المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) (١). أي : شرف لك ؛ لأن الشرف مذكر.

وقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) (٢). قيل : شرفكم.

وقوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) (٣).

استعار عن عزمهم على الحرب بإيقاد النار ، واستعار إطفاء النار مكان منع الله إياهم وتشتيت شملهم.

وقوله تعالى : (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) (٤).

أراد بها الثقل الذي ألزمهم الله إياه في فرائضهم.

وأشباه ذلك كثيرة في القرآن.

أمّا الأبيات فقول الشاعر :

٢٠٢ ـ إنّي أرقت فبتّ الليل مكتئبا

كأنّ عينيّ فيها الصاب مذبوح

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٤٤.

وقال الزمخشري : ومن المجاز : له ذكر في الناس ، أي : صيت وشرف.

راجع أساس البلاغة ـ مادة (ذكر).

(٢) سورة الأنبياء : آية ١٠.

(٣) سورة المائدة : آية ٦٤.

(٤) الآية (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [سورة الأعراف : آية ١٥٧]. وأصل الإصر في اللغة : الثقل ، وهو ما تعبّد به مما يثقل ، وما ألزموه من قطع ما أصابه البول وغيره. والأغلال مستعارة لتلك الأثقال.

٢٠٢ ـ البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، ويروى شطره الأول : [نام الخليّ ونمت الليل مشتجرا]. وهو في ديوان الهذليين ١ / ١٠٤ ، وابن يعيش ١٠ / ١٢٤ ، ومجاز القرآن ١ / ٤٠٠ ، وتفسير الطبري ١٥ / ١٤٨.

٢٢١

الصّاب : شجر إذا عصر خرج منه كهيئة اللبن ، إذا وقع منه في العين شيء احترقت وسال ماؤها. والمذبوح : مستعار مكان المقطوع.

وقال الآخر :

٢٠٣ ـ إذا سقط السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

السماء : مستعار مكان النبت ، وفي البيت اختصار. يريد : إذا سقط المطر بأرضهم ونبت العشب ، رعينا ذلك العشب.

وقال الأعشى :

٢٠٤ ـ يضاحك الشمس منها كوكب شرق

مؤزّر بعميم النّبت مكتهل

هذا من أعجب استعارتهم.

يقول : إذا ضحكت الأرض ، أي : إذا أنبتت ؛ لأنها تبدي عن النور كما يبدو من الضاحك الثغر.

وقال الآخر :

٢٠٥ ـ لا همّ إنّ عامر بن جهم

أوذم حجا في ثياب دسم

أي : بجسم متدنس من الذنوب.

__________________

٢٠٣ ـ البيت لمعاوية بن مالك الملقّب : معوّد الحكماء.

وهو في تفسير القرطبي ١ / ٢١٦ ، والصاحبي ١١٠ ، ومقاييس اللغة ٣ / ٩٨ ، والمفضليات ص ٣٥٩.

٢٠٤ ـ البيت في الصناعتين ٣٠٥ ، وديوانه ص ٥٧ ، ومشكل القرآن ١٣٦ ، واللسان ٥ / ٧٦ ، وديوانه ص ١٤٥.

والكوكب : معظم النبات ، والمؤزّر : الذي صار النبات كالإزار له.

٢٠٥ ـ البيت في تفسير القرطبي ١٩ / ٦٥ ، وتأويل مشكل القرآن ص ١٤٢.

وأوذم الحج : أوجبه على نفسه ، والوذيمة : الهدية إلى بيت الله الحرام.

٢٢٢

وقال آخر :

٢٠٦ ـ إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها

من علو لا عجب فيها ولا سخر

اللسان ههنا : استعارة عن الرسالة.

وقال الآخر :

٢٠٧ ـ فلسنا كعهد الدار يا أمّ مالك

ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل

يريد : ليس الأمر كما كان حين كنا في الدار ؛ لأنا أسلمنا فصرنا في رقابنا كالأغلال فمنعنا عن المشتهى.

وقال آخر :

٢٠٨ ـ ألا زعمت بسباسة اليوم أنّني

كبرت وأن لا يشهد اللهو أمثالي

يريد : النكاح والجماع.

ـ والعرب تستعير الثوب مكان النفس والخلق والقلب.

__________________

٢٠٦ ـ البيت لأعشى باهلة يرثي المنتشر بن وهب الباهلي.

وهو في الكامل ٢ / ٢٩١ ، والأصمعيات ٣٢ ، وتأويل مشكل القرآن ص ١٤٧ ، وتفسير القرطبي ١٣ / ١١٣.

وقوله : علو : بفتح الواو وكسرها أي : من أعلى ، ولا سخر : لا هزء.

٢٠٧ ـ البيت لأبي خراش الهذلي.

وهو في ديوان الهذليين ٢ / ١٥٠ ، وتفسير القرطبي ٥ / ١٢١ ، وتأويل مشكل القرآن ١٤٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٠٤.

٢٠٨ ـ البيت لامرىء القيس ، وقد تقدم برقم ١٨.

٢٢٣

قال الشاعر :

٢٠٩ ـ وإنّي بحمد الله لا ثوب فاجر

لبست ولا من غدرة أتقنّع

وقال عنترة :

٢١٠ ـ فشككت بالرّمح الأصمّ ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

عنى بثيابه : نفسه.

وقال الآخر :

٢١١ ـ ثياب بني عوف طهارى نقيّة

وأوجههم بيض المسافر غرّان

وأمّا في الخلق فقال الشاعر :

٢١٢ ـ ويحيى لا يلام بسوء خلق

فيحيى طاهر الأثواب حرّ

أي : حسن الأخلاق.

__________________

٢٠٩ ـ البيت لغيلان بن سلمة الثقفي ، ونسبه ثعلب لبرذع بن عدي الأزدي وهو الصحيح ، وقبله :

لعمر أبيها لا تقول خليلتي

ألا إنه قد خانني اليوم برذع

وأحفظ جاري أن أخالط عرسه

ومولاي بالنكراء لا أتطلع

وأبذل مالي دون عرضي إنّه

على اليسر والإعدام عرضي ممنع

راجع : مجالس ثعلب ٢١٠ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٣٤١ ، وتفسير القرطبي ١٩ / ٦٣.

٢١٠ ـ البيت لعنترة في معلقته. راجع شرح المعلقات ٢ / ٣٣ ، وديوانه ص ٢٦.

٢١١ ـ البيت لامرىء القيس ، ونسبه القرطبي في تفسيره لابن أبي كبشة ، وهو وهم.

والبيت في تفسير الماوردي ٤ / ٣٤٢ ، وتفسير القرطبي ١٦ / ٦٤ ، وشرح القصائد لابن الأنباري ٤٦ ، واللسان ـ (ثوب) ، وديوانه ص ١٦٧.

٢١٢ ـ البيت لم ينسب.

وهو في تفسير القرطبي ١٩ / ٦٤.

٢٢٤

وأمّا في القلب فقال امرؤ القيس :

٢١٣ ـ فإن كنت قد ساءتك منّي خليقة

فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل

أي : قلبي من قلبك.

وكذلك تقول العرب لامرأة الرّجل : هي لباسه ، وفراشه ، وإزاره ، وأمّ الحيّ ، وأمّ الأجيال ، وعرسه وزوجه ، وبيته وحنّته ، وطلّته ، وقوصرته ، وربضه.

أمّا اللباس فقول الشاعر :

٢١٤ ـ...

فكانت عليه لباسا

وأمّا الإزار فقول الشاعر :

٢١٥ ـ ألا أبلغ أبا حفص رسولا

فدى لك من أخي ثقة إزاري

__________________

٢١٣ ـ البيت من معلقته ، راجع شرح المعلقات ١ / ١٤ ، وتفسير القرطبي ١٩ / ٦٣ ، وتفسير الماوردي ٤ / ٣٤١ ، ولسان العرب ـ مادة (ثوب) ١ / ٢٤٦ ، وديوانه ص ١١٣.

٢١٤ ـ الشطر للنابغة الجعدي وهو :

إذا ما الضجيع ثنى عطفه

تثنّت فكانت عليه لباسا

وهو في المنتخب من كنايات الأدباء ص ١١ ، وتفسير القرطبي ٢ / ٣١٦.

٢١٥ ـ البيت لأبي المنهال الأشجعي واسمه بقيلة الأكبر.

وكان كتب إلى عمر بن الخطاب أبياتا من الشعر ، يشير فيها إلى رجل ، كان واليا على مدينتهم ، يخرج الجواري إلى سلع عند خروج أزواجهن إلى الغزو ، فيعقلهن ويقول : لا يمشي في العقال إلا الحصان ، فربما وقعت فتكشفت ، فقال :

ألا أبلغ أبا حفص رسولا

فدى لك من أخي ثقة إزاري

قلائصنا هداك الله ، إنا

شغلنا عنكم زمن الحصار

فما قلص وجدن معقّلات

قفا سلع بمختلف النّجار

يعقّلهنّ جعدة من سليم

غويّ يبتغي سقط العذاري

 ـ

٢٢٥

أي : نسائي.

وقال في العرس :

٢١٦ ـ تلك عرسي تقول إنّك شيخ

ذاك عيب عليّ ممّض

قال الآخر في الحنّة :

٢١٧ ـ ما أنت بالحنّة الودود ولا

عندك خير يرجى لملتمس

وقال الآخر في الطّلة :

٢١٨ ـ ألا بكرت طلتي تعذل

وأسماء في قولها أعذل

وقال الآخر :

٢١٩ ـ جاء الشتاء ولمّا أتخذ ربضا

يا ويح نفسي من حفر القراميص

__________________

ـ فلما وقف عمر رضي الله عنه على الأبيات عزله وسأله عن ذلك الأمر فاعترف ، فجلده مائة معقولا ، وطرده إلى الشام.

راجع لسان العرب ـ مادة (أزر) ٤ / ١٧ ، والعقد الفريد ٢ / ٤٦٣ ، والعمدة ١ / ٢٨١ ، وتأويل مشكل القرآن ص ١٤٣ ، والإصابة ١ / ١٦٢.

٢١٦ ـ البيت للفضل بن عباس ، وهو في شرح المقصورة لابن خالويه ص ٥٢١.

٢١٧ ـ البيت لقتادة اليشكري ، وانظر العقد الفريد ٧ / ١١٤.

وهو في أمالي القالي ١ / ١٩ ، والتنبيه على أوهام القالي للبكري ٢٤.

قال أبو عبيدة : تزوج قتادة اليشكري أرنب الحنفية ، فلم تلد له ونشزت عليه فطلّقها وقال :

تجهزي للطلاق واصطبري

ذاك دواء الجوامس الشّمس

ما أنت بالحنّة الولود ولا

عندك خير يرجى لملتمس

لليلتي حين بتّ طالقة

ألذّ عندي من ليلة العرس

٢١٨ ـ البيت لم ينسب.

وهو في الأمالي للقالي ١ / ١٩.

٢١٩ ـ البيت لم ينسب.

وهو في الأضداد لابن الأنباري ص ١١٧ ، والتقفية في اللغة ٤٦٩ ، واللسان ـ مادة (ربض). ـ

٢٢٦

وقال الآخر :

٢٢٠ ـ أقول إذا حوقلت أو دنوت

وبعد حيقال الرجال الموت

وقال الآخر في البيت :

٢٢١ ـ مالي إذا نزعتها صأيت

أكبر غيّرني أم بيت

قوله : حوقلت : ضعفت عن النكاح.

وقوله : نزعتها : يعني : الولد ، وصأيت : صحت من ضعفي.

* * *

__________________

ـ والربض : كل ما أويت إليه من امرأة أو أخت. والقراميص : جمع قرموص ، وهي حفرة يستدفىء فيها الإسنان الصرد من البرد.

٢٢٠ ـ البيت لرؤبة بن العجاج.

وهو في ديوانه ص ١٧٠ ، والمخصص ١ / ١٤ ، والمقتضب ٢ / ٩٤ ، وابن يعيش ٧ / ١٥٥.

٢٢١ ـ الرجز لرؤبة بن العجاج.

وهو في أساس البلاغة ـ مادة (بيت) ، ولسان العرب ـ مادة (صأى) ١٤ / ٤٤٩ ، وأمالي القالي ١ / ٢٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٣.

ومن المجاز قال بدويّ لآخر : هل لك بيت؟ أي امرأة. والنزيع : النجيب ، يقال للمرء إذا أشبه أخواله : نزعهم.

ـ ولم يمثل المؤلف للقوصرة ، ومثاله ما قال الشاعر :

أفلح من كانت له قوصرة

يأكل منها كل يوم مرّة

٢٢٧

باب

ما جاء على صيغة المستقبل ومعناه الماضي

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (١).

أليس ملك سليمان عليه‌السلام قد كان ومضى؟

وقوله : (تَتْلُوا) فعل غابر ، فكيف تتلو في ملك قد مضى وانقرض؟

الجواب ـ وبالله التوفيق ـ :

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : إنّ الماضي يذكر بلفظ المستقبل في موضعين :

أحدهما : إذا كان حالا.

والثاني : إذا كان الفاعل يدوم على ذلك الفعل ، وكان من سبيله إتيان ذلك الفعل ، كما تقول للكذّاب : لم تكذب ، وللسارق : لم تسرق. يعني : ما كذبت وسرقت.

قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ ،) أي : ما تلت.

وقوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) (٢). أي : قتلوا وأصرّوا على قتلهم.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٠٢.

(٢) سورة البقرة : آية ٦١.

٢٢٨

وقوله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ ،) (١) يعني : لم قتلتم.

وقوله تعالى : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (٢). أي : قالوا.

وقوله تعالى : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) (٣). أي :

لبستم وكتمتم.

وقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) (٤). يعني : قتلتم وأخرجتم.

وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) (٥). يعني أصبحت الأرض.

وقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا) (٦).

فهذه كلّها مواطن جاءت بلفظ المستقبل.

وقوله تعالى : (يَأْتِيها رِزْقُها) (٧). أي : أتاها ، ألا ترى كيف قال : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) (٧).

الأبيات :

قال زياد الأعجم :

٢٢٢ ـ وانضح جوانب قبره بدمائها

فلقد يكون أخا دم وذبائح

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٩١.

(٢) سورة النازعات : آية ١٠.

(٣) سورة آل عمران : آية ٧١.

(٤) سورة البقرة : آية ٨٥.

(٥) سورة الحج : آية ٦٣.

(٦) سورة القصص : آية ٥٩.

(٧) الآية : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.)

الآية ١١٢ من سورة النحل.

٢٢٢ ـ البيت تقدم برقم ٣٦.

٢٢٩

يعني : لقد كان.

وقال الآخر :

٢٢٣ ـ ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني

فمضيت ثمتّ قلت لا يعنيني

يسبني يحتمل الماضي والحال.

وقال الآخر :

٢٢٤ ـ وما أضحي وما أمسيت إلا

رأوني منهم في كوّفان

الكوّفان : الإحاطة بالشيء.

ـ وأمّا إذا كان حالا :

فاعلم أنّ الحال على وجهين :

أحدهما : أسماء النكرات التي جاءت بعد المعارف ، وهي منصوبات الأعين ، كقوله تعالى : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) (١).

والوجه الثاني : هو الفعل المستقبل الذي يقع محل الجواب ، ولا يراد

__________________

٢٢٣ ـ البيت نسب في كتاب سيبويه إلى رجل من بني سلول ، ونسب في الأصمعيات إلى شمّر بن عمرو الحنفي.

والبيت من شواهد النحويين المشهورة في باب النعت ، وهو في كتاب سيبويه ١ / ٤١٦ ، والخصائص ٣ / ٣٣٠ ، والصاحبي ٢١٩ ، ومغني اللبيب ١٤٢ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ١٣٩.

٢٢٤ ـ البيت لم ينسب.

وهو في الصاحبي ٣٦٤ ، ومقاييس اللغة ٥ / ١٤٧ ، واللسان ١١ / ٢٢٢ ، وتفسير الطبري ١ / ٣٣٣.

قال ابن فارس : ويقولون : وقعنا في كوفان وكوّفان ، أي : عناء ومشقة ، كأنهم اشتقوا ذلك من الرمل المكفوف.

(١) سورة البقرة : آية ٢٦٠.

٢٣٠

به حكم الجواب ولا حقيقته فيكون حالا كقوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (١).

أي : مستكثرا ، أي : لا تعط شيئا على أن تجازى بأكثر من ذلك.

وقوله تعالى : (ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٢) ، أي : لا عبين.

وقوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) (٣).

إذا قرأت بنصب التاء ورفع اللام فيكون معناه : غير سائل عن أصحاب الجحيم.

وقوله تعالى : (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) (٤) على قراءة من قرأ برفع الثاء (٥) يكون مرفوعا على الصفة ، أي : وليا وارثا.

وكقوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) (٦) ، برفع الراء (٧).

وكقوله تعالى : (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) (٨).

وكقوله تعالى : (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ) (٩). يعني : كفروا مخرجين الرسول.

__________________

(١) سورة المدثر : آية ٦.

(٢) سورة الأنعام : آية ٩١.

(٣) سورة البقرة : آية ١١٩ ، وهي قراءة شاذة ، وقراءة الجمهور بضم التاء ، واللام ، وقرأ نافع ويعقوب بفتح التاء وجزم اللام بلا الناهية.

(٤) سورة مريم : آية ٦.

(٥) وهي قراءة الجمهور ما عدا أبا عمرو والكسائي فقد قرآ بالجزم.

(٦) سورة التوبة : آية ١٠٣.

(٧) وهي قراءة الجمهور ، وقرأ الحسن بالجزم وهي قراءة شاذة.

(٨) سورة الأعراف : آية ٨٦.

(٩) سورة الممتحنة : آية ١.

٢٣١

وقوله تعالى : (أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (١). أي : محبورين.

وقوله تعالى : (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٢). أي : ناسلين.

الأبيات :

قال الشاعر :

٢٢٥ ـ فباتوا يرفثون وبات منا

رجال في سلاحهم ركوبا

وقال الآخر :

٢٢٦ ـ قامت تبكيه على قبره

من لي بعدك يا عامر

* * *

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٧٠.

(٢) سورة يس : آية ٥١.

٢٢٥ ـ البيت لم نسب.

وهو في البحر المحيط ٢ / ٢٧ ، وشمس العلوم ٢ / ٢٦٠.

٢٢٦ ـ البيت تقدم برقم ١١٥.

٢٣٢

باب

ما يذكر بلفظ الماضي ومعناه المستقبل

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١) ، لم يقل : ملاقون ربّهم ؛ لأنّ من حقه ثبوت النون ؛ لأنه في معنى الاستقبال.

علامة الاستقبال في الجمع ثبوت النون ، كما أنّ في الوحدان ثبوت النون (٢) ، كقوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (٣).

وعلامة الماضي سقوط النون كقوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ) (٤) ، وأشباه ذلك.

فالجواب :

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : إنما سقطت النون هنا للإضافة.

واعلم ـ أرشدك الله ـ أن الأمر إذا علم وقوعه ، وأنّه كائن لا محالة عبّر عنه بلفظ الماضي وهو في الحقيقة للاستقبال ، مع جواز وضع الماضي موضع الاستقبال ، ووضع المستقبل موضع الماضي إذا كان الحال ينبىء عنه.

فمن ذلك قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) (٥) ، أي : يأتي.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٤٦.

(٢) المراد بالنون ههنا التنوين ، لأنه نون لفظا.

(٣) سورة الحاقة : آية ٢٠.

(٤) سورة الأنعام : آية ٩٣.

(٥) سورة النحل : آية ١.

٢٣٣

وقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً) (١) ، وقوله تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) (٢).

وقوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى) (٤).

وقوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ) (٥). قال بعضهم : معناه : يشهد.

وقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) (٦). يعني : إلا الذين يتوبون.

وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) (٧) ، معناه : الاستقبال.

وقوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) (٨). أي : تقترب.

الأبيات :

قال الشاعر :

٢٢٧ ـ شهد الحطيئة يوم يلقى ربّه

أنّ الوليد أحقّ بالغدر

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ٤٨.

(٢) سورة الأعراف : آية ٤٣.

(٣) سورة الأعراف : آية ٤٤.

(٤) سورة المائدة : آية ١١٦.

(٥) سورة آل عمران : آية ١٨.

(٦) سورة المائدة : آية ٣٤.

(٧) سورة الفرقان : آية ٧٠.

(٨) سورة القمر : آية ١.

٢٢٧ ـ البيت للحطيئة ، والوليد هو ابن عقبة ، وكان عامل عثمان على الكوفة ، فسكر وصلى الصبح بأهل الكوفة أربعا ، ثم التفت إليهم وقال أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود : ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم ، وشهدوا عليه عند عثمان ، فأمر بجلده ، فقال الحطيئة :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

أنّ الوليد أحقّ بالغدر

 ـ

٢٣٤

وقال الآخر :

٢٢٨ ـ وإنّي لآتيكم بشكري ما مضى

من الأمس واستيجاب ما كان في غد

* * *

__________________

ـ

نادى ـ وقد تمت صلاتهم :

أأزيدكم؟ سكرا وما يدري

فأبوا أبا وهب ولو أذنوا

لقرنت بين الشفع والوتر

راجع القصة في الكامل لابن الأثير ٣ / ١٠٧ ، والبيت في تفسير القرطبي ٢ / ٣٠ ، وديوانه ص ٢٥٩.

٢٢٨ ـ البيت تقدم برقم ١٣٧.

٢٣٥

باب

اختلاف اللفظين والمعنى واحد

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (١).

أليس العثي هو الفساد ، والفساد هو العثي؟

ـ قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

إنّ من أهل اللغة من يقول : إنّ العثي أشدّ الفساد ، فلهذا جمع بينهما.

وقيل أيضا : إنّ الشيء إذا كان لا سمين مختلفين جاز ذكرهما معا على وجه التوكيد.

وقيل : إذا اختلف اللفظان استملح ذكرهما تأكيدا ، وذلك من النهاية في البلاغة ، كقولهم : سحقا وبعدا ، وكذب ومين ، وحرام وحرج ، وحلال وطيّب.

فمن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ،) وقوله عزوجل : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) (٢).

وقوله تعالى : (وَغَرابِيبُ سُودٌ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٦٠.

(٢) سورة الحجر : آية ٣٠.

(٣) سورة فاطر : آية ٢٧.

(٤) سورة النمل : آية ٨٠.

٢٣٦

وقوله تعالى : (تَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (١) ، وقوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً) (٢).

وقوله تعالى : (إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) (٣) ، وقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٤) ، ولا فرق بينهما عند بعضهم.

وقوله سبحانه : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً) (٥) ، والإسراف والبدار واحد.

وقوله تعالى : (عُدْواناً وَظُلْماً) (٦) ، وقوله تعالى : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) (٧).

وقوله تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (٨) ، والرجز والعذاب واحد.

الأبيات :

قال ذو الرّمة :

٢٢٩ ـ لمياء في شفتيها حوّة لعس

وفي اللثات وفي أنيابها شنب

وقال الآخر :

٢٣٠ ـ ألا طرقتنا بعدما هجعوا هند

وسرن خمسا واتلأب بها نجد

__________________

(١) سورة التوبة : آية ٧٦.

(٢) سورة المائدة : آية ٨٨.

(٣) سورة البقرة : آية ١٧١.

(٤) سورة التوبة : آية ٦٠.

(٥) سورة النساء : آية ٦.

(٦) سورة النساء : آية ٣٠.

(٧) سورة المائدة : آية ٤٨.

(٨) سورة الجاثية : آية ١١.

٢٢٩ ـ البيت في شرح المعلقات للنحاس ١ / ٥٨ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٤٢ ، والمساعد ٢ / ٤٣٥ ، واللمى : السمرة في الشفة تضرب إلى الخضرة ، والحوة : حمرة في الشفة تضرب إلى السواد ، والشنب : عذوبة الفم ورقة الأسنان ، وانظر ديوانه ص ٩.

٢٣٧

٢٣١ ـ أيا حبذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النأي والبعد

والنأي والبعد واحد.

وقال الآخر :

٢٣٢ ـ فما لي أراني وابن عمّي مالكا

متى أدن منه ينأ عني ويبعد

وقال عديّ بن زيد :

٢٣٣ ـ فقدّمت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا

الكذب والمين واحد.

وقال الآخر :

٢٣٤ ـ سلّط الموت والمنون عليهم

فلهم في صدى المقابر هام

* * *

__________________

٢٣٠ ـ ٢٣١ ـ البيتان للحطيئة في ديوانه ص ٦٣.

وهما في شرح المعلقات ٢ / ٨ ، والثاني منهما في الصاحبي ١١٥ ، وتفسير القرطبي ١ / ٣٩٩ ، والأمالي الشجرية ١ / ٥٩.

٢٣٢ ـ البيت لطرفة من معلقته ، راجع شرح المعلقات ١ / ٨٤ ، والبحر المحيط ٢ / ٧.

٢٣٣ ـ البيت في مغني اللبيب ص ٤٦٧ ، ولسان العرب مادة عين ١٣ / ٤٢٥.

الراهشان : العرقان الظاهران في الذراعين.

٢٣٤ ـ البيت لأبي داود الإيادي :

وهو في الزاهر ١ / ٣٥٨ ، ولسان العرب مادة : منن ١٣ / ٤١٧.

٢٣٨

باب

حذف الجواب من الاستفهام والسؤال والجزاء

ـ إن سئل عن قوله عزوجل : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (١) ، فأين جواب قوله : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا؟)

الجواب ـ وبالله التوفيق ـ :

قلنا : إن جوابه محذوف ، كأنه قال : لو ترى يا محمد ـ هذا إذا قرأت بالتاء ٢ ـ الذين ظلموا أنفسهم بالشرك حين يرون العذاب ، أي : ما يصيرون إليه.

وحذف الجواب في مثل هذا يكون أهول في الذكر من إظهاره.

ـ ولو قرىء بالياء معناه : ولو يرى الذين ، أو يعلم الذين ظلموا حين يرون العذاب في القيامة أنّ المنعة والقدرة لله تعالى لآمنوا به في الدنيا ، والله أعلم.

ويجوز في كلام العرب حذف الجواب من الشرط والاستفهام والقسم.

أمّا حذف الجواب من الشرط فأحدها هذا.

والثاني قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ) (٣) محذوف الجواب.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٦٥.

(٢) قرأ بالتاء : نافع وابن عامر ويعقوب وابن وردان.

راجع إتحاف فضلاء البشر ١٥١.

(٣) سورة التوبة : آية ٥٩.

٢٣٩

وقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) (١) ، جوابه : لكان هذا القرآن.

وكذلك قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ) (٣).

قيل : جوابهما لرأوا أمرا عظيما وهولا شديدا.

وكذلك قوله تعالى : (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ) (٤) ، الآية.

وقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) (٥) ، جوابه : لناجزتكم أو لامتنعت منكم ، فحذف الجواب.

وقوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) (٦) الآية.

وكذلك قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (٧).

وقوله تعالى : (وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) (٨).

جوابهما : ما عبدوهم.

قال الشاعر :

٢٣٥ ـ فأقسم لو شيء أتانا رسوله

سواك ولكن لم نجد لك مدفعا

__________________

(١) سورة الرعد : آية ٣١.

(٢) سورة الأنعام : آية ٢٧.

(٣) سورة الأنعام : آية ٣٠.

(٤) سورة الأنعام : آية ٣٥.

(٥) سورة هود : آية ٨٠.

(٦) سورة الأنبياء : آية ٣٩.

(٧) سورة المائدة : آية ١٠٤.

(٨) سورة القصص : آية ٦٤.

٢٣٥ ـ البيت لامرىء القيس وهو في ديوانه ص ١٦٩ ، والصناعتين ٢٠٢

٢٤٠