تنقيح المقال - ج ١

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ١

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-382-9
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٢٨

والجواب :

أوّلا : إنّ شأن أهل الرجال بيان حال الراوي ، فإذا قيل : إنّ فلانا عدل ، فهو في قوّة : إنّ فلانا الراوي عدل ، فيكون من باب تعليق الحكم على الوصف ، فيتّحد زمان الرواية والعدالة (١) ، مع أنّ قرينة الحال في وضع كتب الرجال وعدم اعتناء العلماء بهذه الدقّة يكشف عن ذلك أيضا.

وثانيا : إنّ التزكية تحمل على الزمان المتأخّر ، فإذا ثبتت عدالته فيه ، كان تقرير العدل لما سبق منه من الروايات ـ مع لحوق الإجازة به ـ بمنزلة الرواية ، فتقارن زمان العدالة وزمان الرواية ، فكان إبقاء ما كان من كتبه ومرسوماته ومرويّاته على حاله بمنزلة رواية إجماليّة ، وإجازة عامّة.

ألا ترى أنّ الشيخ الطوسي مثلا لمّا كتب التهذيب والاستبصار لم يقل لجميع الناس : ارووا عنّي .. فوضع الكتاب لغرض الرواية وتسويغ نقل الحديث عنهما ، وحال الاستدامة كحال الابتداء.

فظهر من ذلك أنّ من صنف أصلا ، أو رسم رواية في حال فسقه ، ثمّ صار ثقة ، ومضى زمن يمكن فيه التغيير على تقدير تعمّد الكذب ، أو ظهور الخطأ ، ولم يفعل ، جازت الرواية عنه ، ولم يقدح فيه فسقه حال التحمّل ، أو

__________________

(١) وليس غرضهم إثبات وصف العدالة للراوي في الجملة حتّى لا يفيد ؛ إذ السيرة قائمة في الأخذ بمن وثقوا وطرح من ضعفوا ، لانصرافه إلى حال الرواية.

٨١

حال الرواية قبل هذه الحالة ؛ لتحقّق ما يقضي بجواز الرواية عنه ـ وهو الإلقاء أو ما في حكمه ـ حال العدالة ، متأخّرا كان عن الإلقاء حالة الفسق أو متقدّما عليه ؛ ضرورة عدم قدح الفسق اللاّحق للعدالة السابقة ، والرواية حالتها.

فظهر من ذلك فائدة ، وهي : إنّ الجماعة الذين قدحوا فيهم بالوقف والفطحيّة والناووسيّة .. ونحو ذلك ـ ك‌ : أبان بن عثمان ، وعبد اللّه بن بكير ، وعلي بن الحسن بن فضال .. وأضرابهم من الذين وثّقوهم علماء الرجال يمكن قبول روايتهم ـ حتّى لمن لم يقل بحجّية الموثّق ـ وذلك لأنّ أخبارهم عن الوقف ونحوه لا بدّ أن تنزّل على الإخبار بذلك بعد حدوثه ؛ ضرورة عدم تديّن أحد به قبل حدوثه ، وإخبارهم عن العدالة والتّوثيق يمكن حمله على الإخبار عن العدالة الكائنة قبل زمان الوقف مثلا ، فما علم صدوره قبل الوقف ـ كأن كان الراوي عنه تلك الرواية مات قبل حدوث الوقف ـ فهو الصحيح قطعا ، وما علم صدوره بعد الوقف ، فضعيف ؛ لأنّ الوقف ونحوه ـ على ما يظهر من الأخبار ـ لم يتديّن به إلاّ من غرّته الدنيا ، أو قصّر في التفتيش عن أمر الإمامة ـ حيث إنّ إمام العصر كان حاضرا ـ فالمتديّن بغير دينه من أمثال هؤلاء الرواة أو مطلقا إمّا عامد أو جاهل مقصّر ، وأمّا ما لم يعلم تاريخ صدوره ـ كما إذا كانت الرواية عن الصادق عليه السلام مثلا ـ فالظاهر أيضا صدوره قبل الوقف ؛ إذ المعلوم من طريقة الرواة ـ سيّما الثقاة منهم ـ حفظ الروايات بالرسم والضبط في أصل أو كتاب ، وقد مرّ أنّ رسم الرواية كذلك إلقاء لها لمن أراد روايتها ، ولا يقدح فيه المتأخّر من الفسق أو الموت أو

٨٢

الجنون .. أو نحو ذلك من الأمور المانعة من قبول الخبر ، مضافا إلى أنّ المعلوم من طريقة أصحابنا أنّهم كانوا يسمّون الواقفية : الكلاب الممطورة(١) ، تشبيها لهم بها في وجوب الاجتناب عنهم ، فكيف يعقل مع ذلك أخذ الروايات عنهم حال الوقف مع عدم روايتهم لها قبله؟!ولا فرق في ذلك بين من علم تاريخ ولادته أو تحمّله أنّه قبل حدوث المذهب الفاسد أو بعده ، لإمكان عدم تديّنه بذلك في زمان الرواية ، كما لا يخفى.

فظهر من ذلك صحّة أكثر الموثّقات وحجّيتها ، حتّى على القول بعدم حجّية الموثّق.

ويؤكّد ذلك لو كان الخبر منافيا لمذهب الوقف أو وجدت أمارات اخر.

__________________

(١) قال العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٢٦٧/٤٨ : كانوا يسمّونهم وأضرابهم من فرق الشيعة ـ سوى الفرقة المحقة ـ : الكلاب الممطورة ؛ لسراية خبثهم إلى من يقرب منهم.

وقال رحمه اللّه ـ أيضا بعد ذاك ـ ٢٠٣/٨٥ : الممطورة : هم الواقفية ؛ لقبوا بذلك ، وذلك لكثرة ضررهم على الشيعة وافتتانهم بهم ، كانوا كالكلاب التي أصابها المطر وابتلّت ومشت بين الناس ، فلا محالة يتنجس الناس بهم ، فكذلك هؤلاء في اختلاطهم بالإمامية وافتتانهم بهم.

وعقد لهم شيخنا العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ٢٥٠/٤٨ ـ ٢٧٥ باب ١٠ في الواقفة ومذهبهم ، وكذا في ٢٠٢/٨٥.

ولاحظ : إعلام الورى : ٣١٤ ، وجملة روايات من كتاب اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) : ٤٦٠ ـ ٤٦١ ، والأسرار ٣٢٥/٣ ـ ٣٢٦ .. وغيرها.

٨٣

ثمّ إنّه حكي عن ضياء العالمين (١) أنّه قال : إنّ من الواقفيّة من يقول بوكالة باقي الأئمّة عن الكاظم عليه السلام وخصّ الكلاب الممطورة بغيرهم ..

فعلى هذا ما ذكره المولى الوحيد رحمه اللّه (٢) ـ من أنّ : رواية من قيل فيه إنّه واقفي عن الرضا عليه السلام تدلّ على عدم وقفه ، أو رجوعه عنه .. ممّا لا وجه له ، إلاّ أن يدّعى الغلبة ، ويحمل على الغالب ، فتدبّر جيّدا.

ويقرب من هذا الوجه وسابقيه إشكالات أوردت على مراجعة أحوال الرجال ، ذكرناها مع أجوبتها في آخر الجهة الثالثة من الفصل السادس من مقباس الهداية (٣) ، فعليك بمراجعتها.

__________________

(١) هناك كتاب في الإمامة بهذا الاسم للشريف المولى الفتوني أبي الحسن بن محمّد طاهر النباطي العاملي الأصفهاني الغروي (المتوفّى نحو سنة ١١٤٠ ه‌)تلميذ العلاّمة المجلسي رحمه اللّه. ولا نعرف كتابا آخر بهذا الاسم ، فراجع.

انظر : خاتمة مستدرك وسائل الشيعة ٢ (٢٠)٥٥/.

(٢) قال المولى الوحيد في التعليقة على كتاب منهج المقال للأسترآبادي : ٩ الطبعة الحجرية [وفي المحقّقة من منهج المقال ١٣٥/١ الفائدة الثانية ، وصفحة : ٤٢ من ذيل رجال الخاقاني] : وكيف كان ؛ فالحكم بالقدح بمجرد رميهم إلى الوقف ـ بالنسبة إلى الجماعة الذين لم يبقوا إلى ما بعد زمان الكاظم عليه السلام ومن روى أنّ الأئمّة عليهم السلام اثنا عشر ـ لا يخلو من إشكال ، وكذا بالنسبة إلى من روى عن الرضا عليه السلام ومن بعده ..

(٣) مقباس الهداية ٩٨/٢ ـ ١١٠ [الطبعة الاولى المحقّقة] تعرض لإشكالين وفصّل فيهما هناك ، وأحال إلى ما هاهنا.

٨٤

رابعها :

إنّ علم الرجال علم منكر يجب التحرّز عنه ؛ لأنّ فيه تفضيح الناس ، وقد نهينا عن التجسّس عن معائبهم ، وأمرنا بالغضّ والتسترّ.

وفيه :

أوّلا : النقض ؛ بالجرح والتعديل في مقام المرافعات ، وبذكر المعائب في مقام الإشارة إلى المستشير ، مع أنّ الأحكام الكلّية الإلهيّة أولى من الحقوق الجزئيّة المجوّز فيها ذلك.

وثانيا : الحلّ ؛ تارة : بأنّ من المقرّر في الاصول سقوط حرمة المقدّمة المنحصرة إذا توقّف عليها واجب أهمّ ، كإنقاذ الغريق عند كونه أجنبيّة ، أو توقّفه على غصب في الآلة أو الطريق أو غيرهما ، والتوقّف والأهمّية هنا بديهيّتان.

واخرى : بالمنع من شمول أدلّة المنع من الغيبة وإشاعة الفاحشة لمثل المقام ، ولو للانصراف إلى غيره.

وثالثة : على فرض شمول أدلّة المنع للمقام ، فلا بدّ من تخصيصها بما مرّ منّا حجّة للإثبات.

ورابعة : بصدور ذلك عن أئمّتنا عليهم السلام بالنسبة إلى كثير من الرواة المجروحين بالاعتقاد أو الجوارح.

٨٥

خامسها :

إنّ جملة من أهل هذا العلم الذي قد بنوا على أقوالهم في الجرح والتعديل كانوا فاسدي العقيدة ـ وإن لم يكونوا فسّاقا بالجوارح ـ مثل ابن عقدة ؛ فإنّه كان زيديّا جاروديّا ـ على ما نصّوا عليه (١) ـ ومثل علي بن الحسن ابن فضّال فإنّه كان فطحيّا فاسد المذهب (٢) ، وكثيرا ما يعتمدون على أقوالهم في أحوال الرجال (٣) ، والحال أنّ لازم فساد المذهب عدم الاعتماد عليهم في ذلك ؛ إذ لا فسق أعظم من فساد المذهب.

والجواب :

أوّلا : النقض ؛ [بالعمل] بروايات هؤلاء ، حيث إنّ الأصحاب

__________________

(١) كما قاله النجاشي في رجاله : ٩٤ برقم ٢٣٣ ، والشيخ الطوسي في رجاله : ٤٤١ برقم ٣٠ [صفحة : ٤٠٩ من طبعه جماعة المدرسين] ، والعلاّمة في خلاصة الأقوال : ٢٠٣ برقم ١٣ [صفحة : ٣٢١] ، ومجمع الأقوال في موسوعة تنقيح المقال ٨٥/١ ـ ٨٦ [من الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة ٣٢٥/٧ ـ ٣٤٣ برقم(١٤٩٤)].

(٢) كما في رجال النجاشي : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ برقم ٦٧٦. وقاله الشيخ رحمه اللّه في الاستبصار ٩٥/٣ ، بل صرح في الخلاصة : ٩٣ [صفحة : ١٢٧] برقم ١٥ بفساد مذهبه وإنّه فطحي. وانظر : تنقيح المقال ٢٧٨/٢ ـ ٢٨٠ (الطبعة الحجرية). ومثله قاله العلامة في الخلاصة : ٢٧٧ في الفائدة الثامنة في مصدق بن صدقة بأنّه فاسد المذهب فطحي.

(٣) كما جاء في التعليقة للوحيد البهبهاني : ٢٢٩ .. وغيرها.

٨٦

يعتمدون عليها من غير نكير للإذن من أئمّتنا عليهم السلام في الأخذ بما رووا ، فيلزم من حجّية روايته حجّية جرحه وتعديله أيضا.

وثانيا : إنّ الاعتماد على أقوال أهل الرجال ليس من باب البناء على الشهادة ، حتّى يعتبر في صاحبها العدالة ، بل هو من باب الفحص والتثبّت والتبيّن وتحصيل الوثوق والطمأنينة بحكم اللّه سبحانه ، فلا يضرّ فساد مذهب بعضهم بعد الوثوق به ، بشهادة أركان الدين ، كما يتضّح ذلك بأمرهم عليهم السلام بالأخذ بما رواه بنو فضّال (١) مع كونهم فطحيّة فاسدي العقيدة (٢).

__________________

(١) كما رواه الشيخ الطوسي رحمه اللّه في كتابه الغيبة : ٣٨٧ ، قوله عليه السلام : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» ، حين سئل الإمام العسكري عليه السلام عن كتب بني فضال : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ..؟!وحكاه عنه العلاّمة المجلسي رحمه اللّه في بحار الأنوار ٢٥٣/٢ ، و ٣٥٨/٥١ .. وغيرها.

(٢) قاله المولى الوحيد البهبهاني رحمه اللّه في تعليقته على المنهج : ٥ [الطبعة الحجرية من منهج المقال ، وفي الطبعة المحقّقة ٨٤/١] مجيبا عن هذا الإشكال بقوله : قلت : من لم يعتمد على توثيق أمثالهم فلا اعتراض عليه ، ومن اعتمد فلأجل الظن الحاصل منه ، وغير خفي على المطلع حصوله ، بل وقوته ..

وأيضا ؛ ربّما كان اعتماده عليه بناء على عمله بالروايات الموثقة ، فتأمل.

ثمّ قال : ويمكن أن يكون اعتماده ليس من جهة ثبوت العدالة بل من باب رجحان قبول الرواية وحصول الاعتماد والقوة ..

٨٧

سادسها :

إنّ الخلاف العظيم في معنى العدالة والفسق يمنع من الأخذ بتعديل علماء الرجال ، بعد عدم معلوميّة مختار المعدّل في معنى العدالة ، أو مخالفته معنا في المبنى ، فإنّ مختار الشيخ رحمه اللّه في العدالة أنّها ظهور الإسلام ، بل ظاهره دعوى كونه مشهورا ، فكيف يعتمد على تعديله من يقول بكون العدالة هي الملكة (١)؟!

والجواب :

أوّلا : النقض ؛ بالمرافعات .. وغيرها ؛ فإنّك ترى إنفاذ الحاكم لحكم الحاكم الآخر من دون استعلام أنّ العدالة عند الحاكم ما هي؟.

وثانيا : ما مرّ من أنّ مراجعة علماء الرجال إنّما هو من باب التديّن الحاصل على كل حال (٢).

__________________

وقد أشار له الشيخ الخاقاني في رجاله : ٨٨ ـ ٨٩ وردّ مفصلا كلام الشيخ البهائي رحمه اللّه في فوائده ، في التفصيل بين جرح الإمامي للإمامي وتعديله وغيره ، وتعديل غير الإمامي للإمامي وإن كان ثقة يؤخذ به لكونه من باب الفضل ما شهدت به الأعداء ، فلا وجه له لدوران الأمر مدار الظن ، والمراد من العدالة هي العدالة بالمعنى الأعم هنا ، فتدبّر.

(١) وبعبارة اخرى : الاختلاف في معنى العدالة وما يراد منها ، وكذا الكبائر والصغائر مانع من الرجوع إلى المعدلين والجارحين لعدم العلم بما يريدون.

(٢) والجواب الجلي هو أنّ مجرد الاختلاف في مسألة غير مانع من العمل بعد البناء على ـ

٨٨

وثالثا : إنّ عدالة مثل الشيخ رحمه اللّه والتفاته إلى الخلاف في معنى العدالة تقتضيان إرادته بالعدالة ـ فيمن أثبت عدالته من الرواة ـ العدالة المتفقّ عليها ؛ فإنّ التأليف والتصنيف إذا كان لغيره ـ خصوصا للعمل به مدى الدهر ، لا سيّما في هذا الأمر العظيم ـ إنّما يكون على وجه ينتفع به الكلّ أو الجلّ ، فلا يبنى على مذهب خاصّ إلاّ بالتنبيه عليه(١).

وبعبارة اخرى ؛ علم الرجال من مقولة السير والتواريخ ، ولا يقصد هناك إلاّ النقل إلى الغير ، وحينئذ فيلزم أن يكون الإخبار بالعدالة على وجه يعتمد عليه الجميع ـ لعلمهم بالخلاف في معناها ـ مضافا إلى أنّ هناك قرائن

__________________

قول منها ، وإلاّ فإنّ صرف الاختلاف لو كان مانعا لامتنع العمل في أكثر المسائل إن لم نقل كلّها ـ عدا النزر اليسير ـ.

(١) قال الأسترآبادي في كتابه منهج المقال ٨١/١ ـ ٨٢ : فإن قلت : وقع الاختلاف في العدالة هل هي الملكة ، أم حسن الظاهر ، أم ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، وكذا في أسباب الجرح وعدد الكبائر ، فمن أين يطلع على رأي المعدّل؟! ، ومع عدم الاطلاع كيف ينفع التعديل؟!

قلنا : إرادة الأخير من قولهم(ثقة) ، وكذا في العدالة التي جعلت شرطا لقبول الخبر لإخفاء فساده .. وأمّا الأوّلان فأيّهما يكون مرادا ينفع القائل بحسن الظاهر ولا يحتاج إلى التعيين كما هو ظاهر ، وأمّا القائل بالملكة ؛ فقد قال في المنتقى [٢١/١] : تحصيل العلم برأي جماعة من المزكّين أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية أو المقاليّة إلاّ أنّها خفيّة المواقع ، متفرقة المواضع .. ثمّ قال : قلت : إن لم يحصل العلم فالظن كاف لهم كما هو دأبهم ورويتهم .. ثمّ ذكر أجوبة آخر.

وانظر تفصيل ذلك في الرسائل الرجالية لحجة الإسلام الشفتي : ٨٦ ـ ٩٢.

٨٩

تدلّ على أنّهم أرادوا بالعدالة معنى الملكة ، وهو أنّا وجدنا علماء الرجال قد ذكروا في جملة من الرواة ما يزيد على ظهور الإسلام وعدم ظهور الفسق ، بل على حسن الظاهر بمراتب ، ومع ذلك لم يصرّحوا فيهم بالتعديل والتوثيق .. ألا ترى أنّهم ذكروا في إبراهيم بن هاشم أنّه أوّل من نشر أحاديث الكوفيّين بقم (١)!وهذا يدلّ على ما هو أقوى من حسن الظاهر بمراتب ؛ لأنّ أهل قم كان من شأنهم عدم الوثوق بمن يروي عن الضعفاء ، بل كانوا يخرجونه من بلدهم ، فكيف بمن كان هو في نفسه فاسقا ، أو على غير الطريقة الحقّة؟!

فتحقّق نشر الأخبار بينهم يدلّ على كمال جلالته ، ومع ذلك لم يصرّح فيه أحد بالتوثيق والتعديل ، فملاحظة أمثال ذلك تفيد أنّ مرادهم بالتوثيق إنّما هو إثبات العدالة بالمعنى المتّفق عليه ، وهو الملكة.

ولقد أجاد العلاّمة التستري الشيخ أسد اللّه عليه رضوان اللّه حيث قال ـ فيما حكى عنه تلميذه : صاحب التّكلمة (٢) ـ : إنّ تعديلهم لا ينتفع به الكلّ .. وهم قد (٣) انتفعوا به ، وتلقّوه بالقبول ، ولم نر من قدمائهم ولا من

__________________

(١) كما قاله النجاشي في رجاله : ١٦ برقم ١٨ [طبعة جماعة المدرسين ، وفي طبعة : ١٣] ، وإليه ذهب العلاّمة في الخلاصة : ٤ برقم ٩ ، وقبله الشيخ رحمه اللّه في الفهرست : ٤ برقم ٦ .. وعنه في مستدرك وسائل الشيعة ١ (١٩)٦٨/. ولاحظ : رجال السيّد بحر العلوم ٤٦٢/١ ـ ٤٦٤ .. وغيره.

(٢) تكملة الرجال ٣٥/١ ـ ٣٦.

(٣) لا توجد : (قد) في المصدر الناقل المطبوع.

٩٠

متأخّريهم ما يشير إلى تأمّل من جهة ما ذكرت ، [بل] (١) ولا نرى المضايقة التي ذكرت في تعديل من التعديلات ، مع جريانها فيها.

وأيضا (٢) ؛ لو أراد المعدّل (٣) العدالة المعتبرة عنده ، كان عليه أن يقول : فلان ثقة عندي ، حذرا من التدليس ، والعادل لا يدلّس [مع أنّ رواياتهم كذلك ، فتأمل] (٤).

وأيضا ؛ العادل إذا أخبر أنّ فلانا عادل متّصف بالعدالة المعتبرة شرعا ، فيقبلون ولا يتثبّتون ، فتأمّل.

وأيضا ؛ لم يتأمّل أحد (٥) من علماء الرجال والمعدّلين في تعديل الآخر من تلك الجهة أصلا (٦) ، مع إكثارهم من التأمّل من جهات اخر ، بل (٧) هم يتلقّون تعديل الآخر بالقبول حتّى أنّهم يوثّقون بتوثيقه ، ويجرحون بجرحه (٨).

__________________

(١) ما بين المعقوفين جاء في التكملة.

(١) الكلام لا زال للشيخ التستري بنقل الشيخ عبد النبي الكاظمي رحمهما اللّه.

(١) لا توجد كلمة(المعدّل) في التكملة المطبوعة.

(٤) هنا سقط جاء في التكملة المطبوعة ، حصرناه بين معقوفين.

(٤) في المصدر المطبوع : واحد.

(٦) هنا زيادة في التكملة : ولا يشمّ رائحته مطلقا.

(٧) لا توجد : (بل) في المصدر.

(٨) وذيّل كلامه طاب رمسه بقوله : فتأمل ، على أن المعتبر عند الجلّ في خصوص المقام العدالة بالمعنى الأعم كما سنشير إليه ، فلا مانع من عدم احتجاج القائل بالملكة أيضا على التعيين.

٩١

سابعها :

إنّ الصّحة عند المتأخّرين (١) لا بدّ فيها من ثبوت العدالة والضّبط والإماميّة في جميع سلسلة السند ، وقلّما تعرّضوا في أحوال الرجال لجميع ذلك ، بل يكتفون بقولهم : فلان ثقة .. أو من وجوه أصحابنا .. أو كبارهم .. ونحو ذلك ، ولا دلالة في شيء ممّا ذكر على ما ذكروه ، حتّى لفظ الثقة ؛ فإنّ غاية مفادها العدالة ، وأمّا الضبط والإماميّة فلا ، سيّما إذا كان في كلام غير الاثنى عشري.

وبالجملة ؛ فهم يكتفون في الصحّة بأمور لا دلالة لها عليها بشيء من الدلالات.

ودعوى النقل في جميع ذلك إلى ما استفادوه منها مجازفة ، أو لا شاهد عليها أصلا.

والجواب :

أوّلا : إنّ لهم في الألفاظ المستعملة في التوثيق اصطلاحات

__________________

ثمّ إنّه لاحظ ما أجاب هنا المولى الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني رحمهما اللّه في الفائدة الثانية من فوائده في منتقى الجمان ١٩/١ ، والشيخ الخاقاني في رجاله : ٨٦ ـ ٨٧ ، وحملهم الإطلاق في التعديلات على إرادة الملكة ، وفيه ما لا يخفى.

(١) فصّلنا القول فيها تبعا للمصنف طاب رمسه في مقباس الهداية ١٩٥/٢ واستدراكاتنا عليه في ٩٢/٥ ، وكذا في ١٦٧/٢ [الطبعة المحقّقة الاولى] .. ومواطن اخرى.

ثمّ هل هي صفة سند الحديث أم أنّها كل ما جمع شرائط العمل.

ولاحظ : كتاب الوجيزة لأبي الحسن المشكيني رحمه اللّه : ٤١ .. وغيره.

٩٢

شرحناها في مقباس الهداية (١) ، وكلام كلّ متكلّم يحمل على مصطلحه ، لتقدّم العرف الخاصّ على العرف العامّ واللغة.

وثانيا : ما مرّ (٢) ، من أنّ الغرض من مراجعة علم الرجال التثبّت الحاصل بذلك على كلّ حال ، كما لا يخفى.

ثامنها :

إنّ كثيرا من تعديلاتهم وتضعيفاتهم مبني على ترجيحهم واجتهادهم ، ولا يجوز للمجتهد البناء على اجتهاد غيره ، وما ليس من ذلك فهو شهادة كتبيّة لم يعلم إيقاعها منهم باللّفظ. وقد أجمع أصحابنا ـ وورد [ت] بعض الأخبار أيضا ـ بعدم العبرة في الشهادة على الكتابة.

وأيضا ؛ فالأغلب أنّها من شهادة الفرع ، بل فرع الفرع .. وهكذا ، ولا خلاف في عدم اعتبار غير الاولى مطلقا ، ومورد اعتبار الأولى الأموال وحقوق المخلوقين دون غيرها ، وكون مدح الرواة وقدحهم منها ممنوع (٣).

__________________

(١) مقباس الهداية ٢٠٨/٢ ـ ٢٥٣ [الطبعة المحقّقة الاولى].

(٢) في صفحة : ٥١ من هذا المجلّد.

(٣) هذا ؛ وإنّ المعتبر فيها الإثنان ، والمعروف الاكتفاء بالواحد. والظاهر أنّه من اجتهاداتهم أو من باب الرواية كما هو المشهور ولا محذور.

أقول : قد أفرد هذا الوجه المحقّق الكاظمي في تكملة الرجال ٣٣/١ وجعله أوّل ـ

٩٣

وفيه : ما مرّ (١) من أنّ الرجوع إلى علم الرجال من باب التبيّن وتحصيل الوثوق بالخبر لا من باب الشهادة الشرعيّة المعتبر فيها اللفظ والتعدّد ، على أنّه يمكن إدراج ذلك في الشهادة اللفظيّة ؛ بدعوى أنّ لحوق الإجازة بالكتابة يجعلها بحكم الملفوظة ، نظير ما ذكروه في الوصيّة والإقرار ؛ من أنّ كتابة الموصي والمقرّ ليست وصيّة ولا إقرارا إلاّ إذا لحق بها قوله : هذه وصيّتي وإقراري .. وكذا قول المجيز : أجزت لك أن تروي عنّي كتابي هذا .. أو الكتب الفلانيّة .. عناه أنّ هذه رواياتي اروها عنّي ، فكأنّ ما في كتب الرجال ـ بعد لحوق الإجازة من المشايخ ـ بحكم الملفوظ ، ولو أنكر منكر الدلالة اللغويّة على ذلك فلا يسعه إنكار قضاء عرفهم به.

وأمّا عدم جواز رجوع مجتهد إلى اجتهاد غيره ، فإنّما هو فيما يمكنه الاجتهاد فيه ، لا ما تقصر يده عنه فيه ـ كما نحن فيه ـ ، ولذا ترى رجوعهم إلى كلمات أهل اللّغة ، مع فقد أكثرهم للإيمان فضلا عن العدالة ، وما ذاك إلاّ لانحصار طريق تحصيل اللّغة في الرجوع إليهم ، فهو رجوع إلى

__________________

ـ الوجوه ، فقال : إنّ التعديل والجرح من باب الشهادة ، وشهادة الفرع لا تقبل ، وأكثر تعديل أهل الرجال وحرصهم من ذلك القبيل ، لتحقق عدم الملاقاة في أغلبهم ؛ لأنّ غالب الرجال هم أصحاب الأئمّة(عليهم السلام) ، وأكثر التعديل من الكشي والنجاشي والشيخ ، ومعلوم أنّ هؤلاء لم يلقوهم وإنّما اخذوه عن الفرع ، وأقلّه بواسطة واحدة ، وهي كافية في ردّ ذلك ..

(١) في صفحة : ٥١ وما بعدها من هذا المجلّد.

٩٤

أهل الخبرة ، وقد جرت عادة العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة وإن لم يكن مسلما ؛ مضافا إلى أنّ كون جميع تعديلاتهم من باب الاجتهاد ممنوع (١) ، بل هي من باب نقل اللاّحق عن السابق كما في اللّغة ، أو بشياع الحال المكتفى به في العدالة والجرح ، كما في كثير من متقاربي العصر أو متحدّيه مع فقد الملاقاة والمعاشرة .. أو بقرائن اخر مفيدة للوثوق والاطمئنان.

تاسعها :

إنّ من راجع منتقى الجمان .. وغيره ـ من كتب الماهرين في معرفة الطبقات ـ يظهر له أنّ جملة من الروايات ـ لا سيّما في كتب الشيخ رحمه اللّه ـ مرسلة بالمعنى الأعمّ ، لسقوط راو أو اثنين ، وغير العارف بالطبقة يظنّ الاتصال ، ويصحّح السند بمجرّد وثاقة المذكورين في السند ، وليس كذلك في الواقع.

__________________

(١) بل ليس من باب الشهادة ، ولا شهادة الفرع للفرع .. ولو سلمناه فقد قيل بوجود الاتفاق عليها قديما وحديثا من غير تنكر ومنع منهم ، والعمل على ذلك ، وتوقف الفقه عليها ولا طريق لنا إلاّ بها.

هذا ؛ لو سلمنا بكونها شهادة ، بل قيل إنّها شهادة أصلية لا فرعية ، صدرت من القدماء على نحو البتّ والحكم من غير نقل ولا ملاقاة لاحتمال حصول عندهم على جهة القطع ، أو إنها شهادة على الوثاقة لا شهادة على الشهادة ، وعدم الملاقات لا ينافي القطع بها.

٩٥

وكذا يظهر له أنّ في كثير من الأسانيد قد وقع غلط واشتباه في أسامي الرجال ، أو آبائهم ، أو كناهم ، أو ألقابهم ..

وكذا وقع في كثير كلمة المجاوزة بين شخصين وحقّه العطف ، فبضعف أحدهما يضعف الخبر ، أو العكس فبالعكس ، وكلاهما من الخطأ. وقد تكون مصحّفة من كلمة(ابن) فيشتبه الراوي ويضعّف بالوالد ، ولا دخل له بالسند .. إلى غير ذلك.

وأيضا ؛ (١) : إنّ كثيرا ممّا رواه الشيخ رحمه اللّه عن موسى بن القاسم العجلي (٢) قد (٣) أخذه من كتابه ، وهو أيضا أخذه من كتب جماعة ، فينقل عنهم من غير ذكر الوسائط اتّكالا على ذكرها في أوّل كتابه ، فينقل الشيخ رحمه اللّه [عن موسى] عن (٤) أحد الجماعة من غير إشارة إلى الواسطة ، فيظنّ الاتّصال مع أنّ الواقع الإرسال ، وجميع ذلك محتمل في جميع الموارد من الشيخ رحمه اللّه و [من] غيره.

__________________

(١) حكاه بنحو القيل ـ أيضا ـ في توضيح المقال في علم الرجال ؛ الملاّ علي الكني : ٤٧ ، مع اختلاف يسير عمّا هنا.

(٢) كما في التهذيب ٩/٥ حديث ٢٣ ، و ٣٢٤/٥ حديث ٢٥ ، وصفحة : ٤٠٧ حديث ٦٢ .. وغيرها ، ومثله في الاستبصار ١٤٥/٢ حديث ١ .. وعنه حكاه غيره ، وفي إثبات كون هذا هو العجلي كلام.

(٣) لم ترد(قد) في المصدر.

(٤) في المصدر : من ، وما بين المعقوفين أخذ من التوضيح.

٩٦

وممّا يخصّ روايته عن الكافي أنّه قد يترك أوّل السند اعتمادا على ذكره قبله ، وربّما غفل عنه الشيخ رحمه اللّه فروى بإسقاط أوّل السند بزعم الاتصال ..

ولازم ما ذكر كلّه عدم العبرة بعلم الرجال (١).

وأنت خبير بأنّ غاية ما ينتجه ـ ما أطال به ـ هو عدم صحّة الاعتماد على تصحيح من لم يكن خبيرا بطبقات الرجال ، مميّزا للقطع والإرسال. وأين ذلك من عدم الحاجة إلى علم الرجال بالكلّية؟!وعدم إفادة مراجعته التثبّت والتبيّن والاطمئنان؟!وإنّما يصحّ ما ذكره برهانا لاعتبار كون من يصحّح السند متضلّعا في أحوال الرجال ، عالما بطبقاتهم ، مجتهدا في الجهات الخفيّة الراجعة إلى ذلك ، كما هو ظاهر لا سترة عليه ، وهذا حال كلّ من (٢) علم من العلوم ، فإنّه لا يستفيد به إلاّ الخبير بمزاياه وزواياه ونكاته واصطلاحاته.

__________________

(١) هذا الإشكال ينحلّ إلى وجوه ثلاثة ، أجاب عن أوّلهما ضمنا ، وهو وجود احتمال السقط في السند والتعديل لا ينفع في معرفة الساقط ، ويكون القدر المتيقن من الخبر هو الضعف لعدم إحراز غيره.

وأجيب عنه أنّ هذا منفي بالأصل بحكم العدالة ، ولا يكون من العدل إلاّ عن غفلة ونسيان ، ولا مانع منه ، وإلاّ لم يصح عندنا خبر .. وقد أشار إلى هذا الإشكال وجوابه الشيخ الخاقاني في رجاله : ٨٩.

(٢) كذا ، والظاهر أنّ(من)زائدة.

٩٧

وبالجملة ؛ ما زعمه المستدلّ حجّة له حجّة عليه ؛ لإفادته لزوم الاجتهاد في علمي الحديث والرجال.

وأيضا ؛ لو كان ما ذكره من وقوع الخطأ في بعض الأوقات من بعضهم موجبا لرفع اليد عن مراجعة أحوال الرجال ، لأوجب رفع اليد بالنسبة إلى العمل بنفس الأخبار ، لكثرة وقوع أشباه ما ذكر فيها.

وأمّا ما نسبه إلى المنتقى ـ من نفي وجود أكثر أنواعه في أخبارنا ـ ففيه :

أوّلا : أنّه مناف لما طفحت به عبارات المنتقى ، كيف وقد وضع الكتاب في الأحاديث الصحاح والحسان؟!

وثانيا : إنّ نفي وجود أكثر أنواعه فيها مبني على مبناه من اعتبار التعدّد في المزكّي ، فلا يتمّ على مسلك المشهور.

وثالثا : إنّ اعتراف البعض ـ على فرض ثبوته ـ إنّما يقدح في حقّه ، لوضوح عدم مضيّ إقرار أحد في حقّ غيره.

عاشرها :

إنّ أكثر أسامي الرجال مشتركة بين عدل أو ممدوح .. وغيره ، وأكثر أسباب التمييز لا تفيد إلاّ أقلّ مراتب الظنّ المنهي عن العمل به عقلا ونقلا ، كتابا وسنّة وإجماعا. وكيف يجوز القول باعتبار مثل هذا الظنّ ..؟!وهذا بخلاف ما يحصل من الشواهد على اعتبار أخبار الكتب المعتبرة من القطع أو الظنّ القوي المتآخم للعلم.

٩٨

وفيه ؛

أوّلا : إنّ جملة من الأسانيد لا اشتراك في رجالها ، وما فيه اشتراك فجملة من أسباب التمييز ممّا يفيد الاطمئنان (١).

وثانيا : إنّا إنّما اعتبرنا الرجوع إلى علم الرجال حسب الوسع والطاقة ، وخروج التمييز في بعض الموارد عن طوع الوسع لا يسقط التكليف عن الرجوع إليه بقدر الوسع (٢).

حادي عشرها :

إنّ أحاديثنا كلّها قطعيّة الصدور عن المعصوم عليه السلام ، وما كان كذلك فلا يحتاج إلى ملاحظة سنده (٣).

__________________

(١) العبارة محذوفة الخبر اتكالا على وضوحه أو ما سلف منه. وبعبارة اخرى نمنع أكثرية الاشتراك وما يوجد منه ـ وهو القليل أو الأقل ـ فالتمييز له حاصل وإن كان بالظن.

هذا ؛ مع كونه ظن خاص عندهم قام الدليل على خروجه من عموم النهي في باب الظن ، فتدبّر.

(٢) وأشار لهذا الوجه الشيخ الخاقاني في رجاله : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) للمولى الوحيد البهبهاني رحمه اللّه رسالة باسم : الاجتهاد والأخبار في الرّد على الأخبارية ، وذكر كيفية الاجتهاد ومقدماته .. طبعت ضمن الرسائل الاصولية للوحيد رحمه اللّه : ١٢٢ ، فراجعها ، حيث أبطل هذا الاستدلال بما لا مزيد عليه وأشار له في أوّل فوائده الرجالية المطبوعة في مقدمة منهج المقال للأسترآبادي : ٥ من الطبعة الحجرية [الطبعة المحقّقة من منهج المقال ٧١/١].

٩٩

أمّا الكبرى ، فظاهرة.

وأمّا الصغرى ؛ فلأنّ أحاديثنا محفوفة بقرائن تفيد القطع :

فمنها : القرائن الحاليّة والمقاليّة في متونها واعتضاد بعضها ببعض ، وكون الراوي ثقة في نفسه أو في الرواية ، غير راض بالافتراء ولا متسامح في أمر الدين فيأخذ الرواية من غير ثقة أو مع فقد قرينة الاعتبار.

ومنها : نقل العالم الثقة الورع له في كتابه المؤلّف للإرشاد ورجوع الشيعة إليه.

ومنها : كون راويها ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه على المعنى الظاهر الذي عليه الأكثر ، المبيّن في مقباس الهداية (١).

ومنها : كون راويها ممّن نصّ في الروايات على توثيقه ، وأمر بالأخذ منه ومن كتابه ، أو أنّه المأمون في أمر الدين والدنيا ..

ومنها : وجودها في الكتب الّتي شهد مؤلّفوها بصحّة ما فيها من الأخبار ، وأنّهم أخذوها من الكتب المعتمدة والاصول المعتبرة التي إليها المرجع ، وعليها المعوّل (٢).

__________________

(١) مقباس الهداية ١٧١/٢ ـ ١٩٧ [الطبعة المحقّقة الاولى] ، ولاحظ : مستدركه ١١٦/٦ ـ ١١٨ برقم ١٧٤.

(٢) البحث في قطعية صدور الأخبار جميعها ، أو خصوص أخبار الكتب الأربعة ، أو الأعم منها والكتب المعتمدة .. بحث طويل الباع ، واستدلّ له بوجوه عديدة ، وعليه أجوبة ـ

١٠٠