المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

ـ وأمّا بمعنى الزجر ، فكقوله تعالى : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) (١) : زجر عن الإنكار للبعث ، وكذلك قوله : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) (٢).

ـ وأمّا ما كان لفظه لفظ الأمر ومعناه السؤال والدعاء ، فكقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٣) ، وكقوله : (رَبِّ اغْفِرْ لِي) (٤) ، وكقوله : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) (٥) وأشباهها.

ـ وأمّا ما كان لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر ، فكقوله تعالى : (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) (٦). قيل : معناه : تأكلون أنتم ، وترعون أنعامكم. وكقوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (٧) ، قيل : معناه : أنكم تمشون في مناكبها ، أي : أطرافها ، وتأكلون من رزق الله ، أفلا تعتبرون؟!

ـ والعاشر أمر التحدي والتعجيز كقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٨) ، وكقوله : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (٩) ، وقوله : (قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) (١٠).

ـ وأمّا قوله : (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) (١١) ، فظاهره على الخبر وفيه معنى الأمر ، وهو تعليم من الله لعباده.

ـ وأمّا الأمر بمعنى الشرط ، كقوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (١٢). معناه : إن استغفرت لهم أو لم تستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ، وأشباهه.

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء : الآيتين ٥٠ ـ ٥١.

(٢) سورة الإسراء : آية ٦٤.

(٣) سورة الفاتحة : آية ٦.

(٤) سورة الأعراف : آية ١٥١.

(٥) سورة البقرة : آية ٢٠١.

(٦) سورة طه : آية ٥٤.

(٧) سورة الملك : آية ١٥.

(٨) سورة البقرة : آية ٢٣.

(٩) سورة الطور : آية ٣٤.

(١٠) سورة الأعراف : آية ١٩٥.

(١١) سورة الزخرف : آية ١٣.

(١٢) سورة التوبة : آية ٨٠.

٤٦١

باب

وجوه النهي في القرآن

ـ اعلم أنّ النهي في القرآن على وجوه (١) :

منها : نهي مطلق ، كقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (٢) ، وكقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (٣) ، (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) (٤) ، وأشباهه.

ـ ونهي بمعنى التسليم ، كقوله تعالى : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ) (٥) وأشباهه.

ـ ونهي بمعنى الوعد ، كقوله تعالى : (لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ

__________________

(١) النهي : هو القول الطالب للترك دلالة أولية ، وهو يقتضي التحريم لقوله تعالى : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) هذا معناه الحقيقي ، وصيغته تستعمل في سبعة معان :

أحدها : التحريم ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ،) والثاني : الكراهة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يمسكنّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول» ، الثالث : الدعاء ، كقوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا ،) الرابع : الإرشاد ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ،) الخامس : التحقير ، كقوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ،) السادس : بيان العاقبة ، كقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ،) السابع : اليأس ، كقوله تعالى : (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ.)

(٢) سورة البقرة : آية ١٨٨.

(٣) سورة الإسراء : آية ٣٢.

(٤) سورة الإسراء : آية ٣٣.

(٥) سورة النحل : آية ١٢٧.

٤٦٢

وَأَهْلَكَ) (١) ، (وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) (٢) ، و (أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) (٣) فهذه وأشباهها بمعنى التسكين ، وتحتها مواعيد ، وليست نهيا على الحتم ؛ لأنّ صاحبها لو خاف أو حزن لم يكن عاصيا.

ـ ونهي بمعنى الرأفة والتلطف ، نحو قوله تعالى : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٤).

ـ ونهي ظاهره لا يشبه صيغة النهي ، ولكن فيه معنى النهي على وجه الرأفة أيضا نحو قوله تعالى : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) (٥).

أي : لا تقتل نفسك غمّا وحزنا إن لم يؤمنوا.

وكقوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) (٦).

ـ ونهي موجّه إلى غير المخاطب ، ولكنّ المراد به هو المخاطب ، نحو قوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (٧).

فظاهره توجه إلى القول ، ولكنّ المراد به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. أي : لا تحزن أنت ، وقوله تعالى : (وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ) (٨) وأشباهه.

ـ وهذا من فصاحة كلام العرب ، يقول الرجل لصاحبه : لا أراك ههنا ، أي : لا تكن ههنا كي لا أراك.

وقال الشاعر :

__________________

(١) سورة العنكبوت : آية ٣٣.

(٢) سورة القصص : آية ٧.

(٣) سورة فصلت : آية ٣٠.

(٤) سورة فاطر : آية ٨.

(٥) سورة الشعراء : آية ٣.

(٦) سورة هود : آية ١٢.

(٧) سورة يس : آية ٧٦.

(٨) سورة الكهف : آية ٢٨.

٤٦٣

٤٦٧ ـ بكى صاحبي لمّا رأى الدرب دونه

وأيقن أنّا لا حقان بقيصرا

٤٦٨ ـ فقلت له لا تبك عينك إنما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

أي : لا تبك أنت.

وقال الآخر :

٤٦٩ ـ ولا تذهبن عيناك في كلّ شرمح

طوال فإنّ الأقصرين أمازره

وقوله تعالى : (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) (١).

ـ ونهي ظاهره شرط ومعناه النهي ، كقوله تعالى : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) (٢). أي : لا تتبع أهواء اليهود في أمر القبلة ، وكقوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) (٣). أي : انته.

ـ ونهي بلفظ التحريم كقوله عزوجل : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) (٤) الآية. أي : لا تتزوجوا هؤلاء المذكورات.

ـ ومنها ما جاء على صيغة الأمر ، وهو نهي في الحقيقة ، نحو قوله : (فَاجْتَنِبُوهُ) (٥) ، أي : لا تشربوا الخمر ولا تلعبوا بالميسر ، ولا تعبدوا الأصنام ، فإنها كلّها من عمل الشيطان.

__________________

٤٦٧ ـ ٤٦٨ ـ البيتان لا مرىء القيس.

وهما من شواهد سيبويه ١ / ٤٢٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٠٩ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣١٩ ، والمقتضب ٢ / ٢٧ ، والجنى الداني ٤٢٨ ، وديوانه ص ٦٤.

وصاحبه هو عمرو بن قمئة.

٤٦٩ ـ البيت تقدم رقم ١١٧ ، وهو في مجالس ثعلب ص ٦٠.

(١) سورة لقمان : آية ٣٣.

(٢) سورة البقرة : آية ١٤٥.

(٣) سورة الشعراء : آية ١١٦.

(٤) سورة النساء : آية ٢٣.

(٥) (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة : آية ٩٠].

٤٦٤

ـ وكذلك قوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) (١).

ـ ومنها ما جاء على صيغة الخبر ومعناه النهي ، كقوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) (٢). قيل معناه : لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا.

ـ ومنها نهي بمعنى التوبيخ كقوله تعالى : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً) (٣).

* * *

__________________

(١) سورة الحج : آية ٣٠.

(٢) سورة البقرة : آية ١٩٧.

(٣) سورة الفرقان : آية ١٤.

٤٦٥

باب الأبواب

التي لا يسع جهلها لأحد ممّن ينتحل العلم ،

لا سيما من يتكلم في علم كتاب الله تعالى

ـ اعلم ـ أسعدك الله ـ أنّ كلام العرب ثلاثة أقسام : اسم وفعل وأداة ، وإن شئت قلت : اسم وفعل وحرف جاء لمعنى.

فالاسم : ما يقوم بنفسه ويفيد معنى في ذاته.

والفعل : ما يحدثه الاسم ، وهو ماض ومستقبل وحاضر.

والحرف : واسطة بين الاسم والفعل ، ويسمى الأداة.

ـ ثم نبدأ ببيان الأسماء فنقول :

ـ اعلم ـ أسعدك الله ـ أنّ الأسماء على أربعين وجها :

خاص ، وعام ، ومشتق ، وموضوع ، وتامّ ، وناقص ، ومعدول ، ومتمكن ، وممتنع ، ومبني ، ومعرب ، ومظهر ، ومضمر ، ومبهم ، وإشارة ، ولقب ، وعلم ، ومعرّف ، ومنكّر ، وجنس ، ومعهود ، ومزيد ، وملحق ، ومصغّر ، ومكبّر ، وممدود ، ومقصور ، وسالم ، ومعتل ، ومذكّر ، ومؤنّث ، ومفرد ، ومجموع ، ومضاف ، ومضموم ، ومرخّم ، ومضاعف ، ومثال ، وممال ، ومنسوب.

ـ فشرح ذلك :

أمّا الخاصّ : فاسم مقصور على جنس لا يعدو عنه إلى غيره ، مثل : الإنسان ، والجن ، والسماء ، والأرض. قال الله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (١)

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ١١.

٤٦٦

لا تفهم منه غير بني آدم ، وقال تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (١) لا يفهم منه إلا هذا المعهود المعروف عند الخلق.

ـ والعامّ : ما يغيّر معناه جنسه ، كالدابة والحيوان والطير والجماد. لأنّ الدابة اسم يقع على كلّ ما يدبّ على وجه الأرض ، وكذلك اسم الطير على كل ما يطير ، والجماد على كلّ ما لا روح فيه أصلا.

ـ والمشتق : ما أخذ من فعل ، كالكاتب من الكتابة ، والعالم من العلم.

ـ والموضوع : ما لا يعرف اشتقاقه ، كالرجل والمرأة والفرس والحمار.

ـ والتامّ : ما يتم في اللفظ والمعنى ، وهو أن لا يكون اسما ينقص عن ثلاثة أحرف ، حرف يبتدأ به ، وحرف يحشى به ، وحرف يوقف عليه.

ـ والناقص : على وجهين :

١ ـ ناقص في المعنى كالذي ، والتي ، وما ، ومن ، والألف واللام اللتان بمعنى الذي والتي ، مثل قوله تعالى : (مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) (٢). أي : التي ظلم أهلها ، وقوله تعالى : (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) (٣) ، قيل : معناه : الذين يقيمون الصلاة ، قال القائل :

٤٧٠ ـ الحافظو عورة العشيرة لا

يأتيهم من ورائهم وكف

فهذه الأسماء تسمى الموصولات والناقصات أيضا ؛ لأنها لا تتم إلا

__________________

(١) سورة الأنعام : آية ١.

(٢) سورة النساء : آية ٧٥.

(٣) سورة النساء : آية ١٦٢.

٤٧٠ ـ البيت لعمرو بن امرىء القيس الأنصاري ، وقيل : لقيس بن الخطيم.

وهو في معاني القرآن للأخفش ١ / ٨٥ ، وكتاب سيبويه ١ / ٩٥ ، ومغني اللبيب ٦٢٢ ، والمقتضب ٣ / ١١٢ ، والوكف : العيب.

٤٦٧

بصلاتها ، كما يقول : الذي والتي وما ومن ، لا يفهم منها شيء حتى يوصل بها شيء آخر.

كما قال تعالى : (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما) (١) ، وقوله : (وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ) (٢) ، وقوله : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٣).

٢ ـ وناقص في البناء ، كاليد ، والدم ، والأب ، والأخ. والأصل : يدي ، وأبو ، ودمي ، والدليل عليه قول الشاعر :

٤٧١ ـ ولو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

 ـ والمعدول من الأسماء : ما صرف عن وجهه ، نحو زفر وقثم وعمر ، فعمر معدول عن عامر ، وزفر عن زافر.

ـ والمتمكن : ما يجري عليه الإعراب بتغير العامل فيه ، مثل قولك : جاءني زيد ، ومررت بزيد ، ورأيت زيدا.

ـ والممتنع : ما لا يجري عليه الإعراب ، مثل الهدى والدنيا ، وفي العجمية ، مثل : موسى وعيسى ونحو ذلك ، وأسماء البقاع والأسماء الأعجمية.

وكلّ ما أضيف من هذه الأسماء والمعدولة إذا ألحق به الألف واللام للتعريف انصرف.

ـ وأمّا المضمر : فما لا يقوم بنفسه ، ولا يتبين فيه الإعراب لضعفه

__________________

(١) سورة الأحقاف : آية ١٧.

(٢) سورة النساء : آية ٣٤.

(٣) سورة آل عمران : آية ٩٧.

٤٧١ ـ البيت لعلي بن بدّال ، وقيل : للمثقب العبدي ، وهو في خزانة الأدب ٣ / ٣٥١ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٣٤٤ ، والمقتضب ١ / ٣٦٦ ، والعين ٤ / ٣٢٠ ، ولم يعرفه المحققان.

٤٦٨

وقلّته ، نحو قولك : فعلت وفعلت وفعلت ، والنون في فعلنا وفعلن ، والواو في فعلوا ، وقيل لها : الضمير المتصل.

وأمّا الضمير المنفصل : فنحو قولك : أنا ونحن وأشباهها ، فالبصريون يسمونها الضمير المنفصل ، والكوفيون يسمونها كناية.

وههنا حكم وفرق ، وهو أنّ الضمير المتصل إذا كان في محل النصب جاز حذفه ، كما جاز إثباته نحو قوله عزوجل : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (١) ، أي : بعثه الله ، وكقوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) (٢). أي : كلّمه الله.

وأمّا الضمير المنفصل فلا يجوز حذفه ألبتة ، كقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ) (٣) لا يجوز حذف الضمير ، فتقرأ : تفرّون من.

رجعنا إلى ذكر الأسماء.

فالاسم المظهر : هو الظاهر الذي لا يحتاج إلى شاهد.

ـ والمبهم : قريب من المظهر إلا أنّه يقع على المشار إليه ، مثل : هذا وهذه وهذان وهؤلاء وقد أفردنا للأسماء المبهمة بابا عقيب هذا الباب.

ـ وأمّا الإشارة فقد أشرنا إليه نحو هذا وهذه وأشباهها.

__________________

(١) سورة الفرقان : آية ٤١.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٥٣.

هذا الذي ذكره المؤلف ليس مطلقا ، وإنما يجوز حذف الضمير المنصوب إذا كان عائدا للاسم الموصول فقط ، وذكر ذلك السيوطي في ألفيته فقال :

ولا تزل عائدها واحذفه من

سائرها إن بعض معمول يبن

أو كان منصوبا بفعل وصلا

أو وصف أو جرّ بوصف عملا

راجع الفرائد الجديدة ١ / ١٨٧.

(٣) سورة الجمعة : آية ٨.

٤٦٩

ـ واللقب : ما غلب على شيء ، حتى قام مقام الاسم العلم ، كالقاضي والأمير.

ـ والعلم : ما يتعارف به ويتميز به الشيء ، كقولك : زيد وعمرو ، والمعرّف خمسة أشياء (١) :

أحدها : الأعلام نحو (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) (٢) ، وقوله : (وَأَيُّوبَ إِذْ نادى) (٣).

والثاني : ما دخلته الألف واللام نحو قوله تعالى : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) (٤). يعني : سدوما ، وهي قرية معروفة.

والثالث : المكنيات نحو : أبي محمد ، وأبي عمر.

والرابع : الإشارات مثل قوله تعالى : (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) (٥).

والخامس : ما أضيف إلى هذه الأجناس ، نحو قوله تعالى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ) (٦).

ـ والمنكور : ما عدا هذه الخمسة ، وعلامته أن يحسن فيه ربّ ، نحو : ربّ يوم ، وربّ ليلة ، قال امرؤ القيس :

__________________

(١) المعارف سبعة لا خمسة ، ويجمعها قول بعضهم :

إنّ المعارف سبعة فيها كمل

أنا صالح ذا ما الفتى ابني يا رجل

فقوله : «أنا» إشارة إلى الضمير ، وصالح للعلم ، وذا للإشارة ، و «ما» للموصول ، والفتى للمعرّف بأل ، و «ابني» المضاف للمعرفة ، ويا رجل : للمنادى.

(٢) سورة الفتح : آية ٢٩.

(٣) سورة الأنبياء : آية ٨٣.

(٤) سورة الحجر : آية ٦٧.

(٥) سورة الفرقان : آية ٥٣.

(٦) سورة الشعراء : آية ٢٦.

٤٧٠

٤٧٢ ـ ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح

ولا سيّما يوما بدارة جلجل

أو يحسن دخول الألف واللام عليه.

ـ والجنس : ما تتبع حكم البعض في الكل ، فينوب الواحد عن الجميع ، كالماء والتراب والأرض.

ـ والمعهود : المعرفة بعينها إلا أنّ الألف واللام لا تفارقانه.

ـ والمزيد : ما زيد في بنائه نحو : تغلب ويشكر ويعمر.

ـ والملحق : ما زيد فيه حرف أو ضوعف كالقردد (١) والممدد ، أظهروا تضعيفه ليلحقوه بعسكر وجعفر.

ـ والمصغّر على وجهين : تصغير تحقير ، وتصغير تعظيم (٢).

__________________

٤٧٢ ـ البيت من معلقته ، وهو في خزانة الأدب ٢ / ٦٣ ، ومغني اللبيب ١٨٦ ، وديوانه ص ١١٢.

(١) القردد : الارتفاع إلى جنب وهدة. يقال : كم قطعت من سبسب وفدفد ، ومن غائط وقردد.

راجع أساس البلاغة مادة قرد.

(٢) التصغير لغة التقليل ، وفوائده ست :

تقليل ذات الشيء ، نحو كليب.

وتحقير شأنه ، نحو رجيل.

وتقليل كميّته ، نحو دريهمات.

وتقريب زمانه ، نحو : قبيل العصر ، وبعيد المغرب.

وتقريب مسافته ، نحو فويق المرحلة ، وتحيت البريد.

وتقريب منزلته ، نحو صديقي.

وزاد الكوفيون معنى آخر وهو التعظيم ، نحو دويهية ، وخرّجها البصريون على التقليل لأن الداهية إذا عظمت قلّت مدتها ، وزاد بعضهم معنى آخر ، وهو التحبب ، نحو بنيّة.

راجع حاشية يس على شرح التصريح ٢ / ٣١٧.

٤٧١

أمّا تصغير التعظيم نحو قولك : فلان صديقي ، وقيل لهذا النوع أيضا تصغير شفقة ، كقوله عليه الصلاة والسّلام : «أصيحابي أصيحابي» (١).

وكقولك : يا بنيّ.

وقال الشاعر :

٤٧٣ ـ أأخيّ إنّ الحادثات

عركتني عرك الأديم

 ـ وأمّا تصغير التحقير ، فنحو : رجيل وعبيد ، ويقال : تصغير التقريب أيضا ، كقول القائل :

٤٧٤ ـ دان مسفّ فويق الأرض هيدبه

يكاد يدفعه من قام بالرّاح

__________________

(١) الحديث جاء في خزانة الأدب ، ولم يخرجه المحقق عبد السّلام هارون.

والحديث أخرجه أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه ، ففي المسند عن ابن مسعود أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنا فرطكم على الحوض ، وسأنازع رجالا ، فأغلب عليهم ، فلأقولنّ رب أصيحابي أصيحابي فليقالنّ لي : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك». راجع المسند ١ / ٤٥٣. وأخرجه البخاري بلفظ : «وإنّه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : يا رب أصيحابي ، فيقول : إنكّ لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلمّا توفّيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كلّ شيء شهيد* إن تعذبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم». ا ه. راجع فتح الباري ، باب الحشر ١١ / ٣٧٧.

٤٧٣ ـ البيت لأعرابي لقيه الأصمعي فأنشده ، وبعده :

لا تنكرنّ أن قد رأي

ت أخاك في طمري عديم

إن كنّ أثوابي يلب

سن فإنهنّ علي كريم

راجع ربيع الأبرار ٤ / ١.

٤٧٤ ـ البيت لعبيد بن الأبرص ، في وصف سحاب.

وهو في ديوان عبيد ص ٥٣ ، والعباب الزاخر مادة سفّ ، ولسان العرب مادة :سف ، وقولهم : أسفّت السحابة إذا دنت من الأرض.

وهيدب السحاب : إذا رأيته منصبا كأنه خيوط متصلة.

٤٧٢

ـ وأمّا الاسم المقصور : فما قصر عن المدّ ، نحو عصا ورحى وحبلى.

ـ والممدود : ما وقعت الواو والياء بعد ألف ساكنة ، فقلبتا همزة ، مثل : قائل وعائب ، وكالسماء والماء ، إلا قوله : (مَعايِشَ) لأنّ الحذاق من أهل العلم لا يجيزون فيه الهمزة.

ـ والمعتل : ما فيه حرف من حروف العلة ، وهي الواو والياء ، والألف المنقلبة عنهما.

ـ والصحيح : ما عري من هذه الحروف.

ـ والمؤنّث : على نوعين :

مؤنث بعلامة التأنيث ، نحو الألف في سفلى وحمراء ، والتاء في فعلة وفاعلة.

ومؤنث في المعنى نحو زينب وسعاد وأشباهها.

وقد جاءت أسماء مؤنثة بلا علامة ولا سبب سماعا من العرب ، كالشمس والنّار والقدر ، والحرب ، والدار.

ـ والمذكّر : ما خالف هذا الجنس.

ـ والمضاف : على نوعين :

مضاف إلى نفسه ، وبعضهم لا يجيزه.

مضاف إلى غيره ، وحقّه الخفض. أعني : المضاف إليه في الوجهين جميعا. فالمضاف إلى نفسه نحو قولك : ماء البحر ، ودار الآخرة ، وكقوله تعالى : (حَقُّ الْيَقِينِ) (١) والمضاف إلى غيره نحو قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ) (٢) ، وقوله : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) (٣).

__________________

(١) سورة الواقعة : آية ٩٥.

(٢) سورة الأعراف : آية ٢٧.

(٣) سورة يوسف : آية ٥١.

٤٧٣

ـ والمفرد : الذي لا يضاف إلى شيء.

ـ والمضموم : اسمان جعلا اسما واحدا ، نحو : حضرموت وبعلبك.

ـ والمجموع على نوعين :

أحدهما : ما خولف بجمعه عن واحده ، كالنساء والأيد ، فهذان وأشباههما لا واحد لهما من لفظهما.

والثاني : المؤدى باسم الجمع ، كقولك : نصيبين وقنسرين.

ـ والمرخّم : ما رخّم حرف عن آخره ، كقولك لمالك : يا مال ، وقد قرىء في الشواذ ونادوا يا مال (١) قرأ به الأعمش.

وقال امرؤ القيس :

٤٧٥ ـ أصاح ترى برقا أريك وميضه

كلمع اليدين في حبيّ مكلّل

 ـ والمنسوب : ما نسب إليه ، أو إلى أمة أو صناعة أو بلدة ، مثل قولك : لحياني ورقباني.

ـ والمنادى : ما دعي إمّا بالإفراد ، وإمّا بالإضافة ، مثل : يا زيد ، ويا عبد الله.

ـ والمضاعف : ما ضعّف وزيد عن مضارعة الفعل ، كالقدد والبدد (٢).

* * *

__________________

(١) سورة الزخرف : آية ٧٧.

٤٧٥ ـ البيت من معلقته ، راجع شرح المعلقات لابن النحاس ١ / ٤٤ ، وديوانه ص ١٢١.

الحبي : ما يقع من السحاب : والمكلل : المستدير كالإكليل.

(٢) يقال : طاروا بددا وصاروا قددا ، أي : فرقا.

راجع أساس البلاغة مادة : بدد وقدد.

٤٧٤

باب

الأسماء المبهمة

اعلم ـ أيّدك الله ـ أنّ الأسماء المبهمة على وجوه :

منها : ستة مشار بها إلى الحاضرين ، نحو قولك : هذا وهذان ، وهؤلاء وهذه ، وهاتان وهذي. وسبعة أسماء منها يشار بها إلى الغيب ، نحو : ذلك وذانك ، وتلك وتيك وتانك ، وأولئك وأولاك مقصور ممدود.

وثلاثة للحكاية نحو : أنا ونحن وإنا.

ـ والوجه الآخر من المبهمات :

الذي واللذان والذين ، والتي واللتان واللاتي ، وجمع الجمع اللواتي.

وقد بيّنا أنّ هذه الأسماء ناقصات لا تتم إلا بصلاتها.

فأمّا هذا وهذه ونحوهما ، فهي التي يسميها أهل البصرة الإشارة ، وأهل الكوفة المبهمة.

ـ وقد اختلف في الذين :

قال أهل الحجاز : إنها مبنية ؛ لأنّ العرب تارة تجيء بالنون على الأصل ، وتارة تسقط نونها استخفافا.

فعلى ذلك أكثر العرب كقوله تعالى : (كَالَّذِي خاضُوا) (١).

__________________

(١) سورة التوبة : آية ٦٩.

٤٧٥

وبنو هذيل يقولون : إن «الذين» معرب غير مبني. قالوا : والدليل على ذلك وجود الواو مرفوعا في قول بعضهم :

٤٧٦ ـ وبنو نويجبة اللذون كأنّهم

معط مخذّمة من الخزّان

 ـ ودليل آخر أن تثنيتها معربة فكذلك جموعها دليله سائر الأسماء.

ـ فأجاب هؤلاء أن التثنية لا تقاس على الجموع إذا لا تثنية إلا وإعرابها بالحروف.

وأما الآحاد فتارة تعرب بالحروف وتارة بالحركات. فعلمنا بهذا أن التثنية لا تقاس على الجموع ولا على الآحاد وإنما يقاس الجموع على الآحاد. والدليل على ذلك أن «هذا» و «هؤلاء» مبنيتان.

ـ ومن قال : إنه غير معرب وإنما هو مبني فهو للواحد والجمع وإنما سقطت نونه طلبا للخفة.

واحتج بقوله القائل :

٤٧٧ ـ وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد

وقول الآخر :

__________________

٤٧٦ ـ البيت نسبه ابن الشجري لأحد الهذليين.

وهو في المذكر والمؤنث لابن الأنباري ١٠٣ ، والأزهية ٢٩٩ ، وشرح الجمل لابن عصفور ١ / ١٧٢ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٧ ، وشفاء العليل شرح التسهيل ١ / ٢٢٤ ، واللسان ـ مادة (خذم).

والخزان : جمع خزر وهو ذكر الأرانب ، ومعط : جمع أمعط وهو الذي لا شعر له ، مخذّمة : مقطعة.

٤٧٧ ـ البيت تقدم برقم ١٠١.

٤٧٦

٤٧٨ ـ يا ربّ عبس لا تبارك في أسد

من بين من قام وبين من قعد

إلا الذي قام بأطراف المسد

 ـ ومن العرب من يقول : إن اللاؤون بمعنى الذين كأنه جمع الذي من غير لفظه ، كما أن اللائي جمع التي من غير لفظها. واستدلوا بقول الشاعر :

٤٧٩ ـ هم اللاؤون فكّوا الغلّ عني

بمرو الشاهجان وهم جناحي

 ـ وقال بعضهم : اللاء بغير ياء بمعنى الذين ، واحتجوا بقراءة ابن مسعود : واللاء آلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر (١).

قال بعضهم : اللاء بغير ياء بمعنى الذين ، اجتزاءا بالكسرة عن الياء. واحتجوا بقول القائل :

٤٨٠ ـ فما آباؤنا بأمنّ منه

علينا اللاء قد مهدوا الحجورا

 ـ ألى بمعنى الذين. واستدلوا بقول القائل :

__________________

٤٧٨ ـ الرجز تقدم ، وهو في اللسان ـ مادة (الألف اللينة) ، وسر صناعة الإعراب ٤٨٠ ، والروض الأنف ١ / ٢٢٢ ، والأزهية ٢٩٩.

٤٧٩ ـ البيت للهذلي.

وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٨ ، وشفاء العليل ١ / ٢٢٤ ، وإعراب ثلاثين سورة ٣٠ ، وشرح المقرب لابن عصفور ٦ ، وهمع الهوامع ١ / ٨٣.

(١) سورة البقرة : آية ٢٢٦.

قال أبو حيان : وقرأ عبد الله للذين آلوا ا. ه. وعلى هذا فلا شاهد فيها ، والشاهد قوله تعالى : (اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ) قرأ بحذف الياء قالون وقنبل. ا. ه. راجع الإتحاف.

٤٨٠ ـ قال الفراء : البيت أنشدنيه رجل من بني سليم.

وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٨.

وقال الفراء : ومنهم من يحذف الياء في الرجال والنساء فيقول : هم اللاء فعلوا وهنّ اللاء فعلن.

٤٧٧

٤٨١ ـ هم القوم الألى قسطوا وجاروا

على النعمان وابتدروا السّطاعا

فالألى في البيت بمعنى الذين ، وليس الألى الذي هو جمع ذي.

ـ فجميع ما ذكرنا أسماء مبهمات ناقصات تحتاج إلى الصلات كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ) (١).

وكقوله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) (٢).

وكقولك : الذي حضر أبوه زيد ، والذي مات أخوه جعفر. ونظائر ذلك كثيرة.

ـ والوجه الثاني من الإضافة : وهو ذو ، وذوات ، وذات ، وذواتا ، وذوا ، وذوو.

فهذا الجنس يكون مضافا ولا يخلو من الإضافة ، كقولك : ذو مال ، وذو عقل ، وذات روح و (ذَواتا أَفْنانٍ) (٣).

ـ العلة في إدخال هذه الواو في قولك : ذواتا وذوا ، ما وجدناه في بعض كتبهم عن بعض أصحاب العربية أن «ذوا» منقوصة من وسطها ، مقصورة من آخرها. وكان الأصل ذوا كما تقول عصا ورحى وقفا ، فنقصت الواو فصارت شبيهة ب «هذا» إذا أسقطت منها (ها) التنبيه.

__________________

٤٨١ ـ البيت للقطامي.

وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٠٨ ، وشطره الأول فيه [أليسوا بالأولى قسطوا وجاروا] ، واللسان ـ مادة (سطع).

وقوله : قسطوا أي : جاروا.

قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ،) والسطاع : عمود الخيمة.

(١) سورة فصلت : آية ٣٠.

(٢) سورة آل عمران : آية ١٧٣.

(٣) سورة الرحمن : آية ٤٨.

٤٧٨

إلا أن بينهما فرقا وذلك أن «ذا» مبنية على هجائين ولا ينفرد هذا الاسم لما يستحق آخره من الرفع والنصب والجر ؛ لأن ألفها كانت مقصورة غير قابلة للإعراب.

ـ فقالوا في حالة الرفع : رجل ذو مال ، فلما ضموا الذال تحولت الألف لضمة الذال.

ـ وأما في حالة الجر : مررت بذي مال ، فتحولت لكسرة الذال ياء.

ـ وفي النصب : رأيت ذا مال. رجعت الألف إلى حالها حين انفتحت الذال.

ولا تجد اسما معربا أوله بإعراب آخره سواه.

فلما أرادوا التثنية قالوا : هذان ذوا مال فردّوا المنقوصة من وسطه ، فاجتمعت فيه ألفان مقصورتان : أحدهما الأصلية ، والثانية ألف التثنية في حالة الرفع ، فلم ينحرف اللسان بالتكلم بهما في حال سكونهما. ولم يكن النقل إلى تحويل أحدهما لأنهما ساكنتان ، فأسقطت ألف الأصل وأبقيت ألف التثنية من العلاقة في التثنية.

وعلامة الرفع الواو وسقطت النون للإضافة فقالوا : هذان ذوا مال.

لسقوط ألف العماد من قولك : هذان ، فكذلك ألف العماد أولى بالسقوط من هذا من ألف التثنية لما فيها من العلامتين.

وقالوا في خفض التثنية : مررت بذوي مال ، وفي حالة النصب كذلك قالوا : رأيت ذوي مال ، فصيروا الألف التي كانت علامة الرفع في التثنية ياء في حال النصب والخفض ، فجمعوا بينهما كما جمعوا في سائر الأسماء التي على هجائين ، نحو : رأيت المسلمين في حالة النصب ، ومررت بمسلمين في حالة الخفض لضيق البناء ، فهذا في التثنية.

٤٧٩

ـ وأما في الجمع فقالوا : هؤلاء ذوو مال فزادوا واوا علامة للجمع والرفع وأسقطوا النون كما أسقطوها في التثنية ؛ لأن النون تسقط في الإضافة كما تسقط في سائر الأسماء التي على هجائين ، نحو : هؤلاء مسلمو عباد الله.

ـ وأما في حالة التأنيث فقالوا : هذه ذات مال دالة على التأنيث.

ـ وفي حالة التثنية : هاتان ذواتا مال ، أرجعوا الواو الناقصة من الواحدة في التثنية إلى موضعها وجاءت ألف التثنية بعد تاء التأنيث كما جاءت في قولك : هاتان أختان أو بنتان ، وسقطت النون للإضافة.

ـ وإن نصبت أو خفضت صار الألف كما هي صائرة في الأسماء التامة والناقصة فقلت : رأيت ذواتي مال ومررت بذواتي مال.

ـ ثم قالوا في الجماعة : هؤلاء ذوات مال ، بألف واحدة وأسقطوا ألف الأصل حيث اجتمعتا ساكنتين كما أسقطوها في تثنية الذكور وجمعهم.

ـ فإن قيل : ما هذه التاء في الجماعة؟

أهي التي كانت في الواحدة والتثنية أم غيرها؟

قلنا : هي غيرها وحكمها كالقائمات والراضيات ، ويلزمها من الإعراب ما يلزم الجمع الذي هو على هجائين من الرفع والنصب الخفض ، تقول : هؤلاء ذوات مال بضم التاء ، ورأيت ذوات مال ، ومررت بذوات مال ، وبالله التوفيق.

ثم رجعنا إلى الأسماء المبهمة فقلنا :

الوجه الثاني : من وما ، فأمّا «من» فخاص للمتكلمين ، و «ما» مشترك فيهما.

٤٨٠