دروس في الكفاية - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٧

غيره (١) ، بناء (٢) على عدم ثبوت الترجيح على تقدير (٣) الاعتبار في غير (٤) الأخبار.

وكذا (٥) لو تعارض اثنان منها في الوجوب والتحريم ، فإن المرجع في جميع ما ذكر من موارد التعارض هو الأصل الجاري فيها (٦) ولو كان نافيا ؛ لعدم (٧) نهوض طريق معتبر ، ولا (٨) ...

______________________________________________________

لعدم ثبوت الترجيح فيها ؛ بل الحكم فيها هو التساقط بناء على الطريقية. وضمير «منها» راجع إلى الأطراف المراد بها الطرق.

(١) أي : غير الخبر ، يعني : أنه لا يكون مورد تعارض غير الخبر من سائر الطرق من موارد الاحتياط الصغير مطلقا ، سواء كان لأحدهما ـ من المثبت أو النافي ـ يرجح أم لا بناء على اختصاص الترجيح بالخبرين المتعارضين ؛ كما هو مقتضى الأخبار العلاجية.

وبالجملة : فالطريقان المتعارضان خارجان عن موارد الاحتياط الصغير ، وداخلان في الاحتياط الكبير.

(٢) لاختصاص الترجيح المدلول عليه بالأخبار العلاجية بالخبرين المتعارضين ، وعدم شمولها لسائر الطرق المتعارضة.

(٣) أي : على تقدير اعتبار الأخبار العلاجية في مواردها ، وهو الأخبار المتعارضة ، وعدم حملها على الاستحباب كما قيل.

(٤) متعلق ب «عدم ثبوت» أي : عدم ثبوت الترجيح بالأخبار العلاجية في غير الأخبار المتعارضة.

(٥) أي : وكذا لا يلزم الاحتياط في الطرق ، ويرجع إلى الأصل ، وهذا هو المورد الرابع ، وحاصله : أنه إذا تعارض طريقان ـ من أطراف العلم الإجمالي بنصب الطريق ـ في الوجوب والحرمة لم يجب فيه الاحتياط ؛ لعدم إمكانه ، حيث يدور الأمر بين المحذورين. وضمير «منها» راجع على أطراف العلم الإجمالي بنصب الطرق.

(٦) أي : في تلك الموارد ولو كان الأصل نافيا.

(٧) تعليل لمرجعية الأصل في موارد تعارض الخبرين وعدم وجوب الاحتياط فيها.

(٨) أي : ولا نهوض «ما هو من أطراف العلم به» أي : بطريق معتبر ، يعني : لعدم وجود طريق معتبر من غير أطراف العلم الإجمالي على خلاف هذا الأصل النافي.

والحاصل : أن إجراء الاحتياط في الطرق ـ التي وقعت أطرافا للعلم الإجمالي بحجية بعض الطرق ـ ليس بمنزلة الاحتياط في محتملات التكليف التي كانت أطرافا للعلم الإجمالي بالتكليف ، فإن دائرة الاحتياط في الأول أصغر بكثير من دائرة الاحتياط في

٤٢١

ما هو من أطراف العلم به على خلافه فافهم (١).

وكذا (٢) كل مورد لم يجر فيه الأصل المثبت ؛ للعلم (٣) بانتقاض الحالة السابقة فيه إجمالا بسبب العلم به ، أو بقيام أمارة معتبرة عليه (٤) في بعض أطرافه ، بناء (٥) على عدم جريانه بذلك.

______________________________________________________

الثاني ، فاستلزام الاحتياط في محتملات التكليف عسرا أو اختلالا لا يوجب أن يكون الاحتياط في محتملات الطريق كذلك ؛ بل المسلّم أن في كثير مما كان مقتضى القاعدة الاحتياط ـ حسب العلم الإجمالي بمحتملات التكليف ـ لا يوجب الاحتياط حسب العلم الإجمالي بمحتملات الطريق.

(١) لعله إشارة إلى إن عدم وجوب الاحتياط في المورد الأخير وهو مورد تعارض الدليلين في الوجوب والحرمة ليس خاصا بصورة لزوم الاحتياط في أطراف الطرق ؛ بل إنه شامل لمورد وجوب الاحتياط في أطراف محتمل التكليف أيضا ، فلا وجه لجعله من هذه الموارد ؛ لأن الاحتياط في دوران الأمر بين المحذورين متعذر مطلقا ، فلا يختص عدم إمكانه بتعارض الطريقين ، فهذا المورد خارج عن موارد رفع اليد عن الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بنصب الطرق. أو إشارة إلى : أن خروج هذه الموارد عن الاحتياط لا يكفي في الاحتياط في باقي الأطراف إذا لم يلزم حرج منه.

(٢) عطف على «وكذا» المتقدم ، وهو إشارة إلى المورد الخامس.

وتوضيحه : أن المورد الذي لا يجري فيه الاستصحاب المثبت للتكليف ـ لأجل العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في بعض أطرافه ، أو لأجل قيام حجة قطعية الاعتبار على الانتقاض المزبور ؛ للزوم التناقض بين صدر الدليل وذيله ـ خارج أيضا عن الاحتياط في الطرق ، وداخل في الاحتياط الكلي ؛ لكونه أصلا لا ينافيه العلم بالخلاف.

(٣) متعلق ب «لم يجر» ، وضمير «فيه» راجع على كل مورد.

(٤) أي : على الانتقاض ؛ كقيام البينة على انتقاض الحالة السابقة في بعض أطراف العلم الإجمالي. وقوله : بسبب متعلق ـ «بانتقاض» وضمير «به» راجع إلى الانتقاض ، وضمير «أطرافه» راجع على «كل مورد».

(٥) قيد لقوله : «لم يجر» يعني : أن عدم جريان الاستصحاب ـ بعد العلم بالانتقاض إجمالا ـ مبني على عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ؛ وإلا فلا تصل النوبة إلى الأصل النافي ؛ بل يؤخذ بالاستصحاب المثبت للتكليف ، فقوله «بذلك أي : بالعلم بالانتقاض.

٤٢٢

وثانيا (١) : لو سلم أن قضيته لزوم التنزل إلى الظن : فتوهم أن الوظيفة حينئذ (٢) هو خصوص الظن بالطريق فاسد قطعا ؛ وذلك (٣) لعدم كونه أقرب إلى العلم ، وإصابة الواقع من الظن بكونه مؤدى طريق معتبر من دون الظن بحجية طريق أصلا ، ومن الظن بالواقع (٤) كما لا يخفى.

لا يقال (٥) : إنما لا يكون أقرب من الظن بالواقع إذا لم يصرف التكليف الفعلي

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب عما أفاده صاحب الفصول ، وقد تقدم توضيحه ، فلا حاجة إلى الإعادة.

وكيف كان ؛ فإن مقتضى ما أفاده صاحب الفصول من حجية الظن بالطريق ، وعدم وجوب الاحتياط في الطرق هو : لزوم التنزل إلى الظن.

(٢) أي : حين لزوم التنزل ـ حال الانسداد ـ إلى الظن.

(٣) بيان لفساد التوهم ، وضمير «كونه» راجع على الظن بالطريق أي : لعدم كون الظن بالطريق «أقرب إلى العلم وإصابة الواقع من» الظنيين الآخرين أي : من «الظن بكونه مؤدى طريق معتبر ـ من دون الظن بحجية طريق أصلا ـ» ؛ كأن لم يظن بكون الشهرة والخبر والإجماع والسيرة حجة ، ومع ذلك ظن بكون وجوب الدعاء عند رؤية الهلال مؤدى طريق معتبر.

(٤) كأن يظن بوجوب الدعاء «كما لا يخفي». وحينئذ : فلا وجه لاختصاص الحجية بالظن بالطريق ، وأنه لا يجب اتباع القسمين الآخرين من الظن ، فإن الظن حينئذ حاله حال العلم في زمان الانفتاح ، فكما أنه لا فرق بين العلم بالحكم وبين العلم بالطريق المؤدى إلى الحكم ، وبين العلم بكون هذا الحكم المؤدى طريق معتبر مجعول ؛ كذلك الظن في حال الانسداد حجة بالبينة إلى الثلاثة.

(٥) أي : لا يقال إنه لا يكون الظن بالطريق أقرب إلى الواقع من الظن بالواقع. هذا الإشكال من صاحب الفصول ، وغرضه من هذا الإشكال : هو إثبات أقربية الظن بالطريق من غيره ، وتعينه في مقام الحجية دون سائر الظنون.

والحاصل : إن عدم أقربية الظن بالطريق من الظنين المذكورين إنما هو فيما إذا لم نقل بصرف الواقع إلى المؤدى ، وأما مع صرفه إليه : فالمتبع هو مؤديات الطرق ؛ إذ ليس غيرها أحكاما فعلية ، فالظن بالواقع فقط غير مجد ، إلا إذا كان الواقع مؤدى الطرق ؛ لعدم تعلقه بالحكم الفعلي ؛ إذ المفروض : عدم كون الواقع فعليا.

٤٢٣

عنه (١) إلى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد (٢) ، فإن الالتزام به بعيد ؛ إذ الصرف لو

______________________________________________________

(١) أي : عن الواقع.

(٢) أي : ولو كان الصرف بنحو التقييد ، يعني : تقييد الواقع بكونه لا بد وأن يكون مؤدى الطريق ، أما بعد تقييد الواقع بكونه مؤدى الطريق : فلا ينفع الظن بالواقع إذا لم يكن عن الطريق ، لفرض كون الواقع ساقطا عن التكليف الفعلي.

وبعبارة أخرى ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٦٣٨» ـ :

إن صرف التكليف الفعلي عن الواقع على وجهين :

أحدهما : صرفه عنه لا بنحو التقييد ، والمراد به : صرف التكليف الفعلي عن الواقع إلى مؤدى الطريق مطلقا ـ يعني بلا تقييد كون هذا المؤدى هو الواقع ـ فيكون المنجز في حق المكلف هو مؤدى الطريق ، سواء صادف الواقع أم لا.

ثانيهما : صرفه عنه بنحو التقييد ، والمراد به : صرف التكليف الفعلي عن الواقع ـ بما هو واقع ـ إلى الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق ، فيكون المنجز في حق المكلف هو الواقع الذي أدى إليه الطريق ؛ لا الواقع بما هو واقع.

والفرق بين الوجهين : أنه على الأول : لا يوجد في الواقع ـ بالنسبة إلى من لم يصل إليه الطريق ـ حكم أصلا ، يعني : لا بمرتبته الاقتضائية ولا الإنشائية ولا الفعلية ولا التنجز ، وعلى الثاني : يوجد الحكم بمرتبته الإنشائية في حق من وصل إليه الطريق ومن لم يصل إليه ، ويصير في حق من وصل إليه الطريق فعليا ومنجزا أيضا. وعلى كلا الوجهين : لا يكون الظن بالحكم الواقعي بما هو حكم واقعي حجة ؛ إذ ليس في الواقع حكم فعلي حتى يكون الظن به ظنا بالحكم الفعلي ليكون حجة ، وإنما الحجة هو الظن بمؤدى الطريق مطلقا أو مقيدا به الواقع.

وبالجملة : فمع صرف التكليف الفعلي عن الواقع إلى مؤدى الطريق مطلقا ، أو إلى الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق : يكون الظن بالطريق أقرب إلى الواقع من الظن بنفس الواقع ، فلا بد من الالتزام به.

هذا تمام الكلام في توضيح الإشكال بقوله : «لا يقال» ، وقد أجاب المصنف عن هذا الإشكال بقوله : «فإن الالتزام به بعيد» ، يعني : أن الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد بعيد.

وقد أورد المصنف على الصرف بوجوه :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «إذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا».

وحاصل كلام المصنف في هذا الوجه الأول : أن الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد

٤٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يستلزم أحد محذورين على سبيل منع الخلو ؛ إما التصويب المحال ، وإما التصويب المجمع على بطلانه.

توضيح ذلك : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٦٤١» ـ أنه بناء على الصرف المطلق ـ أي : لا بنحو التقييد ـ بمعنى : كون التكليف مصروفا عن الواقع إلى مؤدى الطريق من غير تقييده بالواقع بأن يكون المنجز على المكلف هو مؤدى الطريق وإن خالف الواقع يلزم التصويب المحال.

أما لزوم التصويب : فلفرض دوران الحكم وجودا وعدما مدار الطريق.

وأما أنه محال : فلأن كون شيء طريقا إلى شيء يقتضي تقدم وجود ذي الطريق على الطريق حتى يكون الطريق مؤديا إليه ، وفرض ذي الطريق فيما نحن فيه مؤدى الطريق يقتضي تأخر وجوده عن الطريق ؛ لأن مؤدى الطريق لا يتحقق إلا بعد قيام الطريق عليه ، فيلزم أن يكون ذو الطريق ـ وهو هنا مؤداه ـ مقدما ومؤخرا في رتبة واحدة ، وهو محال. وبناء على الصرف بنحو التقيد ـ بمعنى : كون التكليف الفعلي أو المنجز مصروفا عن الواقع إلى مؤدى الطريق ؛ بأن يكون المنجز على المكلف هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق لا الواقع بما هو واقع ـ يلزم التصويب ، وهو هنا وإن لم يكن محالا ؛ لعدم دوران الحكم بجميع مراتبه الأربع مدار الطريق ، وإنما يكون في بعض مراتبه وهو فعليته أو تنجزه دائرا مداره ، وأما في مرتبته الاقتضائية والإنشائية : فهو مشترك بين جميع المكلفين ؛ لا أنه مختص بمن قام عنده الطريق إليه ، لكن مجمع على بطلانه ، فالقول بالصرف الذي هو مبنى اختصاص حجية الظن بالظن بالطريق ساقط عن الاعتبار.

هذا تمام الكلام في قسمين من التصويب ، وقد أشار إليهما بقوله : «لو لم يكن محالا فلا أقل من كونه مجمعا على بطلانه».

قوله : «ضرورة» تعليل لبطلان الصرف ولو كان بنحو التقييد.

وتوضيحه : أن الإجماع قائم على تنجز الواقع بالعلم والاجتزاء به معه ، مع أنه ليس طريقا مجعولا حتى يكون الاكتفاء بالواقع المعلوم لأجل كونه مؤدى طريق مجعول ؛ بل لأجل كونه هو الواقع ، فلو كان نصب الطريق صارفا عن الواقع ـ أي مقيدا له بكونه مؤدى الطريق ـ لم يجب العمل على متعلق القطع ، ولم يكن الإتيان به مجزيا ، مع أن الإتيان بالواقع مع الغض عن كونه مؤدى الطريق مجز قطعا ، فالإجزاء دليل على عدم

٤٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصرف وبقاء الواقع على حاله من الفعلية. هذا تمام الكلام في الوجه الأول.

الوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : «مع أن الالتزام بذلك غير مفيد» ، أي : الالتزام بمطلق الصرف ولو بنحو التقييد لا يجدي في إثبات حجية الظن بالطريق ؛ لأن الظن بالواقع ـ فيما يبتلي به المكلف من التكاليف ـ لا ينفك غالبا عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر. وهذه الملازمة الغالبية كافية في إثبات حجية الظن بالطريق المؤدية إلى الأحكام ، ولا حاجة معها إلى الالتزام بالصرف ولو بنحو التقييد.

الوجه الثالث : ما أشار إليه بقوله : «والظن بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد بناء على التقييد» ، وهذا الوجه مختص بالصرف بنحو التقييد ، ولا يجري في الصرف لا بنحو التقييد ؛ إذ المفروض في الصرف بنحو التقييد : أن الحكم الفعلي مؤلف من أمرين : أحدهما وجود الحكم واقعا ، وثانيهما : كونه مؤدى طريق معتبر ، ومن المعلوم : أن هذين الأمرين مفقودان في الصرف لا بنحو التقييد لتقومه بخلو الواقع عن الحكم.

وكيف كان ؛ فتوضيح ما أفاده المصنف : أنه ـ بنا على التقييد وأن موضوع فعلية الحكم هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق ـ لا يجدي في فعلية الحكم الظن بالطريق فقط ؛ لأنه ظن بجزء موضوع الحجية لا تمامه ، فلا بد في حجية الظن بالطريق من الظن بإصابة الواقع ، حتى يكون المظنون هو الواقع المتصف بكونه مؤدى الطريق ، ليتحقق الظن بكلا جزءي موضوع الفعلية ، ليثبت اعتبار الظن بالطريق بتقييد فعلية الواقع بكونه مؤدى الطريق المعتبر ؛ إذ من المعلوم : إن الظن بالطريق لا يستلزم الظن بالواقع دائما.

الوجه الرابع : ما أشار إليه بقوله : «مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد».

وحاصله : أن نصب الطريق ـ بعد تسليمه ـ لا يقتضي الصرف إلى مؤديات الطرق ، وتقييد الواقعيات بها ؛ بل غاية ما يقتضيه نصب الطريق بمثل قوله : «صدق العادل» هو اختصاص الحكم الواقعي المنجز بما أدى إليه الطريق ، فلا يكون الواقع الذي لم يؤد إليه الطريق منجزا ؛ لكن هذا الاختصاص منوط بمنجزية العلم الإجمالي بنصب الطريق ، والمفروض عدمها ؛ لكون الاحتياط التام في أطرافه ـ وهي مظنونات الطريقية ومشكوكاتها وموهوماتها ـ موجبا للاختلال ، فيبطل ، أو العسر فلا يجب.

وبناء على سقوط العلم الإجمالي عن التأثير لأجل الترخيص في أطرافه لا أثر للعلم الإجمالي بنصب الطرق ، فيكون حال الأحكام الواقعية في كفاية الظن بها حال عدم

٤٢٦

لم يكن تصويبا محالا (١) ، فلا أقل (٢) من كونه مجمعا على بطلانه ، ضرورة (٣) : أن القطع بالواقع يجدي في الأجزاء بما هو واقع ؛ لا بما هو مؤدى طريق القطع (٤) كما عرفت (٥).

ومن هنا (٦) انقدح : أن التقييد أيضا غير سديد ، مع أن الالتزام بذلك (٧) غير

______________________________________________________

هذا العلم الإجمالي ، والمفروض : أن العلم الإجمالي الكبير المتعلق بنفس الأحكام سقط عن التأثير أيضا ؛ لعين ما ذكر من الاختلال أو العسر ، فلا بد حينئذ في إثبات لزوم رعاية الأحكام الواقعية من استكشاف إيجاب الاحتياط شرعا على ما تقدم في المقدمة الرابعة ، ولا شك حينئذ : في اعتبار الظن بالواقع لو لم يكن أولى من الظن بالطريق ، لكونه أقرب إلى ما اهتم به الشارع من حفظ الواقعيان بإيجاب الاحتياط. هذا تمام الكلام في الوجوه التي أجاب بها المصنف عن «لا يقال».

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) إشارة إلى القسم الأول من التصويب ، وهو التصويب المحال.

(٢) إشارة إلى القسم الثاني من التصويب ، وهو ما قام الإجماع على بطلانه.

(٣) تعليل لبطلان الصرف ، وقد عرفت توضيح ذلك.

(٤) هذا من إضافة الصفة إلى الموصوف مثل : «جرد قطيفة» مثلا ، وكان الأولى أن يقال : «القطع الطريقي» أو «بما هو طريق».

(٥) يعني : في أول هذا الفصل حيث قال : «وأن المؤمن في حال الانفتاح هو القطع بإتيان المكلف به الواقعي بما هو كذلك ؛ لا بما هو معلوم ومؤدى الطريق».

(٦) يعني : ومما ذكرنا في وجه بطلان الصرف لا بنحو التقييد ـ من أن المجدي في الإجزاء هو الواقع بما هو واقع لا بما هو مؤدى الطريق ـ ظهر : أن تقييد الصرف ـ أي : الصرف بنحو التقييد أيضا يعني : كالصرف لا بنحو التقييد ـ غير سديد في إثبات أقربية الظن بالطريق إلى إصابة الواقع من الظن بنفس الواقع ؛ لما عرفت من : أن المجزي هو الواقع بما هو واقع لا بما هو مؤدى الطريق ، ولا الواقع بما هو مؤدى الطريق ؛ وذلك لأن الطريق ليس دخيلا في فعلية الحكم بحيث يقيد فعلية الواقع بصيرورته مؤدى الطريق ؛ إذ على تقدير الصرف ـ بحيث يقيد الواقع بنحو من الأنحاء بالطريق ـ لا يتصور إجزاء الواقع من حيث كونه واقعا بعد فرض تقييده بالطريق المنصوب ؛ بل لا بد من القول بأنه من حيث كونه معلوما ومؤدى الطريق مجز ، وقد عرفت أنه مجمع على بطلانه.

(٧) أي بالصرف ولو بنحو التقييد غير مفيد ، وقد عرفت توضيح ذلك.

٤٢٧

مفيد ، فإن الظن بالواقع فيما ابتلى به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ، والظن بالطريق ما لم يظن بإصابة الواقع غير مجد ، بناء على التقييد ؛ لعدم استلزامه الظن بالواقع المقيد (١) به بدونه (٢).

هذا مع (٣) عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد ، غايته (٤): أن العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة من التكاليف الفعلية ، والانحلال (٥) وإن كان يوجب عدم تنجز ما لم يؤدّ إليه الطريق من التكاليف الواقعية ؛ إلا أنه (٦) إذا كان

______________________________________________________

(١) صفة للواقع ، وضمير «به» راجع على الطريق ، وضمير «استلزامه» راجع على الظن بالطريق.

(٢) أي : بدون الظن بالإصابة. ومحصله : أن الظن بالطريق لا يستلزم الظن بالواقع إلا مع الظن بالإصابة ، ومعه يكون الظن بكل من الواقع والطريق موجودا. وبعبارة أخرى : الظن بالواقع يستلزم غالبا الظن بالواقع والطريق المعتبر معا ، بخلاف الظن بالطريق فقط ـ أي : من دون ظن بالإصابة ـ فإنه لا يستلزم الظن بالواقع ، فلا يكفي الظن بالطريق فقط في تحقق الظن بالواقع.

(٣) هذا هو الوجه الرابع ، وقد عرفت توضيح ذلك ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٤) أي : غاية الأمر في نصب الطريق هو : «أن العلم الإجمالي بنصب طرق وافية» بالأحكام الواقعية ، «يوجب انحلال العلم» الإجمالي «بالتكاليف الواقعية». ـ وهو العلم الإجمالي الكبير بالأحكام الواقعية ، الذي كان مقتضاه الاحتياط في جميع المشكوكات والمظنونات والموهومات ـ «إلى العلم» العلم «بما هو مضامين الطرق المنصوبة» ، فلا يجب الاحتياط فيما عداها. فقوله «إلى العلم» متعلق ب «انحلال» أي : انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي الصغير.

(٥) أي : وانحلال العلم الإجمالي بالتكاليف الواقعية بسبب العلم الإجمالي الصغير ، وهو العلم الإجمالي بنصب الطرق وإن كان مقتضاه عدم تنجز الواقع الذي لن يؤدّ إليه الطريق ؛ لكن هذا الانحلال مبني على منجزية العلم الإجمالي الصغير ، وإيجابه للاحتياط في أطرافه.

(٦) أي : عدم تنجز ما لم يؤد إليه الطريق إنما يكون «إذا كان رعاية العلم بالنصب لازما» ، والمفروض : عدم لزومها.

٤٢٨

رعاية العلم بالنصب لازما ، والفرض (١) عدم اللزوم ، بل عدم الجواز.

وعليه (٢) : يكون التكاليف الواقعية ؛ كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب في كفاية الظن بها حال انسداد بالعلم ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) الواو للحال ، أي : والحال أن رعاية الاحتياط غير لازم لأجل العسر ؛ بل غير جائز لاختلال النظام.

وتفصيل الكلام في المقام : أن هذا العلم الإجمالي الصغير الذي هو منحصر في مؤديات الأمارات والطرق غير لازم المراعاة ، فلا يجب علينا العمل على طبق هذا العلم الإجمالي ، وإذا لم يجب مراعاة هذا العلم الإجمالي الصغير ، وعلمنا بأن لنا تكاليف وجب الرجوع إلى الظن بمطلق الحكم ، فيكون الظن بالحكم ـ سواء كان في دائرة العلم الإجمالي الصغير ، أو دائرة العلم الإجمالي الكبير ـ لازم الاتّباع ، ولا اختصاص لحجية الظن بكونه متعلقا بالأمارة والطريق.

وأما أن رعاية هذا العلم الإجمالي الصغير غير لازم : فلأن الاحتياط في جميع الأمارات والطرق يوجب العسر فلا يجب ، أو الاختلال فلا يجوز ، والاحتياط في بعض الأمارات والطرق غير لازم ؛ لما تقدم من أن العلم الإجمالي إذا لم يجب أو لم يجز العمل في بعض أطرافه لم يجب العمل في البعض الآخر.

وأما أنه إذا لم يجب أو لم يجز مراعاة العلم الإجمالي الصغير كان اللازم اتباع الظن في دائرة العلم الإجمالي الكبير : فلأنه حيث لم يلزم مراعاة العلم الإجمالي الصغيرة وعلمنا أن الشارع لم يرفع اليد عن تكاليفه لاهتمامه بها ، ولم يحصل لنا القطع بالتكاليف قام الظن مقام القطع ، وتنتج هذه المقدمات حجية الظن مطلقا بالواقع أو الطريق ، ولا يثبت كلام الفصول القائل بحجية الظن بالطريق فقط.

فتحصل : أن انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى دائرة الأمارات غير مفيد لدعوى الفصول ، وإلى ما تقدم شرحه أشار المصنف بقوله : «والفرض عدم اللزوم» أي : عدم لزوم مراعاة العلم الإجمالي الصغير للزومه العسر ؛ «بل عدم الجواز» للزومه الاختلال ، ولا يتبعض الاحتياط في أطراف هذا العلم ؛ لأنه إذا سقط بعض الأطراف لم ينجز العلم بعض الأطراف الأخر.

(٢) أي وعلى ما ذكر من عدم لزوم مراعاة العلم الإجمالي في أطراف الطرق والأمارات ، فلا يجب أو لا يجوز «يكون التكاليف الواقعية ، كما إذا لم يكن هناك علم بالنصب».

٤٢٩

ولا بد حينئذ (١) من عناية أخرى (٢) في لزوم رعاية الواقعيات بنحو من الإطاعة ، وعدم إهمالها رأسا كما أشرنا إليها (٣). ولا شبهة في إن الظن بالواقع لو لم يكن أولى حينئذ (٤) ـ لكونه (٥) أقرب في التوسل به إلى ما به الاهتمام من فعل الواجب وترك الحرام ـ من الظن بالطريق ، فلا أقل من كونه مساويا (٦) فيما يهم العقل من (٧)

______________________________________________________

للطرق والأمارات أصلا حتى يجب الاحتياط كلا أو بعضا ؛ لفرض سقوط العلم الإجمالي بالنصب عن التأثير ، فوجوده كعدمه وضمير «بها» راجع على التكاليف الواقعية ، فيكون الظن بالتكليف الواقعي منجزا ولو لم يظن بطريق قائم عليه أصلا.

(١) أي : حين سقوط العلم الإجمالي بنصب الطريق ، فلا يجب الاحتياط أو لا يجوز في أطراف العلم الإجمالي الصغير ؛ لعدم إمكان الاحتياط في أطرافه للاختلال أو الحرج.

(٢) يعني : غير العلم الإجمالي في الأحكام والطرق ؛ لسقوطه في كليهما بالاختلال أو الحرج ، أو سقوط العلم الإجمالي الكبير بالانحلال ، أي : انحلال العلم الإجمالي الكبير إلى العلم الإجمالي الصغير والعلم الإجمالي الصغير بالاختلال أو العسر والحرج. ومراده ب «عناية أخرى» هو إيجاب الاحتياط الشرعي المستكشف ببرهان اللم أعني : اهتمام الشارع بالأحكام ، وعدم إهمالها في حال الانسداد ، فلا بد من رعاية الواقعيات «بنحو من الإطاعة».

(٣) أي : أشرنا إلى هذه العناية في المقدمة الثالثة من مقدمات الانسداد ، حيث قال : «وقد علم به» يعني بإيجاب الاحتياط «بنحو اللم ، حيث علم اهتمام الشارع بمراعاة تكاليفه».

(٤) أي : حين عدم لزوم رعاية العلم الإجمالي بنصب الطريق ، وكونه كالعدم ، ومن المعلوم : أنه لا شبهة في أولوية الظن بالواقع من الظن بالطريق ؛ لسقوط العلم بنصب الطرق عن الاعتبار ، فلا مجال لرعاية الظن به.

(٥) أي : لكون الظن بالواقع «أقرب في التوسل به» أي : بالظن بالواقع «من الظن بالطريق» ، أو لا أقل : الظن بالواقع يكون مساويا «للظن بالطريق».

(٦) ولا يخفى : أن المصنف من باب التنزل جعل الظن بالطريق مساويا للظن بالواقع ؛ وإلا فعلى تقدير عدم لزوم رعاية العلم بنصب الطريق لا مجال لاعتبار الظن بالطريق ، ما لم يستلزم الظن بالواقع.

(٧) بيان للموصول «فيما يهم». والحاصل : أن الظن بالواقع أقرب من الظن بالطريق ؛

٤٣٠

تحصيل الأمن من العقوبة في كل حال (١).

هذا (٢) مع ما عرفت من أنه عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق ، وهو (٣) بلا شبهة يكفي ، ولو لم يكن هناك ظن بالطريق ، فافهم فإنه دقيق.

ثانيهما (٤) : ما اختص به بعض المحققين ، قال : «لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية ، ولم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية ، وأن الواجب (٥) علينا أولا هو :

______________________________________________________

لأن احتمال الخطأ فيه أقل من احتماله في الظن بالطريق ؛ لتطرق احتمال عدم الإصابة في الظن بالواقع ، فإن احتمال الخطأ فيه أزيد ؛ لأنه كما يكون من جهة عدم إصابة الظن بالطريق ، كذلك يكون من جهة عدم إصابة المؤدى للواقع.

وعليه : فالظن بالواقع أقرب إلى ما اهتم الشارع به من الظن بالطريق القائم عليه ، وبهذا كله تحقق أنه ليس نتيجة دليل الانسداد حجية الظن بالطريق فقط ؛ بل لا فرق بين الظن بالواقع أو الظن بالطريق.

(١) أي : سواء في حال الانفتاح أم الانسداد.

(٢) هذا تمام الكلام في رد صاحب الفصول القائل بحجية الظن بالطريق فقط ، ولازم ما ذكر من الرّد : هو حجية الظن بالواقع أيضا ؛ لما تقدم من أن الظن بالواقع عادة يلازم الظن بأنه مؤدى طريق ، حيث قال قبل أسطر : «فإن الظن بالواقع فيما ابتلى به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر».

(٣) يعني : وكون الظن بالواقع ملازما عادة للظن بأن هذا الواقع المظنون مؤدى طريق ، يكفي بلا شبهة في الوصول إلى ما اهتم به الشارع من فعل الواجب وترك الحرام ، وحاصله : أنه لا تترتب ثمرة على اعتبار خصوص الظن بالطريق ؛ إذ الظن بالواقع الذي يبتلي به المكلف لا ينفك عن الظن بأنه مؤدى طريق معتبر.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الوجهين اللذين استدل بهما صاحب الحاشية وصاحب الفصول على كون نتيجة دليل الانسداد حجية الظن بالطريق فقط.

(٤) أي : ثاني ذينك الوجهين «ما اختص به بعض المحققين» وهو صاحب حاشية المعالم استدل بما حاصله : أن الظن بالطريق يوجب فراغ الذمة ـ سواء كان الطريق مطابقا للواقع أم لا ـ أما الظن بالواقع : فلا يوجب فراغها. وقد تقدم تفصيل الاستدلال بهذا الوجه ، فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٥) عطف على «كوننا» أي : ولا ريب في أن الواجب علينا «أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف».

٤٣١

تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلف (١) ؛ بأن يقطع معه (٢) بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به ، وسقوط (٣) تكليفنا عنا ، سواء حصل العلم معه بأداء (٤) الواقع أولا حسبما مر تفصيل القول فيه.

حينئذ (٥) نقول : إن صح لنا (٦) تحصيل العلم بتفريغ ذمتنا في حكم الشارع ، فلا

______________________________________________________

(١) بصيغة الفاعل وهو الشارع ، وكلمة «في» بمعنى الباء ، أو أنها متعلقة ب «تحصيل العلم» ، والمقصود أن اللازم عقلا هو تحصيل العلم بحكم الشارع بتفريغ الذمة.

(٢) الضمير راجع إلى الإتيان بالمكلف به المستفاد من سياق الكلام ، وضمير «بحكمه» راجع على المكلف ـ بالكسر ـ المراد به الشارع. وهذا القطع بحكم الشارع بالفراغ إنما يكون بالعمل على طبق الطريق المنصوب من قبل الشارع ؛ وذلك لأن نصب الشارع للطريق ملزوم لحكمه بفراغ ذمة المكلف العامل على طبقه عن الواقع الذي نصب لأجله الطريق ، «سواء حصل العلم معه» أي : مع العلم بتفريغ الذمة «بأداء الواقع أو لا حسبما مرّ» في الوجه الأول «تفصيل القول فيه» ، وأن نصب الطريق معناه تقيد الأحكام الواقعية بها ، فيكون المهم لدى العقل الإتيان على طبق الطريق فحسب.

(٣) عطف على «بتفريغ» ، والأولى تبديل السقوط ب «الإسقاط أو «التفريغ» ب «الفراغ» لتصح المقابلة بينهما.

(٤) متعلق ب «العلم» يعني : سواء حصل مع حكم الشارع بتفريغ الذمة العلم بأداء الواقع أم لم يحصل ؛ لأن مفاده تحصيل العلم بحكم الشارع بالفراغ ، سواء حصل ـ مع هذا الحكم بالفراغ ـ العلم بوجود الواقع وتحققه أم لا ؛ فإنه كالصريح في بقاء الواقع على ما هو عليه وعدم صرفه إلى مؤدى الطريق ، وبهذا يفترق هذا الوجه عن الوجه الأول الذي ذكره صاحب الفصول تبعا لبعض الفحول.

(٥) أي : حين تمامية المقدمات الثلاث ـ وهي : القطع بثبوت الأحكام ـ وكون المهم إحراز فراغ الذمة ـ وأن جعل الطريق ملزوم لفراغ الذمة ، بخلاف جعل الواقع ، فإنه ليس ملزوما لفراغ الذمة ؛ لأن الحكم بالفراغ في صورة إتيان الواقع معلول للقطع بالواقع لا لنفس الواقع.

(٦) هذا شروع في كيفية تحصيل فراغ الذمة ، وهو الأمر الثالث ، بتقريب : أنه مع العلم بالطريق المنصوب يجب تحصيل العلم به ؛ لتوقف العلم بالفراغ عليه ، ومع عدمه ـ لانسداد باب العلم بالطريق ـ يجب تحصيل الظن به ؛ لأنه الأقرب إلى العلم بالطريق. فالنتيجة حينئذ بعد العلم ببقاء التكليف ولزوم امتثاله بالطرق المنصوبة عليه هو : اعتبار الظن بالطريق.

٤٣٢

إشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسد علينا سبيل العلم كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه ؛ إذ هو الأقرب إلى العلم به (١) ، فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في (٢) حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم والقطع (٣) ببقاء التكليف ، دون (٤) ما يحصل معه الظن بأداء الواقع كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن (٥)» (*). انتهى موضوع الحاجة من كلامه «زيد في علوّ مقامه».

وفيه (٦) : أولا : أن الحاكم على الاستقلال في باب تفريغ الذمة بالإطاعة والامتثال إنما هو العقل ، وليس للشارع في هذا الباب (٧) حكم مولوي يتبعه حكم العقل ، ولو حكم (٨) في هذا الباب كان يتبع حكمه إرشادا إليه ، وقد عرفت : استقلاله (٩) بكون

______________________________________________________

وكلمة «في» في قوله «في حكم الشارع» بمعنى الباء وقد تقدم نظيره آنفا.

والضمير في «وجوبه» راجع إلى تحصيل العلم بالتفريغ ، وضمير «به» راجع على العلم بالتفريغ.

قوله : «إذ» تعليل لوجوب تحصيل الظن ، وضمير «هو» راجع إلى الظن.

(١) أي : إلى العلم بالتفريغ.

(٢) متعلق بقوله : «فيتعين» ، والضمير في «الأخذ به» راجع إلى الظن بالطريق.

(٣) عطف على قوله : «انسداد».

(٤) قيد لقوله : «تحصيل الظن بالبراءة» ، يعني : أن الواجب تحصيل الظن بالبراءة ؛ لا تحصيل الظن بأداء الواقع.

(٥) حيث إنه يرى أن الظن بالواقع أقرب.

(٦) وقد أجاب المصنف عن دليل صاحب الحاشية بوجوه ثلاثة ، وقد تقدم تفصيل الكلام فيها فراجع.

(٧) أي : باب تفريغ الذمة ، وقوله : «بالإطاعة» متعلق ب «الحاكم».

وحاصل الكلام في المقام : أنه ليس للشارع في باب تفريغ الذمة «حكم مولوي» حتى «يتبعه حكم العقل» ، ويكون اللازم حينئذ : إفراغ الذمة شرعا حتى يقال : بأن الإفراغ الشرعي إنما يكون بمتابعة الطريق.

(٨) أي : لو حكم الشارع في هذا الباب لكان حكمه تابعا لحكم العقل وإرشادا إليه ؛ كحكمه في باب الإطاعة والمعصية ، حيث يكون إرشادا إلى حكم العقل.

(٩) أي : العقل «بكون الواقع بما هو» لا بما هو مؤدى الطريق «مفرغ» للذمة.

__________________

(*) هداية المسترشدين ٣ : ٣٥٢.

٤٣٣

الواقع بما هو مفرغ ، وأن القطع به (١) حقيقة أو تعبدا مؤمّن جزما ، وإن المؤمّن (٢) في حال الانسداد هو الظن بما كان القطع به مؤمّنا حال الانفتاح ، فيكون الظن أيضا (٣) مؤمّنا حال الانسداد.

وثانيا : سلمنا ذلك (٤) ؛ لكن حكمه بتفريغ الذمة ـ فيما (٥) إذا أتى المكلف بمؤدى الطريق المنصوب ـ ليس (٦) إلا بدعوى أن النصب يستلزمه (٧) ، مع أن دعوى أن

______________________________________________________

الصواب نصب «مفرغ» ؛ لأنه خبر لقوله : «بكون الواقع» ، يعني : وقد عرفت استقلال العقل بكون الواقع بما هو واقع مفرغا للذمة.

(١) أي : بالواقع «حقيقة أو تعبدا» بنصب أمارة مؤدية إليه «مؤمّن جزما».

فقوله : «أن القطع» مجرور محلا عطفا على «بكون الواقع» أي : وقد عرفت أيضا : استقلاله بأن القطع بالواقع حقيقة ...» الخ. والأول وهو القطع بالواقع حقيقة ما إذا حصل القطع بإتيان الواقع. والثاني : وهو القطع بالواقع تعبدا ما إذا حصل القطع بموافقة الطريق المنصوب شرعا ، فهما قيدان ل «القطع».

(٢) عطف على «وأن القطع أي : وقد عرفت أيضا : استقلال العقل بأن المؤمن في حال الانسداد هو الظن ...» الخ.

(٣) يعني : مثل مؤمنية الظن بالطريق ؛ إذ المفروض : قيام الظن مقام العلم في حال الانسداد ، ومن المعلوم : أن العلم بكل من الواقع والطريق في حال الانفتاح كان مؤمّنا ، فالظن بكل منهما في حال الانسداد مؤمّن أيضا كما لا يخفى.

(٤) أي : سلمنا أن للشارع في باب الإطاعة حكما مولويا ، وهذا هو الوجه الثاني في الجواب عن دليل صاحب الحاشية ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم الوجه الأول ـ نقول : إن جعل الطريق كما يكون مستلزما لجعل الفراغ ، كذلك يستلزم جعل الحكم الواقعي لجعل الفراغ بالأولوية ؛ لكون الواقع أصلا ومؤدى الطريق بدلا عنه ومنزلا منزلته ، فترتب الحكم بالفراغ على جعل الحكم الواقعي أولى من ترتبه على جعل الطريق.

(٥) متعلق ب «حكمه بتفريغ الذمة» ، وضمير «حكمه» راجع على الشارع.

(٦) خبر لقوله : «لكن حكمه».

(٧) الضمير المستتر فيه راجع إلى «النصب» ، والبارز راجع على حكم الشارع ، يعني : يستلزم النصب حكم الشارع بفراغ الذمة.

وتوضيحه : أن جعل الحكم بالفراغ ـ لو سلم ـ فإنما هو لكونه من لوازم النصب ؛ وإلا فليس الحكم بالفراغ مجعولا نفسيا مستقلا.

٤٣٤

التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ ، فيما إذا أتى به أولى (١) كما لا يخفى ، فيكون الظن به ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا (٢).

إن قلت (٣) : كيف يستلزم (٤) الظن بالواقع مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه به معه ، كما إذا كان من القياس؟ وهذا (٥) بخلاف الظن بالطريق ، فإنه يستلزمه ولو كان من القياس.

قلت : الظن بالواقع أيضا (٦) يستلزم الظن بحكمه بالتفريغ على الأقوى ، ولا

______________________________________________________

(١) خبر «أن دعوى» يعني : أن دعوى حصول الفراغ بالواقع أولى من حصوله من الظن بمؤدى الطريق ؛ إذ لما كان الحكم بالفراغ من لوازم جعل الطريق ، فكونه من لوازم الواقع أولى ، كما تقدم تقريبه. فقوله : «مع أن دعوى» ليس وجها مستقلا ؛ بل هو تتمة للوجه الثاني ، فكأنه قال : «والحال أن دعوى ... أولى».

(٢) يعني : إذ كان القطع بالواقع كالقطع بالطريق في الإفراغ ، «فيكون الظن به» أي : بالواقع كالظن بالطريق «ظنا بالحكم بالتفريغ أيضا» ، فلا فرق بينهما.

(٣) غرض المستشكل : منع لملازمة التي ادعاها المصنف بقوله : «أن التكليف بالواقع يستلزم حكمه بالتفريغ» ، وتقريب المنع : أن الظن بالواقع قد لا يستلزم الظن بحكم الشارع بالفراغ ؛ كما إذا حصل الظن به من القياس الذي يعلم بعدم كونه طريقا شرعا ، وهذا بخلاف الظن بالطريق المنصوب.

فإنه مستلزم للظن بحكم الشارع بالفراغ ؛ وإن كان الظن بطريقية شيء ناشئا من القياس.

(٤) أي : كيف يستلزم الظن بالواقع للظن بحكم الشارع بالفراغ؟ «مع أنه ربما يقطع بعدم حكمه» أي : بعدم حكم الشارع بالفراغ مع الظن بالواقع ، «كما إذا كان» الظن الحاصل «من القياس» ، فإنه لو قام القياس على شيء ظن الشخص بأنه الواقع ـ كما في قصة قطع أصابع المرأة ـ مع أنه يقطع بعدم حكمه بالفراغ.

(٥) أي : والظن بالواقع بخلاف الظن بالطريق ، «فإنه» أي : الظن بالطريق «يستلزمه» أي : يستلزم حكمه بالفراغ ولو حصل الظن بالطريق من القياس ؛ كالظن بطريقية الإجماع المنقول الحاصل من قياسه على خبر الواحد مثلا.

(٦) أي : كالظن بالطريق في استلزامه الظن بالفراغ.

وتوضيح ما أفاده في دفع الإشكال : أن الظن بالواقع يستلزم الظن بالفراغ مطلقا وإن نشأ الظن بالواقع من القياس ؛ وذلك لأن النهي عن القياس طريقي ناشئ عن

٤٣٥

ينافي (١) القطع بعدم حجيته لدى الشارع ، وعدم كون المكلف معذورا ـ إذا عمل به فيها ـ فيما (٢) أخطأ ؛ بل كان (٣) مستحقا للعقاب ولو فيما أصاب لو بنى (٤) على حجيته ، والاقتصار عليه لتجريه (٥). فافهم (٦).

______________________________________________________

مخالفته أحيانا للواقع ، فمع المصادفة تحصل براءة الذمة عن الواقع.

نعم ؛ إذا كان النهي موضوعيا لحدوث مفسدة في سلوك القياس غالبة على مصلحة الواقع ، فلا يكون حينئذ : ظنا بالفراغ ؛ لصيرورة الواقع بسبب سلوك القياس مبغوضا ؛ لكن ظاهر النهي عنه هو : الأول ، فالظن بالواقع الناشئ من القياس يستلزم الظن بالفراغ حينئذ.

(١) هذا دفع لتوهم التنافي بين الظن بفراغ الذمة من الظن القياسي ، وبين نهي الشارع عنه المستلزم لعدم اعتبار الظن الحاصل من القياس ، وبينهما تناف واضح.

وحاصل الدفع : أن الظن بالفراغ لا ينافي القطع بعدم حجية الظن بالواقع الحاصل من مثل القياس ؛ إذ الظن بالفراغ لا ينافي عدم الحجية ؛ بل العقاب أيضا ، فلو ظن الإنسان بالحكم من القياس ظن بالفراغ لو أتى بذلك الحكم المظنون ، وهذا الظن لا ينافي عدم الحجية الشرعية ؛ بل لا ينافي أن يعاقب على اتباعه للقياس ، كما أشار إليه بقوله : «وعدم كون المكلف معذورا إذا عمل به» أي بذلك الظن غير المعتبر.

والضمير في «فيهما» راجع إلى الظن بالواقع والظن بالطريق الحاصلين من الظن الذي يقطع بعدم حجيته شرعا كالقياس.

(٢) متعلق بقوله : «معذورا».

(٣) أي : بل كان المكلف مستحقا للعقاب ؛ لتفويته الواقع باختياره بما أخطأ.

(٤) أي : لو بنى المكلف على حجية ذلك الظن غير المعتبر كالقياس ؛ لكن العقاب حين الإصابة يكون على التشريع ؛ إذ المفروض : أنه بنى على حجيته ، وفي صورة الخطأ يكون على تفويت الواقع والتشريع معا.

(٥) علة لاستحقاق العقوبة في صورة الإصابة ، والمراد بالتجري هو : التشريع.

(٦) لعله إشارة إلى أن العقاب على سلوك القياس لا ينافي الحكم بالفراغ عن الواقع في صورة الإصابة. أو إشارة إلى ما ذكرناه من التنافي بين نهي الشارع عن القياس ، وبين حكمه بفراغ الذمة فيما لو اتبع الظن القياسي ؛ لأن مقتضى نهي الشارع عن القياس بقول مطلق : عدم ترتيبه أي أثر عليه ، وحكمه بفراغ الذمة بالعمل بالقياس نقض لنهيه عن القياس مطلقا ، فلا يوجب الظن القياسي ظنا بفراغ الذمة أصلا.

٤٣٦

وثالثا (١) : سلمنا أن الظن بالواقع لا يستلزم الظن به ؛ لكن قضيته ليس إلا التنزل إلى الظن بأنه مؤدى طريق معتبر ؛ لا خصوص الظن بالطريق ، وقد عرفت : أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بأنه مؤدى الطريق غالبا.

______________________________________________________

لا يقال : إن النهي الطريق لا ينافي حكم الشارع بفراغ الذمة مع الإصابة ، فينافي العقوبة معها ؛ إذ الغرض من النهي الطريقي ـ كالأمر الطريقي ـ هو حفظ الواقع من دون وجود مفسدة في المنهي عنه توجب استحقاق العقوبة ارتكابه حتى في صورة الإصابة ؛ كما هو شأن الموضوعية.

وعليه : فاستحقاق العقوبة في صورة الإصابة كاشف عن عدم كون النهي طريقيا ؛ بل موضوعي.

فإنه يقال : العقاب إنما هو لأجل التشريع ؛ إذ المفروض : أنه بنى على حجية القياس ، وإسناده إلى الشارع ، ومن المعلوم : حرمة التشريع ، فيستحق العقوبة حتى في صورة الإصابة.

(١) هذا هو الوجه الثالث في الجواب عن دليل صاحب الحاشية.

وحاصل الجواب الثالث : أنه سلمنا أن الظن بالواقع مما لا يستلزم الظن بتفريغ الذمة في حكم الشارع ؛ ولكن مقتضى ذلك : أن يكون كلا من الظن بأنه مؤدى طريق معتبر إجمالا ، والظن بالطريق حجة قطعا لا خصوص الظن بالطريق فقط ، فالدليل المتقدم لا ينتج حجية خصوص الظن بالطريق ؛ لأنه بعد بنائه على عدم التصويب والتقييد بل بقاء الواقع على حاله وفعليته : فاللازم هو اعتبار الظن بواقع يظن بكونه مؤدى طريق معتبر. وعلى هذا : فلا ينفك الظن بالواقع عن الظن بكونه كذلك ، فالظن بالواقع حجة أيضا لا خصوص الظن بالطريق كما تخيله المستدل.

فتلخص : أنه لا دليل على اختصاص نتيجة مقدمات دليل الانسداد بحجية الظن بالطريق ؛ إذ كما أن الإتيان بمؤدى طريق ظن نصبه شرعا هو مما يوجب الظن بتفريغ الذمة في حكم الشارع ؛ فكذلك الإتيان بما ظن كونه مؤدى طريق معتبر إجمالا ، من دون ظن تفصيلي بالطريق الذي قام عليه خارجا هو مما يوجب الظن بتفريغ الذمة في حكمه أيضا. وقد عرفت قبلا : أن الظن بالواقع لا يكاد ينفك عن الظن بكونه مؤدى طريق معتبر إجمالا ، وعليه : فلا تبقى ثمرة للنزاع بيننا وبين الخصم أصلا ؛ إذ لا يبقى فرق بين الظن بالطريق والظن بالواقع من حيث حصول الظن بتفريغ الذمة في حكم الشارع.

٤٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : «لا خصوص الظن بالطريق» عطف على «التنزل» ، وضمير «بأنه» راجع على الواقع.

قوله : «غالبا» يعني : في الأحكام المبتلى بها ، وأما غيرها فلا يكون الظن فيه بالواقع ظنا بكونه مؤدى طريق معتبر ؛ لاحتمال كونه مما سكت الله عنه.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان الأقوال والاستدلال عليها :

القول الأول : حجية الظن بالطريق والظن بالواقع معا.

القول الثاني : حجية الظن بالواقع فقط.

القول الثالث : حجية الظن بالطريق فقط.

والقول الأول هو مختار المصنف «قدس‌سره» ، وتوضيح الاستدلال عليه يتوقف على مقدمة وهي : أن هناك مقدمتين تنتجان حجية الظن بكل من الواقع والطريق :

المقدمة الأولى : أن همّ العقل في باب الإطاعة والمعصية هو تحصيل الأمن عن العقوبة على مخالفة التكليف ، من دون فرق بين الانفتاح والانسداد ، وهذه المقدمة كالتمهيد للصغرى في المقدمة الثانية.

والمقدمة الثانية : مركبة من صغرى وكبرى.

وأما الصغرى : فهي أن المؤمّن حال الانفتاح هو كل من القطع بإتيان المكلف به الواقعي ، والقطع بإتيان المكلف به الجعلي الظاهري.

وأما الكبرى : فهي كلما كان القطع به مؤمّنا في حال الانفتاح كان الظن به مؤمّنا في حال الانسداد ، فتنتجان : أن الظن حال الانسداد كالقطع حال الانفتاح.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المؤمّن حال الانفتاح هو كل من القطع بإتيان المكلف به الواقعي والمكلف به الجعلي والظاهري ، فالمؤمن حال الانسداد أيضا هو كل من الظن بإتيان المكلف به الواقعي والظن بإتيان المكلف به الجعلي الظاهري ، ومقتضى ذلك هو : حجية الظن في تعيين كل من الواقع والطريق جميعا.

فنتيجة المقدمتين : حجية الظن بالطريق والواقع معا ؛ لا حجية الظن بأحدهما فقط.

٢ ـ وأما الدليل على حجية الظن بالواقع والفروع فقط : فلاختصاص المقدمات

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالفروع ، فلا بد أن تكون نتيجتها أيضا هي مختصة بها ؛ لأن المحور هي الأحكام ، ولازم ذلك : اختصاص حجية الظن بها.

وقد أجاب المصنف عن هذا الدليل بما حاصله : من أن الحكم تكليفيا كان أم وضعيا يدور مدار ما هو الغرض والملاك ، ثم الغرض من جريان مقدمات الانسداد في الفروع هو حجية الظن في مقام تفريغ الذمة ، وتحصيل الأمن من العقوبة على مخالفة التكليف المعلوم إجمالا ، ولا فرق حينئذ : بين الظن بالواقع والظن بالطريق ؛ إذ كما لا فرق حال الانفتاح بين العلم بالواقع والعلم بالطريق ، فكذلك لا فرق حال الانسداد بين الظن بالواقع والظن بالطريق ؛ وذلك لاستقلال العقل بأنه كلما كان العلم به حجة حال الانفتاح كان الظن به حجة حال الانسداد.

٣ ـ وأمّا الدليل على اختصاص حجية الظن بالطريق فقط : فهو أحد وجهين :

أما الوجه الأول : فحاصله : إن هنا علمين أحدهما : يتعلق بالأحكام الواقعية. وثانيهما : يتعلق بالطرق المنصوبة إليها يعني : كما أنّا نعلم بأحكام فرعية فعلية ، فكذلك نعلم بنصب الشارع طرقا إليها ؛ بحيث صار تكليفنا الفعلي العمل بمؤديات تلك الطرق ، فهذا الوجه يرجع إلى أمرين :

الأول : العلم الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول إلى الواقعيات وانسداد باب العلم والعلمي بها يقتضي التنزل من العلم إلى الظن بها.

الثاني : أن التكاليف الواقعية بعد نصب الطرق إليها مصروفة إلى مؤديات الطرق ، ولازم هذين الأمرين : هو حجية الظن بالطريق دون الظن بالواقع ، فيجب العمل بالظن بالطريق.

٤ ـ أما الجواب عن هذا الوجه : فلأن العلم الإجمالي بنصب الطرق الخاصة غير ثابت ؛ لإمكان إيكال الشارع إلى العقلاء ، وهم يعملون بالظن عند فقدان القطع ، من دون فرق في ذلك بين الظن بالطريق أو الظن بالواقع. هذا أولا.

وثانيا : أنه بعد تسليم العلم بنصب الطرق يمكن دعوى عدم بقاء تلك الطرق إلى هذا الزمان ، فلا معنى لرعاية تلك الطرق حتى يقال بتعيينها بالظن.

وثالثا : لو سلمنا نصب الطرق وبقائها إلى زماننا هذا ، ولزوم رعايتها لا نسلم لزوم رعايتها مطلقا حتى مظنون الاعتبار منها ؛ لإمكان وجود ما هو متيقن الاعتبار فيها كالخبر الصحيح أو الموثوق صدوره ، فتجب مراعاة متيقن الاعتبار ، فلا تصل النوبة إلى مظنون الاعتبار.

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ورابعا : أن مقتضى العلم الإجمالي بعد تسليم ما ذكر هو الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي بنصب الطرق ، فيؤخذ بكل ما يحتمل أن يكون طريقا من مظنون الطريقية ومشكوكها وموهومها.

وعليه : فلا تصل النوبة إلى تعيين الطرق بالظن حتى يختص الظن الانسدادي بما إذا تعلق بالطريق دون الواقع. هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الجواب عن الوجه الأول.

وهو يتضمن أربعة ردود كما عرفت.

أما الوجه الثاني من الجواب عن هذا الوجه فحاصله : أنه لو سلّم أن مقتضى دليل القائل باختصاص نتيجة الانسداد حجية الظن بالطريق ؛ لكن لا نسلم حجية خصوص الظن بالطريق لا حجية الظن بالواقع ؛ بل حجية مطلق الظن :

١ ـ الظن بالطريق. ٢ ـ الظن بالواقع. ٣ ـ الظن بالواقع المظنون كونه مؤدى طريق معتبر ، من دون قيام ما هو مظنون الطريقية عليه.

٥ ـ أما الوجه الثاني على اختصاص حجية الظن بالطريق فحاصله :

أولا : العلم بأننا مكلفون بالتكاليف الواقعية ، وأنها لم تسقط حال الانسداد.

وثانيا : أن همّ العقل هو فراغ ذمة العبد عن التكليف ، من دون فرق بين حال الانفتاح والانسداد.

وثالثا : أن نصب الشارع الطريق إلى الواقع يستلزم القطع بحكم العقل بفراغ ذمة المكلف إذا عمل على طبق الطريق ، ولازم ما ذكر : أن الظن بالطريق المنصوب حال الانسداد كالعلم به حال الانفتاح ، فكما يحصل العلم بالفراغ بالعمل بالعلم حال الانفتاح فكذلك يحصل الظن بالفراغ بالعمل بالظن حال الانسداد ، فالنتيجة هي : حصر فراغ الذمة في الظن بالطريق بعد فرض نصبه طريقا إلى الواقع.

٦ ـ أما الجواب عن الوجه الثاني : فبوجوه ثلاثة :

الأول : أن الحاكم بتفريغ الذمة في باب الإطاعة هو العقل لا الشرع ، ولا فرق في حكم العقل بين الإتيان بالواقع حقيقة عند الانفتاح أو تعبدا حال الانسداد ، فإن العقل كما يستقل بأن الإتيان بالمكلف به الواقعي بما هو مفرغ للذمة حال الانفتاح ، فكذلك يستقل بأن الإتيان بالمكلف به الظاهري الجعلي مفرغ للذمة.

الثاني : أنه لو سلمنا أن للشارع في باب الإطاعة حكما مولويا ؛ ولكن حكمه بتفريغ الذمة عند الإتيان بمؤدى الطريق المنصوب لو كان مما يستلزم الحكم بتفريغ لكان الإتيان

٤٤٠