زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي

زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

المؤلف:

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦

به حقيقة الحال. وامّا هاهنا ، فقد جرينا على مذاق «العضديّ».

وللشارع محلّ كلام : فيمكن ان يكون قد استعملها لمناسبة معناها (١) اللغويّة.

للتبادر : اي : تبادر المعاني الشرعيّة عند سماع تلك الالفاظ من دون قرينة. ووجه التأمّل : انّك ، ان اردت عند سماعها من المتشرعة ، فليس محلّ النزاع ؛ وان اردت عند سماعها (٢) من الشارع ، فممنوع ؛ لاحتمال استعمالها في تلك المعاني ، لمناسبة معانيها اللغويّة ؛ من دون وضع مغن عن القرينة.

وفيه ما فيه : اذ لقائل ان يقول : التبادر في كلام المتشرعة مسلّم ، وفي كلام الشارع ممنوع ؛ وانّما حصل بعد البيان.

ولا يلزم عدم عربيّة القرآن : جواب عن استدلال من انكر الحقيقة الشرعيّة ، بانّ العرب لم يضعها لتلك المعاني ؛ بل ، لم يتعقّلوها اصلا ؛ والقرآن مشتمل عليها ؛ ك : الصلاة والصوم والحجّ وغيرها ؛ فلا يكون القرآن عربيّا.

وتقرير الجواب : ان المجازات الحادثة (٣) عربيّة ؛ لوجود العلاقة ؛ اذ النقل في آحادها غير شرط ؛ كما مرّ.

سلّمنا عدم عربيّتها ؛ لكنّ اللفظ العجميّ النادر في الكلام الطويل ، لا يخرجه عن العربيّة ؛ ك : الشعرات النادرة البيض في الفرس الاسود ، والكلمات القليلة العربيّة في القصيدة الفارسيّة.

ك : «المشكاة» و «السجّيل» : كونهما من اتّفاق اللغتين ـ ك : الصابون ـ بعيد ؛ سيّما : السجّيل.

__________________

(١) و : معانيها.

(٢) و : ـ من المتشرعة ، فليس ... عند سماعها.

(٣) م ١ ، م ٢ : الجارية.

٨١

دون «ابراهيم» : فيه تعرّض ب : «العلّامة» (١) و «الحاجبيّ (٢)» (٣) حيث استدلّا به (٤) على وجود المعرّب في القرآن ، باتّفاق النحاة على منع صرف «ابراهيم» للعجمة والعلميّة ؛ لانّ في هذا الدليل نظرا.

فانّه علم : فليس محلّ النزاع ؛ وكلام «الحاجبيّ» يعطي كونه منه (٥).

__________________

(١) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٢٧ / الف ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ١٥.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٢٤.

(٣) م ١ ، م ٢ : بالحاجبيّ والعلّامة.

(٤) م ٢ : ـ به.

(٥) منتهى الوصول والامل / ٢٤.

٨٢

فصل

[في تفسير بعض الحروف]

الواو العاطفة : لمطلق الجمع ؛ لنصّ اللغويّين (١). وقولهم : انّها في المختلفة كالمتّفقة. وورودها في التفاعل. ومع القبليّة والبعديّة. وصدقها مع ارادة (٢) المعيّة. وسؤالهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) : «بايّهما نبدأ» (٤).

واستفادة الجمع من جوهر اللفظ مدفوع ؛ باحتمال الاضراب. وانكارهم على «ابن عبّاس» (٥) تقديم العمرة (٦) ، معارض بأمره به. وهذا ادلّ.

والفاء : لمعان ؛ منها (٧) للتعقيب. وهو في كلّ شيء بحسبه ؛ ك : «تزوّجت ،

__________________

(١) الصحاح ٦ / ٢٥٥٦ ، القاموس المحيط ٤ / ٦٠١ ، مغني اللبيب ١ / ٤٦٣.

(٢) م ١ ، م ٢ : ـ ارادة.

(٣) م ١ ، م ٢ ، : + وسلّم.

(٤) وسائل الشيعة ٩ / ٥٢٢ ب ٦ ح ٣ ، ٧ ، بحار الأنوار ٢١ / ٣٩٦ ح ١٩ ، ٤٠٢ ح ٣٩ ، ٤٠٤ ح ٤٠.

(٥) عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب ، ابن عمّ رسول الله. ولد سنة ٣ قبل الهجرة ، وتوفّي سنة ٦٨ من الهجرة.

(٦) الدرّ المنثور ١ / ٥٠٣.

(٧) د ، و ، م ١ ، م ٢ : ـ لمعان ؛ منها.

٨٣

فولدت». وامّا قوله ـ تعالى ـ : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ)(١) ، فللمبالغة في القرب. وقوله ـ سبحانه ـ : (أَهْلَكْناها ، فَجاءَها بَأْسُنا)(٢) اي : اردناه ؛ او التعقيب ذكريّ.

والباء : لمعان ؛ منها : التبعيض ؛ كما ورد به النصّ الصحيح عن «الباقر» عليه‌السلام (٣) في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٤). فلا عبرة بانكار «سيبويه» (٥) ذلك في سبعة عشر موضعا من كتابه (٦) ؛ قد بسطنا الكلام فيه في «مشرق الشمسين» (٧).

______________________________________________________

الواو العاطفة لمطلق الجمع ؛ لنصّ اللغويّين : اي (٨) : سواء كان معه ترتيب ، ام لا. هذا هو الاصحّ المشهور. وذهب جماعة من البصريّين والكوفيّين ـ ومنهم :

__________________

(١) طه / ٦١.

(٢) الاعراف / ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٠ ب ٢٣ ح ١.

(٤) المائدة / ٦.

(٥) ابو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثيّ. ولد سنة ١٤٨ وتوفّي سنة ١٨٠ من الهجرة. له : «الكتاب» في النحو.

(٦) ليس في كتاب «سيبويه» تصريح ، ولا اشارة على انكار الباء للتبعيض ، حتّى في مورد واحد ؛ فضلا عن سبعة عشر موضعا ؛ نعم ، انّ «سيبويه» عند ما يذكر معانى الباء (الكتاب ٤ / ٢١٧) لم يذكر التبعيض للباء. وظنيّ : ان شيخنا «البهائيّ» نقل هذا عن تهذيب الوصول الى علم الاصول / ١٨. وليت ادري انّ «العلّامة» من اين نقل ، وعن من اخذ؟!

(٧) رسائل الشيخ بهاء الدين / ٢٨٢.

(٨) د ، و ، م ١ : ـ اي.

٨٤

«الفرّاء» (١) ـ الى انّها للترتيب (٢).

ويتفرّع على هذا الخلاف مسائل. منها : ما لو قال للوكيل : (٣) «وكّلتك في بيع داري وعبدي» ، فلا يجوز للوكيل بيعهما معا ؛ ولا يقدّم بيع العبد على الثاني ؛ بخلاف الاوّل. ومنها : ما لو قال لزوجته (٤) : «ان كلّمت اخاك واباك ، فانت عليّ كظهر امّي» ، فتحرم بتكليمهما مطلقا ، على الاوّل ؛ ويشترط تأخير (٥) تكليم الأب ، على الثاني.

كالمتّفقة : فقولنا : «ضارب زيد وعمرو وبكر» مثل قولنا : «زيد وعمرو وبكر ضاربون». وقولنا : «جاء زيد ، وزيد ، وزيد» في قوّة قولنا : «جاء الزيدون».

وورودها : اي : في الكلام الموثوق بعربيّتهم.

في التفاعل : مثل (٦) : «تقاتل زيد وعمرو». ولو كانت للترتيب ، لما صحّ ذلك.

ومع القبليّة : نحو : «جاء زيد وعمرو قبله» ؛ من دون تناقض. و : «جاء زيد وعمرو بعده» ؛ من دون تكرار. وللعبارة محمل آخر ؛ وهو ان يكون المراد (٧) ، انّها وردت في القرآن مع قبليّة مدخولها تارة ، وبعديّته اخرى ؛ كما قال ـ سبحانه ـ :

__________________

(١) ابو زكريّا يحيى بن زاد بن عبد الله منظور الاسلميّ الديلميّ. ولد سنة ١٤٤ وتوفّي سنة ٢٠٧ من الهجرة. من تصانيفه : المعاني ، وكتاب اللغات.

(٢) مغني اللبيب ١ / ٤٦٤.

(٣) د ، و ، م ١ ، م ٢ : ـ للوكيل.

(٤) م ١ ، م ٢ : ـ لزوجته.

(٥) و ، م ١ ، م ٢ : تأخّر.

(٦) م ١ : نحو.

(٧) م ٢ : وهو انّ المراد.

٨٥

(وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً! وَقُولُوا : حِطَّةٌ)(١). وفي آية اخرى : (وَقُولُوا : حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً!)(٢). ولو كانت للترتيب لتناقضتا ؛ اذا القصّة (٣) واحدة.

ولقائل ان يقول : يجوز ان يكون استعمالها في الآيتين لمطلق الجمع ، مجازا ؛ ويكون كلّ منهما قرينة مجازيّة للاخرى ؛ فانّ التأسيس خير من التأكيد.

والبعديّة : نحو : «جاء زيد وعمرو بعده». فلو كانت للترتيب ، لكان تكرارا. وفي هذه الادلّة الثلاثة تنبيه على انّ الاصل في الاطلاق ، الحقيقة.

مع ارادة المعيّة : يعني : اذا جاء زيد وعمرو في وقت واحد ، لصدق (٤) جاء زيد وعمرو باتّفاقهما ؛ ولو كانت للترتيب ، لم يتّفقوا على صدقه.

وانّما لم يعطف «المعيّة» على «البعديّة». بان نقول : «ومع القبليّة والبعديّة والمعيّة» ؛ للاختلاف في صورة الدليل.

وسؤالهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (٥) لمّا نزل قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(٦) سألوا النبي (٧) ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ (٨) : «بايّهما نبدأ»؟ فقال :

__________________

(١) البقرة / ٥٨.

(٢) الاعراف / ١٦١.

(٣) و ، م ١ ، م ٢ : القضيّة.

(٤) م ١ ، م ٢ : يصدق.

(٥) م ١ ، م ٢ : + وذلك.

(٦) البقرة / ١٥٨.

(٧) د ، و ، م ١ ، م ٢ : سألوه.

(٨) م ٢ : صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٨٦

«ابدءوا بما بدأ الله به» (١). فدلّ سؤالهم على انّهم لم يفهموا الترتيب ، مع انّهم اهل اللسان ؛ فلو فهموا الترتيب ، لما سألوا (٢).

بايّهما نبدأ : و ـ ايضا ـ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ابدءوا بما بدأ الله به» (٣) ، لا يدلّ على انّ الواو في الآية للترتيب.

وقولهم : يفهم منه وجوب الابتداء على ما ابتدأ الله به (٤) ـ ولو لا انّها للترتيب ، لما كان كذلك (٥) ـ مردود ؛ بما قاله «المحقّق الشريف» : من : انّ المستفاد ترتيب الوجوب على مطلق الابتداء ؛ لا من حيث العطف عليه (٦).

واعترضه بعض المتأخّرين : ب : انّ الابتداء المطلق لا يصحّ علّة للوجوب اتّفاقا ؛ فيحمل على الابتداء بطريق العطف.

وفيه نظر ؛ لانّ التقديم لمزيد الاهتمام ، شايع. ويمكن فهم الوجوب منه ، او بالوحي بانّه للوجوب.

واستفادة الجمع : جواب عمّا استدلّ به القائلون بانّها للترتيب ك : «الكسائيّ» (٧)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ / ٥٢٢ ب ٦ ح ٣ ، ٧ ، بحار الأنوار ٢١ / ٣٩٦ ، ح ١٩ ، ٤٠٢ ، ح ٣٩ ، ٤٠٤ ، ح ٤٠.

(٢) د ، و ، م ١ ، م ٢ : ـ فلو فهموا الترتيب ، لما سألوا.

(٣) وسائل الشيعة ٩ / ٥٢٢ ب ٦ ح ٣ ، ٧ ، بحار الأنوار ٢١ / ٣٩٦ ح ١٩ ، ٤٠٢ ح ٣٩ ، ٤٠٤ ح ٤٠.

(٤) م ١ ، م ٢ : على ابتداء الله.

(٥) شرح مختصر المنتهى ١ / ٦٥.

(٦) حاشية السيّد الشريف على شرح مختصر المنتهى ١ / ١٩١ ، حاشية السيّد الشريف على المطوّل / ١٠١.

(٧) ابو الحسن عليّ بن حمزة بن عبد الله الاسديّ. توفّي سنة ١٨٩ من الهجرة. له تصانيف ؛ ـ منها : معاني القرآن ، المصادر ، النوادر ، المتشابه في القرآن ، القراءات ...

٨٧

وبعض الفقهاء (١).

باحتمال الاضراب : جواب عن قولهم : ب : انّ الجمع حاصل من مثل قولنا : «جاء زيد عمرو» بدون الواو العاطفة ؛ والتأسيس خير من التأكيد.

والجواب : العطف يدفع (٢) احتمال الاضراب عن «زيد» بان يكون «عمرو» بدلا عنه ؛ فالتأسيس حاصل به (٣).

وانكارهم على «ابن عبّاس» : حيث سمعوا قوله ـ تعالى ـ : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(٤).

وهذا ادلّ : يعني : انّ امره بذلك ادلّ على عدم كون الواو للترتيب ، من دلالة انكارهم عليه على كونها له ؛ لانّ انكارهم عليه يحمل [على] ان يكون يفهم الجمع المطلق ؛ فانكروا عليه التخصيص باحد فرديه.

والفاء للتعقيب : وهو على نوعين : حقيقيّ ؛ نحو : «جاء زيد فعمرو» ـ اذا جاء بعده بغير مهملة ـ وذكريّ ؛ وهو عطف مفصّل على مجمل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ ، فَقالَ : رَبِّ! إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)(٥). وقوله ـ سبحانه ـ : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ ، فَقالُوا : أَرِنَا اللهَ ؛ جَهْرَةً)(٦).

__________________

(١) تمهيد القواعد / ٤٤٤ ، مغني اللبيب ١ / ٤٦٤.

(٢) م ١ ، م ٢ : يرفع.

(٣) و : ـ به.

(٤) البقرة / ١٩٦.

(٥) هود / ٤٥.

(٦) النساء / ١٥٣.

٨٨

(فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ) : (١) فيهلككم. والآية هكذا (٢) : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً ، فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ)(٣).

فللمبالغة في القرب : دفع استدلال مخالف.

او التعقيب ذكريّ : يعني : (أَهْلَكْناها)(٤) مجمل ، (فَجاءَها بَأْسُنا)(٥) تفصيل. ويحتمل ان يكون من باب القلب ، المبالغة في تعلّق الاهلاك بهم ؛ كانّهم هلكوا قبل مجيء الناس ، العذاب اليهم.

النصّ الصحيح عن «الباقر» عليه‌السلام : الراوي : «زرارة بن اعين» (٦) ؛ قال : قلت ل : «ابي جعفر» عليه‌السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : انّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين؟ فضحك ؛ وقال (٧) : يا «زرارة»! قاله رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ؛ ونزل به الكتاب من الله ـ تعالى ـ (٨) ؛ لانّ الله ـ عزوجل ـ قال : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(٩) ، فعرفنا : انّ الوجه كلّه ينبغي ان يغسل ؛ ثمّ ،

__________________

(١) و : + الإسحات : نيست كردن.

(٢) و : ـ اي : فيهلككم. والآية هكذا.

(٣) طه / ٦١.

(٤) الاعراف / ٤.

(٥) الاعراف / ٤.

(٦) ابو الحسن عبد ربّه زرارة بن اعين الشيبانيّ. من ثقات اصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام. توفّي سنة ١٥٠ من الهجرة.

(٧) م ٢ : فقال.

(٨) في المصدر : عزوجل.

(٩) المائدة / ٦.

٨٩

قال : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)(١) ، فوصل اليدين الى المرفقين بالوجه ، فعرفنا : انّه ينبغي لهما ان يغسلا الى المرفقين ؛ ثمّ ، فصل بين كلامين (٢) ، فقال : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(٣) ، فعرفنا حين قال : «برءوسكم» انّ المسح ببعض الرأس ؛ لمكان الباء. ثمّ ، وصل الرجلين بالرأس ، كما وصل اليدين بالوجه ، فقال : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(٤) ، فعرفنا حين وصلها بالرأس : انّ المسح على بعضهما ؛ ثمّ ، فسّر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك للناس ، فضيّعوه (٥) ؛ الحديث.

فلا عبرة : فيه تعريض ب : «العلّامة» ـ طاب ثراه (٦) ـ حيث رجّح في «التهذيب» (٧) عدم مجيء الباء للتبعيض ؛ محتجّا بانكار «سيبويه» مجيئها له ؛ ولم يلتفت الى ما نطق به كلام الامام عليه‌السلام (٨) في هذه الرواية الصحيحة المشهورة الّتي اوردها مشايخنا الثلاثة في اصولهم الثلاثة (٩) المعروفة ؛ اعني : «الكافي» (١٠) ، و «الفقيه» (١١)

__________________

(١) المائدة / ٦.

(٢) في المصدر : الكلام.

(٣) المائدة / ٦.

(٤) المائدة / ٦.

(٥) وسائل الشيعة ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٠ ب ٢٣ ح ١.

(٦) م ٢ : ـ طاب ثراه.

(٧) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ١٨.

(٨) م ١ : صلوات الله وسلامه عليه.

(٩) م ١ ، م ٢ : ـ الثلاثة.

(١٠) الكافي ٣ / ٣٠ ح ٤.

(١١) الفقيه ١ / ٥٦ ب ٢١ ح ١.

٩٠

و «التهذيب» (١). فان كان ـ قدّس الله روحه (٢) ـ لم يطّلع عليها ، فعجيب ؛ وان اطّلع عليها ، ومع ذلك رجّح كلام «سيبويه» عليها ، فاعجب. وكيف يتوهّم عدم اطّلاعه (٣) عليها ، وقد اوردها في كتبه الاستدلاليّة ك : «منتهى المطلب» (٤) وغيره (٥) ، قائلا بصحّتها ، مستدلّا بها على وجوب مسح بعض الرأس. ولعلّه (٦) ـ طاب ثراه ـ (٧) غفل عنها حال تأليف «التهذيب» ؛ فانّ السهو كالطبيعة الثانية للانسان.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ٦١ ح ١٧.

(٢) م ٢ : قدس‌سره.

(٣) م ١ : + نور الله مرقده.

(٤) منتهى المطلب ٢ / ٤٢ ـ ٤١ ـ ٤٠.

(٥) مختلف الشيعة ١ / ٢٩١ ـ ٢٩٠.

(٦) م ١ ، م ٢ : كانّه.

(٧) م ١ ، م ٢ : ـ طاب ثراه.

٩١

فصل

[في المشتقّ]

المشتقّ : فرع وافق باصول حروفه.

وانواعه خمسة عشر.

ولا يلزم بقاء المعنى في صدقه حقيقة ؛ اذ هو لمن حصل له. ولصدق المخبر والمتكلّم ؛ ولزوم مجازيّة المؤمن للنائم والغافل ؛ واستعماله في الثلاثة.

والاصل ، الحقيقة. خرج الاستقبال بالاتّفاق. والنفي الحاليّ لا يفيد. ومنع الكافر على من آمن ، شرعيّ.

وقيل بخروجه عن محلّ النزاع ؛ اذ هو ـ ما لم يطرأ على المحلّ ، وصف وجوديّ ـ ينافي الاوّل ؛ كما في «المحصول» (١) وغيره (٢). فاطلاق النائم والقائم على اليقظان والقاعد ، مجاز اتّفاقا ؛ لا السارق والزاني بعدهما. فتفريع بقاء كراهيّة الطهارة بالمسخّن بالشمس بعد برده ، على هذا الاصل ؛ كما ترى.

__________________

(١) المحصول ١ / ٩١.

(٢) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٧٦ ، التمهيد / ١٥٤.

٩٢

المشتقّ فرع وافق الاصل : المراد : الموافقة الجوهريّة والترتيبيّة معا. فخرج المشتقّ بالاشتقاق الصغير وغيره ؛ ودخل المصدر الميميّ ؛ ك : المقتل ؛ من القتل. امّا المعدول ، فان قلنا باشتقاقه ، فلا كلام ؛ والّا ، فان شرطنا في الفرع مخالفة الاصل في المعنى ، في الجملة ، خرج ؛ لكن ، يخرج الميميّ (١) ـ ايضا ـ وان لم نشترطها ، دخل. وقد يخرج بانّ المراد بالاصل : المصدر ؛ فيستقيم الحدّ.

باصول حروفه : لا يقال : ماضي «الخوف» وأمره ، لا يوافقانه للقلب والنقص ؛ لانّا نقول : طريانهما لمانع لا يدفع الموافقة في الاصل.

انواعه خمسة عشر : اذ ، لا بدّ فيه من تغيير لفظيّ ؛ امّا بزيادة ، او نقص بحرف ، او حركة. والحاصل ، في كلّ مشتقّ امّا واحد ، واثنان ، او ثلاثة ، او اربعة. فالأحاديّ اربعة ، والثنائيّ ستّة ، والثلاثي اربعة ، والرباعيّ واحد ؛ وامثلتها مشهورة.

ولا يلزم بقاء المعنى : المذاهب في اشتراط بقاء المعنى ثلاثة :

الاوّل) لا يشترط مطلقا ؛ وهو مذهب كثير من المعتزلة (٢) ؛ وهو الحقّ عندنا ؛ واليه ذهب «ابن سينا» (٣).

الثاني) يشترط مطلقا ؛ وهو مختار «الفخريّ» (٤) ، و «البيضاويّ (٥)» (٦) ، واكثر

__________________

(١) و : ـ الميميّ.

(٢) الاعتزال ، مذهب كلاميّ في اصول الدين ؛ مؤسّسه «واصل بن عطاء» في مطلع القرن الثاني الهجريّ.

(٣) الشفاء (الالهيات) ١ / ٣٤.

(٤) المحصول ١ / ٨٦.

(٥) ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمّد بن عليّ البيضاويّ. توفّي سنة ٦٨٥ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : انوار التنزيل ، طوالع الانوار في اصول الدين ، منهاج الوصول الى علم الاصول.

(٦) منهاج الوصول / ١٩٣.

٩٣

الاشاعرة.

الثالث) ان لم يكن بقائه ، فكالاوّل ؛ وان امكن ، فكالثاني ؛ وهو مذهب بعض.

وتوقّف «الحاجبيّ» (١) و «الآمديّ» (٢).

في صدقه : ويتفرّع على هذا (٣) ، كراهيّة (٤) الجلوس تحت شجرة الّتي مثمرة قبل. ويتفرّع عليه دخول من كان ساكنا بمكّة ، او حافظا للقرآن ، في الوقف على سكّانها ، وحفّاظه (٥).

حقيقة : استدلّ «الحاجبيّ» على عدم اشتراط البقاء ، باجماع اهل العربيّة على انّ «ضاربا» في : «ضارب امس» ، اسم فاعل. فلو لم يكن المتّصف بالضرب المقتضى فاعلا حقيقة ، لما اجمعوا على ذلك.

واجاب باجماعهم على ذلك ـ ايضا ـ في : «ضارب غدا» (٦).

وقد يجاب : «بانّ اسم الفاعل في عرف النحاة اسم لهذه الصيغة ؛ بايّ معنى كان. ويكفي لصحّة النقل كونه فاعلا في الجملة» ؛ كما ذكره «التفتازانيّ» (٧).

وقد اعترضه بعض المتأخّرين بامكان ان يكون مراد المستدلّ باسم الفاعل ، المعنى اللغويّ ؛ اي : اسم من فعل الفعل ؛ ثمّ ، انّه اجاب ب : انّ تحقّق الاجماع على كونه اسم فاعل بهذا المعنى ، ممنوع.

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٢٥.

(٢) الاحكام في اصول الاحكام ١ / ٨٨.

(٣) م ١ ، م ٢ : هذه مسألة.

(٤) و : كراهة.

(٥) م ١ ، م ٢ : + وفيه نظر ؛ لمخالفة العرف.

(٦) منتهى الوصول والامل / ٢٥.

(٧) حاشية سعد الدين التفتازانيّ على شرح مختصر المنتهى ١ / ١٧٨.

٩٤

وانت خبير ب : انّ امثال هذه الاعتراضات الواهية الورود ، الظاهرة الدفع ، لا طائل في تقريرها ؛ فضلا عن تحريرها.

اذ هو لمن حصل له : اي : الظاهر : انّ المشتقّ موضوع لمن حصل له المعنى مطلقا (١) ؛ في الحال ، او في الماضي. ولا يخفى تطرّق المنع الى هذه الدعوى.

لصدق المخبر والمتكلّم : فلو اشترط بقاء المعنى ، لم يصدق احدهما على احد حقيقة ؛ لانّ كلّا من الخبر والكلام ، حروف غير قارّة تنقضي شيئا فشيئا ؛ فقبلها لم يوجدا ، وبعدها انقضيا.

هذا الدليل ، بعد تمامه ، يدلّ على عدم اشتراط الاتّصاف بالمبدإ في شيء من الازمنة الثلاثة ؛ كما هو المطروح في الفصل الآتي.

ولزوم : بالجرّ قطعا.

مجازيّة المؤمن للنائم والغافل : قد التزمه محقّقوا الاشاعرة ك : «الحاجبيّ» (٢) ، و «الفخريّ» (٣) ، و «العضديّ» (٤) وسائر قدمائهم ؛ دون بعض المتأخّرين ؛ ك : «البدخشيّ (٥)» (٦) وهؤلاء (٧) يقولون (٨) ببقاء التصديق في خزانة الحسّ المشترك على

__________________

(١) م ١ ، م ٢ : + اي.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٢٥.

(٣) المحصول ١ / ٩١.

(٤) شرح مختصر المنتهى ١ / ٥٩.

(٥) محمّد بن الحسن البدخشيّ ، من علماء العامّة. له تصانيف ؛ منها : مناهج العقول في شرح منهاج الوصول.

(٦) مناهج العقول ١ / ٢٨٢ ـ ٢٨١.

(٧) و : ـ وهؤلاء.

(٨) و : قائلين.

٩٥

مذاق الحكماء.

واستعماله : ينبغي ان يقرأ بالجرّ ؛ عطفا على لزوم.

في الثلاثة : اي : الماضي ، والحال ، والاستقبال.

والنفي الحاليّ : جواب عن قولهم : يصدق على من انقضى منه الضرب ، انّه ليس بضارب في الحال. وصحّة السلب من علائم المجاز ؛ كما مرّ (١).

وتقرير الجواب ، انّكم ان اردتم بذلك صدق نفي الضرب عنه في جميع الازمنة في الحال ، فهو اوّل البحث ؛ او صدق نفي الضرب الحاليّ ، فمسلّم ، ولا يضرّنا ؛ اذ النفي الّذي هو من علائم المجاز ، هو النفي المنافي للاثبات ؛ وليس هذا منه. وفي هذا المقام مباحث مشبعة اوردناها مع ما عليها في حواشينا على شرح «العضديّ» (٢).

لا يفيد : اي : لا يفيد (٣) الخصم.

منع الكافر : جواب (٤) عن (٥) استدلال الخصم. قالوا : يلزم صحّة اطلاق الكافر على اكثر (٦) الصحابة ؛ وامتناعه معلوم.

شرعيّ : وكلامنا في الاطلاق اللغويّ ؛ ومنع اطلاقه عليه ـ لغة ـ اوّل البحث.

بخروجه : اي : خروج اطلاق الكافر على من آمن.

ما لم يطرأ على المحلّ وصف وجوديّ : فاذا طرأ السواد وزال البياض ، لا يقال

__________________

(١) زبدة الاصول / ٧٤.

(٢) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.

(٣) و : ـ لا يفيد.

(٤) م ١ ، م ٢ : + آخر.

(٥) د : ـ عن.

(٦) م ١ : + اكابر.

٩٦

للمحلّ ابيض ؛ الّا مجازا ؛ لزوال ما كان علّة ؛ لا اطلاقه عليه.

وجعل «التفتازانيّ» ، النزاع في اسم الفاعل الّذي بمعنى الحدوث ؛ لا الّذي بمعنى الثبوت ؛ ك : المؤمن ، والكافر ، والحلوّ ، والحامض ؛ وسمّى كلامه ـ هذا ـ تحقيقا (١). وغرضه الردّ على «الحاجبيّ» و «العضديّ» ؛ حيث ذهبا الى انّ اطلاق المؤمن على النائم مجاز (٢) ؛ فانّه بعيد جدّا ؛ وهذا (٣) ظاهر.

واعتراض بعض المتأخّرين عليه : ب : انّ هذا التخصيص ، لو لم يكن مذكورا في تحرير الدعوى ، عجيب ؛ فانّ كلام «التفتازانيّ» يئول الى (٤) التشنيع عليهما في اهماله هناك.

كما في «المحصول» : نسبة هذا الكلام الى «المحصول» موجودة في كتب بعض (٥) المخالفين. واورده شيخنا «الشهيد الثاني» (٦) في «قواعده» (٧) ؛ نقلنا عنه ؛ ونحن لم نجده في «المحصول» ؛ ولا في كلام علماء الاصول ؛ فلذلك صدرناه بلفظة : «قيل».

اتّفاقا : وكذا الحلوّ على ما كان حامضا ؛ وبالعكس.

__________________

(١) حاشية سعد الدين التفتازانيّ على شرح مختصر المنتهى ١ / ١٨٠ ـ ١٧٩.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٢٥ ، شرح مختصر المنتهى / ٥٩.

(٣) م ٢ : هو.

(٤) م ١ ، م ٢ : يدلّ على.

(٥) م ٢ : بعض كتب.

(٦) الشهيد زين الدين بن نور الدين عليّ بن احمد بن محمّد العامليّ. ولد سنة ٩١١ واستشهد سنة ٩٦٥ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : الروضة البهية ، مسالك الافهام ، تمهيد القواعد ، الرعاية في علم الدراية و...

(٧) تمهيد القواعد / ٨٥.

٩٧

بعدهما : اي : بعد (١) السرقة والزنا. (٢).

فتفريع بقاء كراهيّة الطهارة : هذا من تتمّة القيل. والمراد : انّه ـ على ذلك التقدير ـ لا يستقيم تفريع هذه المسألة على عدم لزوم بقاء المعنى ؛ لطريان البرودة الّتي هي وصف وجوديّ على المحلّ.

__________________

(١) و ، د : ـ بعد.

(٢) و ، د ، م ١ ، م ٢ : الزنا والسرقة.

٩٨

فصل

[في اتّصاف المشتقّ بالمبدإ]

لا يشترط الاتّصاف بالمبدإ في المشتقّ ؛ وان غلب.

واستدلّ بصدق المؤلم والضارب مع قيام الالم والضرب بغيره.

وفيه : انّ المبدأ هو التأثير ؛ لا الاثر.

ويمكن الاستدلال ب : صدق العالم ، والقادر ، والخالق عليه ؛ سبحانه. والعينيّة ثابتة. ولا قيام للخلق به (١) ؛ تعالى (٢).

وتشبّثوا بالاستقراء.

يلزمهم منع اطلاق الموجود والصائت على الشيء ، والواجب على الصلاة ـ مثلا ـ لعينيّة الوجود بزعمهم ، وقيام الصوت بالهواء (٣) ، وجعلهم الوجوب من الكلام النفسيّ.

والحقّ ، انّ للبحث مجالا ؛ ودعواهم الاستقراء لم تثبت.

__________________

(١) م ٢ : عليه.

(٢) م ٢ : سبحانه ، و : ـ تعالى.

(٣) و : ـ وقيام الصوت بالهواء.

٩٩

الاتّصاف بالمبدإ في المشتقّ : سواء كان المشتقّ اسم فاعل ، او اسم مفعول ، او صفة مشبّهة ؛ وسواء كان المبدأ قائما بغير المحلّ ، او لا. و «الحاجبيّ» خصّص باسم الفاعل فيما اذا كان المبدأ قائما بغيره (١) واعتذر له : ب : انّ عمدة البحث وصفه ـ سبحانه (٢) ـ بالمتكلّم مع قيام الكلام بالشجرة ؛ وهو عذر ضعيف. والاولى التعميم ؛ كما فعل «العلّامة» (٣) و «الآمديّ» (٤).

انّ المبدأ هو التأثير ؛ لا الاثر : وقد يستدلّ ب : انّ الصورة الجزئيّة قائمة بالحسّ ؛ لا بالنفس ؛ مع اتّصاف النفس بالعلم بهما.

وفيه : انّ المتكلّمين لا يقولون بذلك ؛ والنزاع انّما هو بينهم.

والعينيّة : اي : عينيّة الصفات للذات المقدّسة ؛ قد ثبت في علم الكلام (٥). هذا راجع الى «العالم» و «القادر». وقوله : «ولا قيام للخلق به» راجع الى «الخالق». ففي الكلام لفّ ونشر مرتّب (٦).

ثابتة : اي : قد ثبت في الكلام : انّ صفاته ـ تعالى ـ عين ذاته ؛ فليس هنا اتّصاف بالعلم والقدرة (٧).

وتشبّثوا بالاستقراء : وليس لهم دليل سواه.

ويلزمهم : اي : يلزم الاشاعرة القائلين بانّه لا بدّ في اطلاق المشتقّ على شيء ،

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٢٥.

(٢) م ١ ، م ٢ : تعالى.

(٣) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ١٩ / ب ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ١٠.

(٤) الاحكام في اصول الاحكام ١ / ٨٥.

(٥) كشف المراد / ٣٢١.

(٦) ل : ـ مرتّب.

(٧) كشف المراد / ٣٢١.

١٠٠