المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

باب «ألا» في ابتداء الكلام

قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (١).

اعلم أنّ «ألا» إنما يزاد في الكلام للتنبيه. معناه : اعلموا وانتبهوا.

وكذلك في قوله تعالى : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) (٣).

وكذلك في سائر مواضع القرآن.

ـ وقد يكون ألا للتحريض ولمعنى الأمر في المستقبل. كقوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً) (٤).

قال بعضهم : معناه : قاتلوا قوما.

وقال بعضهم : هذه همزة الاستفهام دخلت على «لا» التي للنفي.

قال الشاعر :

٣١٥ ـ ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٣.

(٢) سورة هود : آية ٥.

(٣) سورة الصافات : آية ١٥١.

(٤) سورة التوبة : آية ١٣.

٣١٥ ـ البيت لطرفة بن العبد من معلقته.

وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٥٢ ، وابن عقيل ٢ / ١٢٨ ، ومغني اللبيب ٥٠٢ ، والمقتضب ٢ / ٨٥ ، وفيه شاهد آخر وهو نصب «أحضر» بأن محذوفة.

٣٠١

وقال الآخر :

٣١٦ ـ ألا يا زيد والضحاك

سيرا فقد جاوزتما خمر الطريق

 ـ و «ألّا» مشددة هي «أن» ضمت إليها «لا» ، وقد تكون بمعنى هلّا. كقولك : ألّا فعلت كذا.

* * *

__________________

٣١٦ ـ البيت في قطر الندى ٢١٠ ولم ينسبه المحقق محي الدين عبد الحميد وهو للمخبل السعدي ، وتفسير القرطبي ٣ / ٥١ ، والدر اللوامع ٢ / ١٩٦ ، وشرح الجمل لابن هشام ص ٢٣٤.

٣٠٢

باب

ذكر العموم الذي أريد به الخصوص

إن سئل عن قوله تعالى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ، وقوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٢) ، فقيل : كيف أسلم من في السموات والأرض وقد نرى أكثرهم كفارا؟

الجواب : هذا عموم بمعنى الخصوص ، ومثله قوله تعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) (٣) عمّ ذكر السّراق بالقطع ، وأجمعنا جميعا أنّ من سرق دون النصاب فإنه لا يقطع ، ومن سرق من غير حرز ، أو سرق من ذي رحم محرم ، أو شارك ذا رحم محرم من المسروق منه فإنّه لا يقطع.

وكذلك أمر الناس بالقطع عام ، وأجمعنا أنّ القطع إلى الولاة.

وقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (٤).

عمّ الزنا بالذكر وإيجاب الحد ، ثمّ المجنون والمجنونة لا يحدّان ، وكذلك من زنا لشبهة.

وقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٥) ، أي : وفيهم من يستغفر ، فأوقع العموم على الخصوص ، وكما يقال : قتل أهل القرية فلانا ، وربما قتله رجل أو رجلان.

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٨٣.

(٢) سورة البقرة : آية ١١٦.

(٣) سورة المائدة : آية ٣٨.

(٤) سورة النور : آية ٢.

(٥) سورة الأنفال : آية ٣٣.

٣٠٣

وكذلك قوله تعالى : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) (١) على قراءة عبد الله بن مسعود ، أي : بأن قتلوا بعضكم فاقتلوا بعضهم.

وكذلك على قراءة من قرأ : فيقتلون ويقتلون (٢) ، يريد : فيقتل بعضهم ، ويقتل الباقون أعداءهم.

وقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣) ، أي : ليعبدني من عبدني.

وكذلك قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٤) ، أي : ليعقل من عقل.

وقوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٥) ، فالمراد به : أهل السعادة.

قال الشاعر :

٣١٧ ـ تعالوا فسلوا يعلم الناس أيّنا

لصاحبه في أول الدّهر بائع

ههنا عموم بمعنى الخصوص.

فسلوا : مخفف من فاسألوا.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٩١. وهي قراءة شاذة ، والقراءة المتواترة (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ.)

(٢) سورة التوبة : آية ١١١. ببناء الأول للمفعول والثاني للفاعل قرأ حمزة والكسائي وخلف. وقرأ الباقون ببناء الأول للفاعل والثاني للمفعول.

(٣) سورة الذاريات : آية ٥٦.

(٤) سورة النور : آية ٦١.

(٥) سورة البقرة : آية ١١٦.

٣١٧ ـ البيت ليزيد بن الحكم ، وهو في الأغاني ١١ / ٩٩.

٣٠٤

باب

الاقتصار على أحد طرفي الكلام

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١) ، أليس الله مالك يوم الدين وغيره من الأيام؟

فما الفائدة في هذا الاختصاص؟

الجواب عن هذا :

إنّما خصّ يوم الدين لأنّ قبله يدّعي كلّ واحد في نوع من الأملاك ، وإن كانوا غير محقين في الدعاوي ، ويوم القيامة لا يتجاسر أحد أن يدعي في شيء.

والجواب الثاني : هو أنّ حقيقة الملك هو الاقتدار على الشيء ، كما يقال : ملكت العجين (٢) ، إذا بالغت في عجنه بقدرتك عليه.

فعلى هذا التقدير : إن الله قادر على إقامته يوم الدين وإظهاره ، وغير الله تعالى لا يقدر على ذلك.

__________________

(١) سورة الفاتحة : آية ٤.

(٢) يقال : ملك العجين يملكه ملكا ، وأملكه : عجنه فأنعم عجنه وأجاده ، وفي حديث عمر : «أملكوا العجين فإنّه أحد الرّيعين» ، أي : الزيادتين ؛ أراد أنّ خبزه يزيد بما يحتمله من الماء لجودة العجن.

وملك العجين يملكه ملكا : قوي عليه.

راجع لسان العرب ـ مادة (ملك).

٣٠٥

والجواب الثالث : أنّ هذا من باب الاقتصار على أحد طرفي الكلام.

وهذا مطّرد في كلام العرب ، كأنّه قال جلّ جلاله : مالك يوم الدين وغيره من الأيام ، ولكنه اختصر.

ونظيره في القرآن :

قوله تعالى : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) (١) ، أي : بيدك الخير والشر.

وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (٢) ، يعني : للأصنام أيضا جعلوا نصيبا.

يدل عليه قوله عزوجل : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) (٢).

وقوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٣) ، يعني : بيانا للمتقين ولغيرهم.

وقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (٤) ، المعنى : وسرابيل تقيكم البرد أيضا ، يدلّ عليه قوله : (فِيها دِفْءٌ) (٥).

وقوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) (٦).

المعنى : وأمّة غير قائمة ؛ لأنّ المساواة وعدمها إنّما تكون بين شيئين.

وقوله تعالى : (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ) (٧) ، فمعناه : أو اتزنوا. يدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (٨).

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ٢٦.

(٢) سورة الأنعام : آية ١٣٦.

(٣) سورة البقرة : آية ٣.

(٤) سورة النحل : آية ٨١.

(٥) سورة النحل : آية ٥.

(٦) سورة آل عمران : آية ١١٣.

(٧) سورة المطففين : آيتان ١ ـ ٢.

(٨) سورة المطففين : آية ٣.

٣٠٦

وقوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) (١).

قال أهل التفسير والمعاني : تقديرها : إني أريد أن أستوجب ثواب الله تعالى بامتناعي عن قتلك ، وأنت تريد أن تبوء بإثم قتلي وإثمك ، فاختصر على ما بيّنا.

وكذلك قوله تعالى : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) (٢).

قال أهل التفسير : سواء لمن سأل الرزق ، ولمن لم يسأل له.

وقوله تعالى : (فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى) (٣).

والمعنى : فتشقى أنت يا آدم ، ويا حواء أيضا.

وقوله تعالى : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (٤) معناه : عن اليمين قعيد.

وقوله تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً) (٥) ، أي : بنين وبنات ، أيضا وحفدة ، فاكتفى بذكر البنين.

وقوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٦) ، أي : وما تحرّك له أيضا.

وقوله تعالى : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) (٧) ، أي : ومن لا يخافه أيضا.

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٢٩.

(٢) سورة فصلت : آية ١٠.

(٣) سورة طه : آية ١١٧.

(٤) سورة ق : آية ١٧.

(٥) سورة النحل : آية ٧٢.

(٦) سورة الأنعام : آية ١٣.

(٧) سورة المائدة : آية ٩٤.

٣٠٧

وقوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) (١) ، المعنى : ومنهم غير مقتصد أيضا.

وجاء في التفسير : ومنهم بائت على الوفاء ، ومنهم ناقض للعهد.

ـ أمّا الأبيات على نحو ما قلنا ، فمنها قول القائل :

٣١٨ ـ دعاني إليها القلب إنّي لأمره

مطيع فما أدري أرشد طلابها

معناه : أرشد طلابها أم غيّ.

وقال الآخر :

٣١٩ ـ أراك فما أدري أهمّ هممته

وذو الهمّ قدما خاشع متضاءل

يريد : أهمّ هممته أم همّ آخر.

وقال الآخر :

٣٢٠ ـ فإنّ المنيّة من يخشها

فسوف تصادفه أينما

أراد : أينما يكون وأينما يذهب.

وقال الآخر :

٣٢١ ـ وما أدري إذا يممت أرضا

أريد الخير أيّهما يليني

__________________

(١) سورة لقمان : آية ٣٢.

٣١٨ ـ البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، وهو في مغني اللبيب ١٨ ، وديوان الهذليين ١ / ٧١.

٣١٩ ـ البيت لم ينسب وهو في تأويل مشكل القرآن ٢١٥ ، والصناعتين ٢٠٢.

٣٢٠ ـ البيت للنمر بن تولب ، وهو في أدب الكاتب ٢٢٨ ، والصناعتين ٢٠٢ ، وتأويل مشكل القرآن ٢١٧ ، وديوانه ص ٣٧٨.

٣٢١ ـ البيت للمثقّب العبدي ، وبعده :

أألخير الذي أنا أبتغيه

أم الشرّ الذي هو يبتغيني

وهو في معاني القرآن للفرّاء ٢ / ٣٧٢ ، والمفضليات ٢٩٢ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٧ ، والصناعتين ٢٠٥.

٣٠٨

أراد : أريد الخير وأتقي الشرّ. وقال الآخر :

٣٢٢ ـ أصمّ عما ساءه سميع

...

أراد : سميع لما سرّه.

* * *

__________________

٣٢٢ ـ الشطر مثل جرى ، ولم أجد تتمته.

وهو في اللسان ـ مادة (صمم) ، وجمهرة الأمثال ٣٦ ، والحجة في القراءات لابن خالويه ٢٧٤.

٣٠٩

باب آخر

من هذا النوع

ـ اعلم أنّ العرب تحذف من الكلام إذا كان فيما أبقي دليل عمّا ألقي.

منها قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (١) ، أي : وأمر أن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا.

وقوله عزوجل : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) (٢). أي : هذا الولد قرة عين لي ولك. (لا تَقْتُلُوهُ.)

وقوله تعالى : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) (٣). أي : ضرب فانفجرت.

وقوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) (٤) ، المعنى : أقبل على يوسف وقال له ما قال ، ثم أقبل على المرأة وقال لها : «استغفري».

ومن ذلك قوله عزوجل : (فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى) (٥).

وقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٦).

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ٢٣.

(٢) سورة القصص : آية ٩.

(٣) سورة البقرة : آية ٦٠.

(٤) سورة يوسف : آية ٢٩.

(٥) سورة يوسف : آية ١٩.

(٦) سورة العنكبوت : آية ٢٢.

٣١٠

أراد : ولا من في السماء أيضا بمعجزين.

وقوله تعالى : (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ) (١). أي : بدلا منكم.

وقوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) (٢). يعني : بدلا من الآخرة.

وقوله تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ) (٣). أي : بل هم أحياء. حذف المبتدأ لمّا كان في الخبر دليل على حذفه.

وقوله تعالى : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٤). أي : يرضى منهم.

وما حذف منه الابتداء أيضا قوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (٥). أي : هم عباد مكرمون.

وقوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) (٦). أي : إذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عدوّا لكم ليسوء وجوهكم مجيئهم.

وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٧).

المعنى ـ والله أعلم ـ ومن يتوكل على الله فهو يكفيه وينصره ؛ لأنّه عزيز حكيم.

وقوله تعالى : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٨).

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٦٠.

(٢) سورة التوبة : آية ٣٨.

(٣) سورة البقرة : آية ١٥٤.

(٤) سورة النجم : آية ٢٦.

(٥) سورة الأنبياء : آية ٢٦.

(٦) سورة الإسراء : آية ٧.

(٧) سورة الأنفال : آية ٤٩.

(٨) سورة سبأ : آية ٢٤.

٣١١

قال أهل التفسير : إنّا لعلى هدى وأنتم في ضلال مبين ، فهذا على التقديم والتأخير.

وقيل : فيه اختصار ، وتقديره : وإنّا أو إياكم ، لعلى هدى كنا ، أو ضلال مبين فرزقنا على الله.

وقوله تعالى : (قالَ سَلامٌ) (١). أي : عليكم.

فههنا حذف خبر المبتدأ لدلالة الحال عليه.

وقوله تعالى : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) (١). أي : أنتم قوم منكرون فلا نعرفكم.

وقوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٢). أي : فلا تخرج روحك حسرة عليهم ، فإنّ الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء.

وقوله تعالى : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) (٣).

المعنى : كيف يكون لهم عهد وإنّ يظهروا عليكم...

وقوله تعالى : (حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (٤). أي : فلا يتّقون.

قال الشاعر :

٣٢٣ ـ ولو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي

ولكن زنجيّا غليظ المشافر

أراد : ولكن كنت زنجيا طويل المشافر.

__________________

(١) سورة الذاريات : آية ٢٥.

(٢) سورة فاطر : آية ٨.

(٣) سورة التوبة : آية ٨.

(٤) سورة التوبة : آية ١١٥.

٣٢٣ ـ البيت للفرزدق يهجو أيوب بن عيسى الضبي.

وهو من شواهد سيبويه ١ / ٢٨٢ ، ومغني اللبيب ٣٢٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٧٨ ، وشرح الجمل لابن عصفور ١ / ٤٢٦ ، وديوانه ص ٤٨١ ، وفيه [غليظا مشافره].

٣١٢

وقال :

٣٢٤ ـ بكرت عليّ عواذلي

يلحينني وألومهنّ

٣٢٥ ـ ويقلن شيب قد علا

ك وقد كبرت فقلت إنّه

أي : قلت : نعم كما قلتنّ.

وقال الآخر :

٣٢٦ ـ كذبتم ـ وبيت الله ـ لا تنكحونها

بني شاب قرناها تصرّ وتحلب

أراد : يا بني امرأة شاب قرناها.

وقال الآخر :

٣٢٧ ـ فلمّا لبسن الليل أو حين نصّبت

له من خذا آذانها وهو جانح

أراد : وحين أقبل الليل نصبت آذانها.

وقال الآخر :

٣٢٨ ـ وخبّرتماني أنّما الموت بالقرى

فكيف وهذي هضبة وكثيب

* * *

__________________

٣٢٤ ـ ٣٢٥ ـ البيتان لعبيد الله بن قيس الرقيات. وهما في كتاب سيبويه ١ / ٤٧٥ ، وديوانه ص ٦٦ ، ولسان العرب ـ مادة (إنّ) ، والثاني في مغني اللبيب ص ٥٧ ، والبيان في غريب إعراب القرآن ٢ / ١٤٥ ، ولم يعرفهما المحقق مع شهرتهما.

٣٢٦ ـ البيت لم ينسب. وهو في الكامل ١ / ٣٣٦ ، والصاحبي ٣٨٧.

٣٢٧ ـ البيت لذي الرّمة ، وهو في ديوانه ٦٢ ، والخصائص ٢ / ٣٦٥.

وخذا الأذن استرخاؤها.

٣٢٨ ـ البيت لكعب بن سعد الغنوي من قصيدة له يرثي فيها أخاه أبا المغوار.

وهو في معاني القرآن للفرّاء ١ / ٤٢٤ ، وشرح ابن يعيش ٢ / ١٣٦ ، واللسان ـ مادة (قول).

٣١٣

باب

الاختصار من المضاف بذكر المضاف إليه

وباب إقامة المصادر مقام الصفة

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) (١) ، فكيف يكون المرء فتنة لنفسه ، والفتنة إنما هي صفة؟

الجواب :

قلنا : هذا من باب الاختصار عن ذكر المضاف بذكر المضاف إليه.

المعنى : إنّما نحن ذو فتنة.

وكذلك قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) (٢) ، يعني : ذوي سنن ، منهم من سنّ سنّة حسنة ، ومنهم من سنّ سنّة سيئة.

ومن ذلك قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ) (٣). أي : ذوو درجات.

وقوله تعالى : (وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) (٤). أي : بأهل طريقتكم المثلى ، الفضلى ، أي : الأفضل فالأفضل.

وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٥). أي : الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور.

وقوله تعالى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) (٦). أي : ذا سكن.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٠٢.

(٢) سورة آل عمران : آية ١٣٧.

(٣) سورة آل عمران : آية ١٦٣.

(٤) سورة طه : آية ٦٣.

(٥) سورة يونس : آية ٥.

(٦) سورة الأنعام : آية ٩٦.

٣١٤

وقوله تعالى : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (١).

قيل : معناه : إنّه ذو عمل غير صالح.

وقوله تعالى : (سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ) (٢). أي : يأكل أهلها.

وقوله تعالى : (بِدَمٍ كَذِبٍ) (٣). أي : ذي كذب ، أو : مكذوب.

وقوله تعالى : (وَسَفَراً قاصِداً) (٤). أي : ذا قصد.

وجاء في التفسير : الذي ليس ببعيد جدّا ولا بقريب جدّا.

وقوله عزوجل : (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) (٥). أي : ذا نسب وذا صهر.

قال أهل التفسير : النسب : ما لا يجوز مناكحة ، والصّهر : ما يجوز.

وقوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) (٦). أي : ملابسات.

وقال القائل :

٣٢٩ ـ ترتع ما رتعت حتى إذا ذكرت

فإنّما هي إقبال وإدبار

أي : ذات إقبال وذات إدبار.

__________________

(١) سورة هود : آية ٤٦.

(٢) سورة يوسف : آية ٤٨.

(٣) سورة يوسف : آية ١٨.

(٤) سورة التوبة : آية ٤٢.

(٥) سورة الفرقان : آية ٥٤.

(٦) سورة البقرة : آية ١٨٧.

٣٢٩ ـ البيت للخنساء في وصف ناقة فقدت ولدها ، فكلما غفلت عنه رتعت ، فإذا ذكرته حنّت إليه فأقبلت وأدبرت ، فضربتها مثلا لفقد أخيها صخر. وتقدم ص ٢٥٨.

والبيت في شواهد سيبويه ١ / ١٦٩ ، والمقتضب ٣ / ٢٣٠ ، وابن يعيش ١ / ١٤٤ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٠٧.

٣١٥

وقال الآخر :

٣٣٠ ـ إذا تشكو سنة حسوسا

تأكل بعد الأخضر اليبيسا

الحسوس : الأكول ، والسنة لا تكون أكولا ، ولكن أهلها يأكلون.

* * *

__________________

٣٣٠ ـ البيت من غير نسبة في اللسان ـ مادة (حسس).

والسنة الحسوس : التي تأكل كلّ شيء.

٣١٦

باب

ما يكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر والنهي

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) (١) ، كيف وقد ارتاب فيه ناس؟

الجواب عن هذا :

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ : هذا عند بعضهم عموم بمعنى الخصوص كما سبق ذكره ، أي : لا ريب فيه عند المؤمنين.

المعنى : ليس فيه شكّ لمن تحقق الصدق فيه ، وأعمل فيه الفكر.

الجواب الثاني : إنّ هذا لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهي ، أي : لا ترتابوا.

نظيره قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (٢) ، المعنى : فلا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا. هذا عند بعضهم.

وقوله تعالى : (فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ) (٣) : خبر بمعنى النهي عند من قرأ بنصب النون (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢.

(٢) سورة البقرة : آية ١٩٧.

(٣) سورة يوسف : آية ٦٠.

(٤) وهي قراءة شاذة ، قال النحاس : ولو كان خبرا لكان (وَلا تَقْرَبُونِ) بفتح النون.

٣١٧

وقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) (١) خبر بمعنى الأمر.

وقوله تعالى : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) (٢). أي : لا تجعلني ممّن يظاهر المجرمين. لفظه لفظ الخبر ومعناه الدعاء ، وصيغة الدعاء صيغة الأمر ، إلا أنّ ما كان من فوق إلى أسفل يسمى الأمر ، وما كان من أسفل إلى فوق يسمى الدعاء والسؤال (٣) ، ولكن صيغته صيغة الأمر.

وكذلك : (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ) (٤). معناه الأمر.

وقوله تعالى : (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٥) إلى قوله : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ ،) لفظهما للخبر ، ومعناهما الأمر. يدل عليه قوله : (يَغْفِرْ) و (يُدْخِلْكُمْ) لأنهما مجزومان لكونهما جوابين للأمر.

ومن ذلك قوله تعالى : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ) (٦). أي : ليحذر.

وقوله عزوجل : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً) (٧). أي : ازرعوا.

ـ وأمّا قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً) (٨). فقيل : إنّ هذا كان نهيا

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢٣٣.

(٢) سورة القصص : آية ١٧.

(٣) وما كان من المساوي يسمى التماسا ، قال في السّلّم المنورق :

أمر مع استعلا وعكسه دعا

وفي التساوي فالتماس وقعا

(٤) سورة البقرة : آية ٢٢٨.

(٥) (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ) [سورة الصف : الآيتين ١٠ ـ ١١].

(٦) سورة التوبة : آية ٦٤.

(٧) سورة يوسف : آية ٤٧.

(٨) سورة النور : آية ٣.

٣١٨

في الابتداء ، فصار منسوخا. وهو قول سعيد بن المسيّب (١).

وقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) (٢).

معناه عند بعضهم : لا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله.

* * *

__________________

(١) أخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي عن سعيد بن المسيب في هذه الآية : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً.)

قال : يرون أنّ هذه الآية التي بعدها نسختها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) فهنّ من أيامى المسلمين.

راجع الدر المنثور ٦ / ١٣٠.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٧٢.

٣١٩

باب انتصاب الأسماء بالمصادر

ـ اعلم أنّ المصدر ينصب الاسم نصب الفعل.

فمنه قوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) (١).

وإنما انتصب «يتيما» لوقوع المصدر عليه ، وهو «إطعام» ، فتقدير الكلام : أطعم يتيما ذا مسغبة.

وقيل : إنّ معناه : أو إطعام يتيم ، ولكن لما حال بين المضاف والمضاف إليه حائل وهو قوله : (فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) انتصب.

ومن ذلك قوله عزوجل : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً) (٢) وإنّما انتصب «شيئا» بوقوع المصدر عليه ، أعني به قوله : رزقا.

وكذلك قوله : (زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ) (٣) بنصب الأولاد وخفض الشركاء على قراءة ابن عامر.

__________________

(١) سورة البلد : الآيتين ١٤ ـ ١٥.

(٢) سورة النحل : آية ٧٣.

(٣) سورة الأنعام : آية ١٣٧.

٣٢٠