المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

وأنتن ، وهي تدل على الاسم المرفوع المضمر ، وليست هي بالاسم نفسه ، ولو كانت هي اسما لم تدخل الكاف بعدها في مثل قوله تعالى : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) (١) وفي التثنية أرأيتكما ، وأرأيتكم في الجمع. وفيه لغة أخرى : أريتكما وأريتكم.

ـ وتاء مبدلة من السين : نحو طست والطس.

ـ وتاء القسم نحو (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) (٢).

ـ وتاء مبدلة من الصاد نحو لص ولصت.

ـ وتاء أدخلت في أول المصدر بدلا عن التشديد. نحو : فعّل يفعّل ، تفعيلا ، وتفعلة. قيل : إنه كان في الأصل تفععلا ، فاستثقلت العينان معا فأبدلت مكان الثانية ياء.

ـ وتزاد التاء في جماعة المذكرين الذين ليس لهم جمع معروف نحو جام وجامات ، وبوق وبوقات.

ـ وتزاد التاء في أول الكلام وهي فضلة نحو قولهم : تلآن ، وتحين ، وإنما هو الآن والحين. وجاء في الحديث «اذهب تلآن معك» (٣) يريد الآن.

قال الشاعر :

__________________

ـ ـ وذهب الفرّاء إلى أنّ المجموع هو الضمير.

ـ وذهب ابن كيسان إلى أنّ التاء هي الاسم ، وهي التي في «فعلت» ولكنها كثرت ب «أن». والله أعلم. راجع الجنى الداني ، ص ١١٨ و ٢٣٥.

(١) سورة الإسراء : آية ٦٢.

(٢) سورة الأنبياء : آية ٥٧.

(٣) قال أبو عبيد في غريب الحديث ٤ / ٢٤٩ في حديث ابن عمر حين سأله رجل عن عثمان فقال : أنشدك الله هل تعلم أنّه فرّ يوم أحد ، وغاب عن بدر وعن بيعة الرضوان؟ فقال ابن عمر : أمّا فراره يوم أحد فإنّ الله تعالى يقول : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) وأمّا غيبته عن بدر فإنّه كانت عنده بنت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت مريضة ، وذكر عذره في ذلك كله. ثم قال : اذهب بهذه تلآن معك. ويراجع في ذلك تهذيب اللغة ١٥ / ٥٤٨ ؛ والفائق ١ / ١٣٦.

٥٢١

٥٢٤ ـ العاطفون تحين ما من عاطف

والمطعمون تحين ما من مطعم

ـ والتاء تدخل على تفعّل.

ووجوه تفعل مختلفة ولفظها واحد. منها : أن تحمل نفسك على شيء حتى تعرف به وتنسب إليه. نحو : تشجعت وتقيست. أي : تشبهت بالشجاع وبقيس.

قال الشاعر :

٥٢٥ ـ وقيس عيلان ومن تقيّسا

...

وقد جاء في الحديث : «هاجروا ولا تهجّروا» (١).

أي : أخلصوا الهجرة لله ولا تشبهوا بهم ولستم منهم.

__________________

٥٢٤ ـ البيت لأبي وجزة السعدي ، وهو ملفّق من بيتين وهما :

العاطفون تحين ما من عاطف

والمسبغون يدا إذا ما أنعموا

واللاحقون جفانهم قمع الذرا

والمطعمون زمان أين المطعم

وهو في الخزانة ٤ / ١٧٩ ، والجنى الداني ص ٤٤٣ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٥٣٠ ، وتفسير الطبري ٢٣ / ٧٨ ، وشرح الرضي ٢ / ١١٢.

٥٢٥ ـ الرجز للعجاج وبعده :

وإن دعونا من تميم أرؤسا

والرأس من خزيمة العرندسا

وهو في خزانة الأدب ٥ / ٣٨١ ، وديوان العجاج ص ١٣٨ ، ولسان العرب مادة قيس.

(١) الحديث ورد في أساس البلاغة ـ مادة هجر ، وبصائر ذوي التمييز ٥ / ٣٠٥ ، والفائق للزمخشري ، وغريب الحديث ٣ / ٣١٠.

قال الزمخشري : والتهجر : أن يتشبه بالمهاجرين على غير صحة وإخلاص.

وقال الفيروز آبادي : أي : كونوا من المهاجرين ولا تتشبهوا بهم في القول دون الفعل.

وقال أبو عبيد : في حديث عمر رضي الله عنه : هاجروا ولا تهجّروا ، واتّقوا الأرنب أن يخذفها أحدكم بالعصا ، ولكن ليذكّ لكم الأسل : الرماح والنبل.

وهو في مسند عمر رقم ١٠٥٦.

٥٢٢

ـ ومنها ما يكون على التمكث والمهلة. نحو : تفهمت وتكلمت. وهذا أخذ شيء بعد شيء.

ـ ومنها : تكليفك النفس على شيء حتى يصير عادتك. نحو : تصبّرت وتحملت.

ـ والتاء تدخل مع تفاعلت للمشاركة. تقول : تضارب القوم وتقاتلوا ومنها قوله تعالى : (قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ) (١). وفي الحديث : «لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا» (٢).

ـ وقد يجيء تفاعلت بمعنى إظهارك من نفسك ما لست عليه تقول : تغافلت عن كذا ، وتخازرت.

قال الشاعر :

٥٢٦ ـ إذا تخازرت وما بي من خزر

...

__________________

(١) سورة النمل : آية ٤٩.

(٢) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، رقم ٢٥٦٤ برواية «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ، وكونوا عباد الله إخوانا». وهو في رياض الصالحين باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم.

٥٢٦ ـ الشطر لأرطاة بن سهية ، وقيل للعجاج ، وبعده :

ثم كسرت العين من غير عور

ألقيتني ألوى بعيد المستمر

أحمل ما حمّلت من خير وشر

كالحيّة النضناضي في أصل الحجر

تخازر : نظر بمؤخر عينه ، وقوله : ألوى بعيد المستمر هو مأخوذ من المثل :

[لتجدنّ فلانا ألوى بعيد المستمر]

والمثل للنعمان بن المنذر ، قاله في خالد بن معاوية السعدي ونازعه رجل عنده ، فوصفه النعمان بهذه الصفة ، فذهبت مثلا. وقوله : ألوى : شديد الخصومة ، واستمر استحكم. أي : قويّ في الخصومة لا يسأم المراس.

والشطر في كتاب سيبويه ٢ / ٢٣٩ ، وأمالي القالي ١ / ٩٦ ، وأساس البلاغة خزر ، والمقتضب ١ / ٢١٧ ، والاقتضاب ٤٠٩ ، وراجع مجمع الأمثال ٢ / ١٩٢.

٥٢٣

وقد يجيء تفاعلت بمعنى إتيان فعل في الحقيقة مثل : تناثر الورق.

ـ وقد تجيء التاء فرقا بين فعلك الشيء بنفسك وفعلك إياه لغيرك نحو قولك : طبخت واطبخت ، وذبحت واذبحت ، وكسبت واكتسبت.

وقولك : اطبخت. أصله اطتبخت فقلبت التاء طاء ، ثم أدغمت الطاء في الطاء فصارت طاء مشددة. وكذلك اذبحت. أصله : اذتبحت فقلبت التاء ذالا ثم أدغمت الذال في الذال فصارت ذالا شديدة ، وحجم الحاجم واحتجم المحجوم.

ـ وتدخل التاء للمطاوعة كما تدخل النون للمطاوعة. كقولك قطعته فتقطع ، وكسرته فتكسر. كما تقول : قطعته فانقطع وكسرته فانكسر.

ـ وتجيء تفعل بمعنى أفعل وفعل. مثل تأذّن وتوعّد وتقطّع. كقوله تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) (١) ، (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ) (٢).

ـ وتاء تبدل من الواو. نحو : التكلان والتقوى وتترى وتجاه. وأصله الوكلان والوجاه ووترى ووقوى.

ـ وتجيء التاء للفعل اللازم. نحو قوله : قرّبته فاقترب ، وعدّلته فاعتدل.

ـ الآن جئنا إلى قوله : (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (٣).

نقول هذه التاء للفرق بين الفعلين المختلفين. مثل قولك : وهبت الشيء واتهبت ، فمعنى وهبت أعطيت. ومعنى اتهبت : أخذت. ومثله : وعد واتعد.

ووزن واتزن ، وكال واكتال ، فمعنى وزن أي : وزن على غيره ، ومعنى اتّزن : أخذ منه بالوزن ، وكال : إذا كال له ، واكتال : أي : أخذ منه بالكيل. فافهم إن شاء الله تعالى.

* * *

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ١٦٧.

(٢) سورة المؤمنون : آية ٥٣.

(٣) سورة المطففين : آية ٢.

٥٢٤

باب

معاني النون

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : اعلم ـ أسعدك الله ـ أن النون تزاد في أول الكلام نحو نذهب ، وهي تدل على الفاعلين.

وكذلك في الماضي. نحو : فعلنا وذهبنا وخرجنا. فالنون في خرجنا في محل رفع ؛ لأنها تدل على اسم الفاعلين ، والنون في ضربنا وشتمنا في محل النصب لأنها تدل على المفعولين.

ـ وتزاد في تثنية الأسماء وجمعها ، كقولك : الزيدان ، والزيدون. وهي بدل عن الحركة والتنوين اللذين كانا في الواحد. وحقها في التثنية والجمع الجزم إلا أنها كسرت في التثنية فرارا من الساكنين ، وفتحت في الجمع فرقا بينها وبين نون التثنية.

ـ وتزاد النون في تثنية الفعل وجمعه علامة للرفع. كقولك : يفعلان ويفعلون.

ـ وتزاد في آخر الفعل للتوكيد خفيفة وثقيلة ، أما الخفيفة فنحو :

٥٢٥

اضربن زيدا ، والثقيلة : اضربنّ ، والخفيفة لا تثنى ولا يجمع المؤنث معها لالتقاء الساكنين (١).

فأما الثقيلة فنحو قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢) وقل قوله : (لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) (٣).

وتزاد في جمع التأنيث نحو : خرجن ويخرجنّ مشددة فهما نونان إحداهما ساكنة والأخرى متحركة.

ـ وتزاد في من وعن إذا قلت : مني وعني.

وإنما زيدت النون في قولك : مني وعني ؛ لأن النون الأولى كانت مبنية على السكون ، فلما أضفتها إلى نفسك زدت فيها نونا عمادا لها كيلا يفسد البناء ، وقد استقصيت هذه المسألة في أبواب تجدها إن شاء الله تعالى.

ـ وتزاد في فعلان وفعلان ، مثل : عريان وقمصان وعطشان وعجلان.

ـ وتدخل في جمع يأتي على غير الأصل زائدة نحو قولك : فتى وفتيان ، وغلام وغلمان.

__________________

(١) قال ابن الحاجب : لا تدخل الخفيفة على فعل الاثنين وفعل جماعة النساء خلافا ليونس ، وإنما لم تدخل عليهما لوقوعها بعد الألف ، فيلزم اجتماع الساكنين ، ومتعذر فيهما حكم التقاء الساكنين ، لأنه إمّا أن يبقيا ساكنين ؛ وإمّا أن يحرّك الثاني ؛ وإمّا أن يحذف الأول.

فبقاؤهما ساكنين يؤدي إلى ما ليس من كلامهم ، وتحريك الثاني يؤدي إلى خروجها عن حكمها ؛ لأنّ وضعها على ألا تقبل الحركة ، بدليل امتناع أضربن ، ولو جاز تحريكها ثمّ لوجب تحريكها هنا. وحذف الأول يؤدي إلى لبس الواحد بالمثنى في فعل الاثنين ، ألا ترى أنك لو حذفت الألف في قولك : اضربان فيلتبس بفعل الواحد.

أو يقال في جمع المؤنث : إنها ألف مشبهة بألف التثنية ، فكما امتنع من حذف تلك امتنع من حذف هذه. ا. ه. راجع الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب ٢ / ٢٥٠.

(٢) سورة يونس : آية ٨٩.

(٣) سورة العنكبوت : آية ١٠.

٥٢٦

ـ وتدخل في معنى الاشتقاق. نحو : قربان من القربة ، وفرقان من الفرقة.

ـ وتدخل لتأكيد النسبة كالرقباني واللحياني والرباني.

ـ وتدخل في الفعل اللازم. نحو صرفته فانصرف ، وقد سبق ذكره.

ـ ونون في الجمع في نحو قولك : «المسلمون والزيدون» حقها النصب ما دامت على هجائين ، وأما إذا كانت على هجاء الألف جرت بالأعراف نحو الجيران والحيطان والقيعان.

ـ ونون الأصل نحو : ندّ ، ونزّ ، ونثر ، والتين ، والآن ، ويأن.

* * *

٥٢٧

باب

معاني الباءات

الباءات تدخل في الكلام على وجوه :

ـ منها باء القسم كقوله : (بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١).

ـ ومنها ما يدخل لتأكيد النفي. كقوله تعالى : (وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢).

ـ ومنها ما يدخل للتعدية. كقوله عزوجل : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) (٣).

ـ ومنها ما يدخل للإلصاق. كقولك : كتبت بالقلم. قال الله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) (٤) ونظائر ذلك كثيرة فهذه الأربع من الباءات هي الأصل ، ولكن تتفرع على نيف وعشرين وجها :

الأول : الباء التي تبدل من الميم. تقول : سبد (٥) رأسه وسمده : إذا استأصله ، وبيد بمعنى غير.

__________________

(١) سورة لقمان : آية ١٣ : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.) قال الأشموني : وقد أغرب من وقف على : (لا تُشْرِكْ) وجعل (بِاللهِ) قسما ، وجوابه : (إِنَّ الشِّرْكَ) وربّما يتعمد الوقف عليه بعض المتعنتين. ووجه غرابته أنهم قالوا : إنّ الأقسام في القرآن المحذوفة الفعل لا تكون إلا بالواو ، فإذا ذكرت الباء أتي بالفعل. ا. ه. منار الهدى ، ص ٣٠٣.

(٢) سورة البقرة : آية ٨.

(٣) سورة البقرة : آية ١٧.

(٤) سورة آل عمران : آية ١٦٧.

(٥) يقال : سبّد رأسه : استقصى طمه أو جزّه.

راجع أساس البلاغة مادة سبد.

٥٢٨

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش ونشأت في بني سعد» (١).

وقال الراجز :

٥٢٧ ـ عمدا فعلت ذاك بيد أني

أخاف إن هلكت أن ترنّي

ويروى : ميد أني.

وقيل : إن مكة وبكة واحدة (٢).

ـ وتجيء الباء بمعنى في وبمعنى على. أما بمعنى «في». فكقوله تعالى : (ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) (٣) أي : فيه ، وقوله تعالى : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) (٤) أي : في الغيب.. وأما بمعنى على : كقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) (٥) أي : عليهم ، وكقوله تعالى : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) (٦). أي : على صدقهم ، وقوله تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) (٧) أي : على الساحل.

قال القائل :

٥٢٨ ـ أربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد ذلّ من بالت عليه الثعالب

__________________

(١) الحديث ذكره الزمخشري في الفائق مادة بيد ١ / ١٤١.

وقال السخاوي : معناه صحيح ولكن لا أصل له كما قاله ابن كثير.

راجع المقاصد الحسنة ، ص ٩٥.

٥٢٧ ـ البيت لمنظور بن مرثد ، وهو في مغني اللبيب ص ١٥٦ ، والصاحبي ص ٢١١ ، وإصلاح المنطق ص ٢٨ ، والفائق ١ / ١٤١. ترني : تصوّتي.

(٢) قاله مجاهد. وعلى هذا فالميم مبدلة من الباء ، وقال ابن شهاب : بكة : المسجد ، ومكة : الحرم كله.

(٣) سورة الشورى : آية ٢١.

(٤) سورة المائدة : آية ٩٤.

(٥) سورة يونس : آية ٢٢.

(٦) سورة الأحزاب : آية ٢٤.

(٧) سورة طه : آية ٣٩.

٥٢٨ ـ البيت لراشد بن عبد الله وهو صحابي كان سادنا لصنم وكان اسمه الغاوي بن عبد العزى فغيّر النبي اسمه.

والبيت في مغني اللبيب ص ١٤٢ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٧١ ، والجنى الداني ص ١٠٦ ، والاقتضاب ص ٦٥.

٥٢٩

ـ وقد يجيء الباء بمعنى إلى ، ومنه قوله تعالى : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) (١) أي : إليّ ، وقوله تعالى : (ما سَبَقَكُمْ بِها) (٢). أي : إليها.

قال كثير :

٥٢٩ ـ أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

لدينا ولا مقلية إن تقلت

أي : إلينا.

ـ وقد يجيء الباء بمعنى مع كقوله تعالى : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ) (٣). أي : مع غيظهم ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الشهداء : «زمّلوهم بدمائهم» (٤).

وقال زهير :

٥٣٠ ـ فتعرككم عرك الرحى بثفالها

...

أي : مع ثفالها.

ومن الباء ما يدل على شيء آخر مكانه ، يقال من ذلك : شربت بالعسل الصاب أي شربت العسل فكأني شربت الصاب لتغيره.

__________________

(١) سورة يوسف : آية ١٠٠.

(٢) سورة الأعراف : آية ٨٠.

٥٢٩ ـ البيت تقدم برقم ٢١.

(٣) سورة الأحزاب : آية ٢٥.

(٤) الحديث أخرجه النسائي عن عبد الله بن ثعلبة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقتلى أحد : زمّلوهم بدمائهم ؛ فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا يأتي يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك.

ـ وفي البخاري عن جابر بن عبد الله قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيّهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدّمه في اللحد ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسّلوا ولم يصلّ عليهم.

ـ وفي آخر : عن جابر قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ادفنوهم في دمائهم [يعني يوم أحد] ولم يغسلهم. راجع فتح الباري ٣ / ٢٠٩ ـ ٢١٣.

٥٣٠ ـ الشطر لزهير بن أبي سلمى من معلقته ، وعجزه [وتلقح كشافا ثم تنتج فتتئم] راجع ديوانه ص ٨٢.

٥٣٠

ـ وعن معمر بن بشر رحمه‌الله قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقوّمنا في الصلاة كأنما يقيم بنا القداح لو كانت» (١).

قال الفرزدق :

٥٣١ ـ ترى الغرّ الغطارق من قريش

إذا ما الأمر في الحدثان عالا

٥٣٢ ـ قياما ينظرون إلى سعيد

كأنهم يرون به هلالا

ويقال : إنك لو رأيت فلانا لرأيت به الحسن البصري في حال نسكه.

ـ وقد تجيء الباء بمعنى عند. قال الله تعالى : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) (٢) أي عند سحر.

ـ والباء مكان عن قد سبق ذكرها.

أما الآيات عليها فمنها قول الجعدي :

٥٣٣ ـ سألتني بأناس هلكوا

شرب الدهر عليهم وأكل (١)

أي : عن أناس.

__________________

(١) الحديث أخرجه مسلم برواية سماك بن حرب قال : سمعت النعمان بن بشير يخطب قال :

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسوّي الصف أو الصفوف حتى يدعه مثل القدح أو الرمح ، فرأى صدر رجل ناتئا فقال : عباد الله ، سوّوا صفوفكم أو ليخالفنّ الله به وجوهكم.

راجع شرح السنة ٣ / ٣٦٥.

٥٣١ ـ ٥٣٢ ـ البيتان للفرزدق قالهما لما هرب من زياد حين استعان عليه بنو نهشل في هجائه إياهم ، فأتى سعيد بن العاصي وهو على المدينة أيام معاوية ، فاستجاره فأجاره.

وهما في طبقات الشعراء ص ١١٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٤٧ ، وديوانه ص ٤٢٤.

(٢) سورة القمر : آية ٣٤.

٥٣٣ ـ البيت تقدم صفحة ٤١٣.

٥٣١

وقال آخر :

٥٣٤ ـ وسائلة بثعلبة بن سير

وقد علقت بثعلبة العلوق

وقال آخر :

٥٣٥ ـ تساءل بابن أحمر من تراه

أعارت عينه أم لم تعارا

 ـ وباء جاءت إخبارا عن صدق معرفتك بالشيء ، ولو حذفت تغير المعنى. كقولك : أتعلمني بكذا. ولو قلت : أتعلمني كذا كان ذلك استفهاما. قال الله تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) (١).

ـ وباء جاءت بمعنى الحال كقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) (٢). أي : ظالما.

والعرب تدخل الباء على الحال كقول الشاعر :

٥٣٦ ـ لم يحرموا حسن الغذاء وأمّهم

دحقت عليك بناتق مذكار

__________________

٥٣٤ ـ البيت للمفضّل النكري من قصيدته المنصفة ، يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أسره ، والعلوق : المنية.

وهو في الصاحبي ص ١٣٣ ، والمخصص ١٦ / ١٥٠ ، والأصمعيات ص ٢٣٥ ، والاختيارين ص ٢٥١.

٥٣٥ ـ البيت لعمرو بن أحمر الباهلي ، ويروى صدره : وربّت سائل عني حفيّ

وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٢ ، والأزهية ص ٦٢ ، وتأويل مشكل القرآن ص ٥٦٨ ، والمساعد ٤ / ١٦٦. وقوله : عارت أي : صارت عوراء.

(١) سورة الحجرات : آية ١٦.

(٢) سورة هود : آية ١١٧.

٥٣٦ ـ البيت للنابغة الذبياني ، ، وهو في ديوانه ص ٦١ ، وأساس البلاغة ص ٢٨١ ، مادة طفح.

ويروى : طفحت بدل دحقت.

٥٣٢

أي : دحقت ناتقا مذكارا ، والناتق : المرأة الكثيرة الأولاد والباء باء الحال. ودحقت : أسقطت ، والمذكار : التي تلد الذكور والأولاد.

وقال الشاعر :

٥٣٧ ـ بنزوة لص بعدما مرّ مصعب

بأشعث ما يفلي ولا هو يغسل

يعني : مر مصعب في حال شعثه.

ـ وباء جاءت صلة كقوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) (١). ولو قال : أحكم الحاكمين كان بذلك المعنى ، وكذلك قوله تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) (٢). وتزاد هذه الباء في خبر ليس.

ـ وباء مؤكدة قال القائل :

٥٣٨ ـ فلست بإنسيّ ولكن بملأك

تنزّل من جوّ السماء يصوب

 ـ وباء دخلت في موضع لا يستقيم الكلام إلا بها. كقولك : آمنت بالله. قال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٣). أي : يريد الله أن ييسر عليكم ، فإنه في موضع آخر : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) (٤).

ـ وباء جاءت بمعنى اللام نحو قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) (٥) ،

__________________

٥٣٧ ـ البيت للأخطل ، وهو في ديوانه ص ٢٣١ ، والخصائص ٢ / ٤٧٥ ، والمعاني الكبير ١ / ٥١٠ ، ولم ينسبه محقّق الخصائص. لص يعني به : زفر بن الحارث مرّ به رأس مصعب بن الزبير وهو أشعث لا يفلى ولا يغسل. ويروى «يقمل» بدل : «يغسل».

(١) سورة التين : آية ٨.

(٢) سورة الزمر : آية ٣٦.

٥٣٨ ـ البيت في الملخص في ضبط قوانين العربية ١ / ٢١٣ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٢٠ ، وسيبويه ٢ / ٢٧٩ ، وتفسير الطبري ١ / ١١٣ ، ولم ينسبه محقق الملخص ولا غيره ، وهو لعلقمة بن عبدة ، راجع الجمهرة ٣ / ١٧٠ ، والمفضليات ص ٣٩٤.

(٣) سورة البقرة : آية ١٨٥.

(٤) سورة النساء : آية ٢٧.

(٥) سورة لقمان : آية ٣٠.

٥٣٣

(ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ) (١) ، (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) (٢).

ـ وباء جاءت بمعنى من أجل قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (٣). معناه : والذين هم من أجل إبليس مشركون بالله تعالى ، وكما يقال : صار فلان بك عالما. أي : من أجلك.

ـ وربما جاءت لإخبار عن شيء مضمر حتى لو حذفت لكانت إخبارا عن فعل آخر أو فعل نحوه ، منها قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) (٤) أي : امسحوا الماء برؤسكم ؛ لأنك إذا قلت : امسح رأسك يحتمل المسح باليد دون الماء.

وفرق آخر بين إدخال الباء وإسقاطها أنك إذا قلت : مسحت برأسه يحتمل أن يكون الممسوح بعض رأسه وكل رأسه ، وإذا ألقيت الباء يدل ذلك على مسح بعضه ؛ لأن «على» داخلة فيه. أي : مسحت على رأسه.

فإذا عنيت بالمسح القطع دل كلا اللفظين على كل الرأس ؛ لأن العرب تقول : مسحت علاوته وبعلاوته ، ومسحت رأسه وبرأسه. يعني : قطعت عنقه ، قال الله تعالى : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (٥).

ـ وتجيء دلالة على معنى الفعل مثل قولك بودك. أي : وددت.

قال الشاعر :

٥٣٩ ـ بودّ أعداءهم لو أنّهم قتلوا

وأنّهم صنعوا بعض الذي صنعوا

__________________

(١) سورة غافر : آية ١٢.

(٢) سورة محمد : آية ٣.

(٣) سورة النمل : آية ١٠٠.

(٤) سورة المائدة : آية ٦.

(٥) سورة ص : آية ٣٣.

٥٣٩ ـ لم أجده.

٥٣٤

ـ وتدخل الباء على الاسم فتكون فرقا بين التعجب وبين الأمر في قولك : أكرم زيدا وأكرم بزيد. وللاثنين أكرم بزيد يا رجلان ، وللجماعة أكرم بزيد أيها الرجال. لا تثني ولا تجمع.

ـ وتدخل الباء بمعنى القوة والنصرة. كما تقول : قطعت به الطريق. أي : بقوته ، وكما يقال : إنما قطعت هذه المفازة بفلان. أي بقوته ، أو بنصرته. وكما يقال : قطعت الأرض بهذه الناقة. يعني : بركوبها وسيرها ، وكما قال الشاعر :

٥٤٠ ـ قطعت برسّامة حرّة

غدائره كالعنيف المقطم

وقال الآخر :

٥٤١ ـ به تمطّت غول كل ميله

بنا حراجيج المهارى النّفّه

وبعض الصوفية قال : بك جئنا ، وأنت جئت بنا ، وليس ربّ سواك يغنينا.

ـ والباء الأصلية في الأسماء مثل البزر ، وفي الأفعال مثل : بكر ، وبزر وسبق وكتب ، في السالم ، وفي المضاعف : برّ وبص (١) وشب وبزّ ، وفي الناقص : بكى ، وبقي ، وأتى وسبى.

* * *

__________________

٥٤٠ ـ لم أجده.

٥٤١ ـ البيت لرؤبة بن العجاج وقوله : الميله : الذي يولّه سالكه أي : يحيّره. والنّفه : يقال نفهت : أي أعييت وللعييّ نافه ، وجمع النافه نفّه ، وهو في اللسان مادة نفه.

(١) بضّ الشيء : سال.

٥٣٥

باب الواوات

ـ منها واو السنخ نحو ورد ووصل. وفي الأسماء نحو : ورد وودود.

ـ ومنها واو العطف نحو قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) (١) ، تقول : رأيت زيدا وعمرا.

والأصل : رأيت زيدا ورأيت عمرا إلا أن واو العطف تنوب عن الأسماء والأفعال والحروف.

وهذه الواو أدخلت في عطف النعوت ، فمن العرب من يحذفها ومنهم من يثبتها كقولك : جاءني زيد العاقل الكريم ، وإن شئت قلت : جاءني زيد العاقل والكريم.

وفي القرآن نظيره قوله تعالى : [(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ،) إلى قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ)] (٢).

__________________

(١) سورة الحج : آية ١٨.

(٢) سورة المؤمنون والآيات : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ.) [آية ١ ـ ٩].

٥٣٦

وقال في موضع آخر : (التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ) (١) ففي هذه الآية حذفت الواو. وفي الآية الأولى أثبتت.

ـ ومنها واو تجيء حالا ظاهرة تعرفه نحو قولك : جئت والناس يصلون. أي : جئت والناس في الصلاة ، وهذه واو حال. قال الله تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) (٢).

وقال عز من قائل : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) (٣) ، وقال : (وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ) (٤).

وقال الأعرابي الذي دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

٥٤٢ ـ أتيناك والعذراء تدمى لبانها

وقد شغلت أمّ الصبيّ عن الطفل

 ـ ومنها واو تجيء بمعنى أو. نحو قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٥).

فلولا أن الواوات ههنا بمعنى «أو» لكان فيها استباحة الجمع بين تسع نسوة في عقدة واحدة.

ونظيره قوله تعالى : (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (٦).

ـ منها واو تدل على جمع الذكور في الأفعال نحو فعلوا.

__________________

(١) سورة التوبة : آية ١١٢.

(٢) سورة الأنبياء : آية ١.

(٣) سورة الزمر : آية ٧٣.

(٤) سورة الأنبياء : آية ٩٦.

٥٤٢ ـ البيت شطره الأول في النهاية لابن الأثير ٤ / ٢٣٠ ، وقصته في فتح الباري ٢ / ٤٩٥ ، وقيل : هو للبيد. تدمى لبانها : تدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة ، حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها من الجدب وشدة الزمان.

(٥) سورة النساء : آية ٣.

(٦) سورة فاطر : آية ٢.

٥٣٧

ـ ومنها : واو القسم نحو قوله : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) (١) ، وما أشبهها.

ـ ومنها : واو تجيء مقحمة. مثل قوله تعالى : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (٢) ، وقوله : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) (٣). المعنى : ناديناه أو أوحينا إليه.

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٤). قيل : إن الواو مقحمة. معناه : إن الذين كفروا يصدون.

قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : ويصدون هنا حال ؛ أي صادين ، لأن قوله : (كَفَرُوا) ماض و (يَصُدُّونَ) مستقبل ، فكيف يستقيم عطف المستقبل على الماضي إلا بهذا التقدير ، والله أعلم.

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) (٥). أي : ضياء.

قال امرؤ القيس :

٥٤٣ ـ فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى

...

وقال آخر :

٥٤٤ ـ حتى إذا امتلأت بطونكم

ورأيتم أبناءكم شبّوا

٥٤٥ ـ وقلبتم ظهر المجنّ لنا

إنّ اللئيم الفاحش الخبّ

__________________

(١) سورة الضحى : آية ١ ـ ٢.

(٢) سورة الصافات : آية ١٠٤.

(٣) سورة يوسف : آية ١٥.

(٤) سورة الحج : آية ٢٥.

(٥) سورة الأنبياء : آية ٤٨.

٥٤٣ ـ البيت تقدم ص ٢٥٤.

٥٤٤ ـ ٥٤٥ ـ البيتان للأسود بن يعفر وهما في معاني القرآن للفراء ١ / ١٠٧ ولم ينسبهما المحقق ، ومجالس ثعلب ص ٥٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٥٨ ، والخزانة ٤ / ٤١٤ ، والمقتضب ٢ / ٧٨ ، ولم ينسبهما المحقق عبد الخالق عضيمة. وقال المبرد : وزيادة الواو غير جائزة عند البصريين ، وهما في رصف المباني ٤٨٧.

٥٣٨

ـ ومنهم من يجعل لهذه الواوات وجها صحيحا ولا يجعلها مقحمة.

وقد أفردت من قبل بابا في مثل هذه الواوات (١).

ـ ومنها واو الإعراب. نحو : أخوك وأبوك في الرفع.

ـ ومنها واو الاستئناف. نحو قوله : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) (٢).

قال الشاعر :

٥٤٦ ـ الخيط الأبيض وقت الصبح منفلق

والخيط الأسود لون الليل مكتوم

 ـ وقيل : إن واو الاستئناف ما تدل على ترك كلام واستئناف آخر. ويكون حكمها حكم واو «رب» ويخفض بها كما يخفض بربّ. فأما واو ربّ فكقول القائل :

٥٤٧ ـ وبلدة ليس بها أنيس

إلا اليعافير وإلا العيس

وكقول الآخر :

٥٤٨ ـ ومهمه أطرافه في مهمه

...

 ـ ومنها واو بمعنى مع كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وسفعاء الخدّين كهاتين في الجنّة» (٣).

__________________

(١) راجع ص ٤١٧ و ٣٣٣.

(٢) سورة المائدة : آية ٧٥.

٥٤٦ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت.

وهو في تفسير القرطبي ٢ / ٢٠٦ ، وتفسير الماوردي ١ / ٢٠٦ ، ولسان العرب مادة خيط ٧ / ٢٩٩.

٥٤٧ ـ البيت تقدم برقم ١٢١.

٥٤٨ ـ الرجز لرؤبة بن العجاج وعجزه : [أعمى الهدى بالجاهلين العمّه] ، وهو في تفسير الماوردي ١ / ٧٢.

(٣) الحديث جاء في أساس البلاغة مادة سفع ، وبصائر ذوي التمييز ٣ / ٢٢٦ ، والفائق ٢ / ١٨٣. ـ

٥٣٩

قوله عزوجل : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (١) ، وقوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢) ، يحتمل لا تموتون إلا مع الإسلام.

قال الشاعر :

٥٤٩ ـ فإنك والكتاب إلى عليّ

كدابغة وقد حلم الأديم

 ـ وأما الواو في قولك الزيدون فعلامه الرفع والجمع.

وفي قولك يغزون ويدعون فضمير الفاعلين ، وواو الأصل ساقطة.

وأما في جمع التأنيث. مثل : يعفون ويدعون فالواو أصلية وهي لام الفعل.

قال الله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) (٣).

* * *

__________________

ـ وأخرجه أحمد في مسنده عن عوف بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا وامرأة سفعاء في الجنة كهاتين ، امرآة آمت من زوجها فحبست نفسها على يتاماها حتى بانوا أو ماتوا». وفي رواية : «أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة ـ وجمع بين إصبعيه السبابة والوسطى ـ امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها ، حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا».

راجع المسند ٦ / ٢٩.

وقوله سفعاء : أراد به الشحوب من الجهد ، فهذا مما يترك الوجه أسفع.

(١) سورة الشعراء : آية ٢٢٦.

(٢) سورة البقرة : آية ١٣٢.

٥٤٩ ـ البيت للوليد بن عقبة بن أبي معيط ، يحضّ معاوية على حرب عليّ. وقبله :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

كتابا من أخي ثقة يلوم

وعجز البيت مثال يقال في إصلاح ما لا صلاح له.

راجع العقد الفريد ٣ / ٢٥٦ ، واللسان مادة : حلم ، ونوادر أبي زيد ٢٤٤ ، والمثلث للبطليوسي ١ / ٤٧٣.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٣٧.

٥٤٠