الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦
المنهج الثالث
في
مشتركات الكتاب والسنّة
المنهج الثالث :
في مشتركات الكتاب والسنّة.
وفيه مطالب :
المطلب الاوّل ؛
في الأمر والنهي.
الامر طلب فعل بالقول استعلاء.
وصيغة «افعل» وما بمعناها ، حقيقة في الايجاب ؛ لا في الندب ، ولا فيهما لفظيّا ، ولا معنويّا ، ولا مع الاباحة ، ولا في الكلّ مع التهديد.
لشيوع احتجاج السّلف بمطلقها عليه ؛ بلا نكير. ولقوله ـ تعالى ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ؟)(١) ، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ!)(٢) ، (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ :
__________________
(١) الاعراف / ١٢.
(٢) النور / ٦٣.
ارْكَعُوا ، لا يَرْكَعُونَ)(١). وقوله صلىاللهعليهوآله (٢) : «انّما انا شافع» (٣) ، «لو لا ان اشقّ» (٤). ولعدّ العقلاء ترك العبد ، الامتثال ـ بعد قول سيّده : «افعل» ـ عصيانا.
والردّ الى الاستطاعة ؛ لا الى المشيّة.
والمجاز اولى من الاشتراك. ودليل التقييد قد ذكر.
والوارد بعد الحظر للاباحة غالبا.
______________________________________________________
في المشتركات الكتاب والسنّة : كـ : الامر ، والنهي ، والعموم ، والخصوص ، [والاطلاق ، والتقييد] ، والاجمال والبيان.
الامر : (٥) لا يخفى : انّ الامر بهذا المعنى (٦) ، غير الامر عند النحاة ؛ فانّ الامر عندهم : فعل الامر مطلقا ؛ سواء صدر عن المستعلي ، او غيره ؛ وسواء كان طلبا ، او لا (٧). وهذا التعريف انّما هو للامر بحسب عرف اهل اللغة ؛ وهم الّذين قسموا الطلب الى الاقسام الثلاثة ؛ اعني : الامر ؛ والالتماس ؛ والدعاء. والتعريف المذكور ـ هنا ـ
__________________
(١) المرسلات / ٤٨.
(٢) م ٢ : + وسلم.
(٣) سنن ابي داود ٢ / ٢٧٠ ح ٢٢٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٧١ ب ٢٩ ح ٢٠٧٥ ، صحيح البخاريّ ٣ / ٢٧٤.
(٤) وسائل الشيعة ١ / ٣٥٤ ب ٣ ح ٤ ، ٣٥٥ ب ٥ ح ٣ ، سنن ابي داود ١ / ١٢ ح ٤٦ ، ٤٧ ، سنن النسائيّ ١ / ١٢ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٠٥ ب ٧ ح ٢٨٧ ، صحيح البخاريّ ١ / ١٥٩ ، الموطّأ ١ / ٦٦ ب ٣٢ ح ١١٤ ، مسند احمد ١ / ٨٠.
(٥) م ١ : + ثمّ.
(٦) د ، م ١ ، المراد بهذا الامر.
(٧) د ، م ١ : + فدخل الالتماس والدعاء.
موافق لما ذكره علماء المعاني (١). وظاهر تعريفهم ـ هذا ـ يشمل ويدخل فيه ما يراد به الوجوب والندب. ولمّا لم تشدّ حاجتهم الى تحقيق : انّ الامر في ايّهما حقيقة؟ لم يبحثوا عن ذلك. وامّا الاصوليّون فحاجتهم الى تحقيق ذلك شديدة ؛ ليحملوا امر الشارع بقوله : «افعل» ، او «ليفعل» ـ مثلا ـ على ما هو حقيقة فيه عنده ، او بحسب اللغة ؛ ان لم نقل بالحقيقة الشرعيّة ؛ فلا تغفل!
لا يخفى : انّ من ذهب الى انّ المندوب غير مأمور به ، لا يرد عليه : انّ هذا التعريف لا يستقيم على مذهبك ؛ لانّه له ان يمنع الاستعلاء في الندب ؛ وفيه تأمّل.
طلب الفعل : فخرج طلب الترك ؛ اعني : النهي.
بالقول : اي : لا بالاشارة و (٢) الكناية. والمراد بالقول : المشتقّ من مصدر الفعل المطلوب ؛ فلا يرد [عليه] امرك بالقيام ، او طلبه منك ؛ ولكن يرد عليه نحو : «كن متأدّبا» (٣) ؛ وفيه كلام يطلب من حواشينا (٤) على شرح «العضديّ».
استعلاء : اي : على وجه الاستعلاء ؛ فخرج الالتماس والدعاء.
وبمثل هذا التعريف (٥) عرّفه «العلّامة» في «التهذيب» (٦) ، و «الفخريّ» في «المحصول» (٧). ولا يخفى صدقه على ما يراد به الندب ؛ مع جعلهما المندوب غير مأمور به.
__________________
(١) المطوّل / ٢٣٩.
(٢) م ١ : او.
(٣) م ١ : مناديا.
(٤) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.
(٥) م ١ : ـ التعريف.
(٦) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢٠.
(٧) المحصول ٢ / ١٩٠.
وقد يعتذر لهما ب : انّ تعلّق صيغة الامر به ، لا يوجب كونه مأمورا به حقيقة ؛ وفيه ما فيه.
وعرّفه «الحاجبيّ» ب : «اقتضاء فعل غير كفّ ، على جهة الاستعلاء» (١). ولا يرد [عليه] الندب ؛ لانّه مأمور به عنده (٢). وقوله : «غير كفّ» ، لاخراج النهي ؛ لانّه طلب كفّ ؛ لكن يرد على عكسه : «اكفف» ؛ فانّه امر.
واجيب ب : انّ المراد غير كفّ عن مأخذ اشتقاق الصيغة.
ويرد ـ حينئذ ـ : اكفف عن الكفّ.
وقد يدفع ب : انّ الدالّ على الكفّ عن الكفّ ، ليس نفس اكفف ؛ بل ، المجموع ؛ وفيه تكلّف. ول : «السيّد» ـ في حواشي «المطوّل» ـ كلام في هذا المقام ، لا بأس به (٣).
وصيغة «افعل» وما بمعناها : نحو : ليفعل (٤) ، وصه (٥) ، ورويدا ، ونزال. وانّما لم يقل : «والامر للوجوب» ؛ مع انّه اخصر ؛ والمندوب ليس مأمورا به عنده ـ كما مرّ ـ (٦) نظرا الى انّ اوامر الشارع في الاغلب وردت بصيغة : «افعل» ، و «ليفعل» ونحوهما.
وامّا نحو : «امرت بكذا» ، او «انتم مامورون بكذا» ، فنادر جدّا.
ولا فيهما لفظيّا ، ولا معنويّا ، ولا مع الاباحة : اي : وليس حقيقة فيهما معا بالاشتراك اللفظيّ ، ولا بالاشتراك المعنويّ. ولا حقيقة فيهما مع الاباحة.
__________________
(١) منتهى الوصول والامل / ٨٩.
(٢) منتهى الوصول والامل / ٣٩.
(٣) حاشية السيّد الشريف على المطوّل / ٢٣٩.
(٤) و : ليضرب.
(٥) و : ـ صه.
(٦) زبدة الاصول / ١٤٥.
ولا في الكلّ مع التهديد : نسب «الحاجبيّ» هذا القول الى الشيعة (١).
فهذه ستّة مذاهب. وهاهنا مذاهب آخر ، استقصاها «الشيخ الشهيد الثاني» في «قواعده» (٢) ؛ فاصولها الى اربعة عشر مذهبا. والعجب منه قدسسره مع الاستقصاء ، كيف غفل عن ذكر مذهب «السيّد المرتضى» رضى الله عنه ؛ وهو : انّ الامر في اللغة بين الوجوب والندب (٣). وامّا في كلام الصحابة ، والرسول ، والائمّة عليهمالسلام ، فهو للوجوب ؛ لا غير ؛ فالمذاهب خمسة عشر.
بمطلقها عليه : اي : بمطلق الصيغة من دون ضمّ قرينة.
بلا نكير : اي : من غير ان ينكر احد ؛ فيكون اجماعا منهم.
وفيه : انّه ، ان سلّم ، فهو اجماع سكوتيّ ؛ فليس بحجّة (٤). ولو تنزّلنا عن ذلك ، فهو منقول بالآحاد ، والمطلوب في الاصول ، القطع ؛ وقد تقدّم منّا الكلام في بحث الاجماع : انّه لا يثبت الّا بالتواتر (٥).
وقد يعتذر ب : انّ هذه المسألة لغويّة ؛ لا اصوليّة ؛ او ب : انّ الكلام ، على تقدير عدم اشتراط القطع في الاصول.
ولقوله ـ تعالى ـ : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)(٦) : والمراد قوله ـ سبحانه ـ : (لِلْمَلائِكَةِ : اسْجُدُوا لِآدَمَ)(٧).
__________________
(١) منتهى الوصول والامل / ٩١.
(٢) تمهيد القواعد / ١٢٤ ـ ١٢٢.
(٣) الذريعة الى اصول الشريعة ١ / ٥١.
(٤) م ١ : حجّة.
(٥) زبدة الاصول / ٢٤١ ـ ٢٤٠.
(٦) الاعراف / ١٢.
(٧) البقرة / ٣٤ ، اعراف / ١١ ، الاسراء / ٦١.
وفي هذا الاستدلال نظر ؛ لانّه يمكن ان يكون الوجوب قد ظهر قبل الامر بسجدة «آدم» عليهالسلام حيث قال ـ جلّ شأنه ـ : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ!)(١).
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ : أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ، أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٢).
وجه الاستدلال : انّه ـ سبحانه ـ اوجب الحذر ؛ ولا حذر الّا في ترك الواجب.
واعترض : امّا اوّلا : فبأنّ كون «فليحذر» للوجوب ، اوّل البحث.
وامّا ثانيا : فبأنّ هذا الدليل ، انّما يدلّ على انّ الامر للوجوب ؛ لا انّ صيغة «افعل» للوجوب.
وامّا ثالثا : فبأنّ المخالفة ، يحصل بحمل ما هو للندب على الاباحة ؛ مثلا.
وامّا رابعا : فمنع كون لفظ : «امره» في الآية ، للعموم ؛ بل ، هو مطلق ؛ فلا يعمّ.
قد يجاب عن الاوّل ب : انّ اصابة الفتنة ، او العذاب ، تصرفه الى الوجوب.
وعن الثاني ب : انّ الوعيد ، على ما صدق عليه الامر من الصيغ.
وعن الثالث ب : انّ المتبادر من مخالفة الامر ، ترك المأمور به.
وعن الرابع ب : انّ المصدر المضاف ، يفيد العموم ؛ ك : «ضرب زيد» ؛ اذا لم يسبق عهد.
وفي بعض هذه الاجوبة ، تأمّل. وكلام «العضديّ» (٣) في تقريب الجواب الاخير ، كانّه منع على منع ؛ فلا تغفل!
وقوله صلىاللهعليهوآله : «انّما انا شافع» : اشارة الى ما روي من : انّ «البريرة» عتقت ، وزوجها عبد. فلمّا علمت التخيير ، فارقته. فاشتكى فراقها الى النبيّ صلىاللهعليهوآله. فقال
__________________
(١) الحجر / ٢٩ ، ص / ٧٢.
(٢) النور / ٦٣.
(٣) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٩٢.
صلىاللهعليهوآله : راجعيه (١).
فقالت : أتأمرني بذلك؟ يا رسول الله! فقال صلىاللهعليهوآله : «لا ؛ انّما انا شافع». فقالت : لا حاجة لي فيه (٢)
«لو لا ان اشقّ» : اشارة الى قوله صلىاللهعليهوآله : «لو لا ان اشقّ على امّتي ، لامرتهم بالسواك عند كلّ صلاة» (٣).
لعدّ العقلاء : استدلّ «الحاجبيّ» (٤) ب : انّ «تارك المأمور به ، عاص ؛ بدليل : أفعصيت امري؟» (٥).
ولا يخفى : انّ استدلاله لا يجامع قوله ب : انّ المندوب ، مأمور به (٦) ؛ وقد اشرنا اليه فيما مرّ (٧).
والردّ الى الاستطاعة : جواب عن استدلال اهل الندب بقوله صلىاللهعليهوآله : «اذا امرتكم
__________________
(١) و ، د : فطلب منها مراجعتها.
(٢) سنن ابي داود ٢ / ٢٧٠ ح ٢٢٣١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٦٧١ ب ٢٩ ح ٢٠٧٥ ، صحيح البخاريّ ٣ / ٢٧٤.
(٣) وسائل الشيعة ١ / ٣٥٤ ب ٣ ح ٤ ، ٣٥٥ ب ٥ ح ٣ ، الموطّأ ١ / ٦٦ ب ٣٢ ح ١١٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ١٠٥ ب ٧ ح ٢٨٧ ، سنن ابي داود ١ / ١٢ ح ٤٦ ، ٤٧ ، سنن النسائيّ ١ / ١٢ ، صحيح البخاريّ ١ / ١٥٩ ، مسند احمد ١ / ٨٠.
(٤) منتهى الوصول والامل / ٩١.
(٥) طه / ٩٣.
(٦) منتهى الوصول والامل / ٣٩.
(٧) زبدة الاصول / ١٤٨ ـ ١٤٦.
بشيء ، فأتوا منه بما (١) استطعتم» (٢) ؛ انّه ردّ الاستطاعة الى مشيّتنا (٣) ؛ وهي تعطي الندب.
والمجاز اولى من الاشتراك : جواب عن استدلال اهل الاشتراك (٤) بين الوجوب والندب ، حيث قالوا : استعمل فيهما (٥) ؛ فيكون مشتركا (٦).
ودليل التقييد قد ذكر : جواب آخر (٧) عن استدلال اهل الاشتراك بين الوجوب والندب ، حيث قالوا : دلالة الامر على مطلق رجحان الفعل ظاهرة ، والتقييد بالوجوب لا دليل عليه.
والوارد : [اي] : الامر.
بعد الحظر : نحو قوله ـ تعالى (٨) ـ : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ، فَانْتَشِرُوا)(٩) ، (وَإِذا حَلَلْتُمْ ، فَاصْطادُوا)(١٠).
للاباحة غالبا : وقد يكون للوجوب ؛ ك : قوله ـ تعالى ـ : «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ
__________________
(١) م ١ : ما.
(٢) صحيح مسلم ٣ / ١٤٩ ب ٧٣ ح ٤١٢ ، مسند احمد ٢ / ٢٤٧ ، ٢٥٨ ، ٥٠٨ ، عوالي اللئالي ٤ / ٥٨ ح ٢٠٦.
(٣) د : حيث حملوا الاستطاعة على المشيّة.
(٤) م ١ : من قال بالاشتراك.
(٥) و : بينهما.
(٦) م ١ : + والاصل ، الحقيقة.
(٧) د : ـ آخر.
(٨) م ١ : ـ تعالى.
(٩) الجمعة / ١٠.
(١٠) المائدة / ٢.
الْحُرُمُ ، فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(١) ؛ فانّه يفيد الوجوب اتّفاقا.
__________________
(١) التوبة / ٥.
فصل
[في المرّة والتكرار]
لا اشعار في صيغة الامر ـ مجرّدة ـ بوحدة ، ولا تكرار ؛ وهو مرتضى «المرتضى» (١). وقيل : به. وقيل : بها.
لنا : خروجهما عن حقيقة الفعل ؛ ك : زمان ، والمكان.
والقياس على النهي ، باطل. والفارق ، قائم من وجهين. والتكرار في الصلاة والصوم ، من خارج. واقتضاء الامر بالشيء ، النهي عن تركه ، مسلّم ؛ لكنّه بحسب الامر.
والامتثال بالمرّة ، لا يوجب ظهوره فيها.
والمعلّق على علّة ثابتة ، يتكرّر بتكرّرها (٢) ؛ لا غيرها.
__________________
(١) الذريعة الى اصول الشريعة ١ / ١٠٠.
(٢) و : بتكريرها.
لا اشعار في صيغة الامر : ممّا يتفرّع على هذا الاصل ، ما لو امره ببيع عبده ، فردّه المشتري لعيب (١) ـ مثلا ـ فهل له بيعه مرّة اخرى ، ام لا؟
ممّا فرّعوه على الخلاف في هذه المسألة ، ما لو قال لوكيله : «بع هذا العبد!» فردّه المشتري بعيب ، او خيار ـ مثلا ـ فان قلنا باقتضاء الامر ، التكرار ، جاز له بيعه ثانيا بالوكالة ؛ والّا ، فلا.
وكذا لو قال لوصيّه : «استأجر عنّي للحجّ!» (٢) ، فاستأجر ؛ ثمّ ، فسخ الاجير لامر مجوّز للفسخ ، فهل له ان يستأجر آخر ، ام لا؟
فظنّي (٣) : انّ المحكّم في هاتين الصورتين ، هو القرائن الدالّة على ما قصده الآمر. ولا ريب ، انّها تدلّ على التكرار (٤) في صورة الوصيّة ؛ بخلاف البيع.
مجرّدة : اي (٥) : عن قرينة التكرار والوحدة (٦).
بوحدة ولا تكرار : بل ، هي لطلب الماهيّة (٧) من حيث هي ؛ لكن لمّا لم يكن ادخال الماهيّة (٨) في الوجود باقلّ من المرّة الواحدة ، صارت المرّة من ضروريّات الاتيان بالمأمور به ؛ لا انّ الصيغة وضعت للمرّة فقط ؛ لا للتكرار ؛ كما قاله بعضهم (٩).
__________________
(١) م ١ : بعيب.
(٢) م ١ : الحجّ.
(٣) م ١ : وظنّي.
(٤) م ١ : تكرار.
(٥) ل : ـ اي.
(٦) ل : عن القرينة.
(٧) م ١ : الماهيّة.
(٨) م ١ : الماهيّة.
(٩) العدّة في اصول الفقه ١ / ٢٠٠.
وهو مرتضى «المرتضى» : كلام «العلّامة» في «التهذيب» (١) يعطي : انّ «المرتضى» قائل بالاشتراك اللفظيّ بين الوحدة والتكرار ؛ لكنّ كلامه في «النهاية» (٢) صريح بانّه موافق له في الاشتراك المعنويّ.
استدلّ «العلّامة» (٣) ، و «الفخريّ» (٤) و «البيضاويّ» (٥) على عدم افادة صيغة الامر وحدة ، ولا تكرارا بوجوه ثلاثة :
اوّلها : ورودها للوحدة ، تارة ـ ك : الحجّ ـ والتكرار ، اخرى ـ ك : الصلاة ـ ، والاشتراك والمجاز على خلاف الاصل ؛ فيكون للقدر المشترك.
ثانيها : انّها تقيّد بالمرّة وغيرها ؛ فيقال : «افعل مرّة» ، و «افعل دائما» ؛ من غير تكرار ولا نقض.
وثالثها ـ وهو مختص بنفي التكرار ـ : انّها لو اقتضته ، لاستغرق الاوقات كلّها ؛ لعدم المخصص ؛ فيكون الامر بعبادة ثانيا ، ناسخا للاولى.
والوجه الاوّل ، لا بأس به. وامّا الاخيران ، فقد اعترض على اوّلهما ب : انّ الصيغة تفيد احدهما بحسب الظاهر ، والتقييد به يفيد النصوصيّة ؛ فلا تكرار. ويغيّره بقيد : «صرف اللفظ عن ظاهره» الى غيره ؛ فلا نقص.
وعلى ثانيهما : انّ للقائل بالتكرار ، ان يقول : اردت به تكرار الفعل بحسب الامكان ؛ لا الدوام. وغاية ما يوجبه ، الامر بالعبادة الثانية ؛ فلا تكرار الاولى ، ولا
__________________
(١) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢٢.
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٤٨ / ب.
(٣) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٤٨ / ب ، ٤٩ / الف ، تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٢٢.
(٤) المحصول ١ / ٢٤٠ ـ ٢٣٨.
(٥) منهاج الوصول / ٣٢٩.
نسخها ؛ فتأمّل!
وقيل : به : [اي] : تكرار.
وقيل : بها : [اي] : وحدة.
لنا : خروجهما عن حقيقة الفعل : اي : الفعل الّذي هو مطلوب بصيغة الامر ؛ فمعنى «اضرب» : طلب ضرب ما ؛ اعني : المصدر الّذي هو جزء مادّي للافعال ؛ فالصيغة موضوعة لطلب ادخال ماهيّة المصدر في الوجود ؛ كما ذكره «الفخريّ» في «المحصول» (١).
وعلى هذا ، لا يرد ما ذكره «العضديّ» (٢) من : انّ الدليل يفيد عدم دلالة «اضرب» ـ مثلا ـ على المرّة ، او التكرار ، بالمادّة ؛ فلم لا يدلّ عليهما بالصيغة؟ فتأمّل! فانّه ممّا لم يتنبّه له المحشّون.
كـ : الزمان ، والمكان : و «الحاجبيّ» بعد ان استدلّ بهذا الدليل ، قال : «ولنا ـ ايضا ـ : انّا قاطعون بانّ المرّة والتكرار ، من صفات الفعل ؛ ولا دلالة للموصوف على الصفة» (٣) ؛ انتهى. ونحن لم نطوّل الكلام بذلك ؛ لاشتمال ما ذكرناه عليه عند التأمّل ؛ فتأمّل!
والقياس على النهي باطل : لما مرّ في المبادي اللغويّة من : انّ اللغة لا تثبت بالقياس (٤) ؛ ولانّ النهي يفيد التكرار بالاتّفاق.
والفارق قائم من وجهين : اوّلهما : اقتضاء الحقيقة ؛ فلا بدّ من انتفائها في كلّ
__________________
(١) المحصول ١ / ٢٣٨.
(٢) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٩٤.
(٣) منتهى الوصول والامل / ٩٣ ، عبارة «الحاجبيّ» هكذا : «ومن المعلوم : انّه لا دلالة للموصوف على معنى الصفة».
(٤) زبدة الاصول / ٥٩.
الاوقات ؛ بخلاف ايجادها.
وثانيهما : منع التكرار في الامر ، من فعل غيره ؛ بخلاف التكرار في النهي.
واقتضاء الامر بالشيء ، النهي : هذا جواب عن استدلال القائلين بالتكرار.
وتقرير (١) دليلهم : انّ الامر بالشيء يقتضي النهي عن تركه ؛ والنهي يمنع من المنهيّ عنه دائما ؛ فيلزم التكرار في المأمور به (٢).
وتقرير الجواب : انّ النهي ، بحسب الامر ـ فان افاد دواما في الفعل ـ افاد نهيا عن تركه دائما ؛ وان افاد الفعل في وقت ما ، افاد النهي عن تركه في ذلك الوقت.
عن تركه : لم يقل : عن ضدّه ؛ لئلّا يظنّ : انّ المراد ، ضدّه الخاصّ ؛ لا العامّ.
لكنّه بحسب الامر : اي : النهي عن الترك ، على حسب الامر بالفعل في الدوام وعدمه.
والامتثال بالمرّة : جواب عن استدلال اهل الوحدة بحصول الامتثال بها (٣) ؛ وتقريره : انّ حصول الامتثال ، بحصول الحقيقة في ضمن المرّة ؛ لا لظهوره فيها.
والمعلّق على علّة ثابتة : اي : ثابتة في العلّيّة ؛ نحو : «ان زنا ، فاجلدوه!» ؛ لا نحو : «ان دخلت السوق ، فاشتر لي عبدا!».
يتكرّر بتكرّرها ؛ لا غيرها : المراد بالعلّة الثابتة : ما ثبتت علّيّتها بالدليل ؛ نحو : «ان زنا ، فاجلدوه! وان سرق فاقطعوا يده!» ؛ لا نحو : «ان دخلت السوق ، فاشتر لي عبدا!». وهذا هو المراد بقوله : «لا غيرها» ؛ اي : لا غير الثابتة.
__________________
(١) د : ـ تقرير.
(٢) اصول السرخسيّ ١ / ٢٠ ، المعتمد ١ / ١٠٢ ، المحصول ١ / ٢٤٠ ، العدّة في اصول الفقه ١ / ٢٠٢.
(٣) العدّة في اصول الفقه ١ / ٢٠٠ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ١٧٤.
فصل
[في الفور والتراخي]
الامر لطلب نفس (١) الفعل ، من غير دلالة على فور او تراخ. وعليه «المحقّق» (٢) و «العلّامة» (٣) ؛ وهو الحقّ. و «الشيخ» (٤) على الفوريّة.
لنا : خروجهما ؛ كما مرّ (٥).
والعصيان بتأخير السقي ، للعادة. والقياس باطل. وذمّ «ابليس» ، للتعيين بالتسوية. والتأخير ، غير متعيّن ؛ فلا تكليف بالمحال. ولو تعيّن ، فكما وقته العمر. والمسارعة والاستباق للفضل.
______________________________________________________
الامر لطلب نفس الفعل : المذاهب اربعة : الفور ، والتراخي ، والاشتراك ، والوقف.
__________________
(١) م ٢ : ـ نفس.
(٢) معارج الاصول / ٦٥.
(٣) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٥٠ / ب.
(٤) العدّة في اصول الفقه ١ / ٢٢٧.
(٥) زبدة الاصول / ٢٧٥ ـ ٢٧٢.
فالقائلون بانّ الامر للتكرار ، قائلون بانّه للفور.
وامّا القائلون بالاشتراك ، فبعضهم على الفوريّة ؛ وبعضهم على الاشتراك.
وامّا القول بانّ الامر للتراخي ـ بحيث لو أتى المكلّف بالفعل ، على الفور ، لم يكن ممتثلا ـ فهو قول نادر ؛ والقائلون به : الجبائيّان (١) ، وبعض الاشاعرة ؛ كما ذكره «البدخشيّ» في شرح «المنهاج» (٢) ، وغيره (٣).
وامّا القول بالوقف ، فقد نسبه «العلّامة» في «النهاية» (٤) الى «المرتضى» رضى الله عنه.
من غير دلالة على الفور : والفوريّة (٥) تستفاد (٦) من خارج ؛ كما حكموا بفوريّة نهي عن المنكر ؛ لئلّا يلزم التقرير على المعصية ، وفوريّة الجهاد عند الحاجة ؛ لئلّا تكثر المفسدة. وفوريّة الحجّ ـ عندنا ـ للنصّ ، وفوريّة ردّ السلام ، لفاء التعقيب ؛ ان قلنا بافادة الجزائيّة له ، وفوريّة الكفارات ـ عند بعض علمائنا ـ لاجرائها مجرى التوبة ؛ الى غير ذلك.
او تراخ : ذكر التراخي استطراديّ ؛ اذ لم يطّلع (٧) على قائل (٨) باقتضاء الامر له. وكلام بعضهم ـ ك : «العضديّ» (٩) وغيره ـ يعطي عدم القائل به ؛ لكنّ كلام «العلّامة»
__________________
(١) وهما : ابو عليّ الجبائيّ وابنه : ابو هاشم.
(٢) مناهج العقول ٢ / ٥٩.
(٣) المعتمد ١ / ١١١ ، الاحكام في اصول الاحكام ٢ / ١٨٤.
(٤) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٥٠ / ب.
(٥) ل : + فيها.
(٦) ل ، م ١ : استفادت.
(٧) و : لم نطّلع.
(٨) م ١ : + يعتدّ به.
(٩) شرح مختصر المنتهى ١ / ١٩٧.
في «المبادي» (١) صريح في وجوده ؛ وهو مذهب غريب. وذكر في «النهاية» (٢) : انّ بعضهم توقّف في انّ المبادر هل يأثم بالمبادرة ، ام لا؟ ثمّ ، قال : انّ هذا مخالف لاجماع السلف.
وممّا يتفرّع على الخلاف في اقتضاء الامر ، الفور : ما لو قال شخص للآخر : «بع هذا الفرس» ـ مثلا ـ فقبضه المأمور ، واخّر بيعه ، مع القدرة عليه ، فتلف ، فان قلنا : انّ الامر للفور ، فهو ضامن ؛ لتقصيره في الامتثال ؛ والّا ، فلا.
وعليه «المحقّق» و «العلّامة» : وكذا «الحاجبيّ» (٣) ، و «الفخريّ» (٤) ، و «البيضاويّ» (٥).
و «الشيخ» : والمراد به «الشيخ الطوسيّ» ؛ قدّس الله روحه.
على الفوريّة : في غير ما ثبتت توسعته ؛ امّا فيه ، فقد مرّ (٦) انّ «الشيخ» يخيّر المكلّف بينه وبين العزم (٧). وقد مرّ (٨) : انّ «القاضي أبا بكر» (٩) من العامّة ، موافق ل : «الشيخ» في التخيير في الموسّع ؛ لكنّه لا يوافقه فيما لم تثبت توسعته ولا ضيقه ؛ بل ، يجعله كالموسّع في وجوب الفعل ، او العزم عليه.
__________________
(١) مبادي الوصول الى علم الاصول / ٩٧.
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٥٠ / ب.
(٣) منتهى الوصول والامل / ٩٤.
(٤) المحصول ١ / ٢٤٧.
(٥) منهاج الوصول الى علم الاصول / ٣٣٨ ـ ٣٣٧.
(٦) زبدة الاصول / ١٣٣.
(٧) العدّة في اصول الفقه ١ / ٢٣٥.
(٨) زبدة الاصول / ١٣٤.
(٩) منتهى الوصول والامل / ٣٦.
لنا : خروجهما ؛ كما مرّ : في الوحدة والتكرار.
والعصيان : هذا اوّل الدلائل الخمسة لاهل الفور ، مع اجوبتها.
بتأخير السقي : فيما اذا قال لعبده : «اسقني ماء» ، هل تجوز المبادرة وعدمها؟
والقياس : اي : على النهي.
باطل : هذا جواب عن استدلال القائلين بالفور ؛ وتقريره من وجهين :
الاوّل : انّ كلّ مخبر بقوله : «زيد قائم» ، وكلّ منشأ بقوله : «انت حرّ» ، فقصده الحال ؛ فكذا الامر ؛ الحاقا بالاغلب.
الثاني : انّ النهي يفيد الفور ؛ فكذا الامر ؛ والجامع ، الطلب.
وتقرير الجواب عن الاوّل : بطلان القياس في اللغة.
على ، انّ الفارق قائم ؛ لدلالة الامر على الاستقبال ؛ اذ الحاصل لا يطلب ، والاستقبال لا يحتمل الاقرب الى الحال وغيره ، والتخصيص يحتاج الى الدليل.
(١) وقد يناقش في هذا الجواب ب : انّ مراد المستدلّ ، الحاق الفرد النادر ، بالاغلب ؛ وهذا ليس قياسا.
وقد تدفع المناقشة بمنع الاغلبيّة.
واما تقرير الجواب عن الثاني ، فظاهر ممّا تقدّم في بحث الوحدة والتكرار (٢).
وذم «ابليس» ، للتعيين : اي : تعيين وقت الفعل ؛ اعني : السجود.
بالتسوية : حيث قال ـ سبحانه (٣) ـ : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ!)(٤).
__________________
(١) م ١ : + هذا.
(٢) زبدة الاصول / ٢٧٢.
(٣) م ١ : ـ سبحانه.
(٤) الحجر / ٢٩ ، ص / ٧٢.