نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وعمّا ذكره ـ في الوجه التاسع ـ من « أنّ قوله كلّ قومٍ ، صيغة عموم ... ».

معنى الآية المباركة

وقبل الورود في البحث نتأمّل في معنى الآية الكريمة بالنظر إلى مداليل مفرداتها :

يقول تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ).

أمّا كلمة « إنّما » فتدلٌّ على الحصر ، ولا كلام في هذا ، و « الإنذار » إخبارٌ فيه تخويف كما أنّ التبشير إخبار فيه سرور (١).

وقال القاضي البيضاوي بتفسيرها : ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ) مرسَل للإنذار كغيرك من الرسل ، وما عليك إلاّ الإتيان بما تتّضح به نبوّتك » (٢).

والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة ، ففي بعضها الحصر بالألفاظ المختلفة الدالّة عليه ، كقوله تعالى : ( إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) (٣).

و ( قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ) (٤).

و ( قُلْ إِنَّما أَنَا مُنْذِرٌ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ ) (٥).

و ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ) (٦).

__________________

(١) المفردات في غريب القرآن : ٥٠٨ « نذر ».

(٢) تفسير البيضاوي : ٤٢٨.

(٣) سورة هود ١١ : ١٢.

(٤) سورة الحج ٢٢ : ٤٩.

(٥) سورة ص ٣٨ : ٦٥.

(٦) سورة النازعات ٧٩ : ٤٥.

٣٤١

وكقوله تعالى : ( إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (١).

و ( إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ) (٢).

و ( إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ ) (٣).

وفي بعضها كون « الإنذار » العلة الغائية من إرساله بالكتاب ونزول الوحي عليه ، كقوله تعالى : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ ) (٤).

و ( كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... لِتُنْذِرَ بِهِ ... ) (٥).

و ( ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٦).

و ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٧).

وحتّى في أوّل البعثة خاطبه تعالى بقوله : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ ) (٨) ... ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٩).

لقد دلّت الآيات الكثيرة على أنّ وظيفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس إلا « الإنذار » و « التبشير » ، وكلاهما « إخبارٌ » غير أنّ الأوّل « فيه تخويف » والثاني « فيه سرور » ، وكانت وظيفته « الإخبار » فقط ، أي : « الإبلاغ » ، وهذا اللفظ جاءت به الآيات الكثيرة أيضاً ، مع الدلالة على الحصر

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ : ١٨٨.

(٢) سورة فاطر ٣٥ : ٢٣.

(٣) سورة سبأ ٣٤ : ٤٦.

(٤) سورة الأنعام ٦ : ١٩.

(٥) سورة الأعراف ٧ : ٢.

(٦) سورة الفرقان ٢٥ : ٥٦.

(٧) سورة الأحزاب ٣٣ : ٤٥.

(٨) سورة المدّثّر ٧٤ : ١ و ٢.

(٩) سورة الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

٣٤٢

كذلك ، كقوله تعالى : ( وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ) (١).

و ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (٢).

و ( فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) (٣).

وهكذا غيرها من الآيات.

وأمّا قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) ، فمن جَعَلَ « الهادي » هو « رسول الله » صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جعل « الواو » عاطفةً ، فيكون ( هادٍ ) عطفاً على ( مُنْذِرٌ ) و ( لِكُلِّ قَوْمٍ ) متعلق بـ ( هادٍ ).

أو يكون ( هادٍ ) خبراً لمبتدأ مقدَّر ، أي : وأنتَ هاد.

لكنْ يردّ الأوّل : بأنّه يستلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالجار والمجرور ، وهو غير جائز عند المحقّقين من النحويّين.

ويردّ الثاني : بأنّه مستلزم للتقدير ، ومن الواضح أنّه خلاف الأصل.

على أنّ القول بأنّ « الهادي » في الآية هو « رسول الله » نفسه ، إغفالٌ للحديث الصحيح الوارد بتفسيرها ، الصريح في أنّه عليٌّ عليه‌السلام ، وبه يجاب عن قول مَن فسّر الآية برأيه ، فجعل « الهادي » هو « الله » أو « العمل » أو غير ذلك ، وهي تفاسير باطلة لم يوافق عليها حتى ابن تيميّة والآلوسي.

وعلى ما ذكرنا تكون « الواو » استئنافيةً.

فيكون معنى الآية : كون النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منذراً ، ولكلّ قوم هادٍ إلى ما جاء به النبيّ ، وهو « عليٌّ » عليه‌السلام ، الذي حفظ ونشر ما جاء به النبيّ ، ودعا إلى الأخذ والعمل به ، فكان عليه‌السلام الهادي بقوله

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٩٩.

(٢) سورة النحل ١٦ : ٣٥.

(٣) سورة المائدة : ٥ : ٩٢.

٣٤٣

وفعله إلى الله والإسلام بعد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام.

و « الهداية » هي : « إراءة الطريق » و « الدلالة » عليه (١) ، وقال ابن فارس :

« هدي ـ الهاء والدال والحرف المعتلّ ـ : أصلاًن : أحدهما التقدّم للإرشاد ، والآخر : بعثة لطف ، فالأوّل قولهم : هديتهُ الطريق هدايةً ، أي : تقدّمته لأُرشده ، وكلّ متقدّم لذلك هاد ، قال :

إذا كان هادي الفتى في البلا

د صدرَ القناة أطاعَ الأميرا

وينشعب هذا فيقال : الهُدى ، خلاف الضلالة ...

والأصل الآخر : الهَدِيّة ... » (٢).

أقول :

فإذا كان هذا معنى الآية المباركة ، ورجعنا إلى الأحاديث الواردة في تفسيرها ووجدنا فيها :

١ ـ المقابلة بين النبيّ وبين أمير المؤمنين ، بأنّه منذرٌ وعليٌّ الهادي.

٢ ـ والحصر المستفاد من كلمة « أنت الهادي » و « الهادي عليّ ».

٣ ـ والحصر المستفاد من تقديم الظرف في « بك يهتدي المهتدون ».

٤ ـ والحصر المستفاد من الإيماء إلى صدره أو الضرب على منكبه.

٥ ـ وكلمة « بعدي » الظاهرة في المباشرة.

كانت الآية ـ بمعونة الأحاديث المشتملة على ما ذكرنا ـ دالّةً على أنّ سبحانه جعل وظيفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الإنذار » ، وكان وظيفة عليٍّ عليه‌السلام من بعده : إرشاد الأُمّة ودلالتها على الطريق الصحيح المؤدّي

__________________

(١) المفردات في غريب القرآن : ٥٣٨.

(٢) معجم مقاييس اللغة ٦ / ٤٢.

٣٤٤

إلى ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيكون عليه‌السلام الإمام المرشد للأُمّة ، القائم مقام النبيّ ، والمقتدى من بعده.

وهذه هي حقيقة الإمامة والخلافة.

هذا ، وقد فهم غير واحدٍ من علماء القوم كابن تيميّة وابن روزبهان والآلوسي ، دلالة الحديث على وجوب الإقتداء بأمير المؤمنين عليه‌السلام بعد الرسول ، وذلك قول الله عزّ وجلّ : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (١).

نعم ، فهموا ذلك ، وإلاّ لَما عارضوه بحديث : « أصحابي كالنجوم فبأيّهم اقتديتم اهتديتم » وحديث : « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر » لكنّهما باطلان ، فلو كانا صحيحين سنداً ودلالةً لكان لذلك وجه ، كما تمسّك بعض المتقوّلين بما في منهاج السنّة عن علي عليه‌السلام أنّه قال : « لا أُوتينّ بأحد يفضّلني على أبي بكر إلاّجلدته حدّ المفتري »!!

المؤكّدات في ألفاظ الحديث

ثم إنّ في ألفاظ الحديث الوارد بتفسير الآية المباركة مؤكّدات عديدة لدلالتها على وجوب اتّباع أمير المؤمنين والاقتداء به وإمامته بعد الرسول :

١ ـ كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سمع ليلة أسري به : « يا محمّد! إنّما أنت منذر ولكل قوم هاد. قلت : أنا المنذر ، فمن الهادي؟ قال : عليّ الهادي المهتدي ، القائد أُمتك إلى جنّتي غرّاً محجّلين برحمتي ».

ففيه : وصف الإمام عليه‌السلام بعد « الهادي المهتدي » بـ « القائد أمتك ... » مع مجيء اللام في « القائد » الدالّة على الحصر.

__________________

(١) سورة يونس ١٠ : ٣٥.

٣٤٥

٢ ـ وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له فيه : « إنّك منار الأنام ، وراية الهدى ، وأمين القرآن ، أشهد على ذلك أنّك كذلك ».

فجعله عليه‌السلام : « منار الأنام ، وراية الهدى ، وأمين القرآن » ثمّ شهد له بذلك!!

٣ ـ وقول الزرقاء الكوفية لمعاوية حين استشهدت بالآية المباركة ، قالت : « المنذر رسول الله ، والهادي عليٌّ وليّ الله ».

أحاديث أخرى

ولقد أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : « بك يا عليّ يهتدي المهتدون من بعدي » إلى أن في أمته من بعده « مهتدين » و « ضالّين » ... فأناط « الهداية » و « الضلالة » به إلى يوم القيامة ، فكان كالراية التي تنصب على الطريق ، من اهتدى بها وصل ، ومن خالفها أو أعرض عنها ضلّ ، فالمهتدون هم المحبّون المطيعون المتّبعون له ، والضالّون هم المخالفون المبغضون له ...

ومن هنا وصفه عليه‌السلام بـ « راية الهدىُ ».

عليٌّ راية الهدى

ففي رواية الحاكم الحسكاني والحاكم أبي عبدوالحافظ أبي نعيم ، عن أبي برزة : « إنّك منار الأنام ، وراية الهدى ، وأمين القرآن ».

وروى الحافظ أبو نعيم بسنده ، عن أبي برزة أيضاً : « إنّ عليّاً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني » (١).

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٦ ، وانظر : تاريخ بغداد ١٤ / ٩٨ ، تاريخ دمشق ٣٣٠٤٢ ح ٨٨٩٢ ـ الطبعة الحديثة ـ ، نظم درر السمطين : ١٤٤ ، وغيرها.

٣٤٦

ولقوّة هذا الحديث في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، تكلّم بعض القوم في سنده بتحكّم ، ففي لسان الميزان بترجمة « عبّاد بن سعيد الجعفي » بعد ذِكره : « فهذا باطل ، والسند إليه ظلمات » (١) وبترجمة « لاهز أبو عمرو التيمي » حكى عن ابن عديّ أنّه يحدّث عن الثقات بالمناكير ، فذكر الحديث قائلاً : « وهذا باطل. قاله ابن عديّ » ثمّ قال : « قلت : إي والله من أكبر الموضوعات ، وعليٌّ فلعن الله من لا يحبّه » (٢).

وأنت ترى أنّه ردٌّ لمناقب أمير المؤمنين بلا دليل!

نعم ، في الموضع الثاني دليله هو اليمين الفاجرة!! وما أقواه من دليل!!

وممّا يدل على تحكّم القوم في المقام : أنّ ابن عديّ يقول عن « لاهز » : « يحدّث عن الثقات بالمناكير » والحال أنّ الخطيب البغدادي يقول : « لم أرَ للاهز ابن عبدالله غير هذا الحديث ، فأين « يحدث عن الثقات بالمناكير »؟!

ولمّا كان الخطيب يريد الطعن في الحديث ، ولا دليل عنده ، يقول : « حدّثني أحمد بن محمّد المستملي ، أخبرنا محمّد بن جعفر الورّاق ، قال : أخبرنا أبو الفتح محمّد بن الحسين الأزدي الحافظ ، قال : لاهز بن عبدالله التيمي البغدادي غير ثقة ، ولا مأمون ، وهو أيضاً مجهول » (٣).

أقول :

إنْ كان الدليل قول الأزدي فالأمر سهل ، فقد نصوا على أنّ الأزدي نفسه ضعيف ، ولا يُلتفت إلى قوله في الرجال :

__________________

(١) لسان الميزان ٣ / ٢٢٩.

(٢) لسان الميزان ٦ / ٢٣٧.

(٣) تاريخ بغداد ١٤ / ٩٩.

٣٤٧

قال الذهبي : « لا يُلتفت إلى قول الأزدي ، فإنّ في لسانه في الجرح رهقاً » (١).

وقال الحافظ ابن حجر : « قدّمتُ غير مرّة : أنّ الأزدي لا يُعتبر تجريحه ، لضعفه هو » (٢).

هذا ، وتؤيّد هذا الحديث وتشهد بصحّته أحاديث :

كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث ـ : « إن تؤمروا عليّاً ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هاديا مهديا ، يأخذ بكم الطريق المستقيم » (٣).

وقوله : « من أراد أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة « قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد » (٤).

وقوله : « إنّ عليّاً مدينة هدى ، فمن دخلها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك » (٥).

عليٌّ العَلَم

وكما وصفه بـ « راية الهدى » فقد وصفه بـ « العَلَم » :

أخرج الحافظ ابن عساكر بترجمته عليه‌السلام : « أخبرنا أبو القاسم علي ابن إبراهيم النسيب ، أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب ، أخبرني أبو الفرج الطناجيري ، أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ ، أنبأنا محمّد بن محمود

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٦٦.

(٢) مقدمة فتح الباري : ٤٣٠.

(٣) مسند أحمد ١ / ١٠٨.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٨.

(٥) ينابيع المودة ١ / ٢٢٠ ح ٣٩ ـ الطبعة الحديثة المحقّقة ـ.

٣٤٨

الأنباري بالبصرة ، أنبأنا محمّد بن القاسم بن هاشم ، أنبأنا أبي ، أنبأنا عبدالصمد بن سعيد أبو عبدالرحمن ، أنبأنا الفضل بن موسى ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، قال : قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لعليٍ : جعلتك عَلَمَاً فيما بيني وبين أُمّتي ، فمن لم يتّبعك فقد كفر ».

ثم قال ابن عساكر : « من بين الفضل والواعظ مجاهيل لا يعرفون » (١).

قلت :

وهذا منه سهوٌ ، إنْ لم يكن تجاهلاً ، كما هي عادتهم في قبال مناقب أمير المؤمنين!! وذلك لأنّ محمّد بن محمود الأنباري ـ وهو شيخ أبي حفص عمر ابن أحمد بن شاهين الواعظ الحافظ ـ مترجم في تاريخ الخطيب ، قال : « محمّد بن محمود الأنباري ، حدّث عن علي بن أحمد النضر الأزدي ، ومحمّد ابن الحسن ابن الفرج الهمذاني ، ومحمّد بن حنيفة بن ماهان الواسطي ، ومحمّد ابن القاسم بن هاشم السمسار ، روى عنه أبو حفص ابن شاهين ، ذكر أنّه سمع منه بالبصرة » (٢).

ومحمّد بن القاسم بن هشام ، هو : أبو بكر السمسار ، ترجم له الخطيب ، قال : « حدث عن أبيه ... وكان ثقة » (٣).

وأبوه : القاسم بن هاشم ، ترجم له الخطيب أيضاً قال : « ... روى عنه ابنه وأبو بكر ابن أبي الدنيا ، ووكيع القاضي ، ويحيى بن صاعد ، وأبو عبيد ابن المؤمل الناقد ، والقاضي المحاملي ، ومحمّد بن مخلد ، وكان صدوقاً » (٤).

__________________

(١) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ / ٤٨٩.

(٢) تاريخ بغداد ٣ / ٢٦١.

(٣) تاريخ بغداد ٣ / ١٨٠.

(٤) تاريخ بغداد ١٢ / ٤٢١.

٣٤٩

وأمّا عبدالصمد بن سعيد ، الراوي عن الفضل بن موسى البصري ، مولى بني هاشم ، المتوفّى سنة ٢٦٤ ، فأظنّه : عبدالصمد بن سعيد الكندي الحمصي ، المتوفّى سنة ٣٢٤ ، ترجم له الذهبي ووصفه بـ « المحدّث الحافظ » (١).

هذا ، وروى الفقيه المحدّث ابن المغازلي الواسطي الشافعي عن أبي محمّد الغندجاني بسنده « عن شعبة بن الحجّاج ، عن أبي التيّاح ، عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أتاني جبريل بدرنوك من درانيك الجنّة فجلست عليه ، فلمّا صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني ، فما علّمني شيئاً إلاّعَلِمه عليٌّ ، فهو باب مدينة علمي.

ثمّ دعاه النبيّ إليه فقال له : يا عليّ! سلمك سلمي ، وحربك حربي ، وأنت العلم ما بيني وبين أُمّتي من بعدي » (٢).

يأخذ بكم الطريق المستقيم

ومن هنا أوصى الأُمّة وأرشدهم إليه بقوله في حديثٍ : « وإنْ تؤمّروا عليّاً ـ ولا أراكم فاعلين ـ تجدوه هادياً مهدياً ، يأخذ بكم الطريق المستقيم » (٣).

وقال ـ في ما رواه السيّد الهمداني عن ابن عبّاس ـ : « وإذا خالفتموه فقد ضلّت بكم الطرق والأهواء في الغيّ » (٤).

بل وصفه بـ « الطريق » في ما روي مسنداً عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس (٥).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٦٦.

(٢) مناقب أمير المؤمنين : ٥٠.

(٣) مسند أحمد ١ / ١٠٨.

(٤) مودّة القربى ، عنه ينابيع المودة ٢٥٠ ط تركيا.

(٥) شواهد التنزيل ١ / ٥٧ ، المناقب ـ ينابيع المودّة : ١٣٣.

٣٥٠

طاعته طاعة رسول الله

ولذا كانت طاعته طاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه لئن أطاعوه ليدخلنّ الجنة ، كما في الحديث :

أخرج الحاكم بسنده عن أبي ذرّ ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، ومن عصى عليّاً فقد عصاني » قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد » ووافقه الذهبي (١).

من فارقه فارق رسول الله

ولذا كان الفاروق بين الحق والباطل ، كما في الحديث المشهور ، وأنّ من فارقه فقد فارق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في الحديث :

أخرج الطبراني في الأوسط ـ وعنه الهيثمي ـ بإسناده عن بريدة ، في قضية بعث عليّ عليه‌السلام أميراً على اليمن عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : « ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟!! من تنقّص عليّاً فقد تنقّصني ، ومن فارق عليّاً فقد فارقني ، إنّ عليّاً منّي وأنا منه ... » (٢).

وأخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذرّ ، قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عليّ! من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا عليّ فقد فارقني » قال الحاكم : « صحيح الإسناد » (٢) وأخرجه البزّار ، وعنه الهيثمي ، وقال :

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢١.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٢٨.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٣.

٣٥١

« رجاله ثقات » (١).

عليٌّ منه بمنزلته من ربّه

ولذا كان عليٌّ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمنزلته من ربّه.

فقد أخرج الحافظ المحبّ الطبري عن ابن عبّاس ، في حديثٍ « قال أبو بكر : ما كنت لأتقدّم رجلاً سمعت رسول الله صلّى الله وسلّم يقول : عليٌّ منّي بمنزلتي من ربّي ، أخرجه ابن السمّان في كتاب الموافقة » (٢).

ورواه الذهبي عن ابن مسعود ، بترجمة محمّد بن داود الرملي ، فقال : « هذا من وضع هذا الجاهل ، رواه أبو عَروبة ، عن مخلد بن مالك السلمسيني عنه » (٣)!

فانظر كيف يردُّ الحديث بلا أيّ دليلٍ ، وإنّما تبعاً لهواه!!

باب حطّة

ولذا كان باب حطّة ، في ما أخرج الحافظ الدارقطني عن ابن عبّاس ، أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « عليٌّ باب حطّة ، مَن دخل فيه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً » (٤).

وأخرجه الحافظ الطبراني في حديثٍ فيه تشبيه أهل بيته بسفينة نوحٍ وبباب حطّة في بني إسرائيل (٥).

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ / ١٣٥.

(٢) ذخائر العقبى : ٦٤.

(٣) ميزان الاعتدال ٣ / ٥٤٠ ، وتبعه ابن حجر في لسانه ٥ / ١٦١.

(٤) الجامع الصغير : ٣٤٦ ح ٥٥٩٢ ، الصواعق المحرقة : ٧٥ ، كنز العمّال ١١ / ٦٠٣ ح ٣٢٩١٠.

(٥) المعجم الصغير ١ / ١٣٩.

٣٥٢

نتيجة البحث

إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصف عليّاً عليه‌السلام بـ « الهادي » و « الراية » و « العلم » وغير ذلك من الأوصاف ممّا ذكرناه وما لم نذكره ، وكلّها تشير إلى معنىً واحد ومقصد فارد ، وهو كونه « القائد » « والمرشد » و « المتبع » ... للأُمّة الإسلامية من بعده ... وهذا هو معنى « الإمامة العامة » و « الولاية المطلقة » و « الخلافة العظمى » ...

ومن هذا الباب وصفه صلّى الله عليه وسلّم بـ « قسيم الجنة والنار » ، وجعله ميزاناً ومعياراً يُعرف به المؤمن من المنافق والكافر ، والحقّ من الباطل في أحاديث كثيرة.

وأيضاً : فقد كان عليه‌السلام حجّة لله تعالى على خلقه ، في حديث أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (١) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ، بأسانيد عن أنس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ولم يتكلّم في سنده إلا في « مطر » راويه عن أنس ، لكنّه من التابعين ، ومن رجال ابن ماجة ، والظاهر من كلماتهم أنّ السبب في ترك حديثه روايته الفضائل عن أنس بن مالك ، فلا جرح في الرجل ، غير أنّ رواياته ليست على هواهم ، ولذا لمّا أورد الذهبي هذا الحديث في ( الميزان ) قال : « هذا باطل ، والمتّهم به مطر ، فإنّ عبيدالله ثقة شيعي ، ولكنّه أثم برواية هذا الإفك » (٣).

فمن هذا الكلام يظهر أنّ « عبيدالله بن موسى العبسي » الراوي عن « مطر »

__________________

(١) تاريخ بغداد ٢ / ٨٨.

(٢) تاريخ دمشق ـ ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

٣٥٣

ثقة ، و « مطر » نفسه لم يُرْمَ بشيء غير أنّ الحديث « باطل »!!

أمّا ابن حجر ، فلم يورد الرجل في لسان الميزان لكونه من رجال بعض الصحاح الستّة.

وعلى الجملة ، فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعرّف أمير المؤمنين بالإمامة من بعده بشتّى الأساليب ، فتارةً يصرح في حقّه بالإمامة والوصاية ونحوهما ، وأُخرى يصفه بالأوصاف المستلزمة لذلك ، وثالثةً يشبّهه بما يفيده بكلّ وضوح ... وهكذا.

وبهذا ظهر معنى الآية الكريمة ، ومدلول الحديث الشريف ، وكيفيّة استدلال أصحابنا بذلك في إثبات الإمامة ...

وتبين الجواب عن التساؤلات المثارة حول الاستدلال ، واندفاع الشبهات المذكورة.

ويبقى الكلام على المعارضات ....

٣٥٤

الفصل الرابع

في الجواب عن المعارضة

وقد عقدنا هذا الفصل للتحقيق حول أحاديث يروونها في فضل أبي بكر ، أو الشيخين ، أو الصحابة قاطبةً ، فحاول بعضهم أن يعارض بها الأحاديث الواردة في الآية المباركة المتقدم بعضها ، ونظائرها.

١ ـ حديثُ الاقتداء بالشيخين

ذكر هذا الحديث في هذا المقام : الآلوسي في تفسيره روح المعاني.

وقد سبقه في الاستدلال به في مباحث الإمامة عدّة من أعلام القوم : كالقاضي عضد الدين الإيجي في المواقف ، وشارحه الشريف الجرجاني في شرح المواقف ، والسعد التفتازاني في شرح المقاصد ، وابن تيميّة في منهاج السنّة ، وابن حجر المكّي في الصواعق المحرقة ، وولي الله الدهلوي في قرّة العينين في تفضيل الشيخين ، وابنه عبدالعزيز صاحب التحفة الإثنا عشرية ، وغيرهم.

كما تجد الإستدلال به في مسألة انعقاد الإجماع بأبي بكر وعمر ، في كثير من كتب علم أصول الفقه ، نذكر منها : المختصر لابن الحاجب وشرحه ، والمنهاج للبيضاوي وشروحه ، ومسلم الثبوت للقاضي البهاري وشرحه ...

هذا ، وقد ظهر لنا ـ لدى التحقيق ـ أنّ الشهاب الالوسي إنّما ينتحل في

٣٥٥

هذه المباحث مطالب عبدالعزيز الدهلوي في كتاب التحفة الاثنا عشريّة (١) ، الذي اختصر ترجمته محمود شكري الآلوسي ، ونشره بعنوان مختصر التحفة الإثني عشرية.

التحقيق في أسانيده

وعلى كلّ حالٍ ، فقد اقتضى استدلال بعضهم بهذا الحديث في هذا المقام لغرض المعارضة ، أن نتكلّم حوله ببعض التفصيل ، ليتبين حاله فلا يعارَض به شيء من أدلّة أصحابنا في مختلف المجالات ، فنقول :

هذا الحديث ممّا أعرض عنه البخاري ومسلم ، ولم يخرجه من أرباب السنن سوى الترمذي وابن ماجة ، وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك ، وما رووه إلاّعن حذيفة وابن مسعود.

* فرووه عن حذيفة بن اليمان ، لكنْ بأسانيد ينتهي جلّها إلى : « عبدالملك بن عمير ، عن ربعي بن حراش ، عن حذيفة » (٢).

* و « عبد الملك بن عمير » رجل مدلّس ، ضعيف جدّاً ، كثير الغلط ، مضطرب الحديث جدّاً ، كما في كتب الرجال :

فقد قال أحمد : « مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته ، ما أرى له خمسمائة حديث وقد غلط في كثير منها ».

وقال إسحاق بن منصور : « ضعّفه أحمد جدّاً » وعن أحمد أيضاً : « ضعيف يغلط ».

__________________

(١) كما ظهر لدى التحقيق أنّ كتاب « التحفة » منتحل من كتاب « الصواقع الموبقة » لنصرالله الكابلي.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٣٨٢ و ٣٨٥ ، صحيح الترمذي ، باب مناقب أبي بكر وعمر ، سنن ابن ماجة ، باب مناقب أبي بكر ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٥.

٣٥٦

وقال ابن معين : « مخلّط ».

وقال أبو حاتم : « ليس بحافظ ، تغيّر حفظه » وقال : « لم يوصف بالحفظ ».

وقال ابن خراش : « كان شعبة لا يرضاه ».

وقال الذهبي : « وأمّا ابن الجوزي ، فذكره فحكى الجرح وما ذكر التوثيق ».

وقال السمعاني وابن حجر : « كان مدلّساً » (١).

ومن مساوئ هذا الرجل : أنّه ذبح رسول الإمام الحسين السبط الشهيد عليه‌السلام إلى أهل الكوفة ، فإنّه لمّا رمي بأمر من ابن زياد من فوق القصر وبقي به رمق ، أتاه عبدالملك بن عمير فذبحه ، فلما عيب عليه ذلك قال : إنّما أردت أن أريحه (٢).

* ثمّ إن « عبدالملك بن عمير » لم يسمع الحديث من « ربعي بن حراش » و « ربعي » لم يسمع من « حذيفة بن اليمان ». ذكر ذلك المناوي حيث قال : « قال ابن حجر : اختلف فيه على عبدالملك ، وأعله أبو حاتم ، وقال البزار كابن حزم : لا يصح ، لأن عبدالملك لم يسمعه من ربعي ، وربعي لم يسمع من حذيفة » (٣).

قلت :

مداره على « سالم بن العلاء المرادي » وقد ضعّفه ابن معين والنسائي

__________________

(١) الأنساب « القبطي » ، تهذيب التهذيب ٦ / ٤١١ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٦٦٠ ، تقريب التهذيب ٦ / ٥٢١ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٤٠٧.

(٢) تلخيص الشافي ٣ / ٥٣ ، روضة الواعظين : ١٧٧ ، مقتل الحسين : ١٨٥.

(٣) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٢ / ٥٦.

٣٥٧

وابن الجارود وابن حزم والذهبي وابن حجر وغيرهم (١).

* وعن عبدالله بن مسعود عند الترمذي والحاكم ، وهو بسندٍ واحدٍ :

عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبي الزعراء ، عن عبدالله بن مسعود (٢).

وإبراهيم ، وأبوه ، وجدّه ، مقدوحون مجروحون جدّاً :

* أمّا « إبراهيم » :

فقد قال الذهبي : « ليّنه أبو زرعة ، وتركه أبو حاتم » (٣).

وحكى ابن حجر ذلك عن ابن أبي حاتم وأقرّه (٤).

وقال العقيلي : « عن مطيّن : كان ابن نمير لا يرضاه ويضعّفه ، وقال : روى أحاديث مناكير » ، قال العقيلي : « ولم يكن إبراهيم هذا بقيّم الحديث » (٥).

* وأمّا « إسماعيل ».

فقد قال الدارقطني والأزدي وغيرهما : « متروك » (٦).

* وأمّا « يحيى بن سلمة » فقد كان أسوأ حالاً منهما :

فقد قال الترمذي يضعّف في الحديث » (٧).

وقال المقدسي : « ضعّفه ابن معين. وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، وقال البخاري : في حديثه مناكير ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال الترمذي :

__________________

(١) ميزان الاعتدال ٢ / ١١٢ ، الكاشف ١ / ٣٤٤ ، تهذيب التهذيب ٣ / ٤٤٠ ، لسان الميزان ٣ / ٧.

(٢) صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ / ٧٥.

(٣) ميزان الاعتدال ١ / ٢٠ ، المغني في الضعفاء ١ / ١٠.

(٤) تهذيب التهذيب ١ / ١٠٦.

(٥) تهذيب التهذيب ١ / ١٠٦.

(٦) ميزان الاعتدال ١ / ٢٥٤ ، المغني في الضعفاء ١ / ٨٩ ، تهذيب التهذيب ١ / ٣٣٦.

(٧) صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٠.

٣٥٨

ضعيف » (١).

وقال الذهبي : « ضعيف » (٢).

وقال ابن حجر : « ذكره ابن حبّان أيضاً في الضعفاء فقال : منكر الحديث جدّاً ، لا يحتجّ به ، وقال النسائي في الكنى : متروك الحديث ، وقال ابن نمير : ليس ممّن يكتب حديثه ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال مرّةً : ضعيف ، وقال العجلي : ضعيف » (٣).

أقول :

هذه عمدة أسانيد هذا الحديث.

وقد روي في بعض الكتب عن غير حذيفة وابن مسعود ، مع التنصيص على ضعفه وسقوطه ، فرواه الهيثمي عن الطبراني ، عن أبي الدرداء ، فقال : « وفيه من لم أعرفهم » (٤).

ورواه الذهبي عن عبدالله بن عمر ونصّ على سقوطه بما لا حاجة إلى نقله ، فراجع (٥).

كلمات الأئمّة في بطلانه

ولهذا ... فقد نصّ كبار الأئمّة الأعلام على سقوط هذا الحديث :

__________________

(١) الكمال في أسماء الرجال ـ مخطوط.

(٢) الكاشف ٣ / ٢٥١.

(٣) تهذيب التهذيب ١١ / ٢٢٥.

(٤) مجمع الزوائد ٩ / ٥٣.

(٥) ميزان الاعتدال ١ / ١٠٥ ، وص ١٤٢ ، ٣ / ٦١٠.

٣٥٩

فقد أعلّه أبو حاتم الرازي ، المتوفّى سنة ٢٧٧ ، كما ذكر المناوي (١) ، وأبو حاتم إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث ، وهو من أقران البخاري ومسلم .. كما ذكروا بترجمته.

وقال الترمذي ـ بعد أنْ أخرجه من حديث ابن مسعود ـ : « هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل ، ويحيى بن سلمة يضعَّف في الحديث » (٢).

وقال الإمام الحافظ الكبير أبو بكر البزّار ، المتوفّى سنة ٢٧٩ : « لا يصح » ، كما ذكر المناوي (٣).

وقال أبو جعفر العقيلي ، المتوفّى سنة ٣٢٢ ، وهو الإمام الكبير في الجرح والتعديل : « حديث منكَر لا أصل له من حديث مالك » (٤).

وقال الحافظ الشهير ابن حزم الأندلسي ، المتوفّى سنة ٤٧٥ : « أمّا الرواية : اقتدوا باللذين من بعدي ... فحديث لا يصحّ .. » (٥).

وقال أيضاً : « ولو أنّنا نستجيز التدليس ... لاحتججنا بما روي : اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر. ولكنّه لم يصحّ ، ويعيذنا الله من الإحتجاج بما لا يصح » (٦).

وقال الإمام العلاّمة قاضي القضاة برهان الدين العبري الفرغاني ،

__________________

(١) فيض القدير ٢ / ٥٦.

(٢) صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٠.

(٣) فيض القدير ٢ / ٥٦.

(٤) الضعفاء الكبير ٤ / ٩٥.

(٥) الإحكام في أصول الأحكام ـ المجلّد ٢ / ٢٤٢٦ ـ ٢٤٣.

(٦) الفصل في الملل والنحل ٤ / ٨٨.

٣٦٠