الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦
وقيل : والقائل «ابن ابان» (١) من المخالفين (٢).
ان خصّ : اي : الكتاب.
قبله بقاطع : سواء كان متّصلا ، او منفصلا ؛ وهذا مذهب «ابن ابان». وقال «الكرخيّ» (٣) : ان خصّ بمنفصل ؛ ولو ظنّيّا. فالمذاهب خمسة. ولمّا كان الخامس في غاية الضعف ـ كما لا يخفى ـ لم يتعرّض له في المتن.
وقيل : والقائل بذلك «القاضي ابو بكر» (٤).
بالوقف : وما يقال : انّ الوقف يستلزم الغاء الدليلين ؛
فجوابه : انّ المتوقّفين توجبون اعمال العامّ فيما لا يعارضه قيد الخاصّ من الافراد. وانّما يتوقّفون فيما وقعت فيه المعارضة ؛ مثلا : المعارضة بين : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(٥) و «لا تقتلوا الذمّيّ» (٦) ، انّما هي في بعض افراد الّذي تضمّنت الآية قتلهم ، وتضمّن الحديث عدم قتلهم. فالمتوقّف يحكم بقتل من عدا الذمّيّ ويتوقّف في قتله ؛ لتعارض الآية والحديث فيه اثباتا ونفيا. فقد اعمل العامّ في بعض ما يشمله لعدم ما يعارضه ، وتوقّف في اعماله في الكلّ بوجود المعارض ؛ فأين الغاء
__________________
(١) ابو موسى عيسى بن ابان بن صدقة بن عديّ القاضي ، من اصحاب ابي حنيفة. تفقّه على محمّد بن الحسن الشيبانيّ. توفّي سنة ٢٢١ من الهجرة.
(٢) منتهى الوصول والامل / ١٣١ ، الفصول في الاصول ١ / ٧٥ ـ ٧٤ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣٤٧ ، المستصفى ٢ / ١١٥ ، المحصول ١ / ٤٣٢.
(٣) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣٤٧ ، المحصول ١ / ٤٣٢ ، منهاج الوصول / ٤١١.
(٤) منتهى الوصول والامل / ١٣١ ، المحصول ١ / ٤٣٢ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣٤٧.
(٥) التوبة / ٥.
(٦) سنن ابن ماجة ٢ / ٨٨٧ ب ٢١ ح ٢٦٦٠ ، سنن ابي داود ٤ / ١٨٠ ح ٤٥٣٠ ، سنن النسائيّ ٨ / ٢٠ ـ ١٩.
الدليلين؟!
ومال اليه : اي : الوقف.
لا يعارض : نقل «البيضاويّ» (١) ، وغيره (٢) من علماء العامّة ـ في بحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد ـ عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : «اذا روي عنّي حديث ، فاعرضوه على كتاب الله! فان وافقه ، فاقبلوه! وان خالفه ، فردّوه!» (٣).
ثمّ ، اجاب عن هذا الحديث ب : «انّه منقوض بالمتواتر» (٤).
ودفع الشارحون (٥) هذا الجواب ب : انّ المراد بالحديث ـ الواجب عرضه على الكتاب ـ هو ما لم يقطع بانّه صدر عن النبي صلىاللهعليهوآله ؛ والمتواتر ليس كذلك ؛ مع انّ تخصيصه للكتاب ثبت بالاجماع.
والحاصل : انّ استدلال المخالفين بهذا الحديث ـ الّذي نقله العامّة والخاصّة ـ في غاية القوّة والمتانة.
ظنّيّ : بل ، يمكن ان يقال : انّه لا يفيد الظنّ بعد ورود (٦) حديث : «اذا جاءكم عنّا حديث» (٧) ـ الى آخره ـ والاتّفاق عليه.
__________________
(١) منهاج الوصول / ٤١١.
(٢) الرسالة / ٢٢٤ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣٤٩ ، المحصول ١ / ٤٣٤ ، فواتح الرحموت ١ / ٣٥٠.
(٣) الرسالة / ٢٢٤ ، جامع بيان العلم وفضله ٢ / ٩١ ـ ٩٠ ، الموضوعات ١ / ٢٥٨ ، بحار الأنوار ٢ / ٢٢٥ ح ٢ ، ٥٠ / ٨٠ ح ٦.
(٤) منهاج الوصول / ٤١١.
(٥) مناهج العقول ٢ / ١٦٨ ، نهاية السئول ٢ / ٤٦٣.
(٦) م ١ : وقد ورد.
(٧) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٠ ب ٩ ح ١٩ ، ٨٤ ح ٢٩ ، ٨٦ ح ٣٧ ، مستدرك الوسائل ١٧ / ٣٠٤ ب ٩ ح ٣ ، ٤ ، ٥.
قطعيّا : و ـ ايضا ـ فاللفظ العامّ حقيقة في العموم ؛ واذا خصّ ، صار مجازا ـ كما صرّحوا به ـ لاستعماله في غير ما وضع له. فكيف يعدل في الفاظ القرآن المجيد عن حقائقها ويصار الى ترجيح مجازاتها عليها بخبر واحد؟!
ثمّ ، لا يخفى : انّه يمكن الاستدلال من جانب المانعين بقوله ـ تعالى ـ : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ، فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ؛ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١). ولا ريب انّ القرآن احسن من خبر الواحد.
لا يقال : الاحسن ، اتّباع مجموع القولين بالجمع بين الدليلين ؛
لانّا نقول : المستفاد من الآية الكريمة : اتّباع احسن القولين ، او الاقوال [كلّها] ؛ لا كليهما ؛ ولا مجموعها.
فان قلت : دليلك [يجري] في المتواتر ؛
قلت : تخصيص القرآن به ؛ فخرج بالاجماع ؛ فتأمّل!
اذ هو : اي : النسخ.
انّما يعارض : اي : الكتاب.
به : اي : بخبر الواحد.
المجوّزون : لم يتعرّض لدليلهم المشهور الّذي قدّمه «الحاجبيّ» (٢) على سائر الادلة ؛ لانّه ضعيف.
وتقريره : انّ الصحابة خصّوا الكتاب بخبر الواحد ؛ ك : تخصيصهم قوله ـ تعالى ـ : (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ)(٣) ، بقوله صلىاللهعليهوآله : «لا تنكح المرأة على عمّتها ؛ ولا [على]
__________________
(١) الزمر / ١٨.
(٢) منتهى الوصول والامل / ١٣١.
(٣) النساء / ٢٤.
خالتها» (١).
وبيان ضعفه : تطرّق المنع الى كونه خبر آحاد ؛ فانّ اكثر الاخبار في الصدر السابق ، كانت متواترة ؛ فكيف علم انّهم خصّوا الآية بخبر الواحد؟!
وامّا تخصيص «ابي بكر» آية : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ)(٢) بالخبر الّذي زعم انّه سمعه عن النبي صلىاللهعليهوآله ـ وهو : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ؛ ما تركناه صدقة (٣)» ـ فلا ينهض حجّة ؛ كما لا يخفى على من له فطرة سليمة.
اعمال الدليلين : لا يخفى : ان ل : «الشيخ» قدسسره (٤) وسائر المانعين من التخصيص به ، ان يقولوا : كيف يكون دليلا ، وقد منع من (٥) العمل به الحديث المشهور عنهم عليهمالسلام : «اذا جاءكم عنّا حديث ، فاعرضوه على كتاب الله!» (٦) ـ الحديث ـ ؛ مع انّ هذا الحديث ممّا لا خلاف فيه بين الفريقين؟!
وقطعيّ المتن : جواب عن اوّل دليلي المانعين.
وعدم النسخ ، للاجماع : اي : على انّ الكتاب لا ينسخ بخبر الواحد.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٤ / ٣٧٧ ب ٣٠ ح ١٠ ، صحيح البخاريّ ٣ / ٢٤٥ ، صحيح مسلم ٣ / ٢٠٠ ب ٤ ح ٣٧ ، ٣٨ ، الجامع الصحيح ٣ / ٤٣٣ ـ ٤٣٢ ب ٣١ ح ١١٢٥ ، ١١٢٦ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٢١ ح ١٩٢٩ ، سنن النسائيّ ٦ / ٩٨ ـ ٩٧.
(٢) النساء / ١١.
(٣) بحار الأنوار ٢٨ / ١٠٤ ح ٣ ، ٣٥٧ ح ٦٩ ، صحيح البخاريّ ٣ / ٥٥ ، ٤ / ١٦٤ ، ١٦٥ ، صحيح مسلم ٤ / ٢٩ ب ١٦ ح ٥١ ، ٣١ ح ٥٤ ، ٣٢ ح ٥٥ ، ٥٦ ، مسند احمد ١ / ٤ ، ٦ ، ٩ ، ٤٧ ، ٤٩ ، ٦٠ ، ٢٠٨ ، ٦ / ١٤٥ ، ٢٦٢.
(٤) م ١ : ـ قدسسره.
(٥) م ١ : ـ من.
(٦) وسائل الشيعة ١٨ / ٨٠ ب ٩ ح ١٩ ، ٨٤ ح ٢٩ ، ٨٦ ح ٣٧ ، مستدرك الوسائل ١٧ / ٣٠٤ ب ٩ ح ٣ ، ٤ ، ٥.
والضعف بالمجازيّة : هذا جواب عن كلام (١) المفصّلين ؛ وفيه ما فيه ؛ فانّهم يقولون : انّ خبر الآحاد لا يقوي على جعل حقيقة القرآن مجازا.
غير لازم : اذ به ترتفع شناعة تغيير القرآن المجيد عن حقيقته الى مجازه بخبر الآحاد ؛ فانّ المغيّر ـ حينئذ ـ انّما هو القاطع ، وهو يقوي على التغيير المذكور ؛ بخلاف خبر الآحاد (٢).
__________________
(١) م ١ : دليل.
(٢) م ١ : خبر الواحد.
فصل
[في تنافي العامّ والخاصّ]
اذا تنافي العامّ والخاصّ ، وتقارنا ، بني عليه ؛ وان تقدّم ، فبعد حضور العمل به ، منسوخ ، وقبله مخصّص ؛ وان تأخّر ، فكالمقارن عند «المحقّق» (١) و «العلّامة» (٢) ، وناسخ عند «المرتضى» (٣).
لنا : تقديم العامّ يوجب الغائه ، او نسخه ؛ وتقديمه ، التجوز ؛ لا غير ؛ فهو اولى.
وليست النصوصيّة كالعموم. والمتأخّر وصف البيانيّة.
وان جهل التاريخ ، فكالاوّل.
واحتمال النسخ معلّق على ما الاصل عدمه ؛ فلا يصحّ للمعارضة.
__________________
(١) معارج الاصول / ٩٨.
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٩٨ / ب ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٤٥.
(٣) الذريعة الى اصول الشريعة ١ / ٣١٧ ـ ٣١٦.
بني عليه : العامّ على الخاصّ.
وان تقدّم : اي (١) : العامّ.
فبعد حضور العمل به : اي : العامّ. فان كان ورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل بالعامّ ، فالعامّ منسوخ والخاصّ ناسخه.
وقبله مخصّص : بصيغة اسم (٢) المفعول.
وان تأخّر : اي (٣) : العامّ عن الخاصّ.
وناسخ : اي : العامّ المتأخّر ناسخ للخاصّ المتقدّم.
عند «المرتضى» : ووافقه «الشيخ» (٤) و «ابن زهرة» (٥).
وقد احتجّ بوجهين :
الاوّل : انّه اذا قال (٦) : «اقتل زيدا المشرك!» ، ثمّ ، قال : «لا تقتل المشركين!» ، فقوله الثاني بمثابة قوله : «لا تقتل زيدا ، ولا عمروا ، ولا بكرا ...» ـ الى آخرهم ـ وهذا ناسخ ؛ فكذا ذاك.
الثاني : انّ المخصّص للعامّ مبيّن له ؛ فلا يتقدّم عليه.
لنا : في هذا ، دلالة على اختيار كونه مخصّصا.
يوجب الغائه : اي : الغاء الخاصّ ؛ ان ورد قبل حضور وقت العمل.
او نسخه : ان ورد بعد حضور العمل.
__________________
(١) ل : ـ اي.
(٢) د : بالبناء لاسم.
(٣) ل : ـ اي.
(٤) العدّة في اصول الفقه ١ / ٣٩٣.
(٥) غنية النزوع ٢ / ٣٢٦ ـ ٣٢٥.
(٦) د : قيل.
وتقديمه : بان يراد بالعامّ بعض افراده.
التجوّز : اشارة الى انّ العامّ المخصّص مجاز في الباقي ؛ كما هو مذهب اكثر المحقّقين من علمائنا ؛ ك : «الشيخ» (١) ، و «المحقّق» (٢) و «العلّامة» (٣) ـ في غير «التهذيب» ـ وهو مذهب «الحاجبيّ» (٤).
وذهب [العلّامة] ـ قدّس الله سرّه ـ في «التهذيب» (٥) الى انّه : ان خصّ بما لا يستقلّ من شرط ، او صفة ، او استثناء ، او غاية ، فهو في الباقي حقيقة ؛ وان خصّ بمستقلّ من عقل ، او سمع ، فمجاز ؛ وهذا موافق ل : «ابي الحسين البصريّ» (٦). وذهب الحنابلة (٧) الى انّه حقيقة مطلقا (٨).
ليست النصوصيّة كالعموم : جواب عن استدلال القائلين ب : انّ العامّ المتأخّر ناسخ للخاصّ المتقدّم.
وتقريره : انّ تعداد الجزئيّات بالنصّ على كلّ واحد واحد ، مانع من اخراج بعضها ؛ للتناقض ؛ بخلاف ذكرها بلفظ عامّ.
وحاصل دليلهم : من امر عبده بفعل خاصّ ، ثمّ ، نهاه عمّا يعمّ ذلك الفعل وغيره ، فهذا النهي ، عن ذلك الفعل الخاصّ ؛ كما لو قال : «اكرم زيدا الشاعر» ، ثمّ ، قال بعد
__________________
(١) العدّة في اصول الفقه ١ / ٣٠٧.
(٢) معارج الاصول / ٩٧.
(٣) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٨٨ / ب.
(٤) منتهى الوصول والامل / ١٠٦.
(٥) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣٩.
(٦) المعتمد ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٢.
(٧) مذهب فقهيّ مؤسّسه احمد بن محمّد بن حنبل الشيبانيّ ، في القرن الثالث من الهجرة.
(٨) روضة الناظر ٢ / ٥١ ـ ٥٠ ، الواضح في اصول الفقه ٣ / ٣٦٥.
ذلك : «لا تكرم الشعراء» فهو في قوّة قوله : «لا تكرم زيدا ، ولا عمرا ، ولا بكرا ...» ولا ريب في انّ هذا ناسخ ؛ فكذا ذاك.
وحاصل الجواب : انّ الفرق واضح ؛ فانّ النصّ الصريح على عدم اكرام «زيد» ينادي بالمنع من اكرامه ؛ بخلاف الاتيان بلفظ ظاهره شموله له ؛ فانّ التخصيص شايع ذائع.
والمتأخّر وصف البيانيّة : جواب عن استدلالهم الثاني. وتقريره : انّ المتقدّم ذات الكلام ، وامّا اتّصافه بالبيان ، فمتأخّر.
حاصله : انّ التخصيص بيان للمراد من العامّ ؛ فكيف يتأخّر المبيّن عن المبيّن؟!
وان جهل التأريخ : لا يخفى : انّ جهل التأريخ لا يتمشّى في العامّ والخاصّ الواردين في الكتاب العزيز ؛ لانّ تأريخ نزول العامّ والخاصّ منه مضبوط عند المفسّرين ؛ وانّما يتمشّى في الاحاديث النبويّة ؛ لا فيما نقل عن الائمة عليهمالسلام.
فكالاوّل : اي : المقارن ؛ اي : ليعمل بالخاصّ.
واحتمال النسخ : جواب عمّا يقال : احتمال وروده بعد حضور وقت العمل بالعامّ قائم ، وقد قلتم : انّه يكون ـ حينئذ ـ ناسخا للعامّ ؛ فكيف حكمتم بكونه مخصّصا؟!
وتقرير الجواب : انّ النسخ موقوف على وروده بعد الحضور المذكور ؛ والاصل عدمه.
معلّق على ما الاصل عدمه : لانّه معلّق على ورود الخاصّ بعد حضور وقت العمل ؛ والاصل (١) عدمه.
و ـ ايضا ـ الاصل عدم رفع الحكم بالكلّيّة.
فلا يصلح للمعارضة : اي : لمعارضة احتمال التخصيص.
__________________
(١) م ١ : + حقيقة.
فصل
[في العمل بالعموم قبل الفحص عن المخصّص]
لا يبادر الى العمل بالعموم قبل ظنّ عدم المخصّص ، بالفحص عنه ؛ لا باصالة عدمه.
لنا : شيوع المثل المشهور ؛ فحصل الشكّ ؛ فوجب.
قالوا : فيجب عن التجوّز ، لمساواته ؛ وليس ، فليس.
قلنا : الفرق قائم للمثل ، وما قيل من : انّ اكثر اللغة مجازات ، يكذّبه التتبّع ؛ كما يصدّق المثل.
«القاضي» (١) : يشترط (٢) القطع بعدم المخصّص والمعارض.
قلنا : فيبطل العمل باكثر الادلّة.
وافادة كثرة البحث ، او فحص المجتهد له ، ممنوع. والسند ، رجوعه بالاقوى.
__________________
(١) البحر المحيط ٣ / ٣٧.
(٢) م ١ ، م ٢ : شرط.
لا يبادر الى العمل بالعموم : «العلّامة» ـ قدّس الله روحه ـ (١) في «النهاية» : (٢) على عدم جواز العمل بالعامّ قبل استقصاء البحث عن المخصّص. واراد بالاستقصاء : عدم الاكتفاء باصالة عدمه. وفي «التهذيب» (٣) : على الجواز. وبعض الاصوليّين (٤) ادّعى الاجماع على عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ، وزعم انّ الخلاف ، انّما هو في مقداره ، فهل يجب الى ان يحصل الظنّ بعدم المخصّص ، او الى ان يحصل القطع بعدمه؟
قبل ظنّ عدم المخصّص : وكذا البحث في المعارض ؛ لكنّ الحجّة في المخصّص اقوى ؛ لشيوع المثل. وشهادة الممارسة والتتبّع يصدقه ؛ الّا نادرا.
بالفحص : متعلّق ب : «ظنّ».
عنه : اي : المخصّص.
لا باصالة عدمه : الباء للسببية ، والجارّ متعلّق ب : «الظنّ» ؛ فالظنّ الحاصل باصالة العدم غير كاف على اللغويّ.
المثل المشهور : وهو قولهم : «ما من عامّ ، الّا وقد خصّ».
فوجب : تحصيل الظنّ بعدم المخصّص ، بالفحص عنه ، او وجب الفحص.
قالوا : فيجب عن التجوّز : اي : لو وجب الفحص عن المخصّص ، لوجب عن التجوّز ؛ فلا يحمل اللفظ على حقيقته قبله.
وليس : الفحص عن التجوّز.
فليس : اي : الوجوب.
__________________
(١) د : قدسسره.
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٩٠ / الف.
(٣) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٤٠.
(٤) معالم الدين / ١١٩.
وما قيل من : انّ اكثر اللغة مجازات : وامّا الالفاظ ، فاكثرها حقايق.
فيبطل العمل باكثر الادلّة : اذ القطع بعدمهما في اكثرها غير حاصل ؛ بل الحاصل ، الظنّ ؛ لا غير. فانّ عدم الوجدان ، لا يدلّ على عدم الوجود.
وافادة كثرة البحث : اي : بحث المجتهدين السابقين مع عدم وجدانهم له.
او فحص المجتهد له : اي : القطع.
والسند : اي : سند المنع.
رجوعه بالاقوى : انّ المجتهد كثيرا ما ، يرجع عن العمل بالعموم (١) ، او بالدليل ـ بعد بحث المجتهدين وفحصه ـ بسبب ظفره بالاقوى ؛ اعني : المخصّص (٢) والمعارض.
__________________
(١) د ، م ١ : للعموم.
(٢) م ١ : المجوّز.
فصل
[في الاستثناء]
الاستثناء في المنقطع مجاز ؛ لا مشترك لفظيّ ؛ ولا معنويّ. ومن ثمّ (١) لم يحملوه عليه ، الّا مع تعذّر المتّصل.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ)(٢) ، و (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(٣) ، ونحوهما (٤) غير دالّ على الحقيقة ؛ وفيه نظر.
ويشترط الاتّصال ؛ ولو حكما ؛ للزوم جهالة قدر المبيع ، والموجر ونحوهما. ولإلغائهم استثناء المقرّ ب : «عشرة درهما» بعد مدّة ؛ لا لما روي (٥) من تعيين
__________________
(١) م ٢ : ثمّة.
(٢) النساء / ١٥٧.
(٣) الواقعة / ٢٦.
(٤) و ، م ١ : ـ ونحوهما.
(٥) سنن ابن ماجة ١ / ٦٨١ ب ٧ ح ٢١٠٨ ، ٦٨٢ ح ٢١١١ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٧٠ ب ٣ ح ٧ ، ٤٧٣ ح ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ٤٧٤ ح ١٤ ، ١٧ ، ٤٧٥ ح ١٩ ، الجامع الصحيح ٤ / ١٠٦ ب ٥ ح ١٥٢٩ ، ١٠٧ ب ٦ ح ١٥٣٠ ، مسند احمد ٢ / ١٨٥ ، ٢٠٤ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٣٦١ ، ٣ / ٧٦ ، ٤ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٣٧٨ ، سنن ابي داود ٣ / ٢٣٩ ح ٣٢٧٧ ، سنن النسائيّ ٧ / ١٢ ـ ٩.
التكفير مع اسهليّة الاستثناء ؛ اذ لم تثبت الرواية ، عندنا.
قالوا (١) : جوّزه «ابن عبّاس» الى شهر.
قلنا : لم يثبت ، او اراد اظهار ما نوى اوّلا.
______________________________________________________
الاستثناء في المنقطع مجاز ؛ لا مشترك لفظيّ ؛ ولا معنويّ : فيعرف مطلق الاستثناء ب : الدالّ على مخالفة ب «الّا» غير الصفة ، واخواتها. والمستثنى ب : المذكور بعد «الّا» غير الصفة واخواتها.
لم يحملوه عليه : [اي : على] المنقطع.
قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) : الآية هكذا : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ، إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ)(٢) ؛ الآية.
و (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) : [الآية هكذا] : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً ، وَلا تَأْثِيماً ، إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(٣).
ونحوهما : نحو قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا! لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ! إِلَّا ، أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٤). وقوله ـ تعالى ـ : (فَسَجَدُوا ، إِلَّا إِبْلِيسَ)(٥). وليس منهم قوله ـ تعالى ـ : (كانَ مِنَ الْجِنِّ)(٦).
غير دالّ على الحقيقة : اذ مطلق الاستعمال ، لا نزاع فيه ؛ كذا في «التهذيب» (٧).
__________________
(١) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣١٠ ، المنخول / ٢٣٢.
(٢) النساء / ١٥٧.
(٣) الواقعة / ٢٦ ـ ٢٥.
(٤) النساء / ٢٩.
(٥) الكهف / ٥٠.
(٦) الكهف / ٥٠.
(٧) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٤٠.
وفيه نظر : لوجوب حمل اللفظ على حقيقته ، الى ان يقوم المانع.
وامّا ما يقال من : انّ ارجحيّة المجاز على الاشتراك مانع ؛
ففيه : انّه يؤدّي الى عدم الوثوق باشتراك شيء من الالفاظ من مجرّد استعمالهم لها في اكثر شيء من واحد بلا قرينة ، الى ان ينصّوا على اشتراكها ؛ وهو كما ترى.
ولو حكما : ك : الفصل بنفس ، او سعال.
للزوم جهالة قدر المبيع : وكذا يلزم عدم استقرار شيء من الايقاعات.
والموجر ونحوهما : كـ : المهر.
لا لما روي : روي العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله : انّه قال : «من حلف على شيء ، ثمّ ، رأى غيره خيرا منه ، فليعمل به وليكفر عن يمينه» (١).
واستدلّ بعضهم (٢) بهذه الرواية على وجوب الاتّصال ؛ والّا ، لقال صلىاللهعليهوآله : «فليستثن» ـ فانّه اسهل ؛ ومبنى الدين على التخفيف ـ او تخيّر بين الاستثناء والكفارة ؛ ولم يقتصر عليها.
وقد يخدش : بجواز ارشاده صلىاللهعليهوآله الى ما هو اكثر ثوابا ، يحمل الامر الثاني على الاستحباب ؛ وفيه ما فيه.
او اراد اظهار ما نوى اوّلا : بان يكون وقت التلفّظ قاصدا للاستثناء ؛ فهو متّصل بحسب النيّة فيما بينه وبين الله ـ تعالى ـ فيجوز الاستثناء اللفظيّ الى شهر.
__________________
(١) سنن ابن ماجة ١ / ٦٨١ ب ٧ ح ٢١٠٨ ، ٦٨٢ ح ٢١١١ ، سنن النسائيّ ٧ / ١٢ ـ ٩ ، سنن ابي داود ٣ / ٢٢٩ ح ٣٢٧٧ ، الجامع الصحيح ٤ / ١٠٦ ب ٥ ح ١٥٢٩ ، ١٠٧ ب ٦ ح ١٥٣٠ ، الموطّأ ٢ / ٤٧٨ ب ٧ ح ١١ ، صحيح مسلم ٣ / ٤٧٠ ب ٣ ح ٧ ، ٤٧٣ ح ١١ ، ١٢ ، ١٣ ، ٤٧٤ ح ١٤ ، ١٧ ، ٤٧٥ ح ١٩ ، مسند احمد ٢ / ١٨٥ ، ٢٠٤ ، ٢١١ ، ٢١٢ ، ٣٦١ ، ٣ / ٧٦ ، ٤ / ٢٥٦ ، ٢٥٧ ، ٣٧٨.
(٢) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣١٠.
فصل
[في الاستثناء المستغرق]
الاستثناء المستغرق لغو اتّفاقا. والاكثر : على جواز الاكثر من الباقي ؛ فضلا عن مساويه.
وقيل (١) ب : المنع ـ مطلقا ـ في العدد خاصّة.
وقيل : (٢) مطلقا.
لنا : قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا ، مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)(٣). واتّفاق الفقهاء على الواحد بعد : «عشرة ، الّا تسعة».
والكلام جملة واحدة ؛ فلا انكار بعد اقرار. واستهجان المثال المصنوع
__________________
(١) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣١٨.
(٢) روضة الناظر ٢ / ٩٠ ، الواضح في اصول الفقه ٣ / ٤٧٠.
(٣) الحجر / ٤٢.
كاستهجان : «له واحد [و] واحد ...» الى عشرة.
______________________________________________________
والاكثر : على جواز الاكثر : اي : جواز استثناء الاكثر من الباقي ؛ نحو : «له عشرة ، الّا سبعة».
وقيل بـ : المنع ـ مطلقا ـ : اي : في الاكثر والمساوي.
في العدد خاصّة : فلا يجوز : «له عليّ عشرة ، الّا ستّة ، والّا خمسة». ويجوز في غير العدد ، نحو : «اكرم الشعراء ، الّا الطوال» ؛ مع زيادتهم على القصار ؛ فضلا عن مساواتهم. (١)
وقيل : مطلقا : اي : في العدد وغيره ؛ فلا يجوز ، الّا استثناء الاقلّ من الباقي ؛ هذا قول الحنابلة (٢). ووافقهم «القاضي ابو بكر» (٣).
لنا : و ـ ايضا ـ في الحديث القدسيّ : «الّا من اطعمته» ؛ والحديث هكذا : «كلّكم جائع ، الّا من اطعمته» (٤).
قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا ، مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) : الآية الكريمة (٥) هكذا : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ؛ إِلَّا ، مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ)(٦).
__________________
(١) د : فيجوز : «عشرة ، الّا اربعة» ؛ ولا «الّا ستّة» ؛ ولا «الّا خمسة». فلا يجوز : «له عليّ عشرة ، الّا ستّة ، والّا خمسة». امّا غير العدد ، فيجوز ؛ نحو : «اكرم علماء البلد ، الّا الطوال» ؛ وان كانوا اكثر.
(٢) روضة الناظر ٢ / ٩٠ ، الواضح في اصول الفقه ٣ / ٤٧٠.
(٣) الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ٣١٨.
(٤) لم نعثر عليه.
(٥) م ١ : ـ الكريمة.
(٦) الحجر / ٤٢.
فقد استثنى ـ سبحانه ـ الغاوين ـ وهم اكثر العباد ـ بقوله ـ تعالى ـ : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ ـ وَلَوْ حَرَصْتَ ـ بِمُؤْمِنِينَ) ؛ (١) وغير المؤمن غاو. واذا ثبت جواز استثناء الاكثر ، ثبت جواز استثناء المساوي ؛ بطريق اولى.
واعلم : انّ المشهور ـ في الاستدلال على هذا المطلب ـ ضمّ آية (فَبِعِزَّتِكَ! لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ إِلَّا ، عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(٢) ، الى الآية الاولى ؛ لاستثناء الغاوين من المخلصين ؛ وبالعكس. فان تساويا ، ثبت المساوي ؛ والّا ، ثبت الاكثر.
ولا يخفى : انّ هذا الاستدلال انّما لم يتمّ ، لو لم يكن بين الغاوين والمخلصين واسطة.
والحقّ : انّ في الآية الاولى : استثناء الغاوين من العباد ؛ وهو اعمّ من المخلصين. وفي الثانية : استثناء المخلصين عمّا هو اعمّ من الغاوين وغيرهم.
وما يقال من : انّ غير الغاوين مخلصون ، محلّ كلام ؛ فلا حاجة الى جعل «من» في الآية ، بيانيّة ـ ظنّه «العضديّ» (٣) ـ فتدبّر!
واتّفاق الفقهاء على الواحد بعد : «العشرة : ولو كان مثل هذا الاستثناء لغو ، الزمه عشرة.
الّا تسعة» : وهنا مذهب رابع ؛ نسبه «العلّامة» في «النهاية» (٤) الى «ابن درستويه» (٥) ؛ وهو : منع ما فوق النصف.
__________________
(١) يوسف / ١٠٣.
(٢) ص / ٨٣ ـ ٨٢.
(٣) شرح مختصر المنتهى ١ / ٢٦٠.
(٤) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٩٢ / الف.
(٥) عبد الله بن جعفر بن درستويه. ولد سنة ٢٥٨ وتوفّي سنة ٣٤٧ من الهجرة. له تصانيف كثيرة ؛ منها : تصحيح الفصيح ، الارشاد ، اخبار النحويّين.
والكلام جملة واحدة : جواب عن استدلال المانع من استثناء الاكثر والمساوي. وحاصله : (١) انّ الاستثناء انكار بعد اقرار ؛ فيقتصر على الاقلّ في معرض الغفلة والنسيان ؛ بخلاف الاكثر والمساوي (٢).
وتقرير الجواب : انّ الكلام جملة واحدة ، وليس فيه حكمان ؛ فانّ اسناد (٣) الحكم ، بعد الاخراج ؛ كما ستسمعه في الفصل الآتي ؛ فتدبّر!
واستهجان : جواب عن استدلال آخر للمانع من استثناء الاكثر. حاصله (٤) : انّه لو قال : «له عليّ عشرة دراهم ، الّا تسعة ونصف وثلاث ونصف سدس درهم» ، لكان مستهجنا لاستثنائه الاكثر.
والجواب : انّ استهجانه ليس لذلك ؛ بل للتطويل مع امكان الاخصر ؛ نحو : «عليّ نصف سدس درهم». ولهذا مستهجن (٥) لو قال : «له واحد ، وواحد ، وواحد ...» وهكذا الى عشر مرّات ، او قال : «الّا دانقا ودانقا ، ودانقا ...» الى ستّ مرّات. مع انّه استثناء للاقلّ ؛ اعني : درهما واحدا.
والحقّ : انّ شبهتهم ـ هذه ـ في غاية الضعف.
المثال المصنوع : وهو ان يقال (٦) : «له عندي الف درهم ، الّا تسعمائة وتسعة وتسعين».
__________________
(١) د : جواب عن شبهة القائلين ب : انّه لا يجوز استثناء الاكثر من الباقي ولا المساوي وتقريرها.
(٢) د : فلا يسمع ، الّا في الاقلّ من الباقي ؛ لانّه لعلّة قد تبيّن في اوّل الكلام ؛ بخلاف المساوي والاكثر.
(٣) م ١ : استناد.
(٤) د : جواب عن شبهة اخرى لهم. تقريرها.
(٥) م ١ : يستهجن.
(٦) د : نحو.
كاستهجان : «له واحد ، [و] واحد ...» الى عشرة : بانّ بعد عشرة من الآحاد.
والحاصل : انّ استهجان ذلك المثال ليس لعدم جواز استثناء الاكثر ؛ بل ، لانّه تطويل بلا طائل ؛ كما في قوله : «واحد وواحد ...» هكذا الى عشرة. (١)
__________________
(١) د : فليس الاستهجان لاستثناء الاكثر ؛ بل ، للطويل مع امكان الاختصار.