المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]

المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى

المؤلف:

أبي النصر أحمد بن محمّد بن أحمد السمرقندي [ الحدّادي ]


المحقق: صفوان عدنان داوودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار القلم ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٦

قال الله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (١). قال بعض المفسرين : معناه : ومن بناها ، وكذلك أخواتها تقول : من قال به فهو مصيب ، ومن قال غير ذلك فهو مخطىء.

وأمّا «ما» فلكلّ ناطق وحيوان وجماد ، كقولك : ما معك من النبات ، وما معك من الدواب؟

قال الله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (٢) ، وقال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٣) بمعنى : من طاب ، والله أعلم.

* * *

__________________

(١) سورة الشمس : آية ٥.

(٢) سورة الأنبياء : آية ٩٨.

(٣) سورة النساء : آية ٣.

٤٨١

باب

وجوه «من»

ـ اعلم أنّ «من» على سبعة أوجه :

استفهام وجزاء وموصول ، وموصوف ومحمول على التأويل وموسوم بعلامة النكرة ومنقول من أجل أم.

ـ أمّا الاستفهام فنحو قولك : من عندك؟ فتجاب : زيد أو عمرو.

وقال الله تعالى : (يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) (١) فخرّجه مخرج الاستفهام ، ومعناه التنبيه على حالهم ليكونوا منتبهين عليها.

وقال الله تعالى : (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) (٢) فهذا استفهام محض ، ونحو ذلك.

ـ وأمّا الجزاء فنحو : من يأتني أكرمه. قال الله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (٣) ، (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٤). وقال الشاعر :

٤٨٢ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشرّ بالشرّ عند الله مثلان

__________________

(١) سورة يس : آية ٥٢.

(٢) سورة التحريم : آية ٣.

(٣) سورة النساء : آية ١٢٣.

(٤) سورة الزلزلة : آية ٨.

٤٨٢ ـ البيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، كان شاعرا كأبيه. توفي سنة ١٠٤ ه‍.

وهو في كتاب سيبويه ١ / ٤٣٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٥٤٤ ، ومغني اللبيب ص ٨٠.

٤٨٢

ـ وأمّا بمعنى الذي فنحو قولك : من يأتيني أكرمه. يعني : الذي يأتيني أكرمه.

قال الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا) (١) ، وقال الله تعالى : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) (٢) ونظائرهما.

قال الشاعر :

٤٨٣ ـ من الناس من يؤتي الأباعد نفعه

ويشقى به حتى الممات أقاربه

 ـ وأمّا الموصوف فنحو قولك : مررت بمن خير منك ، وهو نكرة. قال الشاعر :

٤٨٤ ـ يا ربّ من يبغض أذوادنا

رحن على بغضائه واغتدين

وقال آخر :

٤٨٥ ـ ربّ من أنضجت غيظا قلبه

قد تمنّى لي موتا لم يطع

 ـ وأمّا المحمول على التأويل في التثنية والجمع والتأنيث فنحو قول الفرزدق :

__________________

(١) سورة البقرة : آية ٢٠١.

(٢) سورة البقرة : آية ٢٠٠.

٤٨٣ ـ البيت للحارث بن كلدة.

وهو في نوادر القالي ٢٢٠ ، والصناعتين ١٣٩ ، وأخبار القضاة لوكيع ٣ / ٩٨.

٤٨٤ ـ البيت لعمرو بن قمئة.

وهو في كتاب سيبويه ١ / ٢٧٠ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٣١١ ، والأزهية ١٠١ ، والمقتضب ١ / ٢٧٣ ، وحروف المعاني ٥٥.

٤٨٥ ـ البيت لسويد بن أبي كاهل ، وهو شاعر مخضرم ، عاش في الجاهلية دهرا ، وعمّر في الإسلام حتى أدرك الحجاج.

والبيت في مغني اللبيب ٣٣٢ ، وحاشية الأمير على المغني ٢ / ١٨ ، وخزانة الأدب ٢ / ٥٤٦.

٤٨٣

٤٨٦ ـ تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

فثنّى ضمير «من» على التأويل.

ـ وأمّا الجمع فنحو قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (١) ، وقد سبق سائر نظائره في كتابنا هذا.

قال الشاعر :

٤٨٧ ـ ألمّا بسلمى عنكما إن عرضتما

فقولا لها : عوجي على من تخلّفوا

وأمّا التأنيث فنحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) (٢).

من قرأ بالتاء حمله على التأويل ، ومن قرأ بالياء حمله على اللفظ.

ـ وأمّا الموسوم بعلامة النكرة فيها ، مثل قول القائل : رأيت رجلا فقلت : منا.

وإذا قالت : هذا رجل قلت : منو ، وإذا قالت : مررت برجل قلت : مني ، تسمه بعلامة... (٣).

ـ أمّا المنقول من أجل «أم» فنحو قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) (٤) ، ف «من» نقلتها عن الاستفهام من أجل «أم» ، لأنه لا يدخل

__________________

٤٨٦ ـ البيت تقدم صفحة ١٤٤.

(١) سورة يونس : آية ٤٢.

٤٨٧ ـ البيت في تفسير الطبري ١ / ٣٢١ ، وتفسير القرطبي ١ / ٤٣٥ ، والدر المصون ١ / ٤٠٨.

(٢) سورة الأحزاب : آية ٣١.

قرأ حمزة والكسائي وخلف «يعمل ، بياء التذكير» ، والباقون بتاء التأنيث.

(٣) هنا بعض الكلمات مطموسة لم تظهر لنا.

(٤) سورة الزمر : آية ٩.

٤٨٤

منفردا «أم» على استفهام ، كما نقلتها حين أدخلت عليها «أم» في نحو قول الشاعر :

٤٨٨ ـ أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبّة يوم البين مشكوم

كأنه قال : أم قد كبير ، فنقلها عن معنى الاستفهام إلى معنى قد.

ـ فأصول هذه الفصول كلها راجعة إلى ثلاث : شرط واستفهام وخبر.

فالشرط في قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (١).

والخبر في نحو قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) (٢).

والاستفهام قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) (٣).

* * *

__________________

٤٨٨ ـ البيت لعلقمة الفحل.

وهو في أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٣٤ ، وخزانة الأدب ١١ / ٢٨٦ ، واللمع ١٧٩ ، والمقتضب ٣ / ٢٩٠.

ـ ولم يرتض ابن الشجري كون «هل» بمعنى «قد» لوقوع الجملة المبتدأة بعدها ، قال : وههنا قولان : أحدهما للكوفيين : وهو أنهم يحكمون على «أم» المنقطعة بأنها تكون بمعنى «بل» مجردة من الاستفهام ، والبصريون لا يجيزون ذلك ، والقول الآخر : أنّ يكون أحد الحرفين زائدا ، دخوله كخروجه ، وإذا حكمنا بزيادة أحدهما ، فالأولى أن نحكم بزيادة «هل» لوقوعها حشوا ، لأن الأغلب أن لا يكون الزائد أولا. ا. ه.

وقوله مشكوم : مثاب مجازى.

(١) سورة النساء : آية ١٢٣.

(٢) سورة الرعد : آية ١٠.

(٣) سورة البقرة : آية ٢٤٥.

٤٨٥

باب

وجوه «ما»

ـ اعلم أنّ «ما» على عشرة أوجه : خمسة منها أسماء ، وخمسة منها حروف. وهي : الاستفهام والجزاء والموصولة والموصوفة والتعجب ، والجحد والصلة والكافّة والمسلّطة والمغيّرة لمعنى الحرف.

فالخمسة الأول أسماء ، والخمسة الأخر حروف.

ـ أما الاستفهام فنحو قولك : ما عندك؟ فيقال : طعام أو شراب.

قال الله تعالى حكاية عن فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟ قالَ : رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١).

وقال أيضا حكاية عنه : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) (٢) ، ولها نظائر.

وكذلك : ما تقول في فلان؟ وما قولك في حسان؟

ـ أمّا الجزاء ففي قولك : ما تضرب أضرب.

قال الله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (٣).

ـ وأمّا الموصولة بمعنى الذي فكقوله عزوجل : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (٤) ، أي : الذي عندكم ينفد ، والذي عند الله باق.

__________________

(١) سورة الشعراء : آية ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) سورة طه : آية ٥١.

(٣) سورة فاطر : آية ٢.

(٤) سورة النحل : آية ٩٦.

٤٨٦

وقال عزّ من قائل : (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١) ، أي : بأحسن الذي كانوا يعملون ، ولذلك صرف «أحسن» من أجل إضافته إلى «ما» التي بمعنى الذي.

ـ وتكون بمعنى المصدر ، نحو قولك : أعجبني ما صنعت. أي : صنيعك أو صنعك.

قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢). أي : جزاء لعملهم.

وقال الله تعالى : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) (٣). أي : بمغفرة ربي إياي.

ـ وأمّا الموصوفة فنحو قولك : جئت بما خير من ذلك. أي : بشيء خير من ذلك.

قال الله تعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٤).

قيل : إنّ «ما» ههنا بمنزلة شيء ، ولم يجعلوها بمنزلة الذي ، كأنه قال : هذا شيء لديّ عتيد.

قال الشاعر :

٤٨٩ ـ ربّما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحلّ العقال

و «ربّ» لا يدخل إلا على النكرات.

ـ وأمّا التعجب فنحو : ما أحسن زيدا ، وما أعلم عمروا.

__________________

(١) سورة النحل : آية ٩٧.

(٢) سورة السجدة : آية ١٧.

(٣) سورة يس : آية ٢٧.

(٤) سورة ق : آية ٢٣.

٤٨٩ ـ البيت لأمية بن أبي الصلت :

وهو في ديوانه ٣٦٠ ، وكتاب سيبويه ١ / ٢٧٠ ، والمقتضب ١ / ٤٢ ، وابن يعيش ٤ / ٢.

٤٨٧

كأنك قلت : شيء أحسن زيدا ، وموضعها رفع بالابتداء ، وخبرها : فعل التعجب ، وهو أحسن وعلى ذلك قياس الباب.

ـ وأمّا الذي للجحود فنحو قوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) (١) ، (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (٢) ، و «ما» الجحد والنفي سواء عند الكوفة ، وأهل البصرة يسمّون «ما» الجحد في مثل قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) (٣) ، و «ما» النفي مثل قوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) (٤).

ـ قال الشيخ الإمام رضي الله عنه : كأنّ النفي من الاستقبال ، والجحد في المضي والحال.

ـ وأمّا التي هي صلة فنحو قوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) (٥) ، أي : فبنقضهم ، وكذلك : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (٦).

قال الأعشى :

٤٩٠ ـ فاذهبي ما إليك أدركني الحل

م عداني من هجوكم أشغالي

وقال عنترة :

٤٩١ ـ يا شاة ما قنص لمن حلّت له

حرمت عليّ وليتها لم تحرم

 ـ وأمّا «ما» الكافّة فكقول الله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) (٧) ،

__________________

(١) سورة يوسف : آية ٣١.

(٢) سورة يوسف : آية ١٧.

(٣) سورة آل عمران : آية ١٤٤.

(٤) سورة الذاريات : آية ٥٧.

(٥) سورة المائدة : آية ١٣.

(٦) سورة آل عمران : آية ١٠٩.

٤٩٠ ـ البيت في ديوانه ١٦٤.

٤٩١ ـ البيت من معلقته ، راجع شرح المعلقات ٢ / ٣٨ ، وشرح الجمل لابن عصفور ٢ / ٤٥٨ ، ومغني اللبيب ٤٣٤ ، وديوانه ص ٢٨.

(٧) سورة الأحزاب : آية ٣٣.

٤٨٨

وكقوله : (إِنَّمَا اللهُ) (١) ، و «إنّ» ههنا ناصبة لما بعدها ، لكنها كفّت ب «ما» واستؤنف الكلام بعدها ، وكذلك إذا دخلت على «ربّ» نحو قوله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢).

قال الشاعر :

٤٩٢ ـ ربّما تكره النفوس...

البيت.

وقال القائل :

٤٩٣ ـ أعلاقة أمّ الوليد بعد ما

أفنان رأسك كالثّغام المخلس

ف «ما» كفّ «بعد» واستأنف الكلام بعدها ، فقال : أفنان رأسك بالرفع.

ـ وأما المسلّطة فنحو قولك : حيثما تكن أكن.

لو لا «ما» لم يجزم الجزاء ب «حيث».

وكذلك إذ ما. قال الشاعر :

٤٩٤ ـ إذ ما تريني اليوم أزجي مطيّتي

أصعّد سيرا في البلاد وأفرع

٤٩٥ ـ فإنّي من قوم سواكم وإنّما

رجالي قوم بالحجاز وأشجع

__________________

(١) (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ ،) [سورة النساء : آية ١٧١.

(٢) سورة الحجر : آية ١.

٤٩٢ ـ البيت تقدم قريبا برقم ٤٨٠ ، وهو في مغني اللبيب ٤٣٢ ، وشرح جمل الزجاجي لابن عصفور ٢ / ٤٥٧ ، وخزانة الأدب ٦ / ١٠٨.

٤٩٣ ـ البيت للمرّار الحنظلي العدوي ، وهو من شواهد سيبويه ١ / ٦٠ ، والخزانة ٤ / ٤٩٣ ، ومغني اللبيب ٤٠٩.

والثغام : نبت إذا يبس صار أبيض ، والمخلس : بكسر اللام : المختلط رطبه بيابسه.

٤٩٤ ـ ٤٩٥ ـ البيتان لعبد الله بن همام السلولي.

وهما في أمالي ابن الشجري ٢ / ٢٤٥ ، وشرح ابن يعيش ٧ / ٤٧.

وقال ابن الشجري : ليست «ما» معها زائدة كزيادتها في غيرها.

وقال في القاموس : فرع كمنع : صعد ونزل ، ضد.

٤٨٩

ومثله :

٤٩٦ ـ إذ ما أتيت على الرسول فقل له

حقا عليك إذا اطمأن المجلس

موضع أتيت جزم ب «إذ ما» ، والجواب الفاء في قوله فقل.

ف «ما» مسلّطة سلطة الحرف على الجزم ولو لم تكن لم تجزم الفعل.

ـ وأما المغيّرة لمعنى الحرف فنحو قوله تعالى : (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) (١) ، غيّرت من معنى «لو» ، لأن معناها كان في قولك : لو كان كذا كان كذا امتناع الشيء لامتناع غيره ، فخرجت عن هذا المعنى إلى غيره...*

وقيل : إن جميع «ما» الي هي موجودة في القرآن تسعة :

ـ أولها : «ما» النفي نحو قوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) (٢).

ـ وما التي للخبر والإثبات نحو قوله تعالى : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٣).

ـ وما للاستفهام نحو قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (٤).

ـ وما التي للشرط نحو قوله تعالى : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها) (٥) ، (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) (٦).

ـ وما للتوقيت نحو قوله تعالى : (ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) (٧).

__________________

٤٩٦ ـ البيت للصحابي العباس بن مرداس قاله في قصيدة له يوم حنين يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهو من شواهد سيبويه ١ / ٤٣٢ ، والمقتضب ٢ / ٤٦ ، والمقتصد شرح الإيضاح رقم ٢٩٥ ، والروض الأنف ٤ / ١٣٢.

(١) سورة الحجر : آية ٧.

(٢) سورة الذاريات : آية ٥٧.

(٣) سورة الكافرون : آية ٢.

(٤) سورة المدثر : آية ٤٢.

(*) هنا بعض الكلمات مطموسة لم تظهر.

(٥) سورة فاطر : آية ٢.

(٦) سورة المزمل : آية ٢٠.

(٧) سورة هود : آية ١٠٧.

٤٩٠

ـ وما التي للتعجب نحو قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) (١).

ـ وما التي للمصدر نحو قوله تعالى : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) (٢).

ـ وما التي للجحد نحو قوله تعالى : (ما هذا بَشَراً) (٣).

ـ وما الصلة نحو قوله تعالى : (جُنْدٌ ما هُنالِكَ) (٤).

قال الشاعر :

٤٩٧ ـ ومنّا ضرار وابنماه وحاجب

مؤجّج نيران المكارم لا المخبي

يريد : ومنا ضرار وابنه ، ف ما صلة.

* * *

__________________

(١) سورة البقرة : آية ١٧٥.

(٢) سورة يس : آية ٢٧.

(٣) سورة يوسف : آية ٣١.

(٤) سورة ص : آية ١١.

٤٩٧ ـ البيت للكميت بن زيد الأسدي ، وقوله المخبي يقال : خبت النار إذا سكنت وطفئت. والبيت في الأصمعيات ص ٢٨٦ ، والمقتضب للمبرد ٢ / ٩١ ، والجمهرة ٣ / ٤٨٦.

٤٩١

باب الأفعال

ـ الأفعال تدور على ثلاثة أضرب : على المضي والاستقبال والحال.

وما خرج عن هذه دخل في حيّز الأسماء.

فالماضي يقال له الدارج والواجب. والمستقبل يقال له المضارع والغابر والراهن.

فالماضي على ثلاثة أوجه :

ـ أحدها : أن يكون بمعناه نحو خرج زيد.

ـ والثاني : أن يكون في معنى المستقبل نحو قوله تعالى : (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (١).

وقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٢).

قال الشاعر :

٤٩٨ ـ وإني لآتيكم تذّكّر ما مضى

من الأمس واستيجاب ما كان في غد

__________________

(١) سورة الفرقان : آية ٢٦.

(٢) سورة المعارج : آية ٤.

٤٩٨ ـ البيت تقدم ويروى [بشكري] بدل تذكّر. وكان رقمه ١٣٧.

٤٩٢

ـ والثالث : أن يكون بمعنى الحال كقوله تعالى : (كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) (١). أي : من هو في المهد صبي.

والمستقبل على ثلاثة أوجه :

ـ أحدها : أن يكون بمعناه وبمعنى الاستئناف.

ـ والثاني : أن يكون بمعنى الماضي كقوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢). أي : مكروا.

وكقوله تعالى : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) (٣). أي : قلت.

ـ والثالث : أن يكون بمعنى المصدر إذا قارنته أن الخفيفة نحو قوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٤) ، (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) (٥). أي : الصدقة خير لكم ، والعفو أقرب للتقوى.

ـ وأقلّ أبنية الأفعال ثلاثة أحرف ، وأكثرها أربعة أحرف فما زاد على ذلك فليس من البناء ، وقد يتشعب عن «فعل» سبعة عشر فعلا :

فعّل (٦) ، وأفعل (٧) ، وفاعل (٨) ، وافتعل (٩) ، وانفعل (١٠) ، واستفعل (١١) ، وتفعّل (١٢) ، وتفاعل (١٣) ، وافعلّ (١٤) ، وافعالّ (١٥) ، وافعوعل (١٦) ،

__________________

(١) سورة مريم : آية ٢٩.

(٢) سورة الأنفال : آية ٣٠.

(٣) سورة الأحزاب : آية ٣٧.

(٤) سورة البقرة : آية ٢٨٠.

(٥) سورة البقرة : آية ٢٣٧.

(٦) مثل : ضرّب.

(٧) مثل : أكرم.

(٨) مثل : قاتل.

(٩) مثل : اقتدر.

(١٠) مثل : انكسر.

(١١) مثل : استغفر.

(١٢) مثل : تكرّم.

(١٣) مثل : تقاتل.

(١٤) مثل : احمرّ.

(١٥) مثل : احمارّ.

(١٦) مثل : اغدودن النبت إذا طال.

٤٩٣

وافعلل (١) ، وافعوّل (٢) ، افعاول (٣) ، وتمفعل (٤) ، وتفوعل (٥) ، وتفيعل (٦).

ـ والماضي من الأفعال لا يكون إلا مبنيا على الفتح ، وعلامة نصبه خلاؤه عن العوامل الأربعة وهي : التاء ، والياء ، والنون ، والهمزة.

ـ فإن سئلت لم فتحت اللام من فعل؟

ـ فقل : لئلا يشبه المصدر.

ـ والأفعال على ضربين : لازم ومتعد :

فاللازم : الفعل الحقيقي الذي لا مفعول له ، ولا يدخل عليه الكاف والهاء ولا بد من فاعله ، نحو قام وقعد.

ـ والمتعدي : ما لا يصح الخبر عنه إلا بعد ما يتبين في غيره. نحو : ضرب وأكل.

ـ ومن الأفعال المتعدية ما يتعدى إلى مفعول واحد. نحو : أكلت خبزا ، وشربت ماء.

ـ ومنها ما يتعدى إلى مفعولين وليس لك اقتصار على أحدهما. نحو : ظنّ وحسب. ومنها الأفعال الناقصة. مثل : أصبح وليس وأضحى ، وكان وأخواتها فإنه لا يتم شيء منها إلا باسم وخبر. نحو قولك : أصبح عبد الله سالما ، وما أشبهه.

__________________

(١) مثل : اقعنسس. أي : رجع وتأخّر.

(٢) مثل : اعلوّط البعير إذا علاه وتعلق بعنقه.

(٣) مثل : اشتاور.

(٤) مثل : تمسكن.

(٥) مثل : تجورب.

(٦) مثل : تشيطن.

راجع الممتع في التصريف لابن عصفور ١ / ١٦٨ ـ ١٧٠.

٤٩٤

ـ ومنها ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل ، كقولك : أعلم الله بشرا زيدا خير الناس.

وكل ما لا يتعدى إلى مفعول فإنه يعدى بحرف الصفة. نحو : خرج به وجاء به ، ويعدّى أيضا بإدخال ألف أو تشديد عليه. مثل : أخرجه ، وخرّجه.

ـ والأفعال أيضا على سبعة أوجه : سالم ومعتل ، وأجوف وناقص ، ولفيف ، وأصم ، ومهموز.

ـ فالسالم : ما خلا ماضيه من حروف العلة وهي الياء والواو والألف المنقلبة عنهما.

ـ والمعتل : ما كان فيه حرف العلة موجودا ، فمعتل الفاء ما كان حرف العلة في موضع فائه. والأجوف : ما كان حرف العلة في موضع عينه. والناقص : ما كان حرف العلة في موضع لامه.

ـ واللفيف : ما جمع فيه حرفا علة ، وهي على ضربين : مفروق ومقرون. فالمفروق مثل قولك : وعى ووشى ، والمقرون مثل قولك : غوى وشوى.

والأصمّ : هو المدغم ويقال له : المضاعف ، وهو ما اجتمع فيه حرفان من جنس واحد. مثل : مدّ وفرّ.

والمهموز : أن تكون الهمزة في موضع فائه أو عينه أو لامه مثل : أتى وسأل وقرأ.

* * *

٤٩٥

باب

الحروف التي جاءت لمعنى في غيرها

ـ نبدأ أولا بتعريف مواضع الحروف ونورد (١) مواضع الإدغام من الإبراز والمد والقصر والإتباع والإدخال.

ـ اعلم أنّ الحروف التي تلفظ بها العرب تسعة وعشرون حرفا ، وهي تخرج من ثلاثة مجار ، وتسعة أحيانا وسبعة عشر مخرجا.

ـ فالمجرى الأول الحلق. وله من الحروف ستة : العين والغين ، والحاء والخاء ، والهاء والهمزة.

ـ والمجرى الثاني الشفة ولها من الحروف ثلاثة : الباء والفاء والميم.

ـ وسائر الحروف كلها للفم واللسان.

ـ فأقصى الحروف مخرجا الهمزة ، وهي ترتفع من الصدر كالتهوع ولا صورة لها في الخط.

ثم الهاء فوقها من آخر الحلق. يدلك على قرب جوارهما اعتقابهما في تقليب الهمزة إلى الهاء. نحو : هياك وإياك. وهذا قول بعض النحويين (٢).

لكن الخليل بن أحمد كان يرتب العين قبل الهاء. وهذا شيء يعنى الذوق فيه عن الاختلاف.

__________________

(١) هنا كلمة لم تظهر.

(٢) وهو قول سيبويه.

٤٩٦

ثم الهاء والحاء من وسط الحلق ، ثم الخاء والغين من أول الحلق.

ثم القاف والكاف من حكرة اللسان غير أنّ القاف متصاعدة إلى الحنك ، والكاف من فوقها.

ثم الجيم والشين والضاد من وسط اللسان إلا أن للضاد تحرّفا إلى حافة اللسان وما بينهما من الأضراس. ومن الناس من يتكلفه من الشق الأيمن ، ومنهم من يتكلفه من الشق الأيسر وكلاهما واحد.

وليس في الحروف حرف أصعب مخرجا منه (١).

ثم الصاد والسين والزاي من أسلة اللسان وطرفه (٢).

ويقال للجيم والشين والضاد شجرية (٣). والشجر : مفرج الفم.

ـ والطاء والتاء والدال من طرف اللسان. يقال لها : النطعية (٤). والنطع : الفك الأعلى.

__________________

(١) قال أبو حيّان : والضاد من أصعب الحروف التي انفردت العرب بكثرة استعمالها ، وهي قليلة في لغة العجم ، ومفقودة في لغة الكثير منهم. ا. ه.

وقال بعضهم : ولصعوبته وشدته خصّه عليه الصلاة والسّلام من بين الحروف بقوله : «أنا أفصح من نطق بالضاد».

(٢) قال أبو حيّان : وتسمى أسلية نسبة إلى الموضع الذي يخرجن منه ، وهو أسلة اللسان ، وهي : طرفه.

(٣) قال أبو حيان في شرح التسهيل : وهذه الحروف شجرية. وشجر الحنك : ما يقابل طرف اللسان.

وقال الخليل : الشّجر : مفرج الفم. أي : مفتحه. وقال غيره : هو مجتمع اللحيين عند العنفقة.

(٤) قال القسطلاني : وتسمّى نطعية لأنهنّ يخرجن من نطع الغار الأعلى من الفم ، وهو سقفه ، فنسبن إليه.

٤٩٧

ـ والظاء والذال والثاء من طرف اللسان (١).

ـ والراء واللام والنون من ذلق اللسان (٢).

ـ وحدّ اللسان مقسوم على أربعة أقسام :

فعمل العذبة منها في اللثة ، وعمل الذلق في الطرف ، وعمل الأسلة في الثنايا ، وعمل الطرف في النطع ، فتدبره في الذوق تقف عليه إن شاء الله تعالى.

وكان الخليل يجعل العين والحاء والهاء والخاء والغين حلقية. والقاف والكاف لهويتين. والجيم والشين والضاد شجرية. والصاد والسين والزاي أسلية ، والتاء والدال نطعية. والذال والظاء والثاء لثوية ، والراء واللام والنون ذلقية ، والباء والفاء والميم شفوية ، والواو والياء والهمزة هوائية ؛ لأنهن يخرجن من الهواء بلا اعتماد اللسان على شيء ، وربما قيل لها جوفية لأنها تخرج من الجوف.

ـ الحروف المهموسة :

وهي عشرة أحرف : التاء والثاء ، والحاء والخاء ، والسين ، والصاد ، والفاء والكاف والهاء (٣).

ومعنى الهمس : لين الصوت وإخفاؤه.

ـ وباقي الحروف مجهورة (٤) ، ومعنى الجهر : رفع الصوت.

__________________

(١) مخرجها طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا ، ويسميها الخليل لثوية ، لأنّها تخرج من اللثة.

ـ وقال أبو حيّان : والظاهر أنها مما انفردت به العرب واختصت به دون العجم ، والذال ليست في الفارسية ، والثاء ليست في الرومية والفارسية أيضا. ا. ه.

(٢) وتسمى ذلقية وذولقية ، سماهنّ الخليل بذلك ، وطرف كل شيء : ذلقه.

(٣) ويجمعها قولهم : «فحثّه شخص سكت». والهمس في اللغة : الخفاء. ومنه قوله تعالى : (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً.)

(٤) لقبت بالجهر لأنّ الجهر هو الصوت الشديد القوي ، فلمّا كانت في خروجها كذلك لقّبت به ، لأنّ الصوت يجهر بها.

٤٩٨

ـ أحرف الإطباق أربعة : الصاد والضاد والطاء والظاء. سميت مطبقة لأن اللسان ينطبق فيها على الحنك عند التلفظ بها ، ولها صوت كقولك : لطلط.

ـ وما عداها ينفتح ولا ينطبق اللسان منه على الحنك عند التلفظ.

ـ حروف الاستعلاء سبعة أحرف ومنها حروف الإطباق ـ الصاد والضاد والطاء والظاء ـ والخاء والسين والقاف وسميت بذلك لانطباق الشفتين عند التلفظ بها على اللسان (١).

ومنها لا ينطبق كالفاء. وإذا قلت : أف لم ينطبق الشفتان على اللسان وإن استعلى إليه.

وإذا قلت : أط استعلى ثم انطبق.

ـ حروف المد واللين : وهي ثلاثة : الواو والياء والألف. ويقال لها حروف الانقلاب والحذف.

ومعنى المد واللين : أن يمكن أن يمد بها الصوت. ولا يمكن أن يمدّ بغيرها. نحو زيدي وزيدا وزيدوا.

ـ قال الخليل : وتسمي العرب الألف وحدها الهاوي ؛ لأنها تهوي إلى ناحية الحلق كأنها تخرج من جبّ ، وتسمّي العرب الشين متفشيا (٢) ، كأنه يخرج من شطره ، وإذا قلت : أش يتبين ذلك عند الإفشاء ، وتسمي النون حرف الغنّة ؛ لأنّه يخرج من الخياشيم ويمتد الصوت به.

* * *

__________________

(١) سميت بذلك لارتفاع اللسان بها عند النطق إلى أعلى الحنك.

(٢) سميت بذلك لأنّها تفشت عند النطق بها حتى اتصلت بمخرج الطاء.

٤٩٩

باب الإدغام

الإدغام في حروف الفم خاصة وهي اثنا عشر حرفا : التاء والثاء والدال والظاء والذال والطاء والصاد والضاد والسين والزاي والراء واللام.

فالستة الأولى يدغم بعضها في بعض. وتدغم في الستة الأخرى.

والنون والتنوين يبرزان عند حروف الحلق ويخفيان عند سائر الحروف.

الحروف الشديدة ثمانية : الهمزة والقاف والياء والجيم والتاء والكاف والطاء والدال (١) ، وما عداها رخوة. إلا أن منها ما لا يجري الصوت فيه كجريانه في الرخوة.

ومعنى الشدة (٢) : لزوم الاعتماد لموضع الحروف.

* * *

__________________

(١) ويجمعها قولهم : «أجد قط بكت».

(٢) قال القسطلاني : سمّيت بذلك لأنه اشتد لزومها لموضعها وقويت فيه ، حتى حبس الصوت عند لفظها أن يجري معها لقوة الاعتماد عليها.

٥٠٠