زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي

زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

المؤلف:

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦

الميّت ، لم تسقط عنّا ؛ لعدم حصول الظنّ الشرعيّ ؛ بل ، لا بدّ من العدلين ، او الشياع ، او الخبر المحفوف بالقرائن ؛ ونحوه. امّا لو صلّى عليه واحد بحضورنا ، فهل تسقط بذلك عنّا مطلقا ، او بشرط عدالته ؛ ليحصل الظنّ بايقاعه افعال الصلاة؟ اشكال ؛ وقس عليه ما فوق الواحد ؛ دون الشياع.

كبعض الشافعيّة : استدلّوا بادلّة ثلاثة ذكر منها اثنين ، ولم يذكر الثالث ـ وهو قولهم : لو وجب على الجميع ، لم يسقط بفعل البعض ـ لانّه ظاهر الضعف. فانّه مجرد استبعاد ؛ لا غير.

وتأثيم غير المعيّن : جواب عن قولهم : كما يجوز الامر بواحد منهم في المخيّر له ، يجوز امر بعض منهم.

بخلاف التأثيم بغيره : اي : بغير المعيّن.

والمراد بآية «النفر» : وهي قوله ـ تعالى ـ : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ، لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)(١)(٢). فانّ تنكير الطائفة يدلّ على وجوب النفر على بعض مبهم منهم.

سقوط الوجوب به عن الكلّ : هذا جواب عن احتجاج بعض الشافعيّة على الوجوب على البعض ؛ لا على الكلّ.

__________________

(١) التوبة / ١٢٢.

(٢) م ١ ، م ٢ : + ولينذروا قومهم.

١٤١

فصل

[في الواجب المخيّر]

الواجب المخيّر ؛ ما عيّن له الشارع بدلا من غير نوعه اختيارا.

فخرج بالتعيين احتراق الميّت ؛ وبالثاني صوم المسافر ، والموسّع ، والكفائيّ ؛ وبالاخير ، الوضوء ونحوه.

ووجوب الكلّ مسقطا بالبعض ، او واحد معيّن عند الله ، ينفي التخيير المجمع عليه. والمحال ايقاعه غير معيّن. والواجب احد الابدال الصادق على ايّتها (١) شاء ، او تحصيل الكلّيّ ـ ك : الكفارة ـ فيما يشاء من جزئيّاته.

والاجماع على تأثيم الكلّ بترك الكفائيّ ، فارق.

______________________________________________________

الواجب المخيّر : في هذا التعريف كلام مبسوط يطلب من حواشينا (٢) على شرح «العضديّ».

__________________

(١) د ، و ، م ٢ : ايّها.

(٢) مع بذل جهدى ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.

١٤٢

اختيارا : يرد على عكسه التخيير في الاربع بوحدة النوع. فان جعلنا التغاير في القصر والاتمام ، تغايرا نوعيّا ، انتقض طرده ب : صوم المسافر ؛ اذ مغايرة القضاء ، الاداء ، لا تقصر عن مغايرة القصر والإتمام.

فخرج بالتعيين : وهو وارد على من عرّف المخيّر ب : ما سقط الواجب بفعله.

وكما يرد هذا عليه ، يرد ـ ايضا ـ عليه القضاء ؛ بل ، الاداء. فان قيّد ب : واجب سقط الواجب بفعله ، اندفع الاحتراق ونفي القضاء ؛ فتدبّر!

احتراق الميّت : فانّه ، وان كان مسقطا لتغسيله وقائما مقامه في براءة الذمّة من الاتيان به ، الّا ، انّه ليس معيّنا من الشارع (١).

وبالثاني : وهو قوله (٢) : [بدلا] من غير نوعه.

صوم المسافر : فانّ له بدلا معيّنا ؛ كما قال الله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ، أَوْ عَلى سَفَرٍ ، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)(٣) ـ الآية (٤) ـ لكنّ بدله من نوعه.

والموسّع : على المشهور ؛ فلا تغفل!

وبالاخير : وهو قوله (٥) : اختيارا.

الوضوء : فانّ التيمّم الّذي هو بدل اضطراريّ عن الوضوء ، لا يجوز مع الاختيار.

__________________

(١) و : فانّه وان كان مسقطا للفعل ، الّا ، انّه ليس بتعيين الشارع ، بل ، لامتناع الغسل.

(٢) و : قولنا.

(٣) البقرة / ١٨٤.

(٤) ل ، م ١ ، م ٢ : ـ الآية.

(٥) و : قولنا.

١٤٣

ونحوه : والمراد بنحو الوضوء (١) : ك : صوم بدل الهدي ، والقيام (٢) في الصلاة ؛ فانّ القعود عند الاضطرار بدل له.

ووجوب الكلّ مسقطا بالبعض : كما يقوله بعض المعتزلة (٣).

او واحد معيّن : كما يقوله بعض آخر منهم (٤).

والمحال : جواب عن قولهم : غير المعيّن يستحيل وقوعه ؛ وما هو كذلك ، لا تكليف (٥) به.

غير معيّن : لا تكليف بواحد غير معيّن.

والواجب احد الابدال : والحقّ ، انّ المسقط للغرض واحد ؛ وهو الامر الكلّيّ الصادق على كلّ واحد من الافراد. وكون المجموع ، او كلّ واحد منه ـ من افراده ـ مسقطا ، انّما هو لاشتماله على ذلك الكلّيّ ؛ لا لخصوصه.

والاجماع : جواب عن قول الخصم : هو كالواجب الكفائيّ في الواجب على الكلّ ، والسقوط بفعل البعض ؛ اذ لا فارق بينهما ؛ فيجب الكلّ ويسقط بالبعض.

__________________

(١) د : ـ والمراد بنحو الوضوء.

(٢) و : ك : القيام.

(٣) المعتمد ١ / ٧٧ ، ٧٩ ، المحصول ١ / ٢٧٣.

(٤) المعتمد ١ / ٧٩ ، المحصول ١ / ٢٧٤.

(٥) م ١ : لا نكلّف.

١٤٤

مسألتان

[المسألة الاولى : في انّ المندوب ، غير مأمور به.]

الاولى : المندوب غير مأمور به حقيقة (١) ؛ وفاقا ل : «العلّامة» (٢) و «الكرخيّ» (٣) ، و «الرازيّ (٤)» (٥) ، و «الفخريّ» (٦).

__________________

(١) د : ـ حقيقة.

(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٤٥ / ب ، الورقة ٤٦ ، الورقة ٦٢ / الف ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣١.

(٣) الفصول في الاصول ١ / ٢٨١ ، منتهى الوصول والامل / ٣٩.

(٤) ابو بكر احمد بن عليّ الرازيّ ، المشهور ب : الجصّاص. ولد سنة ٣٠٥ وتوفّي سنة ٣٧٠ من الهجرة. من تصانيفه : احكام القرآن ، الفصول في الاصول ، شرح مختصر الكرخيّ ، مختصر اختلاف العلماء.

(٥) الفصول في الاصول ١ / ٢٨١.

(٦) المحصول ١ / ٣٠٠.

١٤٥

لنا : انّ الامر للوجوب ؛ كما سيجيء. (١)

و «الحاجبيّ» (٢) وموافقوه (٣) ، خالفونا في الدعوى ؛ ووافقونا في الدليل.

واستدلّوا : بانّه طاعة ؛ وهي فعل المأمور به. وبانّه احد الاقسام.

فان ارادوا الحقيقة ، منعنا كلّيّة الكبرى ؛ او الاعمّ ، لم ينفعهم.

[المسألة الثانية : فى انّ المباح ليس جنسا لما عدا الحرام.]

الثانية : قيل (٤) : المباح ليس جنسا لما عدا الحرام من الاحكام ؛ كما قد (٥) يظنّ.

لنا : للزوم خلوّ النوع عمّا هو من حقيقة الجنس ؛ وهو التساوي.

وقولهم : هو المأذون فيه ، غفلة عن فصله.

______________________________________________________

المندوب ، غير مأمور به حقيقة : هذه المسألة تظهر ممّا يأتي من الاستدلال على انّ الامر حقيقة في الوجوب ؛ لا غير. لكن لمّا ذكرها القائلون ب : انّ المندوب ، مأمور به ، وجعلوها مسألة برأسها ، ذكرناها ؛ كما ذكروها ؛ واوردنا قولهم.

ولكن (٦) انّ القول ب : انّ الامر حقيقة في الوجوب ؛ لا غير ، وانّ المندوب مأمور به حقيقة ، ممّا لا يجتمعان ؛ فتدبّر!

__________________

(١) زبدة الاصول / ٢٦٤.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٣٩.

(٣) البحر المحيط ١ / ٢٨٦ ، المستصفى ١ / ٧٥ ، شرح مختصر المنتهى ١ / ٩٥.

(٤) منتهى الوصول والامل / ٤٠ ، شرح مختصر المنتهى ١ / ٩٧.

(٥) م ١ ، م ٢ : ـ قد.

(٦) و ، م ١ ، م ٢ : الحقّ.

١٤٦

ثمّ ، الخلاف في هذه المسألة مبنيّ على انّ لفظة «ام ر» هل هي حقيقة في الوجوب ، ام للقدر المشترك بينه وبين الندب؟

والّذي يأتي في المنهج الثالث (١) هو : انّ صيغة «افعل» هل هي حقيقة في الوجوب ام لا؟ فتدبّر (٢)!

قيل : انّه يتفرّع على هذه المسألة : ما لو نذر ان يأتي بصلاة مأمور بها ، فهل تبرأ ذمّته بالنافلة ، ام لا؟

لنا : انّ الامر للوجوب : اي : حقيقة فيه ، مجاز في غيره ، (٣) ؛ بهذا استدلّ «العلّامة» في «التهذيب» (٤) ، و «الفخريّ» في «المحصول» (٥).

كما سيجيء : اي : في الفصل الاوّل من المنهج الثالث (٦). ومن جملة تلك الدلائل : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لا ان اشقّ على امّتي ، لامرتهم بالسواك عند كلّ صلاة» (٧) ؛ مع انّ السواك مندوب.

وموافقوه : وقول «العضديّ» ـ : انّ القول ب : انّ المندوب مأمور به ، هو مذهب

__________________

(١) زبدة الاصول / ٢٦٣.

(٢) م ١ ، م ٢ : ـ فتدبّر.

(٣) د ، و : + بالدلائل الآتية.

(٤) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢١.

(٥) المحصول ١ / ٣٠٠.

(٦) زبدة الاصول / ٢٦٤.

(٧) وسائل الشيعة ١ / ٣٥٤ ب ٣ ح ٤ ، ٣٥٥ ب ٥ ح ٣ ، مسند احمد ١ / ٨٠ ، صحيح البخاريّ ١ / ١٥٩ ، سنن ابي داود ١ / ١٢ ح ٤٦ ، ٤٧ ، سنن النسائيّ ١ / ١٢. الموطّأ ١ / ٦٦ ب ٣٢٠ ح ١١٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٠٥ ب ٧ ح ٢٨٧.

١٤٧

المحقّقين (١) ـ خلاف التحقيق.

خالفونا في الدعوى : اي : في دعوانا : انّ المندوب ، غير مأمور به ؛ فقالوا : انّه مأمور به.

وافقونا في الدليل : اي : في الادلّة الدالّة على انّ الامر حقيقة في الوجوب ؛ فانّها دالّة على انّ المندوب غير مأمور به. ك : قوله ـ تعالى ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟)(٢) ؛ وقوله ـ تعالى ـ : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟)(٣) ؛ وقوله ـ تعالى ـ : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ!)(٤).

واستدلّوا : هذا الدليلان استدلّ بهما «الحاجبيّ» (٥) على هذا المطلب. ثمّ ، اورد دليلين من جانب الخصم :

احدهما : انّه ، لو كان مأمورا به ، لكان تركه معصية ؛ لانّها مخالفة الامر.

والثاني : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لو لا ان اشقّ على امّتي ، لامرتهم بالسواك» (٦).

واجاب عنها ب : انّ المراد : امر الايجاب فيهما.

والعجب ؛ انّه بعد هذا ، استدلّ على مختاره ـ من : انّ الامر حقيقة في الوجوب ؛ لا غير ـ ب : انّ تارك المأمور به عاص ؛ بدليل : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟)(٧). فكانّه غفل عمّا

__________________

(١) شرح مختصر المنتهى ١ / ٩٥.

(٢) الاعراف / ١٢.

(٣) طه / ٩٣.

(٤) النور / ٦٣.

(٥) منتهى الوصول والامل / ٣٩.

(٦) وسائل الشيعة ١ / ٣٥٤ ب ٣ ح ٤ ، ٣٥٥ ب ٥ ح ٣ ، مسند احمد ١ / ٨٠ ، صحيح البخاريّ ١ / ١٥٩ ، سنن النسائيّ ١ / ١٢ ، سنن ابي داود ١ / ١٢ ح ٤٦ ، ٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٠٥ ب ٧ ح ٢٨٧ ، الموطّأ ١ / ٦٦ ب ٣٢ ح ١١٤.

(٧) طه / ٩٣.

١٤٨

قدّمه ؛ والعجب من «العضديّ» ، كيف لم يتنبّه ذلك (١).

بانّه طاعة : بالاجماع.

بانّه احد الاقسام : اي : الندب احد اقسام الامر. فانّهم قسّموه الى ايجاب وندب.

فان ارادوا الحقيقة : هذا جواب عن استدلالهم منعا ؛ وسند المنع : انّ الاباحة والتهديد من الاقسام (٢) ، والامر فيهما ـ عندكم ـ مجاز.

كلّيّة الكبرى : هي في الدليل الاوّل قولهم : وكلّ طاعة مأمور بها حقيقة (٣). وفي الدليل الثاني قولهم : وكلّ مقسم حقيقة في اقسامه.

او الاعمّ : من الحقيقة والمجاز.

لم ينفعهم : (٤) سيّما في الدليل الثاني ؛ لانّهم قسّموا الامر الى التهديد والاباحة ـ ايضا ـ وهو فيهما مجاز البتّة.

والمباح ليس جنسا : بل ، كلّ من الاحكام الخمسة نوع برأسه ؛ والكلّ مندرجة في الخمس الّذي هو الحكم.

لما عدا الحرام : وبعض الاصوليّين ـ ك : «الحاجبيّ» (٥) ـ جعل البحث في : انّ المباح ليس جنسا للواجب.

كما قد يظنّ : هكذا استدلّ القوم ـ ك : «الحاجبيّ» (٦) وغيره (٧) ـ لكن ، لا يخفى : انّه

__________________

(١) و ، م ١ ، م ٢ : لذلك.

(٢) م ١ ، م ٢ : + الخمسة.

(٣) و ، م ١ ، م ٢ : ـ حقيقة.

(٤) و : + و.

(٥) منتهى الوصول والامل / ٤٠.

(٦) منتهى الوصول والامل / ٤٠.

(٧) البحر المحيط ١ / ٢٨٠ ، الاحكام في اصول الاحكام ١ / ٧٠ ، شرح مختصر المنتهى ١ / ٩٧ ، فواتح الرحموت ١ / ١١٣.

١٤٩

يبعد من العاقل ان يجعل المباح بالمعنى المشهور ـ اعني : ما يتساوي فعله وتركه ـ جنسا لغيره من الاحكام. فالظاهر : انّ هؤلاء ارادوا بالمباح ، مطلق المأذون في فعله. ولا شكّ انّه بهذا المعنى جنس للاربعة ؛ فلا معنى لمنازعتهم في ذلك. وما احسن ما قاله «العلّامة» ـ طاب ثراه (١) ـ في «النهاية» (٢) من : «انّ النزاع لفظيّ ؛ لانّ المباح ، ان عني به : ما لا حرج في فعله ، فهو جنس للواجب والمباح بالمعنى الاخصّ ؛ وان عني : ما لا حرج في فعله وتركه ، فهو مضادّ ومباين للواجب» ؛ انتهى كلامه قدس‌سره (٣). وبما تلوناه ، يظهر انّ تدوين القوم هذه المسألة في كتبهم ، ليس على ما ينبغي ؛ ونحن انّما اوردناها للتنبيه على ما فيها ؛ كما يظهر من تصديرها بلفظة (٤) : «قيل».

للزوم خلوّ النوع : ك : الواجب ؛ مثلا. هذا الاستدلال من تتمّة القيل ، محكيّ عن لسان ذلك القائل.

عمّا هو من حقيقة الجنس : عندكم ؛ لانّ المباح ، وهو التساوي بين الفعل والترك.

وهو التساوي : بين (٥) الفعل والترك.

وقولهم : من تتمّة القيل.

هو المأذون فيه : والاذن حاصل في ما عدا الحرام ؛ اعني : الواجب ، والمكروه والمندوب (٦).

غفلة عن فصله : اي : فصل المباح ـ وهو المأذون في تركه ـ اعني : التساوي.

__________________

(١) د : ـ طاب ثراه.

(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٦٢ / الف وب.

(٣) د : ـ قدس‌سره.

(٤) م ١ ، م ٢ ، : بلفظ.

(٥) د : في.

(٦) د : المندوب والمكروه.

١٥٠

فصل

[في الصحيح والباطل ، والفاسد]

المتكلّمون : صحيح العبادات ، ما وافق الشرع.

والفقهاء : ما اسقط القضاء.

ونقض عكسه بصحيحة العيد (١) ؛ ان ابقي على ظاهره. وطرده بفاسدته ؛ ان اوّل.

وثمرة الخلاف : في الصلاة بظنّ الطهارة ؛ اذا ظهر خلافه.

وصحيح العقود والايقاعات : ما ترتّب (٢) عليه الاثر الشرعيّ. ولو عرّف مطلقه به ، لجاز.

والباطل ـ مطلقا (٣) ـ ما قابل الصحيح ؛ ويرادف (٤) الفاسد ؛ خلافا للحنفيّة (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ / ٩٧ ـ ٩٦ ب ٢ ح ٣ ، ١٠.

(٢) م ٢ : يترتّب.

(٣) م ٢ : ـ مطلقا.

(٤) م ١ : يترادف.

(٥) المستصفى ١ / ٩٥ ، فواتح الرحموت ١ / ١٢٢ ، اصول السرخسيّ ١ / ٨٩.

١٥١

بصحيحة العيد : اي : بصلاة العيد الصحيحة ؛ لخروجها عن الحدّ ؛ اذ لا قضاء لها (١).

ان أبقي على ظاهره : اذ الظاهر من قولنا : «ما اسقط القضاء» ، ان يكون له قضاء.

ان اوّل : بانّ المراد : انّه يدفع وجوب القضاء.

وثمرة الخلاف : ممّا يتفرّع على هذا الخلاف : ما لو نذر لاوّل من يراه في هذا اليوم متلبّسا بصلاة صحيحة ، درهما ؛ فرأى زيدا متلبّسا بالصّلاة ، يدفع الدرهم ؛ ثمّ ، ظهر انّ ظنّ طهارته ، كان خطأ ؛ فعلى مذهب المتكلّمين لا يسترجع منه الدرهم ؛ وعلى مذهب الفقهاء ، يسترجع.

لو عرّف مطلقه : اي : مطلق الصحيح ؛ سواء كان في العبادات ، او غيرها.

للحنفيّة : حيث خصّوا الباطل بغير المشروع من أصله ـ ك : بيع الملاقيح ـ والفاسد ، بالمشروع في أصله ، دون وصفه ؛ ك : الربا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٥ / ٩٧ ـ ٩٦ ب ٢ ح ٣ ، ١٠.

١٥٢

فصل

[في ما يتوقّف الواجب عليه]

ما يتوقّف الواجب عليه (١) مقدورا ، واجب.

وقيل : ان كان شرطا شرعيّا ؛ والّا ، فلا.

لنا : ذمّ السيّد ، العبد (٢) المأمور بالكتابة ، القادر على تحصيل القلم ، المعتذر بفقده ، على عدم تحصيله. وانكاره مكابرة.

واستدلال «العلّامة» (٣) ـ بلزوم التكليف بالمحال ؛ لولاه ـ محلّ بحث.

وتقييدهم الواجب ب : «المطلق» ، لاخراج الاستطاعة ، وتحصيل النصاب ، مستغنى عنه ؛ اذ الكلام بعد الوجوب ؛ لا قبله.

وعلمنا بما يلزم افعالنا ، غير لازم ؛ مع انّه فيما نحن فيه حاصل. والطلب غير منحصر في الصريح. وصحّة التصريح بعدم وجوبه ، كالاستثناء. وعدم العصيان

__________________

(١) م ١ : ما يتوقّف عليه الواجب.

(٢) ل : عبده.

(٣) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٥٢ / الف ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢٧.

١٥٣

بتركه ، اوّل البحث ، وشبهة «الكعبيّ (١)» (٢) مدفوعة بما يأتي. وتكفي نيّة الواجب عن نيّة لازمه.

______________________________________________________

فصل : قاعدة : مقدّمة الواجب امّا ان تكون شرعيّة ، او لا ، فالشرعيّة ، لا بدّ معها من النيّة ؛ وغير الشرعيّة اذا أتى معها بالنيّة ، اثبت وأجزأت ؛ وان لم يأت معها بالنيّة ، أجزأت خاصّة.

و (٣) يتفرّع على وجوب مقدّمة الواجب فروع كثيرة : ك : غسل جزء من الرأس في غسل الوجه في الوضوء ؛ وقضاء من فاته احدى الخمس حاضرا ثلاثا ومسافرا اثنين ؛ ووجوب الغسل مع الوضوء ؛ واذا اشتبه الخارج ، بين المنيّ والبول ؛ ووجوب تغسيل الكلّ ، عند اشتباه المسلمين بالكفّار ـ ان لم نعمل برواية التمييز بكميش الذكر ـ (٤) ووجوب احياء العشر الاواخر على من نذر احياء ليلة القدر ؛ ووجوب التوجّه الى الاربع ، عند اشتباه القبلة (٥).

وقد يجعل من فروع هذا الاصل : وجوب تيمّم المطلق بالمضاف للوضوء ـ مثلا ـ وفيه كلام ليس هنا محلّه.

المذاهب في وجوب مقدّمة الواجب اربعة :

__________________

(١) ابو القاسم عبد الله بن احمد بن محمود الكعبيّ البلخيّ. رأس طائفة من المعتزلة يقال : الكعبيّة. توفّي سنة ٣١٩ من الهجرة.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٤٠ ، الاحكام في اصول الاحكام ١ / ١٦١ ، البحر المحيط ١ / ٢٨١.

(٣) و : ـ و.

(٤) وسائل الشيعة ١١ / ١١٢ ب ٦٥ ح ١ ، ٢.

(٥) وسائل الشيعة ٣ / ٢٢٦ ـ ٢٢٥ ب ٨ ح ١ ، ٤ ، ٥.

١٥٤

الاوّل : وجوبها ؛ سواء كانت سببا ، او شرطا شرعيّا ، او عقليّا ، او عاديّا ؛ وهو مذهب الاكثر.

الثاني : عدم وجوبها مطلقا.

الثالث : وجوبها ان كانت سببا ؛ والّا ، فلا ؛ ونسب الى «المرتضى» (١) رضى الله عنه.

الرابع : ان كانت شرطا شرعيّا ؛ والّا ، فلا ؛ وهو مختار «الحاجبيّ» (٢).

ما يتوقّف الواجب عليه : سواء كان سببا ، او شرطا.

والمراد بالسبب : ما يلزم من وجوده ، وجود المسبّب ، ومن عدمه ، عدمه. ومن الشرط : ما يلزم من عدمه ، عدم المشروط ؛ ولا يلزم من وجوده ، وجوده ؛ ولا عدمه. فلو امر السيّد عبده بالكون على السطح ، فقطع المسافة اليه سبب ، ونصب السلّم شرطا.

مقدورا : اي : حال كونه مقدورا. التقييد بقولنا : «مقدورا» مبنيّ على الاغماض عمّا سنذكره فيما بعد ، من : انّ الكلام بعد الوجوب ؛ لا قبله ؛ اذ كلّ ما وجب ، فمقدّمته مقدورة ؛ البتّة ؛ والّا ، لزم تكليف ما لا يطاق ؛ كما ذكرناه من حواشينا على شرح «العضديّ». وان اثبت الاغماض عن ذلك ، فلك تغيير لفظة «مقدورا» ، بالرفع ، ليصير خبرا ثانيا عن الموصول ؛ او تجعلها حالا مؤكّدة ؛ و ـ حينئذ ـ تكون العبارة ، اشارة الى ما ذكرنا في تلك الحواشي (٣).

واجب : اي (٤) بنفس ايجاب ذلك الواجب ، واجب (٥) ؛ من غير حاجة الى ايجاب

__________________

(١) الذريعة الى اصول الشريعة ١ / ٨٣.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٣٦.

(٣) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.

(٤) م ٢ : المراد.

(٥) ل ، م ١ ، م ٢ : ـ واجب.

١٥٥

على حدّة.

ان كان شرطا شرعيّا : وفيه كلام طويل يطلب من حواشينا (١) على شرح «العضديّ».

وانكاره مكابرة : فلو قال العبد الكاتب : لم تأمرني في تحصيل القلم ، وانّما امرتني بالكتابة ، صحّ للمولى ان يقول : انّ امري بالكتابة ، كان متضمّنا للامر بتحصيل القلم.

واستدلال «العلّامة» : قال في «التهذيب» (٢) : «لو لم يجب ، لزم تكليف ما لا يطاق ، او خروج الواجب عن كونه واجبا ؛ والتالي بقسميه باطل ؛ فالمقدّم مثله.

بيان الشرطيّة : انّه على تقدير ترك الشرط ـ ان وجب الفعل ـ لزم الاوّل ، والّا ، الثاني» ؛ انتهى.

واعترض عليه ب : انّ الممتنع ، هو التكليف بالشيء مع التكليف بعدم مقدّمته ؛ لا مع عدم التكليف بها.

وقد يجاب ب : انّ غرضه ـ طاب ثراه ـ : انّه لمّا لم تجب المقدّمة ، جاز تركها ؛ فوجوب الفعل وقت تركها الجائز وباعتباره ، تكليف بما لا يطاق ؛ وفيه ما لا يخفى.

وتقييدهم : اي : تقييد بعض المتأخّرين.

الواجب بـ : «المطلق» : وفي قولهم ـ ما لا يتمّ الواجب المطلق الّا به ، فهو واجب ـ قالوا : انّما قيّدنا ب : «المطلق» ، ليخرج الواجب المشروط ؛ فانّ مقدّمته غير واجبة.

وتحصيل النصاب : وسائر الواجبات المشروطة.

مستغنى عنه : فقول جماعة من قدماء الاصوليّين ومتأخّريهم : «مقدّمة الواجب واجبة» ، لا يحتاج الى التقييد ب : «الواجب المطلق» ، ليخرج الاستطاعة بالنسبة

__________________

(١) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.

(٢) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢٧.

١٥٦

الى الحجّ ـ مثلا ـ لانّ الاستطاعة ليست مقدّمة للواجب ؛ وانّما هي مقدّمة للوجوب. والواجب اسم فاعل ؛ وهو بمعنى الاستقبال ، مجاز ؛ اتّفاقا. والمراد بالواجب في قولهم : «مقدّمة الواجب واجبة» : ما هو واجب حقيقة ؛ وكلام القوم تامّ. والتقييد ب : «المطلق» ضايع ؛ وان كان شايعا ؛ واحتراز عمّا ليس داخلا عجيب.

واذا تأمّلت ما تلوته عليك ، تحقّقت : انّ كلّ ما هو واجب ، فهو مطلق ؛ وانّ المقيد ليس واجبا ، الّا مجازا ؛ من تسمية الشيء باسم ما يئول اليه.

وظهر عليك ـ ايضا ـ : انّ تقييدهم «ما يتوقّف عليه الواجب» بقولهم : «اذا كان مقدورا» ، يحذو حذو تقييدهم الواجب ب : «المطلق» ؛ كما مرّ في الحاشية السابقة.

ولا يخفى انّ محقّق «العضديّ» وسائر الشارحين لكلام «الحاجبيّ» وجميع اصحاب الحواشي ، لم يوفوا كلامه ما هو حقّه من التأمّل ، ولا حامّوا قول ما قصده من ترك تقييد الواجب ب : «المطلق» ، ولا عثروا على الباعث له على مخالفة المشهور بين القوم في تفسير المقدور ؛ فعليك بالتأمّل في هذا المقام الّذي هو من مزال الاقدام! وان احببت الاحاطة باطراف الكلام ، فارجع الى حواشينا (١) على شرح «العضديّ» ، تجد به ما ينفي الاورام ، ويشفي الاسقام ؛ وبالله الاعتصام.

اذ الكلام بعد الوجوب ؛ لا قبله : فانّ المراد بالواجب في قولهم : «مقدّمة الواجب واجبة» ، الواجب بالفعل ؛ لا ما سيجب فيما بعد.

وعلمنا : هذا جواب عمّا قالوا : قد نأمر عبدنا بفعل ، مع غفلتنا عمّا يتوقّف عليه من الافعال ، فكيف تكون تلك الافعال واجبة عليه ، مع انّا ذاهلون عنها ، فضلا عن ايجابها؟

بما يلزم افعالنا : سواء كان لسانيّة ، او غيرها.

__________________

(١) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.

١٥٧

غير لازم : (١) فانّه قد يستنبط من امرنا بشيء ، امرنا بآخر (٢) ؛ وان لم نقصده. وسيجيء في البحث المنطوق والمفهوم (٣) ، ما يرشدك الى ذلك.

فيما نحن فيه : اعني : البحث عن حكم الله ؛ تعالى.

حاصل : لعلمه ـ سبحانه ـ بما يتوقّف عليه ما يأمرنا بفعله.

والطلب : جواب عن قولهم : انّ ما يتوقّف عليه الفعل ، لم يتعلّق به طلب ؛ وانّما يتعلّق بالفعل نفسه.

غير منحصر في الصريح : وفي هذا الكلام اشارة الى : انّ النزاع في وجوب مقدّمة الواجب ، انّما هو في : «انّ وجوبها بنفس وجوبه ، ام لا؟» لا في اصل وجوبها.

وصحّة التصريح : جواب عن قولهم : لو وجب ما يتوقّف عليه الفعل ، لامتنع تصريح الامر بعدم وجوبه ؛ للزوم التناقض.

وعدم العصيان : جواب عن قولهم : يلزم العصيان بترك ما يتوقّف عليه الفعل.

وشبهة «الكعبيّ» : جواب عن قولهم : يلزم صحّة شبهة «الكعبيّ» في نفي المباح ب : انّ ترك الحرام لا يتمّ الّا به (٤).

وتكفي نيّة الواجب : جواب عن قولهم : لو وجب ما يتوقّف عليه الواجب ، لافتقر الى نيّة على حدّة ؛ وليس ، فليس.

__________________

(١) م ١ ، م ٢ : + ايضا.

(٢) م ١ ، م ٢ : بالآخر.

(٣) زبدة الاصول / ٣٩٠.

(٤) منتهى الوصول والامل / ٤٠ ، الاحكام في اصول الاحكام ١ / ١٦٩ ، البحر المحيط ١ / ٢٨١.

١٥٨

فصل

[في المباح]

المباح موجود ؛ اجماعا.

واستدلال «الكعبيّ» (١) على وجوبه : ب : انّ ترك الحرام لا يتمّ الّا به ، او هو هو ، مع مصادمته للاجماع ، مدخول ؛ لا لعدم التعيين ، لثبوت مطلبه بالتخيير ؛ ولا للزوم وجوب المحرّم ، لالتزامه باعتبارين ؛ ولا لمنع وجوب غير الشرعيّة ، لثبوته ؛ كما مرّ ؛ بل ، لعدم كون المباح مقدّمة لترك الحرام ؛ ولا فردا منه ؛ اذ هو الكفّ.

والمباح ، كاخوته الثلاثة ، مقارنات ؛ لا غير. فحصل المخلص ؛ وبطل كلام «الحاجبيّ» (٢).

______________________________________________________

استدلال «الكعبيّ» : ابطل القوم كلام «الكعبيّ» بوجوه ثلاثة. ثالثها مختار

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٤٠ ، البحر المحيط ١ / ٢٨٢.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٤٠.

١٥٩

«الحاجبيّ» (١) ؛ وغرضنا تضعيف الكلّ.

فالاوّل : قولهم : لا نسلّم انّ المباح لا يتمّ الواجب الّا به ؛ لانّه غير متعيّن لذلك ، لحصوله بغيره (٢) ؛ فالحصر باطل.

وجوابه : انّ مطلب «الكعبيّ» يثبت بثبوت وجوب المباح في الجملة ؛ سواء كان وجوبه عينيّا ، او تخييريّا.

وثانيها : الزامه بوجوب المحرّم.

وثالثها : ـ وهو مختار «الحاجبيّ» (٣) ـ منع وجوب غير المقدّمة الشرعيّة.

على وجوبه : اي : على انّ (٤) ما يسمّى مباحا ، واجب عند التحقيق.

لا يتمّ الّا به : اي : بفعل المباح ؛ ك : ترك شرب الخمر ـ مثلا ـ فانّه لا يتمّ الّا باطباق الفم ، او الكلام ونحوهما.

او هو هو : اي : المباح هو بعينه ترك الحرام ؛ ك : اطباق الفم ؛ فانّه ترك للقذف.

مدخول : خبر لـ : «استدلال الكعبيّ (٥)».

لثبوت مطلبه : اي : مطلب «الكعبيّ».

بالتخيير : لانّ الواجب المخيّر احد افراد الواجب.

ولا للزوم وجوب المحرّم : هذا دفع لجواب ثان عن استدلاله ب : انّه يلزمه (٦) وجوب شرب الخمر ؛ اذا ترك به القذف ؛ مثلا.

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٤٠.

(٢) م ١ ، م ٢ : بحصوله لغيره.

(٣) منتهى الوصول والامل / ٣٦ ، ٤٠.

(٤) م ١ ، م ٢ : وجوب.

(٥) ل ، و : ـ الكعبيّ.

(٦) م ١ ، م ٢ : يلزم.

١٦٠