أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
فقول الشاعر :
١٧٢ ـ ترّاك أمكنة إذا لم أرضها |
|
أو يعتلق بعض النفوس حمامها |
قيل : يعني : جميع النفوس.
وقال الهذلي :
١٧٣ ـ إذا لسعته النحل لم يرج لسعها |
|
وحالفها في بيت نوب عوامل |
أي : لم يخف.
وقال الآخر :
١٧٤ ـ أتاني كلام من نصيب يقوله |
|
وما خفت يا سلّام أنّك عائبي |
يعني : وما علمت.
__________________
١٧٢ ـ البيت للبيد من معلقته ، ويروى [يرتبط] بدل [يعتلق].
ومعناه : أترك الأمكنة إذا رأيت فيها ما أكره ، إلا أن يدركني الموت فيحبسني. والبيت في مجاز القرآن ١ / ٩٤ ، والصاحبي ص ٤٢١ ، وتفسير الطبري ٢٥ / ٥٥ ، ومجالس ثعلب ١ / ٦٣ ، وشرح شواهد الشافية ص ٤١٥ ، واللسان مادة بعض ، وديوانه ص ١٧٥.
١٧٣ ـ البيت لأبي ذؤيب الهذلي.
وهو في ديوان الهذليين ١ / ١٤٣ ، وتأويل مشكل القرآن ص ١٩١ ، ومجاز القرآن ٢ / ٧٣ ، وتفسير الطبري ٢٥ / ٨٣ ، والخزانة ٢ / ٤٩٢.
والنوب : التي تنوب تجيء وتذهب وهو في شرح قصيدة كعب بن زهير ص ١٦٢ ، وقال المحقق : القائل مجهول ، وتصحف عليه فرواه «عواسل».
١٧٤ ـ البيت لأبي زيد الغول الطهوي :
وهو في تفسير الطبري ٤ / ٥٥١ ، ونزهة الأعين ٢٨٠ ، والبحر المحيط ٢ / ١٩٧ ، ونوادر أبي زيد ٤٦.
وقال الآخر :
١٧٥ ـ وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه |
أي : بعت ، وبرد : اسم غلامه.
وقال الآخر :
١٧٦ ـ إذا متّ فادفني إلى جنب كرمة |
|
يروّي عظامي بعد موتي عروقها |
١٧٧ ـ ولا تدفنّني في الفلاة فإنّني |
|
أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها |
يريد : علمت.
وقال الآخر :
١٧٨ ـ أقول لأهلي الشّعب إذ يأسرونني |
|
ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم |
* * *
__________________
١٧٥ ـ البيت لابن مفرّغ وهو شاعر إسلامي أموي.
وبرد : غلام له باعه ، فندم على بيعه ، والبيت في الشعر والشعراء ص ٢٢٧ ، ومجاز القرآن ١ / ٤٨ ، وتأويل مشكل القرآن ١٨٨ ، وأمالي المرتضى ٢ / ٩٥ ، وديوانه ص ٢١٣.
١٧٦ ـ ١٧٧ ـ البيتان لأبي محجن الثقفي : وهما في مغني اللبيب ص ٤٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٥٥٠.
١٧٨ ـ البيت لسحيم بن وثيل اليربوعي ، وقيل : لبعض أولاده وهو الأصح.
والبيت في قطر الندى ص ٦٢ ، وتأويل مشكل القرآن ١٩٢ ، ومجاز القرآن ١ / ٣٣٢ ، وتفسير الطبري ١٣ / ١٠٣.
وزهدم : فرس سحيم.
باب
إدخال «من» في الكلام صلة وتأكيدا
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (١).
ما معنى «من» الأولى والثانية؟
الجواب عنه :
أمّا «من» الأولى فهي التي لابتداء الغاية ، كما تقول : قدمت من بلخ ، وخرجت من الدار ، وجاءني كتاب من فلان.
وأمّا «من» الثانية في قوله : (مِنْ خَيْرٍ.)
فقيل : إنها صلة. ويحتمل التبعيض أيضا.
وكذلك قوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) (٤).
وقوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) (٥) ، وقوله تعالى :
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٠٥.
(٢) سورة الحاقة : آية ٤٧.
(٣) سورة النساء : آية ١٢٤.
(٤) سورة فاطر : آية ٤١.
(٥) سورة يس : آية ٤٦.
(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) (١) ، أي : رزقا.
وقوله تعالى : (مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (٢) ، وقوله تعالى : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (٣) ، وقوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) (٤) ، وقوله تعالى : (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ) (٥).
وقوله تعالى : (أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (٦).
يعني : فاصبر كما صبر الرسل الذين كانوا أولي العزم.
وقوله تعالى : (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) (٧). أي : ما تنبت.
وقوله تعالى : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ) (٨).
ـ الأبيات :
قال الشاعر :
١٧٩ ـ جزيتك ضعف الحبّ لمّا اشتكيته |
|
وما إن جزاك الضعف من أحد قبلي |
وقال النابغة :
١٨٠ ـ وقفت بها أصيلالا أسائلها |
|
عيّت جوابا وما بالرّبع من أحد |
__________________
(١) سورة الذاريات : آية ٥٧.
(٢) سورة الفتح : آية ٢٩.
(٣) سورة البقرة : آية ١٨٧ ، ومن في هذه.
الآية للتبيين وليست صلة.
(٤) سورة النساء : آية ١٥٧.
(٥) سورة الأعراف : آية ٨٠.
(٦) سورة الأحقاف : آية ٣٥.
(٧) سورة البقرة : آية ٦١.
(٨) سورة الروم : آية ٢٨.
١٧٩ ـ البيت لأبي ذؤيب الهذلي.
وهو في ديوان الهذليين ١ / ٣٥ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٤٧ ، وبصائر ذوي التمييز ٣ / ٤٧٨ ، ومجاز القرآن ١ / ٣٣٦.
١٨٠ ـ البيت تقدم برقم ١٢٢.
وقال امرؤ القيس :
١٨١ ـ فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها |
|
لما نسجتها من جنوب وشمأل |
* * *
__________________
١٨١ ـ البيت في معلقته.
وتوضح والمقراة : موضعان. ومعنى البيت : أنه لم يعف أثرها لنسج الجنوب والشمال فقط بل لأشياء كثيرة.
راجع شرح المعلقات للنحاس ١ / ٤ ، وديوانه ص ١١٠.
باب الإتباع
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (١). أليس الفرقان لنبينا محمد صلىاللهعليهوسلم؟
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
إنّ الفرقان يتجه على وجوه :
ـ منها : ما يكون مصدرا من : فرق يفرق فرقا ، معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب ، وفرقنا له البحر فرقانا.
ـ الثاني : إن الفرقان هو النصرة ، كقوله تعالى : (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٢) ، يعني : نصرة. فمعنى الآية : ولقد آتينا موسى الكتاب والنصرة على العدو.
ـ وقيل : ولقد آتينا موسى الكتاب ومحمدا الفرقان.
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : والقول الأول هو المختار عندي ، فالعرب توقع الفعل على شيئين ، وهو في الحقيقة لأحدهما ، وتضم للآخر فعلا ، وتجري الثاني مجرى الأول في الإعراب ، على معنى الإتباع. وهذه الآية منها.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٥٣.
(٢) سورة الأنفال : آية ٢٩.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) (١).
تقديره : وقد أخرجنا من ديارنا ، وسبي أبناؤنا.
وقوله تعالى : (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) يريد ـ والله أعلم ـ : وكفر بالله وصد عن المسجد الحرام.
وقوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) (٣). أي : ويؤتون بلحم طير ، ويزوجون بحور عين ، أو : يقرّون بحور عين ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) (٤). المعنى : وادعوا شركاءكم. وهكذا في مصحف عبد الله بن مسعود.
وقوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (٥). معناه : واغسلوا أرجلكم.
وقوله تعالى : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٦).
قال بعضهم : معناه : نورهم يسعى بين أيديهم وكتبهم بأيمانهم.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) (٧). أي : أخذ أموالهم.
وقوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٨).
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٤٦.
(٢) سورة البقرة : آية ٢١٧.
(٣) سورة الواقعة : آيتان ١٧ ـ ١٨.
(٤) سورة يونس : آية ٧١.
(٥) سورة المائدة : آية ٦.
(٦) سورة الحديد : آية ١٢.
(٧) سورة الحشر : آية ٨.
(٨) سورة الإنسان : آية ٣١.
قيل : إنّ معناه يدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) (١). أي : قبلوا الإيمان.
قال الشاعر :
١٨٢ ـ تراه كأنّ الله يجدع أنفه |
|
وعينيه إن مولاه ثاب له وفر |
وقال الآخر :
١٨٣ ـ إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا |
أي : زججن الحواجب وكحلن العيون.
وقال الآخر :
١٨٤ ـ رأيت زوجك في الوغى |
|
متقلّدا سيفا ورمحا |
__________________
(١) سورة الحشر : آية ٩.
١٨٢ ـ البيت لخالد بن الطيفان.
وقوله : ثاب : رجع ، والوفر : الغنى ، والمعنى : ويفقأ عينيه.
والبيت في اللسان ٩ / ٣٩١ ، والصناعتين ٢٠١ ، وتأويل مشكل القرآن ٢١٣ ، والحيوان ٦ / ٤٠ ، والخصائص ٢ / ٤٣١.
١٨٣ ـ البيت للراعي النميري.
وهو في ديوانه ص ٢٦٩ ، وخزانة الأدب ٢ / ٧٣ ، ومغني اللبيب ٤٦٦ ، والصناعتين ٢٠١.
أراد : وكحلن العيون ، وقيل : إنه ضمن زجج معنى زيّن.
١٨٤ ـ البيت لعبد الله بن الزبعرى.
وهو في الكامل للمبرد ص ١٨٩ ، والمقتضب ٢ / ٥١ ، ومجاز القرآن ٢ / ٦٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٥٠.
ويروى [يا ليت زوجك قد غدا]. وهو في تفسير القرطبي ١٨ / ١٩٥.
وقال الآخر :
١٨٥ ـ فعاشوا بذلّ ذوي قسوة |
|
بشرب المدامة والميسر |
أي : بشرب المدامة ولعب الميسر.
وقال الآخر :
١٨٦ ـ تسمع بالأحشاء منه لغطا |
|
ولليدين جسأة وبددا |
وقال الآخر :
١٨٧ ـ يركضن يسرعن ويسبحن المعضد والجدد
[اسم موضع].
وقال ذو الرّمة :
١٨٨ ـ برّاقة الجيد واللبات واضحة |
|
كأنّها ظبية أفضى بها لبب |
خفض اللبات على الإتباع.
* * *
__________________
١٨٥ ـ البيت لم أجده.
١٨٦ ـ البيت لم ينسب.
ويروى صدره [تسمع للأجواف منه صردا].
والبيت في معاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٨١ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ٤٠٥ ، والخصائص ٢ / ٤٣٢.
والجسأة : اليبس ، والبدد : السعة ، أي : وترى في اليدين جسأة وبددا.
١٨٧ ـ البيت لم يظهر.
١٨٨ ـ البيت في ديوانه ، ص ٧.
واللّبات : موضع القلادة ، أفضى : صار بها إلى الفضاء ، واللبب : ما استرق من الرمل ، وقيل : هو مكان معروف.
باب الاستعارة
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (١).
فأيّ صبغة ههنا؟ وقد فسرها المفسرون : دين الله ، وقالوا في معناه : وأيّ واحد أحسن دينا من الله.
قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :
الصبغة ههنا دين الله ، مكان صبغة النصارى أولادهم بماء المعمودية (٢) ، واليهود يعلّمون أولادهم بالختان. وذكر الله تعالى أن الإسلام صبغة ، على معنى المقابلة والازدواج.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٣٨.
(٢) قال ابن عباس : هو أنّ النصارى إذا ولد لهم ولد ، فأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له : ماء المعمودية ، فصبغوه بذلك ليطهروه به مكان الختان ؛ لأن الختان تطهير ، فإذا فعلوا ذلك قالوا : الآن صار نصرانيا حقا ، فردّ الله تعالى ذلك عليهم بأن قال : «صبغة الله» ، أي : صبغة الله أحسن صبغة ، وهي الإسلام. ا. ه.
راجع تفسير القرطبي ٢ / ١٤٤.
ـ وأخرج ابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : إن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل يصبغ ربك؟ فقال : اتقوا الله ، فناداه ربه يا موسى : سألوك هل يصبغ ربك فقل : نعم ، أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود ، والألوان كلها صبغتي ، وأنزل الله على نبيه «صبغة الله». وأخرجه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس موقوفا.
راجع الدر المنثور ١ / ٣٤٠.
كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) (١) ، وقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) (٢) ، وقوله تعالى : (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٣).
ولأنّ الصبغة تؤثر في المصبوغ ، كما أنّ الختان يؤثّر في المختون ، فدين الله يؤثر في المتدين.
والعرب تذكر الكلام على الاستعارة.
والاستعارة هي : إقامة فعل مقام فعل ، أو إقامة اسم مقام اسم إذا كان معناهما متقاربا وإن كان مخالفا لفظاهما.
فمن ذلك قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) (٤) ، أي : كل ذي مخلب من الطير ، وكلّ ذي حافر من الدواب ، فسمى الحافر ظفرا على الاستعارة ؛ لأنه بمنزلة الظفر لبني آدم.
قال الشاعر يذكر ضيفه :
١٨٩ ـ فما رقد الولدان حتى رأيته |
|
على البكر يمريه بساق وحافر |
فعبّر عن القدم بالحافر.
__________________
(١) سورة الشورى : آية ٤٠.
(٢) سورة البقرة : آية ١٩٤.
(٣) سورة البقرة : آيتان ١٤ ـ ١٥.
(٤) سورة الأنعام : آية ١٤٦.
١٨٩ ـ البيت لجيبهاء الأسدي.
وهو في تأويل مشكل القرآن ١٥٣ ، والموازنة ٣٦ ، والصناعتين ٣٣٢ ، واللسان ـ مادة (حفر).
ويمريه : يستخرج ما عنده من الجري.
وقال الآخر :
١٩٠ ـ سأمنعها أو سوف أجعل أمرها |
|
إلى ملك أظلافه لم تشقق |
يعني : قدميه.
وقوله تعالى : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (١). أي : بالقوة ؛ لأنّ قوة الإنسان في ميامنه.
وقوله تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٢). أي : النميمة.
وقوله تعالى : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) (٣).
قيل : زوجة ، وقيل : ولدا ؛ لأنّ بهما يلهو الرجل.
وقوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) (٤). أي : أظهر عليهم أمر الجوع.
وكقوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) (٥). أي : ما ظهر من أثر التقوى.
وقوله تعالى : (ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) (٦). أي : عاملا ملّحا ، ولم يرد به حقيقة القيام.
وكقوله تعالى : (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (٧). أي : عاملة للخير.
__________________
١٩٠ ـ البيت لعكفان بن قيس بن عاصم.
وهو في أمالي القالي ٢ / ١٢٠ ، وتأويل مشكل القرآن ١٥٣ ، والصناعتين ٣٣٢.
جعل للإنسان ظلفا ، وإنما الظلف للشاء والبقر ، فأطلقه وأراد القدمين.
(١) سورة الحاقة : آية ٤٥.
(٢) سورة المسد : آية ٤.
(٣) سورة الأنبياء : آية ١٧.
(٤) سورة النحل : آية ١١٢.
(٥) سورة الأعراف : آية ٢٦.
(٦) سورة آل عمران : آية ٧٥.
(٧) سورة آل عمران : آية ١١٣.
وقوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) (١). أي : مجاز لها.
وكقول الشاعر :
١٩١ ـ يقوم على الوغم من قومه |
|
فيعفو إذا شاء أو ينتقم |
يريد : يطالب بالدخول ولا يفتر.
وقوله تعالى : (ما لَها مِنْ فَواقٍ) (٢). أي : انتظار.
والفواق : ما بين حلبتي الناقة. وفيه انتظار وإن قلّ.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً) (٣). أي : نصيبا من العذاب ، كنصيب الدلو بالنوبة فاستعير موضع النصيب.
وقوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (٤). أي : العذاب ؛ لأن التعذيب قد يكون بالسوط.
وقوله تعالى : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) (٥). يريد : عقولهم ؛ لأن الحلم نتيجة العقل.
وقوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) (٦).
__________________
(١) سورة الرعد : آية ٣٣.
١٩١ ـ البيت للأعشى.
وهو في ديوانه ص ٣١ ، وتأويل مشكل القرآن ١٨١.
قوله يقوم : يطلب لقومه ، الوغم : الحقد في الصدور.
(٢) سورة ص : آية ١٥.
(٣) سورة الذاريات : آية ٥٩. وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة ، وكانوا يستقون الماء ، فيقسمون ذلك على الأنصباء ، فقيل للذنوب نصيب من هذا.
راجع تفسير القرطبي ١٧ / ٥٧.
(٤) سورة الفجر : آية ١٣.
(٥) سورة الطور : آية ٣٢.
(٦) سورة النساء : آية ١٥٧.
قال بعضهم : ما قتلوا علمهم (١). أي : لم يحيطوا به ، ولم يستعلوه ؛ ولأنّ من قتل أحدا فقد استعلاه.
أمّا الأبيات فقول الشاعر :
١٩٢ ـ لما أتى خبر الزبير تضعضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع |
البيت يصلح للاستعارة والمجاز أيضا.
وقال النابغة :
١٩٣ ـ بكى الحارث الجولان من فقد ربّه |
|
وحوران منه خائف متضائل |
وقال الآخر :
١٩٤ ـ إنّي إذا شاربني شريب |
|
فلي ذنوب وله ذنوب |
فإن أبى كان له القليب |
__________________
(١) قال ابن منظور : وقالوا : قتله علما ، على المثل أيضا ، وقتلت الشيء خبرا ، قال الله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ،) أي : لم يحيطوا به علما.
وقال الفراء : الهاء ههنا للعلم ، كما تقول : قتلته علما ، وقتلته يقينا للرأي والحديث.
وقال الزجاج : المعنى ما قتلوا علمهم يقينا كما تقول : أنا أقتل الشيء علما ، تأويله : أي : أعلم علما تاما.
راجع لسان العرب ـ مادة (قتل) ١١ / ٥٥٠.
١٩٢ ـ البيت لجرير ، وهو في شواهد سيبويه ١ / ٢٥ ، وفي ديوانه ص ٢٥٩.
وخزانة الأدب ٢ / ١٦٦ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ص ٣١٧.
١٩٣ ـ البيت للنابغة الذبياني في رثاء النعمان ، والجولان : منطقة بالشام ، والبيت في الصاحبي ، ص ٤٥٣ ، واللسان ٢ / ٤٤٢ ، وديوانه ص ٩١.
١٩٤ ـ الرجز لم ينسب ، وهو في المخصص ١٧ / ١٨ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ص ٣٣٥ ، وتفسير القرطبي ١٧ / ٥٧.
وقال الآخر :
١٩٥ ـ لما وضعت على الفرزدق ميسمي |
|
وعلى البعيث جدعت أنف الأخطل |
قال تعالى : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١).
وقال الشاعر :
١٩٦ ـ رفع المطيّ بما وسمت مجاشعا |
|
والزنبريّ يعوم ذو الأجلال |
يريد : هجوي لمجاشع حمل على المطيّ وعلى الزنبريّ وهو السفينة ، وقد ذهب بها إلى الآفاق ، فاستعار الوسم مكان الهجو.
وقال الشاعر :
١٩٧ ـ وإنّ الله ذاق حلوم قيس |
|
فلما راء خفتها قلاها |
أي : ابتلاهم واختبرهم ، كما يقال : اركب الفرس ، وذقه. أي : اختبره.
وقوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٢). أي : العطاء المعطى ، فاستعار الرفد مكان اللعنة على إثر اللعنة.
__________________
١٩٥ ـ البيت لجرير وفيه هجا الفرزدق والبعيث والأخطل ، وهو في ديوانه ٤٤٣.
الميسم : الأهاجي والأشعار.
(١) سورة القلم : آية ١٦.
١٩٦ ـ البيت لجرير.
وهو في ديوانه ص ٤٦٦ ، والنقائض ١ / ٢٩٥ ، واللسان ١٣ / ١٢٨ ، وتأويل مشكل القرآن ١٥٧.
وقوله : الزنبري : العظام من السفن ، والأجلال : الشراع.
يريد : أن هجاءه قد سارت به المطيّ ، وعني به في البر والبحر.
١٩٧ ـ البيت ليزيد بن الصعق.
وهو في الحيوان للجاحظ ٥ / ٣٠ ، وتأويل مشكل القرآن ١٦٥.
(٢) سورة هود : آية ٩٩. وأولها : (وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ....)
والرفد : العطية ، أي : بئس العطاء والإعانة اللعنة.
قال عمرو بن كلثوم :
١٩٨ ـ قريناكم فعجّلنا قراكم |
|
قبيل الصّبح مرادة طحونا |
جعل المرادة مستعارا عن القرى.
وقال الآخر يذكر ناقة أطال عليها السير :
١٩٩ ـ كسوناها من الرّيط اليماني |
|
مسوحا في بنائقها فضول |
٢٠٠ ـ وهدّمنا صوامع شيّدتها |
|
لها حبب مخالطها نجيل |
فمعنى البيتين : كسونا الناقة ـ بدلا من الريط اليماني ـ سيرا وعرقا ، حتى اسودّ جلدها ، فصار العرق عليها بمنزلة المسوح.
والبنائق : تخاريق القميص ، وهدّمنا صوامع : أراد بها سنامها ، أي هزّلنا وأذبنا الشحم الذي كثر لها بأكل الحب والنجيل.
فالحبب : جمع حبّة وهي بزور الصحراء ، والنجيل : ضرب من النبات.
فهذه كلها استعارات.
__________________
١٩٨ ـ البيت في معلقته.
راجع شرح المعلقات للنحاس ١ / ١٢١.
والمرادة : صخرة عظيمة تطحن ما مرت به ، أي : جعلنا لكم ما يقوم مقام القرى ما يهلككم ويطحنكم.
١٩٩ ـ ٢٠٠ ـ البيتان لمخبل السعدي.
وهما في أمالي ابن الشجري ١ / ٣٨ ، و ٢ / ٦٠ ، وأمالي القالي ٢ / ٧٧.
قال : كسونا الإبل بدلا من الريط مسوحا.
والرّيط : جمع ريطة وهي الملاءة ، والبنائق : جمع بنيقة ، وهي كل رقعة في الثوب.
وقال الآخر :
٢٠١ ـ فقلنا له فاها لفيك فإنّها |
|
قلوص امرىء قاريك ما أنت حاذره |
* * *
__________________
٢٠١ ـ البيت لأبي سدرة الأسدي.
وهو من شواهد سيبويه ١ / ١٥٩ ، والمخصص ١٢ / ١٨٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٦١ ، وخزانة الأدب ٢ / ١١٦.
وقوله : فاها لفيك ، فسّره الأصمعي وأبو عبيدة ، أي : ألصق الله فاها لفيك ، يعنون به الداهية والهلكة ، وخصّ الفم دون سائر الأعضاء ، لأن أكثر المتالف يكون منه ، بما يؤكل أو يشرب من السموم.
ومعناه : أي : وقعت بك الداهية ؛ فإن هذه القلوص قلوص امرىء يجعل قراك ما تحاذره من القتل بدل لحم القلوص.
باب آخر
من الاستعارة
ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) (١).
كيف يكون النساء حرثا؟
الجواب :
قلنا : إنه مصدر أقيم مقام الصفة ، فتقديره : نساؤكم ذوات حرثكم ، أو محترث مزدرع لكم. فالحرث ههنا استعارة من الولد ، فالعرب تستعير الكلمة ، فتضعها مكان الكلمة إذا كانت بسبب من الأخرى ، أو كانت مجاورة لها.
فتقول : بنو فلان شجرة طيبة ، ويقال للجمل : راوية (٢) ، وللفناء : عذرة (٣) ، وللنبات : نوء ؛ لأنه يكون عن النوء عندهم (٤).
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٢٢٣.
(٢) يقال : له راوية يستقي عليه ، وهو بعير السقاء ، والجمع الرّوايا.
وارتويت قلوصا من الإبل : جعلتها راوية.
راجع أساس البلاغة ـ مادة (روى).
(٣) قال الزمخشري : ومن المستعار : أعذر الرجل : إذا أبدى ، من العذرة. وأصلها : الفناء.
(٤) النوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب ، وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة.
وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها ، وإنما غلّط
ومنها قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (١). أي : نكاحا وجماعا ؛ لأن الجماع أكثر ما يكون في السرّ.
وقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (٢).
فاستعار اللباس مكان النساء ؛ لأنها للرجل مكان الستر ، وكذلك الرجل لها.
وقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٣).
وهو الغبار الذي يرى في شعاع الشمس.
وقوله تعالى : (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) (٤).
وهي القشرة التي تكون على النواة. يريد : ما يملكون من شيء.
وقوله تعالى : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (٥) ، وهي : النقرة التي في ظهر النواة.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ) (٦). أي : أطلعنا عليهم.
والعثور في حقيقة اللغة : هو السقوط ، كمن عثر على شيء ينظر من فوق إلى تحت.
__________________
النبي صلىاللهعليهوسلم القول فيمن يقول : مطرنا بنوء كذا ؛ لأن العرب كانت تقول : إنما هو من فعل النجم ، ولا يجعلونه سقيا من الله تعالى.
فأما من قال : مطرنا بنوء كذا ولم يرد هذا المعنى ، وأراد مطرنا في هذا الوقت فذلك جائز.
راجع العباب ـ مادة (نوء) ١ / ١٨٥.
(١) سورة البقرة : آية ٢٣٥.
(٢) سورة البقرة : آية ١٨٧.
(٣) سورة الفرقان : آية ٢٣.
(٤) سورة فاطر : آية ١٣.
(٥) سورة النساء : آية ١٢٤.
(٦) سورة الكهف : آية ٢١.
وقوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (١). أي : كافرا فهديناه ، فاستعار الموت مكان الكفر.
وقوله تعالى : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) (٢). أي : ما أهمّك وأحزنك (٣).
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (٤). أي : تهضموا من حقوقكم.
وقوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٥). أي : قلبك فطهر من الغش والحسد ، فاستعار الثوب مكان القلب ؛ لأنه يشتمل عليه.
وقوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) (٦). أي : في جنته.
وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) (٧). أي : المطر ؛ لأنه برحمته أنزل.
ـ قوله تعالى : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ) (٨). أي : ذكرا حسنا (٩) ؛ لأن الذكر يكون باللسان.
__________________
(١) سورة الأنعام : آية ١٢٢.
(٢) سورة الانشراح : آية ٢.
(٣) أصل الوزر : الحمل الثقيل ، ووزره يزره : حمله ، ومن المجاز : هو وزير الملك للذي يوازره أعباء الملك ، أي : يحامله وليس من المؤازرة المعاونة.
(٤) سورة البقرة : آية ٢٦٧.
(٥) سورة المدثر : آية ٤.
(٦) سورة الإنسان : آية ٣١.
(٧) سورة الأعراف : آية ٥٧.
(٨) سورة الشعراء : آية ٨٤.
(٩) يقال : إنّ لسان الناس عليه لحسنة ، أي : ثناؤهم.
واللسان : الثناء. وقوله عزوجل : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ.)
معناه : اجعل لي ثناء حسنا باقيا إلى آخر الدهر.
راجع لسان العرب ـ (لسن) ١٣ / ٣٨٦.