أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
باب
البدل والمبدل منه
ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (١) على ماذا انتصب؟
الجواب عنه :
انتصب على وجهين : أحدهما : أن يكون بدلا من الصراط الأول. وقيل : إنّه منصوب على عطف البيان.
أما وجه القول الأول أنّه نصب على البدل فتقدير الكلام : اهدنا الصراط الذين أنعمت عليهم ؛ لأنّ البدل والمبدل منه إذا اجتمعا في كلام جعل حكم البدل من الإعراب حكم المبدل ، وجعل المبدل كأنه ليس ثمّ.
ثمّ هو في الكلام على أربعة أضرب : بدل الكل ، وبدل البعض ، وبدل الاشتمال ، وبدل الغلط والنسيان. فالكلّ : هو بدل الشيء من نفسه باسم آخر ؛ كما تقول : قام أخوك زيد ، ورأيت أباك محمدا ، ومررت بأخيك جعفر. كأنّك قلت : قام زيد ورأيت محمدا ومررت بجعفر.
وهذا ـ أعني بدل الكلّ ـ يأتي على أربعة أوجه :
ـ معرفة من معرفة باسم آخر كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ
__________________
(١) سورة الفاتحة : آية ٦.
الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.) الأول معرفة والثاني معرفة ، وكقوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، وقوله تعالى : (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) (٢) ، وقوله تعالى : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ) (٣) ، وكقوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) إلى قوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٤) ، وقوله تعالى : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ) (٥) ، ولها نظائر في القرآن.
قال الشاعر :
٤٣ ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد |
|
ولكنّه بنيان قوم تهدّما |
فمن رفع الهلك جعله بدلا عن قيس ، كأنّه قال : وما كان هلك قيس هلك واحد.
ـ والوجه الثاني من بدل الكل : هو بدل نكرة من معرفة كقوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) (٦).
__________________
(١) سورة عم : آية ٣٦.
(٢) سورة غافر : آية ٣٧.
(٣) سورة البينة : آية ٢.
(٤) (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً* رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [سورة المزمل : آيتان ٨ ـ ٩]. وهذا على قراءة الجر في (ربّ) وهي قراءة ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب ووافقهم الأعمش وابن محيصن.
(٥) سورة الصافات : آيتان ١٢٥ ـ ١٢٦.
٤٣ ـ البيت لعبدة بن الطبيب ، وقال أبو عمرو بن العلاء : أرثى بيت قول عبدة [فما كان قيس...]
راجع ديوان المعاني ٢ / ١٧٥ ، وكتاب سيبويه ١ / ٧٧ ، والجمل للفراهيدي ص ١٢٦ ، والجمل للزجاجي ص ٥٦ ، وأصول النحو لابن السراج ٢ / ٥١.
(٦) سورة العلق : آيتان ١٥ ـ ١٦.
ـ والوجه الثالث : بدل معرفة من نكرة كقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) (١).
فالأول نكرة ، والثاني معرفة ؛ لأنّه مضاف إلى معرفة ، والنكرة إذا أضيفت إلى معرفة صارت معرفة.
ـ والوجه الرابع : بدل نكرة من نكرة كقوله تعالى : (أَمَنَةً نُعاساً) (٢).
وهذه الأوجه الأربعة من بدل الكل.
ـ وأما بدل البعض : فهو أن تبدل البعض من الكلّ للبيان ، تقول من ذلك : ضرب زيد رأسه. أبدلت الرأس من جملة البدن ، لتبين الموضع الذي وقع به الضرب منه.
وكقوله : جاءني القوم فقهاؤهم ، وجاءني أهل المدينة أشرافهم.
أبدلت الأشراف والفقهاء من القوم ، فعددت من كان يأتيك من القوم.
قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣). بيّن على من يجب الحج من الناس.
وقوله تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) (٤) ، وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (٥) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) (٦) ، وقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) (٧) ، وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (٨). عدّ المستضعفين من آمن منهم.
__________________
(١) سورة الشورى : آية ٥٢.
(٢) سورة آل عمران : آية ١٥٤.
(٣) سورة آل عمران : آية ٩٧.
(٤) سورة الشعراء : آية ١٠.
(٥) سورة ص : آية ٤٥.
(٦) سورة الأعراف : آية ١٧٢.
(٧) سورة المزمل : آية ٣.
(٨) سورة الأعراف : آية ٧٥.
ـ وأمّا بدل الاشتمال : فهو ما اشتمل عليه المعنى كقولك : أعجبني زيد حديثه أو جوده.
ومنها قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢).
ومنها قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٣).
لأن السؤال وقع عما اشتمل عليه الشهر وهو القتال لا عن الشهر.
وقال الأعشى :
٤٤ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته |
|
تقضيّ لبانات ويسأم سائم |
أي : لم يكن تقضي لبانات في حول بل في ثواء حول.
وهذه الأوجه الثلاثة من البدل موجودة في القرآن وأشعار الفصحاء.
ـ وأمّا بدل الغلط والنسيان فنحو قولك : مررت برجل حمار ، وأتى زيد عمرو.
فهذا ما لا يوجد له في القرآن ، ولا في كلام الفصحاء وأشعارهم.
ـ وأمّا وجه ما قيل : إنّ (صِراطَ الَّذِينَ) منصوب على عطف البيان.
وصورة عطف البيان هو أن تقيم الأسماء الصريحة غير المشتقة من
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٨٣.
(٢) سورة البقرة : آية ٢٠٤.
(٣) سورة البقرة : آية ٢١٧.
٤٤ ـ البيت في ديوان الأعشى ، ص ٥٦ ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٢٣ ، والمقتضب ٤ / ٢٩٧ ، وجمل الزجاجي ٣٨ ، وشرح ابن يعيش ٣ / ٦٥ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ٦٤ ، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري ١ / ١٥١ ، ولم يعرفه المحقق د. طه عبد الحميد ، مع أن البيت شهير.
والثواء : الإقامة ، واللبانات : الحاجات.
الفعل مقام غيرها من الأسماء التي سبق ذكرها ، تقول من ذلك : رأيت عبد الله زيدا.
وأمّا إذا أقمت الاسم المشتق المأخوذ من الفعل مقام الاسم الذي سبق ذكره فقلت : رأيت عبد الله الكاتب أو العالم ، فإنّه لا يسمى بدلا ولا عطف بيان ، بل يكون نعتا وصفة فيجري مجرى النعت والمنعوت في حقّ الإعراب.
والفرق بين البدل وبين عطف البيان (١) : أنّ البدل قد يكون غير المبدل منه كقوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (٢).
النار ههنا بدلا عن الأخدود ، ثم هو غيرها ، كأنه قيل : قتل أصحاب النار ذات الوقود. وأما عطف البيان فلا يكون أبدا دون الأول ، كقوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً رَبِّ السَّماواتِ) (٣).
كأنه قيل : عطاء من رب السموات.
فكذلك قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.)
وقيل أيضا في الفرق بين البدل وبين عطف البيان أنّ البدل للتأكيد ،
__________________
(١) قال ابن يعيش : عطف البيان يشبه البدل من أوجه : أحدها أنّ فيه بيانا كما في البدل ، والثاني : أنه يكون بالأسماء الجوامد كالبدل ، والثالث : أن يكون لفظه لفظ الاسم الأول على جهة التأكيد كما كان في البدل. ويفارقه من أربعة أوجه : أحدها ـ أن عطف البيان في التقدير من جملة واحد ، والبدل في التقدير من جملة أخرى على الصحيح. الثاني : أن عطف البيان يجري على ما قبله في تعريفه ، وليس كذلك البدل ؛ لأنه يجوز أن تبدل النكرة من المعرفة ، والمعرفة من النكرة. الثالث : أن البدل يكون بالمظهر والمضمر وكذلك المبدل عنه ، ولا يجوز ذلك في عطف البيان ، والرابع : أنّ البدل قد يكون غير الأول كقولك : سلب زيد ثوبه ، وعطف البيان لا يكون غير الأول. ا. ه.
راجع شرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٧٢ ـ ٧٣.
(٢) سورة البروج : آية ٤.
(٣) سورة عم : آية ٣٦.
وعطف البيان للتبيين ؛ لأنك إذا قلت : رأيت عبد الله أباك ، كأنك تقول : الذي هو أبوك ، فكذلك قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.)
تقديره : اهدنا الصراط الذي هو صراط من أنعمت عليهم ، والله أعلم.
ولا يجوز أن يقدّر فيه النعت ؛ لأن النعت إنّما يكون اسما مشتقا من فعل ، والصراط اسم جامد موضوع غير مشتق ، وحكم النعت مع المنعوت ينبغي أن يوافقه في سبعة أشياء : في التأنيث والتذكير والتعريف والتنكير والوحدان والجمع والتثنية.
فعلمنا أنّ قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ) منصوب على عطف البيان لا على النعت.
* * *
باب
إدخال «لا» في الكلام إمّا صلة وإمّا عطفا
ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (١) ، لأيّ معنى أدخل «لا» في قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ؟.)
أليس لو قال : غير المغضوب عليهم والضالين كان كلاما تاما مفيدا للمعنى؟ كما تقول : ما في القوم غير زيد وعمرو؟
ـ قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : ههنا مقدمات نحتاج إلى بيانها أولا ، ثم نجيب عن السؤال إن شاء الله تعالى.
اعلم أنّ قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يقرأ بقراءتين ، «غير» مخفوضة ومنصوبة (٢). وإنّها تستعمل في كلام العرب لأحد ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون بمعنى سوى.
والثاني : بمعنى لا.
والثالث : بمعنى الاستثناء.
مثاله : مررت برجل غير زيد. أي : سوى زيد.
__________________
(١) سورة الفاتحة : آية ٧.
(٢) قراءة «غير» بالخفض هي قراءة جميع القراء ، وأما (غير) بالنصب فرواها الخليل عن عبد الله بن كثير وهي قراءة شاذة. وقال الأخفش : هو نصب على الاستثناء ، وإن شئت على الحال. راجع إعراب القرآن للنحاس ١ / ١٢٥.
وأمّا بمعنى «لا» فمثاله : مررت برجل غير عاقل ، أي : لا عاقل.
ثم الفرق بينهما أنك إذا عنيت ب (غير) سوى ، أثبتّ المرور بالرجل ونفيته عن زيد مبهما ، وما أثبتّ المرور به قطعا.
وأما قولك : مررت برجل غير عاقل ، فعنيت بغير «لا» أثبتّ المرور به ونفيت العقل عنه قطعا ، وفي الأول لا يتعلق ما بعد غير بما قبله ، وفي الثاني يتعلق ما بعده بما قبله.
ـ والثالث : غير بمعنى «إلا» وهو استثناء البعض من الكل ، كقولك :
ما في القوم رجل غير زيد ، فإن قلت : كيف يجوز اقتضاء «غير» معنى «سوى» أو معنى «لا» و «سوى» ظرف و «لا» حرف و «غير» صفة؟
الجواب عنه :
قلنا : نعم ، لكن في «سوى» مع كونه ظرفا معنى النفي ، وفي «لا» مع كونه حرفا معنى حقيقة النفي أيضا ، وفي «غير» مع كونه صفة معنى النفي أيضا ، فانتسبن في النفي ، فقامت كل واحدة منها مقام صاحبتها.
ـ واعلم أنّ «غيرا» فيها معنى الاسم ومعنى الحرف ؛ لأنّ لحلول الإعراب فيه معنى الاسم ، ولأنّها تعمل في الاسم الذي يأتي بعدها كسرا ففيها معنى الحرف.
وقيل : إنّ إعراب «غير» في نفسها.
ومن عجيب حكمها أنّ لها من الخصوصية ما ليس لشيء من الحروف ، وذلك أنّها تكسر ما بعدها من الاسم وتتحمل إعرابه ، كقولك : جاءني زيد رجل غير عاقل ، ورأيت رجلا غير عاقل ، ومررت برجل غير عاقل.
وقيل : إنّ ما بعد «غير» إنما يكون مجرورا بإضافة «غير» إليه ؛ لأنها من الأسماء الملازمة للإضافة. الآن جئنا إلى الآية فنقول :
قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ :)
البصريون يجوّزون في «غير» الجرّ من وجهين ، والنصب من وجهين ؛ فأحد وجهي الجر على الصفة ، فتقديره : الذين غير المغضوب عليهم ، كأنّه صفة الذين لا صفة المضمر الذي في عليهم ؛ لأنه معرفة ، و «غير» نكرة ، ولا توصف المعرفة بالنكرة.
وأما الذين نكرة ، و «غير» نكرة ، ووصف النكرة بالنكرة جائز ، وذلك لأنّ الشرط في جواز وصف الشيء سبع أشياء : أولها : أن يوافقه في التنكير ، والتعريف ، والتذكير والتأنيث ، والوحدان ، والتثنية ، والجمع.
فالذين ههنا في قول بعض النحويين نكرة ، ووصف النكرة بالنكرة جائز (١).
ـ وقال بعض النحويين (٢) : الذين ليس بنكرة ، بل هو معرفة ، إلا أنه ليس بمعرفة مقصودة معرفته ؛ لأن المعرفة على ضربين : أحدها : هي المقصودة المعهودة كقولك : الله هو الخالق البارىء المصور ، ولا يجوز أن يوصف بالنكرة. والضرب الثاني : أن يكون تعريف الجنس لا المعهود ، وذلك مما لا يتمحض فيه التعريف ، مثاله قوله : أهلك الناس الدرهم ، ومثله : الرجل ، فهذا يجوز أن يوصف بنكرة ، كما يقال : مررت بالرجل غير زيد ، وكذلك ما نحن فيه. والله أعلم.
والوجه الثاني : هو مجرور على البدل ، فتقديره : اهدنا لصراط غير المغضوب عليهم.
__________________
(١) لأن الذين معرّف جنسي ، والمعرّف الجنسي قريب من النكرة ؛ لأنّ تعريفه بالصلة فهو عام. راجع مغني اللبيب ص ٢١٥.
(٢) هو قول غالب النحاة ؛ لأنّ الأسماء الموصولة من المعارف.
ويجوز أن يكون بدلا من المضمر في «عليهم» لجواز إبدال النكرات من المعارف ، وإبدال المعارف من النكرات ، وإبدال الواحد من الجمع ، وإبدال الجمع من الواحد ، والتثنية من الواحد.
ولا يجوز وصف المعارف بالنكرات ، فلذلك يجوز كونه بدلا من الذين.
ـ وأمّا النصب فمن وجهين :
أحدهما : على الحال من الهاء والميم من «هم» ؛ لأنّ كلّ ما يصلح أن يكون صفة للنكرة صلح أن يكون حالا للمعرفة ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ) (١) ، وقوله تعالى : (فاكِهِينَ) (٢).
والوجه الثاني : هو منصوب على الاستثناء ، وهو استثناء من غير جنس الأول. فمعناه : لكن المغضوب عليهم جنّبنا غوايتهم.
ثم رجعنا إلى المسألة الأولى ، وقد قلنا : إنه يجوز أن يكون «غير» بمعنى سوى ، وله في القرآن أمثلة ، فمنها : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣) ، أي : سوى الله.
وقوله تعالى : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٤) ، أي : سواي.
وقوله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) (٥) ، أي : أسوى الله.
وقوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) (٦) ، وقوله تعالى : (أَنَّ غَيْرَ
__________________
(١) سورة الذاريات : آية ١٥.
(٢) (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [سورة الطور : آية ٨].
(٣) سورة فاطر : آية ٣.
(٤) سورة القصص : آية ٣٨.
(٥) سورة الأنعام : آية ١٤.
(٦) سورة آل عمران : آية ٨٣.
ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (١) ، وقوله تعالى : (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) (٢).
قال الشاعر :
٤٥ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب |
وقال غيره :
٤٦ ـ ولا عيب فينا غير عرق لمعشر |
|
كرام وأنّا لا نخطّ على النمل |
فانتصب «غير» على البدل من قوله : لا عيب.
وأمّا غير بمعنى «لا» فمثل قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) (٣).
قال بعض أهل التفسير : أوفوا بالعقود لا محلي الصيد.
وقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٤). أي : لا عوج فيه. وقد قيل : غير مخلوق.
__________________
(١) سورة الأنفال : آية ٧.
(٢) سورة النساء : آية ٨١.
٤٥ ـ البيت للنابغة الذبياني ، وهو في ديوانه ص ١٥ ، ومن شواهد سيبويه ١ / ٣٦٧ ، ومغني اللبيب ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٩.
٤٦ ـ البيت لعمرو بن حممة الدوسي ، وقيل : لمزاحم العقيلي.
والبيت في الزاهر لابن الأنباري ١ / ٧٩ ، والاستغناء في أحكام الاستثناء ص ٤٤٩ ، ولسان العرب مادة نمل ١١ / ٦٨٠.
والنمل : قروح في الجنب وغيره ، ودواؤه أن يرقى بريق ابن المجوسي من أخته ، تقول المجوس ذلك. والشاعر أراد : لسنا بمجوس ننكح الأخوات.
وأنشده ابن الأعرابي بالحاء [وأنا لا نحطّ] وفسّره : أنا كرام ولا نأتي بيوت النمل في الجدب لنحفر على ما جمع لنأكله.
(٣) سورة المائدة : آية ١.
(٤) سورة الزمر : آية ٢٨.
وقوله تعالى : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (١). أي : كونوا مسلمين لا مشركين.
وقوله تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) (٢). أي : لا ناظرين نضج طعامه.
وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٣). أي : لا مردّ له.
وقوله تعالى : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (٤) ، وقوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (٥) ، وقوله تعالى : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٦).
قال الشاعر :
٤٧ ـ بلى فانهلّ دمعك غير نزر |
|
كما عيّنت بالسّرب الطّبابا |
ـ وأما غير بمعنى «إلا» فكقوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٧). أي : إلا أولي الضرر على قراءة من قرأ بالنصب (٨).
وقوله تعالى : (التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) (٩) ، أي : إلا أولي الإربة.
وقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) على ما بيّنّا.
__________________
(١) سورة الحج : آية ٣١.
(٢) سورة الأحزاب : آية ٥٣.
(٣) سورة هود : آية ٧٦.
(٤) سورة هود : آية ١٠٩.
(٥) سورة النساء : آية ٢٤.
(٦) سورة البقرة : آية ١٧٣.
٤٧ ـ البيت لجرير في ديوانه ص ٥٧.
قال الأصمعي : عيّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها فتنسد آثار الخرز ، وهي جديدة.
والطباب جمع طبة وهي رقعة تكون في أسفل المزادة.
والبيت في اللسان مادة عين ١٣ / ٣٠٤.
(٧) سورة النساء : آية ٩٥.
(٨) وهي قراءة نافع وابن عامر وأبو جعفر والكسائي وخلف. راجع إتحاف فضلاء البشر. ص ١٩٣.
(٩) سورة النور : آية ٣١.
قال الشاعر :
٤٨ ـ أنت خير المتاع لو كنت تبقى |
|
غير أن لا بقاء للإنسان |
والمعنى : إلا أنه لا بقاء للإنسان.
وهذه كلها مقدمات ذلك السؤال الذي ذكرنا أول الباب.
ثم جئنا إلى السؤال فقلنا : إن سأل سائل عن قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) لأيّ معنى دخل «لا» على قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ؟)
أليس إنّه لو قال : غير المغضوب عليهم والضّالين كان كلاما مفيدا للمعنى؟
الجواب عن هذا :
قلنا : ذكر عن الفراء أن «غير» ههنا بمعنى «لا» (١) فلذلك ردّت عليها «لا» كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل. المعنى : لا محسن ولا مجمل.
كما قال تعالى : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٢) ، أي : لا باغيا ولا عاديا.
وكقوله تعالى : (غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (٣).
__________________
٤٨ ـ البيت لموسى شهوات.
ويحكى أن سليمان بن عبد الملك نظر يوما في المرآة فقال : أنا الملك الشاب ، فقالت له جاريته :
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى |
|
غير أن لا بقاء للإنسان |
ليس لنا فيما بدا منك عيب |
|
كان في الناس غير أنك فان |
وهما في تفسير القرطبي ١ / ٤٤٤ ، والشعر والشعراء ص ٣٨٣.
(١) ذكر الفراء ذلك في معاني القرآن ، راجع ١ / ٨.
(٢) سورة البقرة : آية ١٧٣.
(٣) سورة النساء : آية ٢٤.
وعطف «لا» على «لا» جائز مضمرا أو مظهرا كقول القائل :
٤٩ ـ وما هجرتك حتى قلت معلنة |
|
لا ناقة لي في هذا ولا جمل |
وقال الفراء : إنّ «غير» ههنا بمعنى «سوى» (١) وإنّ «لا» صلة في الكلام ، إذ لا يجوز عطف «لا» على «سوى».
قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : إنّما لا يجيزون عطف «لا» على «سوى» ؛ لأنّ الأصل كان «سوى» ثم شبّه «غير» به ، ثم شبّه «لا» بغير ، فقد تباعد للشبه بين «لا» وبين «سوى» فلا يجوز أن تقول : مررت برجل سوى زيد ولا خالد ، ولا أن تقول : مررت بزيد لا عمرو وسوى بكر ، فلا يجوز أن تعطف أحدهما على الأخرى ، فلهذا قيل : «لا» صلة ههنا في الكلام.
وإدخال «لا» في الكلام صلة وزيادة جائز ، خصوصا إذا كان في بدء الكلام أو في آخره ، فمنها قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢) ، معناه : أقسم.
__________________
٤٩ ـ البيت للراعي واسمه عبيد بن حصين ، وقيل : لجرير.
والشطر الثاني من الأمثال الشهيرة ، وأول من قاله الحارث بن عباد. راجع مجمع الأمثال ٢ / ٢٠ ، والبيت في تفسير القرطبي ٣ / ٢٦٧ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ٢٤ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٥٤ ، وابن يعيش ٢ / ١١١ ، وديوان الراعي ص ١٩٨.
(١) الفرّاء لم يقل ذلك ، وإنما قال : وقد قال بعض من لا يعرف العربية إنّ معنى «غير» في الحمد معنى «سوى» وإنّ «لا» صلة في الكلام ، واحتج بقول الشاعر :
[في بئر لا حور سرى وما شعر]
وعنى به أبا عبيدة.
قال : وهذا غير جائز ، لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله فهو جحد محض ، وإنما يجوز أن تجعل «لا» صلة إذا اتصلت بجحد قبلها مثل قوله :
ما كان يرضى رسول الله دينهم |
|
والطيبان أبو بكر ولا عمر |
راجع معاني القرآن للفراء ١ / ٨.
(٢) سورة القيامة : آية ١.
وقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) ، المعنى : ليعلم. وقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣).
فعلى قول بعضهم : «لا» صلة.
وقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٤) ، وقوله تعالى : (ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) (٥) ، وقوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (٦) ، وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٧) ، وقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٨).
«لا» ههنا صلة على قراءة من قرأ «أنّهم» بالنصب (٩).
أما في الأبيات ، فقول الشاعر :
٥٠ ـ في بئر لا حور سرى وما شعر |
|
بإفكه حتى رأى الصبح جشر |
أي : في بئر مهلكة.
__________________
(١) سورة الحديد : آية ٢٩.
(٢) سورة المعارج : آية ٤٠.
(٣) سورة الأنبياء : آية ٩٥.
(٤) سورة الأعراف : آية ١٢.
(٥) سورة فصلت : آية ٢٢.
(٦) سورة فصلت : آية ٣٤.
(٧) سورة الأنعام : آية ١٠٩.
(٨) سورة الأنفال : آية ٥٩.
(٩) وهي قراءة ابن عامر الشامي.
٥٠ ـ البيت للعجاج من قصيدة يمدح بها عمر بن عبيد الله لإيقاعه بأبي فديك الحروري. والبيت في أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٣١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٩٦ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٢٤٦ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٥.
والحور : الهلكة ، وجشر : انفلق وأضاء.
وقال الآخر :
٥١ ـ قد يكسب المال الهدان الجافي |
|
بغير لا عصف ولا اصطراف |
جمع بين «لا» و «غير». وهي ههنا مقحمة.
وقال الآخر :
٥٢ ـ وتلحينني في اللهو أن لا أحبّه |
|
وللهو داع دائب غير غافل |
وقال الآخر :
٥٣ ـ هنّ الحرائر لا ربات أخمرة |
|
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور |
وقال النابغة :
٥٤ ـ فلا لعمر الذي قد زرته حججا |
|
وما هريق على الأنصاب من جسد |
وقال بعضهم : إنما تثبت «لا» ههنا لإزالة الإبهام ، كي لا يتوهم أنّه متصل بقوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) و (الضَّالِّينَ.)
__________________
٥١ ـ البيت لرؤبة بن العجاج ، وهو في خزانة الأدب ٨ / ٤٨٦ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٧٦ ، واللسان مادة هدن وفيه : [من غير ما عقل ولا اصطراف] ١٣ / ٤٣٥.
والهدان : الأحمق.
٥٢ ـ البيت للأحوص ، واسمه عبد الله بن محمد ، واستشهد به ابن هشام في مغني اللبيب على دخول «لا» زائدة في الكلام لمجرد تقويته وتوكيده.
راجع مغني اللبيب ص ٣٢٧ ، وتفسير الطبري ١ / ٦٣ ، والصاحبي ص ٢٦١ ، والأضداد لابن الأنباري ص ١٨٦ ، وديوانه ص ١٣١.
٥٣ ـ البيت للراعي النميري.
وهو في المخصص لابن سيده ١٤ / ٢٠١ ، وجمهرة اللغة ٢ / ٤١٢ ، ومغني اللبيب ص ٤٥ ، والمقتصد شرح الإيضاح ١ / ٦٠٣ ، والمقتضب ٣ / ٢٤٤ ، والجنى الداني رقم ٢٣٥ ، وديوانه ص ١٢٢.
٥٤ ـ البيت للنابغة الذبياني من معلقته ، وقوله جسد : هو الدم. راجع شرح المعلقات للنحاس ٢ / ١٧١ ، وديوانه ص ٣٠.
كقول الشاعر :
٥٥ ـ ما كان يرضى رسول الله فعلهم |
|
والطّيبان أبو بكر ولا عمر |
فلولا قوله [ولا عمر] لأمكن أن يظنّ أنّ الكلام قد تمّ عند قوله : فعلهم ، ثم نعت أبا بكر وعمر بالطّيّبين.
والله أعلم ؛ لأنّ كلامه أفصح من كلّ كلام.
ـ وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين (١).
* * *
__________________
٥٥ ـ البيت لجرير من قصيدة له يهجو فيها الأخطل وقومه ، في ديوانه ص ١٩٦.
وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٨ ، والكامل للمبرد ١ / ٤٤ ، وشرح الجمل لابن عصفور ١ / ١٣٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٥٥٢.
(١) ذكر القرطبي في تفسيره أن عمر بن الخطاب وأبيّ بن كعب قرآ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين ، وهي قراءة شاذة.
وروي عنهما في راء (غير) النصب والخفض في الحرفين. راجع تفسير القرطبي ١ / ١٥٠.
باب
ما جاء عن أهل التفسير
ولا يوجد له أصل عند النحويين ولا في اللغة
ـ قال : سئلت عن معنى قولنا ـ بعد الفراغ من قراءة أم الكتاب ـ : «آمين» وعن العلة في انتصاب النون منه.
نقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ في معناه عدة أقاويل :
ـ روي عن سعيد المقبري (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «آمين خاتم ربّ العالمين على عباده المؤمنين» (٢).
قيل في تفسير الخاتم : إنه كالطابع ، لأنه يدفع عنهم العاهات والآفات به ، كخاتم الكتاب الذي يصونه ، ويمنع من إفساده ، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به (٣).
وقيل : خاتم ربّ العالمين يختم به دعاء عبده المؤمن.
ويقال : يختم به ليميز أهل الجنة من الناس.
__________________
(١) الإمام المحدث أبو سعد سعيد بن أبي سعيد ، مولاهم المدني المقبري ، كان يسكن بمقبرة البقيع ، حدث عن أبيه وعائشة وأبي هريرة. ثقة ، اختلط قبل موته بأربع سنين ، مات سنة ١٢٥ ه. انظر سير أعلام النبلاء ٥ / ٢١٦ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٠.
(٢) الحديث أخرجه الطبراني في الدعاء وابن عدي وابن مردويه بسند ضعيف بلفظ «آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين». انظر الدر المنثور ١ / ٤٤ ، والكامل لابن عدي ٦ / ٢٤٣٢.
(٣) ذكر ذلك أيضا القرطبي في تفسيره عن الهروي قال : قال أبو بكر الهروي.. وذكره. راجع تفسير القرطبي ١ / ١٢٨.
ـ حدثنا الشيخ أبو سعاد عبد الرحمن بن محمد رحمة الله عليه بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : آمين (١).
فمعنى هذا الحرف أنّه تكتسب بقوله درجة في الجنة (٢).
ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«يا عائشة إنّ اليهود قوم حسدة. أتدرين علام يحسدونا؟
يحسدوننا عن القبلة التي هدانا الله إليها ، وضلّوا عنها ، وعن الجمعة التي هدانا الله لها ، وضلّوا عنها ، وعن قولنا خلف الإمام : آمين» (٣).
ـ وقال مجاهد وهلال بن يساف (٤) وحكيم بن جبير : آمين اسم من أسماء الله تعالى (٥).
__________________
(١) الحديث أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : آمين. قال الباجي : وهو مرسل ، ولم يسنده أحد غير حفص عن عمر بن الخطاب ، والصواب أنه مرسل.
راجع شرح الموطأ للباجي ١ / ١٦٢.
(٢) ذكره القرطبي في تفسيره وقال :
إنه جاء في حديث [«آمين» درجة في الجنة] ولم يخرّجه.
راجع ١ / ١٢٨.
(٣) الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط.
عن معاذ بن جبل أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن اليهود قوم حسّد ، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث : رد السّلام وإقام الصفوف وقولهم خلف الإمام في المكتوبة آمين».
راجع الدر المنثور للسيوطي ١ / ٤٣ ـ ٤٤.
(٤) هو أبو الحسن هلال بن يساف مولى أشجع ، من التابعين ، أدرك عليا. انظر العباب : يسف.
(٥) أخرجه وكيع وابن أبي شيبة في المصنف.
راجع الدر المنثور ١ / ٤٤.
وقال القرطبي : ورواه ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يصح ، أي : لم يصح أنه مرفوع.
ـ ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب لنا ، وضع موضع الدعاء ، فهو اسم فعل أمر.
وقيل : معناه ربّ افعل (١).
وقيل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع رجلا يدعو فقال : أوجب إن ختم ، فقال له رجل : بأيّ شيء يختم؟ قال : بآمين ، فإنّه إن ختم بآمين فقد أوجب (٢).
ـ وعن الحسن قال : اللهم استجب.
ـ وعن ابن عباس قال : تفسير آمين التي تقال بعد فاتحة الكتاب لذلك أمنة تكون.
ـ وقال الزّجّاج : آمين وأمين معناهما اللهم استجب.
وهما موضوعان موضع اسم الاستجابة ، كما أنّ «صه» موضوع موضع سكوت وكان من حقها الوقوف بدون الإعراب ، لأنّها بمنزلة الأصوات ، إذ كانت غير مشتقة إلا أنّ النون فتحت لالتقاء الساكنين ، مثل : أين وكيف ، وإنّما لم تكسر النون لثقل الكسرة بعد الياء.
ـ وقال الحسين بن الفضل (٣) : إنما هو آمّين بالتشديد (٤) ، أي : قصدنا
__________________
(١) أخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال :
قلت : يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال : رب افعل.
(٢) الحديث أخرجه أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري ـ وكان من الصحابة ـ أنّه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال : اختمه بآمين ، فإنّ آمين مثل الطابع على الصحيفة ، وقال : أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألحّ في المسألة فوقف النبي يسمع منه ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : أوجب إن ختم ، فقال رجل من القوم : بأيّ شيء يختم؟ قال : بآمين ، فإنّه إن ختم بآمين فقد أوجب.
راجع الدر المنثور ١ / ٤٤.
(٣) الحسين بن الفضل البجلي الكوفي ، كان إمام عصره في معاني القرآن ، وعاش أزيد من مائة سنة ، توفي سنة ٢٨٢ ه.
(٤) قال ابن هشام : آمين بالمد والتشديد. روي ذلك عن الحسن والحسين بن الفضل وعن جعفر الصادق وأنه قال : تأويله : قاصدين عفوك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا.
نقل ذلك عنهم الواحدي في البسيط. ـ