتفسير على ذلك ، ولا يجوز أنْ يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّةً إلاّمن هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة ، ونحن نعلم أنّ قوله : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لا يجوز أن يعني بالمدعوّ فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه ، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره ، كما لا يجوز أنْ يأمر نفسه وينهاها.

وإذا كان قوله تعالى : ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) لابدّ أن يكون إشارةً إلى غير الرسول ، وجب أن يكون إشارةً إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولده عليهم‌السلام في المباهلة ... » (٢).

وقال بتفسير الآية : « واستدلّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان أفضل الصحابة من وجهين :

__________________

(١) الشافي في الإمامة ٢ / ٢٥٤.

(٢) تلخيص الشافي ٣ / ٦ ـ ٧.

٢٦٠