المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

٣٥٧ ـ ثلاث ليال قوله كلّ ليلة :

أتاك رسول من لؤيّ بن غالب

٣٥٨ ـ فرفعت عن ذيلي الإزار وشمّرت

بي الفرس الوضاء بين السباسب

٣٥٩ ـ فمرلي بما قد جئت يا خير من مشى

وإن كان فيما جئت شيب الذوائب

٣٦٠ ـ فكن لي يوم لا ذو شفاعة

سواك بمغن عن سواد بن قارب

أولا قال : فكن ، ثم قال : عن سواد بن قارب ، وهو هو في الحقيقة.

وكذلك قول الآخر :

٣٦١ ـ أقول له والرّمح يأطر متنه :

تأمّل خفافا إنّني أنا ذلكا

* * *

__________________

٣٦١ ـ البيت لخفاف بن ندبة ، وهو صحابي شهد الفتح ، وكان معه لواء بني سليم ، وشهد غزوة صفين ، وثبت على إسلامه في الردّة ، وبقي حيا إلى خلافة عمر.

والبيت في معجم الشعراء ١٠٨ ، ومعاني القرآن للأخفش ١ / ١٣١ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ٤٧٠ ، والإنصاف ٧٢٠.

يأطر متنه : يعطفه ويثنيه.

٣٤١

باب

إدخال الباء في الكلام صلة

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (١). ما هذه الباء؟

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

قال بعض أهل التفسير : تنبت ومعها الدهن.

وقال بعضهم : هذه لغة لبعضهم ، يقولون : تنبت بالنبات وتنبت النبات ، واحتجوا بقول القائل :

٣٦٢ ـ بواد يمان تنبت الشّث صدره

وأسفله بالمرخ والشّبهان

وقال آخر :

الباء ههنا صلة ، وهي التي يسميها أهل المعاني مقحمة ، نظيرها قوله تعالى : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) (٢). يريد : أيّكم المفتون ، على جعل الباء مقحمة. وعند بعضهم : بأيّ فرقة المجنون؟ فينا أو فيكم؟

__________________

(١) سورة المؤمنون : آية ٢٠.

٣٦٢ ـ البيت للأحول اليشكري ، وقيل : ليعلى الأحول ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٨ ، وتفسير الطبري ١٧ / ١٩٤ ، وتفسير القرطبي ١٢ / ٣٦ ، ولسان العرب : (شثث) ، والشّبهان : ضرب من العصى ، والشث والمرخ : نبت.

(٢) سورة القلم : آية ٦.

٣٤٢

وقوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (١). قيل : إنّ الباء ههنا مقحمة.

وقوله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ) (٢) ، الباء مقحمة.

وكذلك قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) (٣) ، وقوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (٤) ، و (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (٥) ، و (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) (٦).

وقوله تعالى : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) (٧).

فعند بعضهم : الباء مقحمة. أي : ظلموها. وقيل : معناه ظلموا أنفسهم بسببها.

وكقوله تعالى : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها) (٨) ، أي : ظلموا أنفسهم بسببها وبتكذيبهم بها.

وقوله تعالى : (إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) (٩) ، أي : بسببه.

الأبيات :

قال القائل :

٣٦٣ ـ نحن بني جعدة أصحاب الفلج

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

__________________

(١) سورة العلق : آية ١.

(٢) سورة الإنسان : آية ٦.

(٣) سورة مريم : آية ٢٥.

(٤) سورة الحج : آية ٢٥.

(٥) سورة الممتحنة : آية ١.

(٦) سورة المعارج : آية ١.

(٧) سورة الإسراء : آية ٥٩.

(٨) سورة الأعراف : آية ١٠٣.

(٩) سورة النحل : آية ١٠٠.

٣٦٣ ـ البيت للنابغة الجعدي ، وهو في شرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٤٧٧ ، والمخصص ١٤ / ٧٠ ، وشرح التبريزي ١ / ١٩٧ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، ولسان العرب ـ مادة (با).

٣٤٣

وقال امرؤ القيس :

٣٦٤ ـ هصرت بفودي رأسها فتمايلت

عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل

وقال أيضا :

٣٦٥ ـ فلمّا تنازعنا الحديث وأسمحت

هصرت بغصن ذي شماريخ ميأل

وقال أيضا :

٣٦٦ ـ إذ يسفّون بالدقيق وكانوا

قبل لا يأكلون شيئا فطيرا

وقال الآخر :

٣٦٧ ـ ضمنت برزق عيالنا أرماحنا

ملاء المراجل والصريح الأجردا

وقال الآخر :

٣٦٨ ـ ولقد رجوت بأن أموت ولم تكن

للحرب دائرة على ابني ضمضم

__________________

٣٦٤ ـ البيت من معلقته ، راجع شرح المعلقات ١ / ٢٠. وقوله : هصرت : جذبت ، والفودان : جانبا الرأس ، هضيم الكشح : ضامرة الوسط ، ريّا : ريح.

٣٦٥ ـ البيت من لاميته غير المعلقة. راجع ديوانه ١٢٥.

٣٦٦ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت ، وهو في تأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، والاقتضاب ٤٥٦.

٣٦٧ ـ البيت لأعشى بكر ، ويروى عجزه : [وضرعهن لنا الصريح الأجردا]. والصريح الأجرد : اللبن لا رغوة له.

وهو في تأويل مشكل القرآن ٢٤٩ ، وديوان الأعشى ٥٤.

٣٦٨ ـ البيت لعنترة من معلقته. راجع شرح القصائد العشر للتبريزي ص ٣٧ ، وشرح المعلقات للنحاس ٢ / ٤٦ ، وديوانه ص ٣٠.

وابنا ضمضم : هما هرم وحصين ، وكان عنترة قتل أباهما فكانا يتواعدنه.

٣٤٤

وقال الآخر :

٣٦٩ ـ هنّ الحرائر لا ربّات أخمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

وقال عنترة :

٣٧٠ ـ شربن بماء الدّحرضين فأصبحت

زوراء تنفر عن حياض الدّيلم

__________________

٣٦٩ ـ البيت تقدم رقم ٥٣.

٣٧٠ ـ البيت لعنترة من معلقته ، راجع شرح النحاس ٢ / ٢١ ، الدحرضان : اسم مكان ، والزوراء : المائلة ، الدّيلم : الأعداء ، وقيل الجماعة.

والبيت في تأويل مشكل القرآن ٥٧٠ ، وأدب الكاتب ٥١٧.

٣٤٥

باب

سقوط الباء من الكلمة والمعنى إثباتها

ـ قال الشيخ الإمام الزاهد رضي الله عنه : اعلم أنّ العرب تسقط الباء من الكلمة ، والمعنى إثباتها ، كما تزيد الباء في الكلمة والمعنى إسقاطها ، على ما بيّنا.

ـ أمّا إسقاط الباء من الكلمة فقوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (١) ، أي : بظلم وزور. لأنّ (جاء) فعل لازم يعدّى بحرف الصفة ، كما يقال : جاء به ، ويجيء به.

كقوله تعالى : (وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) (٢) ، وكقوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) (٣) ، وقوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٤) ، فأثبتت الباء في هذه المواضع ، وهو الأصل.

وأسقطت في قوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (١) على المجاز.

وكذلك قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا) (٥) ، معناه : وبما أنزلنا.

وقوله تعالى : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) (٦) ، أي : ليكفر بما هو أمامه من أمر البعث ، فحذف الباء.

__________________

(١) سورة الفرقان : آية ٤.

(٢) سورة يوسف : آية ٨٨.

(٣) سورة النساء : آية ٤١.

(٤) سورة الفجر : آية ٢٣.

(٥) سورة الأنفال : آية ٤١.

(٦) سورة القيامة : آية ٥.

٣٤٦

وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (١). المعنى : ببأس شديد.

وقوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (٢). أي : بإسلامكم ؛ لأنه يقال : مننت عليه بكذا ، ولا يقال : مننت عليه كذا.

وقوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) (٣). أي : بأمر من عندنا. قال الشاعر :

٣٧١ ـ نغالي اللحم للأضياف نيئا

ونرخصه إذا نضج القدور

* * *

__________________

(١) سورة الكهف : آية ٢.

(٢) سورة الحجرات : آية ١٧.

(٣) سورة الدخان : آية ٥.

٣٧١ ـ البيت لم يعلم قائله ، وقال ابن دريد : البيت لرجل من قيس.

وهو في أساس البلاغة ـ مادة (غلو) ، ومعاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٢٦ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٨٣ ، ولسان العرب ـ مادة (غلو) ، والإفصاح للفارقي ٧٧ ، والجمهرة ٣ / ٤٩٤.

٣٤٧

باب

العارضة التي تدخل في الكلام والقصّة

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ) (١).. الآية.

أجمع المفسرون أنّ هذا حكاية عن اليهود.

وقوله تعالى : (قُلْ : إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) (١) هذا أمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (أَنْ يُؤْتى) (١) من كلام اليهود بعضهم لبعض ، فكيف الوجه في ذلك؟

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

إنّ هذه ومثلها مطردة في كلام العرب ، وهذه هي التي يقال لها العارضة ، كما يقول : إنّ محمدا ـ يا رجل ـ رسول الله.

فقولك «يا رجل» كلام اعترض في خلال كلامك.

ومثله في القرآن : ([وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ثم اعترض كلام آخر وهو قوله :

__________________

(١) (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [سورة آل عمران : ٧٢ ـ ٧٣].

٣٤٨

(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) ثم رجع إلى ذكر المتقين فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ]) (١) الآية.

وفي العنكبوت قوله : ([وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) إلى قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) يعني به : أهل مكة ، فهذا عارض دخل في الكلام إلى قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ثم رجع إلى قصة إبراهيم عليه‌السلام فقال : (فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ]) (٢).

ـ وكذلك قوله تعالى : ([إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (٣) فهذا اعتراض دخل ، ثم أتى بخبره فقال : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ]) (٤).

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ـ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ـ (٥) عارض دخل بين الكلامين.

وقوله تعالى : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ) (٦) ، وقوله :

__________________

(١) سورة الطور : آيتان ٢١ ـ ٢٢.

(٢) الآيات (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ* أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ* وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.) [الآيات ١٦ ـ ٢٣].

(٣) سورة الكهف : آية ٣٠.

(٤) سورة الكهف : آية ٣١.

(٥) سورة الأعراف : آية ٤٢.

(٦) سورة المطففين : آيتان ٢٥ ـ ٢٦.

٣٤٩

(وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ) (١) كلام عارض ، ثم قال : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ) (٢).

وقوله تعالى : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) (٣) الآية ثم قوله : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) (٤) كلام اعتراض ، ثم رجع إلى ذكر القيامة فقال : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) (٥).

وقال في قصة نوح حكاية منه : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) (٦) جاء كلام آخر فقال : (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٧) ثم رجع إلى قصة نوح يقول : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ) (٨).

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) (٩) الآية. ثم قال : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) (١٠) فهذا عارض ، ثم رجع إلى قصته فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ) (١١).

وقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) (١٢) أراد به عيسى عليه‌السلام ، ثم خاطب هؤلاء بقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) (١٣). أي : بدلا منكم في الأرض يخلفون مكانكم أطوع منكم.

ثم عاد إلى ذكر عيسى وقال : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) (١٤). أي : نزول عيسى عليه‌السلام يكون علامة للقيامة. قال الشاعر :

__________________

(١) سورة المطففين : آيتان ٢٥ ـ ٢٦.

(٢) سورة المطففين : آية ٢٧.

(٣) سورة التغابن : آية ٧.

(٤) سورة التغابن : آية ٨.

(٥) سورة التغابن : آية ٩.

(٦) سورة هود : آية ٣٤.

(٧) سورة هود : آية ٣٥.

(٨) سورة هود : آية ٣٦.

(٩) سورة لقمان : آية ١٢.

(١٠) سورة لقمان : آية ١٤.

(١١) سورة لقمان : آية ١٦.

(١٢) سورة الزخرف : آية ٥٩.

(١٣) سورة الزخرف : آية ٦٠.

(١٤) سورة الزخرف : آية ٦١.

٣٥٠

٣٧٢ ـ إنّ الثمانين ـ وبلّغتها ـ

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

٣٧٣ ـ وأبدلتني بالشّطاط انحنا

وكنت كالصّعدة تحت السّنان

وبلّغتها عارض دخل.

* * *

__________________

٣٧٢ ـ ٣٧٣ ـ البيتان لأبي المنهال عوف بن محلّم الخزاعي. من قصيدة له يمدح فيها عبد الله بن طاهر ، توفي سنة ٢٢٠ ه‍ وهي في فوات الوفيات ٣ / ١٦٢.

والأول في مغني اللبيب ٥٨.

٣٥١

باب

حذف حرف الصفة من الكلمة

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (١)؟

ما الوجه فيه؟

ـ قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

إنّه قد اختلف في معناه : فقال بعضهم : إلا من جهل نفسه.

ومنهم من يقول : إلا من سفه في نفسه ، فلما نزع منه (في) انتصب.

والعرب تفعل ذلك بأن تحذف من الكلام الباء والكاف واللام ومن وإلى وفي وينصب الاسم بنزع ذلك الخافض.

تقول : أستغفر الله ذنبا ، أي : من ذنب. وتعرضت معروفك أي : لمعروفك ، وغاليت السلعة أي : في السلعة.

وفي القرآن قوله عزوجل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (٢) ، أي : من قومه.

وقوله تعالى : (يَبْغُونَها عِوَجاً) (٣) ، أي : يطلبون بها زيغا.

وقوله تعالى : (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٤). أي : من أسف.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٣٠.

(٢) سورة الأعراف : آية ١٥٥.

(٣) سورة هود : آية ١٩.

(٤) سورة الكهف : آية ٦.

٣٥٢

وقوله تعالى : (قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) (١). أي : بإسلامكم.

وقوله تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) (٢). أي : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم.

وقوله تعالى : (وَزُخْرُفاً) (٣). أي : من زخرف.

وقوله تعالى : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) (٤). أي : لوصفهم.

وقوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) (٥). أي : بأمر من عندنا.

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ) (٦). أي : مكّنّا لهم بذلك.

وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) (٧). أثبت اللام ههنا ، وأسقط هناك.

وقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (٨). أي : ببأس شديد.

وقوله تعالى : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) (٩). أي : يخوفوكم بأوليائه.

وقوله تعالى : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) (١٠). أي : بباطل.

وقوله تعالى : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ) (١١). أي : كاستعجالهم.

ـ الأبيات :

__________________

(١) سورة الحجرات : آية ١٧.

(٢) سورة المطففين : آية ٣.

(٣) سورة الزخرف : آية ٣٥.

(٤) سورة الأنعام : آية ١٣٩.

(٥) سورة الدخان : آية ٥.

(٦) سورة الأحقاف : آية ٢٦.

(٧) سورة يوسف : آية ٢١.

(٨) سورة الكهف : آية ٢.

(٩) سورة آل عمران : آية ١٧٥.

(١٠) سورة آل عمران : آية ١٩١.

(١١) سورة يونس : آية ١١.

٣٥٣

قال الشاعر :

٣٧٤ ـ اخترتك الناس إذ رثّت خلائقهم

واعتلّ من كان يرجى عنده السّول

يريد : اخترتك من الناس.

وقال آخر :

٣٧٥ ـ أستغفر الله ذنبا لست محصيه

ربّ العباد إليه الوجه والعمل

وقال الآخر :

٣٧٦ ـ وأنت الذي اخترت المذاهب كلّها

بوهبين إذ ردّت عليّ الأباعر

يريد : اخترت من المذاهب.

وقال الآخر :

٣٧٧ ـ ضرب المعوّل تحت الديمة العضدا

...

أي : كضرب المعوّل.

وقال أبو طالب :

٣٧٨ ـ وقد صالحوا قوما علينا أشحّة

يعضّون غيظا خلفنا بالأنامل

__________________

٣٧٤ ـ البيت للراعي يمدح سعيد بن عبد الرحمن بن عتاب ، ويروى عجزه : [واعتلّ إلا المصفّى كلّ مسؤول].

وهو في ديوان الراعي ١٩٤ ، وتفسير القرطبي ٧ / ٢٩٤ ، وتفسير الطبري ٩ / ٤٨ ، واللسان ـ مادة (سول).

٣٧٥ ـ البيت لم يعلم قائله ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ١٧ ، والخصائص ٣ / ٢٤٧ ، والمقتضب ٢ / ٣٢١ ، وابن يعيش ٧ / ٦٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٢٩.

٣٧٦ ـ البيت لذي الرّمة في ديوانه ص ٣٤٣ ، والإيضاح الشعري للفارسي ص ٤٣١ ، وهبين : اسم موضع.

٣٧٧ ـ الشطر تقدم برقم ٢٤١.

٣٧٨ ـ البيت لأبي طالب كما قال المؤلف ، وهو في تفسير القرطبي ٤ / ١٨٢.

٣٥٤

باب المقلوب

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (١).

إن كان في اعتقادهم في نبيّ الله شعيب ـ صلوات الله على نبينا وعليه ـ هذا ، كان هذا إسلاما منهم؟

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ :

كأنهم قالوا : إن اتبعناك وصدّقناك فإذا أنت عندنا الحليم الرشيد.

وقال بعضهم : هذا على وجه الاستهزاء منهم ، والعرب تفعل ذلك ، تقلب الكلمة عن وجهها إمّا تفاؤلا ؛ وإما استهزاء ، وإمّا نظيرا.

أمّا التفاؤل فكقولهم للعطشان : ناهل ، أي : سينهل ، وللدّيغ : سليم ، أي : سيسلم.

وأمّا النظير فكقولهم للموضع الذي لا عمران فيه ولا ماء : مفازة ، وإنما هي مهلكة ، وكذلك للأسود : أبو البيضاء ، وللضرير : أبو البصير.

وأمّا على وجه الاستهزاء فكما يقال للجاهل : يا عاقل.

ومنها قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٢) ، وقوله تعالى :

__________________

(١) سورة هود : آية ٨٧.

(٢) سورة الدخان : آية ٤٩.

٣٥٥

(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) (١) ، وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) (٢) ، وقوله تعالى : (أَيْنَ شُرَكائِيَ) (٣) فليس لله شريك. المعنى : على زعمكم.

وكقول إبراهيم عليه‌السلام : (هذا رَبِّي) (٤) استهزاء بقومه.

وقوله تعالى : (بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) (٥) ، وهو في الحقيقة إتيان العطشان إلى الماء.

وكذلك قوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) (٦). الرفد : هو العون والقوة في الخير.

ـ وفي الحديث أنّ أبا جهل ـ لعنه الله ـ كان إذا رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لأصحابه : هذا نبيّ عبد مناف. على وجه الاستهزاء.

وكذلك قوله تعالى : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٧) يحتمل أنّهم خرّجوا الكلام مخرج الاستهزاء.

قال قتادة : فمنها قوله : (لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) (٨) الآية.

ـ الأبيات :

__________________

(١) سورة الفرقان : آية ٤١.

(٢) سورة الحجر : آية ٦.

(٣) سورة النحل : آية ٢٧.

(٤) سورة الأنعام : آية ٧٦.

(٥) سورة هود : آية ٩٨.

(٦) سورة هود : آية ٩٩.

(٧) سورة هود : آية ٨٧.

(٨) سورة الأنبياء : آية ١٣.

٣٥٦

قال الشاعر :

٣٧٩ ـ فقلت لسيدّنا يا حليم

إنّك لم تأس أسوا رفيقا

يريد : يا جاهل.

وقال الآخر :

٣٨٠ ـ أخاف زيادا أن يكون عطاؤه

أداهم سودا أو محدرجة سمرا

يريد به السوط ، فسماه عطاء على ما ذكرنا.

وقال الآخر ـ وهو عمرو بن كلثوم ـ :

٣٨١ ـ قريناكم فعجّلنا قراكم

قبيل الصّبح مرداة طحونا

جعل الرمي بالمرادة مكان القرى.

وقال الآخر :

٣٨٢ ـ فقلت لها فاها لفيك فإنّه

قلوص امرىء قاريك ما أنت حاذره

* * *

__________________

٣٧٩ ـ البيت لشتيم بن خويلد ، وهو في البيان والتبيين ١ / ١٨١ ، والحيوان ٣ / ٨٢ ، والصاحبي ٤٢٩.

وقوله : تأسو : تداوي ، أسوا وأسى : مصدران.

٣٨٠ ـ البيت للفرزدق وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٢٣٩ ، واللسان ـ مادة (حدرج) ، والمعاني الكبير ٢ / ٨٧٧ ، وديوانه ص ١٦٩.

الأداهم : جمع أدهم وهو القيد ، والمحدرجة : السياط من : حدرجه إذا أحكم فتله.

٣٨١ ـ البيت تقدم برقم ١٩٨.

٣٨٢ ـ البيت تقدم برقم ٢٠١.

٣٥٧

باب

دخول «أن» و «ما» على الفعل الماضي والمستقبل

ـ اعلم أرشدك الله أنّ «أن» و «ما» إذا دخلا على المستقبل جعلاه بمنزلة المصدر. أمّا المستقبل فكقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (١) فالمعنى : إنّ الله لا يغفر الشرك. وكقوله تعالى : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي) (٢).

قال بعض المفسرين : إلا مشيئة ربي.

وأمّا إدخالها على الماضي فقوله تعالى : (أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) (٣).

المعنى : أكان إيحاؤنا عجبا إلى رجل منهم.

وقوله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٤). أي : أمرنا بإقامة الصلاة.

وقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) (٥). أي : بأمر الله.

__________________

(١) سورة النساء : آية ١١٦.

(٢) سورة الأنعام : آية ٨٠.

(٣) (أَكانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ) [سورة يونس : آية ١].

(٤) سورة الأنعام : آية ٧١ ـ ٧٢.

(٥) سورة الحجر : آية ٩٤.

٣٥٨

وقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١). أي : بإتيانهم الخير.

وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ قالُوا) (٢) ، معناه : إلا قولهم.

وقوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِ) (٣). أي : بقولكم على الله غير الحق.

* * *

__________________

(١) سورة آل عمران : آية ١٨٨.

(٢) (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) [سورة آل عمران : آية ١٤٧].

(٣) سورة الأنعام : آية ٩٣.

٣٥٩

باب

نقل الفعل عن الفاعل إلى غيره

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (١) ، أليس الاشتعال إنّما يكون من الشيب لا من الرأس؟ فكيف الوجه فيه؟.

ـ الجواب عنه :

قلنا ـ وبالله التوفيق ـ : إنّ الفعل إذا نقل عن فاعله إلى غيره فإنّ فاعله يبقى منصوبا على التفسير ، والفعل في الحقيقة له.

تقول العرب : تصببت عرقا ، وكان الفاعل العرق ، فلما نقل الفعل عنه إلى غيره ، وعرّي عن فعله انتصب على التفسير ، وكذلك قولهم : ضقت به ذرعا ، وتفقأت شحما.

قال الله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً) (٢) ، أي : طابت أنفسهن.

وقوله تعالى : (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) (٣) ، وقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (١).

__________________

(١) سورة مريم : آية ٤.

(٢) سورة النساء : آية ٤.

(٣) سورة الأنعام : آية ٨٠.

٣٦٠