المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

وقوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً) (١). أي : بائتا.

وقوله تعالى : (إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٢). أي : وافدين ، وقوله تعالى : (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (٣). أي : واردين.

قال الشاعر :

٢٥٩ ـ قامت تبكيه على قبره

...

وقد مرّ.

__________________

(١) سورة الأعراف : آية ٩٧.

(٢) سورة مريم : آية ٨٥.

(٣) سورة مريم : آية ٨٦.

٢٥٩ ـ الشطر تقدم. ورقمه ١١٥.

٢٦١

باب

وضع الاسم مقام المصدر

ـ وأمّا إخبارهم عن المصدر بالاسم ، فكقوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ) (١) ، أي : كإيمان من آمن بالله.

وقوله تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٢). أي : بقاء.

وكذلك قوله تعالى : (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (٣). أي : بطغيانهم. وقوله تعالى : (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) (٤). أي : تبسّم تبسما ، وضع الضاحك وهو الاسم مكان التبسم أو الضحك وهما مصدران.

وكذلك قوله تعالى : (وَخَرَّ راكِعاً) (٥). أي : ركوعا ، ونظائرها كثيرة.

وقوله تعالى : (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ) (٦).

قال بعضهم : معناه : سمرا ؛ لأنه لو كان اسما لقال : سامرين.

قال الشاعر :

٢٦٠ ـ أكفرا بعد ردّ الموت عنّي

وبعد عطائك المائة الرّتاعا

__________________

(١) سورة التوبة : آية ١٩.

(٢) سورة الحاقة : آية ٨.

(٣) سورة الحاقة : آية ٥.

(٤) سورة النمل : آية ١٩.

(٥) سورة ص : آية ٢٤.

(٦) سورة المؤمنون : آية ٦٧.

٢٦٠ ـ البيت للقطامي في قصيدة له في مدح زفر بن الحارث الكلابي. وهو في ابن عقيل ٢ / ٩٩ ، والأشموني رقم ٦٨٤ ، والبحر المحيط ١ / ١٢٧.

٢٦٢

يريد : بعد إعطائك.

وقال الآخر :

٢٦١ ـ لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللّحى

ولكنّما الفتيان كلّ فتى ندي

خبّر عن الفتيان بقوله : أن تنبت اللحى ، وهو مصدر ؛ لأنّ أن وما بعدها من الفعل بمنزلة المصدر ، فتقدير الكلام : ما الفتوة نبت اللحية.

وقال الآخر :

٢٦٢ ـ أظلوم إنّ مصابكم رجلا

أهدى السّلام تحية ظلم

* * *

__________________

٢٦١ ـ البيت لم يعرف قائله وهو في معاني القرآن للفراء ١ / ٤٢٧ ، ومغني اللبيب ص ٩٠٧.

٢٦٢ ـ البيت للعرجي وقيل : للحارث بن خالد المخزومي من قصيدة له في الأغاني ١ / ٢٢٥ ، وهو في شذور الذهب ص ٤١١ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٤ ، ومجالس ثعلب ٢٧٠ ، ومغني اللبيب ٦٩٧ ، وللبيت قصة شهيرة بين أهل الأدب ، وهي في معجم الأدباء ٧ / ١١١ ، ووفيات الأعيان ١ / ٢٨٤ ، وبغية الوعاة ١ / ٤٦٤ ، وتاريخ العلماء النحويين ص ٦٩.

٢٦٣

باب

الفعول الذي هو الفاعل

ـ قال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) (١). أي : شاكرا.

وقوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). أي : غافر راحم.

وكذلك قوله تعالى : (غَفُورٌ شَكُورٌ) (٣) ، وقوله : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) (٤). أي : عاجلا.

وكذلك قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٥). أي : ظالما جاهلا.

وقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) (٦).

وقوله تعالى : (حَمُولَةً وَفَرْشاً) (٧) ، يحتمل فاعلة ومفعولة.

ولها نظائر كثيرة.

قال الشاعر :

٢٦٣ ـ فلمّا استقلّت في حمول كأنّها

حدائق نخل القادسية أو حجر

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ٣.

(٢) سورة آل عمران : آية ٨٩.

(٣) سورة فاطر : آية ٣٠.

(٤) سورة الإسراء : آية ١١.

(٥) سورة الأحزاب : آية ٧٢.

(٦) سورة العاديات : آية ٦.

(٧) سورة الأنعام : آية ١٤٢.

٢٦٣ ـ البيت لذي الرّمة ، وهو في ديوانه ص ٢٩٨.

٢٦٤

وقال :

٢٦٤ ـ وعينان قال الله : كونا فكانتا

فعولين بالألباب ما تفعل الخمر

* * *

__________________

٢٦٤ ـ البيت لذي الرّمة أيضا.

وهو في ديوانه ص ٢٩٧ ، والافتراح في أصول النحو ص ١٣٩ ، وله قصة طريفة راجعها في الاقتراح ، وهو في شفاء العليل ١ / ١٦٥ ، والخصائص ٣ / ٣٠٢.

٢٦٥

باب

الفعول بمعنى المفعول

قوله عزوجل : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) (١). أي : كتابا مزبورا. أي : مكتوبا.

وقوله تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) (٢). أي : ممنوعا من أمر النساء ، ويحتمل : حاصرا. أي : مانعا سرّه من الإفشاء.

قال عنترة :

٢٦٥ ـ فيها اثنتان وأربعون حلوبة

سودا كخافية الغراب الأسحم

يعني : محلوبة.

* * *

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ٥٥.

(٢) سورة آل عمران : آية ٣٩.

٢٦٥ ـ البيت من معلقته ، الأسحم : الأسود ، الخوافي : أواخر ريش الجناح مما يلي الظهر.

راجع شرح المعلقات ٢ / ١٣ ، وديوانه ص ١٧.

٢٦٦

باب

الفعيل بمعنى المفعول

قال تعالى : (وَالنَّطِيحَةُ) (١). أي : المنطوحة.

وقال : (جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) (٢). يعني : محنوذا.

وقوله تعالى : (فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ) (٣). معناه : المفعول.

قال الشاعر :

٢٦٦ ـ يأكلن من قوّ لعاعا وربّة

تجبّر بعد الأكل فهو نميص

أي : منموصة.

وقال الآخر :

٢٦٧ ـ عدس ما لعبّاد عليك أمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

أي : مطلق.

* * *

__________________

(١) سورة المائدة : آية ٣.

(٢) سورة هود : آية ٦٩.

(٣) سورة المرسلات : آية ٢١.

٢٦٦ ـ البيت لامرىء القيس وهو في ديوانه ص ٩٣ ، وقوّ : اسم مكان ، واللعاع : الرقيق من النبت أول ما ينبت ، وربّة : شجر الخروب ، والنميص : ضرب من النبات.

٢٦٧ ـ البيت ليزيد بن ربيعة بن مفرّغ الحميري.

وهو في مغني اللبيب ٦٠٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٥١٥ ، وديوانه ص ١٧.

٢٦٧

باب

الفعيل بمعنى الفاعل

قال الله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) (١) ، أي : حاسبا محاسبا.

وقال تعالى : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) (٢) ، يريد : المغيث. أي الصارخ ، والخطيب بمعنى الخاطب ، والظريف بمعنى الفاعل.

* * *

__________________

(١) سورة النساء : آية ٦.

(٢) سورة يس : آية ٤٣.

٢٦٨

باب

ما جاء على وزن المفعول وهو في الحقيقة فاعل

قال الله تعالى حكاية عن فرعون : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) (١). أي : ساحرا على قول بعضهم. ومسحورا : مخدوعا على قول بعض.

وقوله تعالى : (حِجاباً مَسْتُوراً) (٢). أي : ساترا.

وقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) (٣). أي : آتيا ؛ لأنّ كلّ ما أتاك فقد أتيته.

وقوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) (٤). قال بعضهم : الوائدة سئلت.

قال الشاعر :

٢٦٨ ـ أعن ترسمت من خرقاء منزلة

ماء الصبابة من عينيك مسجوم

__________________

(١) سورة الإسراء : آية ١٠١.

(٢) سورة الإسراء : آية ٤٥.

(٣) سورة مريم : آية ٦١.

(٤) سورة التكوير : آية ٨.

٢٦٨ ـ البيت لذي الرمة وهو في ديوانه ص ٥٦٧ ، والصاحبي ص ٣٥ ، والخصائص ٢ / ١١ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤٩٥ ، وقوله : أعن : أي أأن ، فجعل مكان الهمزة عينا.

٢٦٩

وقال الآخر :

٢٦٩ ـ أودى بها ذو أداحي استحار بها

وجافل من عجاج الصّيف مهجوم

أي : هاجم.

* * *

__________________

٢٦٩ ـ البيت أيضا لذي الرّمة ص ٥٧٠ ، ويروى :

[أودى بها كلّ عرّاض ألث بها]

وقوله : ذو أداحي : يعني مطرا يحفر الأرض كما يفحص النعام برجله ، والأدحوة والأدحية : بيض النعام في الرمل. والجافل : الذي يجفل ما يمرّ به ، وقوله : استحار ، حار يحير : يأخذ كذا وكذا.

والعرّاص : السحاب الكثير البرق ، وقوله : ألثّ : أقام.

٢٧٠

باب

ما جاء على وزن الفاعل بمعنى المفعول

قال الله تعالى : (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) (١) ، قيل : إنها من : ماد يميد إذا أعطى (٢) ، وماد يميد : إذا تحرك (٣) ، والناس يحرّكونها عند الأكل.

وقال الله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (٤). أي : لا معصوم ، ويقال : سرّ كاتم. أي : مكتوم ، وأمر كائن. أي : مكوّن.

وقوله تعالى : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) (٥). أي : ليست بمكذوبة.

وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) (٦). أي : مثجوجا.

وقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) (٧). أي : مدفوق ، وقوله تعالى : (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (٨). يريد : المحفورة وهي القبر.

وقوله تعالى : (وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ) (٩). أي : مغيّبة. ويحتمل :

__________________

(١) سورة المائدة : آية ١١٤.

(٢) قال ابن منظور : مدنته وأمدنته : أعطيته.

(٣) قال أبو إسحاق : الأصل عندي في مائدة أنها فاعلة من ماد يميد : إذا تحرّك ، فكأنّها تميد مما عليها ، أي : تتحرك. وقال أبو عبيدة : سميت المائدة ؛ لأنها ميد بها صاحبها ، أي : أعطيها وتفضّل عليه بها.

(٤) سورة هود : آية ٤٣.

(٥) سورة الواقعة : آية ٢.

(٦) سورة عم : آية ١٤.

(٧) سورة الطارق : آية ٦.

(٨) سورة النازعات : آية ١٠.

(٩) سورة النمل : آية ٧٥.

٢٧١

ما غاب بنفسه ، كأنه ههنا بمعنى الفاعل والمفعول جميعا.

وقوله تعالى : (نارٌ حامِيَةٌ) (١) ، و (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) (٢). أي : محمأة. فاطلب نظائرها تجدها إن شاء الله.

وقال الشاعر :

٢٧٠ ـ دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي

يريد : المطعم المكسو.

وقال الآخر :

٢٧١ ـ رؤوسا بين حالقة ووفر

...

وقال الآخر :

٢٧٢ ـ لقد عيّل الأيتام طعنة ناشر

أناشر لا زالت يمينك آشره

يعني : مأشورة.

* * *

__________________

(١) سورة القارعة : آية ١١.

(٢) سورة الكهف : آية ٨٦.

٢٧٠ ـ البيت للحطيئة يهجو الزبرقان بن بدر ، وهو في تفسير الطبري ١٥ / ٣٣٣ ، وطبقات فحول الشعراء ١ / ١١٦ ، وديوانه ص ٥٠.

٢٧١ ـ لم أجده.

٢٧٢ ـ البيت قالته أمّ ناشرة التغلبي وقولها : آشرة ، أي : ذات أشر.

وهو في الصاحبي ص ٣٦٧ ، وإصلاح المنطق ٤٨ ، واللسان مادة أشر.

٢٧٢

باب

الفعيل بمعنى المفعل والمفعل

قوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (١). يعني : المحكم ، ويحتمل : الحاكم.

وقوله تعالى : (يَوْمٍ عَقِيمٍ) (٢). يعني : معقما.

وقوله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣). أي : مبدعهما.

وقال الشاعر :

٢٧٣ ـ أمن ريحانة الداعي السميع

يؤرّقني وأصحابي هجوع

أي : المسمع.

* * *

__________________

(١) سورة يس : الآيتين ١ ـ ٢.

(٢) سورة الحج : آية ٥٥.

(٣) سورة البقرة : آية ١١٧.

٢٧٣ ـ البيت لعمرو بن معديكرب.

وهو في الصاحبي ٣٩٦ ، وتأويل مشكل القرآن ٢٢٩ ، والأصمعيات ١٩٨ ، وتفسير الطبري ١ / ٩٥ ، وديوانه ص ١٤٠.

٢٧٣

باب

ذكر الشيئين والكناية عن أحدهما

ـ فإن سئل عن قوله تعالى : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (١) ، كيف ذكر الصبر والصلاة ثمّ كنّى عن أحدهما؟

قلنا : لأنّ للعرب في مثل هذا وأشباهه طرقا أربعة :

ـ تارة تكنّي عن الاسمين جميعا كقوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) (٢) ، وقوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) (٣) ، وقوله تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) (٤).

وقوله تعالى : (امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ) (٥) وله نظائر.

ـ وتارة عن الاسم الأول دون الآخر كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ) (٦).

(إِلَيْها) كنّى بها عن التجارة دون اللهو.

ـ وتارة تكنّي عن الاسم الآخر دون الأول كقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (٧).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٤٥.

(٢) سورة النساء : آية ١٣٥.

(٣) سورة الأنبياء : آية ٣٠.

(٤) سورة النساء : الآية ١.

(٥) سورة التحريم : آية ١٠.

(٦) سورة الجمعة : آية ١١.

(٧) سورة التوبة : آية ٣٥.

٢٧٤

كنّى عن الفضة دون الذهب.

ـ وتارة تقتصر على كناية واحدة وتريدهما جميعا كقوله تعالى : (فَتابَ عَلَيْهِ) (١) ، أي : عليهما ، وقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٢) ، وقوله تعالى : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) (٣) ، وقوله تعالى : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) (٤) ، ثم قال : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ.)

وكذلك هذه الآية : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) (٥).

وقال بعضهم : الكناية ههنا راجعة إلى الاستعانة.

الأبيات :

قال الشاعر :

٢٧٤ ـ نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرأي مختلف

وقال الآخر :

٢٧٥ ـ إنّ المنيّة والحتوف كلاهما

يوفي المخارم يرقبان سوادي

__________________

(١) (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [سورة البقرة : آية ٣٧].

(٢) سورة التوبة : آية ٦٢.

(٣) سورة الأنعام : آية ١٤١.

(٤) سورة يونس : آية ٥.

(٥) سورة البقرة : آية ٤٥.

٢٧٤ ـ البيت لقيس بن الخطيم ، شاعر جاهلي ، وقيل : لعمرو بن امرىء القيس الخزرجي. وهو في شرح ابن عقيل ١ / ٢٤٤ ، ومغني اللبيب ٨١٠ ، وكتاب سيبويه ١ / ٣٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ١٩٠.

٢٧٥ ـ البيت للأسود بن يعفر ، شاعر جاهلي من سادات بني تميم ، نادم النعمان بن المنذر. وهو في مغني اللبيب ٢٦٩ ، ومجاز القرآن ٢ / ٣٦. والمخارم : الطرق ، وسوادي : شخصي.

٢٧٥

وقال الأزرق بن طرفة :

٢٧٦ ـ رماني بأمر كنت منه ووالدي

بريئا ومن أجل الطّويّ رماني

الطوي : الشيء الذي تطوي قلبك عليه.

وقال الآخر :

٢٧٧ ـ ما كان حينك والشّقاء لينتهي

حتى أزورك في مغار محصد

أراد : ينتهيان.

وقال الآخر :

٢٧٨ ـ ألم يحزنك أنّ حبال قيس

وتغلب قد تباينت انقطاعا

وقال الشماخ :

٢٧٩ ـ إنّ شرح الشباب والشّعر الأس

ود ما لم يعاص كان جنونا

* * *

__________________

٢٧٦ ـ البيت في كتاب سيبويه ١ / ٣٨ ، وشرح الأبيات لابن السيرافي ١ / ٢٤٨ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ٤٥٨.

٢٧٧ ـ البيت لجرير ، وهو في مجاز القرآن ١ / ٢٥٨.

٢٧٨ ـ البيت للقطامي ، وهو في ديوانه ص ٣٧ ، ومجاز القرآن ٢ / ٣٧ ، والصاحبي ٣٥٤.

٢٧٩ ـ البيت لحسان بن ثابت وليس للشماخ.

وهو في ديوان حسان ص ٤١٣ ، ومجاز القرآن ١ / ٢٥٨ ، والكامل ٣ / ٨٣٨ ، والصاحبي ٣٦٢.

٢٧٦

باب

إضافة المصادر

إلى الفاعل مرّة وإلى المفعول أخرى

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ) (١) ، الهاء في «حبّه» راجعة إلى ماذا؟ وكذلك الهاء والميم في قوله : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (٢).

قلنا : إنّ العرب تضيف المصدر إلى المفعول كإضافتها إلى الفاعل ، وتارة تضيفها إلى الظروف ؛ إمّا ظرف زمان ، أو ظرف مكان.

منها قوله تعالى : (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ.)

منهم من يقول : معناه على حبّ المال. أي : يحبّه ويشتهيه ومع ذلك ينفقه في مرضاة الله ، وقيل : على حبّ الله ، وقيل : على حبّ الإيتاء.

وقال الله تعالى : (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها) (٣).

أضاف المصدر إلى ضمير الظرف ، وهو في الحقيقة مضاف إلى الله تعالى.

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٧٧.

(٢) سورة البقرة : آية ١٦٥.

(٣) سورة الأعراف : آية ٥٦.

٢٧٧

يعني : بعد إصلاح الله إياها بإرسال الرسل ، وإنزال الكتب.

ومنها قوله تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (١).

قال بعضهم : لو لا دعاء الله إيّاكم إلى التوحيد لإلزام الحجة.

وكذلك قوله تعالى : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ) (٢). يعني : كحبّ المؤمنين الله.

وقوله تعالى : (كَخَشْيَةِ اللهِ) (٣). يعني : كخشيتهم من الله.

وقوله تعالى : (أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) (٤). أي : ذي مسغبة أهلها.

وقوله تعالى : (لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) (٥) ، أي : مقامه بين يدي ربّه.

وقوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) (٦). أي : من دعائه الخير.

وقوله تعالى : (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) (٧) ، أي : عبادتك. أي : عبادته إياك.

وقوله تعالى : (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ) (٨). أي : بسؤاله نعجتك.

وقوله تعالى : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) (٩). أي : مكركم في الليل والنهار.

__________________

(١) سورة الفرقان : آية ٧٧.

(٢) سورة البقرة : آية ١٦٥.

(٣) سورة النساء : آية ٧٧.

(٤) سورة البلد : آية ١٤.

(٥) سورة الرحمن : آية ٤٦.

(٦) سورة فصلت : آية ٤٩.

(٧) سورة الأعراف : آية ١٢٧.

(٨) سورة ص : آية ٢٤.

(٩) سورة سبأ : آية ٣٣.

٢٧٨

قال الشاعر :

٢٨٠ ـ وبرك هجود قد أثارت مخافتي

نواديها أمشي بعضب مجرّد

أي : مخافتها مني.

وقال الآخر :

٢٨١ ـ لقد خفت حتى ما تزيد مخافتي

على وعل في ذي الفقارة عاقل

أي : على مخافة وعل.

وقال الآخر :

٢٨٢ ـ وللفؤاد وجيب تحت أبهره

لدم الغلام وراء الغيب بالحجر

يريد : كلدمك الغلام.

وقال الآخر :

٢٨٣ ـ فلست مسلّما ما دمت حيّا

على معن بتسليم الأمير

* * *

__________________

٢٨٠ ـ البيت لطرفة من معلقته ، والبرك : جماعة الإبل الباركة ، ونواديها : ما ندّ منها ، العضب : السيف القاطع.

راجع شرح المعلقات ١ / ٩٠ ، والصاحبي ٤١٨ ، واللسان مادة : برك.

٢٨١ ـ البيت للنابغة ، وقد تقدم رقم ٤٢.

٢٨٢ ـ البيت لابن مقبل في ديوانه ص ٩٩.

هو في أساس البلاغة ماد : لدم ، ولسان العرب مادة : لدم.

يقال : لدم الصائد حجر الضبع بحجر فتحسبه صيدا ، فتخرج فتصاد. وفي حديث عليّ : «لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم فتخرج حتى تصاد».

٢٨٣ ـ البيت لأعرابي دخل على معن بن زائدة يذكّره حاله التي كان عليها قبل الإمارة.

وهو في تفسير الطبري ٢ / ٦٧ ، ومعاني القرآن للفراء ١ / ١٠٠.

٢٧٩

باب

ذكر التثنية بلفظ الجمع

ـ إن سئل عن قوله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) (١).

أليس جاء في التفسير أنّ ابني عمّ قتلا ابن عمّ لهما يسمى عاميل ، فلأيّ معنى خاطبهم بلفظ الجماعة؟

ـ الجواب :

ـ قال بعض النحويين : إن الاثنين وما فوقهما جماعة ؛ لأنّ الواحد عدد مفرد في بابه ، وكلّ ما خرج عن حيّز الواحد دخل في سمة الجماعة.

ـ وقال بعضهم : هذا على استعارة كلام العرب ، إنهم يذكرون التثنية بلفظ الجماعة ، والواحد بلفظ الجمع والجمع بلفظ الواحد ، وستقف عليها في بابها إن شاء الله تعالى (٢).

أمّا الاثنان بلفظ الجماعة في قوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ) إلى قوله : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) (٣) ، وقوله تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٧٢.

(٢) في الباب الذي يلي هذا الباب.

(٣) (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) [سورة الأنبياء : آية ٧٨].

(٤) سورة ص : آية ٢١.

٢٨٠