تنقيح المقال - ج ١

الشيخ عبد الله المامقاني

تنقيح المقال - ج ١

المؤلف:

الشيخ عبد الله المامقاني


المحقق: الشيخ محمّد رضا المامقاني
الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-319-382-9
ISBN الدورة:
978-964-319-380-5

الصفحات: ٥٢٨

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

وبه نستعين

الحمد للّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمّد وآله الغرّ الميامين ، سيّما ابن عمّه وصهره وخليفته علي أمير المؤمنين عليه السلام.

والرحمة والرضوان على فقهائنا الراشدين ، ورواة أحاديثنا المرضيّين.

وبعد ؛ فالعبد الأذلّ الفاني :

عبد اللّه المامقاني

عفى عنه ربّه

ابن الشيخ قدّس سرّه ، يقول :

إنّي كنت موعدا أنّي بعد الفراغ من

مقباس الهداية في علم الدّراية (١)

__________________

(١) وقد وفّقني اللّه سبحانه وتعالى لتحقيقه والاستدراك عليه وإخراج نتائج منه ، وقد طبع أكثر من مرّة ، وزادت عليه كثيرا ، فخرج ـ بحمد اللّه ومنّه ـ تارة : في سبعة أجزاء ، وطبع بين سنة ١٤١١ ـ ١٤١٤ ه‌ ـ في قم وبيروت ـ. من منشورات مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

ولي ـ أيضا ـ إضافات وملاحظات عليه أسأل اللّه أن يوفّقني لإخراجها في الطبعات اللاحقة إن شاء اللّه تعالى.

٢١

[أن] أصنّف كتابا في علم الرجال ، مستقصيا لفوائده ، مبيّنا لرموزه ومطالبه ، جامعا لأحوال آحاد الرجال ، باسطا للمقال ، رافعا للإشكال ، مزيلا للإعضال ، معينا لأهل الاستدلال ، في إثبات الحرام والحلال ، وقد عاقني عوائق الدهر وجملة من الأشغال ، نحوا من ستّ عشرة من الأعوام والأحوال (١) ، إلى أن ساعدني على الوفاء بالوعد التوفيق والإقبال ، فبادرت إلى ذلك (٢) متوكّلا على اللّه ذي الجبروت والجلال ، خادما بذلك

__________________

(١) وذلك أنّ المصنّف قدّس سرّه فرغ من كتابه : مقباس الهداية في الثاني والعشرين من محرّم الحرام سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وثلاثين من الهجرة النبويّة على صاحبها وآله آلاف السلام والتحيّة ، وقد طبع مستقلا ، ثمّ أعاد النظر في جملة من مواضعه ، وأضاف عليه وأتمّه في ليلة الجمعة ليلة العاشر من ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثمائة وخمسين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل السلام والتحية ، وطبع في آخر الجزء الثالث من تنقيح المقال من الطبعة الحجريّة.

(٢) لقد صرّح قدّس سرّه فيما أفاده على ظهر الكتاب بقوله : .. إلى أن وفّقني اللّه سبحانه في أواخر شهر صفر من سنة ألف وثلاثمائة وثمان وأربعين للأخذ فيه ..

ثمّ قال ـ بعد ذلك ـ : ففرغت من الكتاب سابع رجب سنة ١٣٤٩ ه‌ ، ثمّ أعدت النظر فيه من ذلك اليوم إلى أواخر جمادى الاولى سنة ١٣٥٠ ه‌.

وقال : وبعد ذلك أخذت في إعادة النظر في الفهرست والمراجعات الجامعة للمستدركات ..

٢٢

لشرع سيّد الرسل ، عليه وآله صلوات اللّه الملك المتعال ، راجيا منهم الشفاعة لي في الدارين للخلوص في الأعمال ، وللخلاص من الأهوال ، وسمّيته بـ :

تنقيح المقال في علم الرّجال

وفّقنا اللّه تعالى لإتمامه على أحسن حال ، وأن ينفعنا به في المبدأ والمآل ، إنّه الوليّ المتعال :

__________________

أقول : إلاّ أنّه لم يقدّر له قدّس سرّه أن يرى المجلّدات الثلاثة كاملة قد خرجت إلى النور ، بل فارق الحياة طاب ثراه في أوائل طبع الجزء الثالث منه ، ولذا تجد في أواخر المجلّد الثاني منه إمضاء حواشيه بدل(دام ظلّه) : (قدّس سرّه) ، وقد فصّلنا القول فيه في (مسرد تنقيح المقال) ، فلاحظ.

٢٣

وقبل الأخذ في ذلك ؛

فاعلم :

أنّ وضع كتابي هذا إنّما هو لاستعلام حال من يحتاج إليه في معرفة حال أسانيد الأخبار إلى معرفة حاله. ولذا لا نتعرّض فيه من تراجم العلماء الأعلام إلاّ لما في كتب الرجال ، صرفا للعمر في الأهمّ ، وإحالة ذلك إلى الكتب المعدّة للتراجم ك‌ : أمل الآمل ، وتكملته المسمّاة ب‌ : تذكرة المتبحّرين ، ورياض العلماء ، ومجالس المؤمنين ، وروضات الجنّات .. وغيرها.

نعم ؛ يلزمنا ذكر من عنونوه في كتب الرجال ، أو كان من علماء الرجال والحديث إن شاء اللّه تعالى (١).

__________________

(١) وهذا ما صرّح به طاب ثراه في أكثر من مورد ، كما في ترجمة المقدّس الأردبيلي من التنقيح ٨٠/١ [الطبعة الحجرية ، وفي المحقّقة ٢٠٧/٧ تحت رقم(١٣٩٦)] ، حيث قال : .. وإنّما لم نتصدّ لتسطيرها [أي ترجمته مفصّلا] لأنّ وضع كتابنا على أحوال الرواة الراجعة إلى الروايات ، دون ترجمة العلماء الأعلام ، لتوقّف الاجتهاد على الأوّل دون الثاني ؛ لأنّ تلك أهمّ وأجدر بالتقديم ، حيث إنّ بها تنقيح أسانيد الروايات التي عليها مدار الأحكام الشرعيّة.

وقال رحمه اللّه ـ في ترجمة إسكندر بن فيلقوس الرومي من التنقيح ١٢٤/١ ـ ١٢٥ [الطبعة الحجريّة ، وفي المحقّقة ٣١٥/٩ برقم(٢١٣٢)] رادا على من ترجمه ـ : .. ذهولا عن أن وضع كتب الرجال على التعرّض لحال رواة الأحاديث ، لا لكلّ من ذكر ـ

٢٤

وإذ قد عرفت ذلك ؛

فاعلم :

أنّ هذا الكتاب (١) يتضمّن :

مقدّمة

وفصولا

وخاتمة

__________________

ـ الإمام عليه السلام اسمه في طيّ الخبر .. وموارد كثيرة اخرى.

أقول : هناك موارد جاءت في الموسوعة تخلّف فيها عن هذه الضابطة. بل قد نجد بعض التراجم التي خلط فيها بين التراجم والرجال .. ولا تجد موسوعة رجاليّة تخلو من ذلك ..

(١) أي الموسوعة الرجالية : تنقيح المقال في علم الرجال.

٢٥
٢٦

أمّا المقدّمة :

فالكلام فيها في مقامات :

٢٧
٢٨

[المقام] الأوّل

في تعريفه

وقد صدر من أهل الفنّ تعريفات :

فمنها : أنّه : العلم الباحث عن رواة الأخبار الواردة عن رؤساء الدين ، من حيث الأحوال التي لها مدخل في الردّ والقبول ، وتمييز ذواتهم عند الاشتباه.

فبقيد (البحث عن رواة الأخبار) يخرج باقي العلوم ، حتّى علم الدراية ـ الباحث عن سند الحديث ومتنه ، دون آحاد رجال السند ـ.

وبقيد (الورود عن رؤساء الدين) يخرج ما يبحث فيه عن أحوال رواة السير والتواريخ.

وبقيد (الحيثيّة) يخرج البحث عن الأحوال التي لا مدخل لها فيه ؛ كالكتب الموضوعة لبيان أحوال الفقهاء والمحدّثين ، الخارجة عن حيث الوثاقة والديانة.

ويمكن الغنى عن أخذ قيد (الحيثيّة) بدعوى أنّه الظاهر من التعريف.

وبقيد (تمييز ذواتهم عند الاشتباه) دخل ما وضع لتمييز المشتركات.

٢٩

ومنها : ما في لبّ اللّباب (١) للفاضل الأسترآبادي قدّس سرّه من أنّه : علم يقتدر به على معرفة أحوال الخبر الواحد صحّة وضعفا وما في حكمها (٢) ؛ بمعرفة سنده ، ورواة سلسلته منه (٣) ذاتا ووصفا ، مدحا وقدحا .. وما في معناهما.

قال : فبقيد (أحوال الخبر) يخرج العلوم الباحثة عن أحوال غيره ؛ كالكلام ، والفقه وأصوله .. وأمثالها.

وبقيد(الصحة والضعف .. ونحوهما) يخرج علم الدراية الباحث عن أحوال (٤) سند الحديث ومتنه ـ الذي يتقوّم به كتقوّم الإنسان بمتنه وظهره ـ وكيفيّة تحمّله ، وآداب نقله.

ودخل به أصناف مباحث هذا العلم ؛ إذ قد يعرف به صحّة الحديث ، وقد يعرف به ضعفه ، وقد يعرف به ما في حكم الصحة في الحجيّة والاعتماد ؛ ككونه حسنا ، أو موثّقا ، أو قويّا على وجه ، وقد يعرف به ما في حكم الضعيف (٥) ؛ ككونه قاصرا بسبب كون الراوي ممّا اختلف فيه ، أو

__________________

(١) لبّ اللباب : ١ ـ ٢ من النسختين الخطيّتين اللتين عندنا ، باختلاف وسقط ذكرنا أغلبه.

[طبعة سلسلة ميراث حديث الشيعة ـ القسم الثاني ـ : ٤١٩ ـ ٤٢٠].

(٢) كذا ، ولعلّه : في حكمهما.

(٣) في الطبعة المحقّقة من لبّ اللباب : سلسلة متنه.

(٤) لفظ (أحوال) ليس في نسختينا الخطيّتين من لبّ اللباب ولا في الطبعة المحقّقة.

(٥) في المصدر : ضعف .. كذا ، والأوفق بالسياق(الضعف) ، حيث قال فيما مضى (ما في حكم الصحّة).

٣٠

الإهمال والجهل (١).

وفي حكمه القيد الأخير ، فهو كالتأكيد ، مع أنّه مخرج لمعرفة حال الخبر بسبب الإجماع (٢) .. ونحوه ، والمعرفة الحاصلة من معرفة السند بغير هذا العلم ، ومقيّد لعموم كلمة(ما) في قولنا : (ما في حكمهما) بإخراج ما في حكم الضعف بنحو الإرسال ؛ فإنّه معلوم بمجرّد ملاحظة السند ـ وهو الإرسال الجلي ـ والداخل في الرجال هو الخفي منه (٣).

وكذا ما في حكم الصحة بالانجبار بالشهرة [ونحوها] ، فإنّه يعلم من الفقه (٤).

وهذا القول بدل من قولنا : (به)بدل الاشتمال ، ففيه جهة تأسيس.

ودخل بقيد(المدح) أقسامه من البالغ حدّ الوثاقة .. وغيره (٥).

__________________

(١) هنا سقط جاء في المصدر ، وهو : ممّا اختلف في مدحه وذمه اختلافا موجبا للتوقّف ، أو بسبب كونه مهملا أو مجهولا على الأصحّ ، فإنّ عدم ذكر الاسم أو الوصف يوجب العلم بالإهمال أو جهل الحال .. وكلّ هذا جاء بدلا من جملة(أو الإهمال والجهل).

(٢) في لبّ اللباب : .. أحوال الخبر بغير ذلك كالإجماع.

(٣) لا توجد جملة : والداخل في الرجال هو الخفي منه .. فيما عندنا من النسخ الخطيّة من المصدر ، ولا في الطبعة المحقّقة ، وفيها : ملاحظة السند ، نعم ؛ الإرسال المعلوم من علم الرجال داخل ، كما إذا كان ترك الواسطة معلوما منه ، وهو الإرسال الخفي .. بدلا من قوله : وهو الإرسال الجلي .. إلى آخره.

(٤) في الطبعة المحقّقة : فإنّه معلوم بعلم الفقه ونحوه.

(٥) في المصدر : .. أقسامه المتعلّق بعضها بالجنان والأركان سواء بلغ إلى حدّ ـ

٣١

والمراد ب‌ : ([ما في] حكم المدح) ما كان تعلّقه بالخبر ذاتا وبالراوي عرضا(١) ، كما في قولهم : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه ، للاتّفاق على إفادته المدح بالنسبة إلى من يقال في حقّه ذلك ، وما في حكم الذمّ واضح. انتهى.

ولا يخلو بعض ما ذكره من النظر ، فتدبّر (٢).

ومنها : ما ذكره بعض المحقّقين (٣) من أنّه : ما وضع لتشخيص رواة الحديث من حيث هم كذلك (٤) .. ذاتا ووصفا ، مدحا وقدحا.

فبقيد(الوضع)خرج ما كان من علم الحديث والتاريخ .. وغيرهما ،

__________________

ـ الوثاقة ـ كما في صورة صحة الخبر ـ أم لا ـ كما في صورة حسنها [حسنه] ـ ، وبعضها بالأركان فقط [كذلك] ، كما في الموثّق والقوي بالمعنى العامّ.

(١) في الطبعة المحقّقة : ما كان تعلّقه أوّلا وبالذات بالخبر ، وثانيا وبالعرض بالمخبر ، كما .. إلى آخره.

(٢) سنتعرّض لبعض ما فيه درجا في آخر البحث.

(٣) هو المولى ملاّ علي الكني في كتابه توضيح المقال في علم الرجال : ٢ الطبعة الحجريّة المطبوعة سنة ١٣٠٢ ه‌ [ذيل كتاب منتهى المقال ، وأمل الآمل] ، وفيه تقديم وتأخير واختلاف يسير أشرنا له غالبا [الطبعة المحقّقة : ٣٠].

(٤) لا توجد : من حيث هم كذلك .. في المصدر المطبوع بطبعتيه! وقريب منه ما عرّفه به في بهجة الآمال في شرح زبدة المقال : ٤ من أنّه : العلم الموضوع لتشخيص الرواة ذاتا .. إلى آخره ، وقد أدرج فيه تعاريف أخر.

٣٢

مشتملا على بيان جملة من الرواة على الوجه المزبور ، فإنّ شيئا من ذلك لم يوضع لذلك ، وكذا علم الكلام ، سواء خصّصنا (١) الرواة بغير الأئمّة عليهم السلام أم لا (٢) ، كما يشهد بذلك : أنّهم عليهم السلام رووا (٣) عن آبائهم عليهم السلام ، وفي كثير من الأخبار إطلاق المحدّث (٤) عليهم ، وهو بمعنى الراوي ـ كما هو ظاهر هذه الأخبار .. وغيرها ـ وإن خصّصنا الحديث ـ كالخبر ـ بنفس قول المعصوم عليه السلام ـ كما في بداية الشهيد الثاني (٥) رحمه اللّه ـ دون ما يحكيه ، كما هو صريح غيره.

أمّا على الأوّل ـ وهو تخصيص الرواة بغير الأئمّة عليهم السلام ـ : فخروج علم الكلام ظاهر ؛ لعدم البحث فيه عن غيرهم من الرواة.

وأمّا على الثاني ـ وهو تعميم الرواة لهم ـ : فالوجه في خروج علم الكلام

__________________

(١) في المصدر : إن لم يخصّ .. بدلا من : سواء خصّصنا.

(٢) لا توجد : أم لا ، في توضيح المقال بطبعتيه ، ولا وجه لها.

(٣) لا توجد في المصدر جملة : كما يشهد بذلك : أنّهم عليهم السلام .. وفيه : ولذا رووا.

(٤) هذا لو كان بالكسر ، وأمّا لو كان بفتح الدال المشدّدة ، فهو الملهم ؛ بمعنى أنّه حدّث به وألقي في روعه من عالم الملكوت كما هو كثير ، وحقّقنا معناه في مستدركات مقباس الهداية ٢٨/٥ ـ ٢٩ [الطبعة المحقّقة الاولى] ، وقيل : هو من يسمع صوت الملك ولا يرى شيئا ؛ كما في مستدركات مقباس الهداية ١٤٠/٦.

(٥) البداية : ٦ [تحقيق البقال ٥٠/١] ، وإليه ذهب في الوجيزة : ٢ ، وجامع المقال : ١ [الطبعة الحجرية] .. وغيرها.

لاحظ ما ذكرناه في مقباس الهداية ٥٢/١ ، وصفحة : ٦٥ .. وغيرهما من الموارد التي ذكرناها في نتائج المقباس ١٤٠/٧ ـ ١٤٣.

٣٣

أنّ البحث عن حال الأئمّة عليهم السلام فيه ليس من حيث كونهم رواة ، بل من حيث كونهم أئمّة دعاة إلى اللّه تعالى ، ولذا زدنا قيد(الحيثيّة) في التعريف (١).

وخرج بقيد(التشخيص)علم الدراية الباحث عن سند الحديث ومتنه ، وكيفيّة تحمّله وآدابه (٢) ؛ ضرورة أنّ البحث في الدراية ليس صغرويّا (٣) ، وليس فيها تشخيص حال راو أصلا ، بل البحث فيها كبروي صرف ، وهو بيان أنّه : كلّما كانت الرواة جميعا أو بعضا بصفة .. كذا ، فحكمه .. كذا (٤).

__________________

(١) من قوله : أمّا على الأوّل .. إلى هنا ، ليس في المصدر ، وكأنّه من المصنّف طاب ثراه ، والذي فيه هو : والقيود الأخيرة للتعميم والإشارة .. إلى آخره ، ممّا سيذكره المصنّف طاب ثراه بعد نحو ثلاث صفحات.

(٢) من هنا لا توجد في المصدر ، وكأنّه من تعليق المصنّف طاب ثراه على كلام المولى الكني ، فراجع.

وجاء فيه : .. إذ البحث عن السند ليس بعنوان(تشخيص الرواة)بل بالإشارة إلى بيان انقسام الحديث من جهة السند إلى الأقسام المعروفة الآتية ..

(٣) بمعنى تشخيص الرواة ، بل الإشارة إلى بيان انقسام الحديث من جهة السند إلى أقسامه المعروفة.

(٤) ذكرنا في أوّل تحقيق مقباس الهداية ٣٦/١ الفرق بين علم الرجال والدراية ، ولاحظ : مقدمة رجال أبي علي ، وتوضيح المقال : ٢ [الطبعة الحجرية ، وفي المحقّقة : ٣٠] .. وغيرهما.

٣٤

__________________

وجاء في حاشية التوضيح للشيخ جعفر ما نصّه : .. والفرق بينه [أي : علم الرجال] وبين علم الدراية ، أنّ هذا العلم في بيان أحوال الجزئيات [كذا ، ظاهرا] الشخصية من الرواة ، ولذا قد يقال في تعداده في عداد العلوم ليس كما ينبغي ، إذ العلوم الحقيقية ما يستفاد منها قواعد كلية يقتدر بها على معرفة الجزئيات الغير المحصورة ويحتاج إلى النظر وإعمال القوة ، وليس هذا العلم بهذه المثابة ، لعدم استفادة حصوله إلاّ إلى الحواس الظاهرة الخارج إدراكاتها من زمرة العلوم.

وعلم الدراية علم يبحث فيه عن أحوال سند الخبر ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله.

وبالجملة ؛ البحث في علم الدارية يتعلق بالمفاهيم ـ كقولهم : إنّ الخبر الصحيح ما كان سلسلة سنده إماميا عادلا ضابطا ـ لا بالمصاديق .. فتأمل هذا.

والفرق بين علم الرجال والاصول ـ مع اشتراكهما في عملية الاستنباط ـ أنّه ليس الغرض من الرجال هو تأسيس القواعد الممهدة للاستنباط ، بل الغرض منه معرفة حال الرجال ليركن إلى أخبارهم وإن لم تكن حجّة شرعا ، أو كانت في غير الأحكام الفرعية.

هذا ؛ وقد قيل ـ كما في المحكم في اصول الفقه ٩/١ ـ : إنّ غرض متقدّمي أصحابنا منه [أي : علم الرجال] الاعتزاز بكثرة علماء الطائفة ، وتوسعهم في التأليف في مقابل تشنيعات العامة ، على ما تشهد به ديباجة كتبهم .. وعلم الدراية ملحق به متمم له ..!

وفيه ؛ أنّه لو صح ما ذكر لكان تاما في الجملة لا بالجملة ؛ إذ هو في خصوص الكتب المصنفة للفهرسة دون الرجال .. ولو كان الغرض منحصرا بما ذكر فلا وجه للجرح والتضعيف أو ذكر الضعفاء والمجهولين فيهم ..

٣٥

وإضافة الرواة إلى الحديث.

إمّا للجنس ، وهو الأظهر بالنظر إلى كليّة العلوم ، وكليّة موضوعاتها ـ وموضوع الرجال هو الرواة ـ.

أو للعهد الخارجي ؛ بالإشارة إلى المذكورين في أسانيد الأخبار ، وهو الأقرب بالنظر إلى قصر البحث فيه عن الجزئيّات الخاصّة ، ولا ضير فيه ؛ لأنّ اللّغة أيضا كذلك.

والمراد ب‌ : (الرواة)ليس خصوص الذكور ، بل ما يشمل الأنثى ، لا وضعا بل تغليبا ، أو استطرادا ، أو لأنّها ـ لقلّتها ـ بحكم العدم ، فلا يقدح التسمية بـ‌ : علم الرجال(١).

والمراد بـ‌ : (الحديث) في التعريف : ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، أو الصحابي ، أو التابعي ..أو غيرهم ، كما بيّناه في المقباس (٢).

__________________

وأيضا ؛ لما صح لهم إسقاط كثير من الرجال وعدم ذكرهم لهم ، حيث ذكر الشيخ رحمه اللّه في رجاله جمع من رجال الإمام الصادق عليه السلام الذين ذكرهم ابن عقدة نحو أربعة الآف ، وعدّ منهم الشيخ رحمه اللّه ثلاث آلاف ونيف .. هذا مثلا.

(١) أقول : من الواضح أنّ الصبي هنا كالأنثى فيهما.

هذا ؛ ولا يخفى أنّ البحث إنّما هو في حال الأداء والرواية لا التحمل والدراية وإن كان صبيا ، كما وإنّ الغالب في مثل هذه الموارد وجود ثمّة وضع ثانوي كاف فيه أدنى مناسبة وملابسة ولو في الجملة ، فتدبّر.

(٢) مقباس الهداية ٥٦/١ ـ ٥٨ ، وصفحة : ٦٩ ، واستدركنا عليه في ٢٧/٥ ـ ٣٢ ،

٣٦

وأمّا القيود الأخيرة (١) ؛ فللتّعميم والإشارة إلى أنواع البحث فيه ، فإنّ من الرجال من يتشخّص بهذا العلم ذاته خاصّة ، ومنهم ذاته مع مدحه أو قدحه ـ المراد بهما مطلقهما لا خصوص العدالة والفسق ـ ففاقد أحدهما قليل جدّا ؛ لأنّ كونه من أصحابنا أو من أصحاب أحد المعصومين عليهم السلام داخل في وصف المدح ، وقلّ من لم يذكر هذا في حقّه.

والتصريح بكونه مجهولا أو مهملا ـ في كتب المتقدّمين ـ داخل في وصف القدح ولو بحسب الثمر (٢).

ومع الغضّ عن ذلك كلّه ، فالجواب عن خروج غير الممدوح والضعيف الاجتهادي ـ أعني المجهول والمهمل ـ في تعبيراتهم أنّهما ـ لندرتهما أو قلّة الاعتناء بشأنهما ـ كالمعدوم ، وأنّ الوضع لغرض لا يلازم ترتّب الغرض في جميع المصاديق ، خصوصا إذا كان لمانع سابق أو لاحق (٣) ، فيكون البحث عن

__________________

(١) ولاحظ : نتائج المقباس ١٤٠/٧ ـ ١٤١.

وقوله : (الحديث)أولى من قولهم(الخبر) ، وإن قلنا بترادفهما ، حيث يلزم تقييده بالواحد لإخراج المتواتر والمستفيض .. وغيرهما ، كما ويوجب إخلال في التعريف ؛ إذ البحث عن الرواة سواء كانوا واحدا أو أكثر ، وكذا البحث عن رواتهما أيضا وإن لم يحتج إليه بعد التواتر والاحتفاف بالعلمي من جهة روايتهم لذلك لا مطلقا.

(١) من هنا عاد كلام المولى الكني مقدما على ما سلف ، مع اختلاف يسير.

(٢)كذا ، وإن جاء في المصدر ، إلاّ أنّ الظاهر : الثمرة.

(٣) ما يأتي من زيادات المصنف رحمه اللّه ، وتوضيح لكلام صاحب التوضيح ، فتدبّر.

٣٧

هؤلاء حينئذ من باب التطفّل.

ولو زيد في التعريف عطف(ما في حكمهما)على(المدح) [والقدح] (١)لإدخال المجهول والمهمل ، لم يكن به بأس ، وإن كان ترك ذلك أيضا غير قادح ، بعد ما عرفت من اندراجهما في المقدوح بحسب الثمر (٢).

__________________

(١) كل ما بين المعقوفين مزيد منّا ؛ إما لوجوده في المصدر ، أو اقتضاء النصّ له ، أو توضيحا لما في النص ، فلاحظ.

(٢) كذا ، والظاهر : الثمرة ، كالسالف.

أقول : مع كل ما أفاده طاب ثراه لازلت لم أفهم وجه التقييد بقوله(مدحا وقدحا)إذ هو مخلّ بالمقصود.

لا يقال : إنّه داخل في القدح ولو من حيث عدم اعتبار خبره.

فإنّه يقال : لا شك بعدم ظهور اللفظة فيه أوّلا ، ولا يصحّ استعمال المجاز في التعريف إلاّ بقرينة واضحة مفقودة في المقام ثانيا.

ثمّ في التعريف مناقشات اخر :

منها : إنّه يلزم خروج القواعد غير الموضوعة بعد التي يمكن أن يعرف بها حال الراوي.

ومنها : جعل الذات والذاتي من الأحوال.

ومنها : إنّه ليس في الرجال قاعدة يعرف بها ذات الراوي بل ما يعلم منه وصف من أوصافه ، وعليه فلا فائدة في تقييد التعريف بكلمة(ذاتا).

ومنها : إنّه يلزم خروج القواعد التي يعلم بها كون الراوي غير منصوص بقدحه ومدحه.

٣٨

وأمّا المناقشة في التعريف ، بعدم شموله للمشتركات التي لم يفد شيء من المميّزات تمييز بعضهم عن بعض.

فالجواب عنها كالجواب عن خروج المجهول والمهمل ؛ من أنّها لقلّتها كالمعدوم ؛ وأنّ الوضع لغرض لا يلازم ترتّب الغرض في جميع المصاديق.

ولا وجه للجواب بخروج تمييز المشتركات عن الرجال ، وأنّ علمه مغاير لعلم الرجال ؛ إذ التمييز ليس من أحوال الرواة ، والبحث في الرجال إنّما هو عن أحوالهم (١).

فإنّ فيه ؛ أنّ تمييز المشتركات من جملة المباحث الرجاليّة ، وجزء لعلم الرجال ، ولذا ترى أنّ أسباب التمييز كلّها أو جلّها موجودة في طيّ كلماتهم .. وقد تعرّضوا لتمييز جملة من الرجال المختلف فيهم في كتب الرجال ، وتمييز المشتركات للكاظمي .. وغيره معدود من أهمّ كتب الرجال.

__________________

ومنها : إنّه يلزم خروج جميع قواعدها عنه ؛ إذ ليس لنا قاعدة يعرف بها حال الجميع. نعم ؛ إذا اريد من لفظ(الرواة)جنسه أمكن دفع الإشكال ، وفيه ما لا يخفى.

.. وغير ذلك من الإشكالات التي يمكن دفع بعضها بما مرّ ، ويكون التعريف شرح اسم ، وعليه ؛ يصبح تقيد التعريف ب‌(مدحا وقدحا) مخلّ بالمقصود.

(١) كما صرّح بذلك المولى الكني في توضيح المقال : ٣ [الطبعة الحجرية ، وفي الطبعة المحقّقة : ٣١].

٣٩

وقد أدخله صاحب منتهى المقال في كتابه ، على أنّ التمييز كالاشتراك من الأحوال (١).

ودعوى (٢)كون المراد بـ‌ : (الأحوال)خصوص وصفي المدح والقدح ، كما ترى (٣).

__________________

(١) هناك بحث في أنّ كتب ضبط الأسماء والحركات في التراجم ك‌ : إيضاح العلاّمة ، وكذا كتب تمييز المشتركات ، كهداية المحدثين للكاظمي ، وكتاب جامع المقال للطريحي .. وغيرهما ؛ هل تعدّ من كتب الرجال أم لا؟وعلى الأوّل فتكون من مقاصد هذا العلم ، وأمّا على القول بأنّها لا تفيد التوثيق ولا الجرح بذلك القدر ، وأنّها ليست ممّا يبنى عليها القبول والرد فتكون من المبادئ ، وهو الظاهر. فيكون تسميتها من كتب الرجال مجازا.

إلاّ أن يقال ـ كما قاله الكاظمي في التكملة ١٣/١ ـ : .. كما أنّ المقصود الأصلي منه الأوّل ؛ كذلك تمييز المشتركات وتشخيص الرواة وبيان المتعدد والمتحد وأمثاله مقصود أصلي.

ولا يخفى ما فيه ؛ إذ ليس ذلك هو المقصود الأصلي في المقام ، خصوصا ضبط المفردات ، فتدبّر.

(٢) الدعوى من توضيح المقال بقوله : إلاّ أن يراد بها خصوص وصفي المدح والقدح .. إلى آخره.

وقد قال رحمه اللّه في آخر كلامه : إنّ الأولى التعريف بأنّه : ما وضع لمعرفة الحديث المعتبر عن غيره ..

(٣) وعليه ظهر حال من عرّف علم الرجال بقوله : العلم بأحوال رواة الخبر الواحد ذاتا ووصفا ومدحا وقدحا وما في حكمهما ..

٤٠