زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي

زبدة الأصول مع حواشي المصنّف عليه

المؤلف:

الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦

فصل

[في حدّ علم الاصول ، ومرتبه ، وثمرته ، ووجوبه]

وحدّه علما : العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعيّة الفرعيّة.

والصفة مشعرة بالاختصاص. فسلم الطرد من دخول العربيّة ، والمنطق ، ومبادية من المنطق ، والكلام ، والعربيّة ، والاحكام.

ومرتبته : بعد الثلاثة الأول.

وموضوعه : دلائل الفقه من حيث الاستنباط.

وثمرته : الفوز بالسعادة الدينيّة والترقّي عن حضيض التقليد ؛ اذا استعمل فيما وضع لاجله.

ووجوبه كفائيّ. والقائل بالعينيّة شاذّ. ولزوم الحرج ظاهر.

واستدلّ «العلّامة» ـ طاب ثراه (١) ـ بتوقّف الاجتهاد الواجب كفاية عليه. (٢)

ويقدح في كلّيّة كبراه ، المعارف الخمس. اللهمّ ؛ الّا ان يضمر في الاوسط :

__________________

(١) د : ـ طاب ثراه.

(٢) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣.

٢١

«وتحصيله له» ، فيلغو الباقي.

______________________________________________________

حدّه : قال «الحاجبيّ» : «وامّا حدّه لقبا : فالعلم بالقواعد الّتي يتوصّل بها الى استنباط الاحكام الشرعيّة الفرعيّة عن ادلّتها التفصيليّة.» (١) ؛ انتهى.

وقيل عليه : انّ تحديده ليس من جهة كون اسمه مشعرا بمدحه ؛ بل ، غرض المحدّد افادة تصوّره ؛ لا غير. وايضا ، فالمنطق داخل في هذا الحدّ ؛ اذ كما يتوصّل به الى استنباط غير الاحكام الشرعيّة ، يتوصّل به اليها ؛ ايضا.

وقد يجاب عنهما بنوع من العناية.

بالقواعد : هذه القواعد ، هي اصول الفقه بالمعنى الاضافيّ ، على ما اخترناه من ان يراد بالاصول ما يبتنى عليه الشيء. فالفرق بين المعنى الاضافيّ والعلميّ ، ليس مجرد التركيب والافراد ؛ بل ، بينهما فرق آخر ؛ هو : انّ المعنى الاضافيّ ، نفس المعلومات ؛ والعلميّ ، هو العلم بها. فلك ان تقرأ لفظ «علما» بفتح اللام واسكانها.

الممهّدة : اي : الممهّدة للاستنباط المذكور ، لا الّتي ليست ممهّدة لذلك ؛ اذ يستنبط بكلّ منها بعض الاحكام. والسببيّة القريبة ـ ان افادت في العربيّة ـ لا تفيد في المنطق.

لاستنباط : سواء حصل الاستنباط ، اولا. امّا عن الاوّل ، فلانّ الحدّ نفسه يشعر بالمدح ؛ وان لم يكن عرضا للمحدود. وعن الثاني ، فلانّ المتبادر من التوصّل ، القريب ؛ لا البعيد.

والصفة : وهي : الممهّدة [...] ؛ الى آخره.

مباديه من المنطق والكلام والعربيّة والاحكام : اورد «من» التبعيضيّة لانّ كلّ

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٣.

٢٢

مسائل العلوم الثلاثة ليست مبادي لهذا العلم ، بل ، من كلّ واحد ، بعضه. وامّا الاحكام ؛ فالمراد ، الخمسة كلّها. فينبغي ان تقرأ بالرفع عطفا على البعض المستفاد من حرف التبعيض على قياس ما قالوه في قوله ـ تعالى ـ : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)(١) ؛ فتدبّر!

ثمّ ؛ المستفاد من كلام «الحاجبيّ» (٢) : انّه جعل المنطق من المبادي الكلاميّة ـ كما فهمه الشارح «العضديّ (٣)» (٤) ـ ؛ مع انّ نسبته الى الاصول والكلام واحدة. وقد يوجّه : بانّ الكلام ، لمّا كان رئيس العلوم الشرعيّة ، وكان محتاجا الى المنطق ، نسب اليه تفخيما لشأنه ؛ وهو كما ترى. فلذلك عدلنا عن كلام «الحاجبيّ».

ومرتبة بعد الثلاثة : اي بعد العلوم الثلاثة الاول. والغرض : انّ الاليق بالخائض في علم الاصول ، ان لا يخوض فيه الّا بعد تحصيل الثلاثة. وليس المراد مرتبة علم بعد ما يتوقّف عليه من مسائل العلوم الثلاثة ؛ اعني : بعد مباديه منها.

وموضوعه : موضوع كلّ علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة الّتي يلحقه لذاته ، او لجوهر ، او لعارض لازم لاحدهما. ولمّا كان هذا العلم باحثا عن الطرق الموصولة الى العلم بالفقه ، كان موضوعه طرق الفقه وكيفيّة استنباطها من ادلّتها ، ك : كون الامر للوجوب ، والنهي للتحريم ، ودلالة صيغ العموم على جميع الافراد ، ويخصّص العامّ بالادلّة المنقولة ، وامثال ذلك.

الاستنباط : اي : استنباط الاحكام من تلك الدلائل.

__________________

(١) البقرة / ٨ ، العنكبوت / ١٠.

(٢) منتهى الوصول والامل / ٤.

(٣) عضد الدين ابو الفضل عبد الرحمن بن احمد بن عبد الغفّار الايجيّ. توفّي سنة ٧٥٦ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : شرح مختصر ابن حاجب ، المواقف و...

(٤) شرح مختصر المنتهى / ٦.

٢٣

فيما وضع لاجله : وهو استنباط الفروع من الاصول. وانّما قيّد بذلك ؛ لانّ معرفته من دون استعماله ، لا ترفع عن حضيض التقليد.

القائل بالعينيّة : نقل القول بالعينية بعض شرّاح «المنهاج» (١) ، ونقل شيخنا «الشهيد» (٢) في «الذكرى» (٣) عن فقهائنا الحلبيّين ، القول بوجوب الاجتهاد على العوام. ومعلوم توقّفه على الاصول. وكلام «العلّامة» ليس مع هؤلاء ، والّا لكان مصادرة ؛ فتدبّر!

واستدلّ «العلّامة» (٤) : واستدلّ «العلّامة» ـ طاب ثراه ـ على انّ وجوبه كفائي ؛ وعبارته قدس‌سره (٥) في «التهذيب» (٦) هكذا (٧) : «ومعرفته واجبة على الكفاية لتوقّف العلم بالاحكام الواجب كذلك عليه» (٨).

المعارف الخمس : لتوقّف الاجتهاد عليها ؛ مع انّ وجوبها عينيّ.

فان قلت : مراد «العلّامة» : انّ كلّما يتوقّف عليه الواجب الكفائيّ ، فهو واجب كفائي من حيث توقّف الواجب الكفائيّ عليه ؛ ولا مطلقا. والمعارف الخمس كذلك ؛

__________________

(١) الابهاج ٣ / ٢٦٩ ، نهاية السئول ٤ / ٥٨٦.

(٢) الشهيد الاوّل ، محمّد بن جمال الدين مكيّ العامليّ الجزينيّ. ولد سنة ٧٣٤ واستشهد سنة ٧٨٦ من الهجرة. من تصانيفه : ذكرى الشيعة ، الدروس الشرعيّة ، اللمعة الدمشقيّة ، القواعد والفوائد ، غاية المراد في شرح الارشاد و...

(٣) ذكرى الشيعة في احكام الشريعة ١ / ٤١.

(٤) د : ـ واستدل «العلّامة» ـ طاب ثراه ـ على ان وجوبه كفائي و.

(٥) و : قدّس الله روحه.

(٦) ل : ـ عبارته قدس‌سره في «التهذيب».

(٧) د : ـ هكذا ، ل : + قال.

(٨) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣.

٢٤

قلت : فيصير المدّعى : انّ وجوب علم الاصول كفائي من حيث توقّف الاجتهاد الكفائيّ عليه ؛ ولا نزاع لأحد في هذا.

والاصوب ، ان يقال : ليس غرض «العلّامة» ابطال كلام الخصم ، بل بيان حقيقة الحال ؛ لئلا يتوهّم انّه غير واجب اصلا. وسوق كلامه ـ طاب ثراه ـ في «النهاية» (١) يشعر بهذا ، لكنّ ظاهر كلامه في «التهذيب» (٢) يأباه لما تقرّر من رجوع كلّ من الاثبات والنفي (٣) الى القيد ؛ فتدبّر! (٤)

الّا ان يضمر في الاوسط : بان يقال (٥) : علم الاصول يتوقّف عليه الواجب الكفائيّ ، وتحصيله لاجله فقط ، وكلّما يتوقّف عليه الواجب الكفائيّ ، ويكون تحصيله لاجله فقط ، فهو واجب كفائي.

وتحصيله له : اي : لاجل تحصيل الواجب الكفائيّ فقط.

فيلغو الباقي : اذ يكفي (٦) ان يقال : علم الاصول تحصيله لاجل تحصيل الواجب الكفائيّ ، وكلّما تحصيله لاجل ذلك ، فهو واجب ؛ فلا حاجة الى ضمّ قولنا : «يتوقّف عليه الواجب الكفائيّ» الى الاوسط.

__________________

(١) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٣ / الف.

(٢) تهذيب الوصول الى علم الاصول / ٣.

(٣) د : من النفي والاثبات.

(٤) د : فتدبّر.

(٥) د : يعنى.

(٦) م ١ ، م ٢ : يمكن.

٢٥

فصل

[في الدليل ، والنظر ، والعلم ، والذكر النفسيّ]

الدليل ـ عندنا ـ : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه الى مطلوب خبريّ.

والامكان ، لادراج المغفول. والخبريّ ، لاخراج الحدّ.

وعند غيرنا ، قولان ؛ فصاعدا. يكون عنه ، آخر ؛ فدخلت الأمارة ، او يستلزم لذاته ؛ فخرجت. و «الاشعريّ» (١) لا يفرق بينهما في عدم الاستلزام. (٢)

والنظر : تأمّل معقول لكسب مجهول.

والعلم : صورة حاصلة عند المدرك ؛ او حصولها عنده ؛ او صفة توجب لمحلّها تمييزا لا يحتمل النقيض ؛ فدخل الاحساس. او صفة ينجلي بها امر معنويّ لمن قامت به ؛ فخرج.

ومعلوميّته ، ممّا علم به ، وعلم كلّ احد بوجوده ، لا يوجب دورا ؛ ولا بداهة ؛ اذ

__________________

(١) ابو الحسن عليّ بن اسماعيل الاشعريّ. ولد سنة ٢٦٠ وتوفّي سنة ٣٢٤ من الهجرة. من مصنّفاته : الابانة ، واللمع في علم الكلام.

(٢) البحر المحيط ١ / ٤٦.

٢٦

حصول الشيء غير تصوّره. وامتناع النقيض لعادة او حسّ ، لا ينفيه الامكان ؛ نظرا الى قدرة الله ؛ سبحانه.

وقد تظنّ منافاة مطلق التجويز ، الجزم ؛ وفيه ما فيه.

ثمّ ؛ ان كان إذعانا بنسبة ، فتصديق ؛ والّا ، فتصوّر. وكلّ من كلّ غير بديهيّ للكسبيّ ، ولا كسبيّ للبديهيّ ، ولزوم طلب المجهول المطلق.

وليس بديهيّ التصوّر ما زعمه «الحاجبيّ» (١) ؛ وتعليله عليل.

ويجوز طلب البسيط بالرسم ، واستغناء المركّب عن الطلب.

والذكر النفسيّ ، ان امتنع نقيضه مطلقا ـ فكما مرّ ـ علم ؛ او عند الذاكر ، اعتقاد ؛ او لا ولا ، فالراجح ظنّ ؛ والمرجوح ، وهم ؛ والمتساوي شكّ.

______________________________________________________

الدليل عندنا : اي : الاصوليّين. فالعالم عند الاصوليّين ، دليل على اثبات الصانع ؛ وعند غيرهم : العالم حادث ، وكلّ حادث له صانع. وظاهر كلام بعض المحقّقين : انّ الاصوليّين لا يطلقون الدليل على القضايا ؛ بل ، على المفردات فقط. ولم نظفر بتصريحهم بذلك ؛ بل ، كلامهم عامّ.

بصحيح النظر فيه : اي : في صفاته واحواله.

الى مطلوب خبريّ : فلو اطلقنا المطلوب ، يشتمل التعريف ، القول الشارح والحجّة معا. واذا قيّدناه بالخبريّ ـ اي : التصديقيّ ـ اخصّ بالحجّة ؛ كما لو قيّدناه بالتصوريّ ، اخصّ بالقول الشارح.

ولم يقل : «الى العلم بمطلوب خبريّ» ؛ لتدخل الدلائل الشرعيّة باجمعها ؛ اذ اكثرها امارات.

__________________

(١) منتهى الوصول والامل / ٥.

٢٧

لادراج : اي : لادراج الدليل الّذي غفل عنه ؛ فانّه دليل ؛ وان لم يخطر بالبال (١).

وعند غيرنا : اي : المنطقيّين.

فصاعدا : انّما قال : «فصاعدا» ، ليتناول القياس المركّب المسمّى ب : موصول النتائج.

يكون عنه آخر : اي : عن المجموع المركّب منهما. لم يقل : «عنهما» اشعارا بانّ الهيئة التركيبيّة لها دخل في تحقّق القول الآخر.

فدخلت الامارة : اي : على التعريفين معا ؛ لانّه يجمع القياس البرهانيّ ، والظنيّ ، والشعريّ ، واللفظيّ.

فخرجت : الامارة.

و «الاشعريّ» لا يفرق بينهما : اي : بين الامارة والدليل.

في عدم الاستلزام : بل ، عنده ليس شيء مستلزما لشيء اصلا ؛ بل ، الله ـ سبحانه ـ يوجد بعض الاشياء عقيب بعض ، من غير استلزام (٢).

والنظر تأمّل معقول لكسب مجهول : اخذ التأمّل فيه ، ليدخل فيه المفرد ؛ سواء كان قولا شارحا ك : الحدّ بالفصل ، او دليلا ك : «العالم» في قولنا : «العالم متغيّر». واثر المعقول على المعلوم ، ليدخل دلايل الفقه من غير تكلّف.

وهذا التعريف اخصّ من تعريف «التفتازانيّ» (٣) في «التهذيب» (٤).

__________________

(١) و ، م ١ ، م ٢ : ببالنا.

(٢) البحر المحيط ١ / ٤٦.

(٣) سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانيّ. ولد سنة ٧١٢ وتوفّي سنة ٧٩١ من الهجرة. له تصانيف ؛ منها : تهذيب المنطق ، المطوّل ، المختصر ، مقاصد الطالبين ، التلويح الى كشف غوامض التنقيح.

(٤) التهذيب / ٣. عبارة «تفتازانيّ» هكذا : «ملاحظة المعقول لتحصيل المجهول».

٢٨

العلم : عرّف العلم اوّلا بتعريفي الحكماء لمناسبة المبادي المنطقيّة ، ثمّ عرّفه بمصطلح اصحاب الفنّ ، للتنبيه على تخالف الاصطلاحين ؛ اذ التعريفان الاوّلان يصدقان على الظنّ ، والجهل المركّب ، والشكّ ، والوهم ؛ واطلاق العلم على ذلك مخالف لاستعمال اهل اللغة والعرف والشرع ؛ فانّهم لا يطلقون العلم على شيء من ذلك ؛ بل ، يخصّونه بالتصوّر والتصديق الجازم الثابت المطابق للواقع.

او حصولها : يمكن ارجاع هذا الى الاوّل بان يراد المعنى الحاصل بالمصدر.

عنده : قال استاذنا «المحقّق اليزديّ (١)» قدس‌سره في حواشي تهذيب المنطق (٢) : «اختلفوا في انّ العلم بالشيء هل يستلزم وجوده في الذهن ، ام لا ؛ بل ، هو تعلّق ، او صفة ذات تعلّق بالمعلوم ، بها ينكشف عند العالم من دون ان تقتضي وجود المعلوم في الذهن؟ فالفلاسفة ، والمحقّقون من المتكلّمين ك : «المحقّق الطوسيّ» (٣) قدس‌سره على الاوّل (٤) ؛ وجمهور المتكلّمين على الثاني (٥).

وعلى الاوّل ، فلا نزاع في انّنا اذا علمنا شيئا ، فقد تحقّق امور ثلاثة : صورة حاصلة في الذهن ، وحصول تلك الصورة فيه ، وقبوله لتلك الصورة. فاختلف

__________________

(١) عبد الله بن شهاب الدين الحسين اليزديّ. توفّي سنة ٩٨١ من الهجرة. من تصانيفه : شرح تهذيب المنطق المسمّى بالحاشية ، وشرح القواعد.

(٢) لم نعثر على هذه الحاشية في حواشي تهذيب المنطق للمولى عبد الله شهاب الدين حسين اليزديّ.

(٣) نصير الدين ابو جعفر محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسيّ. ولد سنة ٥٩٧ وتوفّي سنة ٦٧٢ من الهجرة. له تصانيف كثيرة ؛ منها : شرح الاشارات والتنبيهات ، اساس الاقتباس ، قواعد العقائد ، تجريد الاعتقاد ، اوصاف الاشراف ، معيار الاشعار و...

(٤) شرح الاشارات والتنبيهات ٢ / ٣٠٨ ، ٣٢٤.

(٥) كشف المراد / ٢٤٢ ـ ٢٤١.

٢٩

الاوّلون في انّ العلم ايّ هذه الثلاثة؟ فمن قال بالاوّل ، جعله من مقولة الكيف ؛ ومن قال بالثانى ، جعله من مقولة الاضافة ؛ ومن قال بالثالث ، جعله من مقولة الانفعال».

او صفة توجب لمحلّها تمييزا لا يحتمل النقيض : «صفة» ، تتناول السواد والبياض والشجاعة والجبن وغيرها ، وخرجت بقوله : «توجب لمحلّها تمييزا» ؛ فانّها توجب لها تميّزا ؛ لا تمييزا. وقوله : «لا يحتمل النقيض» لا خراج الظنّ والجهل المركّب. وعلى هذا التعريف ، اعتراض مشهور ؛ وهو : لزوم عدم كون الشيء من التصوّر والتصديق علما ؛ بل ، الصفة الموجبة لهما ؛ فامّا يلتزموا ذلك ، او يغيّروا التعريف بان يقولوا : وهو تمييزه لا يحتمل النقيض.

او صفة ينجلي بها امر معنويّ لمن قامت به : هذا التعريف اورده بعض القائلين بالوجود الذهنيّ وجعلوه تعريفا للعلم اليقينيّ. والاعتراض بلزوم عدم كون شيء من التصوّر والتصديق علما ، لازم عليهم : كما في الشرح الجديد ل : «التجريد» (١).

ومعلوميّته ممّا علم به : وكان ينبغي ان يؤخّر هذا الكلام عن قوله : «وامتناع النقيض ـ الى آخره ـ» ؛ كما لا يخفى.

لا يوجب دورا ، ولا بداهة : وفي هذا الكلام تعريض ب : «الحاجبيّ» ؛ فانّه كان ينبغي ان يجعل الجوابين ، جوابا واحدا الى مغايرة التصوّر والحصول ، وعدم الملازمة بينهما.

انّ كلام «الحاجبيّ» هكذا : «و [امّا] العلم ؛ [فقيل] : لا يحدّ. فقال «الامام» (٢) و

__________________

(١) شرح تجريد العقائد / ٢٥٠.

(٢) امام الحرمين ابو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينيّ. ولد سنة ٤١٩ وتوفّي سنة ٤٨٧ من الهجرة. من مصنفاته : الشامل في اصول الدين.

٣٠

[«الغزّاليّ» (١)] ـ لعسره ـ (٢) : [فليميّز بالتقسيم. وقال قوم : متعذّر] من وجهين (٣) :

احدهما : انّ غير العلم (٤) لا يعلم الّا بالعلم ، فلو علم العلم بغيره ، لكان دورا.

اجيب (٥) : بأن توقّف تصوّر غير العلم ، على حصول العلم بغيره ، لا على تصوّره ؛ [ولا يتوقّف حصوله على تصوّره] ؛ فلا دور.

والثاني : انّ كلّ حدّ يعلم وجوده ضرورة.

واجيب : (٦) بانّه [يجوز ان يحصل ضرورة ، ولا يتصوّره. و] لا يلزم من حصول امر ، تصوّره [ضرورة] ، او تقدّم تصوّره» (٧).

اذ حصول الشيء غير تصوّره : فلا دور ولا بداهة.

وامتناع النقيض : اشارة [الى] احد الاعتراضين على الحدّ الثاني ؛ لخروج العلوم العاديّة والحسّيّة.

لعادة : لانّ الجبل ـ مثلا ـ اذا علم بالعاديّة ، انّه حجر ، يستحيل ان يكون ـ حينئذ ـ ذهبا بالضرورة. والمراد من معنى التجويز العقليّ : لو قدّر نقيضه ، لم يلزم منه محال لنفسه محتملة.

__________________

(١) حجّة الاسلام ابو حامد محمّد بن محمّد الغزّاليّ الطوسيّ. ولد سنة ٤٥٠ وتوفّي سنة ٥٠٥ من الهجرة ، له تصانيف ؛ منها : المستصفى ، المنخول ، احياء العلوم ، المنقذ من الظلال ، مقاصد الفلاسفة و...

(٢) المستصفى ١ / ٢٥ ، البرهان / ٧.

(٣) في المصدر : وجوه.

(٤) في المصدر : انّ ما سوى العلم.

(٥) في المصدر : وردّ.

(٦) في المصدر : وردّ.

(٧) منتهى الوصول والامل / ٤.

٣١

قد تظنّ : فيه تعريض ب : «العلّامة» ـ طاب ثراه ـ (١) حيث قال في «النهاية» : «انّ التجويز مناف للجزم» (٢).

منافاة مطلق التجويز ، الجزم : لانّ تجويز النقيض ، لا يجامع الجزم بعدمه. ويؤيّد تجويزه : انّ سبب العلم العاديّ استمرار العادة وعدم خرقها ؛ لكنّها قد انخرقت مرارا كثيرة بمعجزات الانبياء ، وكرامات الاولياء ، ودعوة اهل الدعاء ؛ فلم يبق لنا وثوق بانّها لا تنخرق فيما بعد. واذا جاز انقلاب العصا ، حيّة بمعجزة نبيّ (٣) ، جاز انقلاب الحجر ذهبا بكرامة وليّ. نعم ؛ لنا ظنّ قويّ متاخم للعلم بعدم وقوع ذلك في هذا الوقت. ولشدّة قرب هذا الظنّ من العلم يحسبه علما ؛ كما قال بعض الحكماء في الحدسيّات والتجربيّات.

وفيه ما فيه : لانّ كلام هذا الظانّ يؤدّي الى عدم الجزم بالحسّيّات ؛ والبيان ، البيان.

ما زعمه «الحاجبيّ» : كلامه هكذا : «التصوّر الضروريّ ما لا يتقدّمه تصوّر يتوقّف عليه ؛ لانتفاء التركيب في متعلّقة» (٤) ؛ انتهى. ولا يخفى : انّ تعليله ـ هذا ـ يعطي انّ البسيط لا يتوقّف تصوّره على تصوّر آخر ؛ وانّ المركّب يتوقّف.

بالرسم : فلم يكن تعريفه مطّردا.

عن الطلب : فلم يكن منعكسا. فيطلب مفرداته لتعرّف متميّزه ؛ وذلك حدّه.

__________________

(١) م ١ ، م ٢ : ـ طلاب ثراه.

(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ٣ / ب.

(٣) م ١ ، م ٢ : النبيّ.

(٤) كلام «الحاجبيّ» في «المنتهى» هكذا : «فالضروريّ من التصوّر ما لا يفتقر متعلّقه الى تقدّم تصوّر عليه ، وهو المفرد الّذي لا تركيب فيه ك : الوجود والشيء ؛ فلا يطلب بحدّ. والمطلوب بخلافه ، وهو ما كان مركّبا ؛ أي : يطلب بالحدّ.» منتهى الوصول والامل / ٥.

٣٢

ان امتنع نقيضه : انّما جعل المورد ، الذكر النّفسيّ ؛ دون الاعتقاد ، او الحكم ؛ ليتناول الشكّ والوهم ، ممّا لا اعتقاد ولا حكم للذهن فيه.

مطلقا : اي : في نفس الامر وعند الذاكر.

أو لا ولا : اي : أو (١) لا في نفس الامر ، ولا عند الذاكر.

__________________

(١) و : ـ او.

٣٣

فصل

[في الجزئيّ والكلّيّ والنسب الاربع]

ممتنع الصدق على كثرة ، جزئيّ ؛ وجايزه ، كلّيّ.

فان فارق آخر بلا مصادقة ، فمتباينان ؛ وبالعكس متساويان ، كنقيضيهما ؛ ومعها من واحد ، اعمّ واخصّ مطلقا ، بعكس نقيضيهما ؛ ومنهما من وجه ، وتباين نقيضيهما جزئيّ ؛ كالاوّلين.

______________________________________________________

ممتنع الصدق : المراد ، امتناع الصدق على كثرة بالذات ، لا بالعرض ؛ فلا يلزم ان يكون اللاشيء واجتماع النقيضين ـ مثلا ـ جزئيّا ؛ لانّ امتناع صدق كلّ منهما على الكثرة ، انّما هو بالعرض ؛ والممتنع بالذات ، هو وجود كلّ منهما.

فان فارق آخر : اي : فاذا قيس الى آخر ، فان فارقه (١) اي : الكلّيّ ، او الاعمّ منه

__________________

(١) و : فارق.

٣٤

ومن الجزئيّ ؛ وعلى التقديرين ، فالمراد بالآخر ، احدهما. ومرجع الاحتمالات الى ثلاثة :

والاوّل : هو المتعارف الّذي يجري فيه النسب الاربع.

والثاني : ـ اعني : مقايسة الكلّيّ الى الجزئيّ ـ لا يجري فيه الّا التباين والعموم المطلق ؛ ك : الصاهل وزيد ، وبعض الانسان وعمرو.

والثالث : ـ اعني : مقايسة الجزئيّ الى مثله ـ لا يجري فيه الّا التباين والتساوي ك : زيد وعمرو ، وهذا الضاحك وهذا الكاتب ؛ عند الاشارة بهما الى ذات واحدة.

وقد يقال في وجه تخصيص بحث النسب بالاول : انّ بحث القوم عن الجزئيّ استطراديّ ؛ لانّه ليس كاسبا ولا مكتسبا ؛ وهو كما ترى. وبعضهم علّل ذلك : بانّ الجزئيّ لا يحمل على مثله ؛ ولا على الكلّيّ ؛ والبحث فيه مشهور.

فمتباينان : مرجعهما الى سالبتين كلّيّتين.

وبالعكس : اي : ان صادق آخر (١) بلا مفارقة. والمرجع ـ هنا ـ (٢) الى موجبتين كلّيّتين ؛ ك : الانسان والناطق.

ومعها : اي : ومع المصادقة من جانب واحد.

اعمّ واخصّ مطلقا : والمرجع (٣) الى موجبة كلّيّة وسالبة جزئيّة.

ومنهما : عطف على قوله : «من واحد». والمرجع (٤) الى سالبتين جزئيّتين وموجبة جزئيّة ؛ ك : الحيوان والابيض.

وتباين نقيضيهما جزئيّ : المراد بالتباين الجزئيّ ، التفارق في الجملة ؛ وهو :

__________________

(١) ل : ـ آخر.

(٢) د ، م ١ ، م ٢ : هاهنا.

(٣) ل ، م ١ ، م ٢ : مرجعهما.

(٤) م ١ ، م ٢ : مرجعهما.

٣٥

معنى شامل للعموم من وجه والمباينة ؛ ك : اللاابيض واللاانسان ، واللاحيوان والانسان. فانّ بين الاوّلين عموما من وجه ، وبين الاخيرين (١) تباينا.

كالاوّلين : وهما المتباينان ك : الانسان والفرس ، والموجود والمعدوم. فانّ بين نقيضي الاوّلين ، عموما من وجه ، وبين نقيضي الاخيرين ، (٢) تباينا كلّيّا.

__________________

(١) م ١ ، م ٢ : الآخرين.

(٢) ل ، م ١ ، م ٢ : الآخرين.

٣٦

فصل

[في الذاتيّ والعرضيّ]

ذاتيّ الماهيّة : ما لا يمكن فهمها قبله ، او ما ثبت لها بلا علّة ، او ما تقدّمها تعقّلا.

والعرضيّ بخلافه.

وجزءها المشترك بين مختلفي الحقيقة جنس ؛ والمميّز فصل ؛ والمركّب منهما نوع اضافيّ ؛ ومتّفق الآحاد في الحقيقة ، حقيقيّ. والجنس الوسط ، نوع بالاوّل ؛ والبسيط ، بالثاني. والخارج عنها كالاخير ، خاصّة ؛ وكالاوّل (١) ، عرض عامّ. وكلّ ان امتنع فراقه ، فلازم لها ، او لوجودها ؛ والّا ، فمفارق.

______________________________________________________

ذاتيّ الماهيّة : اي : يحمل ذاتيّ الماهيّة عليها ؛ ك : حمل الحيوان الّذي هو ذاتيّ الانسان عليه ؛ فيقال : «الانسان حيوان» ؛ وكذا الناطق ؛ بخلاف المضايف ؛ فانّه ليس فيه حمل ؛ فانّه لا يقال : «الابوّة بنوّة» ؛ لما بينهما من المغايرة.

__________________

(١) م ٢ : + هو.

٣٧

ما لا يمكن فهمها قبله : ك : اللونيّة للسواد ، والجسميّة للانسان ؛ بخلاف الضحك للانسان ، والزوجيّة للاربعة (١) : فخرجت اللوازم ك : الفرديّة للثلاثة ، والزوجيّة للاربعة ؛ اذ فهمها قبل فهمها ؛ ولكن يبقى المضايف. ويمكن (٢) اخراجه : بانّ المراد بالموصول ، المحمول.

وبعضهم اخرجه : بانّ المراد : انّه لا يمكن ثبوت الذات في العقل مع ارتفاعه عنه ؛ اي : يكون رفعه عين رفع الذات ، وليس المضايف كذلك ؛ لمغايرة ارتفاعه ، ارتفاع ملزومه ؛ وان تلازما ذهنا وخارجا. وانت خبير بانّه تأويل بعيد. و «الحاجبيّ» ابدل لفظ «يمكن» ب : «يتصوّر» (٣).

وقال بعضهم (٤) : مراده ما لا يمكن ان يتصوّر كون الذات حاصلة في العقل بالكنه ، ولا يكون هو حاصلا فيه ؛ وعلى هذا ـ ايضا ـ لا يخرج المضايف الّا بما مرّ.

او ما ثبت لها بلا علّة : لثبوت الحيوان ، والنطق ، والانسان. فانّهما ذاتيّان بلا علّة وواسطة ، بخلاف الضحك ؛ فانّه ثابت له بعلّة وواسطة في التعجّب.

والمميّز فصل : هو للمميّز مقوّم ، وللمميّز عنه مقسّم ، ويتعاكسان نزولا وعلوّا.

نوع بالاوّل : اي : بالمعنى الاوّل.

بالثاني : اي : بالمعنى الثاني.

والخارج عنها : اي : عن الماهيّة.

كالاخير : اي : متّفق الآحاد.

خاصّة : لا يخفى : انّ هذا التعريف ليس شاملا لخاصّة الاجناس ـ ك : الماشي ـ

__________________

(١) م ١ ، م ٢ : ـ بخلاف الضحك للانسان ، والزوجيّة للاربعة.

(٢) ل : فيمكن.

(٣) منتهى الوصول والامل / ٦.

(٤) حاشية السيّد الشريف على شرح مختصر المنتهى ١ / ٧١.

٣٨

كما لا يخفى.

كالاوّل : اي : مختلف الآحاد.

لوجودها : سواء كان وجودا خارجيّا ـ ك : التحيّز للجسم ـ او ذهنيّا ـ ك : الكلّيّة للانسان ـ والاوّل لازم للخارجيّ لا للذهنيّ. والثاني ، بالعكس.

٣٩

فصل

[في الحدّ والرسم]

الحدّ ـ عندنا ـ : ما يميّز الشيء عن غيره مطّردا ومنعكسا. فان أنبأ عنه بذاتيّاته ، فحقيقيّ ؛ او بلازمه ، فرسميّ ؛ او بمرادف اجلى ، فلفظيّ.

وعند غيرنا : ما يميّزه بفصله مع جنسه القريبين ، او خاصّته معه ، حدّ ، او رسم تامّان ؛ وبدونه ناقصان.

وصورة الحقيقيّ جنس قريب ، ثمّ فصل.

ولا يكتسب ببرهان ؛ والّا ، دار ، او حصّل الحاصل.

امّا في التصديق ، فيراد حال النسبة ؛ لا تعقّلها.

______________________________________________________

عندنا : اي : عند (١) الاصوليّين.

__________________

(١) د : ـ عند.

٤٠