الشيخ بهاء الدين محمّد بن حسين العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البشير
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8373-07-8
الصفحات: ٤٨٦
من اتّصافه بمبدإ الاشتقاق.
وجعلهم الوجوب من الكلام النفسيّ : لانّ (١) الوجوب حكم ، والحكم خطاب الله ـ تعالى (٢) ـ وخطابه (٣) كلامه النفسيّ.
والحقّ ، انّ للبحث مجالا : اي : في هذه الادلّة والالزامات. كأن يقال : اللغة ليست (٤) مبنيّة على امثال هذه التدقيقات ؛ بل ، مبناها على الظواهر. واللغويّون لم يتفطّنوا لعينيّة الصفات ، ولا لعينيّة الوجود للماهيّة (٥) ، ولا لقيام الصوت بالهواء ، وغير ذلك ؛ وكلامنا انّما هو على عرفهم ؛ لا على ما هو الواقع في نفس الامر.
__________________
(١) و : بانّ ، ل ، م ١ ، م ٢ : فانّ.
(٢) و ، م ١ ، م ٢ : ـ تعالى.
(٣) ل : الخطاب.
(٤) م ١ ، م ٢ : غير.
(٥) م ١ ، م ٢ : للماهيّة.
المطلب الثالث :
في المبادي الاحكاميّة.
الحكم الشرعيّ : طلب الشارع من المكلّف ، الفعل ، او تركه ، مع استحقاق الذمّ بمخالفته ، وبدونه ، او تسويته بينهما لوصف مقتضي لذلك ؛ فعلمت الاحكام الخمسة بحدودها.
والوضعيّ ليس حكما ؛ بل ، مستلزم له.
ولا مانع من طلب الترك ؛ واثر القدرة ، الاستمرار عليه. والطلب في التمرينيّ راجع الى الوليّ. ومكروه العبادة من المندوب ، لا منه ؛ لرجحانه ، او منه ، بارجاعها الى وصف خارج. وتسديس القسمة به تعسّف.
______________________________________________________
مع استحقاق الذمّ بمخالفته : اشارة الى الوجوب والحرمة.
وبدونه : اشارة الى الندب والكراهة.
او تسويته بينهما : عطف على طلب الشارع ؛ اشارة الى الاباحة.
لوصف : المراد به : الحسن والقبح في الاحكام الخمسة ، العقليّين ؛ كما هو
مذهب المعتزلة (١).
مقتضى لذلك : ليس هذا القيد للاخراج ولا للادراج ؛ بل ، لوجوه واعتبارات ؛ كما هو ثالث المذهبين (٢).
بحدودها : الباء للسببيّة.
والوضعيّ : اي : الخطاب الوضعيّ ـ ك : الدلوك لوجوب الصلاة ، وامثالها ـ ممّا لم يتعلّق بها تكليف ، وجعلها الشارع شرطا للفعل.
ليس حكما : كما عليه جماعة من الاصوليّين.
ولا مانع من طلب الترك : دفع لما يقال : انّ النهي غير داخل في الاحكام ؛ اذ لا معنى لطلب الترك ؛ لانّه عدم محض ؛ وهو ازليّ ، غير مقدور للقيد ؛ فلا يكون النهي من الاحكام.
والطلب في التمرينيّ : دفع لما يقال : انّ التمرينيّ ليس فيه طلب ؛ لانّ الطلب من الطفل ليس حقيقة ؛ فلا يصحّ دخوله في الواجب ؛ مع انّكم جعلتموه قسما منه ؛ فلا يكون تعريف الواجب مانعا.
راجع الى الوليّ : فانّه ، هو المأمور بتمرين الطفل ؛ فلا ينقض طرد الحدّ به.
ومكروه العبادة : هذا يتمشّى في العبادة المندوبة ؛ ك : الصوم المندوب في السفر. والواجبة ـ ك : اليومية في الحمّام ـ فهل داخلة في الواجبة؟
من المندوب : هذا على تقرير ان تكون العبادة مستحبّة ؛ ك : مسنون الصوم في السفر.
__________________
(١) كشف المراد / ٣٢٨ ـ ٣٢٧.
(٢) و : ـ بل ، لوجوه ... المذهبين.
لرجحانه : الّا انّه اقلّ ثوابا ؛ لكن يرد عليه : انّ الصلاة في البيت ـ مثلا ـ يلزم ان يكون مكروها ؛ لانّه اقلّ ثوابا بالنسبة الى الصلاة في المسجد. و ـ ايضا ـ الرواية واردة على انّ الصوم المندوب في السفر محبوبة ؛ والاولى تركها (١). فلو كان بهذا المعنى ، ينبغي ان يكون محبوبة ، ولا يكون تركها اولى.
او ، منه : هذا على تقرير كون العبادة ، واجبة ؛ ك : صلاة الظهر في الحمّام.
بارجاعها الى وصف خارج : اي : بارجاع كراهة العبادة الى وصف خارج عن العبادة ؛ كما في الصلاة في الحمّام. فانّ الكراهة فيها انّما هي باعتبار الوصف الخارج عنها ؛ وهو كونها في الحمّام من حيث وقوعها فيه. فالصلاة في الحمّام ، وان كانت من حيث نفسها واجبة ، لكنّها من حيث وقوعها في الحمّام مكروهة ؛ بمعنى : انّ الصلاة مع هذا الوصف الخارج ، اقلّ ثوابا. وكذا القول في صوم المسافر ؛ فيكون الصوم مكروها مجازا.
تسديس القسمة به : بزيادة قسم آخر ؛ وهو الاقلّ ثوابا.
__________________
(١) وسائل الشيعة ٧ / ١٤٣ ب ١٢.
فصل
[في حدّ الحكم]
«الغزّاليّ» : الحكم : خطاب الله المتعلّق بافعال المكلّفين (١).
وقد ينقض عكسه بالخواصّ من جهتين. وطرده ، بقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٢) ؛ بل ، انطباق الحدّ عليها اظهر ؛ لمشاركتها له في الاشعار الظاهريّ بالعمومين ؛ ولذلك استدلّوا بها على خلق الاعمال.
وقد يذبّ عن العكس : ب : انّ التعلّق بالغير في التخصيص ملحوظ ؛ والجنسيّة من الجمعين مقصودة. وعن الطرد : ب : انّ حيثيّة التكليف معتبرة.
ويخدشه التعدّد ، والتجوّز ، واعتبارها في الآية ، لتضمّنها الانكار عليهم في عبادة ما ينحتون.
ثمّ ، سوقها ظاهر في ارادة خلقه ـ سبحانه ـ جوهر الصنم (٣) ـ وهو المعمول ـ فلا
__________________
(١) المستصفى ١ / ٥٥.
(٢) الصافّات / ٩٦.
(٣) م ٢ : + نحو : الحجر والخشب.
يتمّ استدلالهم بها على خلق العمل.
ودعوى «البيضاويّ» (١) الاولويّة ، غير مسموعة. والتوقّف لا يوجبها ؛ كما في القدرة والمقدور.
______________________________________________________
خطاب الله : الخطاب ـ لغة ـ توجيه الكلام نحو الغير للافهام. وقد صرّح «الآمديّ» (٢) وغيره (٣) من علماء الاصول بنقله الى : الكلام الموجّه. فقول «الأبهريّ» (٤) : «لا حاجة الى النقل» (٥) ، لا وجه له. وانتحال بعض المتأخّرين كلامه ـ مع فساده ـ والردّ به على «المحقّق الشريف» ، عجيب.
وقد ينقض عكسه بالخواصّ من جهتين : ك : وجوب قيام الليل عليه ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ (٦) والجهتان : وحدة الفعل ، ووحدة المكلّف. بل ، بغير الخواصّ ـ ايضا ـ ك : الصلاة ، والصوم ، والحجّ ؛ اذ لم يتعلّق الخطاب فيها بكلّ الافعال ؛ كما هو مدلول الجمع المضاف ؛ لكنّ النقض ـ هنا ـ من جهة واحدة ؛ لا من جهتين.
بقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٧) : لنا في هذه الآية كلام طويل
__________________
(١) تفسير البيضاويّ ٣ / ٤٦٤.
(٢) الاحكام في الاصول الاحكام ١ / ١٣٦.
(٣) البحر المحيط في اصول الفقه ١ / ١٢٦ ، مناهج العقول ١ / ٤١ ، شرح مختصر المنتهى ١ / ٧٩.
(٤) سيف الدين احمد الأبهريّ ؛ من اعلام القرن الثامن الهجريّ. من مصنفاته : حاشية على شرح مختصر المنتهى.
(٥) حاشية الابهريّ على شرح مختصر المنتهى / الورقة ١٠٧ / الف.
(٦) د ، و : ـ وسلم.
(٧) الصافّات / ٩٦.
اوردناه في حواشي شرح «العضديّ» ؛ فليطلب هناك (١).
في الاشعار الظاهريّ : انّما قال : «الظاهريّ» ؛ لانّ اشعار ضمير الجمع بالعموم ، انّما هو بحسب الظاهر.
بالعمومين : اي : عموم المخاطبين وعموم الموصول.
وقد يذبّ : الذبّ عن العكس من خواصّنا ؛ وكذا خدشه. والذبّ عن الطرد من خواصّ «العضديّ» (٢) ، وخدشه من خواصّنا.
بـ : انّ التعلّق بالغير في التخصيص : اي : تخصيص النبي صلىاللهعليهوآله ملحوظ ؛ فيكون الخطاب معلّقا بكلّ المكلّفين ؛ لكن بالنسبة الى النبي صلىاللهعليهوآله اثباتا ، وبالنسبة الى الغير نفيا ؛ لكن انّما يدفع النقض من جهة عموم المكلّفين ؛ وبقي النقض من جهة عموم الافعال ؛ فيدفع بقصد الجنسيّة.
ملحوظ : اذ ملاحظة الاغيار في الخاصّة مأخوذة ؛ فصحّ التعلّق بالمكلّفين. واندفع النقض بها من احدى الجهتين (٣).
والجنسيّة من الجمعين مقصودة : كما قالوه في نحو : «زيد يركب الخيل» ؛ وفي قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ : يا مَرْيَمُ!)(٤) ؛ والمراد : «جبرئيل» عليهالسلام (٥) ؛ فاندفع النقض بالخاصّة من الجهة الاخرى.
ويخدشه : اي : يخدش الذبّ عن العكس والطرد.
__________________
(١) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.
(٢) شرح مختصر المنتهى ١ / ٨٠ ـ ٧٩.
(٣) و : الحيثيّتين.
(٤) آل عمران / ٤٥.
(٥) د : ـ عليهالسلام.
التعدّد : اي : تعدّد الحكم في الخواصّ. ففي اختصاصه صلىاللهعليهوآله (١) بالزيادة على الاربع حكمان : اباحة بالنسبة اليه ، وتحريم بالنسبة الى الامّة ؛ فعاد نقض العكس بها.
التجوّز : اذ تعريف الجمع للاستغراق ؛ وحمله على الجنس ، تجوّز.
واعتبارها في الآية : هذا خدش الذبّ عن الطرد. والاوّلان خدشة عن العكس.
في عبادة ما ينحتون : والآية حكاية عن قول «ابراهيم» عليهالسلام (٢) لقومه بعد كسره (٣) اصنامهم. وهي كذا : (قالَ : أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ؟ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٤).
سوقها ظاهر : هذا الكلام مذكور بالعرض.
ودعوى «البيضاويّ» : قال في تفسير قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ)(٥) : «اي : وما تعملونه. فانّ جوهرها بخلقه ، وشكلها ؛ وان كان بفعلهم. ولذلك جعل (٦) من افعالهم. فباقداره ايّاهم عليه وخلقه ما يتوقّف عليه فعلهم من الدواعي والعدد (٧). او عملكم ؛ بمعنى : معمولكم ، ليطابق وما تنحتون ؛ أو أنّه بمعنى : الحدث. فانّ فعلهم اذا كان بخلق الله ـ [تعالى] ـ فيهم ، كان مفعولهم المتوقّف على فعلهم اولى بذلك. وبهذا المعنى تمسّك اصحابنا على خلق الاعمال. ولهم ان
__________________
(١) م ٢ : عليهالسلام.
(٢) و : على نبيّنا وآله وعليهالسلام.
(٣) م ١ ، م ٢ : كسر.
(٤) الصافّات / ٩٦ ـ ٩٥.
(٥) الصافّات / ٩٦.
(٦) م ٢ : + الله.
(٧) د ، م ١ ، م ٢ : القدر عليه.
يرجّحوه على الاوّلين ، لما (١) فيهما من حذف او مجاز» (٢) ؛ انتهى كلامه. ومن تدبّره ، ظهر عليه ما فيه.
والتوقّف : وهو انّه اذا كان فعلهم مخلوقا له ـ تعالى ـ يكون ما يتوقّف على قولهم مخلوقا بالطريق الاولى ؛ فيكون «ابراهيم» ـ على نبيّنا [وآله] وعليهالسلام ـ اراد ان يبيّن لقومه مخلوقيّة الصنم لله ـ تعالى ـ بطريق اولى. وقد طوّل «صاحب الكشف» التشنيع على الاشاعرة في استدلالهم بهذه الآية على خلق الاعمال (٣). وغرض «البيضاويّ» ، الردّ عليه ؛ بل ، وعلى «الفخريّ» ـ ايضا ـ حيث قال : «الاولى ترك الاستدلال بهذه الآية على ذلك المطلب (٤)» (٥).
كما في القدرة والمقدور : فانّ القدرة بخلق الله. والمقدور الموقوف عليها يمكن ان يكون بعلمنا ؛ ك : الاحراق ؛ فانّه موقوف على الالقاء في النار ، مع انّ فاعل الاحراق هو النار.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : بما.
(٢) تفسير البيضاويّ ٣ / ٤٦٤.
(٣) الكشّاف ٤ / ٥٢ ـ ٥١.
(٤) في المصدر : «الاولى ترك الاستدلال بهذه الآية ؛ والله اعلم».
(٥) التفسير الكبير ٢٦ / ١٥٠.
تتمّة
لو نقض طرد الحدّ بعد تحييثه باخيرتي «الزلزال» ، لكان اظهر ؛ لصراحة الوعد والوعيد ، وارادة المكلّفين بذلك الخطاب. ان اصلحت الطرد ، افسدت العكس بالاباحة ؛ كزيادة الاقتضاء والتخيير.
ان حكم بحكميّة الوضعيّ ، فيضاف : «او الوضع».
ومن ارجعه اليهما ، اسقطه ، ولم يخصّ الاوّل بالصريح ؛ بل ، عمّم بما يشمل الضمنيّ ؛ فيرد عليه النقض بكثير من الآيات ؛ كما يرد على المخصّص ، النقض بآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً)(١) ؛ لصراحتها في التحريم.
والحقّ ادراجها في الحكم. والإجماع على خلافه لم يثبت.
______________________________________________________
باخيرتي الزلزال : اي (٢) الآيتين الاخيرتين من سورة «الزلزال» ؛ وهما قوله ـ تعالى ـ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً ، يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا ، يَرَهُ)(٣) ؛ الآية.
__________________
(١) النساء / ٩٣.
(٢) م ١ ، م ٢ : ـ اي.
(٣) الزلزلة / ٨ ـ ٧.
بذلك الخطاب : لاخراج تلك الآيتين ، وأشباههما.
ان اصلحت الطرد ، افسدت العكس : اي : فتخرج الآيتان. وانّما عبّر بلفظة «ان» ؛ لانّه يمكن ان يقال : انّ فيهما تكليفا بعمل الخير واجتناب الشرّ ؛ فلم يخرجا.
بالاباحة : اذ (١) لا تكليف بخطابها.
كزيادة الاقتضاء والتخيير : اي : كما انّ زيادة الاقتضاء والتخيير في التعريف يفسده ؛ بعكسه بخروج الحكم الوضعيّ ، فيحتاج الى قولنا : «او الوضع».
فيضاف : ليستقيم العكس.
ومن ارجعه اليهما : اي : الى الاباحة والتخيير.
اسقطه : اي اسقط لفظ : «او الوضع».
ولم يخصّ الاوّل : اي : الاقتضاء.
فيرد عليه النقض : اي : على من زعم.
كما يرد على المخصّص ، النقض : الّذي خصّص الاقتضاء بالصريح.
بآية : «ومن يقتل مؤمنا» : الآية هكذا : «ومن يقتل مؤمنا متعمّدا ، فجزاؤه جهنّم خالدا فيها» (٢) ؛ الآية.
والحقّ ادراجها : اي : الآية الدالّة على الاقتضاء ؛ سواء كان صريحا ، او ضمنيّا ؛ فاندفع النقض.
والاجماع على خلافه : اي : على خلاف الادراج.
لم يثبت : اي : عدم كون هذه الآيات حكما.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : و.
(٢) النساء / ٩٣.
فصل
[في الحسن والقبح]
استحقاق المدح على العدل والاحسان ، والذمّ على الظلم والعدوان ضروريّ ؛ يشهد به الوجدان ؛ ويحكم به نقاة الاديان. ومن قصر الحسن والقبح على صفة الكمال ، وموافقة الغرض ، ونقيضيهما ، وانكرهما في المذكورات ـ بالمعنى المتنازع (١) ـ فقد كابر مقتضى عقله.
والتخالف ينفي ذاتيّتهما ؛ كجمع النقيضين. وارتكاب اقلّ القبيحين مدخول. وشرعيّتهما تنفي الوثوق بالوعد والوعيد ، وتفحم النبي بعد رؤية معجزته ؛ بتجويز تمكين الكاذب منها.
والحوالة على (٢) العادة باطلة. ولو تمّ الاضطرار ، لجرى في الواجب ؛ تعالى (٣). ولو قدّمت القدرة ، فالتعلّق حادث. ولا ينافي الوجوب بالارادة ، الاختيار. ونفي التعذيب قبل البعثة للعفو. وامتناع القبيح لصارف ، لا ينبغي القدرة عليه.
__________________
(١) م ٢ : + فيه.
(٢) م ١ : الى.
(٣) د ، م ١ ، م ٢ : ـ تعالى.
استحقاق المدح على العدل والاحسان ، الذمّ على الظلم والعدوان : الحسن والقبح بهذا المعنى ، هو المتنازع فيه بيننا وبين الاشاعرة. و (١) اما المعنيان الاخيران ، فلا خلاف لهم في عقليّتهما. ومتى ثبت الحسن والقبح في هذه الصورة الجزئيّة ـ اعني : العدل والظلم بالمعنى المتنازع فيه ـ لزمهم الاعتراف ببطلان مذهبهم ؛ اذ نحن وهم ، متّفقون على عدم التبعيض.
ضروريّ : اي : من غير نظر الى ورود الشرع.
وموافقة الغرض : ليس المراد ، غرض الفاعل وحده ؛ بل ، غرضه وغرض غيره ؛ كما في «المواقف» وغيره (٢). وكلام «العضديّ» في الشرح (٣) يخالف كلامه في «المواقف» ، حيث خصّه بغرض الفاعل ؛ اتّباعا لما يعطيه كلام «الحاجبيّ» (٤).
وانكرهما : اي : الحسن والقبح.
في المذكورات : العدل والاحسان ، والظلم والعدوان.
والتخالف : اي : في الفعل الواحد ؛ بان يكون حسنا تارة ، وقبيحا اخرى.
ينفي ذاتيّتهما : اي : ينفي كون الحسن والقبح ذاتيّين للفعل ؛ سواء اسند (٥) الى نفس (٦) الذات ، او الى صفة لازمة لها.
كجمع النقيضين : اشارة الى الاستدلال على نفي كونهما ذاتيّين ب : انّ من قال : «اكذب غدا» ، لو صدق احد كلاميه ـ اليوم ، او الغدا ـ لكان حسنا ؛ لصدقه ، وقبيحا ؛
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : ـ و.
(٢) شرح المواقف ٨ / ٢٠٣ ، شرح المقاصد ٤ / ٢٨٢.
(٣) شرح مختصر المنتهى ١ / ٧٠.
(٤) منتهى الوصول والامل / ٢٩.
(٥) و ، م ١ ، م ٢ : استند ، ل : مستند.
(٦) م ٢ : ـ نفس.
لاستلزامه الكذب ؛ فيجتمع النقيضان. وكذا لو كذب لتخليص نبيء ، يكون كذبه متّصفا بالحسن والقبح معا.
لا يقال : لا مانع من اجتماعهما اذا كان احدهما بالذات ، والآخر بالعرض ؛ كما يقال : «زيد (١) حسن الذات ، قبيح الغلام» ، و «عمرو قبيح الذات ، حسن الغلام» (٢) ؛
لانّا نقول : الوصف بالعرض ليس وصفا لازما للذات. ألا ترى انّ حسن الغلام وقبحه ، ليس صفة لازمة للسيّد؟! فرجع الى الوجوه والاعتبارات.
وارتكاب اقلّ القبيحين : اي : (٣) احدهما الكذب ، والثاني عدم تخلّص النبي. هذا (٤) جواب عمّا اشتهر من : انّ الكذب لتخليص النبي (٥) ، باق على قبحه.
وتقريره : انّ الكذب ـ حينئذ ـ واجب ، فيكون حسنا ؛ مع انّه قبيح.
ولا يخفى عدم ورود هذه الامور على القول ب : انّ الحسن والقبح ليسا ذاتيّين ؛ بل ، لوجوه واعتبارات.
مدخول : لانّ تخلّص النبي ـ بالاجماع ـ واجب.
وشرعيّتهما تنفي الوثوق : لانّه ، اذا انحصر القبح في الشرعيّ ، لم يجزم بعدم صدور الكذب وتمكين الكاذب من المعجزة ؛ لانّه ، اذا لم يقبح منه ـ تعالى ـ شيء ، جاز صدورهما عنه ـ جلّ شأنه ـ فيلزم المحذوران.
فان قالوا : صدورهما نقص ، فيمتنع اتّصافه (٦) به ؛
__________________
(١) ل : انّه.
(٢) د ، و ، م ١ ، م ٢ «عمرو حسن الغلام ، قبيح الذات ،.
(٣) د ، و ، م ١ ، م ٢ : ـ اي.
(٤) د : ـ هذا.
(٥) م ١ ، م ٢ : + صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٦) ل : الصاقه.
قلنا : هو فعل ؛ لا صفة. وقد اعترف محقّقوكم ؛ ب : انّ النقص في الافعال يرجع (١) الى القبح العقليّ ؛ كما في «المواقف» وغيره (٢) ؛ فلا تغفل!
وتفحم : عطف على قوله : «تنفي».
بتجويز : (٣) متعلّق بقوله : «تفحم» ؛ والباء للسببيّة.
الحوالة على العادة : قالوا : اجرى الله ـ تعالى (٤) ـ عادته بعدم اظهار المعجزة على يد الكاذب.
قلنا : لا عادة في الاوّل ، فجاز كذبه ؛ وكذا الثاني ؛ والثالث ؛ وهكذا.
وربّما قالوا : انّ عدم اظهار المعجزة على يد الكاذب ، لم يعلم من القبح العقليّ (٥) ؛ بل ، من مدرك آخر ؛ وهو كونه صفة نقص.
قلنا : لا معنى لكون الفعل صفة نقص ، الّا قبحه العقليّ ؛ كما اعترف به محقّقوكم.
ولو تمّ الاضطرار ، لجرى في الواجب : جواب عن قولهم : انّ العبد مضطرّ في فعله ، فلا يكون حسنا ، ولا قبيحا ؛ لانّه ، ان تعلّق علم الله ـ تعالى (٦) ـ بوقوعه ، وجب ؛ او بعدمه ، امتنع ؛ او نقول ان لم يتمكّن من الترك ، فالفعل اضطراريّ ؛ وان جاز وجوده وعدمه ، احتاج الى مرجّح ؛ ومعه يقال : ان كان الفعل ـ الى آخره ـ يلزم التسلسل ؛ وان لم يحتجّ الى مرجّح ، فهو اتّفاقيّ ، صادر بلا سبب يقتضيه ؛ فلا يكون اختياريّا ؛ اذ لا بدّ في الاختياريّ من ارادة مرجّحة.
__________________
(١) د ، و : راجع.
(٢) شرح المواقف ٨ / ٢١٣.
(٣) و : + قوله : «بتجويز».
(٤) ل ، و ، د : ـ تعالى.
(٥) م ١ ، م ٢ : من العقل.
(٦) د ، م ١ ، م ٢ : ـ تعالى.
والجواب التفصيليّ (١) عن هذين الدليلين (٢) مذكور في حواشينا (٣) على شرح «العضديّ» بما لا مزيد عليه ؛ فليطلب من هناك.
ولو قدّمت القدرة : وقلتم : انّ القديم لا يحتاج الى مرجّح مجدّد.
فالتعلّق : اي : تعلّقها بالمقدور.
ولا ينافي الوجوب : اشارة الى ما اجاب به «العلّامة» ـ طاب ثراه (٤) ـ في «النهاية» (٥) عن دليلهم الثاني على الاضطرار ؛ وتقريره : «انّا نختار ـ انّه لا يتمكّن من الترك ـ قولكم (٦) : يلزم الاضطرار ؛ قلنا : ممنوع ؛ فانّه (٧) انّما يلزم ، اذا لم يكن له اختيار ؛ امّا (٨) اذا كان صدور الفعل عن الاختيار ، فلا اضطرار ؛ اذ لا منافات بين وجوب الفعل حالة (٩) الاختيار ، وامكانه قبل ؛ فانّ القدرة والارادة اذ اجتمعتا ، وجب الفعل».
ونفي التعذيب : جواب عن استدلالهم بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١٠) ، حيث قالوا : لو كان مدرك الحسن والقبح ، العقل ، لزم التعذيب قبل البعثة.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : ـ التفصيليّ.
(٢) م ١ ، م ٢ : ـ الدليلين.
(٣) مع بذل جهدي ـ الى الآن ـ لم نعثر على نسخة منها.
(٤) د : ـ طاب ثراه.
(٥) نهاية الوصول الى علم الاصول / الورقة ١٠ / الف.
(٦) في المصدر : قوله.
(٧) م ٢ : وانه.
(٨) د ، و : و.
(٩) م ١ : فانّه ، م ٢ : بعد.
(١٠) الاسراء / ١٥.
وتقرير الجواب : انّه ـ سبحانه (١) ـ نفي التعذيب ؛ لا استحقاقه. فلعلّ حكمته ـ تعالى ـ اقتضت وجوب العفو ؛ ما لم يتعاضد العقل والسمع.
وقد يجاب : ب : انّ المراد عدم التعذيب على ما لا يستقلّ العقل بادراك العقل ـ ك : صوم العيد ؛ مثلا ـ لكنّ الاوّل اولى.
وامتناع القبيح لصارف : جواب عن قولهم : الحسن والقبح العقليّ (٢) ينفي اختيار الواجب ـ تعالى ـ لانّ احد الحكمين ـ ك : التحريم والوجوب ؛ مثلا ـ اذا كان راجحا في العقل على الآخر ، يكون الحكم بالمرجوح قبيحا ؛ فلا يجوز صدوره عنه ـ تعالى ـ فيتعيّن (٣) عليه الحكم بالراجح ؛ فلا يكون مختارا.
وتقرير الجواب : انّ امتناع الحكم بالمرجوح للصارف ـ اعني : القبح العقليّ ـ لا يوجب عدم القدرة عليه ؛ وهذا ظاهر.
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : + وتعالى.
(٢) م ٢ : ـ العقليّ.
(٣) د ، و : فتعيّن.
مسألتان
[المسألة الاولى : في وجوب شكر المنعم].
الاولى : وجوب شكر المنعم عقليّ ؛ لأمن العقاب ، او زوال النعمة بتركه ـ وهو الفائدة ـ او استحقاق المدح ، او الزيادة ، او هو لنفسه.
ونقطع بعدم العقاب على شكر النعمة ؛ بل ، على كفرانها.
والقياس على اللقمة باطل ؛ لحقارتها بالنسبة اليهما معا ؛ فتطرّق الاستهزاء.
اما نعمه ـ سبحانه (١) ـ فهي ، وان حقرت عنده ـ تعالى ـ لكنّها عظيمة عندنا ؛ فترك شكرها كفران ؛ فبطل كلام «الحاجبيّ» (٢) «والفخريّ (٣)» (٤).
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : + وتعالى.
(٢) منتهى الوصول والامل / ٣٢ ـ ٣١.
(٣) د : ـ الفخريّ.
(٤) المحصول ١ / ٤٠.
[المسألة الثانية : في الاشياء الغير الضروريّة.]
الثانية : الاشياء الغير الضروريّة ، ممّا لا يدرك العقل قبحها ـ ك : شمّ الورد ـ قبل الشرع ، غير محرّمة عقلا ؛ إذ هي منافع بلا مفسدة.
والإذن في التصرّف معلوم عقلا ـ ك : الاستظلال بجدار الغير ـ وللعلم باستحقاق من اقتصر من التنفّس على اقلّ ما تحصل به الحياة ذمّا.
______________________________________________________
او زوال النعمة : عطف على العقاب ؛ اي : لأمن زوال النعمة.
وهو : اي : الأمن المذكور.
الفائدة : في ذكر هذه الفوائد ردّ لقولهم : لا فائدة في الشكر فيكون عبثا ؛ لانّها امّا ان تعود الى الله ـ تعالى ـ وهو ظاهر البطلان ؛ او الى العبد. فامّا في الدنيا ، وهو ـ ايضا ـ باطل ؛ اذ ليس في الشكر الّا المشقّة والتعب الحاضر ؛ او في الآخرة ، وهو باطل ـ ايضا ـ لانّ الامور الاخرويّة من المغيبات الّتي لا مجال للعقل فيها.
او الزيادة : اي : زيادة النعمة.
او هو لنفسه : اي : لم لا يجوز ان يكون الشكر واجبا لنفسه ـ بمجرد كونه شكرا ـ لا لشيء آخر؟ فانّه لا يلزم ثبوت الغاية لكلّ شيء ؛ والّا ، لزم التسلسل ؛ بل ، لا بدّ ينتهي الى ما يكون واجبا لذاته.
ونقطع بعدم العقاب على شكر النعمة : جواب عن قولهم : انّ في اداء الشكر خوف العقاب ؛ لانّه تصرّف في ملك الغير ـ اعني : نفس الشاكر ـ لانّه ملك الله ـ تعالى ـ ولم يرخّص ـ جلّ شأنه ـ في هذا التصرّف.
والقياس على اللقمة باطل : جواب عن قولهم : انّ شكر نعمه (١) ـ تعالى ـ من قبيل
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : نعمة الله.
الاستهزاء ؛ ك : فقير حضر مائدة سلطان عظيم الشأن ، فتصدّق عليه بلقمة ، فشرع ذلك الفقير بالثناء على ذلك السلطان ، والسجود له (١) ، واشاعة مدحه في المجامع لاجل انعامه بتلك اللقمة. ولا شك انّ ذلك يعدّ استهزاء بذلك (٢) الملك ؛ وانّ ذلك الفقير ، يستحقّ العقاب على ذلك الفعل.
بالنسبة اليهما : اي : الامير والفقير ؛ بل ، الى جميع اهل الدنيا.
لكنّها عظيمة عندنا ؛ فترك شكرها كفران : فالتمثيل المناسب لما نحن فيه ان يقال : اذا كان في زاوية الخمول ، وهاوية الذهول ، رجل كسير ، (٣) اخرس اللسان ، مشلول اليدين والرجلين ، فاقد السمع والبصر ، بل ، بجميع الحواسّ الظاهرة والمشاعر الباطنة ، فاخرجه الملك من تلك الهاوية ، وتلطّف (٤) عليه باطلاق لسانه ، وازالة شلل اعضائه ، ووهب له الحواسّ لجلب المنافع ودفع المضارّ ، ورفع رتبته وكرمه على كثير من اتباعه وخدمه ؛ ثمّ ، انّ ذلك الرجل بعد وصول (٥) تلك النعم الجليلة اليه ، وفيضان تلك التكريمات الجزيلة عليه ، طوى عن شكر ذلك الملك كشحا ، وضرب عنه صفحا ، ولم يظهر منه ما ينبئ عن الاعتناء بشيء من تلك النعم اصلا ؛ بل ، كان حاله قبلها ، كحاله بعدها من غير فرق بين وجودها وعدمها ؛ فلا ريب انّه مذموم بكلّ لسان ، مستحقّ للاهانة والخذلان.
قبل الشرع غير محرّمة : هذا مذهب جماعة من (٦) الاماميّة ؛ ك : «السيّد
__________________
(١) م ١ ، م ٢ : ـ له.
(٢) د : ـ بذلك.
(٣) د ، م ١ ، م ٢ : ـ كسير.
(٤) ل : عطف.
(٥) و : وصوله.
(٦) م ٢ : + الاصوليّين.