مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

عرض وصف النفل للفريضة [١] ـ كالمعادة والإعادة للاحتياط الاستحبابي ، والتبرع بالقضاء عن الغير ـ لم يلحقها حكم النفل ولو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة ، بل المدار على الأصل. وأما الشك في أفعال النافلة فحكمه‌

______________________________________________________

لا خلاف فيه. وعن المدارك : لا ريب فيه. وعلله فيها : بأنه المتيقن. لكنه كما ترى ، لان كون الأقل متيقنا لا يقتضي أفضلية البناء عليه. وأصالة عدم الزيادة لو جرت اقتضت لزوم البناء عليه ، وإن لم تجر ـ كما هو المتسالم عليه ـ فاحتمال النقيصة كاحتمال الزيادة لا يترجح أحدهما على الأخر فالأولى الاستدلال عليه بالإجماع والمرسل المتقدم.

[١] هذا البيان ربما يجري على لسان غير واحد ، وأن المدار في الفرض والنفل على الأصل ، فمثل : صلاة الطواف ، وصلاة العيد ، والمعادة ، وعبادة الصبي ، والمتبرع بها عن الغير ، ونحوها يجري عليها حكم الفريضة وان كانت مستحبة ، لعدم كونها نفلا في الأصل. ومثل : النوافل الاستيجارية ، والمنذورة ، والمأمور بها بأمر الوالد والسيد يجري عليها حكم النفل ، لكونها كذلك في الأصل وإن وجبت بالعارض. أو أن المدار على العارض فينعكس الحكم. ولكنه لا يخلو من مسامحة ، فإن صلاتي الطواف والعيد تكونان واجبتين إذا جمعتا شرائط الوجوب ، وتكونان مستحبتين إذا فقدتا بعض الشرائط ولا وجه لدعوى : كونهما فريضتين بالأصل وتستحبان بالعارض ، إذ ليس هو أولى من العكس. كما أن الصلاة المعادة واجبة بالأصل وواجبة بالعارض ولذا ينوي بها الوجوب ، على ما تقدم عند جماعة. وعباده الصبي مستحبة بالأصل في قبال عبادة البالغ ، ولا وجه لعدها مستحبة بالعارض ، بل الاولى عد عبادة البالغ واجبة بالعارض مستحبة بالأصل ، لطروء البلوغ بعد الصبا. وأما المتبرع بها عن الغير فقد عرفت في مبحث القضاء : أن‌

٥٨١

حكم الشك في أفعال الفريضة ، فإن كان في المحل أتى به [١] ،

______________________________________________________

المتبرع إنما يأتي بها للأمر الوجوبي المتوجه الى المتبرع عنه ، ولا دخل للأمر بالتبرع في الامتثال ، لان متعلقه حيثية كون الفعل للغير لا نفس الفعل فراجع. وأما النوافل الاستيجارية وما بعدها فالأمر الوجوبي فيها لم يتعلق بالفعل بعنوان كونه صلاة ، بل هو في الأوليين من باب وجوب تسليم كل مال الى مالكه فإن الإجارة توجب ملك المستأجر لعمل المؤجر فيجب تسليمه اليه ، والنذر يوجب ملك الله سبحانه للفعل المنذور فيجب تسليمه اليه ، فالوجوب إنما هو متعلق بعنوان تسليم ملك الغير الى مالكه. وفي الأخيرتين من باب وجوب الإطاعة للوالد والسيد ، وهذه العناوين أجنبية عن الصلاة ، والظاهر من الفرض والنفل الوصفين ما يجب ويستحب بعنوان كونه صلاة لا بعنوان آخر.

وعلى هذا فلا ينبغي التأمل في إجراء الحكم المذكور للنافلة على النوافل الاستيجارية وأخواتها ، إذ الإجارة والنذر ونحوهما لا توجب تبدل أحكام موضوعاتها ، ولا تصلح لتشريع أحكام جديدة. كما لا ينبغي التأمل في عدم إجرائه على الفرائض المتبرع بها لذلك أيضا. وفي إجرائه على صلاة الطواف والعيد وعبادة الصبي ونحوها وعدمه وجهان ، مبنيان على ظهور النافلة في النص والفتوى ـ في المعنى الوصفي أو الاسمي ـ أعني. ما لا يكون فرضا في نوعه ـ فيكون العنوان المذكور ملحوظاً مرآة لتلك الذوات من الصلوات ، لا يخلو ثانيهما عن قوة. لا أقل من احتمال ذلك ، الموجب لإجمال الصحيح ونحوه ، فيجب الاقتصار على المتيقن ، والرجوع في غيره الى عموم : أدلة أحكام الشك الشاملة للفريضة والنافلة ، لوجوب الرجوع الى العام عند إجمال الخاص.

[١] كما عن فوائد الشرائع والروض والمدارك ، لقاعدة الشك في المحل الشامل دليلها للنافلة ، وقصور الصحيح ونحوه عن شمول حكم الشك في الأفعال ، لقرب احتمال كون المراد من السهو فيه خصوص الشك في الركعات‌

٥٨٢

وإن كان بعد الدخول في الغير لم يلتفت [١]. ونقصان الركن مبطل لها كالفريضة [٢] ،

______________________________________________________

كما يشهد به ملاحظة كثير من النصوص ، كمرسل يونس الوارد في : « لا سهو في سهو » (١) و‌موثق عمار : « إلا أجمع لك السهو كله في كلمتين ، متى شككت فخذ بالأكثر » (٢) وصحيح زرارة الوارد في قدح الشك في العشر ركعات (٣) وغير ذلك ، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في مسألة : « لا سهو في سهو » فلا مجال لرفع اليد به عن عموم القاعدة ، وأولوية الفعل من العدد غير ثابتة. وأما دعوى : كون وجوب الفعل مع الشك في المحل ليس من أحكام السهو ليصح نفيه بالصحيح ، بل هو لأصالة عدم الإتيان بالفعل ـ كما في الجواهر وغيرها ـ فلا تصلح للخدش في الصحيح ونحوه ، إذ كونه لأصالة عدم الإتيان بالفعل لا يخرجه عن أحكام السهو ـ أعني : الشك أو ما يشمله ـ إذ المراد من أحكام السهو ما كان ثابتاً للشك أو لما يشمله ، سواء أكان ثبوته بدليل الاستصحاب أم بقاعدة أخرى غيره ولا وجه لدعوى : الاختصاص بالثاني ، كما لا يخفى.

[١] لعموم قاعدة التجاوز ، بلا مخصص.

[٢] كما عن صريح الموجز وظاهر الدروس والمدارك وفوائد الشرائع ومجمع البرهان لقاعدة فوات الكل بفوات جزئه ، مع عدم ما يوجب الخروج عنها ، عدا الصحيح ونحوه. وقد عرفت الإشكال في عموم السهو المذكور فيه للمقام واستفادة العدم مما دل على عدم قدح زيادة الركن غير ظاهرة. ومجرد مساواتهما في القدح في الفريضة غير كاف في مساواتهما في المقام.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ملحق حديث : ٨.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٥٨٣

بخلاف زيادته [١] فإنها لا توجب البطلان على الأقوى.

______________________________________________________

[١] كما عن صريح الموجز وظاهر الدروس. لعدم الدليل على قدحها والإجماع عليه في الفريضة غير ثابت هنا. مضافا إلى خبر الصيقل عن الصادق (ع) : « في الرجل يصلي الركعتين من الوتر ، ثمَّ يقوم فينسى التشهد حتى يركع ، فيذكر وهو راكع. قال (ع) : يجلس من ركوعه يتشهد ، ثمَّ يقوم فيتم. قال : قلت : أليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ، ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهد فيهما؟ قال (ع) : ليس النافلة مثل الفريضة » (١). وحسن الحلبي : « عن الرجل سها في الركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثالثة. فقال (ع) : يدع ركعة ويجلس ويتشهد ويسلم ، ثمَّ يستأنف الصلاة بعد » (٢). اللهم إلا أن يخدش في الأخير : بظهوره في كون الثالثة من صلاة أخرى ، فلا تكون زيادة في الأولى ، كي يدل على عدم قدح الزيادة الركنية بل وفي الأول : بوجوب حمله على ذلك ، بناء على لزوم فصل الشفع عن الوتر بالتسليم. لكن يأباه جداً قوله (ع) : « ليس النافلة كالفريضة » إذ لو حمل على كون الركعة الثالثة صلاة أخرى لم يكن فرق بين النافلة والفريضة في ذلك. ويبعده أيضا : عدم ذكر التسليم فيه ـ كما ذكر في حسن الحلبي ـ فلا بد من طرحه.

هذا ولكن قد يقال : إن مستند قدح زيادة الركن ليس منحصراً بالإجماع ، بل عرفت سابقا : وفاء النصوص بقدح زيادة الركوع ـ بل وزيادة السجدتين ـ فان تمَّ عدم الفصل بين الأركان كان اللازم الحكم به مطلقا في المقام أيضا. نعم لو تمت دلالة الخبرين المذكورين على جواز‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

٥٨٤

وعلى هذا فلو نسي فعلا من أفعالها تداركه وإن دخل في ركن بعده [١] ، سواء كان المنسي ركنا أو غيره.

______________________________________________________

زيادة الركن وجب التعدي عن موردهما بعدم القول بالفصل ، فيعارضان عموم ما دل على القدح ، فيخصص بهما. وإن لم يتم عدم الفصل وجب التفصيل بين ما ذكر ـ فتقدح زيادته ، إلا في مورد الخبرين ـ وبين غيره فلا تقدح. وكيف كان فلا يتم إطلاق الحكم بعدم قدح الزيادة.

[١] أما إذا زاد ركعة فلا مجال للتدارك ، للمنع عن زيادتها في الفريضة ، الجاري في النافلة ، لإطلاق دليل المنع الشامل للنافلة. ولقاعدة إلحاق النافلة بالفريضة ، والمعول عليها في سائر المقامات. نعم قد يظهر من صحيح زرارة ـ : « إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة ركعة فليستقبل صلاته استقبالا » (١) ـ عدم قدح زيادة الركعة في غير المكتوبة. لكن لا يظن التزامهم به ، فليحمل على كون موضوع الشرطية الصلاة المكتوبة. أو أن الشرطية مسوقة لبيان المنطوق لا غير ـ ولو لأجل الإجماع على عدم الأخذ بإطلاق المفهوم ـ لعدم الفرق في بطلان الصلاة المكتوبة بين زيادة الركعة وزيادة سائر الأركان ، فلا يكون له تعرض للنافلة ثمَّ إنه على تقدير قدح زيادة الركعة لو نسي الفاتحة من الركعة الأولى وذكرها قبل التسليم لم يتدارك. أما بناء على عدم قدحها وجب التدارك. ولو ذكرها بعد التسليم وفعل المنافي لم تبطل صلاته ، لحديث : « لا تعاد الصلاة .. » ولو بناء على عدم مخرجية التسليم الواقع في غير محله. وكذا لو ذكرها بعد التسليم قبل فعل المنافي ، بناء على مخرجية التسليم الواقع في غير محله. أما بناء على عدم مخرجيته وجب التدارك.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الركوع حديث : ١.

٥٨٥

( مسألة ١٠ ) : لا يجب قضاء السجدة المنسية والتشهد المنسي في النافلة [١] ، كما لا يجب سجود السهو لموجباته فيها [٢].

( مسألة ١١ ) : إذا شك في النافلة بين الاثنتين والثلاث فبنى على الاثنتين ثمَّ تبين كونها ثلاثا بطلت [٣] ،

______________________________________________________

[١] بل في الجواهر : « ينبغي الجزم بعدم مشروعيته ». وعلله بالخبرين السابقين ، ثمَّ قال : « وإن كان العمل بهما لا يخلو من نظر ، خصوصاً مع التعدي لغير موردهما. لكن يستفاد منهما ومن غيرهما سهولة الأمر في النافلة ». ولقد أجاد فيما أفاد. وعليه فقاعدة : إلحاق النافلة بالفريضة محكمة ، بعد ما عرفت من الإشكال في عموم نفي السهو للمقام. والخبران لو تمت دلالتهما فهما حجة في جواز التدارك في الأثناء ، لا في عدم القضاء لو لم يمكن التدارك ، كما إذا لزم من بقاء محل تداركه زيادة ركعة ، التي قد عرفت أنها مبطلة ، فبحديث : « لا تعاد .. » يبنى على سقوط جزئية المنسي. نعم لو فرض دلالة الخبرين على جواز تدارك المنسي في الأثناء ، بلا لزوم زيادة للبناء على ما أتى به من الاجزاء بلا استئناف لم يكن للقضاء فرض خارجي ، إلا إذا ذكر بعد الفراغ ، بناء على مخرجية التسليم.

[٢] كما هو المشهور. وعن صريح الخلاف وظاهر المنتهى : نفي الخلاف فيه ، بل الإجماع ظاهر التذكرة أيضا. وهو العمدة ـ لو تمَّ ـ وإلا فقد عرفت الإشكال في عموم نفي السهو للمقام ، ولا مانع من الوجوب بناء على كونه غيريا ، بل وكذا على القول بالوجوب التعبدي ، وإن كان بعيداً. وكأنه لذلك ـ مع الإشكال في ثبوت الإجماع ـ حكم في الروض بوجوب السجود ، على ما حكي.

[٣] لزيادة الركعة القادحة ، بناء على ما عرفت.

٥٨٦

واستحب إعادتها [١] ، بل تجب إذا كانت واجبة بالعرض.

( مسألة ١٢ ) : إذا شك في أصل فعلها بنى على العدم [٢] ، إلا إذا كانت مؤقتة وخرج وقتها [٣].

( مسألة ١٣ ) : الظاهر أن الظن في ركعات النافلة حكمه حكم الشك في التخيير [٤] بين البناء على الأقل أو الأكثر ، وإن كان الأحوط العمل بالظن ما لم يكن موجباً للبطلان.

( مسألة ١٤ ) : النوافل التي لها كيفية خاصة ، أو سورة مخصوصة ، أو دعاء مخصوص ـ كصلاة الغفيلة ، وصلاة ليلة الدفن ، وصلاة ليلة عيد الفطر ـ إذا اشتغل بها ونسي تلك الكيفية ، فإن أمكن الرجوع والتدارك رجع وتدارك‌

______________________________________________________

[١] هذا الاستحباب عين استحبابها قبل فعلها.

[٢] لاستصحاب العدم.

[٣] لقاعدة الشك بعد خروج الوقت ، التي لا يفرق فيها بين النافلة والفريضة لصحيح زرارة (١). وهو وإن كان المذكور في صدره خصوص الفريضة ، إلا أن الظاهر من التعبير بالحائل في ذيله : أن الوجه في عدم الالتفات : جهة الحائل وهي مطردة في النافلة. فتأمل.

[٤] لدخوله في السهو المنفي ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، لاحتمال ارادة خصوص الشك المتساوي الطرفين الموجب للبطلان. أو للبناء على الأكثر أو نحوهما من الوظائف ، لا ما يعم الظن الذي هو حجة ، كسائر الطرق الشرعية ـ من البينة وغيرها ـ التي لا يعمها نفي السهو في الصحيح قطعا. وحينئذ فما يستفاد منه عموم حجية الظن في الركعات حتى في النافلة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٦٠ من أبواب المواقيت حديث : ١.

٥٨٧

وإن استلزم زيادة الركن ، لما عرفت من اغتفارها في النوافل وإن لم يمكن أعادها [١] ، لأن الصلاة وإن صحت [٢] إلا أنها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة. وإن نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر قضاه متى تذكر [٣].

______________________________________________________

ـ كصحيح صفوان ـ (١) محكم.

[١] لفوات الكل بفوات جزئه. وحديث : « لا تعاد .. » لا يجري في أمثال هذه القيود التي لها دخل في بعض الخواص والاثار الزائدة على خاصية أصل الصلاة ، وليست قيودا لأصل الصلاة ، كما هو ظاهر.

[٢] هذا إذا كان ناويا لأصل الصلاة ، ولو بنحو تعدد المطلوب. أما إذا كان ناويا لخصوص الصلاة المعينة ـ بنحو وحدة المطلوب ـ فلا موجب للصحة ، لعدم النية المعتبرة في العبادة. نعم لو جرى حديث : « لا تعاد .. » كان هو دالا على الصحة. لكن عرفت : أنه لا يجري مع أنه لو جرى اقتضى نفي الإعادة أيضا ، فالجمع بين الإعادة وصحة الصلاة مشكل.

[٣] للمحكي عن الاحتجاج والغيبة من توقيع الحميري (ره) حيث سأله ـ عليه‌السلام ـ عن صلاة جعفر (ع) : « إذا سها في التسبيح ـ في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود ـ وذكر في حالة أخرى قد صار فيها من هذه الصلاة ، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع : إذا سها في حالة من ذلك ثمَّ ذكره في حالة أخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره » (٢). وفي عمومه لما بعد الصلاة تأمل ظاهر ، ففي إطلاق المتن تأمل أيضا.

__________________

(١) المراد صحيحة الاتي في المسألة : ١٦.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب صلاة جعفر حديث : ١.

٥٨٨

( مسألة ١٥ ) : ما ذكر من أحكام السهو والشك والظن يجري في جميع الصلوات [١] الواجبة أداء وقضاء ـ من الايات ، والجمعة ، والعيدين ، وصلاة الطواف ـ فيجب فيها سجدة السهو لموجباتها ، وقضاء السجدة المنسية والتشهد المنسي ، وتبطل بنقصان الركن وزيادته لا بغير الركن ، والشك في ركعاتها موجب للبطلان ، لأنها ثنائية [٢].

( مسألة ١٦ ) : قد عرفت سابقاً [٣] : أن الظن المتعلق بالركعات في حكم اليقين ، من غير فرق بين الركعتين الأولتين والأخيرتين ، ومن غير فرق بين أن يكون موجباً للصحة أو البطلان [٤] ، كما إذا ظن الخمس في الشك بين الأربع والخمس‌

______________________________________________________

[١] لإطلاق بعض أدلة الاحكام ، وإلغاء خصوصية مورد البعض الأخر عرفا ، كالغائها بالإضافة إلى الصلاة اليومية.

[٢] كما تقدم ذلك في أول فصل الشك.

[٣] وعرفت وجهه أيضا‌

[٤] في هذا العموم إشكال ، لقصور أدلة حجية الظن عن إثباته. أما ما ورد في الموارد الخاصة فظاهر ، لعدم كون المقام منها. وأما مثل صحيح صفوان عن أبي الحسن (ع) : « إن كنت لا تدري كم صليت ، ولم يقع ووهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (١) فإن مقتضى كون المفهوم عدم وجوب الإعادة اختصاصه بالظن بالصحيح. لكن لا يبعد أن يدعى : كون المفهوم وجوب العمل بالوهم الذي قد يقتضي الإعادة وقد لا يقتضيها. هذا ولو تمَّ عدم القول بالفصل بين الظن بالصحيح والظن بالفاسد ـ كما يقتضيه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٥٨٩

أو الثلاث والخمس. وأما الظن المتعلق بالأفعال ففي كونه كالشك أو كاليقين إشكال [١] ، فاللازم مراعاة الاحتياط. وتظهر الثمرة : فيما إذا ظن بالإتيان وهو في المحل ، أو ظن بعدم الإتيان بعد الدخول في الغير. وأما الظن بعدم الإتيان وهو في المحل ، أو الظن بالإتيان بعد الدخول في الغير فلا يتفاوت الحال في كونه كالشك أو كاليقين ، إذ على التقديرين يجب الإتيان به في الأول ، ويجب المضي في الثاني. وحينئذ‌

______________________________________________________

إطلاق الفتاوي ومعاقد الإجماعات ـ أو تمت حجية‌ النبوي ـ : « إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه » (١) و‌الآخر : « إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب » (٢) ‌ـ كان الإطلاق واضحا‌

[١] ينشأ : من شهرة القول بذلك شهرة عظيمة ، بل عن المحقق الثاني : نفي الخلاف فيه. وعن غيره : عدم وجدانه. ومن أنه لا دليل عليه إلا فحوى ما دل على حجيته في الركعات ، والنبويان المتقدمان ، المنجبران بالشهرة ونفي الخلاف المحكيين. والأولى غير ظاهرة. والنبويان لا يتجبران بمجرد الموافقة للفتوى ، بل لا بد من الاستناد إليهما في ذلك وهو غير ثابت. وربما يستدل له : بكفاية الظن في حصول الامتثال عقلا ، وبأنه المناسب لشرع الصلاة التي هي كثيرة الأفعال والتروك ، وبما دل على عدم الاعتناء بالشك في الركوع إذا أهوى إلى السجود (٣) إذ ليس الوجه فيه إلا حصول الظن بالركوع ، وبأخبار رجوع الامام والمأموم (٤) وأخبار حفظ الصلاة بالحصى‌

__________________

(١) راجع الذكرى المسألة : ١ من المطلب الثالث في الشك من الركن الثاني في الخلل.

(٢) كنز العمال ج : ٤ صفحة : ١٠١ حديث : ٢١٤٣.

(٣) الوسائل باب : ١٣ من أبواب الركوع حديث : ٦.

(٤) راجع السادس من الشكوك التي لا اعتبار بها من هذا الفصل.

٥٩٠

فنقول : إن كان المشكوك قراءة أو ذكراً أو دعاء يتحقق الاحتياط [١] بإتيانه بقصد القربة ، وإن كان من الافعال‌

______________________________________________________

والخاتم‌ (١) و‌رواية إسحاق بن عمار : « إذا ذهب وهمك إلى التمام ابدأ في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع » (٢) وفيه : المنع من الأول ولذا اشتهر : أن شغل الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني. ومجرد المناسبة لا يصلح لإثبات الأحكام الشرعية. وكون الوجه ـ في عدم الاعتناء بالشك في الركوع حال الهوي ـ هو الظن غير ظاهر. ولو سلم فلا يدل على الكلية لاختصاصه بصورة التجاوز ـ نظير أخبار قاعدة التجاوز ـ بل المورد منها كما عرفت.

ومنه يظهر الحال في أخبار رجوع الامام والمأموم ، كما تقدم. وتقدم الإشكال أيضاً في رجوع أحدهما إلى الأخر في الافعال. وأما أخبار الحفظ بالحصى والخاتم فظاهرها العلم. مع أن منصرف تلك النصوص الركعات لا الافعال. ورواية إسحاق ظاهرة في الظن بعد الفراغ. ولو سلم شمولها للظن بالتمام في الأثناء فلا تشمل الظن بالفعل في المحل ، لأن الصلاة حينئذ لا تتصف بالنقص على تقدير عدم الفعل ، ولا الظن بالعدم ظن بالنقص ، كما هو ظاهر. وعلى هذا فالقول بعدم حجية الظن في الافعال والرجوع الى قاعدتي الشك في المحل وبعد التجاوز متعين. وقد يشعر بالقاعدة الثانية الصحيح : « في الذي يذكر أنه لم يكبر في أول صلاته ، فقال (ع) : إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد ، ولكن كيف يستيقن؟ » (٣) فتأمل.

[١] يعني : حيث يظن بالإتيان وهو في المحل. وأما إذا ظن بعدم‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٦ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب الخلل في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب تكبيرة الإحرام حديث : ٢.

٥٩١

فالاحتياط فيه أن يعمل بالظن ثمَّ يعيد الصلاة : مثلا إذا شك في أنه سجد سجدة واحدة أو اثنتين ـ وهو جالس لم يدخل في التشهد أو القيام ـ وظن الاثنتين يبني على ذلك ويتم الصلاة ، ثمَّ يحتاط بإعادتها [١]. وكذا إذا دخل في القيام أو التشهد وظن أنها واحدة يرجع ويأتي بأخرى ويتم الصلاة ثمَّ يعيدها [٢]. وهكذا في سائر الافعال. وله أن لا يعمل بالظن [٣] بل يجري عليه حكم الشك ويتم الصلاة ثمَّ يعيدها. وأما الظن المتعلق بالشروط‌

______________________________________________________

الإتيان وقد تجاوز المحل فلا مجال للاحتياط ، لأن مقتضى الظن الرجوع الى المحل والتدارك ، فتلزم زيادة الجزء الذي به يتحقق التجاوز.

[١] لاحتمال النقيصة العمدية ، كما هو مقتضى قاعدة الشك في المحل.

[٢] لاحتمال الزيادة العمدية ، كما هو مقتضى قاعدة التجاوز. اللهم إلا أن يقال : إن الجزء المأتي به بعنوان الاحتياط لا يصدق عليه الزيادة على تقدير عدم الحاجة إليه ، لتوقف الزيادة على قصد الجزئية وقوله (ع) : « لا تقرأ في الفريضة سور العزائم ، فإن السجود زيادة في المكتوبة » (١) جار على خلاف القاعدة ، فيقتصر في العمل به على مورده ، ولا إطلاق في السجود ، لاحتمال إرادة خصوص سجود التلاوة المشار إليه في الصدر فيكون من قبيل الكلام المقرون بما يصلح للقرينية ، الموجب لسقوطه عن الحجية. وحينئذ فيمكن الاحتياط بالإتيان بالجزء عند الظن بوجوده أو عدمه بلا لزوم زيادة ، ولا نقيصة ، وإن كان ظاهر الأصحاب : عدم الجواز.

[٣] بل يعمل بمقتضى قاعدة الشك في المحل ـ في الفرض الأول ـ فيسجد ثانياً ، وبمقتضى قاعدة التجاوز ـ في الفرض الثاني ـ فيترك السجود ويمضي.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

٥٩٢

وتحققها فلا يكون معتبرا [١] ، إلا في القبلة والوقت في الجملة [٢]. نعم لا يبعد اعتبار شهادة العدلين فيها ـ وكذا في الافعال والركعات ـ وإن كانت الكلية لا تخلو عن إشكال [٣]

( مسألة ١٧ ) : إذا حدث الشك بين الثلاث والأربع قبل السجدتين ـ أو بينهما ، أو في السجدة الثانية ـ يجوز له تأخير التروي [٤] إلى وقت العمل بالشك ، وهو ما بعد الرفع من السجدة الثانية.

( مسألة ١٨ ) : يجب تعلم ما يعم به البلوى من أحكام الشك والسهو [٥]

______________________________________________________

[١] للأصل ، وإن كان مقتضى بعض الأدلة المتقدمة هو الاعتبار. لكن عرفت ضعفه.

[٢] على تفصيل تقدم في مباحثهما.

[٣] للتشكيك في عموم يدل على الحجية مطلقا ، فيلزم الاقتصار على المتيقن من موارد الإجماع أو غيره. لكن تقدم في مباحث المياه : تقريب عموم الحجية من رواية مسعدة بن صدقة. فراجع (١).

[٤] إذ لا يترتب أثر على تقديمه ، للعلم بوجوب فعل السجدتين على كل حال ، سواء استقر شكه بالتروي ، أم انقلب إلى الظن. وحينئذ فيقصر دليل وجوبه عن شمول المورد ، لو تمَّ في نفسه.

[٥] قد تقدم في مباحث التقليد : أن الوجوب المذكور عقلي بمناط وجوب الفحص عن الأحكام الشرعية الواقعية ، بل هو من بعض مصاديقه ومرجعه إلى حكم العقل بعدم عذر المكلف لو وقع في مخالفة الواقع جهلا :

__________________

(١) راجع المسألة : ٦ من فصل ماء البرء ج : ١ من هذا الشرح.

٥٩٣

بل قد يقال ببطلان صلاة من لا يعرفها [١] ، لكن الظاهر‌

______________________________________________________

مثلا لو لم يفحص عن حكم الشك بين الأقل والأكثر فابتلي بالشك في صلاته فبنى على الأقل جهلا وأتم الصلاة لم يكن معذورا في حرمة إبطال الفريضة لو كانت صلاته في الواقع مطابقة لاحتمال الأكثر. وليس وجوبه نفسياً ، لعدم الدليل عليه ، وقصور ما تضمن الأمر به ـ من الكتاب والسنة ـ عن إثباته ، لظهورها فيما ذكرنا ، خلافا لما عن الأردبيلي ومن تبعه لوجوه مضعفة في محلها من الأصول. كما أنه ليس غيريا ، لعدم مقدمية التعلم للموافقة ، وإنما له دخل في حصول العلم بها ، ولا طريقياً ، لأن الأمر الطريقي عين الأمر بالواقع على تقدير المصادفة ، وليس هنا كذلك ، لظهور مباينة العلم للواقع مطلقا ، فيمتنع أن يكون الأمر بأحدهما عين الأمر بالآخر. والكلام في ذلك موكول إلى محله في الأصول. وقد أشرنا إليه في مطاوي هذا الشرح.

وعلى ما ذكرنا من معنى الوجوب فثبوته على تقدير العلم بالابتلاء ظاهر أما مع الشك فيه فلا يخلو عن إشكال. اللهم إلا أن يكون بناء العقلاء على الاكتفاء ـ في حسن المؤاخذة على المخالفة بمجرد احتمال الابتلاء وكون المكلف في معرض الابتلاء ـ كما هو غير بعيد ـ ويقتضيه ظاهر الأصحاب حيث بنوا على عدم عذرية الجهل قبل الفحص مطلقا. نعم في صورة الاطمئنان بعدم الابتلاء لا ينبغي التأمل في المعذورية عقلا ، لبناء العقلاء عليها.

[١] بل لعله المشهور ، وظاهر السيد المرتضى وأخيه : دعوى الإجماع عليه. لكنه غير ظاهر الوجه ، لما عرفت : من عدم الدليل على اعتبار قصد الوجه تفصيلا ، ولا يتوقف عليه التعبد والامتثال. والإجماع المذكور غير صالح للاعتماد عليه.

٥٩٤

عدم الوجوب إذا كان مطمئنا بعدم عروضها له ، كما أن بطلان الصلاة إنما يكون إذا كان متزلزلا بحيث لا يمكنه قصد القربة [١] أو اتفق له الشك أو السهو ولم يعمل بمقتضى ما ورد من حكمه [٢]. وأما لو بنى على أحد [٣] المحتملين أو المحتملات من حكمه وطابق الواقع ـ مع فرض حصول قصد القربة منه ـ صح : مثلا إذا شك في فعل شي‌ء ـ وهو في محله ـ ولم يعلم حكمه لكن بنى على عدم الإتيان فأتى به ، أو بعد التجاوز وبنى على الإتيان ومضى صح [٤] عمله ، إذا كان بانيا [٥] على ان يسأل بعد الفراغ عن حكمه والإعادة إذا خالف ، كما أن من كان عارفا بحكمه ونسي في الأثناء ـ أو اتفق له شك أو سهو نادر الوقوع ـ يجوز له أن يبني على أحد المحتملات في نظره ، بانيا على السؤال والإعادة مع المخالفة لفتوى مجتهده.

______________________________________________________

[١] التزلزل لا دخل له في المنع عن قصد القربة ، ضرورة كون الاحتياط عبادة قطعاً.

[٢] البطلان حينئذ في محله ، لعدم مطابقة المأتي به للواقع ، ولا دليل على إجزائه.

[٣] يعني : عمل على أحد ..

[٤] لاجزاء الواقع ضرورة.

[٥] قد تقدم في مسائل التقليد : الوجه في اعتبار ذلك وضعفه ، وأن المدار في صحة المأتي به كونه مطابقاً للواقع ، صادراً برجاء الواقع. فراجع ، والحمد لله رب العالمين كما هو أهله.

٥٩٥

ختام فيه مسائل متفرقة‌

( الأولى ) : إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر ، فان كان قد صلى الظهر بطل ما بيده [١] ، وإن كان لم يصلها ـ أو شك في أنه صلاها أو لا ـ عدل به إليها [٢].

( الثانية ) : إذا شك في أن ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه بإتيان المغرب بطل [٣] ، ومع علمه بعدم الإتيان بها

______________________________________________________

ختام فيه مسائل متفرقة‌

[١] لأنه لا يصح ظهراً ، لأنه قد صلاها ، ولا عصراً ، لعدم إحراز نيتها. ولا مجال لإحرازها بقاعدة التجاوز ، لأن صدق التجاوز يتوقف على إحراز العنوان ، وهو موقوف على النية ، فلا يمكن إثباتها به. كما لا مجال للعدول بها إلى العصر رجاء ، لعدم الدليل عليه ، إذ الثابت العدول من العصر إلى الظهر لا العكس ، والأصل عدم مشروعيته.

[٢] يعني : عدولا رجائياً ، فاذا أتمها يعلم بصحة الظهر له ، لأن الواقع لا يخرج عن أحد محتملات وهي : إما أنه لم يصل الظهر وقد نوى ما بيده ظهراً فتصح. وإما أنه لم يصل الظهر وقد نواها عصرا ، فيكون حكمه العدول إلى الظهر وقد فعل فتصح. وإما أنه قد صلى الظهر وقد نوى ما بيده ظهراً ، فتبطل هي وتصح الأولى. وإما أنه قد صلى الظهر وقد نوى ما بيده عصراً ، فبالعدول به إلى الظهر يبطل وتصح الظهر الأولى فقط.

[٣] لعين الوجه السابق.

٥٩٦

ـ أو الشك فيه ـ عدل بنيته إليها [١] إن لم يدخل في ركوع الرابعة ، وإلا بطل أيضا [٢].

( الثالثة ) : إذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أنه ترك سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الأولتين أو الأخيرتين ـ صحت ، وعليه قضاؤهما [٣] وسجدتا السهو مرتين. وكذا إن لم يدر أنهما من أي الركعات ، بعد العلم بأنهما من الركعتين.

______________________________________________________

[١] لعين ما سبق.

[٢] لتعذر العدول حينئذ ، فلا يمكن أن تصح مغرباً ولا عشاء ، لعدم إحراز النية.

[٣] لعموم ما دل على قضاء السجدة لو نسيها. وهذا ظاهر إذا علم أنهما من ركعتين غير الأخيرة ، أما إذا علم أن إحداهما من الأخيرة ففي وجوب قضائهما فقط ، أو وجوب تدارك سجدة الأخيرة ، ثمَّ التشهد والتسليم بعدها ، ثمَّ قضاء الأخرى قولان ، مبنيان على مخرجية السلام مطلقاً ـ ولو كان في غير محله ـ وعدمها. وقد تقدم الكلام في ذلك في أواخر الفصل الأول من الخلل. فراجع. ولو شك في أن إحداهما من الأخيرة أو كلتيهما من غيرها ، وقلنا بعدم مخرجية التسليم الواقع في غير محله ـ فنظراً إلى أن قاعدة التجاوز الجارية لإثبات سجدتي الأخيرة معارضة بمثلها الجارية لإثبات سجدتي غيرها مما قبلها من الركعات ـ يكون المرجع : أصالة عدم الإتيان بالسجدة الثانية من الأخيرة ومن غيرها التي هي الطرف الأخر للعلم الإجمالي ومقتضاها الجمع بين الرجوع والتدارك ثمَّ التشهد والتسليم وبين القضاء. نعم يمكن تأدي الاحتياط بالإتيان بالسجدة بقصد ما في الذمة ـ من دون تعرض للقضاء والأداء ـ ثمَّ التشهد والتسليم ، ثمَّ يقتضي السجدة الأخرى.

٥٩٧

______________________________________________________

هذا كله إذا ذكر قبل فعل المنافي سهواً وعمداً ، كالحدث. أما لو ذكر بعده ، فان قلنا بقدح الفصل به بين الصلاة وقضاء الأجزاء المنسية بطلت الصلاة في جميع الصور ، وإن قلنا بجواز الفصل وبالخروج بالتسليم فلا إشكال في صحة الصلاة ووجوب قضاء السجدتين ، وإن قلنا بجواز الفصل وبعدم الخروج بالتسليم الواقع في غير محله فقد بطلت الصلاة ـ ولو علم أن إحداهما من الأخيرة لوقوع المنافي في أثناء الصلاة الموجب لبطلانها.

أما إذا احتمل أن تكون إحداهما من الأخيرة فقاعدة التجاوز الجارية لإثبات سجدتي الأخيرة لا معارض لها في سجدتي غيرها التي هي الطرف الأخر للعلم الإجمالي. ووجه عدم المعارضة : هو العلم بأن إحدى سجدتي الركعة الأخرى لم يمتثل أمرها ، إما لعدم الإتيان بها ، أو للإتيان بها في صلاة باطلة ، لأن الإتيان بها يلازم عدم الإتيان بالسجدة الثانية للركعة الأخيرة ، فيكون المنافي واقعا في أثناء الصلاة مبطلا ، فاذا كانت قاعدة التجاوز الجارية لإثبات السجدة الثانية للركعة الأخيرة لا معارض لها تجري ويكون المقضي سجدتين لغير الأخيرة ، للعلم بفواتهما من غير الأخيرة ، إما لعدم الإتيان بهما ، أو للإتيان بهما في صلاة باطلة ، كما عرفت. فان قلت : الإتيان بهما في صلاة باطلة لا يوجب قضاء السجدة ، بل يوجب استئناف الصلاة من رأس ، فكيف يحصل اليقين بالفراغ عن السجدتين ـ المعلوم اشتغال الذمة بهما بمجرد قضائهما؟ قلت : المستفاد من أدلة وجوب قضاء السجدة المنسية أن عدم امتثال أمرها يوجب قضاءها بعد الصلاة ، على تقدير صحة الصلاة. فإذا أحرز عدم امتثال أمر السجدة بالوجدان ، وكون الصلاة صحيحة بالأصل ـ أعني : قاعدة التجاوز ـ فقد وجب القضاء ، واكتفي به ظاهراً ، وذلك كاف عقلا في الخروج عن عهدة الاشتغال بالسجدة. هذا كله إذا علم بعد الفراغ. وإن علم ذلك في الأثناء‌

٥٩٨

( الرابعة ) : إذا كان في الركعة الرابعة ـ مثلا ـ وشك في أن شكه السابق بين الاثنتين والثلاث ـ كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما بنى على الثاني [١] ، كما أنه كذلك إذا شك‌

______________________________________________________

فاما أن يعلم الركعة التي فاتت منها الثانية أو يجهلها ، فعلى الأولى فاما أن يكون بعد تجاوز المحل قبل الدخول في الركن ، وإما أن يكون بعد الدخول في الركن ، فعلى الاولى يرجع ويتداركها ، ثمَّ يتم صلاته ويقضي الأولى ، ففي الحقيقة لم تفت منه إلا هي ، نظير ما لو كان في المحل قبل التجاوز عنه. وعلى الثاني عليه قضاؤهما معا ، لعدم إمكان التدارك في الأثناء. وإن جهل ركعة الثانية واحتمل كونها الركعة التي بيده ، فاما أن يكون في المحل أو بعد التجاوز عنه ، أو بعد الدخول في الركن ، فعل الأولى يسجد سجدة واحدة ويتم صلاته ثمَّ يقضي أخرى. أما وجوب قضاء واحدة فللعلم به. وأما الاكتفاء بالسجدة المأتي بها في المحل وعدم وجوب قضاء ثانية ، فلا العلم الإجمالي بترك السجدة الثانية ـ المرددة بين أن تكون من الركعة التي بيده وأن تكون من غيرها ـ ينحل بجريان قاعدة الشك في المحل بالنسبة إلى سجدة الركعة التي بيده ، فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدة الركعة السابقة. وعلى الثاني يرجع فيتدارك السجدة المحتملة الفوت ، لأصالة عدم الإتيان بها ، ولا تجري قاعدة التجاوز لإثباتها ، لمعارضتها بمثلها بالنسبة إلى سجدة الركعة الأخرى. وعليه قضاء سجدتين ، للعلم بوجوب قضاء إحداهما ، ولأصالة عدم الإتيان الجارية لنفي السجدة من الركعة السابقة ، لما عرفت من عدم جريان قاعدة التجاوز لمعارضتها بمثلها في سجدة الركعة التي بيده. وعلى الثالث عليه قضاؤهما معاً ، لعدم إمكان التدارك لفرض الدخول في الركن.

[١] تقدم الكلام فيه في المسألة العاشرة من فصل الشك في الركعات.

٥٩٩

بعد الصلاة.

( الخامسة ) : إذا شك في الركعة التي بيده آخر الظهر أو أنه أتمها وهذه أول العصر جعلها آخر الظهر [١].

( السادسة ) : إذا شك في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكر أنه سها عن المغرب بطلت صلاته [٢] ، وإن كان‌

______________________________________________________

[١] يعني : سلم عليها برجاء الظهر ، لأنه يدور أمره بين أن يبطلها وأن يسلم عليها ، وأن يمضي فيها بعنوان العصر. والأول مخالفة قطعية لحرمة إبطال الفريضة ، فلو فعله عصى ، ووجب عليه استئناف الظهر ـ لقاعدة الاشتغال ـ والعصر أيضا ـ للعلم بعدم الفراغ منها. والأخير وإن جاز تكليفاً برجاء كونها العصر ، لكنه لا يجدي في حصول الفراغ من الصلاتين لعدم إحراز الترتيب ولا الركعة الأولى من العصر ، فلو أتمها عصرا جاز تكليفاً ، لكن وجب عقلا استئناف الظهر والعصر معا ، لقاعدة الاشتغال بكل منهما وعدم ثبوت المفرغ. وهذا بخلاف الثاني ، إذ به يحرز فعل الظهر. واحتمال حرمة التسليم ـ لاحتمال كونها العصر ، فيكون التسليم إبطالا لها ـ لا يؤبه به ، لمعارضته باحتمال وجوبه ـ لاحتمال كونها الظهر ـ فيكون تركه إبطالا لها.

ومن هنا يظهر : أن ما في المتن : من الأمر بجعلها آخر الظهر إرشادي إلى ذلك ، وإلا فلا مانع من نيتها عصراً رجاء وإتمامها ، ثمَّ إعادة الصلاتين معا ، إذ ليس فيه مخالفة قطعية بل احتمالية ، كما لو جعلها آخر الظهر ، فهو مخير بين الأخيرين تكليفاً ، وإن كان أولهما أولى. واستصحاب عدم تمام الظهر ـ أو كونه في الظهر ـ لا يثبت كون الركعة التي بيده ظهرا ، حتى يحرم عليه نيتها غيرها.

[٢] إذ لا يمكن إتمامها عشاء ، لفوات الترتيب ، ولا العدول بها إلى‌

٦٠٠