المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

باب

البدل والمبدل منه

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (١) على ماذا انتصب؟

الجواب عنه :

انتصب على وجهين : أحدهما : أن يكون بدلا من الصراط الأول. وقيل : إنّه منصوب على عطف البيان.

أما وجه القول الأول أنّه نصب على البدل فتقدير الكلام : اهدنا الصراط الذين أنعمت عليهم ؛ لأنّ البدل والمبدل منه إذا اجتمعا في كلام جعل حكم البدل من الإعراب حكم المبدل ، وجعل المبدل كأنه ليس ثمّ.

ثمّ هو في الكلام على أربعة أضرب : بدل الكل ، وبدل البعض ، وبدل الاشتمال ، وبدل الغلط والنسيان. فالكلّ : هو بدل الشيء من نفسه باسم آخر ؛ كما تقول : قام أخوك زيد ، ورأيت أباك محمدا ، ومررت بأخيك جعفر. كأنّك قلت : قام زيد ورأيت محمدا ومررت بجعفر.

وهذا ـ أعني بدل الكلّ ـ يأتي على أربعة أوجه :

ـ معرفة من معرفة باسم آخر كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ

__________________

(١) سورة الفاتحة : آية ٦.

٨١

الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.) الأول معرفة والثاني معرفة ، وكقوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، وقوله تعالى : (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) (٢) ، وقوله تعالى : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللهِ) (٣) ، وكقوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) إلى قوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٤) ، وقوله تعالى : (أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللهَ رَبَّكُمْ) (٥) ، ولها نظائر في القرآن.

قال الشاعر :

٤٣ ـ فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما

فمن رفع الهلك جعله بدلا عن قيس ، كأنّه قال : وما كان هلك قيس هلك واحد.

ـ والوجه الثاني من بدل الكل : هو بدل نكرة من معرفة كقوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ) (٦).

__________________

(١) سورة عم : آية ٣٦.

(٢) سورة غافر : آية ٣٧.

(٣) سورة البينة : آية ٢.

(٤) (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً* رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [سورة المزمل : آيتان ٨ ـ ٩]. وهذا على قراءة الجر في (ربّ) وهي قراءة ابن عامر وشعبة وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب ووافقهم الأعمش وابن محيصن.

(٥) سورة الصافات : آيتان ١٢٥ ـ ١٢٦.

٤٣ ـ البيت لعبدة بن الطبيب ، وقال أبو عمرو بن العلاء : أرثى بيت قول عبدة [فما كان قيس...]

راجع ديوان المعاني ٢ / ١٧٥ ، وكتاب سيبويه ١ / ٧٧ ، والجمل للفراهيدي ص ١٢٦ ، والجمل للزجاجي ص ٥٦ ، وأصول النحو لابن السراج ٢ / ٥١.

(٦) سورة العلق : آيتان ١٥ ـ ١٦.

٨٢

ـ والوجه الثالث : بدل معرفة من نكرة كقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ) (١).

فالأول نكرة ، والثاني معرفة ؛ لأنّه مضاف إلى معرفة ، والنكرة إذا أضيفت إلى معرفة صارت معرفة.

ـ والوجه الرابع : بدل نكرة من نكرة كقوله تعالى : (أَمَنَةً نُعاساً) (٢).

وهذه الأوجه الأربعة من بدل الكل.

ـ وأما بدل البعض : فهو أن تبدل البعض من الكلّ للبيان ، تقول من ذلك : ضرب زيد رأسه. أبدلت الرأس من جملة البدن ، لتبين الموضع الذي وقع به الضرب منه.

وكقوله : جاءني القوم فقهاؤهم ، وجاءني أهل المدينة أشرافهم.

أبدلت الأشراف والفقهاء من القوم ، فعددت من كان يأتيك من القوم.

قال الله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣). بيّن على من يجب الحج من الناس.

وقوله تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) (٤) ، وقوله تعالى : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ) (٥) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) (٦) ، وقوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ) (٧) ، وقوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ) (٨). عدّ المستضعفين من آمن منهم.

__________________

(١) سورة الشورى : آية ٥٢.

(٢) سورة آل عمران : آية ١٥٤.

(٣) سورة آل عمران : آية ٩٧.

(٤) سورة الشعراء : آية ١٠.

(٥) سورة ص : آية ٤٥.

(٦) سورة الأعراف : آية ١٧٢.

(٧) سورة المزمل : آية ٣.

(٨) سورة الأعراف : آية ٧٥.

٨٣

ـ وأمّا بدل الاشتمال : فهو ما اشتمل عليه المعنى كقولك : أعجبني زيد حديثه أو جوده.

ومنها قوله تعالى : (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (١) ، وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢).

ومنها قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) (٣).

لأن السؤال وقع عما اشتمل عليه الشهر وهو القتال لا عن الشهر.

وقال الأعشى :

٤٤ ـ لقد كان في حول ثواء ثويته

تقضيّ لبانات ويسأم سائم

أي : لم يكن تقضي لبانات في حول بل في ثواء حول.

وهذه الأوجه الثلاثة من البدل موجودة في القرآن وأشعار الفصحاء.

ـ وأمّا بدل الغلط والنسيان فنحو قولك : مررت برجل حمار ، وأتى زيد عمرو.

فهذا ما لا يوجد له في القرآن ، ولا في كلام الفصحاء وأشعارهم.

ـ وأمّا وجه ما قيل : إنّ (صِراطَ الَّذِينَ) منصوب على عطف البيان.

وصورة عطف البيان هو أن تقيم الأسماء الصريحة غير المشتقة من

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢٨٣.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٠٤.

(٣) سورة البقرة : آية ٢١٧.

٤٤ ـ البيت في ديوان الأعشى ، ص ٥٦ ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٢٣ ، والمقتضب ٤ / ٢٩٧ ، وجمل الزجاجي ٣٨ ، وشرح ابن يعيش ٣ / ٦٥ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ٦٤ ، والبيان في غريب إعراب القرآن لابن الأنباري ١ / ١٥١ ، ولم يعرفه المحقق د. طه عبد الحميد ، مع أن البيت شهير.

والثواء : الإقامة ، واللبانات : الحاجات.

٨٤

الفعل مقام غيرها من الأسماء التي سبق ذكرها ، تقول من ذلك : رأيت عبد الله زيدا.

وأمّا إذا أقمت الاسم المشتق المأخوذ من الفعل مقام الاسم الذي سبق ذكره فقلت : رأيت عبد الله الكاتب أو العالم ، فإنّه لا يسمى بدلا ولا عطف بيان ، بل يكون نعتا وصفة فيجري مجرى النعت والمنعوت في حقّ الإعراب.

والفرق بين البدل وبين عطف البيان (١) : أنّ البدل قد يكون غير المبدل منه كقوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (٢).

النار ههنا بدلا عن الأخدود ، ثم هو غيرها ، كأنه قيل : قتل أصحاب النار ذات الوقود. وأما عطف البيان فلا يكون أبدا دون الأول ، كقوله تعالى : (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً رَبِّ السَّماواتِ) (٣).

كأنه قيل : عطاء من رب السموات.

فكذلك قوله : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.)

وقيل أيضا في الفرق بين البدل وبين عطف البيان أنّ البدل للتأكيد ،

__________________

(١) قال ابن يعيش : عطف البيان يشبه البدل من أوجه : أحدها أنّ فيه بيانا كما في البدل ، والثاني : أنه يكون بالأسماء الجوامد كالبدل ، والثالث : أن يكون لفظه لفظ الاسم الأول على جهة التأكيد كما كان في البدل. ويفارقه من أربعة أوجه : أحدها ـ أن عطف البيان في التقدير من جملة واحد ، والبدل في التقدير من جملة أخرى على الصحيح. الثاني : أن عطف البيان يجري على ما قبله في تعريفه ، وليس كذلك البدل ؛ لأنه يجوز أن تبدل النكرة من المعرفة ، والمعرفة من النكرة. الثالث : أن البدل يكون بالمظهر والمضمر وكذلك المبدل عنه ، ولا يجوز ذلك في عطف البيان ، والرابع : أنّ البدل قد يكون غير الأول كقولك : سلب زيد ثوبه ، وعطف البيان لا يكون غير الأول. ا. ه.

راجع شرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٧٢ ـ ٧٣.

(٢) سورة البروج : آية ٤.

(٣) سورة عم : آية ٣٦.

٨٥

وعطف البيان للتبيين ؛ لأنك إذا قلت : رأيت عبد الله أباك ، كأنك تقول : الذي هو أبوك ، فكذلك قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.)

تقديره : اهدنا الصراط الذي هو صراط من أنعمت عليهم ، والله أعلم.

ولا يجوز أن يقدّر فيه النعت ؛ لأن النعت إنّما يكون اسما مشتقا من فعل ، والصراط اسم جامد موضوع غير مشتق ، وحكم النعت مع المنعوت ينبغي أن يوافقه في سبعة أشياء : في التأنيث والتذكير والتعريف والتنكير والوحدان والجمع والتثنية.

فعلمنا أنّ قوله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ) منصوب على عطف البيان لا على النعت.

* * *

٨٦

باب

إدخال «لا» في الكلام إمّا صلة وإمّا عطفا

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (١) ، لأيّ معنى أدخل «لا» في قوله تعالى : (وَلَا الضَّالِّينَ؟.)

أليس لو قال : غير المغضوب عليهم والضالين كان كلاما تاما مفيدا للمعنى؟ كما تقول : ما في القوم غير زيد وعمرو؟

ـ قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : ههنا مقدمات نحتاج إلى بيانها أولا ، ثم نجيب عن السؤال إن شاء الله تعالى.

اعلم أنّ قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) يقرأ بقراءتين ، «غير» مخفوضة ومنصوبة (٢). وإنّها تستعمل في كلام العرب لأحد ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون بمعنى سوى.

والثاني : بمعنى لا.

والثالث : بمعنى الاستثناء.

مثاله : مررت برجل غير زيد. أي : سوى زيد.

__________________

(١) سورة الفاتحة : آية ٧.

(٢) قراءة «غير» بالخفض هي قراءة جميع القراء ، وأما (غير) بالنصب فرواها الخليل عن عبد الله بن كثير وهي قراءة شاذة. وقال الأخفش : هو نصب على الاستثناء ، وإن شئت على الحال. راجع إعراب القرآن للنحاس ١ / ١٢٥.

٨٧

وأمّا بمعنى «لا» فمثاله : مررت برجل غير عاقل ، أي : لا عاقل.

ثم الفرق بينهما أنك إذا عنيت ب (غير) سوى ، أثبتّ المرور بالرجل ونفيته عن زيد مبهما ، وما أثبتّ المرور به قطعا.

وأما قولك : مررت برجل غير عاقل ، فعنيت بغير «لا» أثبتّ المرور به ونفيت العقل عنه قطعا ، وفي الأول لا يتعلق ما بعد غير بما قبله ، وفي الثاني يتعلق ما بعده بما قبله.

ـ والثالث : غير بمعنى «إلا» وهو استثناء البعض من الكل ، كقولك :

ما في القوم رجل غير زيد ، فإن قلت : كيف يجوز اقتضاء «غير» معنى «سوى» أو معنى «لا» و «سوى» ظرف و «لا» حرف و «غير» صفة؟

الجواب عنه :

قلنا : نعم ، لكن في «سوى» مع كونه ظرفا معنى النفي ، وفي «لا» مع كونه حرفا معنى حقيقة النفي أيضا ، وفي «غير» مع كونه صفة معنى النفي أيضا ، فانتسبن في النفي ، فقامت كل واحدة منها مقام صاحبتها.

ـ واعلم أنّ «غيرا» فيها معنى الاسم ومعنى الحرف ؛ لأنّ لحلول الإعراب فيه معنى الاسم ، ولأنّها تعمل في الاسم الذي يأتي بعدها كسرا ففيها معنى الحرف.

وقيل : إنّ إعراب «غير» في نفسها.

ومن عجيب حكمها أنّ لها من الخصوصية ما ليس لشيء من الحروف ، وذلك أنّها تكسر ما بعدها من الاسم وتتحمل إعرابه ، كقولك : جاءني زيد رجل غير عاقل ، ورأيت رجلا غير عاقل ، ومررت برجل غير عاقل.

وقيل : إنّ ما بعد «غير» إنما يكون مجرورا بإضافة «غير» إليه ؛ لأنها من الأسماء الملازمة للإضافة. الآن جئنا إلى الآية فنقول :

٨٨

قوله : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ :)

البصريون يجوّزون في «غير» الجرّ من وجهين ، والنصب من وجهين ؛ فأحد وجهي الجر على الصفة ، فتقديره : الذين غير المغضوب عليهم ، كأنّه صفة الذين لا صفة المضمر الذي في عليهم ؛ لأنه معرفة ، و «غير» نكرة ، ولا توصف المعرفة بالنكرة.

وأما الذين نكرة ، و «غير» نكرة ، ووصف النكرة بالنكرة جائز ، وذلك لأنّ الشرط في جواز وصف الشيء سبع أشياء : أولها : أن يوافقه في التنكير ، والتعريف ، والتذكير والتأنيث ، والوحدان ، والتثنية ، والجمع.

فالذين ههنا في قول بعض النحويين نكرة ، ووصف النكرة بالنكرة جائز (١).

ـ وقال بعض النحويين (٢) : الذين ليس بنكرة ، بل هو معرفة ، إلا أنه ليس بمعرفة مقصودة معرفته ؛ لأن المعرفة على ضربين : أحدها : هي المقصودة المعهودة كقولك : الله هو الخالق البارىء المصور ، ولا يجوز أن يوصف بالنكرة. والضرب الثاني : أن يكون تعريف الجنس لا المعهود ، وذلك مما لا يتمحض فيه التعريف ، مثاله قوله : أهلك الناس الدرهم ، ومثله : الرجل ، فهذا يجوز أن يوصف بنكرة ، كما يقال : مررت بالرجل غير زيد ، وكذلك ما نحن فيه. والله أعلم.

والوجه الثاني : هو مجرور على البدل ، فتقديره : اهدنا لصراط غير المغضوب عليهم.

__________________

(١) لأن الذين معرّف جنسي ، والمعرّف الجنسي قريب من النكرة ؛ لأنّ تعريفه بالصلة فهو عام. راجع مغني اللبيب ص ٢١٥.

(٢) هو قول غالب النحاة ؛ لأنّ الأسماء الموصولة من المعارف.

٨٩

ويجوز أن يكون بدلا من المضمر في «عليهم» لجواز إبدال النكرات من المعارف ، وإبدال المعارف من النكرات ، وإبدال الواحد من الجمع ، وإبدال الجمع من الواحد ، والتثنية من الواحد.

ولا يجوز وصف المعارف بالنكرات ، فلذلك يجوز كونه بدلا من الذين.

ـ وأمّا النصب فمن وجهين :

أحدهما : على الحال من الهاء والميم من «هم» ؛ لأنّ كلّ ما يصلح أن يكون صفة للنكرة صلح أن يكون حالا للمعرفة ، كقوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ) (١) ، وقوله تعالى : (فاكِهِينَ) (٢).

والوجه الثاني : هو منصوب على الاستثناء ، وهو استثناء من غير جنس الأول. فمعناه : لكن المغضوب عليهم جنّبنا غوايتهم.

ثم رجعنا إلى المسألة الأولى ، وقد قلنا : إنه يجوز أن يكون «غير» بمعنى سوى ، وله في القرآن أمثلة ، فمنها : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (٣) ، أي : سوى الله.

وقوله تعالى : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) (٤) ، أي : سواي.

وقوله تعالى : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) (٥) ، أي : أسوى الله.

وقوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) (٦) ، وقوله تعالى : (أَنَّ غَيْرَ

__________________

(١) سورة الذاريات : آية ١٥.

(٢) (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [سورة الطور : آية ٨].

(٣) سورة فاطر : آية ٣.

(٤) سورة القصص : آية ٣٨.

(٥) سورة الأنعام : آية ١٤.

(٦) سورة آل عمران : آية ٨٣.

٩٠

ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) (١) ، وقوله تعالى : (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) (٢).

قال الشاعر :

٤٥ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب

وقال غيره :

٤٦ ـ ولا عيب فينا غير عرق لمعشر

كرام وأنّا لا نخطّ على النمل

فانتصب «غير» على البدل من قوله : لا عيب.

وأمّا غير بمعنى «لا» فمثل قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) (٣).

قال بعض أهل التفسير : أوفوا بالعقود لا محلي الصيد.

وقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) (٤). أي : لا عوج فيه. وقد قيل : غير مخلوق.

__________________

(١) سورة الأنفال : آية ٧.

(٢) سورة النساء : آية ٨١.

٤٥ ـ البيت للنابغة الذبياني ، وهو في ديوانه ص ١٥ ، ومن شواهد سيبويه ١ / ٣٦٧ ، ومغني اللبيب ص ١٥٥ ، وخزانة الأدب ٢ / ٩.

٤٦ ـ البيت لعمرو بن حممة الدوسي ، وقيل : لمزاحم العقيلي.

والبيت في الزاهر لابن الأنباري ١ / ٧٩ ، والاستغناء في أحكام الاستثناء ص ٤٤٩ ، ولسان العرب مادة نمل ١١ / ٦٨٠.

والنمل : قروح في الجنب وغيره ، ودواؤه أن يرقى بريق ابن المجوسي من أخته ، تقول المجوس ذلك. والشاعر أراد : لسنا بمجوس ننكح الأخوات.

وأنشده ابن الأعرابي بالحاء [وأنا لا نحطّ] وفسّره : أنا كرام ولا نأتي بيوت النمل في الجدب لنحفر على ما جمع لنأكله.

(٣) سورة المائدة : آية ١.

(٤) سورة الزمر : آية ٢٨.

٩١

وقوله تعالى : (حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) (١). أي : كونوا مسلمين لا مشركين.

وقوله تعالى : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) (٢). أي : لا ناظرين نضج طعامه.

وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (٣). أي : لا مردّ له.

وقوله تعالى : (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (٤) ، وقوله تعالى : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (٥) ، وقوله تعالى : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٦).

قال الشاعر :

٤٧ ـ بلى فانهلّ دمعك غير نزر

كما عيّنت بالسّرب الطّبابا

 ـ وأما غير بمعنى «إلا» فكقوله تعالى : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٧). أي : إلا أولي الضرر على قراءة من قرأ بالنصب (٨).

وقوله تعالى : (التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ) (٩) ، أي : إلا أولي الإربة.

وقوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) على ما بيّنّا.

__________________

(١) سورة الحج : آية ٣١.

(٢) سورة الأحزاب : آية ٥٣.

(٣) سورة هود : آية ٧٦.

(٤) سورة هود : آية ١٠٩.

(٥) سورة النساء : آية ٢٤.

(٦) سورة البقرة : آية ١٧٣.

٤٧ ـ البيت لجرير في ديوانه ص ٥٧.

قال الأصمعي : عيّنت القربة إذا صببت فيها ماء ليخرج من مخارزها فتنسد آثار الخرز ، وهي جديدة.

والطباب جمع طبة وهي رقعة تكون في أسفل المزادة.

والبيت في اللسان مادة عين ١٣ / ٣٠٤.

(٧) سورة النساء : آية ٩٥.

(٨) وهي قراءة نافع وابن عامر وأبو جعفر والكسائي وخلف. راجع إتحاف فضلاء البشر. ص ١٩٣.

(٩) سورة النور : آية ٣١.

٩٢

قال الشاعر :

٤٨ ـ أنت خير المتاع لو كنت تبقى

غير أن لا بقاء للإنسان

والمعنى : إلا أنه لا بقاء للإنسان.

وهذه كلها مقدمات ذلك السؤال الذي ذكرنا أول الباب.

ثم جئنا إلى السؤال فقلنا : إن سأل سائل عن قوله تعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) لأيّ معنى دخل «لا» على قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ؟)

أليس إنّه لو قال : غير المغضوب عليهم والضّالين كان كلاما مفيدا للمعنى؟

الجواب عن هذا :

قلنا : ذكر عن الفراء أن «غير» ههنا بمعنى «لا» (١) فلذلك ردّت عليها «لا» كما تقول : فلان غير محسن ولا مجمل. المعنى : لا محسن ولا مجمل.

كما قال تعالى : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٢) ، أي : لا باغيا ولا عاديا.

وكقوله تعالى : (غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) (٣).

__________________

٤٨ ـ البيت لموسى شهوات.

ويحكى أن سليمان بن عبد الملك نظر يوما في المرآة فقال : أنا الملك الشاب ، فقالت له جاريته :

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى

غير أن لا بقاء للإنسان

ليس لنا فيما بدا منك عيب

كان في الناس غير أنك فان

وهما في تفسير القرطبي ١ / ٤٤٤ ، والشعر والشعراء ص ٣٨٣.

(١) ذكر الفراء ذلك في معاني القرآن ، راجع ١ / ٨.

(٢) سورة البقرة : آية ١٧٣.

(٣) سورة النساء : آية ٢٤.

٩٣

وعطف «لا» على «لا» جائز مضمرا أو مظهرا كقول القائل :

٤٩ ـ وما هجرتك حتى قلت معلنة

لا ناقة لي في هذا ولا جمل

وقال الفراء : إنّ «غير» ههنا بمعنى «سوى» (١) وإنّ «لا» صلة في الكلام ، إذ لا يجوز عطف «لا» على «سوى».

قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : إنّما لا يجيزون عطف «لا» على «سوى» ؛ لأنّ الأصل كان «سوى» ثم شبّه «غير» به ، ثم شبّه «لا» بغير ، فقد تباعد للشبه بين «لا» وبين «سوى» فلا يجوز أن تقول : مررت برجل سوى زيد ولا خالد ، ولا أن تقول : مررت بزيد لا عمرو وسوى بكر ، فلا يجوز أن تعطف أحدهما على الأخرى ، فلهذا قيل : «لا» صلة ههنا في الكلام.

وإدخال «لا» في الكلام صلة وزيادة جائز ، خصوصا إذا كان في بدء الكلام أو في آخره ، فمنها قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢) ، معناه : أقسم.

__________________

٤٩ ـ البيت للراعي واسمه عبيد بن حصين ، وقيل : لجرير.

والشطر الثاني من الأمثال الشهيرة ، وأول من قاله الحارث بن عباد. راجع مجمع الأمثال ٢ / ٢٠ ، والبيت في تفسير القرطبي ٣ / ٢٦٧ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ٢٤ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٥٤ ، وابن يعيش ٢ / ١١١ ، وديوان الراعي ص ١٩٨.

(١) الفرّاء لم يقل ذلك ، وإنما قال : وقد قال بعض من لا يعرف العربية إنّ معنى «غير» في الحمد معنى «سوى» وإنّ «لا» صلة في الكلام ، واحتج بقول الشاعر :

[في بئر لا حور سرى وما شعر]

وعنى به أبا عبيدة.

قال : وهذا غير جائز ، لأن المعنى وقع على ما لا يتبين فيه عمله فهو جحد محض ، وإنما يجوز أن تجعل «لا» صلة إذا اتصلت بجحد قبلها مثل قوله :

ما كان يرضى رسول الله دينهم

والطيبان أبو بكر ولا عمر

راجع معاني القرآن للفراء ١ / ٨.

(٢) سورة القيامة : آية ١.

٩٤

وقوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) (١) ، المعنى : ليعلم. وقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣).

فعلى قول بعضهم : «لا» صلة.

وقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ) (٤) ، وقوله تعالى : (ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) (٥) ، وقوله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) (٦) ، وقوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٧) ، وقوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) (٨).

«لا» ههنا صلة على قراءة من قرأ «أنّهم» بالنصب (٩).

أما في الأبيات ، فقول الشاعر :

٥٠ ـ في بئر لا حور سرى وما شعر

بإفكه حتى رأى الصبح جشر

أي : في بئر مهلكة.

__________________

(١) سورة الحديد : آية ٢٩.

(٢) سورة المعارج : آية ٤٠.

(٣) سورة الأنبياء : آية ٩٥.

(٤) سورة الأعراف : آية ١٢.

(٥) سورة فصلت : آية ٢٢.

(٦) سورة فصلت : آية ٣٤.

(٧) سورة الأنعام : آية ١٠٩.

(٨) سورة الأنفال : آية ٥٩.

(٩) وهي قراءة ابن عامر الشامي.

٥٠ ـ البيت للعجاج من قصيدة يمدح بها عمر بن عبيد الله لإيقاعه بأبي فديك الحروري. والبيت في أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٣١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٩٦ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٢٤٦ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٥.

والحور : الهلكة ، وجشر : انفلق وأضاء.

٩٥

وقال الآخر :

٥١ ـ قد يكسب المال الهدان الجافي

بغير لا عصف ولا اصطراف

جمع بين «لا» و «غير». وهي ههنا مقحمة.

وقال الآخر :

٥٢ ـ وتلحينني في اللهو أن لا أحبّه

وللهو داع دائب غير غافل

وقال الآخر :

٥٣ ـ هنّ الحرائر لا ربات أخمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسّور

وقال النابغة :

٥٤ ـ فلا لعمر الذي قد زرته حججا

وما هريق على الأنصاب من جسد

وقال بعضهم : إنما تثبت «لا» ههنا لإزالة الإبهام ، كي لا يتوهم أنّه متصل بقوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) و (الضَّالِّينَ.)

__________________

٥١ ـ البيت لرؤبة بن العجاج ، وهو في خزانة الأدب ٨ / ٤٨٦ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٧٦ ، واللسان مادة هدن وفيه : [من غير ما عقل ولا اصطراف] ١٣ / ٤٣٥.

والهدان : الأحمق.

٥٢ ـ البيت للأحوص ، واسمه عبد الله بن محمد ، واستشهد به ابن هشام في مغني اللبيب على دخول «لا» زائدة في الكلام لمجرد تقويته وتوكيده.

راجع مغني اللبيب ص ٣٢٧ ، وتفسير الطبري ١ / ٦٣ ، والصاحبي ص ٢٦١ ، والأضداد لابن الأنباري ص ١٨٦ ، وديوانه ص ١٣١.

٥٣ ـ البيت للراعي النميري.

وهو في المخصص لابن سيده ١٤ / ٢٠١ ، وجمهرة اللغة ٢ / ٤١٢ ، ومغني اللبيب ص ٤٥ ، والمقتصد شرح الإيضاح ١ / ٦٠٣ ، والمقتضب ٣ / ٢٤٤ ، والجنى الداني رقم ٢٣٥ ، وديوانه ص ١٢٢.

٥٤ ـ البيت للنابغة الذبياني من معلقته ، وقوله جسد : هو الدم. راجع شرح المعلقات للنحاس ٢ / ١٧١ ، وديوانه ص ٣٠.

٩٦

كقول الشاعر :

٥٥ ـ ما كان يرضى رسول الله فعلهم

والطّيبان أبو بكر ولا عمر

 فلولا قوله [ولا عمر] لأمكن أن يظنّ أنّ الكلام قد تمّ عند قوله : فعلهم ، ثم نعت أبا بكر وعمر بالطّيّبين.

والله أعلم ؛ لأنّ كلامه أفصح من كلّ كلام.

ـ وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه كان يقرأ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين (١).

* * *

__________________

٥٥ ـ البيت لجرير من قصيدة له يهجو فيها الأخطل وقومه ، في ديوانه ص ١٩٦.

وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٨ ، والكامل للمبرد ١ / ٤٤ ، وشرح الجمل لابن عصفور ١ / ١٣٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٥٥٢.

(١) ذكر القرطبي في تفسيره أن عمر بن الخطاب وأبيّ بن كعب قرآ : غير المغضوب عليهم وغير الضالين ، وهي قراءة شاذة.

وروي عنهما في راء (غير) النصب والخفض في الحرفين. راجع تفسير القرطبي ١ / ١٥٠.

٩٧

باب

ما جاء عن أهل التفسير

ولا يوجد له أصل عند النحويين ولا في اللغة

ـ قال : سئلت عن معنى قولنا ـ بعد الفراغ من قراءة أم الكتاب ـ : «آمين» وعن العلة في انتصاب النون منه.

نقول ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ في معناه عدة أقاويل :

ـ روي عن سعيد المقبري (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آمين خاتم ربّ العالمين على عباده المؤمنين» (٢).

قيل في تفسير الخاتم : إنه كالطابع ، لأنه يدفع عنهم العاهات والآفات به ، كخاتم الكتاب الذي يصونه ، ويمنع من إفساده ، وإظهار ما فيه لمن يكره علمه به (٣).

وقيل : خاتم ربّ العالمين يختم به دعاء عبده المؤمن.

ويقال : يختم به ليميز أهل الجنة من الناس.

__________________

(١) الإمام المحدث أبو سعد سعيد بن أبي سعيد ، مولاهم المدني المقبري ، كان يسكن بمقبرة البقيع ، حدث عن أبيه وعائشة وأبي هريرة. ثقة ، اختلط قبل موته بأربع سنين ، مات سنة ١٢٥ ه‍. انظر سير أعلام النبلاء ٥ / ٢١٦ ، وتهذيب التهذيب ٢ / ٢٠.

(٢) الحديث أخرجه الطبراني في الدعاء وابن عدي وابن مردويه بسند ضعيف بلفظ «آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين». انظر الدر المنثور ١ / ٤٤ ، والكامل لابن عدي ٦ / ٢٤٣٢.

(٣) ذكر ذلك أيضا القرطبي في تفسيره عن الهروي قال : قال أبو بكر الهروي.. وذكره. راجع تفسير القرطبي ١ / ١٢٨.

٩٨

ـ حدثنا الشيخ أبو سعاد عبد الرحمن بن محمد رحمة الله عليه بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : آمين (١).

فمعنى هذا الحرف أنّه تكتسب بقوله درجة في الجنة (٢).

ـ وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«يا عائشة إنّ اليهود قوم حسدة. أتدرين علام يحسدونا؟

يحسدوننا عن القبلة التي هدانا الله إليها ، وضلّوا عنها ، وعن الجمعة التي هدانا الله لها ، وضلّوا عنها ، وعن قولنا خلف الإمام : آمين» (٣).

ـ وقال مجاهد وهلال بن يساف (٤) وحكيم بن جبير : آمين اسم من أسماء الله تعالى (٥).

__________________

(١) الحديث أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : آمين. قال الباجي : وهو مرسل ، ولم يسنده أحد غير حفص عن عمر بن الخطاب ، والصواب أنه مرسل.

راجع شرح الموطأ للباجي ١ / ١٦٢.

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره وقال :

إنه جاء في حديث [«آمين» درجة في الجنة] ولم يخرّجه.

راجع ١ / ١٢٨.

(٣) الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط.

عن معاذ بن جبل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن اليهود قوم حسّد ، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث : رد السّلام وإقام الصفوف وقولهم خلف الإمام في المكتوبة آمين».

راجع الدر المنثور للسيوطي ١ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٤) هو أبو الحسن هلال بن يساف مولى أشجع ، من التابعين ، أدرك عليا. انظر العباب : يسف.

(٥) أخرجه وكيع وابن أبي شيبة في المصنف.

راجع الدر المنثور ١ / ٤٤.

وقال القرطبي : ورواه ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يصح ، أي : لم يصح أنه مرفوع.

ـ ومعنى آمين عند أكثر أهل العلم اللهم استجب لنا ، وضع موضع الدعاء ، فهو اسم فعل أمر.

٩٩

وقيل : معناه ربّ افعل (١).

وقيل : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع رجلا يدعو فقال : أوجب إن ختم ، فقال له رجل : بأيّ شيء يختم؟ قال : بآمين ، فإنّه إن ختم بآمين فقد أوجب (٢).

ـ وعن الحسن قال : اللهم استجب.

ـ وعن ابن عباس قال : تفسير آمين التي تقال بعد فاتحة الكتاب لذلك أمنة تكون.

ـ وقال الزّجّاج : آمين وأمين معناهما اللهم استجب.

وهما موضوعان موضع اسم الاستجابة ، كما أنّ «صه» موضوع موضع سكوت وكان من حقها الوقوف بدون الإعراب ، لأنّها بمنزلة الأصوات ، إذ كانت غير مشتقة إلا أنّ النون فتحت لالتقاء الساكنين ، مثل : أين وكيف ، وإنّما لم تكسر النون لثقل الكسرة بعد الياء.

ـ وقال الحسين بن الفضل (٣) : إنما هو آمّين بالتشديد (٤) ، أي : قصدنا

__________________

(١) أخرج جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس قال :

قلت : يا رسول الله ما معنى آمين؟ قال : رب افعل.

(٢) الحديث أخرجه أبو داود بسند حسن عن أبي زهير النميري ـ وكان من الصحابة ـ أنّه كان إذا دعا الرجل بدعاء قال : اختمه بآمين ، فإنّ آمين مثل الطابع على الصحيفة ، وقال : أخبركم عن ذلك ، خرجنا مع رسول الله ذات ليلة ، فأتينا على رجل قد ألحّ في المسألة فوقف النبي يسمع منه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوجب إن ختم ، فقال رجل من القوم : بأيّ شيء يختم؟ قال : بآمين ، فإنّه إن ختم بآمين فقد أوجب.

راجع الدر المنثور ١ / ٤٤.

(٣) الحسين بن الفضل البجلي الكوفي ، كان إمام عصره في معاني القرآن ، وعاش أزيد من مائة سنة ، توفي سنة ٢٨٢ ه‍.

(٤) قال ابن هشام : آمين بالمد والتشديد. روي ذلك عن الحسن والحسين بن الفضل وعن جعفر الصادق وأنه قال : تأويله : قاصدين عفوك وأنت أكرم من أن تخيب قاصدا.

نقل ذلك عنهم الواحدي في البسيط. ـ

١٠٠