أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
وأنتن ، وهي تدل على الاسم المرفوع المضمر ، وليست هي بالاسم نفسه ، ولو كانت هي اسما لم تدخل الكاف بعدها في مثل قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (١) وفي التثنية أرأيتكما ، وأرأيتكم في الجمع. وفيه لغة أخرى : أريتكما وأريتكم.
ـ وتاء مبدلة من السين : نحو طست والطس.
ـ وتاء القسم نحو (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (٢).
ـ وتاء مبدلة من الصاد نحو لص ولصت.
ـ وتاء أدخلت في أول المصدر بدلا عن التشديد. نحو : فعّل يفعّل ، تفعيلا ، وتفعلة. قيل : إنه كان في الأصل تفععلا ، فاستثقلت العينان معا فأبدلت مكان الثانية ياء.
ـ وتزاد التاء في جماعة المذكرين الذين ليس لهم جمع معروف نحو جام وجامات ، وبوق وبوقات.
ـ وتزاد التاء في أول الكلام وهي فضلة نحو قولهم : تلآن ، وتحين ، وإنما هو الآن والحين. وجاء في الحديث «اذهب تلآن معك» (٣) يريد الآن.
قال الشاعر :
__________________
ـ ـ وذهب الفرّاء إلى أنّ المجموع هو الضمير.
ـ وذهب ابن كيسان إلى أنّ التاء هي الاسم ، وهي التي في «فعلت» ولكنها كثرت ب «أن». والله أعلم. راجع الجنى الداني ، ص ١١٨ و ٢٣٥.
(١) سورة الإسراء : آية ٦٢.
(٢) سورة الأنبياء : آية ٥٧.
(٣) قال أبو عبيد في غريب الحديث ٤ / ٢٤٩ في حديث ابن عمر حين سأله رجل عن عثمان فقال : أنشدك الله هل تعلم أنّه فرّ يوم أحد ، وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر : أمّا فراره يوم أحد فإنّ الله تعالى يقول : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) وأمّا غيبته عن بدر فإنّه كانت عنده بنت النبي صلىاللهعليهوسلم وكانت مريضة ، وذكر عذره في ذلك كله. ثم قال : اذهب بهذه تلآن معك. ويراجع في ذلك تهذيب اللغة ١٥ / ٥٤٨ ؛ والفائق ١ / ١٣٦.
٥٢٤ ـ العاطفون تحين ما من عاطف |
|
والمطعمون تحين ما من مطعم |
ـ والتاء تدخل على تفعّل.
ووجوه تفعل مختلفة ولفظها واحد. منها : أن تحمل نفسك على شيء حتى تعرف به وتنسب إليه. نحو : تشجعت وتقيست. أي : تشبهت بالشجاع وبقيس.
قال الشاعر :
٥٢٥ ـ وقيس عيلان ومن تقيّسا |
|
... |
وقد جاء في الحديث : «هاجروا ولا تهجّروا» (١).
أي : أخلصوا الهجرة لله ولا تشبهوا بهم ولستم منهم.
__________________
٥٢٤ ـ البيت لأبي وجزة السعدي ، وهو ملفّق من بيتين وهما :
العاطفون تحين ما من عاطف |
|
والمسبغون يدا إذا ما أنعموا |
واللاحقون جفانهم قمع الذرا |
|
والمطعمون زمان أين المطعم |
وهو في الخزانة ٤ / ١٧٩ ، والجنى الداني ص ٤٤٣ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٥٣٠ ، وتفسير الطبري ٢٣ / ٧٨ ، وشرح الرضي ٢ / ١١٢.
٥٢٥ ـ الرجز للعجاج وبعده :
وإن دعونا من تميم أرؤسا |
|
والرأس من خزيمة العرندسا |
وهو في خزانة الأدب ٥ / ٣٨١ ، وديوان العجاج ص ١٣٨ ، ولسان العرب مادة قيس.
(١) الحديث ورد في أساس البلاغة ـ مادة هجر ، وبصائر ذوي التمييز ٥ / ٣٠٥ ، والفائق للزمخشري ، وغريب الحديث ٣ / ٣١٠.
قال الزمخشري : والتهجر : أن يتشبه بالمهاجرين على غير صحة وإخلاص.
وقال الفيروز آبادي : أي : كونوا من المهاجرين ولا تتشبهوا بهم في القول دون الفعل.
وقال أبو عبيد : في حديث عمر رضي الله عنه : هاجروا ولا تهجّروا ، واتّقوا الأرنب أن يخذفها أحدكم بالعصا ، ولكن ليذكّ لكم الأسل : الرماح والنبل.
وهو في مسند عمر رقم ١٠٥٦.
ـ ومنها ما يكون على التمكث والمهلة. نحو : تفهمت وتكلمت. وهذا أخذ شيء بعد شيء.
ـ ومنها : تكليفك النفس على شيء حتى يصير عادتك. نحو : تصبّرت وتحملت.
ـ والتاء تدخل مع تفاعلت للمشاركة. تقول : تضارب القوم وتقاتلوا ومنها قوله تعالى : (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) (١). وفي الحديث : «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» (٢).
ـ وقد يجيء تفاعلت بمعنى إظهارك من نفسك ما لست عليه تقول : تغافلت عن كذا ، وتخازرت.
قال الشاعر :
٥٢٦ ـ إذا تخازرت وما بي من خزر |
|
... |
__________________
(١) سورة النمل : آية ٤٩.
(٢) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، رقم ٢٥٦٤ برواية «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا». وهو في رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم.
٥٢٦ ـ الشطر لأرطاة بن سهية ، وقيل للعجاج ، وبعده :
ثم كسرت العين من غير عور |
|
ألقيتني ألوى بعيد المستمر |
أحمل ما حمّلت من خير وشر |
|
كالحيّة النضناضي في أصل الحجر |
تخازر : نظر بمؤخر عينه ، وقوله : ألوى بعيد المستمر هو مأخوذ من المثل :
[لتجدنّ فلانا ألوى بعيد المستمر]
والمثل للنعمان بن المنذر ، قاله في خالد بن معاوية السعدي ونازعه رجل عنده ، فوصفه النعمان بهذه الصفة ، فذهبت مثلا. وقوله : ألوى : شديد الخصومة ، واستمر استحكم. أي : قويّ في الخصومة لا يسأم المراس.
والشطر في كتاب سيبويه ٢ / ٢٣٩ ، وأمالي القالي ١ / ٩٦ ، وأساس البلاغة خزر ، والمقتضب ١ / ٢١٧ ، والاقتضاب ٤٠٩ ، وراجع مجمع الأمثال ٢ / ١٩٢.
وقد يجيء تفاعلت بمعنى إتيان فعل في الحقيقة مثل : تناثر الورق.
ـ وقد تجيء التاء فرقا بين فعلك الشيء بنفسك وفعلك إياه لغيرك نحو قولك : طبخت واطبخت ، وذبحت واذبحت ، وكسبت واكتسبت.
وقولك : اطبخت. أصله اطتبخت فقلبت التاء طاء ، ثم أدغمت الطاء في الطاء فصارت طاء مشددة. وكذلك اذبحت. أصله : اذتبحت فقلبت التاء ذالا ثم أدغمت الذال في الذال فصارت ذالا شديدة ، وحجم الحاجم واحتجم المحجوم.
ـ وتدخل التاء للمطاوعة كما تدخل النون للمطاوعة. كقولك قطعته فتقطع ، وكسرته فتكسر. كما تقول : قطعته فانقطع وكسرته فانكسر.
ـ وتجيء تفعل بمعنى أفعل وفعل. مثل تأذّن وتوعّد وتقطّع. كقوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) (١) ، (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) (٢).
ـ وتاء تبدل من الواو. نحو : التكلان والتقوى وتترى وتجاه. وأصله الوكلان والوجاه ووترى ووقوى.
ـ وتجيء التاء للفعل اللازم. نحو قوله : قرّبته فاقترب ، وعدّلته فاعتدل.
ـ الآن جئنا إلى قوله : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (٣).
نقول هذه التاء للفرق بين الفعلين المختلفين. مثل قولك : وهبت الشيء واتهبت ، فمعنى وهبت أعطيت. ومعنى اتهبت : أخذت. ومثله : وعد واتعد.
ووزن واتزن ، وكال واكتال ، فمعنى وزن أي : وزن على غيره ، ومعنى اتّزن : أخذ منه بالوزن ، وكال : إذا كال له ، واكتال : أي : أخذ منه بالكيل. فافهم إن شاء الله تعالى.
* * *
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ١٦٧.
(٢) سورة المؤمنون : آية ٥٣.
(٣) سورة المطففين : آية ٢.
باب
معاني النون
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : اعلم ـ أسعدك الله ـ أن النون تزاد في أول الكلام نحو نذهب ، وهي تدل على الفاعلين.
وكذلك في الماضي. نحو : فعلنا وذهبنا وخرجنا. فالنون في خرجنا في محل رفع ؛ لأنها تدل على اسم الفاعلين ، والنون في ضربنا وشتمنا في محل النصب لأنها تدل على المفعولين.
ـ وتزاد في تثنية الأسماء وجمعها ، كقولك : الزيدان ، والزيدون. وهي بدل عن الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد. وحقها في التثنية والجمع الجزم إلا أنها كسرت في التثنية فرارا من الساكنين ، وفتحت في الجمع فرقا بينها وبين نون التثنية.
ـ وتزاد النون في تثنية الفعل وجمعه علامة للرفع. كقولك : يفعلان ويفعلون.
ـ وتزاد في آخر الفعل للتوكيد خفيفة وثقيلة ، أما الخفيفة فنحو :
اضربن زيدا ، والثقيلة : اضربنّ ، والخفيفة لا تثنى ولا يجمع المؤنث معها لالتقاء الساكنين (١).
فأما الثقيلة فنحو قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) وقل قوله : (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) (٣).
وتزاد في جمع التأنيث نحو : خرجن ويخرجنّ مشددة فهما نونان إحداهما ساكنة والأخرى متحركة.
ـ وتزاد في من وعن إذا قلت : مني وعني.
وإنما زيدت النون في قولك : مني وعني ؛ لأن النون الأولى كانت مبنية على السكون ، فلما أضفتها إلى نفسك زدت فيها نونا عمادا لها كيلا يفسد البناء ، وقد استقصيت هذه المسألة في أبواب تجدها إن شاء الله تعالى.
ـ وتزاد في فعلان وفعلان ، مثل : عريان وقمصان وعطشان وعجلان.
ـ وتدخل في جمع يأتي على غير الأصل زائدة نحو قولك : فتى وفتيان ، وغلام وغلمان.
__________________
(١) قال ابن الحاجب : لا تدخل الخفيفة على فعل الاثنين وفعل جماعة النساء خلافا ليونس ، وإنما لم تدخل عليهما لوقوعها بعد الألف ، فيلزم اجتماع الساكنين ، ومتعذر فيهما حكم التقاء الساكنين ، لأنه إمّا أن يبقيا ساكنين ؛ وإمّا أن يحرّك الثاني ؛ وإمّا أن يحذف الأول.
فبقاؤهما ساكنين يؤدي إلى ما ليس من كلامهم ، وتحريك الثاني يؤدي إلى خروجها عن حكمها ؛ لأنّ وضعها على ألا تقبل الحركة ، بدليل امتناع أضربن ، ولو جاز تحريكها ثمّ لوجب تحريكها هنا. وحذف الأول يؤدي إلى لبس الواحد بالمثنى في فعل الاثنين ، ألا ترى أنك لو حذفت الألف في قولك : اضربان فيلتبس بفعل الواحد.
أو يقال في جمع المؤنث : إنها ألف مشبهة بألف التثنية ، فكما امتنع من حذف تلك امتنع من حذف هذه. ا. ه. راجع الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب ٢ / ٢٥٠.
(٢) سورة يونس : آية ٨٩.
(٣) سورة العنكبوت : آية ١٠.
ـ وتدخل في معنى الاشتقاق. نحو : قربان من القربة ، وفرقان من الفرقة.
ـ وتدخل لتأكيد النسبة كالرقباني واللحياني والرباني.
ـ وتدخل في الفعل اللازم. نحو صرفته فانصرف ، وقد سبق ذكره.
ـ ونون في الجمع في نحو قولك : «المسلمون والزيدون» حقها النصب ما دامت على هجائين ، وأما إذا كانت على هجاء الألف جرت بالأعراف نحو الجيران والحيطان والقيعان.
ـ ونون الأصل نحو : ندّ ، ونزّ ، ونثر ، والتين ، والآن ، ويأن.
* * *
باب
معاني الباءات
الباءات تدخل في الكلام على وجوه :
ـ منها باء القسم كقوله : (بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١).
ـ ومنها ما يدخل لتأكيد النفي. كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢).
ـ ومنها ما يدخل للتعدية. كقوله عزوجل : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (٣).
ـ ومنها ما يدخل للإلصاق. كقولك : كتبت بالقلم. قال الله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) (٤) ونظائر ذلك كثيرة فهذه الأربع من الباءات هي الأصل ، ولكن تتفرع على نيف وعشرين وجها :
الأول : الباء التي تبدل من الميم. تقول : سبد (٥) رأسه وسمده : إذا استأصله ، وبيد بمعنى غير.
__________________
(١) سورة لقمان : آية ١٣ : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.) قال الأشموني : وقد أغرب من وقف على : (لا تُشْرِكْ) وجعل (بِاللهِ) قسما ، وجوابه : (إِنَّ الشِّرْكَ) وربّما يتعمد الوقف عليه بعض المتعنتين. ووجه غرابته أنهم قالوا : إنّ الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو ، فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل. ا. ه. منار الهدى ، ص ٣٠٣.
(٢) سورة البقرة : آية ٨.
(٣) سورة البقرة : آية ١٧.
(٤) سورة آل عمران : آية ١٦٧.
(٥) يقال : سبّد رأسه : استقصى طمه أو جزّه.
راجع أساس البلاغة مادة سبد.
وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش ونشأت في بني سعد» (١).
وقال الراجز :
٥٢٧ ـ عمدا فعلت ذاك بيد أني |
|
أخاف إن هلكت أن ترنّي |
ويروى : ميد أني.
وقيل : إن مكة وبكة واحدة (٢).
ـ وتجيء الباء بمعنى في وبمعنى على. أما بمعنى «في». فكقوله تعالى : (ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (٣) أي : فيه ، وقوله تعالى : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) (٤) أي : في الغيب.. وأما بمعنى على : كقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (٥) أي : عليهم ، وكقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) (٦). أي : على صدقهم ، وقوله تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) (٧) أي : على الساحل.
قال القائل :
٥٢٨ ـ أربّ يبول الثعلبان برأسه |
|
لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب |
__________________
(١) الحديث ذكره الزمخشري في الفائق مادة بيد ١ / ١٤١.
وقال السخاوي : معناه صحيح ولكن لا أصل له كما قاله ابن كثير.
راجع المقاصد الحسنة ، ص ٩٥.
٥٢٧ ـ البيت لمنظور بن مرثد ، وهو في مغني اللبيب ص ١٥٦ ، والصاحبي ص ٢١١ ، وإصلاح المنطق ص ٢٨ ، والفائق ١ / ١٤١. ترني : تصوّتي.
(٢) قاله مجاهد. وعلى هذا فالميم مبدلة من الباء ، وقال ابن شهاب : بكة : المسجد ، ومكة : الحرم كله.
(٣) سورة الشورى : آية ٢١.
(٤) سورة المائدة : آية ٩٤.
(٥) سورة يونس : آية ٢٢.
(٦) سورة الأحزاب : آية ٢٤.
(٧) سورة طه : آية ٣٩.
٥٢٨ ـ البيت لراشد بن عبد الله وهو صحابي كان سادنا لصنم وكان اسمه الغاوي بن عبد العزى فغيّر النبي اسمه.
والبيت في مغني اللبيب ص ١٤٢ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٧١ ، والجنى الداني ص ١٠٦ ، والاقتضاب ص ٦٥.
ـ وقد يجيء الباء بمعنى إلى ، ومنه قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) (١) أي : إليّ ، وقوله تعالى : (ما سَبَقَكُمْ بِها) (٢). أي : إليها.
قال كثير :
٥٢٩ ـ أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة |
|
لدينا ولا مقلية إن تقلت |
أي : إلينا.
ـ وقد يجيء الباء بمعنى مع كقوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) (٣). أي : مع غيظهم ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم في الشهداء : «زمّلوهم بدمائهم» (٤).
وقال زهير :
٥٣٠ ـ فتعرككم عرك الرحى بثفالها |
|
... |
أي : مع ثفالها.
ومن الباء ما يدل على شيء آخر مكانه ، يقال من ذلك : شربت بالعسل الصاب أي شربت العسل فكأني شربت الصاب لتغيره.
__________________
(١) سورة يوسف : آية ١٠٠.
(٢) سورة الأعراف : آية ٨٠.
٥٢٩ ـ البيت تقدم برقم ٢١.
(٣) سورة الأحزاب : آية ٢٥.
(٤) الحديث أخرجه النسائي عن عبد الله بن ثعلبة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لقتلى أحد : زمّلوهم بدمائهم ؛ فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك.
ـ وفي البخاري عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم.
ـ وفي آخر : عن جابر قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : ادفنوهم في دمائهم [يعني يوم أحد] ولم يغسلهم. راجع فتح الباري ٣ / ٢٠٩ ـ ٢١٣.
٥٣٠ ـ الشطر لزهير بن أبي سلمى من معلقته ، وعجزه [وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم] راجع ديوانه ص ٨٢.
ـ وعن معمر بن بشر رحمهالله قال : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوّمنا في الصلاة كأنما يقيم بنا القداح لو كانت» (١).
قال الفرزدق :
٥٣١ ـ ترى الغرّ الغطارق من قريش |
|
إذا ما الأمر في الحدثان عالا |
٥٣٢ ـ قياما ينظرون إلى سعيد |
|
كأنهم يرون به هلالا |
ويقال : إنك لو رأيت فلانا لرأيت به الحسن البصري في حال نسكه.
ـ وقد تجيء الباء بمعنى عند. قال الله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (٢) أي عند سحر.
ـ والباء مكان عن قد سبق ذكرها.
أما الآيات عليها فمنها قول الجعدي :
٥٣٣ ـ سألتني بأناس هلكوا |
|
شرب الدهر عليهم وأكل (١) |
أي : عن أناس.
__________________
(١) الحديث أخرجه مسلم برواية سماك بن حرب قال : سمعت النعمان بن بشير يخطب قال :
كان النبي صلىاللهعليهوسلم يسوّي الصف أو الصفوف حتى يدعه مثل القدح أو الرمح ، فرأى صدر رجل ناتئا فقال : عباد الله ، سوّوا صفوفكم أو ليخالفنّ الله به وجوهكم.
راجع شرح السنة ٣ / ٣٦٥.
٥٣١ ـ ٥٣٢ ـ البيتان للفرزدق قالهما لما هرب من زياد حين استعان عليه بنو نهشل في هجائه إياهم ، فأتى سعيد بن العاصي وهو على المدينة أيام معاوية ، فاستجاره فأجاره.
وهما في طبقات الشعراء ص ١١٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٤٧ ، وديوانه ص ٤٢٤.
(٢) سورة القمر : آية ٣٤.
٥٣٣ ـ البيت تقدم صفحة ٤١٣.
وقال آخر :
٥٣٤ ـ وسائلة بثعلبة بن سير |
|
وقد علقت بثعلبة العلوق |
وقال آخر :
٥٣٥ ـ تساءل بابن أحمر من تراه |
|
أعارت عينه أم لم تعارا |
ـ وباء جاءت إخبارا عن صدق معرفتك بالشيء ، ولو حذفت تغير المعنى. كقولك : أتعلمني بكذا. ولو قلت : أتعلمني كذا كان ذلك استفهاما. قال الله تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) (١).
ـ وباء جاءت بمعنى الحال كقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) (٢). أي : ظالما.
والعرب تدخل الباء على الحال كقول الشاعر :
٥٣٦ ـ لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم |
|
دحقت عليك بناتق مذكار |
__________________
٥٣٤ ـ البيت للمفضّل النكري من قصيدته المنصفة ، يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أسره ، والعلوق : المنية.
وهو في الصاحبي ص ١٣٣ ، والمخصص ١٦ / ١٥٠ ، والأصمعيات ص ٢٣٥ ، والاختيارين ص ٢٥١.
٥٣٥ ـ البيت لعمرو بن أحمر الباهلي ، ويروى صدره : وربّت سائل عني حفيّ
وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٢ ، والأزهية ص ٦٢ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٥٦٨ ، والمساعد ٤ / ١٦٦. وقوله : عارت أي : صارت عوراء.
(١) سورة الحجرات : آية ١٦.
(٢) سورة هود : آية ١١٧.
٥٣٦ ـ البيت للنابغة الذبياني ، ، وهو في ديوانه ص ٦١ ، وأساس البلاغة ص ٢٨١ ، مادة طفح.
ويروى : طفحت بدل دحقت.
أي : دحقت ناتقا مذكارا ، والناتق : المرأة الكثيرة الأولاد والباء باء الحال. ودحقت : أسقطت ، والمذكار : التي تلد الذكور والأولاد.
وقال الشاعر :
٥٣٧ ـ بنزوة لص بعدما مرّ مصعب |
|
بأشعث ما يفلي ولا هو يغسل |
يعني : مر مصعب في حال شعثه.
ـ وباء جاءت صلة كقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (١). ولو قال : أحكم الحاكمين كان بذلك المعنى ، وكذلك قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (٢). وتزاد هذه الباء في خبر ليس.
ـ وباء مؤكدة قال القائل :
٥٣٨ ـ فلست بإنسيّ ولكن بملأك |
|
تنزّل من جوّ السماء يصوب |
ـ وباء دخلت في موضع لا يستقيم الكلام إلا بها. كقولك : آمنت بالله. قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٣). أي : يريد الله أن ييسر عليكم ، فإنه في موضع آخر : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (٤).
ـ وباء جاءت بمعنى اللام نحو قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) (٥) ،
__________________
٥٣٧ ـ البيت للأخطل ، وهو في ديوانه ص ٢٣١ ، والخصائص ٢ / ٤٧٥ ، والمعاني الكبير ١ / ٥١٠ ، ولم ينسبه محقّق الخصائص. لص يعني به : زفر بن الحارث مرّ به رأس مصعب بن الزبير وهو أشعث لا يفلى ولا يغسل. ويروى «يقمل» بدل : «يغسل».
(١) سورة التين : آية ٨.
(٢) سورة الزمر : آية ٣٦.
٥٣٨ ـ البيت في الملخص في ضبط قوانين العربية ١ / ٢١٣ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٠ ، وسيبويه ٢ / ٢٧٩ ، وتفسير الطبري ١ / ١١٣ ، ولم ينسبه محقق الملخص ولا غيره ، وهو لعلقمة بن عبدة ، راجع الجمهرة ٣ / ١٧٠ ، والمفضليات ص ٣٩٤.
(٣) سورة البقرة : آية ١٨٥.
(٤) سورة النساء : آية ٢٧.
(٥) سورة لقمان : آية ٣٠.
(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) (١) ، (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) (٢).
ـ وباء جاءت بمعنى من أجل قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (٣). معناه : والذين هم من أجل إبليس مشركون بالله تعالى ، وكما يقال : صار فلان بك عالما. أي : من أجلك.
ـ وربما جاءت لإخبار عن شيء مضمر حتى لو حذفت لكانت إخبارا عن فعل آخر أو فعل نحوه ، منها قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (٤) أي : امسحوا الماء برؤسكم ؛ لأنك إذا قلت : امسح رأسك يحتمل المسح باليد دون الماء.
وفرق آخر بين إدخال الباء وإسقاطها أنك إذا قلت : مسحت برأسه يحتمل أن يكون الممسوح بعض رأسه وكل رأسه ، وإذا ألقيت الباء يدل ذلك على مسح بعضه ؛ لأن «على» داخلة فيه. أي : مسحت على رأسه.
فإذا عنيت بالمسح القطع دل كلا اللفظين على كل الرأس ؛ لأن العرب تقول : مسحت علاوته وبعلاوته ، ومسحت رأسه وبرأسه. يعني : قطعت عنقه ، قال الله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (٥).
ـ وتجيء دلالة على معنى الفعل مثل قولك بودك. أي : وددت.
قال الشاعر :
٥٣٩ ـ بودّ أعداءهم لو أنّهم قتلوا |
|
وأنّهم صنعوا بعض الذي صنعوا |
__________________
(١) سورة غافر : آية ١٢.
(٢) سورة محمد : آية ٣.
(٣) سورة النمل : آية ١٠٠.
(٤) سورة المائدة : آية ٦.
(٥) سورة ص : آية ٣٣.
٥٣٩ ـ لم أجده.
ـ وتدخل الباء على الاسم فتكون فرقا بين التعجب وبين الأمر في قولك : أكرم زيدا وأكرم بزيد. وللاثنين أكرم بزيد يا رجلان ، وللجماعة أكرم بزيد أيها الرجال. لا تثني ولا تجمع.
ـ وتدخل الباء بمعنى القوة والنصرة. كما تقول : قطعت به الطريق. أي : بقوته ، وكما يقال : إنما قطعت هذه المفازة بفلان. أي بقوته ، أو بنصرته. وكما يقال : قطعت الأرض بهذه الناقة. يعني : بركوبها وسيرها ، وكما قال الشاعر :
٥٤٠ ـ قطعت برسّامة حرّة |
|
غدائره كالعنيف المقطم |
وقال الآخر :
٥٤١ ـ به تمطّت غول كل ميله |
|
بنا حراجيج المهارى النّفّه |
وبعض الصوفية قال : بك جئنا ، وأنت جئت بنا ، وليس ربّ سواك يغنينا.
ـ والباء الأصلية في الأسماء مثل البزر ، وفي الأفعال مثل : بكر ، وبزر وسبق وكتب ، في السالم ، وفي المضاعف : برّ وبص (١) وشب وبزّ ، وفي الناقص : بكى ، وبقي ، وأتى وسبى.
* * *
__________________
٥٤٠ ـ لم أجده.
٥٤١ ـ البيت لرؤبة بن العجاج وقوله : الميله : الذي يولّه سالكه أي : يحيّره. والنّفه : يقال نفهت : أي أعييت وللعييّ نافه ، وجمع النافه نفّه ، وهو في اللسان مادة نفه.
(١) بضّ الشيء : سال.
باب الواوات
ـ منها واو السنخ نحو ورد ووصل. وفي الأسماء نحو : ورد وودود.
ـ ومنها واو العطف نحو قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) (١) ، تقول : رأيت زيدا وعمرا.
والأصل : رأيت زيدا ورأيت عمرا إلا أن واو العطف تنوب عن الأسماء والأفعال والحروف.
وهذه الواو أدخلت في عطف النعوت ، فمن العرب من يحذفها ومنهم من يثبتها كقولك : جاءني زيد العاقل الكريم ، وإن شئت قلت : جاءني زيد العاقل والكريم.
وفي القرآن نظيره قوله تعالى : [(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ،) إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ)] (٢).
__________________
(١) سورة الحج : آية ١٨.
(٢) سورة المؤمنون والآيات : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ.) [آية ١ ـ ٩].
وقال في موضع آخر : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ) (١) ففي هذه الآية حذفت الواو. وفي الآية الأولى أثبتت.
ـ ومنها واو تجيء حالا ظاهرة تعرفه نحو قولك : جئت والناس يصلون. أي : جئت والناس في الصلاة ، وهذه واو حال. قال الله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (٢).
وقال عز من قائل : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (٣) ، وقال : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٤).
وقال الأعرابي الذي دخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
٥٤٢ ـ أتيناك والعذراء تدمى لبانها |
|
وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطفل |
ـ ومنها واو تجيء بمعنى أو. نحو قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٥).
فلولا أن الواوات ههنا بمعنى «أو» لكان فيها استباحة الجمع بين تسع نسوة في عقدة واحدة.
ونظيره قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٦).
ـ منها واو تدل على جمع الذكور في الأفعال نحو فعلوا.
__________________
(١) سورة التوبة : آية ١١٢.
(٢) سورة الأنبياء : آية ١.
(٣) سورة الزمر : آية ٧٣.
(٤) سورة الأنبياء : آية ٩٦.
٥٤٢ ـ البيت شطره الأول في النهاية لابن الأثير ٤ / ٢٣٠ ، وقصته في فتح الباري ٢ / ٤٩٥ ، وقيل : هو للبيد. تدمى لبانها : تدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة ، حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها من الجدب وشدة الزمان.
(٥) سورة النساء : آية ٣.
(٦) سورة فاطر : آية ٢.
ـ ومنها : واو القسم نحو قوله : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) (١) ، وما أشبهها.
ـ ومنها : واو تجيء مقحمة. مثل قوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (٢) ، وقوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) (٣). المعنى : ناديناه أو أوحينا إليه.
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٤). قيل : إن الواو مقحمة. معناه : إن الذين كفروا يصدون.
قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : ويصدون هنا حال ؛ أي صادين ، لأن قوله : (كَفَرُوا) ماض و (يَصُدُّونَ) مستقبل ، فكيف يستقيم عطف المستقبل على الماضي إلا بهذا التقدير ، والله أعلم.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) (٥). أي : ضياء.
قال امرؤ القيس :
٥٤٣ ـ فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى |
|
... |
وقال آخر :
٥٤٤ ـ حتى إذا امتلأت بطونكم |
|
ورأيتم أبناءكم شبّوا |
٥٤٥ ـ وقلبتم ظهر المجنّ لنا |
|
إنّ اللئيم الفاحش الخبّ |
__________________
(١) سورة الضحى : آية ١ ـ ٢.
(٢) سورة الصافات : آية ١٠٤.
(٣) سورة يوسف : آية ١٥.
(٤) سورة الحج : آية ٢٥.
(٥) سورة الأنبياء : آية ٤٨.
٥٤٣ ـ البيت تقدم ص ٢٥٤.
٥٤٤ ـ ٥٤٥ ـ البيتان للأسود بن يعفر وهما في معاني القرآن للفراء ١ / ١٠٧ ولم ينسبهما المحقق ، ومجالس ثعلب ص ٥٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٥٨ ، والخزانة ٤ / ٤١٤ ، والمقتضب ٢ / ٧٨ ، ولم ينسبهما المحقق عبد الخالق عضيمة. وقال المبرد : وزيادة الواو غير جائزة عند البصريين ، وهما في رصف المباني ٤٨٧.
ـ ومنهم من يجعل لهذه الواوات وجها صحيحا ولا يجعلها مقحمة.
وقد أفردت من قبل بابا في مثل هذه الواوات (١).
ـ ومنها واو الإعراب. نحو : أخوك وأبوك في الرفع.
ـ ومنها واو الاستئناف. نحو قوله : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) (٢).
قال الشاعر :
٥٤٦ ـ الخيط الأبيض وقت الصبح منفلق |
|
والخيط الأسود لون الليل مكتوم |
ـ وقيل : إن واو الاستئناف ما تدل على ترك كلام واستئناف آخر. ويكون حكمها حكم واو «رب» ويخفض بها كما يخفض بربّ. فأما واو ربّ فكقول القائل :
٥٤٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس |
|
إلا اليعافير وإلا العيس |
وكقول الآخر :
٥٤٨ ـ ومهمه أطرافه في مهمه |
|
... |
ـ ومنها واو بمعنى مع كقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنا وسفعاء الخدّين كهاتين في الجنّة» (٣).
__________________
(١) راجع ص ٤١٧ و ٣٣٣.
(٢) سورة المائدة : آية ٧٥.
٥٤٦ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت.
وهو في تفسير القرطبي ٢ / ٢٠٦ ، وتفسير الماوردي ١ / ٢٠٦ ، ولسان العرب مادة خيط ٧ / ٢٩٩.
٥٤٧ ـ البيت تقدم برقم ١٢١.
٥٤٨ ـ الرجز لرؤبة بن العجاج وعجزه : [أعمى الهدى بالجاهلين العمّه] ، وهو في تفسير الماوردي ١ / ٧٢.
(٣) الحديث جاء في أساس البلاغة مادة سفع ، وبصائر ذوي التمييز ٣ / ٢٢٦ ، والفائق ٢ / ١٨٣. ـ
قوله عزوجل : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (١) ، وقوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢) ، يحتمل لا تموتون إلا مع الإسلام.
قال الشاعر :
٥٤٩ ـ فإنك والكتاب إلى عليّ |
|
كدابغة وقد حلم الأديم |
ـ وأما الواو في قولك الزيدون فعلامه الرفع والجمع.
وفي قولك يغزون ويدعون فضمير الفاعلين ، وواو الأصل ساقطة.
وأما في جمع التأنيث. مثل : يعفون ويدعون فالواو أصلية وهي لام الفعل.
قال الله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) (٣).
* * *
__________________
ـ وأخرجه أحمد في مسنده عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنا وامرأة سفعاء في الجنة كهاتين ، امرآة آمت من زوجها فحبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا». وفي رواية : «أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة ـ وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى ـ امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها ، حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا».
راجع المسند ٦ / ٢٩.
وقوله سفعاء : أراد به الشحوب من الجهد ، فهذا مما يترك الوجه أسفع.
(١) سورة الشعراء : آية ٢٢٦.
(٢) سورة البقرة : آية ١٣٢.
٥٤٩ ـ البيت للوليد بن عقبة بن أبي معيط ، يحضّ معاوية على حرب عليّ. وقبله :
ألا أبلغ معاوية بن حرب |
|
كتابا من أخي ثقة يلوم |
وعجز البيت مثال يقال في إصلاح ما لا صلاح له.
راجع العقد الفريد ٣ / ٢٥٦ ، واللسان مادة : حلم ، ونوادر أبي زيد ٢٤٤ ، والمثلث للبطليوسي ١ / ٤٧٣.
(٣) سورة البقرة : آية ٢٣٧.