تنقيح المقال - ج ١

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ١

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-382-9
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٢٨

والعجب كلّ العجب من الفاضل النّراقي (١) ، حيث إنّه ـ مع كون أخبار علاج التعارض في الكتب الأربعة التي اعترف بصحّة ما فيها ـ ناقش في المقام بأنّه لم ينصّ باعتبار الأعدليّة والأوثقيّة ومثلهما (٢) إلاّ في روايتين ، إحداهما : في تعارض الحاكمين ، ولا دخل لها بالمدّعى ، والاخرى ، لا حجيّة فيها ؛ لعدم صحّة سندها.

وليت شعري ، إذا كان عدم صحّة السند قادحا في الخبر ـ وإن كان موجودا في الكتب الأربعة ـ فما معنى إصراره على صحّة جميع ما في الكتب الأربعة ..؟!إن هذا إلاّ تناقضا بيّنا!

على أنّ عدم صحّة سند الخبر المذكور غير قادح بعد تلقّي جميع الأصحاب له بالقبول (٣).

__________________

ـ فلو قلنا : إنّ الحجة هي الرواية الصحيحة سندا ، وكون الصحة أعمّ من معناها المصطلح عليه في علم الحديث ..أي الصحيح بالإضافة إلى الموثق والحسن ، وبالإضافة إلى ما تطمئن النفس بصدوره من المعصوم عليه السلام ، فلا بدّ لنا من المعرفة بحال الرواة ، وهو ممّا لا يتيسر عادة إلاّ عن طريق علم الرجال ، ومع ملاحظة أنّ موارد الاطمئنان النفسي بالصدور نادرة جدا ، تبيّن لنا بوضوح مدى الحاجة إلى علم الرجال .. كما أفاده السيّد الخوئي في تقريراته : الاجتهاد والتقليد : ٢٤ ـ ٢٧ ، فراجع.

(١) عوائد الأيام : ٢٥٨. ولاحظ أيضا : مستند الشيعة ١٤٢/١ .. وغيرهما.

(٢) كذا ، والظاهر : وأمثالهما.

(٣) وفيه : أنّ التناقض إنّما يتمّ بالقول بالإطلاق في الحجية ـ كما في الكتب الأربعة ـ حتّى ـ

٦١

هذا كلّه مضافا إلى عدم انحصار فائدة علم الرجال في تصحيح السند ، بل له فوائد اخر لها مدخل في الفقه غير تلك :

فمنها : الضبط والأضبطيّة ؛ وإن كان أصل الحديث متيقّن الصدور ، لرفع القدح في الحديث بزيادة حركة أو حرف أو نقطة أو نقصانها .. أو نحوها.

ومنها : إنّ الاتّفاق ـ منّا ومن الأخباريّة ـ واقع على وجود ما هو تقيّة في الروايات ، وفي الرجال ما هو مبيّن ومحكوم عليه بأنّه عامي ، فلا بدّ من معرفة الرجال بذلك ليعلم ما هو تقيّة أو غير تقيّة ، ليؤخذ به أو يطرح.

وأشدّ الحاجة إلى ذلك عند تعارض الحديثين ، ويكون كلّ منهما موافقا لمذهب العامّة.

والحاصل ؛ إنّ فائدة علم الرجال لا تنحصر فيما له دخل في تصحيح السند فقط ، بل له فوائد اخر (١) ، فتدبّر.

وربّما احتجّ موافقونا في القول بالحاجة إلى علم الرجال بوجوه أخر ، فما تمّت دلالته منها يكون دليلا ، وما لم تتمّ دلالته يكون مؤيّدا لنا.

__________________

ـ مع عدم وجود التعارض ، ولا يقول به أحد ، فيكون مبنائيا ، وكذا الشقّ الثاني لو سلّمناه ، فما هو المقبول عند بعض غير مقبول ، فتدبّر.

(١) أشار لها المحقّق الكاظمي في تكملة الرجال ٣٢/١ ـ ٣٨ بتقديم وتأخير.

٦٢

أحدها : الأصل ؛ بتقريب أنّه بعد حجيّة أخبار الآحاد ، ولزوم العمل بها ـ خلافا لعلم الهدى (١) وأضرابه (٢) قدّس أسرارهم ـ فلا خلاف في جواز ذلك بعد الرجوع إلى أحوال الرجال ، وتمييز (٣) المعتبر منها من غيره ، وجوازه قبل ذلك محلّ خلاف وإشكال ، والأصل عدم الجواز (٤).

ثانيها : إنّ أخبار الآحاد لا تفيد غالبا إلاّ الظنّ ، وقد تطابق الكتاب والسنة على حرمة العمل بالظنّ ، خرج من ذلك خبر الواحد المحرز اعتباره بمراجعة أحوال رجال سنده ، وبقي غيره تحت أصالة حرمة العمل بالظنّ (٥).

ثالثها : إنّ مصير عامّة المجتهدين إلى الافتقار إلى علم الرجال ولو في الجملة ـ إن لم يفد القطع بالحاجة إلى علم الرجال ـ فلا أقلّ من إفادته الظنّ بذلك ، فالإقدام على العمل بالخبر ـ من غير مراجعة كتب الرجال ـ قبيح مذموم عقلا ونقلا.

__________________

(١) كما نصّ عليه في كتابه الذريعة إلى اصول الشريعة ٤١٠/١ ، و ٤١٩ ، و ٤٢٧ ـ ٤٢٩ ، و ٤٤١ ، و ٤٤٧ ، و ٤٦١ ، و ٤٧٤ .. ولعلّ هناك مواطن اخرى.

(٢) وهؤلاء بعد إن اقتصروا على العمل في خصوص الأخبار المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعية استغنوا عن مراجعة الرجال إلاّ في مقام الترجيح.

(٣) في الحجريّة : وتميّز.

(٤) بمعنى عدم الاعتبار ؛ لوضوح أنّه على خلاف الأصل.

(٥) ويمكن أن يقال : إنّ فيه دعوى قطعية الصدور ، أو الاعتبار ، أو الأخير خاصة ..أو غير ذلك.

٦٣

رابعها : إنّ أخبارنا قد تضمّنت جملة من الأخبار الموضوعة ، فلا يجوز العمل بها إلاّ بعد تحقيق حال رجالها.

أمّا الصغرى ؛ فلوجهين : عقلي ، ونقلي.

أمّا الأوّل : فهو أنّه لا ريب في حصول العلم الإجمالي بوجود الوضّاعين والمندسّين والمدلّسين والمتعمّدين الكذب على اللّه ورسوله وأوليائه صلوات اللّه عليهم بين الرواة ، والعلم بصدور ذلك منهم حاصل لكلّ متتبّع لكتب الأخبار ، حتّى أنّ المغيرة بن سعيد قال ـ فيما حكي عنه ـ : فيما حكي عنه ـ : قد دسست في أخباركم أخبارا كثيرة تقرب من مائة ألف حديث (١).

__________________

(١) لم أجد هذا الحديث ـ حسب تتبّعي القاصر ـ بنصه.

نعم ؛ وردت روايات كثيرة في لعنه والبراءة منه ؛ مثل ما رواه في التهذيب ٩٩/١ .. وعنه في وسائل الشيعة ١٨٩/١ حديث ٨ ـ في لعنه والبراءة منه ـ ، وكذا في رواية الكشي : ١٤٩ [الطبعة المحقّقة : ٢٢٣ حديث(٤٠٠)] ، وجاءت في الوسادل ٥٩٢/١ [طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ٣٥٢/٢ حديث(٢٣٤١)] ، قال : «إن أهل الكوفة لم يزل فيهم كذّاب ..»ثمّ ذكر المغيرة ، فقال : «إنّه كان يكذب على أبي [حديثا] .. وكذب ـ واللّه ـ عليه لعنة اللّه ..»وموارد أخرى في رجال الكشي وغيره فيه لعنه اللّه.

وانظر : بحار الأنوار ٢٥٠/٢ عنه ، وكذا في ٢٨٩/٢٥ ، و ٢٩٧ ، و ٣١٤.

وفي الاختصاص : ٢٠٤ : «.. لعن اللّه المغيرة بن سعيد كان يكذب علينا ..». ومثله في الخرائج والجرائح ٧٣٣/٢ ، والمناقب لابن شهر آشوب ٢١٩/٤ .. وغيرها.

٦٤

وأمّا الثاني : فلاستفاضة الأخبار بذلك ؛ ففي النبوي صلّى اللّه عليه واله وسلّم المعروف : «ستكثر بعدي القالة عليّ» (١).

وعن الصادق عليه السلام : «إنّ لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه» (٢).

__________________

(١) وقد حكاه جمع من الفقهاء الأعلام كالمحقّق الحلّي في المعتبر ٣٠/١ ، والشيخ الكاظمي في تكملة الرجال ٣٠/١ .. وغيرهما ، ولم أجده في كتبنا الروائية.

نعم ؛ في الكافي الشريف ٥٠/١ باب اختلاف الحديث حديث ١ : عنه صلّى اللّه عليه وآله إنّه قال : «.. قد كثرت عليّ الكذابة ..» ، فلاحظ.

وفي رجال الكشي : ١٩٤ ـ ١٩٥ [اختيار معرفة الرجال : ٣٠٢ برقم (٥٤٢ و ٥٤٤)] ، وعن الأخير في بحار الأنوار ٢٩٧/٢٥ حديث ٥٩ ، حيث عدّد جمع ممّن كان يكذب عليهم عليهم السلام.

(٢) كما جاء في المعتبر للمحقّق الحلّي رحمه اللّه ٢٩/١ ومرسلا ، وفي رجال الخاقاني : ٢٠٩ .. وغيرهما.

انظر : رجال الكشي : ١٠٠ في ترجمة عبد اللّه بن سبأ ، وصفحة : ٢٥٧ في ترجمة أبي الخطاب .. وغيرهما.

أقول : لقد جاء في رجال الكشي ٥٩٣/٢ حديث ٥٤٩ [وكذا في اختيار معرفة الرجال : ٣٠٥] عنه عليه السلام : «إنا أهل بيت صادقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب علينا ، ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ..»ثمّ ذكر جمع ممّن كان يكذب عليهم عليهم السلام. ثمّ قال : «لعنهم اللّه ، انا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي ، كفانا اللّه مؤونة كل كذاب وأذاقهم حر الحديد ..»وعنه في مستدرك وسائل الشيعة ٩٠/٩ باب ١٢١ حديث ١٠٣٠٦.

ولاحظ : تحف العقول : ٢٢٧ ـ ٢٢٨ ، وعنه في الحدائق الناظرة ٨/١ .. وغيرهما.

٦٥

وعنه عليه السلام : «إنّ المغيرة بن سعيد [لعنه اللّه] دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا اللّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا [تعالى] وسنّة نبيّنا ..» (١).

وعنه عليه السلام (٢) : «إنّا أهل بيت صادقون ، لا نخلو من كذّاب يكذب

__________________

وفي حديث في وسائل الشيعة ٤٧٦/١١ حديث ٢ ، وأخذه من اصول الكافي الشريف ٢١٩/٢ حديث ١٠ .. وعنه في بحار الأنوار ٣١٦/٣٩ .. وغيرها عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال ـ في حديث ـ : «.. ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام ..»وانظر : بحار الأنوار ٢١٧/٢.

وقد أورد الحديث السيّد الداماد رحمه اللّه في الرواشح السماوية : ١٩٣ ، والشيخ يوسف البحراني في الحدائق الناظرة ١٩٩/٣ و ٣٩١/٧ ، والخاقاني في رجاله : ٢١٠ .. وغيرهم في غيرها.

(١) رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) : ٢٢٤ حديث ٤٠١ [طبعة النجف : ١٩٥] ، وسيأتي ذيله.

وحكاه في بحار الأنوار ٢٤٩/٢ ـ ٢٥٠ حديث ٦٢ باختلاف يسير.

ولاحظ : حديث ٦٣ و ٦٤ منه ، وجاء في رجال ابن داود : ٥١٧ برقم ٤٩٥ أيضا.

(٢) رجال الكشي : ٩٦ و ١٩٧ [اختيار معرفة الرجال ٥٩٣/٢ ، وفي طبعة اخرى : ٣٠٥] حديث ٥٤٩ ، وقد سلف في التعليقة السالفة] ، وانظر ذيل الحديث.

وحكاه عنه في بحار الأنوار ٢١٧/٢ حديث ١٢ ، و ٢٦٢/٢٥ ـ ٢٦٣ حديث ١ ، و ٢٨٧/٢٥ حديث ٤٢ ، وفيه : «صدّيقون»بدلا من : «صادقون» ، وكذا في رجال الخاقاني : ٢٠٩ .. وغيره.

٦٦

علينا ، فيسقط صدقنا بكذبه» (١).

وعن يونس (٢) أنّه قال : وافيت العراق ، فوجدت [بها] قطعة من أصحاب أبي جعفر و [وجدت أصحاب] أبي عبد اللّه عليهما السلام متوافرين ، فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم ، وعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا عليه السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أصحاب (٣) أبي عبد اللّه عليه السلام» ، قال [لي] : «إنّ أبا الخطّاب كذب على أبي عبد اللّه عليه السلام ، لعن اللّه أبا الخطّاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطّاب يدسّون من (٤) هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد اللّه عليه السلام فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن» (٥).

__________________

(١) في المصدر : «ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس ..».

(٢) رجال الكشي [اختيار معرفة الرجال] : ٢٢٤ ـ ٢٢٥ حديث ٤٠١ ، ولاحظ منه صفحات : ٧١ ، ١٤٦ ، ٣٢١ ، ٣٢٢ .. وموارد متعددة اخرى.

(٣) في المصدر : أن يكون من أحاديث .. بدلا من : أصحاب .. وهو الظاهر.

(٤) لا توجد(من) في المصدر وبحار الأنوار ، وقد جاءت في توضيح المقال عنه.

(٥) وحكاه في بحار الأنوار ٢٤٩/٢ ـ ٢٥٠ ذيل حديث ٦٢ ، وفي ذيله : «فإنا إن تحدّثنا [خ. ل : حدّثنا] حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة» .. إلى آخره.

ونقله بنصه في هامش تكملة الرجال ٣٠/١ من دون إشارة إلى ما هنا.

وجاء في رجال الكشي : ٢٢٥ حديث ٤٠٢ أيضا بالإسناد السالف : عن هشام ابن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول : «كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي عليه السلام ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي ـ

٦٧

وفي جملة من الأخبار ـ الأخبار العلاجيّة (١) ـ : «إنّ ما خالف القرآن (٢) ..» ، وفي بعضها : «.. ما خالفه وخالف السّنة

__________________

ـ يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي عليه السلام ، ثمّ يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثّوها [كذا في بحار الأنوار ، وفي الرجال : يثبتوها] في الشيعة ، فكل ما كان في كتب أصحاب أبي عليه السلام من الغلو فذاك ممّا دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم» ، وحكاه عنه العلاّمة المجلسي في بحاره ٢٥٠/٢ حديث ٦٣.

ولاحظ : وسائل الشيعة ١٨٨/٤ ، وصفحة : ١٨٩ ، ومستدرك وسائل الشيعة ١٤٨/١ حديث ٢٢٤ ، و ١٣٤/٣ حديث ٣١٩٥ ، و ٩٠/٩ حديث ١٠٣٠٦ ، وصفحة : ٩١ حديث ١٠٣٠٨ ، و ٢٩٠/١٢ ، وصفحة : ٢١٩ حديث ١٤١١٠.

(١) قد سلف بعضها قريبا ، انظر : الباب ٢٩ في علل اختلاف الأخبار ، وكيفية الجمع بينها ، والعمل بها ، ووجوه الاستنباط ، وبيان أنواع ما يجوز الاستدلال به .. من كتاب بحار الأنوار ٢١٩/٢ ـ ٢٥٥ ، فقد تعرّض لغالب روايات الباب.

أقول : ذكر المولى الكني رحمه اللّه ، وزاد في توضيح المقال : ٣٩ هذا وجها خامسا ؛ أعني الأخبار العلاجية المشتملة على الرجوع عند التعارض إلى الأعدل والأورع والأفقه .. قال : وهذه الصفات لا يعلم ثبوتها في الرواة إلاّ بملاحظة الرجال لفقد المعاشرة معهم ، وانتفاء الشهادة اللفظية عليها فيهم ، فانحصر في الكتبية الموجودة في الرجال وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعية .. إلى آخر كلامه.

(٢) جاء هذا بمضامين متعددة جدا ، منها : ما أورده العياشي في تفسيره ٨/١ حديث ٢ عن علي عليه السلام : «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة» .. إلى أن قال : «وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب اللّه فخذوا به ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه».

٦٨

إنّي ما قلته» (١).

__________________

وحكاه في بحار الأنوار ١٦٥/٢ حديث ٢٥. وأورده عن محمّد بن مسعود في مستدرك وسائل الشيعة ٣٠٤/١٧ حديث ٤.

ونظيره في أمالي الشيخ الصدوق رحمه اللّه : ٣٦٧ ، وحكاه في بحار الأنوار ٢٢٧/٢ حديث ٤ ، وقريب منه في المحاسن ٢٢٦/١ : عنه عليه السلام ، وأورده في بحار الأنوار ٢٤٣/٢ حديث ٤٤.

وانظر ما جاء في كتاب الاحتجاج للطبرسي ٤٤٦/٢ ، وحكاه العلاّمة المجلسي في بحاره ٢٢٠/٢ ـ ٢٢٢ ـ ممّا يفيد في الباب.

ولاحظ : بحار الأنوار ٢٣٥/٢ حديث ٢٠ وما بعده.

(١) المشهور هو ما جاء عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في حجّة الوداع : «قد كثرت عليّ الكذابة وستكثر ، فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوء مقعده من النار ، فإذا أتاكم الحديث فأعرضوه على كتاب اللّه وسنتي ، فما وافق كتاب اللّه وسنتي فخذوا به ، وما خالف كتاب اللّه وسنتي فلا تأخذوا به».

ولاحظ : تفسير العياشي ٨/١ حديث ١ ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة ٣٠٤/١٧ حديث ٣.

كما جاء في الاحتجاج ٢٤٦/٢ طبعة النجف الأشرف(٤٤٧/٢ طبعة إيران) ، وحكاه في بحار الأنوار ٢٢٥/٢ حديث ٢ ، وجاء أيضا في بحار الأنوار ٨٠/٥٠ حديث ٦.

وفي قرب الإسناد : ٤٤ ، عن الإمام الباقر عليه السلام ، قال : «قرأت في كتاب لعلي عليه السلام أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، قال : «إنّه سيكذب عليّ كما كذب على من كان قبلي ، فما جاءكم عنّي من حديث وافق كتاب اللّه فهو حديثي ، وأمّا ما خالف كتاب اللّه فليس من حديثي». وأورده في بحار الأنوار ٢٢٧/٢ حديث ٥.

٦٩

وفي آخر : الأمر بضرب مخالفه وجه الجدار (١) ..

.. إلى غير ذلك من الأخبار (٢).

__________________

(١) وفي بعض الروايات : «ما خالف كتاب اللّه فدعوه ..» ، كما في الكافي الشريف ٦٩/١ ، ومثله في نوادر الأشعري : ١٧٣ حديث ٤٥٢ ، والمحاسن ٢٢٦/١ ، وأعلام الدين : ٣٠١ ، وتفسير العياشي ١١٥/٢ .. وغيرها. وفي قرب الإسناد : ٤٤ : «.. فليس من حديثي». وفي من لا يحضره الفقيه ٤٩٦/٣ حديث ٤٧٥١ : عن الصادق عليه السلام : «ما خالف كتاب اللّه ردّ إلى كتاب اللّه».

وجاء في ذيل حديث في قرب الإسناد : ٣٠ ، وفيه : «كلّما خالف كتاب اللّه والسنة فهو يردّ إلى كتاب اللّه والسنة ..» ، وفي نوادر الحسين بن سعيد : ٧٨ [المحقّقة : ١٧٣ حديث ٤٥٢] ، قال : ..«كلمّا خالف كتاب اللّه في شيء من الأشياء من يمين أو غيره ردّه إلى كتاب ..» ، ولاحظ : بحار الأنوار ١٤٧/١٠٤ ، وصفحة : ٢٤٤.

وفي وصيّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله التي رواها الإمام الكاظم عليه السلام ، وفيها : «.. لأنّ كلّ سنّة وحديث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل» ، وجاء في بحار الأنوار ٤٨٧/٢٢.

وفي الكافي الشريف ٨٥/٢ [٧٠/٢] في حديث : «.. ومن خالف سنّتي فقد ضلّ ..» ، وقد جاء في بحار الأنوار ٢٠٩/٧١ حديث ١.

(٢) أو : «هو زخرف ..» ، كما في ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام من قوله : «كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة ، وكل حديث لا يوافق القرآن فهو زخرف». كما جاء في تفسير العياشي ٨/١ حديث ٤ ، ولاحظ : اصول الكافي ٦٩/١ حديث ١ و ٢ و ٣ .. وعنه في وسائل الشيعة ٧٨/١٨ ـ ٧٩ حديث ١٤ ، وفي من لا يحضره الفقيه ١٦٢/٢ ، ٤٩٦/٣ .. وعنه في وسائل الشيعة ٣١٧/١٥ حديث ٢٢ ، وفيه : «ما خالف ـ

٧٠

__________________

ـ كتاب اللّه ردّ إلى كتاب اللّه».

وفي وسائل الشيعة ٦٩/٢٢ ـ ٧٠ حديث ٢٨٠٤٢ (طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام) ، وفيه : «كلّ ما خالف كتاب اللّه والسنة فهو يرّد إلى كتاب اللّه والسنة ..». أو «باطل ..» ، كما في وسائل الشيعة ١٠٦/٢٧ ـ ١٢٤ (طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام)باب(٩)وجوب الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها إذ فيه أحاديث عديدة ، أو : «لا تأخذ به ..» ، وجاءت في مستدرك وسائل الشيعة ٣٠٢/١٧ ـ ٣٠٧ جملة روايات عن تفسير العياشي ١١٥/٢ .. وغيره.

وفي آخر : ..«وما وافق كتاب اللّه فخذوا به ، وما خالف كتاب اللّه فدعوه» ، كما جاء في المحاسن ٢٢٦/١ ، وأعلام الدين : ٣٠١ ، وأمالي الشيخ الصدوق : ٣٦٧ ، ووسائل الشيعة ١٠٩/٢٧ حديث ٣٣٣٤٣.

أو : «فقد كفر» ، كما في اصول الكافي ٧٠/١ حديث ٦ .. وغيرها.

وفي محاسن البرقي : ٢٢٠ حديث ١٢٦ ، عن الصادق عليه السلام : «من خالف سنة محمّد صلى اللّه عليه وآله فقد كفر» ، وجاء في مستدرك الوسائل ٨٠/١ حديث ٢٨.

وفي دعائم الإسلام ٤٤/٢ حديث ١٠٦ عنه صلّى اللّه عليه وآله أنّه قال : «المسلمون عند شروطهم ، إلاّ كلّ شرط خالف كتاب اللّه» ، وجاء في مستدرك وسائل الشيعة ٣٠٠/١٣ باب ٥ حديث ١ ، وكذا الحديث الذي بعده ، وفيه : «وكل شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ ..» ، ولاحظ روايات الباب ، ودعائم الإسلام حديث ١٤٣ و ١٤٤ و ١٤٥ و ٩٣٥ ، ومستدرك وسائل الشيعة ٣٧٥/١٣ باب ١١ حديث ١.

وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى : ٧٨ : عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «كلما خالف كتاب اللّه في شيء من الأشياء ـ من يمين أو غيره ـ ردّ الى كتاب اللّه» ، وحكاه في مستدرك وسائل الشيعة ٤٤/١٦ .. وغيرها.

٧١

وأمّا الكبرى ؛ فلأنّ إخراج الموضوعة عمّا بأيدينا غير معلوم ، وادّعاؤه ـ كما يأتي ـ غير مسموع ، فالعمل بالجميع من غير تمييز (١) الموضوع عن غيره بالمقدور قبيح ، مخالف للأخبار المذكورة في الصغرى (٢).

وبعبارة اخرى : العمل بكلّ خبر يقضي بعدم العمل بشيء من الأخبار إلاّ بعد الفحص والبحث عن صدوره ؛ ضرورة أنّ من جملة الأخبار ما سمعته في الصغرى ، وهي تمنع من العمل بكلّ خبر ، وإلى ذلك أشار المحقّق رحمه اللّه في المعتبر (٣) ، من ردّ مذهب الحشويّة (٤) بغفلتهم عمّا تحته من التناقض ، وحيث احتجنا إلى التمييز (٥) ، فلا خلاف في حصوله بملاحظة حال رجال السند ، وحصوله بغيره كليّا غير ثابت بعد ما يأتي في توهين دعواه ،

__________________

(١) في الحجرية : تميّز.

(٢) أقول : ذكر المحقّق الكاظمي في تكملة الرجال ٢٩/١ ـ ٣٠ الدليل الثالث للحاجة إلى علم الرجال هو الأخبار ، ثمّ أشار أوّلا : إلى الأخبار العلاجية ، ثمّ ذكر من الأخبار ـ ثانيا ـ خبر الكشي [صفحة : ٩] عن الصادق عليه السلام : «اعرفوا منازل شيعتنا منّا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنّا ، فإنّا لا نعدّ الفقيه فقيها حتّى يكون محدّثا» ، فقيل له : أو يكون المؤمن محدّثا؟!قال : «يكون مفهما ، والمفهم محدّث» .. ولا يخفى ما فيه. ثمّ ذكر الأحاديث الناصة على أنّ من أحاديثهم عليهم السلام المدسوس والمكذوب.

(٣) المعتبر ٢٩/١ مقدمة المصنف رحمه اللّه.

(٤) قد سلف المراد منهم قريبا في صفحة : ٥٣ ، تعليقة ٢.

(٥) في الحجرية : التميّز ..

٧٢

فلابدّ من الرجوع إلى علم الرجال عملا بما مرّ في الصغرى من العلم الإجمالي والأخبار ، وإلاّ للزم تحليل الحرام وتحريم الحلال مع التمكّن من التشخيص والتمييز بالرجوع إلى علم الرجال ، فثبت لزوم الرجوع إليه ، وهو المطلوب (١).

خامسها : [لزوم الفحص لعدم اعتبار خبر الفاسق بل المنع من الأخذ به] إنّ قول الفاسق وخبره ـ مع العراء عن التثبّت وقرائن الصدق والجابر ـ غير معتبر شرعا ، والعمل به مذموم عقلا ، منهيّ عنه شرعا ، لقوله سبحانه : (إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ..) الآية (٢) ، وحيث إنّ كلّ خبر لم يحرز حال رجاله يحتمل كون بعض رجاله فاسقا ، لم يجز عند العقلاء الأخذ به قبل الفحص عن حال رجاله والتثبّت ، وسدّ باب احتمال كون بعض رواته فاسقا ، وذلك لا يكون إلاّ بمراجعة أحوال رجال السند ، فظهرت الحاجة إلى علم الرجال (٣).

سادسها : [الإجماع على المنع من العمل بخبر الفاسق العاري عن قرائن الصدق] الإجماع ـ حتّى ممّن عدا الحشويّة من الأخباريّين ـ على المنع من العمل بخبر الفاسق العاري عن قرائن الصدق ، غاية ما هناك أنّ الأخباريّة ينازعون في الصغرى ، ويدّعون وجود قرائن الصدق مع كلّ خبر ، ولازمه عدم جواز العمل بها مع العراء عن قرائن الصدق ، ولا اعتناء بخلاف الحشويّة في العمل بكلّ خبر حتّى الفاقد للقرينة بالمرّة.

__________________

(١) لا يخفى ما هناك من التعقيد اللفظي والمعنوي في تقرير هذا الوجه .. فتدبّر.

(٢) سورة الحجرات(٤٩) : ٦.

(٣) لقد أجمل الكاظمي رحمه اللّه في التكملة ٢٩/٢ في بيان هذا الاستدلال كوجه ثان للحاجة إلى علم الرجال ، فراجعه.

٧٣

سابعها : [سيرة العلماء في تدوين كتب الرجال والرجوع إليها في معرفة الرواة] أنّ سيرة العلماء قديما وحديثا على تدوين كتب الرجال وتنقيحها ، وتحصيلها بالشراء والاستكتاب ومطالعتها ، والرجوع إليها في معرفة أحوال الرواة ، والعمل بها ، وقد كان للسابقين ـ كالصدوقين (١) والشيخين (٢) والفاضلين (٣) ..

__________________

(١) الصدوقان ؛ ويقال لهما : الفقيهان ، والقميان ، كما يقال لهما : ابني بابويه ـ كما أفاده في معجم الرموز والإشارات : ٢٧٩ ـ وهما : ابن بابويه ؛ علي بن الحسين ابن موسى والد الشيخ الصدوق رحمهما اللّه(نحو ٢٦٠ ـ ٣٢٩ ه‌) ، وولده أبو جعفر محمّد الصدوق القمي (٣٠٦ ـ ٣٨١ ه‌) ، وليسا هما : محمّدا وأخاه الحسين بن علي ، كما توّهمه البعض.

لاحظ كتابنا : معجم الرموز والإشارات.

(٢) الشيخان عندنا ؛ هما : الشيخ المفيد ؛ محمّد بن محمّد بن النعمان ، المتوفّى سنة ٤١٣ ه‌ ، والشيخ الطوسي ؛ محمّد بن الحسن بن علي المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‌.

كما يراد منهما عند المحدّثين : الشيخ الكليني ؛ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الرازي المتوفّى سنة ٣٢٩ ه‌ ، والشيخ أبي جعفر محمّد الطوسي المتوفّى سنة ٤٦٠ ه‌ ، وأما مصطلح الشيخان عند الآبي في كشف الرموز فهما : الشيخ المفيد وابن بابويه القمي رحمهما اللّه ، كما في هامش معجم الرموز : ٢٦٣.

(٣) الفاضلان ؛ هما : المحقّق الحلّي ؛ جعفر بن الحسن المتوفّى سنة ٦٧٦ ه‌ ، والعلاّمة الحلّي ؛ الحسن بن يوسف بن المطّهر المتوفّى سنة ٧٢٦ ه‌.

وقيل : العلاّمة وابنه فخر المحقّقين أبو طالب محمّد بن الحسن ، المتوفّى سنة ٧٧١ ه‌ ، قاله المولى ملا صالح المازندراني في أوّل مبحث مفهوم الشرط من حاشيته على معالم الاصول ، وعنه في معجم الرموز : ٢٨٨.

٧٤

وغيرهم ـ فيه مهارة ، وكانوا يعدّونه في أصولهم من شرائط الاجتهاد (١) ، فهل ترى من نفسك كون ذلك كلّه منهم لغوا وعبثا!؟حاشا وكلاّ! بل عملهم هذا يكشف عن رضا المعصوم عليه السلام ، ويؤكّد ذلك سيرة الرواة والمحدّثين ، حيث إنّها ـ من زمن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمّة عليهم السلام ـ قد استقرّت إلى زمان تأليف الكتب الأربعة ، بل إلى

__________________

(١) قال شيخ الطائفة في عدّة الاصول ٣٦٦/١ ـ في باب شرائط الاجتهاد ـ [الطبعة المحقّقة ١٤١/١ ـ ١٤٢] باختلاف يسير بينهما : إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار : ووثّقت الثقات منهم ، وضعّفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم ، وقالوا : فلان متّهم في حديثه ، وفلان كذاب ، وفلان مخلّط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي .. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب ، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم حتّى أنّ واحدا منهم إذا أنكر حديثا طعن في إسناده وضعفه برواته [بروايته] .. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم.

وقال العلاّمة الحلّي قدّس سرّه في خلاصة الأقوال : ٤٢ [وفي الطبعة الاولى : ٢] : إنّ العلم بحال الرواة من أساس الأحكام الشرعية ، وعليه تبتنى القواعد السمعية ، ويجب على كل مجتهد معرفته وعلمه ، ولا يسوغ له تركه وجهله ؛ إذ أكثر الأحكام تستفاد من الأخبار النبوية والروايات عن الأئمة المهدية عليهم السلام فلابدّ من معرفة الطريق إليهم ، حيث روى مشايخنا رحمهم اللّه عن الثقة وغيرهم ، ومن يعمل بروايته ، ومن لا يجوز الاعتماد على نقله ، فدعانا ذلك إلى تصنيف مختصر في بيان حال الرواة ومن يعتمد عليه ومن تترك روايته ..

٧٥

تأليف الثلاثة المتأخّرة ـ الوافي والوسائل والبحار ـ على [الالتزام ب‌] ذكر جميع (١) رجال الأسانيد ، حتّى أنّ أحدا منهم لو أسقطهم أو بعضهم في مقام أشار إليهم في مقام آخر ، كما في الكتب الأربعة ، وصرّحوا بأنّ ذلك منهم للاحتراز من لزوم الإرسال والقطع والرفع .. ونحوهما (٢) ممّا ينافي اعتبار الخبر ، ولولا أنّ غرضهم اطّلاع المجتهدين على رجال السند ، ومراجعة أحوالهم حسب المقدور ، وتحصيل الوثوق بآحادهم ، لما تكلّفوا ذكر آحاد السند تماما ، ولو كان بناؤهم على اعتبار الأخبار من غير ملاحظة أحوال الرواة ، لمجرّد الأخذ من الاصول الأربعمائة أو لغيره من قرائن الاعتبار ؛ لكان تطويل الكتب بذكر جميع الأسانيد ـ بل تصدّيهم للتعرّض لأحوال الرجال من زمن الشيخ الطوسي ، بل من قبله ، وتصنيفهم في ذلك إلى الآن ـ لغوا وعبثا ، حاشاهم عن ذلك (٣)!

__________________

(١) في الأصل : جمع.

(٢) كذا في الأصل الحجري ، والظاهر : ونحوها.

(٣) عدّ الشيخ الكاظمي في تكملة الرجال ٣٠/١ ـ ٣١ هذا دليلا رابعا للحاجة إلى علم الرجال ، وأسهب في الحديث فيه ، وزاد عليه تصنيفهم لكتب الرجال وإنّ احتياجنا أكثر من احتياجهم لكثرة الوسائط وبعد المدى ، وخفاء كثير من الأحكام ، وانعدام كثير من القرائن الخارجية والداخلية .. ثمّ ذكر شواهد على ذلك ..

أقول : تحصّل أنّ هذه الوجوه كلاّ أو جملة ـ ولو بضمّ الإجماع المركب ممّن يعتدّ بشأنه ، أو عدم القول بالفصل ـ أو مقدمة أخرى ممّا يكتفى به في المقام ، وإلاّ فبعضها استحساني وآخر قابل للمناقشة فيه.

٧٦

حجّة النّافين للحاجة إلى علم الرجال ..

وجوه موهونة ، وشبهات واهية لا اعتناء بها في قبال حجّة المثبت :

أحدها :

[أن العمل بالموثق والحسن بل الضعيف المنجبر مغن عن التعديل] إنّ مصير الأكثر إلى اعتبار الموثّق ـ بل الحسن بل الضعيف المنجبر ـ ، ينفي الحاجة إلى علم الرجال ؛ لأنّ عملهم ذلك يكشف عن عدم الحاجة إلى التعديل.

وفيه : أنّا لا نعتبر الرجوع إلى أحوال الرجال للتعديل حتّى ينتقض بما ذكره المستدلّ ، وإنّما نعتبره من باب تحصيل الوثوق بالصدق المبعّد لاحتمال الكذب.

وإن شئت قلت : إنّ الآية قد منعت من قبول خبر الفاسق من غير تبيّن وتثبّت .. ومراجعة حال الراوي وتحصيل الوثوق العادي بصدقه نوع تثبّت وتبيّن ؛ فيلزم (١).

__________________

وعدّ من فوائد علم الرجال : إنّ الاتّفاق واقع من الفريقين على أنّ في الحديث ما هو تقيّة ، وفي الرواة من هو عامي إجمالا ، وفي الرجال من هو مبيّن ومحكوم عليه أنّه مجروح ؛ فلا بدّ من الفحص في الرجال ليعلم ما هو تقية أو غير تقية ليؤخذ أو يطرح ، خاصة عند تعارض الحديثين ، أو كونهما موافقان لمذهب العامة.

وهي ـ كما ترى ـ وجوه استحسانية باردة ، كما وقيل : إنّ منه معرفة مناقبهم وأحوالاتهم بعد معرفة أسمائهم وأحوالهم وأقوالهم ومراتبهم ؛ كي يتأدب بآدابهم ويقتبس المحاسن من آثارهم ، وكذا معرفة مراتبهم وأعصارهم فضلا عن معرفة مراتب ترجيحهم ، إذا تعارضت الأقوال فيهم.

(١) وفيه أيضا أنّ الكلام في منشأ تحصيل الوثوق والحسن وغيرهما ممّا يتأتى بواسطة هذا العلم ، لا فيه!وهذا أشبه بالمغالطة منه بالبرهان ، فتدبّر ؛ إذ إنّ هذا عمدة الأجوبة.

٧٧

ثانيها :

إنّ عدالة الرواة لا طريق إليها إلاّ بالرجوع إلى كتب أهل الرجال الذين أخذوا عدالة الرواة من كتب غيرهم ، وغيرهم من غيرهم .. ولا يثبت بذلك التعديل المعتبر ؛ لعدم العبرة بالقرطاس ، وأنّ شهادة الفرع غير مسموعة في المقام ، سيّما مع عدم معلوميّة الأصل ، وحجيّة تزكية الراوي مبني على ثبوت تزكية المزكّي ، وليس لنا طريق إليه (١).

وفيه : أنّ التزكية هنا ليست شهادة حتّى يعتبر فيها ما يعتبر في تلك من الأصالة ، والشفاه .. وغيرها ، وإلاّ لما جاز أخذ الأخبار من الاصول ، مع أنّها مأخوذة من الاصول الأربعمائة.

بل المقصود من الرجوع إلى علم الرجال هو التثبّت ، وتحصيل الظنّ الاطمئناني الانتظامي ـ الذي انتظم أمور العقلاء به فيما يحتاجون إليه ـ وهو يختلف باختلاف الأمور معاشا ومعادا ، ويختلف في كلّ منهما باعتبار زيادة الاهتمام به ونقصانه ، ولعلّه أحد الوجوه للتسامح في أدلّة السنن (٢) ، ولا ريب

__________________

(١) وبعبارة اخرى : إنّ الرجوع إلى علماء الرجال وكتبهم إنّما هو تعويل على النقوش والقراطيس ، وغاية ما ثبت هو حجية ظواهر الألفاظ ، والنقوش ليست منها ، فلتكن على الأصل من حرمة العمل بالظنون ، ولا يعتمد عليها ؛ لأنّها ليست من أمارات القطع بالمراد ..

(٢) سلف الحديث عن هذه القاعدة من المصنف قدّس سرّه في كتابه الرائع مقباس الهداية ـ

٧٨

أنّ الظنّ المعتبر كذلك يحصل بمراجعة كتب الرجال وتزكية الفرع عن الفرع .. ونحو ذلك من اجتماع أمارات التوثيق.

مضافا إلى منع ابتناء جميع التوثيقات على الرجوع إلى كتب السابقين ؛ إذ قد يحصل الظنّ بالعدالة الموجب للاعتماد على خبر الراوي والمخبر بممارسة الرجل للرجل الممارس له ، وقد يحصل بقيام قرائن وعلامات تنبىء عن حصول الملكة فيه ـ وإن لم يكن معاصرا له ـ فيوجب جواز العمل به لمن حصل له الظنّ بها ، ولا يستلزم حجّية خبره لو أخبر عنها ليرد علينا جواز التعويل على تصحيح الغير ؛ فإنّ الظنّ الحاصل بالاجتهاد يجوز للظانّ العمل به ، ولا يجوز للغير العمل بخبره إلاّ عند عجزه عن الاجتهاد فيه.

نعم ؛ الظنّ الحاصل لغير المعاصر قد يستند إلى أمارات تكشف عن العدالة بحيث تقبل الشهادة بها ، حيث إنّه لم يلحق بالاجتهاد الممنوع العمل به للغير ؛ ضرورة عدم ورود دليل على اعتبار تقارن عصر المعدّل والمعدّل ، ولذا جاز العمل والاعتماد لنا على تزكية النجاشي والكشي والشيخ .. وأضرابهم ، مع أنا لم نعاصرهم ، ولم يحصل لنا الوثوق بكلامهم إلاّ من جهة الأمارات الدالّة على وثاقتهم (١).

__________________

ـ ١/١٩٢ ـ ١٩٩ تبعا للشهيد الثاني في مؤلفه البداية : ٢٩ [٩٦/١] ، وعلّقنا واستدركنا عليهما في مستدركاتنا برقم(٥١)و (٥٢)و (٥٣) ، التي جاءت في مستدرك مقباس الهداية ١٤٤/٥ ـ ١٥٣ [الطبعة المحقّقة الاولى] ، وأشبعناها مصادرا وأقوالا ، وتفرّد شيخنا طاب ثراه في المقام بمقال حريّ بالملاحظة ، فلا نعيده.

(١) والحاصل ؛ إنّه لا فرق بين الكتابة والألفاظ إجماعا بل ضرورة ، وذلك مع الأمن ـ

٧٩

ثالثها :

إنّ من المعلوم إجمالا أنّ جلّ الرواة بل كلّهم فقدوا العدالة في الجملة ، بمعنى أنّهم لم يستمرّوا عليها من أوّل بلوغهم إلى زمان وفاتهم ، سيّما لو فسرّنا العدالة ب‌ : الملكة ؛ فإنّ من البعيد غاية البعد حصول الملكة لهم من أوّل البلوغ مستمرّة إلى حين الوفاة.

سلّمنا أنّ فيهم من كان كذلك ؛ لكنّه نادر.

سلّمنا عدم النّدرة ؛ لكنّه مشتبه غالبا ، ولا نرى أحدا يتفحّص عن أحوال الرجال كذلك ، ولا عن تقارن زمان الرواية لزمان العدالة.

فعلى هذا ؛ فلا ثمرة في علم الرجال إلاّ أن يثبت العدالة واقترانها لحال الرواية ، وأنّى لك بإثباته (١)!

__________________

ـ من التزوير والوثوق بها كما عليه طريقة العقلاء .. إذ دليل الحجية فيهما واحد ، ولعلّ ذلك يستفاد من أمر الإمام العسكري عليه السلام في أمر كتب بني فضال حين سئل : ما نصنع بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟قال عليه السلام : «خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» ، بل أمرهم عليهم السلام بالكتابة وتوريث ما يكتبون بينهم ـ معللا بأنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلاّ بكتبهم ـ خير شاهد على ما ذكرناه.

نعم ؛ ناقش بعض اساتذتنا قدّس اللّه أسرارهم في المكاتبات بأنّها في معرض التقية أكثر من المشافهات ، وهذا يندفع بقيد الوثوق والاطمئنان العقلائي ، فتدبّر.

وقد أشار لهذا الوجه وجوابه ـ بشكل آخر قد يعدّ جوابا مغاير ـ الشيخ الخاقاني في مقدمات رجاله : ٨٨ ، فراجع.

(١) وبعبارة اخرى : أنّ تعديل المعدّل للراوي قضية مهملة وهو غير مجد ؛ لعدم معلومية كون تعديله حين روايته ، ومعه لا حجية.

٨٠