أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]
المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦
وقوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) (١). أي : بائتا.
وقوله تعالى : (إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٢). أي : وافدين ، وقوله تعالى : (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٣). أي : واردين.
قال الشاعر :
٢٥٩ ـ قامت تبكيه على قبره |
|
... |
وقد مرّ.
__________________
(١) سورة الأعراف : آية ٩٧.
(٢) سورة مريم : آية ٨٥.
(٣) سورة مريم : آية ٨٦.
٢٥٩ ـ الشطر تقدم. ورقمه ١١٥.
باب
وضع الاسم مقام المصدر
ـ وأمّا إخبارهم عن المصدر بالاسم ، فكقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ) (١) ، أي : كإيمان من آمن بالله.
وقوله تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٢). أي : بقاء.
وكذلك قوله تعالى : (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٣). أي : بطغيانهم. وقوله تعالى : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) (٤). أي : تبسّم تبسما ، وضع الضاحك وهو الاسم مكان التبسم أو الضحك وهما مصدران.
وكذلك قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً) (٥). أي : ركوعا ، ونظائرها كثيرة.
وقوله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦).
قال بعضهم : معناه : سمرا ؛ لأنه لو كان اسما لقال : سامرين.
قال الشاعر :
٢٦٠ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي |
|
وبعد عطائك المائة الرّتاعا |
__________________
(١) سورة التوبة : آية ١٩.
(٢) سورة الحاقة : آية ٨.
(٣) سورة الحاقة : آية ٥.
(٤) سورة النمل : آية ١٩.
(٥) سورة ص : آية ٢٤.
(٦) سورة المؤمنون : آية ٦٧.
٢٦٠ ـ البيت للقطامي في قصيدة له في مدح زفر بن الحارث الكلابي. وهو في ابن عقيل ٢ / ٩٩ ، والأشموني رقم ٦٨٤ ، والبحر المحيط ١ / ١٢٧.
يريد : بعد إعطائك.
وقال الآخر :
٢٦١ ـ لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى |
|
ولكنّما الفتيان كلّ فتى ندي |
خبّر عن الفتيان بقوله : أن تنبت اللحى ، وهو مصدر ؛ لأنّ أن وما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر ، فتقدير الكلام : ما الفتوة نبت اللحية.
وقال الآخر :
٢٦٢ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا |
|
أهدى السّلام تحية ظلم |
* * *
__________________
٢٦١ ـ البيت لم يعرف قائله وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٧ ، ومغني اللبيب ص ٩٠٧.
٢٦٢ ـ البيت للعرجي وقيل : للحارث بن خالد المخزومي من قصيدة له في الأغاني ١ / ٢٢٥ ، وهو في شذور الذهب ص ٤١١ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٤ ، ومجالس ثعلب ٢٧٠ ، ومغني اللبيب ٦٩٧ ، وللبيت قصة شهيرة بين أهل الأدب ، وهي في معجم الأدباء ٧ / ١١١ ، ووفيات الأعيان ١ / ٢٨٤ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٦٤ ، وتاريخ العلماء النحويين ص ٦٩.
باب
الفعول الذي هو الفاعل
ـ قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (١). أي : شاكرا.
وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). أي : غافر راحم.
وكذلك قوله تعالى : (غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣) ، وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (٤). أي : عاجلا.
وكذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٥). أي : ظالما جاهلا.
وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦).
وقوله تعالى : (حَمُولَةً وَفَرْشاً) (٧) ، يحتمل فاعلة ومفعولة.
ولها نظائر كثيرة.
قال الشاعر :
٢٦٣ ـ فلمّا استقلّت في حمول كأنّها |
|
حدائق نخل القادسية أو حجر |
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ٣.
(٢) سورة آل عمران : آية ٨٩.
(٣) سورة فاطر : آية ٣٠.
(٤) سورة الإسراء : آية ١١.
(٥) سورة الأحزاب : آية ٧٢.
(٦) سورة العاديات : آية ٦.
(٧) سورة الأنعام : آية ١٤٢.
٢٦٣ ـ البيت لذي الرّمة ، وهو في ديوانه ص ٢٩٨.
وقال :
٢٦٤ ـ وعينان قال الله : كونا فكانتا |
|
فعولين بالألباب ما تفعل الخمر |
* * *
__________________
٢٦٤ ـ البيت لذي الرّمة أيضا.
وهو في ديوانه ص ٢٩٧ ، والافتراح في أصول النحو ص ١٣٩ ، وله قصة طريفة راجعها في الاقتراح ، وهو في شفاء العليل ١ / ١٦٥ ، والخصائص ٣ / ٣٠٢.
باب
الفعول بمعنى المفعول
قوله عزوجل : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١). أي : كتابا مزبورا. أي : مكتوبا.
وقوله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) (٢). أي : ممنوعا من أمر النساء ، ويحتمل : حاصرا. أي : مانعا سرّه من الإفشاء.
قال عنترة :
٢٦٥ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة |
|
سودا كخافية الغراب الأسحم |
يعني : محلوبة.
* * *
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ٥٥.
(٢) سورة آل عمران : آية ٣٩.
٢٦٥ ـ البيت من معلقته ، الأسحم : الأسود ، الخوافي : أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر.
راجع شرح المعلقات ٢ / ١٣ ، وديوانه ص ١٧.
باب
الفعيل بمعنى المفعول
قال تعالى : (وَالنَّطِيحَةُ) (١). أي : المنطوحة.
وقال : (جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٢). يعني : محنوذا.
وقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (٣). معناه : المفعول.
قال الشاعر :
٢٦٦ ـ يأكلن من قوّ لعاعا وربّة |
|
تجبّر بعد الأكل فهو نميص |
أي : منموصة.
وقال الآخر :
٢٦٧ ـ عدس ما لعبّاد عليك أمارة |
|
نجوت وهذا تحملين طليق |
أي : مطلق.
* * *
__________________
(١) سورة المائدة : آية ٣.
(٢) سورة هود : آية ٦٩.
(٣) سورة المرسلات : آية ٢١.
٢٦٦ ـ البيت لامرىء القيس وهو في ديوانه ص ٩٣ ، وقوّ : اسم مكان ، واللعاع : الرقيق من النبت أول ما ينبت ، وربّة : شجر الخروب ، والنميص : ضرب من النبات.
٢٦٧ ـ البيت ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري.
وهو في مغني اللبيب ٦٠٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٥١٥ ، وديوانه ص ١٧.
باب
الفعيل بمعنى الفاعل
قال الله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (١) ، أي : حاسبا محاسبا.
وقال تعالى : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) (٢) ، يريد : المغيث. أي الصارخ ، والخطيب بمعنى الخاطب ، والظريف بمعنى الفاعل.
* * *
__________________
(١) سورة النساء : آية ٦.
(٢) سورة يس : آية ٤٣.
باب
ما جاء على وزن المفعول وهو في الحقيقة فاعل
قال الله تعالى حكاية عن فرعون : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) (١). أي : ساحرا على قول بعضهم. ومسحورا : مخدوعا على قول بعض.
وقوله تعالى : (حِجاباً مَسْتُوراً) (٢). أي : ساترا.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (٣). أي : آتيا ؛ لأنّ كلّ ما أتاك فقد أتيته.
وقوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٤). قال بعضهم : الوائدة سئلت.
قال الشاعر :
٢٦٨ ـ أعن ترسمت من خرقاء منزلة |
|
ماء الصبابة من عينيك مسجوم |
__________________
(١) سورة الإسراء : آية ١٠١.
(٢) سورة الإسراء : آية ٤٥.
(٣) سورة مريم : آية ٦١.
(٤) سورة التكوير : آية ٨.
٢٦٨ ـ البيت لذي الرمة وهو في ديوانه ص ٥٦٧ ، والصاحبي ص ٣٥ ، والخصائص ٢ / ١١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٩٥ ، وقوله : أعن : أي أأن ، فجعل مكان الهمزة عينا.
وقال الآخر :
٢٦٩ ـ أودى بها ذو أداحي استحار بها |
|
وجافل من عجاج الصّيف مهجوم |
أي : هاجم.
* * *
__________________
٢٦٩ ـ البيت أيضا لذي الرّمة ص ٥٧٠ ، ويروى :
[أودى بها كلّ عرّاض ألث بها]
وقوله : ذو أداحي : يعني مطرا يحفر الأرض كما يفحص النعام برجله ، والأدحوة والأدحية : بيض النعام في الرمل. والجافل : الذي يجفل ما يمرّ به ، وقوله : استحار ، حار يحير : يأخذ كذا وكذا.
والعرّاص : السحاب الكثير البرق ، وقوله : ألثّ : أقام.
باب
ما جاء على وزن الفاعل بمعنى المفعول
قال الله تعالى : (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (١) ، قيل : إنها من : ماد يميد إذا أعطى (٢) ، وماد يميد : إذا تحرك (٣) ، والناس يحرّكونها عند الأكل.
وقال الله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (٤). أي : لا معصوم ، ويقال : سرّ كاتم. أي : مكتوم ، وأمر كائن. أي : مكوّن.
وقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٥). أي : ليست بمكذوبة.
وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) (٦). أي : مثجوجا.
وقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٧). أي : مدفوق ، وقوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (٨). يريد : المحفورة وهي القبر.
وقوله تعالى : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ) (٩). أي : مغيّبة. ويحتمل :
__________________
(١) سورة المائدة : آية ١١٤.
(٢) قال ابن منظور : مدنته وأمدنته : أعطيته.
(٣) قال أبو إسحاق : الأصل عندي في مائدة أنها فاعلة من ماد يميد : إذا تحرّك ، فكأنّها تميد مما عليها ، أي : تتحرك. وقال أبو عبيدة : سميت المائدة ؛ لأنها ميد بها صاحبها ، أي : أعطيها وتفضّل عليه بها.
(٤) سورة هود : آية ٤٣.
(٥) سورة الواقعة : آية ٢.
(٦) سورة عم : آية ١٤.
(٧) سورة الطارق : آية ٦.
(٨) سورة النازعات : آية ١٠.
(٩) سورة النمل : آية ٧٥.
ما غاب بنفسه ، كأنه ههنا بمعنى الفاعل والمفعول جميعا.
وقوله تعالى : (نارٌ حامِيَةٌ) (١) ، و (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (٢). أي : محمأة. فاطلب نظائرها تجدها إن شاء الله.
وقال الشاعر :
٢٧٠ ـ دع المكارم لا ترحل لبغيتها |
|
واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي |
يريد : المطعم المكسو.
وقال الآخر :
٢٧١ ـ رؤوسا بين حالقة ووفر |
|
... |
وقال الآخر :
٢٧٢ ـ لقد عيّل الأيتام طعنة ناشر |
|
أناشر لا زالت يمينك آشره |
يعني : مأشورة.
* * *
__________________
(١) سورة القارعة : آية ١١.
(٢) سورة الكهف : آية ٨٦.
٢٧٠ ـ البيت للحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر ، وهو في تفسير الطبري ١٥ / ٣٣٣ ، وطبقات فحول الشعراء ١ / ١١٦ ، وديوانه ص ٥٠.
٢٧١ ـ لم أجده.
٢٧٢ ـ البيت قالته أمّ ناشرة التغلبي وقولها : آشرة ، أي : ذات أشر.
وهو في الصاحبي ص ٣٦٧ ، وإصلاح المنطق ٤٨ ، واللسان مادة أشر.
باب
الفعيل بمعنى المفعل والمفعل
قوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (١). يعني : المحكم ، ويحتمل : الحاكم.
وقوله تعالى : (يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٢). يعني : معقما.
وقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣). أي : مبدعهما.
وقال الشاعر :
٢٧٣ ـ أمن ريحانة الداعي السميع |
|
يؤرّقني وأصحابي هجوع |
أي : المسمع.
* * *
__________________
(١) سورة يس : الآيتين ١ ـ ٢.
(٢) سورة الحج : آية ٥٥.
(٣) سورة البقرة : آية ١١٧.
٢٧٣ ـ البيت لعمرو بن معديكرب.
وهو في الصاحبي ٣٩٦ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٢٩ ، والأصمعيات ١٩٨ ، وتفسير الطبري ١ / ٩٥ ، وديوانه ص ١٤٠.
باب
ذكر الشيئين والكناية عن أحدهما
ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (١) ، كيف ذكر الصبر والصلاة ثمّ كنّى عن أحدهما؟
قلنا : لأنّ للعرب في مثل هذا وأشباهه طرقا أربعة :
ـ تارة تكنّي عن الاسمين جميعا كقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٢) ، وقوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (٣) ، وقوله تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (٤).
وقوله تعالى : (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ) (٥) وله نظائر.
ـ وتارة عن الاسم الأول دون الآخر كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ) (٦).
(إِلَيْها) كنّى بها عن التجارة دون اللهو.
ـ وتارة تكنّي عن الاسم الآخر دون الأول كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (٧).
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٤٥.
(٢) سورة النساء : آية ١٣٥.
(٣) سورة الأنبياء : آية ٣٠.
(٤) سورة النساء : الآية ١.
(٥) سورة التحريم : آية ١٠.
(٦) سورة الجمعة : آية ١١.
(٧) سورة التوبة : آية ٣٥.
كنّى عن الفضة دون الذهب.
ـ وتارة تقتصر على كناية واحدة وتريدهما جميعا كقوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) (١) ، أي : عليهما ، وقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (٣) ، وقوله تعالى : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٤) ، ثم قال : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ.)
وكذلك هذه الآية : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (٥).
وقال بعضهم : الكناية ههنا راجعة إلى الاستعانة.
الأبيات :
قال الشاعر :
٢٧٤ ـ نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
وقال الآخر :
٢٧٥ ـ إنّ المنيّة والحتوف كلاهما |
|
يوفي المخارم يرقبان سوادي |
__________________
(١) (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [سورة البقرة : آية ٣٧].
(٢) سورة التوبة : آية ٦٢.
(٣) سورة الأنعام : آية ١٤١.
(٤) سورة يونس : آية ٥.
(٥) سورة البقرة : آية ٤٥.
٢٧٤ ـ البيت لقيس بن الخطيم ، شاعر جاهلي ، وقيل : لعمرو بن امرىء القيس الخزرجي. وهو في شرح ابن عقيل ١ / ٢٤٤ ، ومغني اللبيب ٨١٠ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٠.
٢٧٥ ـ البيت للأسود بن يعفر ، شاعر جاهلي من سادات بني تميم ، نادم النعمان بن المنذر. وهو في مغني اللبيب ٢٦٩ ، ومجاز القرآن ٢ / ٣٦. والمخارم : الطرق ، وسوادي : شخصي.
وقال الأزرق بن طرفة :
٢٧٦ ـ رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن أجل الطّويّ رماني |
الطوي : الشيء الذي تطوي قلبك عليه.
وقال الآخر :
٢٧٧ ـ ما كان حينك والشّقاء لينتهي |
|
حتى أزورك في مغار محصد |
أراد : ينتهيان.
وقال الآخر :
٢٧٨ ـ ألم يحزنك أنّ حبال قيس |
|
وتغلب قد تباينت انقطاعا |
وقال الشماخ :
٢٧٩ ـ إنّ شرح الشباب والشّعر الأس |
|
ود ما لم يعاص كان جنونا |
* * *
__________________
٢٧٦ ـ البيت في كتاب سيبويه ١ / ٣٨ ، وشرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٢٤٨ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٨.
٢٧٧ ـ البيت لجرير ، وهو في مجاز القرآن ١ / ٢٥٨.
٢٧٨ ـ البيت للقطامي ، وهو في ديوانه ص ٣٧ ، ومجاز القرآن ٢ / ٣٧ ، والصاحبي ٣٥٤.
٢٧٩ ـ البيت لحسان بن ثابت وليس للشماخ.
وهو في ديوان حسان ص ٤١٣ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٥٨ ، والكامل ٣ / ٨٣٨ ، والصاحبي ٣٦٢.
باب
إضافة المصادر
إلى الفاعل مرّة وإلى المفعول أخرى
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (١) ، الهاء في «حبّه» راجعة إلى ماذا؟ وكذلك الهاء والميم في قوله : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (٢).
قلنا : إنّ العرب تضيف المصدر إلى المفعول كإضافتها إلى الفاعل ، وتارة تضيفها إلى الظروف ؛ إمّا ظرف زمان ، أو ظرف مكان.
منها قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ.)
منهم من يقول : معناه على حبّ المال. أي : يحبّه ويشتهيه ومع ذلك ينفقه في مرضاة الله ، وقيل : على حبّ الله ، وقيل : على حبّ الإيتاء.
وقال الله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) (٣).
أضاف المصدر إلى ضمير الظرف ، وهو في الحقيقة مضاف إلى الله تعالى.
__________________
(١) سورة البقرة : آية ١٧٧.
(٢) سورة البقرة : آية ١٦٥.
(٣) سورة الأعراف : آية ٥٦.
يعني : بعد إصلاح الله إياها بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب.
ومنها قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (١).
قال بعضهم : لو لا دعاء الله إيّاكم إلى التوحيد لإلزام الحجة.
وكذلك قوله تعالى : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (٢). يعني : كحبّ المؤمنين الله.
وقوله تعالى : (كَخَشْيَةِ اللهِ) (٣). يعني : كخشيتهم من الله.
وقوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (٤). أي : ذي مسغبة أهلها.
وقوله تعالى : (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) (٥) ، أي : مقامه بين يدي ربّه.
وقوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) (٦). أي : من دعائه الخير.
وقوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٧) ، أي : عبادتك. أي : عبادته إياك.
وقوله تعالى : (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) (٨). أي : بسؤاله نعجتك.
وقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٩). أي : مكركم في الليل والنهار.
__________________
(١) سورة الفرقان : آية ٧٧.
(٢) سورة البقرة : آية ١٦٥.
(٣) سورة النساء : آية ٧٧.
(٤) سورة البلد : آية ١٤.
(٥) سورة الرحمن : آية ٤٦.
(٦) سورة فصلت : آية ٤٩.
(٧) سورة الأعراف : آية ١٢٧.
(٨) سورة ص : آية ٢٤.
(٩) سورة سبأ : آية ٣٣.
قال الشاعر :
٢٨٠ ـ وبرك هجود قد أثارت مخافتي |
|
نواديها أمشي بعضب مجرّد |
أي : مخافتها مني.
وقال الآخر :
٢٨١ ـ لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي |
|
على وعل في ذي الفقارة عاقل |
أي : على مخافة وعل.
وقال الآخر :
٢٨٢ ـ وللفؤاد وجيب تحت أبهره |
|
لدم الغلام وراء الغيب بالحجر |
يريد : كلدمك الغلام.
وقال الآخر :
٢٨٣ ـ فلست مسلّما ما دمت حيّا |
|
على معن بتسليم الأمير |
* * *
__________________
٢٨٠ ـ البيت لطرفة من معلقته ، والبرك : جماعة الإبل الباركة ، ونواديها : ما ندّ منها ، العضب : السيف القاطع.
راجع شرح المعلقات ١ / ٩٠ ، والصاحبي ٤١٨ ، واللسان مادة : برك.
٢٨١ ـ البيت للنابغة ، وقد تقدم رقم ٤٢.
٢٨٢ ـ البيت لابن مقبل في ديوانه ص ٩٩.
هو في أساس البلاغة ماد : لدم ، ولسان العرب مادة : لدم.
يقال : لدم الصائد حجر الضبع بحجر فتحسبه صيدا ، فتخرج فتصاد. وفي حديث عليّ : «لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم فتخرج حتى تصاد».
٢٨٣ ـ البيت لأعرابي دخل على معن بن زائدة يذكّره حاله التي كان عليها قبل الإمارة.
وهو في تفسير الطبري ٢ / ٦٧ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٠٠.
باب
ذكر التثنية بلفظ الجمع
ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) (١).
أليس جاء في التفسير أنّ ابني عمّ قتلا ابن عمّ لهما يسمى عاميل ، فلأيّ معنى خاطبهم بلفظ الجماعة؟
ـ الجواب :
ـ قال بعض النحويين : إن الاثنين وما فوقهما جماعة ؛ لأنّ الواحد عدد مفرد في بابه ، وكلّ ما خرج عن حيّز الواحد دخل في سمة الجماعة.
ـ وقال بعضهم : هذا على استعارة كلام العرب ، إنهم يذكرون التثنية بلفظ الجماعة ، والواحد بلفظ الجمع والجمع بلفظ الواحد ، وستقف عليها في بابها إن شاء الله تعالى (٢).
أمّا الاثنان بلفظ الجماعة في قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) إلى قوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٤).
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٧٢.
(٢) في الباب الذي يلي هذا الباب.
(٣) (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [سورة الأنبياء : آية ٧٨].
(٤) سورة ص : آية ٢١.