نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٢٠

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣٢

وفي رواية : إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم جلّل على الحسن والحسين وعليّ وفاطمة ، ثمّ قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وحامّتي ، أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

قالت أُم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ قال : إنّكِ إلى خير.

أخرج الترمذي الرواية الاخرة ، والأُولى ذكرها رزين.

٦٧٠٣ ت ، عمر بن أبي سلمة ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : نزلت هذه الآية على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في بيت أُمّ سلمة ، فدعا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فاطمة وحسناً وحسيناً ، فجلّلهم بكساءٍ وعليّ خلف ظهره ، ثمّ قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

قالت أُمّ سلمة : وأنا معهم يا نبيَّ الله؟

قال : أنتِ على مكانِكِ ، وأنتِ على خير.

أخرجه الترمذي.

٦٧٠٤ ت ، أنس بن مالك ـ رضي‌الله‌عنه ـ إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية ، قريباً من ستّة أشهر ، يقول : الصلاةَ أهل البيت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ).

أخرجه الترمذي.

٦٧٠٥ م ، عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعليه مرط مرجَّل أسود ، فجاءه الحسن فأدخله ، ثمّ جاءه الحسين فأدخله ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء عليٌّ فأدخله ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) الآية.

٨١

أخرجه مسلم » (١).

وفي الخصائص : « أخبرنا محمّد بن المثنّى ، قال : أخبرنا أبو بكر الحنفي ، قال : حدّثنا بكير بن مسمار ، قال : سمعت عامر بن سعد يقول : قال معاوية لسعد ابن أبي وقّاص :

ما يمنعك أنْ تسبَّ ابن أبي طالب؟!

قال : لا أسبّه ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، لأنْ يكون لي واحدة منهنَّ أحب إليّ من حمر النعم :

لا أسبّه ما ذكرت حين نزل الوحي عليه ، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة فأدخلهم تحت ثوبه ثمّ قال : ربّ هؤلاء أهل بيتي وأهلي.

ولا أسبّه ما ذكرت حين خلّفه في غزوةٍ غزاها ...

ولا أسبّه ما ذكرت يوم خيبر ... » (٢).

وفي الخصائص : « أخبرنا قتيبة بن سعيد البلخي وهشام بن عمّار الدمشقي ، قالا : حدّثنا حاتم ، عن بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما يمنعك أنْ تسبَّ أبا تراب؟!

فقال : أنا إن ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلن أسبّه ، لأنْ يكون لي واحدة منها أحبّ إليَّ من حمر النعم :

سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول له ، وخلَّفه في بعض مغازيه ...

وسمعته يقول يوم خيبر : ...

ولمّا نزلت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ

__________________

(١) جامع الأصول ١٠ / ١٠٠ ـ ١٠١.

(٢) خصائص علي : ٨١ طبعة النجف الأشرف.

٨٢

تَطْهِيراً ) دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » (١).

أقول :

أخرجه ابن حجر العسقلاني باللفظ الأوّل في « فتح الباري » بشرح حديث : « أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون ... » ثمّ قال :

« ووقع في رواية عامر بن سعد بن أبي وقّاص عند مسلم والترمذي ، قال : قال معاوية لسعد : ما منعك أنْ تسبّ أبا تراب؟!

قال : أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنَّ له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلنْ أسبّه ، فذكر هذا الحديث.

وقوله : لأُعطينّ الراية رجلاً يحبّه الله ورسوله.

وقوله لمّا نزلت ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) (١) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي » (٢).

وهذا تحريفٌ للحديث! أو يحمل على التكرّر والتعدّد.

وفي الخصائص : أخرج حديث عمرو بن ميمون عن ابن عبّاس ، المتقدّم عن المسند (٣).

وفي المستدرك : « حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب ، ثنا العبّاس بن محمّد الدوري ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار ، ثنا

__________________

(١) خصائص علي : ٤٩.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ١.

(٣) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٧ / ٦٠.

(٤) خصائص علي : ٦٢.

٨٣

شريك بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن أُمّ سلمّة ـ رضي الله عنها ـ أنّها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) ، قالت : فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي.

قالت أُم سلمة : يا رسول الله ، وأنا من أهل البيت؟

قال : إنّكِ أهلي خير (٤) ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللهمّ أهلي أحقّ.

هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب ، أنبأ العبّاس بن الوليد بن مزيد :

أخبرني أبي ، قال : سمعت الأوزاعي يقول : حدّثني أبو عمار ، قال : حدّثني واثلة بن الأسقع ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : جئت عليّاً ـ رضي‌الله‌عنه ـ فلم أجده. فقالت فاطمة ـ رضي الله عنها ـ : إنطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعوه فجلس ، فجاء مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدخل ودخلت معهما. قال : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسناً وحسيناً فأجلس كلّ واحدٍ منهما على فخذه ، وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ، ثمّ لفّ عليهم ثوبه وأنا شاهد ، فقال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) اللهمّ هؤلاء أهل بيتي.

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (٢).

وفي تلخيص المستدرك : وافق الحاكم على التصحيح (٣).

__________________

(١) كذا.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ / ٤١٦ كتاب التفسير.

(٣) تلخيص المستدرك ٢ / ٤١٦.

٨٤

ورواه الذهبي بإسنادٍ له عن شهر بن حوشب عن أُم سلمة ، وفيه : « قالت : فأدخلت رأسي فقلت : يا رسول الله ، وأنا معكم؟

قال : أنتِ إلى خير ـ مرّتين ـ ».

ثمّ قال : « رواه الترمذي مختصراً وصحّحه من طريق الثوري ، عن زبيد ، عن شهر بن حوشب » (١).

وفي الصواعق المحرقة : « الآية الأُولى : قال الله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أكثر المفسّرين على أنّها نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين. لتذكير ضمير ( عنكم ) وما بعده » (٢).

ممّن نصَّ على صحّة الحديث

هذا ، وقد قال جماعة من الأئمّة بصحة الحديث الدالّ على اختصاص الآية الكريمة بأهل البيت عليهم‌السلام ، إذ أخرجوه في الصحيح أو نصّوا على صحّته ، ومن هؤلاء :

١ ـ أحمد بن حنبل ، بناءً على التزامه بالصحّة في « المسند ».

٢ ـ مسلم بن الحجاج ، إذ أخرجه في ( صحيحه ).

٣ ـ ابن حبّان ، إذْ أخرجه في ( صحيحه ).

٤ ـ الحاكم النيسابوري ، إذ صحّحه في ( المستدرك ).

٥ ـ الذهبي ، إذ صححه في ( تلخيص المستدرك ) تبعاً للحاكم.

٦ ـ ابن تيميّة ، إذ قال : « فصل ـ وأمّا حديث الكساء فهو صحيح ، رواه

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٠ / ٣٤٦.

(٢) الصواعق المحرقة : ٨٥.

٨٥

أحمد والترمذي من حديث أُم سلمة ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة ... » (١).

ما دلّت عليه الأحاديث

وهذه الأحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد ومعاجم الحديث ، بأسانيد صحيحة متكاثرة جدّاً ، أفادت نقطتين :

أوّلاً : إنّ المراد بـ « أهل البيت » في الآية المباركة هم : النبيّ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، لا يشركهم أحد ، لا من الأزواج ولا من غيرهنّ مطلقاً.

أمّا الأزواج ، فلأنّ الأحاديث نصّت على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأذن بدخول واحدةٍ منهنً تحت الكساء.

وأمّا غيرهنّ ، فلأنّ النبيّ إنّما أمر فاطمة بأنْ تجئ بزوجها وولديها فحسب ، فلو أراد أحداً غيرهم ـ حتّى من الأُسرة النبويّة ـ لأمر بإحضاره.

وثانياً : إنّ الآية المباركة نزلت في واقعةٍ معيَّنة وقضيّةٍ خاصّة ، ولا علاقة لها بما قبلها وما بعدها ... ولا ينافيه وضعها بين الآيات المتعلّقة بنساء النبيّ ، إذ ما أكثر الآيات المدنيّة بين الآيات المكّيّة وبالعكس ، ويشهد بذلك :

١ ـ مجيء الضمير : « عنكم » و « يطهّركم » دون : عنكنّ ويطهّركنّ.

٢ ـ إتّصال الآيات التي بعد آية التطهير بالتي قبلها ، بحيث لو رفعت آية التطهير لم يختلّ الكلام أصلاً ... فليست هي عجزاً لآية ولا صدراً لأُخرى ... كما لا يخفى.

ثمّ ما ألطف ما جاء في الحديث جواباً لقول أُم سلمة : « ألستُ من أهل

__________________

(٢) منهاج السنة ٥ / ١٣.

٨٦

البيت؟ » قال : « أنتِ من أزواج رسول الله!! » فإنّه يعطي التفصيل مفهوماً ومصداقاً بين العنوانين : عنوان « أهل البيت » وعنوان « الأزواج » أو « نساء النبيّ ».

فتكون الآيات المبدوة ـ في سورة الأحزاب ـ بـ : ( يا نِساءَ النَّبِيِّ ) (١) خاصة بـ « الأزواج » والآية ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) خاصّةً بالعترة الطاهرة.

وحديث مروره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بباب فاطمة وقوله : الصلاة أهل البيت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ... رواه كثيرون كذلك لا نطيل بذكر رواياته.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

٨٧

الفصل الثاني

في سقوط القولَين الآخَرَين

وبهذه الأحاديث الصحيحة المتفق عليها بين المسلمين يسقط القولان الآخَران ، لأنّ المفروض أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسر بنفسه ـ قولاً وفعلاً ـ الآية المباركة ، وعيّن من نزلت فيه ، فلا يُسمع ـ والحال هذه ـ ما يخالف تفسيره كائناً من كان القائل ، فكيف والقائل بالقول الأوّل هو « عكرمة »؟!

وقد كان هذا الرجل أشدُّ الناس مخالفةً لنزول الآية في العترة الطاهرة فقط.

فقد حكي عنه أنّه كان ينادي في الأسواق بنزولها في زوجات النبيّ فقط (١) وأنّه كان يقول : « من شاء باهلته أنّها نزلت في نساء النبيّ خاصّة » (٢).

وقد كان القول بنزولها في العترة هو الرأي الذي عليه المسلمون ، كما يبدو من هذه الكلمات ، بل جاء التصريح به في كلامه حيث قال : « ليس بالذي تذهبون إليه ، إنّما هو نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

إلاّ أنّ من غير الجائز الأخذ بقول عكرمة في هذا المقام وأمثاله!

__________________

(١) تفسير الطبري ٢٢ / ٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤١٥ ، أسباب النزول : ٢٩٨.

(٢) الدر المنثور ٥ / ١٩٨ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٤١٥.

(٣) الدر المنثور ٥ / ١٩٨.

٨٨

ترجمة عكرمة

فإنّ عكرمة البربري من أشهر الزنادقة الّذين وضعوا الأحاديث للطعن في الإسلام! وإليك طرفاً من تراجمه في الكتب المعتبرة المشهورة (١).

١ ـ طعنه في الدين

لقد ذكروا أن هذا الرجل كان طاعناً في الإسلام ، مستهزئاً بالدين ، من أعلام الضلالة ودعاة السوء.

فقد نقلوا عنه أنّه قال : إنّما أنزل الله متشابه القرآن ليضلّ به!

وقال في وقت الموسم : وددت أنّي اليوم بالموسم وبيدي حربة ، فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً!

وأنّه وقف على باب مسجد النبيّ وقال : ما فيه إلاّكافر!

وذكروا أنّه كان لا يصلّي ، وأنّه كان في يده خاتم من الذهب ، وأنّه كان يلعب بالنرد ، وأنّه كان يستمع الغناء.

٢ ـ كان من دعاة الخوارج

وأنّه إنّما أخذ أهل أفريقية رأي الصفرية ـ وهم من غلاة الخوارج ـ منه ، وقد ذكروا أنّه نحل ذلك الرأي إلى ابن عبّاس!

وعن يحيى بن معين : إنّما لم يذكر مالك عكرمة ، لأنّ عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.

__________________

(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٢٨٧ ، الضعفاء الكبير ٣ / ٣٧٣ ، تهذيب الكمال ٢٠ / ٢٦٤ ، وفيات الأعيان ١ / ٣١٩ ، ميزان الاعتدال ٣ / ٩٣ ، المغني في الضعفاء ٢ / ٨٤ ، سير أعلام النبلاء ٥ / ٩٥ ، تهذيب التهذيب ٧ / ٢٦٣ ـ ٢٧٣.

٨٩

وقال الذهبي : قد تكلّم الناس في عكرمة ، لأنّه كان يرى رأي الخوارج.

٣ ـ كان كذّاباً

كذب على سيّده ابن عبّاس حتّى أوثقه علي بن عبدالله بن عبّاس على باب كنيف الدار. فقيل له : أتفعلون هذا بمولاكم؟! قال : إنّ هذا يكذب على أبي.

وعن سعيد بن المسيب ، أنّه قال لمولاه : يا برد ، إيّاك أن تكذب عَلَيّ كما يكذب عكرمة على ابن عبّاس.

وعن ابن عمر ، أنّه قال لمولاه : اتّق الله ، ويحك يا نافع ، لا تكذب عَلَيّ كما كذب عكرمة على ابن عبّاس.

وعن القاسم : إنّ عكرمة كذّاب.

وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك : كذّاب.

وعن ابن ذويب : كان غير ثقة.

وحرم مالك الرواية عنه.

وأعرض عنه مسلم بن الحجّاج.

وقال محمّد بن سعد : ليس يُحتجّ بحديثه.

٤ ـ ترك الناس جنازته

ولهذه الأُمور وغيرها ترك الناس جنازته ، قيل : فما حمله أحد ، حتّى اكتروا له أربعة رجال من السودان.

٩٠

ترجمة مقاتل

ومقاتل حاله كحال عكرمة ، فقد أدرجه كلٌّ من : الدارقطني ، والعقيلي ، وابن الجوزي ، والذهبي في ( الضعفاء ) ... وتكفينا كلمة الذهبي : « أجمعوا على تركه » (١).

ترجمة الضحّاك

وأمّا القول الآخر فقد عزاه ابن الجوزي إلى الضحّاك بن مزاحم فقط.

وهذا الرجل أدرجه ابن الجوزي نفسه كالعقيلي في ( الضعفاء ) وتبعهما الذهبي فأدرجه في « المغني في الضعفاء » ... ونفوا أنْ يكون لقي ابن عبّاس ، بل ذكر بعضهم أنّه لم يشافه أحداً من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن يحيى بن سعيد : كان الضحّاك عندنا ضعيفاً.

قالوا : وكانت أُمّه حاملاً به سنتين (٢)!

هذا ، ولكنْ في نسبة هذا القول ـ كنسبة القول الأوّل إلى ابن السائب الكلبي ـ كلامٌ ، فقد نُسب إليهما القول باختصاص الآية بالخمسة الأطهار في المصادر ، وهو الصحيح ، كما حقّقنا ذلك في الردّ على السالوس.

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٧ / ٢٠١.

(٢) تهذيب الكمال ١٣ / ٢٩١ ، ميزان الاعتدال ٢ / ٣٢٥ ، المغني في الضعفاء ١ / ٣١٢.

٩١

الفصل الثالث

في دلالة الآية المباركة على عصمة أهل البيت

وكما أشرنا من قبل ، فإنّ أصحابنا يستدلون بالآية المباركة ـ بعد تعيين المراد بأهل البيت فيها ، بالأحاديث المتواترة بين الفريقين ـ على عصمة أهل البيت ... وقد جاء ذكر وجه الاستدلال لذلك مشروحاً في كتبهم في العقائد والإمامة ، وفي تفاسيرهم بذيل الآية المباركة ، ويتلخص في النقاط التالية :

١ ـ « إنّما » تفيد الحصر ، فالله سبحانه لم يرد إذهاب الرجس إلاّعن هؤلاء.

٢ ـ « الإرادة » في الآية الكريمة تكوينيّة ، من قبيل الإرادة في قوله تعالى : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) ) لا تشريعية من قبيل الإرادة في قوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) ، لأن التشريعية تتنافى مع نصّ الآية بالحصر ، إذ لا خصوصيّة لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم.

وتتنافى مع الأحاديث ، إذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طبّق الآية عليهم دون غيرهم.

٣ ـ « الرجس » في الآية هو « الذنوب ».

وتبقى شبهة : إنّ الإرادة التكوينيّة تدلّ على العصمة ، لأنّ تخلّف المراد

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

٩٢

عن إرادته عزّوجلّ محال ، لكنّ هذا يعني الإلتزام بالجبر وهو ما لا تقول الإماميّة به.

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ـ بناءً على نظرية : لا جبر ولا تفويض ، بل أمرٌ بين الأمرين ـ بما حاصله :

إنّ مفاد الآية أنّ الله سبحانه لمّا علم أنّ إرادة أهل البيت تجري دائماً على وفق ما شرّعه لهم من التشريعات ، لِما هم عليه من الحالات المعنوية العالية ، صحَّ له تعالى أنْ يخبر عن ذاته المقدّسة أنّه لا يريد لهم بإرادته التكوينيّة إلاّ إذهاب الذنوب عنهم ، لأنّه لا يُوجد من أفعالهم ، ولا يُقدرهم إلاّعلى هكذا أفعالٍ يقومون بها بإرادتهم لغرض إذهاب الرجس عن أنفسهم ... أما سائر الناس الّذين لم يكونوا على تلك الحالات ، فلم تتعلّق إرادته بإذهاب الرجس عنهم.

ثمّ إنّه لولا دلالة الآية المباركة على هذه المنزلة العظيمة لأهل البيت ، لَما حاول أعداؤهم ـ من الخوارج والنواصب ـ إنكارها ، بل ونسبتها إلى غيرهم ، مع أنّ أحداً لم يدّعِ ذلك لنفسه سوى الخمسة الأطهار.

٩٣

الفصل الرابع

في تناقضات علماء القوم تجاه معنى الآية

وجاء العلماء .. وهم يعلمون بمدلول الآية المباركة ومفاد الأحاديث الصحيحة الواردة بشأنها ، إلاّ أنّهم من جهة لا يريدون الاعتراف بذلك ، لأنّه في الحقيقة نسفٌ لعقائدهم في الأُصول والفروع ... ومن جهةٍ أُخرى ينسبون أنفسهم إلى « السنّة » ويدّعون الأخذ بها والاتّباع لها ... فوقعوا في اضطرابٍ ، وتناقضت كلماتهم فيما بينهم ، بل تناقضت كلمات الواحد منهم ...

فمنهم من وافق الإماميّة ، بل ـ في الحقيقة ـ تبع السنّة النبويّة الثابتة في المقام ، وأخذ بها.

ومنهم من وافق عكرمة الخارجي ومقاتل المجمَع على تركه.

ومنهم من أخذ بقول الضحّاك الضعيف ، خلافاً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبار الصحابة.

فهم على طوائف ثلاث :

ونحن نذكر من كلّ طائفة واحداً أو اثنين :

فمن الطائفة الاولى

أبو جعفر الطحاوي (١) قال : « باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله

__________________

(١) أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة المصري الحنفي ـ المتوفّى سنة ٣٢١ ه‍ ـ توجد ترجمته مع

٩٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المراد بقوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) مَن هم؟

حدّثنا الربيع المرادي ، حدّثنا أسد بن موسى ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، حدّثنا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم‌السلام ، وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي.

فكان في هذا الحديث أنّ المراد بما في هذه الآية هم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليٌّ وفاطمة وحسن وحسين.

حدّثنا فهد ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا جرير بن عبدالحميد ، عن الأعمش ، عن جعفر ، عن عبدالرحمن البجلي ، عن حكيم بن سعيد ، عن أُم سلمة ، قالت : نزلت هذه الآية في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليٍّ وفاطمة وحسن وحسين عليهم‌السلام ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ).

ففي هذا الحديث الذي في الأوّل ».

ثمّ إنّه أخرج بأسانيد عديدة هذا الحديث عن أُمّ سلمة ، وفيها الدلالة الصريحة على اختصاص الآية بأهل البيت الطاهرين ، وهي الأحاديث التي

__________________

الثناء البالغ في : طبقات أبي إسحاق الشيرازي : ١٤٢ ، والمنتظم ٦ / ٢٥٠ ، ووفيات الأعيان ١ / ٧١ ، وتذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٠٨ ، والجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ١ / ١٠٢ ، وغاية النهاية في طبقات القراء ١ / ١١٦ ، وحسن المحاضرة وطبقات الحفّاظ : ٣٣٧ ، وغيرها.

وقد عنونه الحافظ الذهبي بقوله : « الطحاوي الإمام العلاّمة ، الحافظ الكبير ، محدِّث الديار المصرية وفقيهها » قال : « ذكره أبو سعيد ابن يونس فقال : عداده في حجر الأزد ، وكان ثقة ثبتاً فقيهاً عاقلاً لم يخلّف مثله » قال الذهبي : « قلت : من نظر في تواليف هذا الإمام علم محلّه من العلم وسعة معارفه ... » سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٧ ـ ٣٢.

٩٥

جاء فيها أنّ أُمّ سلمة سألت : « وأنا معهم؟ » فقال رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم : « أنتِ من أزواج النبيّ ، وأنتِ على خير ـ أو : إلى خير ـ ».

وقالت : « فقلت : يا رسول الله ، أنا من أهل البيت؟ فقال : إنّ لك عند خيراً ، فوددت أنّه قال نعم ، فكان أحبّ إليّ ممّا تطلع عليها الشمس وتغرب ».

وقالت : « فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول الله وقال : إنّكِ على خير ».

قال الطحاوي : « فدلّ ما روينا من هذا الآثار ـ ممّا كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أُمّ سلمة ـ ممّا ذكرنا فيها لم يرد به أنّها كانت ممّا أُريد به ممّا في الآية المتلوّة في هذا الباب ، وأنّ المراد بما فيها هم :

رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين دون مَن سواهم يدلّ على مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله لأُم سلمة في هذه الاثار من قوله لها : ( أنتِ من أهلي )

ما قد حدّثنا محمّد بن الحجّاج الحضرمي وسليمان الكيساني ، قالا :

حدّثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، أخبرني أبو عمّار ، حدّثني واثلة ...

فقلت : يا رسول الله ، وأنا من أهلك؟ فقال : وأنتَ من أهلي.

قال واثلة : فإنّها من أرجى ما أرجو!

وواثلة أبعد منه عليه‌السلام من أُمّ سلمة منه ، لأنّه إنّما هو رجل من بني ليث ، ليس من قريش ، وأُمّ سلمة موضعها من قريش موضعها الذي هي به منه.

فكان قوله لواثلة : أنت من أهلي ، على معنى : لاتّباعك إيّاي وإيمانكّ بي ، فدخلت بذلك في جملتي.

وقد وجدنا الله تعالى قد ذكر في كتابه ما يدلّ على هذا المعنى بقوله

٩٦

( وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) (١) فأجابه في ذلك بأنْ قال : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) (٢) إنه يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبه.

فمثل ذلك أيضاً ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جوابا لأُمّ سلمة : « أنتِ من أهلي » يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضاً ، وأن يكون قوله ذلك كقوله مثله لواثلة.

وحديث سعدٍ وما ذكرناه معه من الأحاديث في أوّل الباب معقول بها مَن أهل الآية المتلوّة فيها ، لأنّا قد أحطنا علماً أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا دعا مِن أهله عند نزولها لم يبق مِن أهلها المرادين فيها أحد سواهم ، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أُريد به سواهم ، وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا.

فإنْ قال قائل : فإنّ كتاب الله تعالى يدلّ على أنّ أزواج النبيّ هم المقصودون بتلك الآية ، لأنّه قال قبلها في السورة التي هي فيها : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ... ) (٣) فكان ذلك كلّه يؤذن به ، لأنّه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) الآية.

فكان جوابنا له : إنّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية .. خطاب لأزواجه ، ثمّ أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى :

( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية ، فجاء به على خطاب الرجال ، لأنّه قال فيه :

( لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ ) وهكذا خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٤٥.

(٢) سورة هود ١١ : ٤٦.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ : ٢٨.

٩٧

بالنون وكذلك خطاب النساء.

فعقلنا أنّ قوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية ، خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ، ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم ، أن جعل نساءهم ممّن قد وصفه لِما وصفه به ممّا في الآيات المتلوّة قبل الذي خاطبهم به تعالى.

وممّا دلّ على ذلك أيضاً ما حدّثنا ... عن أنس : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ) الآية.

في هذا أيضاً دليل على أنّ هذه الآية فيهم. وبالله التوفيق » (١).

ومن الطائفة الثانية

ابن الجوزي (٢) والذهبي (٣) .. فإنّهما تبعا عكرمة البربري الخارجي ، ومقاتل بن سليمان ، على ما هو مقتضى تعصّبهما وعنادهما لأهل البيت عليهم‌السلام!

ومن الطائفة الثالثة

ابن كثير .. فإنّه بعد أن ذكر فرية عكرمة قال : « فإنْ كان المراد أنّهن كنّ سبب النزول دون غيرهنّ ، فصحيح ، وإنْ أُريد أنّهنّ المراد فقط دون غيرهنّ ، ففي هذا نظر. فإنّه قد وردت أحاديث تدلّ على أنّ المراد أعمّ من ذلك ».

ثمّ أورد عدّة كثيرة من تلك الأحاديث التي هي نصٌّ في اختصاص الآية

__________________

(١) مشكل الآثار ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٩.

(٢) وهذا ظاهر كلامه في زاد المسير ٦ / ٣٨١ ، حيث ذكر هذا القول أوّلاً وجعل يدافع عنه!

(٣) سير أعلام النبلاء ٢ / ٢٠٧.

٩٨

بالرسول والوصيّ والحسنين والصديقة الطاهرة عليهم الصلاة والسلام ، وأنّ قول عكرمة مخالف للكتاب والسنّة ...

غير أنّ تعصّبه لم يسمح له بالإذعان لذلك ، حتّى قال بدخول الزوجات في المراد بالآية! متشبّثاً بالسياق ، فقال : « ثمّ الذي لا يشكّ فيه من تدبّر القرآن أنّ نساء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم داخلات في قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) فإنّ سياق الكلام معهنّ .. » (١).

اعتراف ابن تيميّة بصحّة الحديث

والعجب أنّ ابن تيميّة لا يقول بهذا ولا بذاك! بل يذعن بصحّة الحديث كما استدلّ العلاّمة الحلّي ـ رحمه‌الله ـ ، قال العلاّمة :

« ونحن نذكر هنا شيئاً يسيراً ممّا هو صحيح عندهم ، ونقلوه في المعتمد من قولهم وكتبهم ، ليكون حجّةً عليهم يوم القيامة ، فمن ذلك :

ما رواه أبو الحسن الأندلسي (٢) في « الجمع بين الصحاح الستّة » : موطأ مالك ، وصحيحي البخاري ومسلم ، وسنن أبي داود ، وصحيح الترمذي ، وصحيح النسائي : عن أُم سلمة ـ زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّ قوله تعالى : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أُنزل في بيتها : وأنا جالسة عند الباب ، فقلت : يا رسول الله ، ألست من أهل

__________________

(١) تفسير القرآن العظيم ٣ / ٤١٥.

(٢) وهو : رزين بن معاوية العبدري ، صاحب « تجريد الصحاح » المتوفّى سنة ٥٣٥ كما في سير أعلام النبلاء ٢ / ٢٠٤ حيث ترجم له ووصفه بـ : الإمام المحدّث الشهير ، وحكى عن ابن عساكر : « كان إمام المالكيّين بالحرم ». وترجم له أيضاً في : تذكرة الحفاظ ٤ / ١٢٨١ ، والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٤ / ٣٩٨ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ١٦٧ ، ومرآة الجنان ٣ / ٢٦٣ ، وغيرها.

٩٩

البيت؟ فقال : إنّكِ على خير ، إنّك من أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قالت : وفي البيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين ، فجلّلهم بكساء وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهِب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ».

فقال ابن تيمية :

« فصل : وأمّا حديث الكساء فهو صحيح ، رواه أحمد والترمذي من حديث أُمّ سلمة ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة ، قال : خرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود ، فجاء الحسن ابن علي فأدخله ، ثمّ جاء الحسين ، فأدخله معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ، ثمّ قال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ).

وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين ـ رضي الله عنهم ـ فليس هو من خصائصه ، ومعلوم أنّ المرأة لا تصلح للإمامة ، فعُلم أنّ هذه الفضيلة لا تختصّ بالأئمّة ، بل يشركهم فيها غيرهم.

ثم إنّ مضمون هذا الحديث أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا لهم بأنْ يُذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً.

وغاية ذلك أنْ يكون دعا لهم بأنْ يكونوا من المتّقين الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم! واجتناب الرجس واجب على المؤمنين ، والطهارة مأمور بها كل مؤمن.

قال الله تعالى : ( ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) (١) وقال : ( خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٦.

١٠٠