تنقيح المقال - ج ١

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ١

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-382-9
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٢٨

ومنها : ما عن بعض الأواخر (١) ، من أنّه : علم يبحث (٢) فيه عن أحوال الراوي ، من حيث اتّصافه بشرائط قبول الخبر وعدمه.

قال : وهذا الحدّ مانع جامع (٣)لجميع مسائل هذا العلم ، ممّا كان له تعلّق بذات المخبر أوّلا وبالذّات ، وبالخبر ثانيا وبالعرض ، كقولهم : إنّ فلانا

__________________

وفيه ـ غير ما مرّ ـ : أنّ جعل الذات من الأحوال مخالف لاصطلاح أهل الرجال وغيرهم.

(١) نسب إلى الملاّ علي الكني (١٢٢٠ ـ ١٣٠٦ ه‌)الذي هو من تلامذة صاحب الجواهر ، وهو ليس في محلّه ؛ إذ وقع في ذيله(الأحقر شيخ جعفر).

أقول : يحتمل أن يراد منه المولى محمّد جعفر شريعتمدار الأسترآبادي (١١٩٨ ـ ١٢٦٣ ه‌)له في الرجال : كتاب لب اللباب ، والإيجاز في القواعد الرجالية ، وشرح مشيخة التهذيب والاستبصار .. ولم نجد تعريفه هذا في لب اللباب ، وقد سلف النقل عنه.

وكذا للمولى محمّد جعفر الأسترآبادي المتوفّى سنة ١٣١٥ ه‌ كتاب غاية الآمال في استعلام أحوال الرجال ، كالشرح على منتهى المقال ، كبير في عدّة مجلّدات.

ويمكن أن يكون محمّد جعفر(أو جعفر)بن محمّد طاهر الخراساني الكرباسي الأصفهاني ، المولود سنة ١٠٨٠ وكان حيا سنة ١١٥١ ه‌ الذي له كتاب : إكليل المنهج في تحقيق المطلب ، حاشية على رجال الميرزا الأسترآبادي ، قالوا عنها : إنّها حسنة الفوائد وجليلة ، ويوقّع فيها ب‌ : محمّد جعفر ، أو جعفر.

والأوسط من الأقوال أوسط ، فلاحظ.

(٢) في المصدر : إنّه ما يبحث ..

(٢) في حاشية التوضيح : .. وجامع.

٤١

عدل أو فاسق ، لاقى فلانا (١) أو لم يلاقه ، أو بالعكس ، كقولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان .. لإفادة ذلك المدح اتّفاقا لمن يقال في حقّه (٢).

..إلى غير ذلك من التعريفات التي ليس الغرض من نحوها إلاّ المعرفة في الجملة ، لا الحدّ التام ، ولا المعرفة التامّة الموجبة للتدقيق في قيودها ـ كما نبّهنا على ذلك غير مرّة ـ ولذا يكفي في التعريف كلّ من التعريفات المذكورة .. وأمثالها ، وإنّما نقلنا لك عدّة منها لتطّلع على كلماتهم (٣).

__________________

(١) لا توجد : فلانا ، في المصدر المطبوع.

(٢) انظر : حاشية توضيح المقال : ١ المطبوع على الحجر ذيل منتهى المقال ، طبعة سنة ١٣٠٢ ه‌ [هامش الطبعة المحقّقة : ٢٩] باختلاف يسير. ذكر بعده الفرق بين علم الرجال والدراية ، قال : والأحسن في تعريف علم الرجال أن يقال : علم يبحث ..إلى آخره.

وقيل في تعريفه إنّه : القواعد التي يمكن أن يعرف بها حال الراوي ، كما جاء في الوجيزة في علم الرجال للمشكيني : ١٨.

وقريب منه ما قاله الكاظمي رحمه اللّه في تكملة الرجال ١٢/١ تحت عنوان : مسألة الرجال ؛ هو علم يعرف به أحوال الرواة من حيث قبول خبرهم وردّه.

هذا ؛ وقد خرج بقيد(الحيثية)علم التواريخ ؛ فإنّه يعرف به أحوالهم إلاّ أنّ المقصود من التعريف هو مجرد معرفة أحوال السلف لا من تلك الحيثية ، وكذلك يخرج ما يذكر في كتب الرجال في مطاوي كلماتهم ممّا ليس له دخل في القبول والردّ.

(٣) هذا ؛ ولا يخفى أنّ مجرد المعرفة ـ ولو في الجملة ـ كافية في نحو هذه التعاريف ، ـ

٤٢

بقي هنا الإشكال الذي يوجّه إلى جملة من العلوم ، وهو أنّ العلم في الحقيقة : ما يستفاد منه قواعد كلّية يقتدر بها على معرفة الجزئيّات الغير المحصورة ، ويحتاج إلى النظر وإعمال القوّة .. وليس هذا العلم بهذه المثابة ؛ لعدم استناد حصوله إلاّ إلى الحواسّ الظاهرة الخارج إدراكاتها من زمرة العلوم.

والجواب عن الإشكال :

أوّلا : منع كون العلم حقيقة فيما ذكره ، بل كلّ ما جمع مطالب متناسبة يجمعها عنوان عامّ فهو علم.

وثانيا : إنّ هذا العلم ـ أيضا ـ متضمّن للقواعد الكلّية التي يقتدر بها على معرفة الجزئيّات ، فإنّه يتضمّن وثاقة جمع ، وضعف آخرين ، ويقتدر بالاطّلاع

__________________

ـ لو سلّمنا بضرورة أصل التعريف في مقدمة كل علم ، والحاجة إلى تحديد موضوعه ، فتدبّر.

ولا شكّ بأنّ الذي يلزم معرفته من حال الراوي ما كان له دخلا في الاعتبار وعدمه ولو بالوسائط لا مطلقا ، بمعنى الحال الذي ينقّح لنا موضوع الرجال.

والغريب ممّن أدعى التعريف بالحد ـ أي ما يبين حقيقة الشيء ـ معرضا عن سائر التعاريف المألوفة ويقع فيما هرب منه بقوله : العلم الباحث عن أحوال الرواة وأوصافهم من حيث الرواية .. ولم نعرف أين الجنس والفصل القريبين فيه؟!وما فرقه عن غيره من التعاريف خاصة الأخير ، والحقّ أنّ التعاريف غالبا ـ إن لم نقل كلا ـ شرح اسم فضلا عن كونها رسم فكيف تكون حدا؟!.

٤٣

على ذلك على معرفة أنّ الحديث الفلاني صحيح ، أو ضعيف ، أو .. غيرهما ، كما لا يخفى (١).

* * *

__________________

(١) وفيه ما لا يخفى ، ومعرفة وثاقة جمع وضعف آخرين ليس قواعد كلية وإن عرف منها صحة حديث وضعفه. فتدبّر.

٤٤

المقام الثاني

في موضوع هذا العلم

ولا ريب في أنّ موضوعه (١) : رواة الحديث (٢) ؛ فإنّ موضوع كلّ علم : ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة ، والبحث هنا عن عوارض الراوي ؛ فإنّ المراد بالراوي إن كان هو الجنس ، فالبحث عمّا يعرض لجزئياته ومصاديقه

__________________

(١) ذهب القدماء وجملة من المتأخرين من أعلام علمائنا إلى لزوم وجود موضوع لكلّ علم ، وجعلوا البحث في العوارض الذاتيّة للعلم لإخراج العوارض الغريبة ، واختلفوا في تحديد الذاتي ـ سعة وضيقا ـ ولهم فيه مباحث مفصّلة وعميقة تأتي غالبا في مقدّمة الكتب الأصوليّة المفصّلة .. ولا غرض لنا بها كما لا دليل يشفي الغليل على ما اختاره من لزوم البحث عن عوارض الموضوع ، ولا ملزم له ؛ لما يمكن أن يقال هنا بأنّ صرف الجامع العنواني كاف فيه ، فتدبّر.

(٢) قال العلاّمة الكاظمي في تكملة الرجال ١٢/١ : وموضوعه ؛ هو الرواة من تلك الحيثية ..أي حيث قبول خبرهم وردّه.

أقول : لقائل أن يقول : حيث كان موضوع كلّ علم هو الكلي المنطبق على موضوعات مسائله ، والرواة هنا ليس كذلك ؛ لأنّه لا يصدق على واحد منهم ذلك. لذا عدل المشكيني في وجيزته : ١٧ إلى جعل موضوعه هو : الراوي للحديث.

انظر البحث عن الموضوع في هذا الموضوع كتاب : توضيح المقال في علم الرجال : ٢ [الطبعة الحجرية ، وفي المحقّقة : ٣٢ ـ ٣٤].

٤٥

من الأوصاف المميّزة لبعضها عن بعض ، والموجبة لاعتبار قول بعض وعدمه في آخر.

فلا يتوهّم أنّ البحث عن ذوات الجميع أو الأكثر ليس بحثا عن عوارض الموضوع ولا جزئيّاته ؛ لأنّ الغرض منه تمييزها لا أعيانها ، كما هو واضح.

ويمكن على هذا جعل البحث عن عوارض نفس الموضوع ، بناء على جعل الجزئيّة والشخصيّة من عوارض الجنس ، فلا إشكال في البحث عن الذوات ولو من حيث الأعيان.

وأمّا مع إرادة العهد ؛ فالبحث عن عوارض الموضوع ، ولا بدّ حينئذ من حمل البحث عن الذوات على ما ذكر ، وإلاّ لم يكن بحثا عن العوارض ، ومع ذلك :

فربّما يورد في المقام إشكال وهو : أنّ [من] جملة الأحوال المبحوث عنها هو فسق الراوي ، وهو عرض يعرض الإنسان بواسطة القوّة الشهويّة والغضبيّة ، وهما أعمّ ؛ لمكان عروضهما للحيوان ، فلا يكون من الأعراض الذاتية ، فإنّها إنّما تلحق بالذات للحيوان ، وبواسطته تلحق الإنسان.

وردّ ؛ بأنّ صحّة هذا الإيراد مبتنية على كون العارض للنّوع بواسطة الجزء الأعمّ الذي هو الجنس عرضا غريبا لا ذاتيّا ، وهو محلّ منع ، بل العدالة والفسق من العوارض الذاتيّة جدّا ، فإنّ الواسطة واسطة في الثّبوت لا في العروض.

٤٦

سلّمنا ؛ لكنّ الواسطة مساوية ؛ بداهة عدم إمكان عروض الفسق والعدالة لغير الإنسان (١).

وتوهّم أنّ الموضوع ليس مطلق الإنسان ، بل الموضوع هو الراوي مدفوع ؛ بأنّ البحث عن العدالة والفسق أيضا إنّما هو من حيث كونهما ممّا له دخل في قبول الخبر وعدمه ، والعدالة والفسق ـ بملاحظة هذه الحيثيّة ـ ممّا يختصّ بالرواة ، مع أنّه لا ينافي عمومه كونه من الأعراض الذاتيّة ، كما لا ينافي خصوصه (٢).

__________________

(١) لقد تعرّض لهذا الإشكال ضمنا الشيخ الأسترآبادي في لب الألباب : ٢ من النسخة الخطية عندنا [النسخة المحقّقة المطبوعة ضمن العدد الثاني من سلسلة ميراث الشيعة : ٤٢١ ، وقد وضعنا فرقها مع الخطية بين معقوفين].

قال ـ بعد بيان موضوعه ـ : .. وكلّ ذلك حالة عارضة لهم باعتبار أمر يساويهم ـ وهو [كونهم ذوي مجموع] القوة العقلية أو الشهوية أو الغضبية [بمراتبها الثلاث من الإفراط والتفريط والتوسط على وجه الاختيار ، من حيث اقتضائها الاعتبار أو الردّ في الأخبار] ـ لا باعتبار الذات أو الخبر [أو الجزء] ليلزم امتناع الانفكاك الظاهر فساده ، والجبر الفاسد في المذهب ، واقتضاء النقيضين المستلزم لاجتماعهما .. إلى آخر كلامه.

أقول : كون الموضوع خصوص العوارض الذاتية محل منع ، بل الغرض البحث عن العوارض المقصودة مطلقا ؛ اذ ما من علم إلاّ وفيه بحث عن العوارض الغريبة ضمنا.

(٢) إن قلت : إنّ البحث عن ذات الراوي لا يكون بحثا عن العارض للموضوع.

قلنا : أوّلا : إنّ الأبنية ليست من الذوات.

٤٧

__________________

وثانيا : إنّ المراد من العارض هنا ما يخرج عن الشيء ويحمل عليه ، والذات بالنسبة إلى الراوي كذلك.

هذا ؛ ولا يخفى أنّ المراد من الذاتية هنا هي عدم الواسطة في العروض ، وعليه فالعدالة عارضة للإنسان لأمر ليس مباينا له ، فتدبّر.

إن قلت : المذكور في علم الرجال جزئيات شخصية ..

قلنا : إنّ المقصود الأصلي لجواز وقوع جزئي موضوع العلم موضوعا وإنّ بيان حال الجزئي مستلزم لبيان حال الكلي الذي يكون موجودا في ضمنه ؛ لإنّه حالة تعرض للكلي أيضا بالعرض.

هذا ؛ مع أنّ التعرض للكلي إنّما هو لعدم حصر الجزئيات التي هي المقصودة بالذات ، والجزئيات في المقام محصورة ولو في الجملة لا بالجملة.

ثمّ إنّ اختصاص بعضهم ببعضها غير قادح ، كما في موضوع النحو والمنطق ونحوهما ؛ فإنّ بعض الكلية مخصوص بالإعراب ـ مثلا ـ وبعضها بالبناء .. وهكذا ، مضافا إلى وجود مقتضى الكلّ في الكلّ وكفاية مجرد ذلك كما لا يخفى.

وعلى كل حال ؛ وحدة العلم اعتبارية للحاظ الجهة الملحوظة لمحرره ، فالظاهر أنّ الجهة الملحوظة في المقام سدّ النقص بتحرير ما يحتاج إليه ؛ لعدم تحريره في العلوم الاخرى التي يتيّسر الرجوع إليها.

نعم ؛ قد تحرر بعض كبريات مسائله في أكثر من علم ، لارتباطه بشكل ما مع ذلك العلم ، أو لكونه له دخل في غرضه وعدم الاستغناء بتحريره في العلم الآخر ، إمّا لعدم استيعاب الاستقصاء في أحدهما بالنحو الذي يفتقره الآخر ، أو لعدم الترتيب فيه والآخر في التحصيل ، أو لعدم تيسير الرجوع فيها لطالب أحد العلمين في العلم الآخر.

٤٨

المقام الثالث

في بيان فائدة علم الرجال المحتاج إليها

على ما هو المتعارف في كلّ علم

وقد اختلف التعبير عن ذلك :

فمنهم : من عبّر ب‌ : الفائدة ، وأطلقها.

ومنهم : من عبّر ب‌ : الفائدة المحتاج إليها .. نظرا إلى أنّ مطلقها غير موجب للاحتياج ، إلاّ بتكلّف في الحاجة (١).

__________________

(١) كما في توضيح المقال للملاّ علي الكني : ٣ [الطبعة الحجرية ، وفي المحقّقة : ٣٤] ، قال : الأمر الثالث : [ممّا يذكر في المقدّمة] : بيان فائدته المحتاج إليها للفقيه وإن كان مطلقها غير موجب للاحتياج إلا بتكلف في الحاجة ، ثمّ قال : وإن أعبّر [ولذا عبّر] كثير [كذا ، والظاهر : كثيرا] في نحو المقام ببيان الحاجة ، لكن من المعلوم إرادة الفائدة الخاصة من مطلقها في المقام مع احتمال الإطلاق لمجرد الإشارة إلى عدم لغوية البحث والاشتغال.

وقريب منه ما جاء في رسالة الاجتهاد والأخبار للوحيد البهبهاني قدّس سرّه : ١١٢ ، الفصل الثامن : احتياج المجتهد إلى علم الرجال. وما ذكره في أوّل الفوائد ـ

٤٩

ومنهم : من عبّر ب‌ : وجه الحاجة إليها .. مريدا الفائدة الخاصّة من مطلق الحاجة في المقام ، مع احتمال الإطلاق لمجرّد الإشارة إلى عدم لغويّة البحث عنه والاشتغال به (١).

__________________

ـ الرجالية الخمسة له رحمه اللّه المطبوعة في أوّل منهج المقال [المحقّقة ٧١/١] حيث أسهب في بيان الحاجة إلى علم الرجال ، وتابعه الخاقاني في شرحه(رجال الخاقاني : ٢٠٩ وما بعدها).

(٢) ومنهم من عبّر ب‌ : الغرض منه ، كما في وجيزة المشكيني في الرجال : ١٩ ، ثمّ قال : فهو معرفة المعتبر من الأخبار من غيره.

ومنهم من عبّر ب‌ : بيان الحاجة ـ كما صنع الأسترآبادي في لب اللباب : ٢ ، من النسخة الخطية عندنا ، وجعل البحث في مقامين.

الأوّل : في مقام إثبات الحاجة إليه على سبيل القضية المهملة التي هي في قوة الجزئية في مقابل سلب السلب الكلي .. ردّا على الأخباريين المنكرين لها.

الثاني : في مقام إثبات الحاجة إليه كلية ، بجعل القضية المهملة مسورة بسور الكلية ، في مقام الردّ على بعض الأصوليين القائلين بجواز العمل بتصحيح الخبر. ومثله ما قاله الخاقاني في رجاله : ٨١ ـ ٩١.

أقول : لا يخفى أنّ الغرض من إثبات الحاجة إلى علم الرجال في الجملة في مقابل السلب الكلي ، لا ثبوت الحاجة في كلّ مورد من موارد الاستنباط ؛ لأنّ بعض الأحكام إجماعي وآخر مستنده الاصول العملية ـ شرعية أو عقلية ـ والبعض قطعي بالسيرة العملية ، أو قاعدة اليسر ونفي الحرج ، أو لا ضرر ..أو غيرهما ممّا لا يفتقر إلى الرجال ، وعليه ؛ فإنّ تعيين كون الصادر هل هو واقع أو تقييد لازم له حتّى لو قلنا بقطعية الكتب الأربعة ..

٥٠

[الأقوال في مقدار الحاجة إلى علم الرجال]

وكيف كان ؛ فقد وقع الخلاف العظيم في الحاجة إلى هذا العلم وعدمها ، فمعظم الأصوليّين على أنّه محتاج إليه ، بل هو المشهور ، بل المعروف بينهم ،

__________________

ثمّ إنّه من ديدن القدماء في أوّل مصنّفاتهم التعرّض إلى بيان ما يسمّونه ب‌ : الرؤوس الثمانية للعلم المدوّن ، وهي : تعريف العلم ، وموضوعه ، وغايته ، وفائدته ، ومسائله ، ومبادئه التصورية والتصديقية ، وواضعه .. وقد تعرّض طاب ثراه لثلاث منها ، ولعلّه أعرض عن الباقي لوضوحه ، أو لعدم لزومه ، أو عدم الملزم له.

وهنا نشير إلى الباقي مجملا تكميلا للفائدة :

أما غايته ؛ قد قيل : هو قبول خبرهم أو ردّه ؛ للعمل بمضمونه لتحصيل السعادة الأبدية.

وبعض قال : غايته ـ وهي أهمّ ما يتوخّى منه ـ وهي تطلب ثبوتا وإثباتا ، والأوّل لا شك بكونه قوام عملية استنباط الأحكام الشرعية قائم عليه والإثبات ، وقد استوفاه شيخنا المصنّف قدّس سرّه في مباحثه الآتية.

ومسائله ؛ المطالب المثبتة فيه ؛ ككونه ثقة أو ممدوحا أو ضعيفا.

وأما المبادي التصورية ؛ فهي كتصور الموضوع وجزئياته وأجزائه ممّا يتوقف عليه القبول والردّ.

ومبادئه التصديقية ؛ من الكلام والقواعد التي يبتني عليها التوثيق والتحسين والتضعيف ، كقاعدة : إنّ تصحيح السند هل تقتضي الوثاقة لمفردات السند أم لا؟وإنّ الجرح والتعديل هل هو من باب الظنون الاجتهادية أو الرواية أو الشهادة؟وإنّ توثيق غير الإمامي هل يعتمد عليه أم لا؟ .. وغير ذلك.

٥١

بل استظهر بعضهم عدم الخلاف المعتدّ به فيه (١) ، وإن كان هو كما ترى ، بعد مخالفة المنكرين لحجيّة أخبار الآحاد.

نعم ؛ كونه المشهور بين المجتهدين ممّا لا يكاد ينكر ، فقد تسالموا على عدّه بخصوصه ممّا يتوقّف عليه الاجتهاد في كتبهم الأصوليّة ، وبنوا عليه في كتبهم الفقهيّة (٢).

__________________

(١) قال الشيخ الكاظمي في تكملة الرجال ٢٨/١ : .. وقد اتفق الاصوليّون والمجتهدون إلى شدة الحاجة إليه ، وهو الحق.

(٢) يحلو لنا هنا نقل كلام شيخنا الشيخ محمّد طه نجف في كتابه إتقان المقال : ٢ ـ ٣ (الطبعة الاولى سنة ١٣٤٠ ه‌) في مقام الحاجة إلى علم الرجال ، حيث قال ما نصّه : .. فلزمنا صرف الهمّة فيه ، وتمام الاعتناء بشأن حامليه ، وإن كان العلم في هذا الأعصار قد أظلم نائره ، ودارت دوائره .. وخمل ذاكره ، حتّى كان الفوز منه بالقليل من أعجب العجيب ، حتّى أنّ هذا الفن منه [كذا] في هذا الزمان لا يكاد يذكر ، بل كاد أن يستغرب ذكره ويستنكر ، بل كثيرا ما تسمع الطعن في الحاجة إليه ومنع توقف الفقه عليه ..!فإن أريد عدم توقفه جميعا عليه فلا ريب في مشاركة غيره في ذلك ـ كالإجماعيات المحصّلة ـ لعدم احتياجها إلى شيء من الاصول ، بل ولا غيره. وإن أريد عدم توقف شيء عليه فمن الواضح الفساد ، بناء على حجية خبر الواحد ونصبه شرعا ، أو حكم العقل بلزوم الاعتماد عليه قطعا بدليل الانسداد ، بل لو لم نعتبرها أصلا فلا ريب في أنّ التضلع [كذا ، والظاهر : المتضلع] في هذا الفن قد يطلع على قرائن يستعان بها على دخول الحكم في حيز المتيقن.

ومن الواضح لزوم طلب العلم مهما أمكن ، وإن أريد عدم توقّفه عليه غالبا ، فهذا في الحقيقة ـ بعد تسليمه ـ تسليم للحاجة ، وعذر في الترك واضح السماجة لكثرة التعارض ـ

٥٢

وأمّا من نصّ على اختيار خلاف ذلك ، أو لزمه ذلك ـ على اختلاف مشاربهم ـ فهم ـ على ما أفاده بعض الأجلّة (١) ـ فرق :

فمنهم : الحشويّة (٢) ؛ القائلون بحجيّة كلّ حديث ؛ إذ الجميع حينئذ معتبر

__________________

ـ الموقوف بيان رفعه والاطمئنان في الترجيح لدفعه على تمام الخوض فيه ، والغور في مطالبه ومعانيه ، فإنّه ـ وإن كان كثيرا منه واضحا جليا ـ إلاّ أنّ كثيرا منهم لا يهتدي إليه إلاّ من كان ذا قلب سليم ..

ثمّ قال : على أنّ كثيرا من الأخبار السليمة أعرض عنها لظنها ضعيفة سقيمة مع أنّها قوية أو صحيحة مستقيمة ، ولا يتأتى ذلك إلاّ بالمهارة في هذا الفن والتضلع منه والغور فيه مهما أمكن ، كما هي طريقة علمائنا المجتهدين ، وسجيّة سلفنا الصالحين السابقين منهم واللاحقين ..

ثمّ قال : فلعمري هو أولى ممّا ابتلي به أبناء العصر من صرف العمر في تطويل غريب في الاصول عار عن المحصول ..إلى آخره.

(١) وهو المولى ملاّ علي الكني في كتابه : توضيح المقال : ٣٥ .. وما بعدها(من الطبعة المحقّقة).

(٢) وهم من أصحاب الحديث المتمسكون بالظواهر ، قال المحقّق في المعتبر : ٢٩ : .. انقادوا لكلّ خبر وما فطنوا لما تحته من التناقض.

انظر عنهم : المقالات والفرق للأشعري .. في أكثر من مورد ، الملل والنحل للزيدي : ١١ ، معجم الفرق الإسلامية : ٩٧ ، فرق الشيعة للنوبختي : ١٤ ، وصفحة : ٢١ ـ ٢٢ ، تبصرة العوام : ٧٦ ، القاموس الإسلامي ١٠٢/٢ ، كشاف اصطلاحات الفنون ٣٩٦/١ ، دائرة معارف فريد وجدي ٤٤٧/٣ ، دائرة المعارف الإسلامية ٤٣٩/٧.

تلخيص الشافي ٦٥/١ ، حاشية الحور العين للحميري : ١٤٩ ، وصفحة : ٢٠٤ ، ـ

٥٣

عندهم ، فلا حاجة عندهم إلى تمييز الصحيح من السقيم (١).

نعم ؛ إن كان من مذهبهم التزام الترجيح عند التعارض بخصوص العدالة والأعدليّة .. ونحوهما دون التخيير أو الطرح أو الترجيح بغير ما ذكر ـ ممّا يعرف بغير الرجال ـ لزمهم القول بالافتقار حينئذ إن لم يبنوا على ما يأتي من غيرهم ، لكنّه مع ذلك لا يخرجهم عن مخالفة المشهور القائلين بالافتقار في غير صورة التعارض أيضا.

ومنهم : المنكرون لحجيّة أخبار الآحاد ؛ بدعوى قطعيّة الأحكام بالكتاب والإجماع والأخبار المفيدة للعلم بتواتر أو استفاضة ..أو غير ذلك ، ممّا لا مدخل لعلم الرجال في حصوله (٢) ، كالسيّد (٣) ، وابن

__________________

وصفحة : ٢٧٣ ، المنية والأمل لابن المرتضى الزيدي : ١١٤ .. وغيرها.

وقد مسكوا بالظواهر التي دعتهم إلى القول بالتجسيم والتشبيه .. وغيرهما.

ولهم مبادي في أصولهم وفروعهم كلّها حشو وضلال ، منها : أنّ عليا(ع)وطلحة والزبير لم يكونوا مصيبين في حربهم وأنّ المصيبين هم الذين قعدوا عنهم!وأنّهم يتولونهم جميعا ويتبرؤون من حربهم!و..

(١) مع إضافة قيد : عدم وجوب الترجيح بالترجيحات الصدورية.

(٢) إمّا لاستحالته ؛ كما هو المنسوب إلى ابن قبة ، أو لعدم وقوعه ؛ كما هو قول السيّد ومن تبعه .. وقد فرغ في الاصول من بطلان كلا المبنيين ، ومن الوقوع فضلا عن الإمكان.

(٣) المقصود به : السيّد المرتضى رحمه اللّه في كتابه الذريعة إلى اصول الشريعة ٥١٧/٢ ـ ٥١٩ في أنّ خبر الواحد لا يوجب العلم. ولاحظ صفحة : ٥٣٧ ، ـ

٥٤

إدريس (١) ، وابن زهرة (١) .. وأضرابهم (٣) ، لكن لا يبعد عدم إنكارهم الحاجة إلى علم الرجال رأسا ، لانتفاعهم به في مقام الترجيح ، لعدم إمكان إنكارهم لتعارض خبرين محفوفين بالقرائن القطعيّة ، فيحتاجون حينئذ إلى الترجيح بالأعدليّة الموقوف إحرازها على علم الرجال ، إلاّ أن يمنعوا الترجيح بالمرجّحات المنصوصة ، لكون الناطق بها أخبار آحاد عارية عن الحجيّة ، فيلتزموا بالتخيير ، أو التساقط والرجوع إلى الأصل حينئذ.

ومنهم : المدّعون لقطعيّة الصدور في كتب الأخبار المتداولة بين أصحابنا ، أو خصوص الأربعة المعروفة منها (٤) ؛ بزعم استفادته من أمور

__________________

ـ وصفحة : ٧٤٢ ، وجاء في رسائله ٢٤/١ ـ ٢٧ بحث ذلك مفصلا ، وكذا في سائر مصنفاته طاب رمسه.

(١) حيث حصرها بالسنة المتواترة المتفق عليها ، انظر : مقدمة السرائر ١٥/١ و ٢٠ ، وقال : وهل هدم الإسلام إلاّ هي ..!! ، وفي صفحة : ٥٠ ـ ٥١ (من الطبعة المحقّقة) .. وموارد عدّة اخرى كثيرة ، ولاحظ : جواب المسائل التبانيات : ٢٥ ـ ٢٩ حيث فصلّ الحديث عنه.

(٢) نسبه له أكثر من واحد ؛ لاحظ المصادر السالفة ، وغالب كتب الاصول ، ومنها : الفوائد الحائرية : ٢٢٩ ، وغنية النزوع : ٣٢٨ .. وغيرهما.

(٣) انظر : الفوائد الحائرية للوحيد البهبهاني : ٢٢٩ (الحجرية) .. وغيرها.

(٤) وهي : الكافي ، ومن لا يحضره الفقيه ، والتهذيب ، والاستبصار للمحمّدين الثلاث قدّس اللّه أسرارهم.

٥٥

لفّقوها ـ يأتي إلى بعضها الإشارة ـ ومحصّلها القطع بأخذ ما فيها من الاصول الأربعمائة المعروفة في عصرهم عليهم السلام ، وعلى هذا أكثر الأخباريّين (١).

ومن هؤلاء من راعى بعض الإنصاف ، وتحرّز عن هذا الجزاف ، لكنّه بنى على اعتبار جميع ما في الكتب الأربعة ، لشهادة مصنّفيها الثّقات بذلك. فأخبارها وإن لم تكن قطعيّة الصدور ، إلاّ أنّها قطعيّة الاعتبار ، فتوافقهم في الأخير.

ومن خلط بين الطريقتين ، فجمع في الحكاية بين الطائفتين ، فقد خبط خبطا واضحا إلاّ بالنسبة إلى من قال من الأوّلين بمقالة الآخرين بطريق التنزّل.

ومنهم : المكتفون بتصحيح الغير مطلقا ؛ وهم أكثر العلماء ـ على ما يظهر منهم في كتبهم الاستدلاليّة ـ وأمّا الاكتفاء به في حال الاضطرار ـ لفقد كتب هذا الفنّ ونحوه ـ فليس على خلاف المذهب المشهور (٢).

__________________

(١) يظهر من مقدّمات الوافي للفيض الكاشاني وكتابه : معتصم الشيعة في أحكام الشريعة [انظر عنه الذريعة ٢١٠/٢١ برقم(٤٦٥٤)] أنّ الفقه مبتني على الرجال ، وخالف جمع من الأخباريين بعدم الابتناء وعدم التوقف عليه.

(٢) وفيه : إنّه ينفي التوقف التعييني دون التخييري أوّلا.

والحجية ؛ إمّا من باب الخبروية ، أو من باب الانسداد ، أو من باب أدلة حجية الخبر ، والأوّل والثاني سيأتيان ، والثالث ينحصر فيما لو كان حسيا ، أو الأعم منه ومن ـ

٥٦

ومنهم : المفصّلون بين صورة التعارض .. وغيرها ، بالاقتصار في عدم الافتقار على الأخير.

ومنهم : المفصّلون بين وجود شهرة جابرة أو مرجّحة وعدمها (١) ؛ بالافتقار في الأخير دون الأوّل ، وهو الذي يظهر من عمل هذه الأعصار (٢).

وأقول : ما هو المشهور بين المجتهدين الأصوليّين هو الحقّ الحقيق بالإذعان به.

__________________

ـ مشكوك الحسية ، مع أنّ التصحيح والتضعيف من باب الحدس ، وفيه غير ذلك ، هذا ثانيا.

وثالثا ، لو سلمنا ذلك فهو لا ينفع فيما لو افتقرنا إلى المرجّحات السندية لدفع تعارض الأخبار ، لترجيح رجال أحد الخبرين على رجال الآخر.

(١) ذكر هذا القول في توضيح المقال : ٣٦ ، وذهب إلى التفصيل بين صورة وجود الشهرة المحقّقة أو المحكية في خصوص بعض الأخبار المفيدة لبعض الأقوال ، أو اختصاص الراجحة منها بجانب وبين غيرها ، فيقتصر في الإفتقار على الأخير .. ثمّ قال : ولعلّ عليه عمل بعض أو جماعة وإن لم أقف على من اختاره أو حكاه عن واحد.

(٢) قال في توضيح المقال : ٣٦ ـ بعد سرده الأقوال ـ : ويمكن تسبيع الأقوال المخالفة بالتفصيل بين صورة وجود الشهرة ـ محقّقة أو محكية ـ من خصوص بعض الأخبار المفيدة لبعض الأقوال أو اختصاص الراجحة منها بجانب وبين غيرها ، فيقتصر في الافتقار على الأخير .. ثمّ قال : ولعلّ عليه عمل بعض أو جماعة ، وإن لم أقف على من اختاره أو حكاه عن واحد.

٥٧

ولنا على ذلك أمور :

الأوّل : [إنّ إثبات حجية الخبر والأخذ به موضوعا إنّما هو من باب .. الوثوق والاطمئنان العقلائي] أنّ الحقّ الحقيق بالقبول ـ كما نقّحناه في علم الأصول (١) ـ أنّ العمل بالأخبار إنّما هو من باب الوثوق والاطمئنان العقلائي ، ومن البيّن ـ الذي لامرية فيه لذي مسكة ـ في مدخليّة ملاحظة أحوال الرجال في حصول الوثوق وعدمه ، وحدوثه وزواله ، فالأخذ بالخبر من دون رجوع إلى أحوال رجاله تقصير في الاجتهاد ، وهو غير جائز ، كما لا يجوز الفتوى قبل بذل تمام الوسع ، فتبيّن الحاجة إلى علم الرجال (٢).

__________________

(١) ونظير ما ذكره المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢٩٧/٢ .. وموارد اخرى ، وقبله الشيخ الطوسي رحمه اللّه في الخلاف ٣٣٢/٢ مسألة ١٦ ، والشهيد الثاني في المسالك ٦/١ .. وغيرهم في غيرها.

وقد سلف الحديث عن كتاب شيخنا الجدّ قدّس سرّه في الأصول ، المسمى ب‌ : مطارح الإفهام في مباني الأحكام ، انظر عنه : مخزن المعاني : ١٦٠ ، وصفحة : ١٧٢ [الطبعة المحقّقة].

(٢) هذا دليل في الجملة لا بالجملة ، مبنائي لا بنائي ، ولا يتم عند من قال بحجية الخبر من باب التعبد ، حيث منهم من اقتصر على العمل بالصحيح الأعلائي لكن لا مطلقا ، بل فيما لو لم يكن الخبر شاذا أو معارضا بغيره من الأخبار الصحيحة ، حيث يطلب حينذاك المرجّح ، ومنهم من ذهب إلى الصحيح المعدّل بعدل واحد ؛ نظرا إلى أصالة عدم التعدد فيه ..إلى غير ذلك من الأقوال التي سنشير لها فيما بعد.

ثمّ إنّه قد أورد المحقّق الكاظمي رحمه اللّه في تكملة الرجال ٢٨/١ ـ ٢٩ بقوله : الدليل الأوّل هذا على شدة [كذا] الحاجة الى علم الرجال بمقدمة هي أنّ مأخذ جلّ ـ

٥٨

الثاني : [ان الأخذ به موجب لتقديم أحد وجهى الخبر من الصدق والكذب] الثاني : أنّه لا ريب في أنّ كلّ خبر ـ من حيث هو ـ يحتمل الصدق والكذب ، فتقديم أحد هذين الاحتمالين على الآخر لا بدّ له من مرجّح ودليل ، لئلاّ يلزم الترجيح بلا مرجّح ، الذي اتّفق العقلاء على بطلانه وقبحه.

والمرجّح على قسمين : قطعي ، وظني ، وكلّ منهما إمّا داخلي ، أو خارجي ، والقطعي الداخلي هو التّواتر ، والخارجي هو الاحتفاف بالقرائن المورثة للقطع ، والظني الخارجي اعتضاد الرواية بالسيرة والشهرة .. ونحوهما ، والظني الداخلي هو عدالة الراوي ووثاقته ..

والأقسام الثلاثة الأول لا تفي بالفقه ، فتعيّن الاستناد إلى الأخير أيضا ، وذلك لا يحصل إلا بالاختبار ، ولا طريق لنا اليوم إلى الاختبار إلاّ المراجعة إلى ما كتب في أحوال الرجال ، وهو المطلوب.

الثالث : [أنّ الأخذ به عملا بالأخبار العلاجية] الأخبار المستفيضة ـ بل المتواترة معنى ـ العلاجيّة الآمرة بالرجوع عند تعارض الأخبار إلى الأعدل والأورع والأفقه (١) ؛ فإنّ إحراز

__________________

ـ الأحكام الشرعية من الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام ـ هي أخبار آحاد لا تبلغ حد التواتر ، وهي مختلفة ظاهرا أو واقعا ، إما على جهة العموم من وجه أو المطلق والمقيد ..أو غير ذلك ، فلا بدّ من الاطلاع على حال الرواة من الوثاقة وعدمها حتّى يطرح خبر الكاذب ويعمل بخبر الصادق.

(١) سنذكر قريبا بحث الأخبار العلاجيّة مفصّلا ، وقد خصّ في مستدرك وسائل الشيعة ٣٠٢/١٧ ـ ٣٠٧ بابا في وجوب الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفية العمل بها ، ـ

٥٩

هذه الصفات في رجال الإسناد موقوف على مراجعة علم الرجال ، لفقد معاشرتنا معهم ، وانتفاء الشهادة اللفظيّة فيهم ، فانحصر في الكتبيّة الموجودة في كتب الرجال ، وإن لم نقل بكونها من باب الشهادة الشرعيّة ، والترجيح بالشهرة ، وموافقة القرآن .. ونحوهما ـ ممّا لا مدخل للرجال فيه ـ لا يغني عن الأوّل ، وإلاّ لما أمر بالجميع ، كيف وهو أحد أسباب الترجيح ، ولا ترجيح لها على غيرها ، فلتحمل (١) الأخبار على تعيين كلّ في طائفة ، أو عند تعذّر الآخر ، أو التخيير.

ويمكن تقرير هذا الوجه بطريق عقلي وهو : أنّا نعلم يقينا أنّ الأخبار متعارضة ، ونعلم إجمالا بوجود المرجّح لأحد المتعارضين منها في الواقع ونفس الأمر ، وأنّ الأخذ بأحدهما ـ مع التمكّن من تحصيل المعرفة بالمرجّح بالرجوع إلى علم الرجال ـ باطل ، لقبح الترجيح بغير مرجّح ، فيلزم الرجوع بحكم العقل إلى علم الرجال لتحصيل هذا المرجّح ، وهو المطلوب (٢).

__________________

ـ وسبقه الحر العاملي في وسائل الشيعة ٧٥/١٨ ـ ٨٩ باب ٩ بذكر(٤٨)حديثا.

ومشهورها مقبولة عمر بن حنظلة المروية في الاحتجاج ١٠٦/٢ ـ ١٠٧ (طبعة النجف) .. وعنه في بحار الأنوار وغيره ، وكذا في اصول الكافي الشريف باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم ٦٧/١ ، ومن لا يحضره الفقيه ٦/٥ باب الاتفاق على عدلين في الحكومة .. وغيرها.

(١) في الحجرية : فليحمل ..

(٢) وبعبارة اخرى ، لا يختلف اثنان في الحاجة إلى السنّة الشريفة ، وعليه ؛ ـ

٦٠