دروس في الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

ثم لا ريب (١) في قيام الطرق والأمارات المعتبرة ـ بدليل حجيتها واعتبارها ـ مقام هذا القسم (٢) ، كما لا ريب في عدم قيامها (٣) بمجرد ذلك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الصفتية من تلك الأقسام.

بل لا بد من دليل آخر (٤) على التنزيل ، فإن (٥) قضية الحجية والاعتبار ترتيب ما

______________________________________________________

فجميع الصور والاحتمالات في القطع المأخوذ في الموضوع هي اثنتان وثلاثون صورة. فما في «منتهى الدراية» من أنها أربع وستون صورة غير صحيح.

ثم الصحيحة منها اثنتا عشرة صورة ، والممتنعة منها عشرون صورة.

(١) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، الذي عرفت بعض الكلام فيه ـ وهو التعرض لبيان قيام الأمارات مقام بعض أقسام القطع ـ الفرق بين الطرق والأمارات : أن الطرق كثيرا ما تطلق على الأدلة المثبتة للأحكام الكلية كخبر الثقة مثلا ، والأمارات على الحجج المثبتة للموضوعات الخارجية كالبيّنة مثلا. وكيف كان ؛ فغرض المصنف من هذا الكلام هو : التعرّض لحكم من أحكام القطع وهو قيام الأمارات والأصول مقامه وعدم قيامهما مقامه.

(٢) أي : القطع الطريقي المحض ، فكما أنه إذا قطع بأن صلاة الجمعة واجبة وجب الإتيان بها ، كذلك إذا قام خبر الواحد على وجوبها وجبت ، وكما أنه لو علم بنجاسة مائع معين وجب الاجتناب عنه ، كذلك إذا قامت البيّنة على نجاسته وجب الاجتناب عنه ؛ إذ معنى جعل الطريق والأمارة بمنزلة القطع ترتيب آثار الواقع على مؤدياتهما ، فدليل اعتبارهما يجعلهما بمنزلة القطع الطريقي.

(٣) أي : الطرق والأمارات. هذا إشارة إلى ما تقدم من المقام الثاني وهو بيان عدم قيام الأمارات بنفس أدلة اعتبارها مقام القطع الموضوعي المأخوذ على وجه الصفتية ، فلا بد لإثبات قيامها مقامه من دليل آخر غير دليل اعتبارها. وقد تقدم وجه ذلك فراجع.

والمراد من الأقسام في قوله : «تلك الأقسام» هي الأقسام الأربعة للقطع الموضوعي.

(٤) يعني : غير دليل حجيتها ، حتى يدل ذلك الدليل الخاص على تنزيل الأمارات منزلة القطع الموضوعي على نحو الصفتية.

(٥) تعليل لقوله : «كما لا ريب في عدم قيامها» وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٨٧» ـ أن مقتضى دليل حجية الأمارة كون الأمارة كالقطع في الحجية التي لا تترتب إلا على حيثية طريقية القطع ؛ لا على حيثية كونه صفة من الصفات النفسانية ، فدليل الحجية قاصر عن إثبات جواز قيام الأمارات مقام القطع الموضوعي على وجه الصفتية.

٦١

للقطع بما هو حجة من (١) الآثار ، لا له بما هو صفة (٢) وموضوع ، ضرورة (٣) : أنه كذلك يكون كسائر الموضوعات والصفات.

ومنه قد انقدح : عدم قيامها بذلك الدليل مقام (٤) ما أخذ في الموضوع (٥) على نحو

______________________________________________________

(١) بيان للموصول في قوله : «ما للقطع».

(٢) أي : لا ترتيب ما للقطع بما هو صفة من الآثار ؛ بل ترتيب ما له بما هو كاشف من التنجيز والتعذير كما عرفت غير مرّة.

(٣) تعليل لعدم ترتيب آثار القطع بما هو صفة على الأمارات ، يعني : ضرورة : أن القطع بما هو صفة يكون كسائر الموضوعات والصفات في عدم حجيتها ومحرزيتها للواقع ، فإذا فرض أن الشارع أخذ العلم في موضوع جواز الشهادة بما هو صفة خاصة ؛ كما ورد عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، وقد سئل عن الشهادة أنه قال : «هل ترى الشمس ، على مثلها فاشهد أو دع». وفي موضوع حكم الركعتين الأوليين : العلم بما هو صفة خاصة أيضا ، فلا يقوم في هذين الموردين شيء من الأمارات أو الظنون مقامه إلا بدليل خاص ، كرواية حفص بن غياث الدالة على جواز الشهادة استنادا إلى اليد ، وهي من الروايات المشهورة ، رواها حفص بن غياث عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» ، قال له رجل : إذا رأيت شيئا في يد رجل أيجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال «نعم» قال الرجل : أشهد أنّه في يده ، ولا أشهد أنّه له ، فلعله لغيره ، فقال أبو عبد الله «عليه‌السلام» : «أفيحلّ الشراء منه؟» قال : نعم ، قال أبو عبد الله «عليه‌السلام» : «فلعله لغيره ، من أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ، تقول بعد الملك : هو لي وتحلف عليه ، ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك؟» ، ثم قال أبو عبد الله «عليه‌السلام» : «ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» (١). فالمستفاد من هذه الرواية : هو ثبوت التلازم بين جواز العمل وهو الشراء ، وبين جواز الشهادة ، فدلالة الرواية على جواز الاستناد إلى اليد في الشهادة واضحة.

(٤) أي : مما ذكرنا من عدم قيام الأمارات والطرق بمجرد دليل اعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية ؛ قد ظهر : عدم قيامها بذاك الدليل مقام ما أخذ في الموضوع على نحو الكشف والطريقية. هذا الكلام من المصنف إشارة إلى ما تقدم من المقام الثالث. وقد عرفت وجه ذلك ، فلا حاجة إلى الإعادة والتكرار.

(٥) يعني : ظهر عدم قيام الأمارات بمجرد دليل حجيتها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الكشف.

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٣ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٢ / ٣٣٧٨٠.

٦٢

الكشف ، فإن القطع المأخوذ بهذا النحو (١) في الموضوع شرعا كسائر ما لها (٢) دخل في الموضوعات أيضا (٣) ، فلا يقوم مقامه شيء بمجرد حجيته ، وقيام دليل على اعتباره ما لم يقم دليل على تنزيله ، ودخله في الموضوع كدخله.

وتوهم (٤) : كفاية دليل الاعتبار الدال على إلغاء احتمال خلافه وجعله بمنزلة

______________________________________________________

(١) أي : الكشف والطريقية.

(٢) يعني : كسائر الصفات التي لها دخل في موضوعات الأحكام ، فكما أن دليل اعتبار الأمارة قاصر عن إثبات قيامها مقام هذه الصفات ، فكذلك قاصر عن إثبات قيامها مقام القطع الموضوعي على نحو الكشف.

(٣) وفي منتهى الدراية : الأولى تقديم هذه الكلمة على «في الموضوعات» ؛ إذ المقصود : إن كان تنظير القطع الموضوعي بسائر ما له دخل في الموضوع في عدم قيام الأمارة مقامه ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «فإن القطع الموضوعي أيضا كسائر الصفات التي لها دخل في الموضوعات في عدم كفاية دليل اعتبار الأمارة لإثبات تلك الصفات» ، بل لا حاجة إلى هذه الكلمة بعد تضمن الكلام لهذا التنظير بقوله : «كسائر ما لها دخل في الموضوعات».

وإن كان المقصود ـ كما هو الظاهر ـ تنظير المقام الثالث بالمقام الثاني ، فكان المناسب أن يقال : «كسائر ما لها دخل في الموضوعات على نحو الكشف أيضا». انتهى.

والضمير في «كدخله» راجع على القطع.

وحاصل الكلام في المقام : أنه لا يقوم مقام القطع الموضوعي شيء ما لم يقم دليل خاص غير دليل الحجية على تنزيل ذلك الشيء منزلة القطع الموضوعي على الكشف أو منزلة غير القطع ، مما له دخل في موضوع الحكم.

فالمتحصل مما ذكر : أن مختار المصنف هو عدم قيام الأمارات بنفس أدلة حجيتها مقام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة ؛ لأن أدلة حجية الأمارات لا تثبت إلا طريقية الشيء للموضوع أو الحكم ، وإثبات الموضوعية للأمارة لا بد وأن يكون بدليل آخر.

(٤) لعله إشارة إلى ما ذكره الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» بقوله : «بخلاف المأخوذ في الحكم على وجه الموضوعية ، فإنه تابع لدليل ذلك الحكم ، فإن ظهر منه أو من دليل خارج اعتباره على وجه الطريقية للموضوع كالأمثلة المتقدمة قامت الأمارات والأصول العملية مقامه ...» الخ ، فلا بد أولا من توضيح هذا التوهّم من الشيخ الأنصاري وثانيا :

من توضيح ردّه.

٦٣

القطع ، من جهة كونه موضوعا ومن جهة كونه طريقا فيقوم مقامه طريقا كان أو موضوعا : فاسد جدا.

______________________________________________________

وأما توضيح التوهم فحاصله : أنه لا وجه لتخصيص دليل تنزيل الأمارة منزلة القطع بحيثية الطريقية فقط ، فإنه خلاف إطلاق دليل التنزيل ، بمعنى : أن الأمارة بنفس دليل اعتبارها قد تقوم مقام القطع الموضوعي مطلقا ـ أي : سواء كان أخذه على نحو الطريقية أو الصفتية ـ بدعوى إطلاق دليل تنزيلها منزلة القطع الشامل ذلك الإطلاق لجميع آثار القطع ؛ من الطريقية التي أثرها تنجيز الواقع ، والموضوعية التي أثرها وجود الموضوع وتحققه ، فإن إطلاق دليل اعتبار الأمارة ينزل الأمارة منزلة القطع في جميع آثاره ولوازمه المترتبة عليه ؛ من كونه طريقا محضا وموضوعا بنحو الطريقية.

والحاصل : أن محل النزاع بين الشيخ والمصنف «قدس‌سرهما» هو القطع الموضوعي المأخوذ على نحو الطريقية ، حيث إن الشيخ يرى قيام الأمارة مقامه بنفس دليل اعتبارها ، والمصنف لم يلتزم به ؛ بل أورد عليه بما سيأتي توضيحه.

وأما القطع الطريقي المحض فلا خلاف في قيام الأمارة مقامه ، كما لا إشكال في عدم قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الصفتي بنفس دليل اعتبارها. هذا تمام الكلام في توضيح التوهم.

وأما دفعه : فقد أشار إليه بقوله : «فاسد جدا».

وحاصل الدفع : أن مقتضى إطلاق دليل التنزيل وإن كان تنزيل الأمارة منزلة القطع في كل ما للقطع من الموضوعية والطريقية ؛ إلا إن هذا الإطلاق ممتنع في المقام لاستلزامه اجتماع الضدين.

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن تنزيل شيء بمنزلة شيء آخر يتوقف على لحاظ كل من المنزل والمنزل عليه معا ، والمنزل في المقام هو الأمارة ، والمنزل عليه هو القطع ، وحينئذ : فتنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي موقوف على لحاظ القطع استقلالا ؛ لأن مقتضى موضوعية الشيء هو استقلاله في اللحاظ ، من دون كونه تبعا للغير ، وتنزيل الأمارة منزلة القطع الطريقي موقوف على لحاظه آلة للغير وهو الواقع المنكشف به ، فيكون الواقع هو الملحوظ بالاستقلال وهو المنزل عليه في الحقيقة حينئذ ، فلحاظ القطع آلي ، ومن الواضح : أن هذين اللحاظين متضادان ، فيمتنع اجتماعهما في إنشاء واحد.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي الطريقي يستلزم لحاظ المنزل عليه ـ وهو القطع ـ بلحاظين متضادين في إنشاء واحد بمعنى : أن

٦٤

فإن الدليل الدال على إلغاء الاحتمال ، لا يكاد يكفي إلا بأحد التنزيلين ، حيث (١) لا بد في كل تنزيل منهما (٢) من لحاظ المنزل والمنزل عليه ، ولحاظهما (٣) في أحدهما آلي ، وفي الآخر استقلالي ، بداهة (٤) : أن النظر في حجيته وتنزيله منزلة القطع في طريقيته في (٥) الحقيقة إلى الواقع ومؤدى (٦) الطريق ، وفي كونه (٧) بمنزلته في دخله في الموضوع إلى أنفسهما ، ولا يكاد يمكن الجمع بينهما.

______________________________________________________

لحاظ القطع ـ وهو المنزل عليه ـ استقلالي نظرا إلى موضوعيته ، وآلي نظرا إلى طريقيته ، وهو محال لبداهة : استحالة اجتماع الضدين.

فالنتيجة : أن دليل حجية الأمارة قاصر عن إثبات التنزيلين معا ، فلا بد أن يكون ناظرا إلى أحدهما ، فلا وجه حينئذ للتشبث بإطلاق دليل التنزيل لإثبات قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح فساد التوهم المذكور ، وقد أشار إلى فساده بقوله : «فإن الدليل الدال ...» الخ.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) تعليل لعدم وفاء الدليل إلا بأحد التنزيلين.

(٢) أي : من التنزيلين.

(٣) يعني : ولحاظ المنزل والمنزل عليه في أحد التنزيلين ـ وهو تنزيل الأمارة منزلة القطع الطريقي ـ آلي ، لأن لحاظهما حينئذ يكون بلحاظ الغير وهو المؤدى في الأمارة والواقع في القطع ، وفي الآخر ـ وهو تنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي ـ استقلالي كما هو مقتضى الموضوعية ، فتنزيل الأمارة منزلة القطع الموضوعي الطريقي يستلزم اجتماع لحاظين متضادين كما عرفت وهو محال.

(٤) تعليل لكون النظر في أحدهما استقلاليا ، وفي الآخر آليا.

(٥) متعلق بقوله : «النظر».

(٦) عطف على «الواقع» يعني : أن المنزل عليه في الحقيقة حينئذ هو الواقع والمنزل هو مؤدى الأمارة ، فلحاظ القطع والأمارة يكون آليا ، حيث إن لحاظهما آلة للحاظ الواقع والمؤدى.

(٧) عطف على «حجيته» ، والضمير راجع إلى الشيء. يعني : وبداهة أن النظر في كون الشيء بمنزلة القطع الموضوعي إلى نفس الأمارة والقطع ، فيكون النظر حينئذ استقلاليا. والضمير في «أنفسهما» راجع على الشيء ـ وهو الأمارة والقطع ـ يعني : أن

٦٥

نعم ؛ لو كان في البين (١) ما بمفهومه جامع بينهما يمكن أن يكون دليلا على التنزيلين ، والمفروض : إنه ليس ، فلا يكون دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الآلي ، فيكون حجة موجبة لتنجز متعلقه ، وصحة العقوبة على مخالفته في صورتي إصابته (٢) وخطئه (٣) بناء (٤) على استحقاق المتجري ، أو ...

______________________________________________________

النظر بناء على هذا التنزيل يكون إلى ذاتهما لا إلى متعلقهما.

والضمير في «بينهما» راجع إلى النظر الآلي والاستقلالي أي : لا يمكن الجمع بينهما كما عرفت غير مرة.

(١) أي : نعم ؛ لو كان في البين ـ على فرض مستحيل ـ «ما بمفهومه جامع بينهما» أي : بين التنزيلين ، حتى يكون عند التنزيل النظر إلى الجامع «يمكن أن يكون» دليل واحد للتنزيل ناظر إلى الجامع «دليلا على التنزيلين» ؛ تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وتنزيل الأمارة منزلة القطع ، «والمفروض : أنه ليس» ما بمفهومه جامع بينهما ؛ بل لا يعقل أصلا ، «فلا يكون» دليل حجية الأمارة «دليلا على التنزيل إلا بذاك اللحاظ الآلي».

والحاصل : أن قوله : «نعم» استدراك على ما ذكره من امتناع اجتماع اللحاظين ، وحاصله : أن ما ذكر من لزوم محذور اجتماع اللحاظين إنما هو فيما إذا لم يكن هناك جامع مفهومي ، وأما إذا كان بينهما جامع مفهومي ، فلا يلزم هذا المحذور ، ويكون الدليل الواحد دليلا على التنزيلين ؛ لصحة إطلاقه الشامل لكلا النظرين هذا.

ولكن وجود الجامع مجرد فرض ؛ لأن لسان دليل الاعتبار ـ سواء كان تصديق الخبر أم حجيته أم إلغاء احتمال الخلاف ، أم الوسطية في الإثبات أم غيرها ـ يكون موضوعه خبر العادل أو الثقة مثلا ، ومن المعلوم : أن الخبر إما ملحوظ طريقا وكاشفا أو موضوعا ، ولا يعقل اجتماع لحاظي الموضوعية والطريقية في شيء واحد ، فلا بد من أن يكون مسوقا بأحد اللحاظين.

قوله «يمكن» جواب «لو كان». وضمير «إنه ليس» راجعا إلى الجامع وليس هنا التامة ، ومعناها مجرد النفي يعني : والمفروض أن الجامع المفهومي معدوم.

(٢) أي : بأن كانت صلاة الجمعة واجبة ، وقامت الأمارة على وجوبها.

(٣) أي : بأن لم تكن صلاة الجمعة واجبة مع قيام الأمارة على وجوبها.

(٤) قيد لخطئه يعني : أن الاستحقاق في كلتا الصورتين مبني على كون المتجرّي مستحقا للعقاب ؛ وإلا كان استحقاق العقوبة مختصا بصورة الإصابة وضميرا إصابته وخطئه راجعان إلى الشيء المراد به الأمارة.

٦٦

بذلك (١) اللحاظ الآخر الاستقلالي ، فيكون (٢) مثله في دخله في الموضوع ، وترتيب ما له عليه من الحكم الشرعي.

لا يقال (٣) : على هذا لا يكون دليلا على أحد التنزيلين ، ما لم يكن هناك قرينة في البين.

فإنه يقال (٤) : لا إشكال في كونه دليلا على حجيته ، ...

______________________________________________________

فالمتحصل : أن صحة العقوبة في صورة الإصابة واضحة لتنجز الواقع بقيام الدليل عليه. وأما صحة العقوبة في صورة المخالفة فإنما تكون بناء على استحقاق المتجري للعقاب.

(١) عطف على قوله : «بذاك اللحاظ الآلي».

(٢) أي : فيكون الشيء ـ وهو الأمارة ـ مثل القطع في كونه دخيلا في الموضوع.

(٣) غرض المستشكل : إثبات إجمال دليل اعتبار الأمارة ، وعدم صحة التمسك به أصلا. توضيح ذلك يتوقف على مقدمة ؛ وهي أن المفروض : عدم كفاية دليل واحد لتنزيلين ؛ بل لا بد من كون المراد بدليل التنزيل أحد التنزيلين لئلا يلزم اجتماع اللحاظين المتضادين في إنشاء واحد ، وحينئذ : يلزم أن يكون دليل التنزيل مجملا إذ التنزيل الواحد مردد بين التنزيلين ـ وهما تنزيل المؤدى منزلة الواقع وتنزيل الأمارة منزلة القطع ـ فلا يعلم أن أيهما مراد من الدليل.

إذا عرفت هذه المقدمة. فاعلم أنه لا يصح التمسك بدليل التنزيل على إثبات أحد التنزيلين ؛ وذلك لإجماله الناشئ من عدم قرينة على تعيين أحد اللحاظين ، فيسقط عن الاستدلال به على قيام الأمارة مقام القطع الطريقي أيضا.

نعم ؛ إذا قامت قرينة على خصوص أحد التنزيلين : صح التمسك به على ذلك ، فالنتيجة : أنه لا وجه لما ذكر من أن دليل التنزيل إنما ينزل المؤدى منزلة الواقع.

(٤) هذا دفع للإشكال ، وتوضيح الدفع يتوقف على مقدمة : وهي أن الأثر الظاهر للقطع هو طريقيته وحجيته لا موضوعيته ، ولهذا كلما نزل منزلته يكون ظاهرا في أنه نزل بلحاظ كاشفيته وطريقيته.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن إشكال إجمال الدليل غير وارد في المقام ، ضرورة : أن الأثر الظاهر للقطع هو الكشف والمرآتية ، فدليل تنزيل الأمارة منزلة القطع يكون ظاهرا في تنزيلها منزلته في الطريقية لا في الموضوعية كما عرفت في المقدمة ، فحينئذ : يترتب بنفس دليل اعتبار الأمارة آثار طريقية القطع عليها دون موضوعيته ، فلا إجمال في دليل

٦٧

فإن (١) ظهوره في إنه بحسب اللحاظ الآلي مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه ، وإنما يحتاج تنزيله (٢) بحسب اللحاظ الآخر الاستقلالي من نصب دلالة عليه ، فتأمل في المقام ، فإنه دقيق ومزال الأقدام للأعلام.

ولا يخفى : أنه لو لا ذلك (٣) ، لأمكن أن يقوم الطريق بدليل واحد ـ دال على إلغاء احتمال خلافه ـ مقام القطع بتمام أقسامه ، ولو فيما (٤) أخذ في الموضوع على نحو

______________________________________________________

حجية الأمارة أصلا ، ولا نرفع اليد عن هذا الظهور ما لم تقم قرينة على خلافه. وحينئذ : فلا إشكال في كون دليل الاعتبار دليلا على حجية الشيء وهو الأمارة.

(١) تعليل لقوله : «لا إشكال» يعني : فإن ظهور دليل اعتبار الأمارة وتنزيلها منزلة القطع في أن التنزيل إنما هو بحسب اللحاظ الآلي دون الاستقلاليّ مما لا شك فيه ، وقد عرفت وجه الظهور وهو : أن أظهر آثار القطع الكشف والطريقية ، وهو يوجب ظهور الدليل في كون التنزيل بلحاظ الطريقية لا الموضوعية.

(٢) أي : تنزيل ذلك الشيء ـ أي : الأمارة ـ إلى نصب قرينة.

قوله : «من» متعلق بقوله : «يحتاج» ، والصواب تبديل كلمة «من» ب «إلى» بأن يقال : «إلى نصب دلالة عليه» ، وضمير «عليه» راجع على تنزيله بحسب اللحاظ الآخر.

(٣) أي : لو لا محذور امتناع اجتماع اللحاظين الآلي والاستقلالي «لأمكن أن يقوم الطريق ...» الخ.

وحاصل الكلام : أن المانع من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الطريقي هو هذا المحذور ولولاه لأمكن القول بقيام الأمارة مقام القطع بأقسامه الخمسة بنفس دليل اعتبارها ؛ إذ بعد فرض إمكان الإطلاق في دليل الاعتبار لا يتفاوت الحال بين أقسام القطع. وضمير «خلافه» راجع على الطريق.

(٤) والظاهر أن هذا الكلام تعريض بما أفاده الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ؛ من التفصيل بين القطع الموضوعي الطريقي في قيام الأمارة مقامه ، وبين القطع الموضوعي الصفتي في عدم قيامها مقامه ، حيث قال : «وإن ظهر من دليل الحكم اعتبار صفة القطع في الموضوع من حيث كونها صفة خاصة قائمة بالشخص لم يقم مقامه غيره ...» الخ.

ووجه التعريض هو : أن المانع من قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي مطلقا هو ما تقدم من امتناع اجتماع اللحاظين الاستقلالي والآلي ، وهذا المحذور موجود في كل من القطع الموضوعي الصفتي والطريقي ، فلا وجه للتفصيل المزبور بين الموضوعي الطريقي

٦٨

الصفتية ، كان تمامه (١) أو قيده وبه (٢) قوامه.

فتلخص مما ذكرنا (٣) : أن الأمارة لا تقوم بدليل اعتبارها إلا مقام ما ليس بمأخوذ في الموضوع أصلا.

وأما الأصول (٤) : فلا معنى لقيامها مقامه (٥) بأدلتها أيضا غير الاستصحاب ، لوضوح (٦) : أن المراد من قيام المقام ترتيب ما له من الآثار والأحكام من تنجز التكليف وغيره ـ كما مرت إليه الإشارة (٧) ـ وهي ليست إلا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا.

______________________________________________________

والموضوعي الصفتي بتجويز قيام الأمارة بنفس دليل اعتبارها مقام الأول دون الثاني ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٩٧».

(١) أي : سواء كان القطع تمام الموضوع أم قيد الموضوع.

(٢) أي : بالقطع قوام الموضوع.

(٣) أي : من امتناع اجتماع اللحاظين ، فلا يصلح دليل الاعتبار إلا لإثبات قيام الأمارة مقام القطع الطريقي المحض كما عرفت.

(٤) هذا إشارة إلى المقام الرابع ، وهو بيان قيام الأصول مقام القطع.

وحاصل الكلام في المقام : إن ما عدا الاستصحاب من الأصول العملية لا يقوم مقام القطع الطريقي المحض ؛ لأن مفاد هذه الأصول ليس إلا وظائف للجاهل بالأحكام ، فموضوع هذه الأصول هو الجهل بالأحكام ، ومع الجهل لا نظر لها إلى الأحكام الواقعية أصلا ، ومع عدم النظر إليها كيف يعقل ترتيب أثر الطريقية إلى الواقع ـ الثابتة للعلم ـ من التنجيز والتعذير على الأصول؟

(٥) يعني : فلا معنى لقيام الأصول مقام القطع بأدلة الأصول أيضا ، أي كما لا تقوم الأمارات والطرق مقام القطع الموضوعي «غير الاستصحاب» ؛ فإنه يقوم مقام القطع الطريقي المحض كسائر الأمارات.

(٦) تعليل لقوله : «فلا معنى لقيامها مقامه».

(٧) حيث إن معنى قيام الأمارة مقام القطع باعتبار أنها طريق إلى الواقع.

كما أن القطع طريق إليه ، ومن المعلوم : أن البراءة والتخيير والاحتياط ليست طرقا أصلا ، ولا كاشفية لها ناقصا حتى تقوم مقام الكاشف الحقيقي ؛ إذ «هي ليست إلا وظائف مقررة للجاهل في مقام العمل شرعا أو عقلا».

وبعبارة أوضح : أن الأمارات والطرق كواشف جعلية عن الواقع ، ولذا تقوم مقام

٦٩

لا يقال (١) : إن الاحتياط لا بأس بالقول بقيامه مقامه في تنجز التكليف لو كان.

فإنه يقال (٢) : أما الاحتياط العقلي : فليس إلا نفس حكم العقل بتنجز التكليف

______________________________________________________

القطع الطريقي المحض ؛ بخلاف الأصول فإنها لا طريقية لها ، بل أحكام عملية للجاهل بالواقع يعمل على طبقها حين اليأس عن وصول يده إلى الواقع علما أو علميّا ، فلو شك في مائع أنه حرام أم لا قالت البراءة العقلية والشرعية : إن مرتكبه معذور ، ولا تعيّن البراءة أنه خمرا وليس بخمر ، بخلاف خبر الواحد فإنه يقول : إنه خمر أو ليس بخمر والاستصحاب مثل الأمارات لكشفه عن الواقع ناقصا ، ولذا يقوم مقام القطع إذ ينزل الشك في البقاء منزلة اليقين بالبقاء في ترتيب ما له من الآثار ، فهو واسطة بين الأصول والأمارات ، ولذا يعبر عنه بعرش الأصول وفرش الأمارات ، فيقدم على الأصول ويؤخر عن الأمارات ، كما في «الوصول إلى كفاية الأصول ، ج ٣ ، ص ٣٢٣» مع تصرف منّا.

(١) وحاصل الإشكال : أن القطع كما أنه مما يتنجز به التكليف فكذلك الاحتياط مما يتنجز به التكليف ، فصح القول بقيام الاحتياط مقام القطع ، كما صح ذلك في الاستصحاب ، فيكون هذا الإشكال ناظرا إلى ما منعه المصنف «قدس‌سره» من قيام غير الاستصحاب مقام القطع ، فيقال : إن الاحتياط يقوم مقامه كالاستصحاب ؛ إذ كما يتنجز التكليف الواقعي بالقطع به ويستحق العقوبة على مخالفته والمثوبة على موافقته ، كذلك يتنجز بإيجاب الاحتياط فيقوم مقامه لفرض اشتراكه معه في أثره المهم وهو التنجيز ، غاية الأمر : المراد بالقطع الذي يقوم بعض الأصول مقامه هو خصوص القطع الطريقي. وكلمة كان في قوله : «لو كان» التامة.

(٢) هذا دفع للإشكال. وحاصل الدفع : أن الاحتياط إما عقلي وإما شرعي. وأما توضيح الجواب على الأول فيتوقف على مقدمة ، وهي : أنه لا بد في قيام شيء مقام شيء وتنزيل أحدهما منزلة الآخر من لحاظ كل واحد من المنزل والمنزل عليه ، ولازم ذلك : هو تعددهما ومغايرة المنزّل والمنزّل عليه ، وكذلك لا بد من المغايرة بين المنزّل وبين حكم المنزّل عليه الثابت للمنزل بسبب التنزيل ؛ كتنزل «الطواف بالبيت» منزلة «الصلاة» ، فإن الطواف مغاير لأحكام الصلاة الثابتة له ببركة التنزيل كمغايرته لنفس الصلاة ، وكذا الحال في قيام خبر الثقة مقام القطع في التنجيز مثلا ، فإن الخبر غير التنجيز الثابت له بتنزيله منزلة القطع ، فلو كان المنزّل نفس حكم المنزّل عليه لم يصح التنزيل.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يصح تنزيل الاحتياط العقلي منزلة القطع ؛ إذ ليس الاحتياط العقلي إلّا نفس حكم العقل يتنجز التكليف وصحة العقوبة على المخالفة ، وليس شيئا آخر يقوم مقام القطع في هذا الحكم ، فلا مغايرة بين الاحتياط العقلي وبين

٧٠

وصحة العقوبة على مخالفته لا شيء يقوم مقامه في هذا الحكم (١).

وأما النقلي : فإلزام الشارع به ـ وإن كان مما يوجب التنجز وصحة العقوبة على المخالفة كالقطع ـ إلا إنه لا نقول به في الشبهة البدوية ، ولا يكون بنقلي في المقرونة بالعلم الإجمالي ، فافهم (٢).

ثم لا يخفى (٣) أن دليل الاستصحاب ...

______________________________________________________

التنجيز ، وقد عرفت اعتبارها في المقدمة.

فالمتحصل : أنه ليس الاحتياط العقلي إلّا نفس التنجيز الثابت المقطع ، فالمغايرة المعتبرة في التنزيل مفقودة في الاحتياط العقلي.

وأما الاحتياط الشرعي فحاصل الكلام فيه : أن إلزام الشارع بالاحتياط وإن كان موجبا لتنجز التكليف به وصحة العقوبة على مخالفته ، وكان هذا الإلزام الشرعي مغايرا للتنجيز أيضا ، ولذا صح تنزيله منزلة القطع على خلاف الاحتياط العقلي ، حيث إنه عين التنجيز كما مر ، إلّا إن هذا الإلزام الشرعي بالاحتياط مجرد فرض ، ولا وجود له في الخارج ؛ إذ لا نقول بوجوب الاحتياط شرعا في الشبهات البدوية وإن قال به الأخباريون في الشبهات التحريمية الناشئة من فقدان النص.

وأما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي : فالاحتياط فيها وإن كان ثابتا ، لكنه عقلي وليس بشرعي وقد عرفت وجه عدم قيام الاحتياط العقلي مقام القطع.

(١) أي : التنجيز وصحة العقوبة على المخالفة.

(٢) لعله إشارة إلى : إن عدم التزامنا بالاحتياط الشرعي لا يمنع عن قيامه مقام القطع عند من يقول به في الشبهات البدوية.

أو إلى : أن الاحتياط الشرعي ثابت في بعض الموارد ، كما في تردد القبلة في الجهات الأربع ، فإن الاحتياط الموجب للقطع بالامتثال يوجب تكرار الصلاة إلى أكثر من أربع جهات ؛ بأن يأتي بها إلى نفس النقاط أيضا ، لكن رواية خراش تدل على الاكتفاء بالأربع فهذا احتياط حكم به الشرع.

أو إشارة إلى قيام جميع الأصول العملية مقام القطع ، بمعنى : أن البراءة تقوم مقام القطع بعدم التكليف ، والاحتياط يقوم مقام القطع بالتكليف والتخيير يقوم مقام القطع بالتخيير.

(٣) هذا بيان لما أجمله بقوله : «غير الاستصحاب» من قيام الاستصحاب مقام القطع ، وإنه كالأمارة يقوم مقام القطع الطريقي المحض فقط.

وحاصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ١٠٢» ـ أن دليل الاستصحاب لا يفي بقيامه مقام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة ؛ كعدم وفاء دليل اعتبار الأمارة بذلك

٧١

أيضا (١) لا يفي بقيامه مقام القطع المأخوذ في الموضوع مطلقا (٢) ، وأن مثل (لا تنقض اليقين) لا بد من أن يكون مسوقا إما بلحاظ المتيقن (٣) ، أو بلحاظ نفس اليقين (٤).

وما ذكرنا في الحاشية (٥) ـ في وجه تصحيح لحاظ واحد في التنزيل منزلة الواقع

______________________________________________________

كما تقدم ، فدليل الاستصحاب مثل قوله : «عليه‌السلام» : «ولا تنقض اليقين أبدا بالشك» (١) لا بد أن يكون ناظرا إلى تنزيل الشك في البقاء منزلة القطع به ، أو إلى تنزيل المشكوك منزلة المتيقن ، ولا يعقل أن يكون ناظرا إلى كلا التنزيلين ؛ لاستلزامه اجتماع اللحاظين على ما تقدم.

(١) أي : كدليل اعتبار الأمارة.

(٢) أي : سواء كان تمام الموضوع أم جزؤه ، وسواء كان أخذه على نحو الصفتية أم على نحو الطريقية.

(٣) فيكون لحاظ القطع آليا.

(٤) فيكون لحاظ القطع استقلاليا ، وعلى الأول : يكون استصحاب وجوب الصلاة ـ في مثال : إذا قطعت بوجوب الصلاة وجب عليك التصدق ـ موجبا للإتيان بالصلاة فقط ولا يكون موجبا للتصدق. هذا بخلاف الفرض الثاني ـ وهو لحاظ القطع استقلاليا ـ حيث يكون استصحاب وجوب الصلاة موجبا للتصدق فقط ؛ لا للإتيان بالصلاة ، وإنما نقول بلزوم كون التنزيل بأحد اللحاظين لما عرفت غير مرّة من : استحالة الجمع بينهما في لحاظ واحد ، وإنما نقول بالأول دون الثاني لظهور كون التنزيل بلحاظ الطريقية والكاشفية لا الموضوعية.

(٥) مقصوده : تصحيح قيام الأمارة والاستصحاب مقام القطع الموضوعي والطريقي بنفس دليل اعتبارهما.

وحاصل ما أفاده المصنف : هو أن أدلة الأمارات متكفلة لتنزل المؤدى منزلة الواقع فقط ، فلا يلزم هناك إلا لحاظ واحد آلي ، غايته : تلك الأدلة بالدلالة الالتزامية العرفية تدل على تنزيل العلم بالمؤدى منزلة العلم بالواقع ، من دون احتياج اللحاظ الاستقلالي ، فيترتب تحقق كلا جزءي الموضوع المأخوذ فيه القطع على تنزيل واحد من حيث المؤدى فقط. ثم قال : بأن هذا لا يخلو من تكلف بل تعسف.

فقوله : «لا يخلو من تكلف» خبر لقوله : «وما ذكرنا في الحاشية» ، فلا بد أولا من

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ٣٦١ / ب ٨٠ ، جزء من ح ١ ، تهذيب الأحكام ١ : ٤٢١ م جزء من ح ١٣٢٥ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ / ٤١٩٢.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

تقريب ما ذكره في حاشيته على الرسائل في وجه تصحيح لحاظ واحد لإثبات صحة كلا التنزيلين من دون حاجة إلى اللحاظين الآلي والاستقلالي.

وثانيا : من بيان وصفه هذا الوجه بالتكليف أولا والتعسف ثانيا.

وأما حاصل ما أفاده في الحاشية في وجه تصحيح قيام الأمارة أو الاستصحاب مقام القطع الموضوعي إذا كان جزء الموضوع فيتوقف على مقدمة ، وهي : أن الموضوع المقيد بالقطع ـ كما هو المفروض في مورد قيام الأمارة مقام القطع ـ يكون مركبا من جزءين وهما ـ القطع والواقع ـ فحينئذ : إثبات كلا التنزيلين وإن لم يصح بالدلالة المطابقية ؛ بأن يكون التنزيلان في عرض واحد إلا إنه يصح بالدلالة الالتزامية ؛ بأن يكون أحد التنزيلين في طول الآخر بمعنى : أن لدليل اعتبار الأمارة دلالتين إحداهما : مطابقية ، والأخرى : التزامية.

أما الأولى : فهي دلالته بالمطابقة على تنزيل المؤدى في الأمارة والمستصحب في الاستصحاب منزلة الواقع.

أما كون هذا التنزيل مطابقيا : فلما عرفت من : أن أظهر آثار القطع هو الكشف والطريقية ، وهذا يوجب ظهور دليل التنزيل في كون التنزيل بحسب الطريقية والكاشفية ، فيكون المنزل عليه هو الواقع والمنزل هو المؤدى والمستصحب.

وأما الأخرى : فيه دلالته بالالتزام على تنزيل الأمارة منزلة القطع الذي له دخل في الموضوع ، بدعوى الالتزام العرفي بين تنزيل المؤدى والمستصحب منزلة الواقع ، وبين تنزيل الأمارة والشك منزلة القطع ، حيث إن التنزيل لما كان شرعيا ـ وبدون الأثر الشرعي يصير لغوا ـ فلا بد من الالتزام بدلالة دليل تنزيل المؤدى والمستصحب منزلة الواقع على تنزيل الأمارة والشك في البقاء منزلة القطع بالواقع الحقيقي دلالة التزامية من باب دلالة الاقتضاء ؛ لتوقف صون دليل التنزيل عن اللغوية على هذه الدلالة الالتزامية.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه على فرض تعدد الدلالة لا يلزم اجتماع اللحاظين ، لأن لزوم اجتماعهما مبني على وحدة الدلالة. وإليك توضيح ذلك في ضمن مثال :

إذا شككنا في مائية مائع مع كريته ، فاستصحاب مائيته لا يغني عن استصحاب كريته ، كما أن استصحاب كريته لا يغنى عن استصحاب مائيته فهناك احتمالات :

١ ـ ما أحرز الجزءان بالوجدان.

٢ ـ ما أحرز بالتعبد لكن كان التعبد بكل في عرض التعبد بالآخر.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ ما أحرز أحدهما بالتعبد الملازم عرفا لإحراز الآخر.

والمقام من هذا القبيل بمعنى : أن الدليل لو نزل مؤدى الأمارة أو المستصحب منزلة الواقع فقد دل بالالتزام العرفي على تنزيل الأمارة ـ وهي القطع الجعلي ـ منزلة القطع الحقيقي ، فيكون دليل التنزيل دالا بالمطابقة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وبالالتزام على تنزيل القطع بالمؤدى منزلة القطع بالواقع ، من دون احتياج إلى اللحاظ الاستقلالي ، فلا يلزم هناك إلا لحاظ واحد آلي فيترتب تحقق كلا جزءي الموضوع المأخوذ فيه القطع على تنزيل واحد من حيث المؤدى فقط.

فإذا قام خبر الواحد أو الاستصحاب على وجوب الصلاة يترتب عليه وجوب التصدق الذي يكون موضوعه وجوبها مع القطع به فتدبر.

فالمتحصل : أنه لا يلزم حينئذ الجمع بين اللحاظين المختلفين في آن واحد لكون أحد اللحاظين في طول الآخر. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح ما في الحاشية. وتركنا تطويل الكلام في المقام تجنبا عن التطويل الممل.

بقى الكلام في وجه وصف هذا الوجه في الكفاية بالتكلف أولا ، وبالتعسف ثانيا.

وأما وجه التكلف : فهو عدم الملازمة العرفية بين تنزيل المؤدى منزلة الواقع ، وبين تنزيل القطع بالمؤدى منزلة القطع بالواقع ؛ وذلك لوجهين :

الأول : أن التنزيل الثاني ليس من قبيل اللازم البيّن للتنزيل الأوّل ، ولا من قبيل اللازم غير البيّن وإنما هو نتيجة صون فعل الحكيم عن اللغوية ، وهو فرع شمول دليل الاستصحاب للمورد ؛ بل هو أول الكلام لاحتمال اختصاصه بما إذا كان القطع طريقا محضا كما هو مورد بعض الروايات.

الثاني : هو إمكان دعوى عدم انسباق هذا اللزوم إلى أذهان العرف ، فليس هناك لزوم عرفي حتى تصح دعوى الملازمة العرفية ، فلا يدل دليل الاعتبار إلا على ترتيب آثار القطع ـ بما هو طريق وكاشف ـ على الأمارة أو الاستصحاب.

وأما التعسف فوجهه : لزوم الدور الذي أشار إليه بقوله : «فإنه لا يكاد يصح ...» إلخ.

وأما توضيح الدور : فيتوقف على مقدمة وهي بيان أمور :

الأول : أن التنزيل الشرعي لا يصح إلا في ظرف ترتب الأثر الشرعي على المنزل.

الثاني : إذا كان الأثر مترتبا على الموضوع المركب كالماء الكر ، فلا بد في ترتيب الأثر الشرعي عليه من إحراز الموضوع بكلا جزأيه بالوجدان ، أو أحدهما بالوجدان والآخر

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بالتعبد ، أو كليهما بالتعبد. والأول واضح. وأما الثاني : فكما إذا أحرز المائية بالوجدان والكرّية بالتعبد بأن شك في الكرية ، فتحرز باستصحاب الكرّية.

وأما الثالث ـ بأن يحرز الجزءان بالتعبد في عرض الآخر ـ فكما إذا كانت المائية والكرّية مشكوكتين فيستصحب كل في عرض الآخر ؛ لعدم المانع من شمول الدليل للجزءين في عرض واحد ؛ لكن هذا في غير المقام. وأما في المقام : فشمول الدليل للجزءين في عرض واحد محال ؛ لما عرفت من : استلزامه الجمع بين اللحاظين.

الثالث : إذا كان أحد التنزيلين في طول الآخر ؛ بأن يكون التنزيل الثاني منكشفا بالدلالة العرفية من التنزيل الأول.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يصح في المقام شمول الدليل للجزءين في عرض واحد ؛ لاستلزامه المحال وهو الجمع بين اللحاظين.

وأما إذا كان التنزيلان طوليين ؛ بأن كان تنزيل أحد الجزءين مستلزما لتنزيل الجزء الآخر ، فلا يصح أيضا ؛ لاستلزامه الدور حينئذ في مقام دلالة الدليل ، فإن إجراء الأصل أو الأمارة ـ لإحراز الجزء الأول ـ متوقف على كون هذا الجزء ذا أثر ؛ لما عرفت في الأمر الأول من عدم إجرائهما فيما لا أثر له ، وكون هذا الجزء ذا أثر يتوقف على وجود الجزء الآخر ، إذ ما لم يجتمع الجزءان لم يتحقق المركب الذي هو ذو أثر ، ووجود الجزء الآخر متوقف على إجراء الأصل أو الأمارة ـ لفرض أن الجزء الثاني يثبت بالجزء الأول المفاد للأصل أو الأمارة للملازمة بينهما ـ وهو دور ظاهر.

مثلا : إذا كان الأثر لمقطوع الخمرية ، فاستصحاب الخمرية متوقف على كونه ذا أثر ، وكونه ذا أثر متوقف على ثبوت الجزء الآخر وهو القطع بالخمر التعبدي ، وثبوت القطع بالخمر التعبدي موقوف على إجراء الاستصحاب في الخمر ، فإجراء الاستصحاب في الخمر موقوف على إجراء الاستصحاب في الخمر بالواسطة ، فهو دور مضمر.

والمتحصل : أن تنزيل المستصحب منزلة الواقع يتوقف على تنزيل القطع التعبدي منزلة العلم بالواقع ؛ لكون الأثر مترتبا على المركب من الواقع والعلم به ، والمفروض : أن تنزيل القطع التعبدي منزلة العلم بالواقع يتوقف على تنزيل المستصحب منزلة الواقع ، فيكون أحد التنزيلين موقوفا على الآخر.

وتطويل الكلام في المقام إنما هو لعدم خلوّ عبارة المصنف عن الإغلاق.

وكيف كان ؛ فدعوى كفاية دليل اعتبار الأمارة لكلا التنزيلين في غير محلها.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية» :

قوله : «فإنه لا يكاد ...» الخ تعليل لعدم خلو ما ذكره في الحاشية من التكلّف ؛ بل التعسّف. والضمير للشأن قوله : «أو قيده بما هو كذلك» أي : بما هو جزؤه أو قيده ، مثل تقييد الذات بالعدالة بالنسبة إلى جواز الاقتداء والشهادة وغيرهما من الآثار.

قوله : «بلحاظ أثره» يعني : حال كون التنزيل بلحاظ أثر الموضوع.

قوله : «إلا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا بالوجدان».

ففي مثال : «إذا قطعت بوجوب الصلاة وجب عليك التصدق» لا يحكم بوجوب التصدق بمجرد إحراز وجوب الصلاة إلا بعد حصول القطع بوجوبها ؛ لأن الأثر الشرعي ـ وهو وجوب التصدق ـ مترتب على وجوب الصلاة المقطوع به. وفي الموضوع المقيد ـ مثل عدالة زيد ـ لا يجري استصحاب العدالة إلا بعد إحراز ذات الموضوع وهو زيد الحيّ ، مثلا ، إذ لو لم يحرز ذاته فلا فائدة في استصحاب عدالته ؛ لكون الأثر وهو جواز الاقتداء مترتبا على الحي العادل ، وكذلك جواز التقليد.

قوله : «أو بتنزيله في عرضه» عطف على الوجدان.

قوله : «وأما إذا لم يكن كذلك» استدراك على قوله : «فيما كان جزؤه الآخر ...» الخ ، واسم «يكن» ضمير راجع على جزئه الآخر ، والمشار إليه بقوله : «كذلك» هو كونه محرزا بالوجدان أو التنزيل.

والمقصود : أنه لا بدّ في صحة تنزيل جزء الموضوع أو قيده ـ بلحاظ ترتب الأثر الشرعي عليه ـ من أحد أمرين إما إحراز جزئه الآخر أو ذاته ـ أي : المقيد ـ بالوجدان ، أو إحرازه بالتعبد أي : بتنزيله في عرض تنزيل جزئه الأول أو قيده. وأما إذا لم يكن جزؤه الآخر أو ذاته ـ أعني المقيد ـ محرزا بالوجدان أو محرزا بالتنزيل عرضا ؛ بأن كان محرزا في طول الجزء الأول ومن لوازمه ، كما في مثال القطع بوجوب الصلاة إذا جعل موضوعا لوجوب التصدق ، فلا يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب الذي هو دليل على تنزيل جزء الموضوع أو قيده دليلا على تنزيل جزئه الآخر أو ذاته ، فيما إذا لم يكن هذا الجزء الآخر أو الذات محرزا بالوجدان ، أو محرزا بالتعبد أو بدليل آخر مستقلا.

وعلى هذا : فحق العبارة أن تكون هكذا : «فلا يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلا على جزئه الآخر ما لم يكن هناك دليل آخر على تنزيله فيما لم يكن محرزا ...» الخ.

٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد تحصل من جميع ما ذكر : أنه لا بد في صحة تنزيل جزء الموضوع أو قيده بلحاظ ترتب الأثر الشرعي عليه من إحراز جزئه الآخر أو ذاته ـ أعني : المقيد ـ إما بالوجدان ، وإما بدليل يدل على تنزيلهما معا بالمطابقة ، فيما إذا كان جزؤه الآخر أو الذات في طول الجزء الأول أو القيد ، وإلا ـ فإن لم يحرز الجزء الآخر أو الذات بالوجدان ولا بدليل يدل على تنزيلهما معا ولا بدليل آخر مستقل ـ لم يمكن إحرازه بدليل الأمارة التي مؤداها كوجوب الصلاة في المثال المتقدم ، الذي هو الجزء الأول من الموضوع ؛ لاستلزامه الدور كما تقدم توضيحه.

قوله : «فلا يكاد» جواب قوله : «وأما إذا لم يكن كذلك».

قوله : «فيما لم يكن» متعلق بقوله : «فلا يكاد يكون» ، والمراد بالموصول هو الموضوع ، واسم «يكن» ضمير راجع إلى الجزء الآخر ، يعني : إذا لم يكن الجزء الآخر من الموضوع أو ذاته محرزا لا حقيقة ولا تعبدا ، ولم يكن دليل مستقل على إحرازه لم يكن دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلا على إحرازه ؛ لما عرفت من استلزامه الدور لو أريد إحرازه بنفس دليل الأمارة أو الاستصحاب.

ومن هنا ظهر : أن قوله «قدس‌سره» : «فيما لم يكن محرزا» إلى قوله : «دليلا عليه أصلا» مستدرك وتكرار ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ١١٤».

قوله : «لم يكن دليل الأمارة» جواب قوله : «وفيما لم يكن دليل ...» الخ.

يعني : أنه إن كان هناك دليل يدل مطابقة على تنزيل كلا الجزءين فلا إشكال ، وإلا فدليل الأمارة لا يدل على تنزيل الجزء الآخر التزاما ؛ لما عرفت : من إشكال الدور.

قوله : «فإن دلالته» تعليل لقوله : «لم يكن» ، يعني : فإن دلالة دليل الأمارة على تنزيل مؤداها منزلة الواقع «تتوقف على دلالته ...» الخ.

قوله : «بالملازمة» متعلق بقوله : «دلالته» ، يعني : أن دلالة دليل الأمارة على تنزيل المؤدى منزلة الواقع تتوقف على دلالته بالملازمة على تنزيل القطع بالمؤدى منزلة القطع بالواقع الحقيقي.

وجه الملازمة : أن الأثر الشرعي مترتب على القطع بالواقع الحقيقي ؛ لا على المؤدى بما هو ، وحينئذ فدلالة الدليل على أن المؤدى كالواقع تستلزم دلالته على أن المؤدى كالقطع بالواقع الحقيقي ، ليترتب الأثر الشرعي عليه ، وتنزيل القطع كذلك يتوقف على تنزيل نفس الأمارة منزلة القطع ، فيكون مفاد دليل التنزيل جعل الأمارة قطعا تعبديا بالواقع

٧٧

والقطع ، وأن دليل الاعتبار إنما يوجب تنزيل المستصحب والمؤدى منزلة الواقع ، وإنما كان تنزيل القطع فيما له دخل في الموضوع بالملازمة بين تنزيلهما ، وتنزيل القطع بالواقع تنزيلا وتعبدا منزلة القطع بالواقع حقيقة ـ لا يخلو من تكلّف ؛ بل تعسّف.

فإنه لا يكاد يصح تنزيل جزء الموضوع أو قيده ، بما هو كذلك بلحاظ أثره ، إلا فيما كان جزؤه الآخر أو ذاته محرزا ، أو تنزيله في عرضه وأما إذا لم يكن كذلك :

فلا يكاد يكون دليل الأمارة أو الاستصحاب دليلا على تنزيل جزء الموضوع ، ما لم يكن هناك دليل على تنزيل جزئه الآخر ، فيما لم يكن محرزا حقيقة ، وفيما لم يكن دليل على تنزيلهما بالمطابقة ، كما في ما نحن فيه على ما عرفت ـ لم يكن دليل الأمارة دليلا عليه أصلا ، فإن دلالته على تنزيل المؤدى تتوقف على دلالته على تنزيل القطع بالملازمة. ولا دلالة كذلك إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدى ، فإن الملازمة إنما تكون بين تنزيل القطع به منزلة القطع بالموضوع الحقيقي ، وتنزيل المؤدى منزلة الواقع كما لا يخفى ، فتأمل جيدا ، فإنه لا يخلو عن دقة.

ثم لا يذهب عليك أن هذا لو تم لعم ، ولا اختصاص له بما إذا كان القطع مأخوذا على نحو الكشف (١).

______________________________________________________

التنزيلي ، فمعنى تعلق الأمارة بالمؤدى : تعلق القطع بالواقع ، فدلالة الدليل على تنزيل المؤدى موقوفة على دلالته التزاما على تنزيل الأمارة منزلة القطع ، هذا إثبات التوقف من أحد الطرفين.

وأما إثباته من الطرف الآخر فقد أشار إليه بقوله : «فإن الملازمة» الخ يعني : ولا دلالة لدليل الأمارة على تنزيل القطع بالمؤدى منزلة القطع بالواقع الحقيقي ؛ إلا بعد دلالته على تنزيل المؤدى. وجه هذا التوقف ـ أي : توقف دلالته على تنزيل القطع على دلالته على تنزيل المؤدى ـ ظاهر ؛ لأن الأولى التزامية والثانية مطابقية ، وضمير «دلالته» راجع إلى دليل التنزيل.

(١) المشار إليه هو التوجيه المذكور في حاشية الرسائل ، أي : لو تم التوجيه المذكور نظرا إلى الإشكال المذكور لعم جميع أقسام القطع ، وقوله : «لو» إشارة إلى امتناع تمامية التوجيه المذكور ، نظرا إلى الإشكال المزبور من استلزامه الدور على ما عرفته ، ومع الغض عن هذا الإشكال وتسليم تمامية ذلك التوجيه فمقتضاه : قيام الأمارة والاستصحاب مقام القطع الطريقي المحض والموضوعي بأقسامه الأربعة ؛ لأنه بعد فرض تكفل دليل الاعتبار لتنزيلين ـ أحدهما : بالمطابقة ، والآخر : بالالتزام ـ لا مانع من التعميم المزبور أصلا. هذا.

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إن قوله : «ولا اختصاص له ...» الخ ، قرينة على أن المراد بالقطع الذي جعله موردا لقيام الأصول مقامه ، وعدمه هو القطع الطريقي.

وقد تحصل مما ذكره المصنف : صحة قيام الأمارة بنفس أدلة اعتبارها مقام القطع الطريقي المحض ، وعدم صحة قيامها بها مقام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ١١٧».

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ أقسام القطع خمسة ؛ لأن القطع الموضوعي على أربعة أقسام :

١ ـ تمام الموضوع. ٢ ـ جزء الموضوع. ٣ ـ على نحو الطريقية. ٤ ـ على نحو الصفتية. وبعد ضم القطع الطريقي المحض إليها يصير المجموع خمسة أقسام.

وأما الفرق بين أقسام القطع الموضوعي فهو من جهتين :

الأولى : الفرق بين القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية ، وبين ما أخذ فيه على نحو الصفتية.

الثانية : بين ما أخذ تمام الموضوع وما أخذ جزء الموضوع.

أما الفرق من الجهة الأولى : فمعنى أخذ القطع على نحو الطريقية : أخذه فيه باعتبار كونه طريقا إلى ما تعلق به ، وكاشفا عنه.

وأما أخذه على نحو الصفتية فمعناه : أخذه في الموضوع بوجوده الخاص.

وأما الفرق من الجهة الثانية : فمعنى أخذ القطع تمام الموضوع هو ثبوت الحكم عند وجود القطع ، سواء كان مطابقا للواقع أو مخالفا.

وأما معنى أخذه جزء الموضوع : فهو ثبوت الحكم عند كون القطع مطابقا للواقع ؛ لأن المفروض : أن القطع هو جزء الموضوع ، وجزؤه الآخر هو الواقع.

٢ ـ قيام الأمارات وبعض الأصول مقام القطع.

فيقع البحث في مقامات :

١ ـ قيام الأمارات مقام القطع الطريقي المحض.

٢ ـ عدم قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية.

٣ ـ عدم قيامها مقام القطع المأخوذ فيه على نحو الطريقية.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

٤ ـ عدم قيام الأصول العملية مقام القطع الموضوعي أصلا.

فأما البحث في المقام الأول : فلا شك في قيام الأمارات بنفس أدلة اعتبارها مقام القطع الطريقي المحض ؛ لأن مفاد أدلة اعتبارها هو إلغاء احتمال مخالفتها للواقع ، فتنزل الأمارات بعد إلغاء احتمال الخلاف بأدلة اعتبارها بمنزلة القطع ، فيترتب عليها ما يترتب عليه من الحكم العقلي وهو التنجيز في صورة الإصابة ، والتعذير في صورة الخطأ ؛ لأن المراد بقيامها مقامه هو ترتيب أثره عليها.

وأما المقام الثاني : ـ أعني : عدم قيامها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية ـ فلأن مفاد دليل اعتبار الأمارة هو ترتيب آثار القطع بما أنه كاشف وطريق على الأمارة ، فلا يجعل الأمارة صفة القطع ؛ بل دليل اعتبار الأمارة يجعلها كالقطع في الطريقية لا في الصفتية.

نعم ؛ يمكن قيامها مقامه بالدليل الخاص ، لا بدليل الاعتبار. وهذا خارج عن محل الكلام.

وأما المقام الثالث : ـ أعني : عدم قيام الأمارات بنفس أدلة اعتبارها مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية ـ فلأن أدلة اعتبار الأمارات لا تثبت لها أزيد من كونها كالقطع في الكشف عن الواقع ، فلا تثبت كونها موضوعات للأحكام.

وأما المقام الرابع : ـ أعني : قيام الأصول مقام القطع الطريقي المحض ـ فما عدا الاستصحاب لا يقوم مقام القطع الطريقي المحض ؛ لأن مفاد هذه الأصول ليس إلا وظائف للجاهل بالأحكام ، فلا وجه لقيامها مقامه ؛ إذ مع الجهل لا نظر لها إلى الأحكام الواقعية أصلا. ومع عدم النظر إليها كيف يعقل ترتيب أثر الطريقية إلى الواقع ـ من التنجيز والتعذير ـ على الأصول؟

٣ ـ الاحتمالات والصور المتصورة في القطع الموضوعي هي : اثنتان وثلاثون صورة ؛ وذلك لأن القطع الموضوعي على أربعة أقسام ، وعلى جميع هذه الصور قد يكون ما يتعلق به القطع موضوعا ، وقد يكون حكما.

ثم صور تعلق القطع بالموضوع هي أربعة ، بمعنى : أن القطع قد يؤخذ في موضوع نفس حكم متعلقه ، وقد يؤخذ في موضوع مثل حكم متعلقه ، وقد يؤخذ في موضوع ضد حكم متعلقه ، وقد يؤخذ في موضوع مخالف حكم متعلقه. وحاصل ضرب الأربعة في الأربعة هي ستة عشرة صورة.

٨٠