المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

أراد : مع كتفين.

ـ «إلى» مكان «الباء» :

كقوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) (١).

قال الأخفش : «إلى» ههنا مكان الباء. معناه : خلوا بشياطينهم (٢).

ـ «بعد» مكان «مع» :

قال الله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣). قيل : مع ذلك دحاها.

وقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤). أي : مع ذلك.

وقوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ) (٥). أي : مع ذلك.

ـ قال القائل :

٤٥٤ ـ فقلت لها فيئي إليك فإنّني

حرام وإني بعد ذلك لبيب

أراد : مع ذلك.

ـ وقيل : إنّ قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣). معناه : قبل ذلك. وقد يكون «بعد» بمعنى «قبل» فيجري مجرى الأضداد ، كقولهم : الجون للأبيض والأسود ، والجلل للعظيم والحقير.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٤.

(٢) انظر معاني القرآن ١ / ٤٦.

(٣) سورة النازعات : آية ٣٠.

(٤) سورة التحريم : آية ٤.

(٥) سورة ن : آية ١٣.

٤٥٤ ـ البيت لمضرّب بن كعب ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ١٠٠ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ١٦٤ ، وإيضاح الشعر ص ٥.

لبيب : مقيم ، يقال : ألبّ بالمكان : أقام به.

٤٤١

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) (١).

قال بعض أهل اللغة : معناه : «قبل» ؛ لأنّ الذكر هو القرآن.

وقال أبو خراش :

٤٥٥ ـ حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا

خراش وبعض الشرّ أهون من بعض

أراد : قبل عروة.

ـ «عن» مكان الباء :

كقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) (٢) ، أراد : بقولك.

ـ «مع» مكان «من» :

قال تعالى : (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٣) ، يريد : من الصادقين.

ـ «إلى» مكان «عند» :

كقوله تعالى : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) (٤).

يحتمل أنّ الأيدي مشدودة مع الأعناق ، فتكون الأيدي عند الذقن.

ـ «في» بمعنى الباء :

في قوله تعالى : (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) (٥).

قال الأخفش : ردّوا نعم الله بأفواههم ، وأنشد :

__________________

(١) سورة الأنبياء : آية ١٠٥.

٤٥٥ ـ البيت لأبي خراش الهذلي وهو في فصل المقال ٢٤٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ٤٠٦.

(٢) سورة هود : آية ٥٣.

(٣) سورة التوبة : آية ١١٩.

(٤) سورة يس : آية ٨.

(٥) سورة إبراهيم : آية ٩.

٤٤٢

٤٥٦ ـ وأرغب فيها عن لقيط ورهطه

ولكنني عن سنبس لست أرغب

يعني : أرغب بها عن لقيط.

ـ «من» مكان «مع» :

كقوله تعالى : (فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) (١) ، أي : معي.

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس منّا الأجناد» (٢).

قال القائل :

٤٥٧ ـ إذا حاولت في أسد فجورا

فإني لست منك ولست من

 ـ «دون» مكان «غير» :

كقوله تعالى : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) (٣). يعني : من غيركم.

ـ «دون» مكان «عن» :

__________________

٤٥٦ ـ البيت في معاني القرآن للفراء ٢ / ٧٠ ولم ينسبه المحقق ، وهو لامرىء القيس ، وهو في الخزانة ١ / ٦٤ ، والخصائص ٢ / ٤٢٣.

وسنبس : حيّ من طيىء.

(١) سورة البقرة : آية ٢٤٩.

(٢) لم أجده بكتب الحديث بلفظه ، لكن ورد بمعناه كثير فمنها :

ما روي عن المقدام بن معد يكرب أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب على منكبيه ، ثم قال : أفلحت يا قديم إن متّ ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا. [أخرجه أبو داود].

وفي آخر : «إنكم ستحرصون على الأمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة ، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة». [أخرجه الشيخان].

وفي آخر : «ويل للأمراء ، ويل للعرفاء ، ويل للأمناء]. [أخرجه ابن حبان والحاكم].

٤٥٧ ـ البيت للنابغة الذبياني ، وهو في ديوانه ص ١٩٩ ، وكتاب سيبويه ٢ / ٢٠ ، وتفسير القرطبي ٣ / ٢٥٢ ، والبحر المحيط ٢ / ٢٦٤.

(٣) سورة آل عمران : آية ١١٨.

٤٤٣

ـ قال الأعشى :

٤٥٨ ـ يزيد يغضّ الطرف دوني كأنّما

زوى بين عينيه عليّ المحاجم

 ـ «في» بمعنى «مع» :

كقوله تعالى : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي) (١). أي : مع عبادي.

وقوله : (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (٢) ، أي : مع عبادك.

فصل

ـ أمّا الواو بمعنى «أو» :

ففي قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ) (٣) ، لأنّ من كفر بواحد من المذكورين فقد كفر بالجميع.

وقوله : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) (٤).

المعنى : عذاب شديد أو مغفرة.

وقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٥). معناه : أو ثلاث أو رباع ، وقوله تعالى : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٦). معناه : أو ثلاث أو رباع.

ـ «أو» بمعنى الواو.

__________________

٤٥٨ ـ البيت تقدم برقم ١١.

(١) سورة الفجر : آية ٣٠.

(٢) سورة النمل : آية ١٩.

(٣) سورة النساء : آية ١٣٦.

(٤) سورة الحديد : آية ٢٠.

(٥) سورة النساء : آية ٣.

(٦) سورة فاطر : آية ١.

٤٤٤

كقوله تعالى : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) (١). أي : ويزيدون.

وقوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (٢). معناه : وكصيّب ، عند بعضهم.

ـ قال ذو الرّمة :

٤٥٩ ـ إذا طرفت في مربع بكراتها

أو استأخرت عنها الثّقال القناعس

وقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٣). يعني : وكفورا.

ـ و «أن» بمعنى «لن» :

كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) (٤).

قال بعض المفسرين ووافقهم الفرّاء : قل إنّ الهدى هدى الله ، فإنّه لن يؤتى أحد. جعل «أن» بمعنى «لن» وهما يتعاقبان ، لأنهما من الحروف الناصبة للأفعال المستقبلة.

ـ قال الله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٥).

يريد ـ والله أعلم ـ أن نسلم ، لأنه قال : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٦).

إن جعلت مكان اللام «أن» كان نصبا من طريق اللغة ، وإن جعلت اللام مكان «أن» كان نصبا من طريق المعنى ، والله أعلم بمراده.

__________________

(١) سورة الصافات : آية ١٤٧.

(٢) سورة البقرة : آية ١٩.

٤٥٩ ـ البيت في ديوانه ص ٤١٠ ، وقوله : طرفت ، أي : تطرفت ، القناعس : الضخام من الإبل ، والبكرات : جمع بكرة ، وهي الفتية من الإبل.

(٣) سورة الإنسان : آية ٢٤.

(٤) سورة آل عمران : آية ٧٣.

(٥) سورة الأنعام : آية ٧١.

(٦) سورة الأنعام : آية ٧٢.

٤٤٥

وقال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) (١) ، ثم قال : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) (٢).

وقال كثّير :

٤٦٠ ـ أريد لأنسى ذكرها فكأنّما

تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل

يريد : أن أنسى.

ـ وقيل إنّ قوله : (أَنْ يُؤْتى) (٣). معناه : إن يؤت.

ـ «عن» مكان «مع» :

كقوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) (٤). يعني : مع نفسها ، عند بعضهم.

ـ «من» بمعنى «عند» :

كقوله تعالى : (مِنَ الصَّواعِقِ) (٥). أي : عند الصواعق.

وأنشد اللغويون في قيام بعض الصفات مقام بعض :

٤٦١ ـ يافل قل لفلان يشتره

ويستعن ببصري في بصره

٤٦٢ ـ أما يرى إلى اطّراد أبهره

وطول سير به إلى معذّره

يلقي إليك صرّة من صرره

قوله : يافل : معناه يا فلان مرخّم.

__________________

(١) سورة النساء : آية ٢٦.

(٢) سورة النساء : آية ٢٨.

٤٦٠ ـ البيت في ديوانه ص ١٠٩ ، والمحتسب ٢ / ٣٢ ، ومغني اللبيب ٢١٦ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٣٠ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ١٦٠ ، وقد تقدم برقم ٢٤٩.

(٣) سورة آل عمران : آية ٧٣.

(٤) سورة النحل : آية ١١١.

(٥) سورة البقرة : آية ١٩.

٤٤٦

ويشتره ، أي : يختره ، من قولهم : اشتريت الشيء.

وقوله : يستعن ببصري في بصره ، أي : مع بصره ، فأقام «في» مقام «مع».

وقوله : أما يرى إلى اطّراد أبهره. أي : تتابع أبهره. والأبهر : عرق متصل بالقلب ، والمعذّر : الموضع الذي يعقد فيه العذار ، فوصفه بطول الخدين.

ـ وقوله : يلقي إليها صرّة من صرره : إنك تسبق إليه فتحرز صرة من الصرر التي يحصلها كلّ سابق عليه.

ـ «إن» بمعنى «قد» :

كقوله تعالى : (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (١).

حكى الفرّاء عن الكسائي عن أعرابي أنّه قال : إن بمعنى : قد نفعت.

ـ «أو» مكان «قد» :

كقوله تعالى : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (٢).

ـ «أم» فيه معنى الشرط :

في قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) (٣) جوابه : (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (٣) ، المعنى ـ والله أعلم ـ : إن كان لهم نصيب من الملك.

«على» مكان «عند» :

__________________

(١) سورة الأعلى : آية ٩.

(٢) سورة النساء : آية ٩٠.

(٣) سورة النساء : آية ٥٣.

٤٤٧

كقول القائل :

٤٦٣ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها

...

«عن» مكان «بعد» :

في قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) (١). يريد : بعد البينة.

ـ «من» مكان اللام.

في قوله تعالى : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) (٢). أي : لغير شيء.

ـ «عن» مكان الباء :

كقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (٣) ، ويقال : رميت عن القوس ، أي : بها.

ـ «أنّ» بمعنى «لعلّ» :

كقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٤). يعني : لعلّها.

__________________

٤٦٣ ـ الصدر لمزاحم العقيلي شاعر إسلامي أموي ، وعجزه : [تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل].

وهو في الأزهية ١٩٤ ، ومغني اللبيب ١٩٤ ، وابن عقيل ١ / ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٥٣.

ـ وهو يصف قطاة وفرخها ، قوله : تمّ ظمؤها ، أي : كملت مدة صبرها عن شرب الماء.

تصلّ : تصوّت من أحشائها لشدة العطش ، عن قيض : أي طارت عن قيض وهو قشر البيض ، زيزاء : أرض غليظة.

(١) سورة الأنفال : آية ٤٢.

(٢) سورة الطور : آية ٣٥.

(٣) سورة النجم : آية ٣.

(٤) سورة الأنعام : آية ١٠٩.

٤٤٨

تقول العرب : أنّك تشتري لنا شيئا ، تريد : لعلّك.

وقال الشاعر :

٤٦٤ ـ أعاذل وما يدريك أنّ منيّتي

إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد

__________________

٤٦٤ ـ البيت لعدي بن زيد :

وهو في اللسان مادة أن ، وتفسير القرطبي ٧ / ٦٤ ، وديوان عدي ١٠٣ ، وفيه :

أعاذل وما يدريك إلا تظنّنا

إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد

وعلى هذا فلا شاهد فيه.

٤٤٩

باب «ثمّ»

ـ «ثمّ» يوضع موضع خمس من الحروف :

أحدها : مكان واو العطف.

ومكان الابتداء.

ومكان «مع».

ولمعنى «التعجب».

ومكان قبل.

ـ أمّا إذا كان بمعنى الواو : فكقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) (١).

قال أهل التفسير : إنّ الذين آمنوا في زمن موسى لموسى عليه‌السلام ، ثم كفروا بعد موته ، ثم آمنوا بعزيز ثم كفروا بعيسى عليه‌السلام ، ثم ازدادوا كفرا حين كفروا بمحمد عليه‌السلام.

ـ وأمّا إذا كان بمعنى «مع» فكقوله تعالى : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (٢). يعني : مع ذلك كان من المؤمنين.

ـ وأمّا الابتداء فكقوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) (٣) ، وقوله : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) (٤).

__________________

(١) سورة النساء : آية ١٣٧.

(٢) سورة البلد : آية ١٧.

(٣) سورة فاطر : آية ٣٢.

(٤) سورة الأنعام : آية ١٥٤.

٤٥٠

ـ قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : كان شيخنا أبو الحسن منصور بن الحسن الأهوازي ، رحمه‌الله ، يقول : إنّ العطف على ثلاثة أوجه :

ـ عطف الاسم على الاسم إذا كان يوافقه في الحال.

ـ وعطف الفعل على الفعل إذا كانا متوافقين في الوقت.

ـ وعطف الجملة على الجملة إذا كانتا متوافقتين في التنصيص.

ـ أمّا في الاسم فكما تقول : جاء زيد وعمرو ، أو : ثمّ عمرو ، وهاجر أبو بكر ، ثمّ عمر.

ـ وأمّا الفعل فكما تقول : توضأت ثمّ صليت ، أو تقول : صمت ثم أفطرت.

ـ وأمّا عطف الجملة على الجملة فقوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) (١) ، وتقدير الكلام : ولقد قلنا : خلقناكم ثم صورناكم ، ثم نخبر بأنا قلنا للملائكة (٢) ، أو يكون هذا خبرا

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ١١.

قال الأخفش : ثمّ في معنى الواو.

(٢) قال الفرّاء عند قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر : ٦] : كيف قال : (خَلَقَكُمْ) لبني آدم ، ثم قال : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) والزوج مخلوق قبل الولد؟

ففي ذلك وجهان من العربية : أحدهما أنّ العرب إذا أخبرت عن رجل بفعلين ردّوا الآخر بثمّ إذا كان هو الآخر في المعنى ، وربّما جعلوا (ثُمَّ) فيما معناه التقديم ، ويجعلون (ثُمَّ) من خبر المتكلم ، من ذلك أن تقول : قد بلغني ما صنعت يومك هذا ثمّ ما صنعت أمس أعجب ، فهذا نسق من خبر المتكلم.

راجع معاني القرآن للفراء ٢ / ٤١٤. ـ

٤٥١

مستأنفا لا عطفا على الأول.

ـ أمّا بمعنى التعجب فكقوله : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) (١).

ـ [وبمعنى قبل ، مثل قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (٢) ، وقوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) (٣)] (٤).

* * *

__________________

ـ وقال ابن هشام في الآية : فإذا حمل خلقنا وصورنا على إرادة الخلق والتصوير لم يشكل. وقيل : هما على حذف مضافين. أي : خلقنا أباكم ثم صورنا أباكم ، ومثله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا ،) أي : أردنا إهلاكها.

(١) سورة المدثر : آية ١٥.

ـ وأمّا «ثمّ» مكان قبل فلم يمثل لها المؤلف.

(٢) سورة الأعراف : آية ٥٤.

(٣) سورة الصافات : آية ٦٨.

(٤) ما بين [] سقطت من الأصل ، وأكملناها من كتاب الموضح للمؤلف ص ١٢٠ ، مطبوع بتحقيقنا.

٤٥٢

باب

إضافة الفعل إلى من لا فعل له في الحقيقة

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً) (١) ، وفي سورة أخرى في وصف يغوث ويعوق : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) (٢) ، فهذه أصنام لا تعقل ، وكيف يجوز أن ينسب الإضلال إليها؟.

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

هذا إضافة سبب ، لأنّه لما حصل الإضلال بسببها أضاف الإضلال إليها ، كما يقال : أهلكت هذه المرأة الرجل ، وذهبت بعقله ، ولعلّها لم تعمل شيئا من ذلك ، ولكنها كانت سبب هلاكه.

وكذلك قوله تعالى : (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) (٣) لمّا كان استهزاء المشركين بالمؤمنين سببا لنسيانهم ذكر الله تعالى أضاف النسيان إلى المؤمنين ، والله أعلم.

* * *

__________________

(١) سورة إبراهيم : آية ٣٦.

(٢) سورة نوح : آية ٢٤.

(٣) سورة المؤمنون : آية ١١٠.

٤٥٣

باب

حذف الجواب عن الشرط

ـ فإن سئلت عن قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١) أين جوابه؟

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

يمكن أن يحذف جواب الشرط ، لا سيما إذا كانت الحال تنبىء عنه ، كقوله تعالى في سورة الرعد : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) (٢) ، فحذف الجواب ؛ لأنّ الحال تنبىء عنه.

ـ وكذلك حذف جواب الاستفهام في نحو قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (٣) ، وكذلك قوله : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ) (٤) ، وقوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) (٥).

وكذلك حذف خبر المبتدأ وخبر إنّ ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٦) ، ثم قال : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) (٦) ولم يأت بخبره ، ونظيره في القرآن كثير لأنّ القوم تكلموا بما كانوا يعتادون به ويعقلونه ، والفصيح من العرب يبتدىء بحديث ثمّ يدعه

__________________

(١) سورة النور : آية ١٠.

(٢) سورة الرعد : آية ٣١.

(٣) سورة الزمر : آية ٢٢.

(٤) سورة الزمر : آية ١٩.

(٥) سورة فاطر : آية ٨.

(٦) سورة الحج : آية ٢٥.

٤٥٤

بغير خبر لعلم المخاطب لما يريد المخبر ، هذا كما يقول : لولا حرمة فلان ، ثم يسكت فيعلم أنه يريد : لفعلت كذا ، وكقول القائل :

٤٦٥ ـ فلو مارسوه ساعة إنّ قرنه

إذا خام أخدان الإماء يطيح

فترك جوابه ، كأنه قال : لعرفوه.

وكقول الآخر :

٤٦٦ ـ فإنّ المنيّة من يخشها

فسوف تصادفه أينما

معناه : أينما ذهب.

* * *

__________________

٤٦٥ ـ البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، وهو في ديوان الهذليين ١ / ١١٧ ، وقوله خام : ضعف ورجع ، وأخدان : جمع خدن ، أي : لو مارسوه لضعفوا ، يقول : يقتله فإذا ضعف هذا قتل هذا قرنه.

٤٦٦ ـ البيت تقدم برقم ٣٢١.

٤٥٥

باب التعجب

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا) (١) ، فما الوجه فيه؟

ـ الجواب : أنّ هذا على وجه التعجب ، معناه : ما أسمعهم وأبصرهم. والتعجب عندهم على عشرة أوجه ، وحروفه أربعة : أحدها : «ما» وتنصب الاسم المتعجب منه ، فتقول : ما أحسن زيدا ، فإن كررت «ما» وجعلتها بين الفعلين رفعت الاسم المتعجب منه بفعله ، فقلت : ما أحسن ما كان زيد ، ف «ما» الثانية في محل النصب ، وزيد : مرفوع بفعله. وكذلك : ما أحسن ما صنع أخوك.

ـ ولو عطفت عليه فعلا آخر نصبته أيضا فقلت : ما أحسن زيدا وأعلمه ، وما أعفّ فلانا وأورعه!

ـ وقد يجيء التعجب بلفظ الأمر ، والمراد به الخبر ، كقولك : أحسن بزيد ، أي : ما أحسنه. قال الله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) (١).

ـ فإن كان المتعجب منه لونا فلا تقول : ما أفعله ولا أفعل به ، بل جئت ب (أشدّ) ونحوه ، فقلت : ما أشدّ سواده ، وما أبين بياضه ، ولا تقول :

ما أبيضه وما أسوده ، كما تقول : ما أعلمه.

__________________

(١) سورة مريم : آية ٣٨.

٤٥٦

ـ وكذلك العيوب الظاهرة التي لا تفاضل فيها ، تقول : ما أشدّ عمى فلان ، وما أشدّ حوله! لأنّ ألف التعجب مفتوحة ، وألف هذه النعوت مفتوحة أيضا ، فلا يتهيأ دخولها عليها ، وقد قيل غير هذا.

ـ وأمّا إذا قلت : رجل أعمى القلب فيجوز أن تقول : ما أعماه! كقول الله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى) (١).

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ٧٢.

٤٥٧

باب

وجوه الأمر في القرآن

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (١). وقد علم تعالى : أنهم لا يقدرون على إتيان حديث مثله ، فكيف أمرهم بإتيان سورة؟ أليس هذا تكليف ما لا يطاق؟.

ـ الجواب عنه :

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ الأمر في القرآن يتّجه أحد عشر وجها (٢) :

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢٣.

(٢) إن الأمر حقيقة في القول الطالب للفعل ، والجمهور على أنّ صيغة «افعل» حقيقة في الوجوب مجاز في غيره ، والمجاز لا بدّ فيه من علاقة.

وصيغة افعل ترد لستة عشر معنى : الأول : الإيجاب مثل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ ،) الثاني : الندب مثل (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل ممّا يليك» ، الثالث : الإرشاد كقوله تعالى : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ،) الرابع : الإباحة كقوله تعالى : (كُلُوا وَاشْرَبُوا ،) الخامس : التهديد ، كقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ ،) السادس : الامتنان ، كقوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ،) السابع : الإكرام ، كقوله تعالى : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ،) الثامن : التسخير ، كقوله تعالى : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ ،) التاسع : التعجيز كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ ،) العاشر : الإهانة ، كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ،) الحادي عشر : التسوية ، كقوله تعالى : (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ ،) الثاني عشر : الدعاء ، كقوله : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ ،) الثالث عشر : التمني ، كقول الشاعر : [ألا أيها الليل الطويل ألا انجل] ، الرابع عشر : الاحتقار ، كقوله تعالى : (بَلْ أَلْقُوا ،) الخامس عشر : التكوين ، كقوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ ،) السادس عشر : الخبر نحو [فاصنع ما شئت] وعكسه : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ.)

٤٥٨

أحدها : على الفرض والحتم.

والثاني : على النفل والندب.

والثالث : على الإذن والإباحة.

الرابع : على التهديد والتوبيخ.

الخامس : أمر التحدي والتعجيز.

السادس : بمعنى الخبر.

السابع : على معنى الزجر ، وقيل : إنه بمعنى التسوية.

والثامن : بمعنى اليأس.

والتاسع : على معنى الدعاء.

والعاشر : لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر ، أو لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر.

والحادي عشر : بمعنى الشرط.

ـ أمّا إذا كان بمعنى الفرض والحتم ، فكقوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (١) ، وقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) (٢) ، وقوله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (٣) ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (٤) وله نظائر.

ـ أمّا بمعنى الندب والنفل فكقوله تعالى : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَ) (٥) ، وكقوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٦).

قوله : (فَانْتَشِرُوا :) أمر إباحة وإذن ، و (ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) إذا

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٤٣.

(٢) سورة الحج : آية ٧٨.

(٣) سورة التوبة : آية ٤١.

(٤) سورة المائدة : آية ٦٧.

(٥) سورة النساء : آية ٣٤.

(٦) سورة الجمعة : آية ١٠.

٤٥٩

أجريناه على طلب الرزق يكون أيضا أمر إباحة ، فإذا أجريناه على طلب العلم يكون أمر ندب ونفل.

وقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (١) أمر إباحة وإذن.

وقوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (٢) ، وكذلك قوله تعالى : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ) (٣) يحتمل كلّ واحد منهما أن يكون أمر إيجاب أو نفل.

وقوله تعالى : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) (٤) يحتمل الوجهين.

وقوله تعالى : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) (٥) يحتمل النفل والإباحة.

وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٦).

قال مجاهد : (فَكُلُوا مِنْها) بمنزلة قوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) (٧).

وقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ) (٨) أمر إباحة وإذن.

ـ وأمّا التهديد والتوبيخ فكقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٩) ، وكقوله : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) (١٠) ، وكقوله تعالى : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (١١) ، وقوله تعالى : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) (١٢) ، وقوله : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١٣).

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٢.

(٢) سورة البقرة : آية ١٩٨.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٠٠.

(٤) سورة الأنعام : آية ٩٩.

(٥) سورة الأنعام : آية ١٤١.

(٦) سورة الحج : آية ٢٨.

(٧) سورة المائدة : آية ٢.

(٨) سورة البقرة : آية ١٧٨.

(٩) سورة فصلت : آية ٤٠.

(١٠) سورة التوبة : آية ١٠٥.

(١١) سورة الأعراف : آية ٧٦.

(١٢) سورة الزمر : آية ٨.

(١٣) سورة الكهف : آية ٢٩.

٤٦٠