مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

( مسألة ١١ ) : الأقوى جريان الحكم المذكور في غير صلاة المختار ، فمن [١] كان فرضه الجلوس ـ مثلا ـ وقد شك في أنه هل سجد أم لا ـ وهو في حال الجلوس الذي هو بدل عن القيام ـ لم يلتفت ، وكذا إذا شك في التشهد. نعم لو لم يعلم أنه الجلوس الذي هو بدل عن القيام أو جلوس للسجدة أو للتشهد وجب التدارك ، لعدم إحراز الدخول في الغير حينئذ.

______________________________________________________

[١] وفي الجواهر : « لعل المسألة مبنية على أن مثل هذه الأشياء في صلاة المضطر أبدال وأعواض عنها في صلاة المختار ، على وجه يجري عليها الحكم المزبور كما يجري عليها حكم الكيفية ، أو أنها ليست كذلك بل أمور كانت تجب عند الاختيار وأسقطها الشارع عند الاضطرار من غير بدل لها. الظاهر الأول .. ( الى أن قال ) : والانصاف أن المسألة لا تخلو من إشكال ، بل للتأمل فيها مجال .. »

أقول : إن كان المقصود من ابتناء جريان القاعدة فيها على البدلية : أن دليل البدلية هو الموجب لجريان القاعدة ، لأنه يجعل الجلوس بدلا عن القيام ، حتى بلحاظ كون الدخول فيه موجباً لعدم الاعتناء بالشك في وجود ما قبله. ففيه : انه ـ على تقدير القول بالبدلية ـ لا إطلاق في دليلها يشمل هذه الحيثية ، ليكون بذلك حاكما على دليل القاعدة. وإن كان المقصود أنه إذا ثبتت بدليتها كانت واجبات صلاتية ، ويكون الدخول فيها موجباً ـ حقيقة ـ لصدق التجاوز وعدم الاعتناء بالشك. فهو أيضا غير ظاهر إذ لا أثر للنية في صدق التجاوز والدخول في الغير ، لانصراف الغير الى ما هو غير بالذات ، ولا يكفي كونه غيراً بالنية ، كما ذكر بعض الأعلام. ولذا‌

٤٤١

( مسألة ١٢ ) : لو شك في صحة ما أتى به وفساده‌

______________________________________________________

لا يكفي ـ في صدق التجاوز عن السجدة الأولى ـ السجود بعنوان كونه السجدة الثانية ، أو الجلوس بعنوان كونه الجلوس بين السجدتين ، ولا في صدق التجاوز عن السجدتين الجلوس بعنوان جلسة الاستراحة أو للتشهد ، ولا في صدق التجاوز عن تكبير الافتتاح القيام بعنوان كونه قياماً للقراءة ـ فتأمل ـ وهكذا. لكن لازم ذلك عدم صدق التجاوز عن الركوع الايمائي للمريض بفعل الإيماء السجودي بل وعدم صدق التجاوز ـ أيضا ـ عن الظهر بفعل العصر ، مع أنه لا ميز بينهما إلا بالنية. ومنه يشكل الحكم في المسألة. ولعل منع الانصراف والحكم بصدق التجاوز في جميع هذه الموارد وعدم الاعتناء بالشك أقرب الى المتفاهم العرفي وأوفق بالمرتكز العقلائي.

مضافا الى أن المغايرة بين الجلوس الواجب أصالة والجلوس الواجب بدلا ليس بمجرد النية ، لاختلافهما بالخواص والاثار ، نظير الاختلاف بين الظهر والعصر ، والتيمم الذي هو بدل عن الوضوء والتيمم الذي هو بدل عن الغسل ، والإيماء الذي هو بدل عن الركوع وما هو بدل عن السجود وليس ذلك كالاختلاف بين السجدة الأولى والثانية ، والركعة الاولى والثانية. نعم قد يشكل ما في المتن : بأن الجلوس الصلاتي هو ما يكون مقارنا للقراءة أو التسبيح ـ لا مطلقا ـ كما عرفت. وحينئذ فنية بدليته عن القيام إنما تكون في تلك الحال ، فما لم يقرأ أو يسبح لا يكون داخلا فيما هو مترتب على المشكوك ، ولا يجي‌ء ذلك في القيام قبل القراءة أو التسبيح. أولا : من جهة ورود النص بالخصوص فيه (١) ، وثانياً : من جهة أن القيام لما كان مبايناً ذاتاً للجلوس ـ الذي هو محل السجود والتشهد ـ يصدق عرفا أنه متجاوز عنهما بالدخول فيه.

__________________

(١) المراد به صحيح إسماعيل المتقدم في أوائل المسألة : ١٠ من هذا الفصل.

٤٤٢

لا في أصل الإتيان ، فإن كان بعد الدخول في الغير فلا إشكال في عدم الالتفات [١] ، وإن كان قبله فالأقوى عدم الالتفات أيضا [٢] ، وإن كان الأحوط الإتمام والاستئناف إن كان من الأفعال ، والتدارك إن كان من القراءة أو الأذكار ، ما عدا تكبيرة الإحرام.

______________________________________________________

[١] لجريان قاعدة التجاوز في الوجود الصحيح ، أو لجريانها في نفس الخصوصية التي كان الشك فيها موجباً للشك في الصحة ، أو لجريان قاعدة الفراغ التي هي قاعدة الصحة. ويمكن التأمل في الأول : باختصاص أدلة القاعدة بالشك في أصل الوجود ، فلا تشمل صورة العلم بالوجود المشكوك الصحة ، كما عرفت. وإلحاق الشك في الصحة بالشك في الوجود بالأولوية غير ظاهر ، لأنها ظنية. وفي الثاني : بأنه لا ترتيب بين ما يعتبر في السابق ونفس اللاحق ، وإنما الترتب بين نفس السابق واللاحق لا غير. إلا أن يقال : إذا كان الشي‌ء شرطاً في السابق كان اللاحق مرتباً عليه تبعاً. وفي الثالث : باختصاص قاعدة الفراغ بالعمل الذي يكون عملا واحد عرفا ، لا جزءاً من عمل. لكن الأخيرين خلاف إطلاق أدلة قاعدة الفراغ ، الموافق للارتكاز العقلائي.

[٢] يظهر وجهه مما مر. كما يظهر أيضا وجه القول بالالتفات. مضافا الى احتمال اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ ، إما لارجاعها إلى قاعدة التجاوز ، أو لظهور بعض النصوص الواردة في الوضوء في ذلك (١). وكأنه لذلك خص المقام بالاحتياط. لكن الإرجاع في غير محله وإن كان هو ظاهر شيخنا الأعظم (ره) ، لأن الأخبار المتقدمة طائفتان. إحداهما : موضوعها الشك في أصل الوجود ، وهي التي اعتبر‌

__________________

(١) راجع الجزء : ٢ من هذا الشرح المسألة : ٤٥ من فصل شرائط الوضوء.

٤٤٣

( مسألة ١٣ ) : إذا شك في فعل قبل دخوله في الغير فأتي به ثمَّ تبين بعد ذلك أنه كان آتيا به ، فان كان ركناً بطلت الصلاة [١] ، والا فلا. نعم يجب عليه سجدتا السهو للزيادة [٢]. وإذا شك بعد الدخول في الغير فلم يلتفت ثمَّ تبين عدم الإتيان به ، فان كان محل تدارك المنسي باقيا ـ بأن لم يدخل في ركن بعده ـ تداركه [٣] ، والا فإن كان ركنا بطلت الصلاة ، وإلا فلا. ويجب عليه سجدتا السهو لنقيصة.

( مسألة ١٤ ) : إذا شك في التسليم ، فان كان بعد الدخول في صلاة أخرى ـ أو في التعقيب أو بعد الإتيان بالمنافيات ـ لم يلتفت [٤] ، وإن كان قبل ذلك أتى به.

______________________________________________________

فيها الدخول في الغير ، مثل صحيحتي زرارة وإسماعيل. والأخرى : موضوعها الشك في صحة الموجود ولم يعتبر فيها الدخول في الغير ـ كموثقتي ابن مسلم ـ فلا وجه لإرجاع إحداهما إلى الأخرى. وأما ظهور بعض نصوص الوضوء في اعتبار الدخول في الغير فان تمَّ في الوضوء فلا وجه للتعدي عنه الى المقام ، مع ما تقدم في الوضوء من عدم تماميته. فراجع.

[١] لزيادة الركن. ومجرد الأمر به ظاهرا لا يصلح لتخصيص القاعدة الواقعية التي يجب العمل بها عند انكشاف الخلاف.

[٢] بناء على وجوبها لذلك. وسيأتي.

[٣] لجريان جميع ما ذكر في النسيان فيه ، لاشتراكهما في الدخول في حديث « لا تعاد .. » وغيره.

[٤] أما في الثاني فظاهر ، إذ التعقيب لما كان مرتبا على التسليم ، كان الشك في التسليم بعد الدخول فيه موضوعا لقاعدة التجاوز. وأما في‌

٤٤٤

( مسألة ١٥ ) : إذا شك المأموم في أنه كبر للإحرام أم لا ، فان كان بهيئة المصلي جماعة ـ من الانصاف ، ووضع اليدين على الفخذين ، ونحو ذلك ـ لم يلتفت على الأقوى [١] وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة.

______________________________________________________

الأخيرين فمحل تأمل ، إذ الدخول في الصلاة الأخرى ـ من قبيل فعل المنافي ـ ليس أمراً مرتباً على التسليم ، بل غاية ما ثبت المنع من فعله في الأثناء. وهذا المقدار لا يوجب الترتب الذي هو موضوع قاعدة التجاوز فالمرجع ـ في إثبات الصحة ـ لا بد أن يكون قاعدة الفراغ. وإذ أنها لا تجري إلا مع إحراز المضي الظاهر في الفراغ البنائي ـ كما تقدم في الوضوء ـ كان الحكم بالصحة مختصا بهذه الصورة لا غير. فلو فعل المنافي ـ ولو كان صلاة أخرى ـ ولم يحرز أنه بعنوان الفراغ من الصلاة كان اللازم الحكم بالبطلان ، لوقوع المنافي في الأثناء ، كما لو فعل المنافي قبل التسليم ناسيا له.

ولا مجال لتصحيح الصلاة بحديث : « لا تعاد الصلاة .. » فيقال : إن اعتبار التسليم جزءا يؤدي الى الإعادة بتوسط لزوم فعل المنافي في الأثناء. وذلك : لأن لزوم فعل المنافي في الأثناء ناشئ عن عدم تحقق المخرج ـ وهو التسليم ـ وهذا المعنى مما لا يمكن نفيه بحديث : « لا تعاد الصلاة .. » لاختصاصه بنفي الجزئية والشرطية ونحوهما ، ولا يجري لنفي الخروج بالتسليم ، كما أشرنا الى ذلك في المسألة السابعة من فصل الخلل.

[١] كأنه لقاعدة التجاوز ـ بناء على ما عرفته في المسألة الحادية عشرة من الاكتفاء بالغير ، ولو كانت مغايرته بلحاظ نية المكلف ـ فان التسليم بعنوان المتابعة للإمام مترتب على تكبيرة الإحرام. لكن عرفت في أوائل الجماعة : أن جريان قاعدة التجاوز في مثل ذلك موقوف على حجية الظهور المذكور في ما ذكر ، وإلا فلو لم يحرز ذلك لم يتحقق الدخول في الغير‌

٤٤٥

( مسألة ١٦ ) : إذا شك ـ وهو في فعل ـ في أنه هل شك في بعض الأفعال المتقدمة أم لا لم يلتفت [١]. وكذا لو شك في أنه هل سهام أم لا وقد جاز محل ذلك الشي‌ء الذي شك في أنه سها عنه أولا. نعم لو شك في السهو وعدمه ـ وهو في محل يتلافي فيه المشكوك فيه ـ أتى به على الأصح [٢].

فصل في الشك في الركعات

( مسألة ١ ) : الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة ثمانية : أحدها : الشك في الصلاة الثنائية ، كالصبح وصلاة السفر [٣].

______________________________________________________

لتجري القاعدة. فتأمل.

[١] إذ الشك المشكوك فيه لما لم يثبت لم يكن له أثر عملي ، لأصالة عدمه. والشك فيه وإن كان مساوقا للشك في الفعل السابق ، لكنه شك بعد التجاوز فيلغي. وكذا الحال في الشك في السهو.

[٢] لأنه راجع الى الشك في المحلل الموجب للتلافي. نعم ربما يتوهم عدم الاعتناء به ، لقولهم (ع) : « لا سهو في سهو » (١) كما سيأتي بناء على حمل الأول على الشك ـ ويكون معناه لا أثر للشك في السهو فيشمل المقام. ولكن المعنى المذكور لا قرينة عليه ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.

فصل في الشك في عدد الركعات‌

[٣] فعن المعتبر والتذكرة : نسبة البطلان فيهما ـ وفي الجمعة ـ الى‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٤٤٦

______________________________________________________

علمائنا. وعن الثاني : زيادة العيدين والكسوف. وعن الانتصار والغنية والسرائر : الإجماع في الأوليين ـ وكذا عن الخلاف مع زيادة الجمعة ـ وعن الجواهر المضيئة : الإجماع في الخمسة ، إلا من ابن بابويه. ومثله عن المنتهى ، إلا انه لم يذكر الجمعة. ويشهد له مصحح حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله (ع) : « إذا شككت في المغرب فأعد. وإذا شككت في الفجر فأعد » (١) وصحيح العلاء عنه (ع) : « سألته عن الرجل يشك في الفجر. قال (ع) : يعيد قلت : المغرب قال (ع) : نعم ، والوتر والجمعة ، من غير أن أسأله » (٢) وموثق سماعة : « عن السهو في صلاة الغداة ، فقال (ع) : إذا لم تدر واحدة صليت أم ثنتين فأعد الصلاة من أولها ، والجمعة ـ أيضا ـ إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة ـ لأنها ركعتان ـ والمغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد الصلاة » (٣) ومصحح ابن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يصلي ولا يدري واحدة صلى أم ثنتين قال (ع) : يستقبل حتى يستيقن أنه قد أتم. وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر » (٤) ونحوها غيرها. والتعليل ـ في الموثق ـ يقضي بعموم الحكم لكل ثنائية. نعم لا إطلاق للسهو فيه يشمل الزيادة والنقيصة ، لاقترانه بما ذكر في الغداة مما يصلح للقرينية. فتأمل. نعم نفي الشك مطلقاً في مثل صحيحي حفص والعلاء‌ يعمهما معا. لكن موردهما الفجر والجمعة ، فاستفادة عموم الحكم للثنائية زيادة ونقيصة من النصوص لا تخلو من تأمل. لكن لا مجال للتوقف فيه لأجل ذلك ، لوضوح عدم الفصل بين الفجر والجمعة وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٧.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٨.

(٤) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٤٤٧

الثاني : الشك في الثلاثية [١] ، كالمغرب.

الثالث : الشك بين الواحدة والأزيد [٢].

______________________________________________________

هذا وعن الصدوق : التخيير بين الإعادة والبناء على الأقل ، جمعا بين ما مر ومثل رواية الحسين بن أبي العلاء : « عن الرجل لا يدري أركعتين صلى أم واحدة؟ قال (ع) : يتم » (١) ونحوها غيرها. لكنها ـ لعدم صراحتها في الثنائية ، وإباء النصوص المتقدمة عن الجمع المذكور ، وإعراض الأصحاب عنها ، بل عن الوحيد وغيره : الجزم بفساد نقل ذلك عن الصدوق ـ لا مجال للاعتماد عليها في ذلك. وأما موثق عمار : « عن رجل لم يدر صلى الفجر ركعتين أو ركعة. قال (ع) : يتشهد وينصرف ، ثمَّ يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان قد صلى ركعتين كانت هذه تطوعا ، وإن كان قد صلى ركعة كان هذه تمام الصلاة. قلت : فصلى المغرب فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال (ع) : يتشهد وينصرف ، ثمَّ يقوم فيصلي ركعة ، فإن كان صلى ثلاثا كانت هذه تطوعا ، وإن كان صلى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة .. » (٢) فمما لم يعرف القول بمضمونه عن أحد ، فضلا عن جواز العمل به في قبال ما عرفت.

[١] إجماعا صريحا ـ كما عن الانتصار والاستبصار والخلاف والغنية والسرائر ـ وظاهراً ، كما عن غيرها. ويشهد له جملة من النصوص المتقدمة إلى بعضها الإشارة. وعن الصدوق : القول هنا بما تقدم لما تقدم. وفيه ما تقدم. وأما ما في موثق عمار المتقدم ـ ونحوه موثقه الأخر (٣) ـ فحاله يظهر مما سبق.

[٢] إجماعا حكاه جماعة كثيرة من القدماء والمتأخرين. والنصوص به‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢٠.

(٢) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١٢.

(٣) الوسائل باب : ٢ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١١.

٤٤٨

الرابع : الشك بين الاثنتين والأزيد قبل إكمال السجدتين [١]

الخامس : الشك بين الاثنتين والخمس ـ أو الأزيد ـ

______________________________________________________

مستفيضة لو لم تكن متواترة. ففي صحيح زرارة : « قال أبو جعفر (ع) : كان الذي فرضه الله على العباد عشر ركعات ـ وفيهن القراءة ـ وليس فيهن وهم ـ يعني : سهو ـ فزاد رسول الله (ص) سبعاً ـ وفيهن الوهم ـ وليس فيهن قراءة ، فمن شك في الأوليين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين ، ومن شك في الأخيرتين عمل بالوهم » (١). ومصححه : « عن رجل لا يدري واحدة صلى أم ثنتين. قال (ع) : يعيد » (٢). ونحوهما غيرهما. ونسب الى الصدوق هنا : ما تقدم أيضا ، لما تقدم مما تقدم حاله. ونسب الى والده : التفصيل بين الشك في الأوليين من المغرب مرة واحدة فالبطلان ، والشك ثانيا فالصحة ، بالبناء على الأقل وصلاة الاحتياط. ولم يتضح مستنده ، وإن قيل : إنه الرضوي. ولكنه غير ظاهر.

[١] لأن السجدتين جزء من الركعة ، المراد مما في صحيح زرارة المتقدم : « كان الذي فرضه الله تعالى على العباد عشر ركعات » سواء أكانت الركعة حقيقة فيما يشمل السجدتين لا غير أم لا ، إذ لا مجال لاحتمال حمله على إرادة عشر ركوعات ، كما هو ظاهر. ومنه يظهر ضعف ما عن ابن طاوس في البشرى والمحقق في الفتاوى البغدادية : من تحقق إكمال الركعة بالركوع ، لأن الركعة واحدة الركوع. ولما ورد في صلاة الايات : « انها عشر ركعات » ، فان ذلك لا يصلح لرفع اليد به عن الظهور. مع أن كون الركعة واحدة الركوع ـ لغة ـ لا يمنع من كونها حقيقة شرعية أو متشرعية فيما يشمل السجدتين. فتأمل. والإطلاق في صلاة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦.

٤٤٩

وإن كان بعد الإكمال [١].

______________________________________________________

الايات أعم من الحقيقة ـ وكذا في كثير من النصوص ـ كما أشرنا إليها في مبحث زيادة الركوع. هذا وسيأتي بيان ما يتحقق به إكمال السجدتين.

[١] على المشهور ، لعدم إمكان الاحتياط للدوران بين الزيادة والنقيصة ـ فتأمل ـ وعدم ورود دليل بالخصوص على صحته ، كما ورد في غيره مما يأتي ، وعدم شمول إطلاق ما دل على البناء على الأكثر ، مثل موثق عمار : « متى شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت » (١) ، لاختصاصه ـ بقرينة الذيل ـ بما لو كان الأكثر صحيحا مع أنه لو عم اقتضى البطلان. وأما مصحح إسحاق بن عمار : « قال لي أبو الحسن الأول (ع) إذا شككت فابن على اليقين ، قلت : هذا أصل؟ قال (ع) : نعم » (٢). فلا يخلو من إجمال ، لمنافاة كونه أصلا لما ورد من البناء على الأكثر في الموارد الاتية المتعارفة ، فلا يبعد أن يكون المراد من اليقين فيه البناء على الأكثر والإتيان بالمشكوك منفصلا ، لصحة الصلاة حينئذ واقعا على كل من تقديري الزيادة والنقصان. أو يحمل على التقية.

وأوضح منه في ذلك رواية عبد الرحمن بن الحجاج وعلي ، عن أبي إبراهيم (ع) : « في السهو في الصلاة ، فقال (ع) : تبني على اليقين ، وتأخذ بالجزم ، وتحتاط بالصلوات كلها » (٣). إذ ليس البناء على الأقل يوافق الاحتياط. وأصالة عدم الزيادة لا تثبت ـ في الفرض ـ كون الركعة ـ التي جلس فيها ـ هي الثانية ليتشهد فيها ، ولا الركعة الثانية ـ من الركعتين اللتين يأتي بهما بعد ذلك ـ هي الرابعة ليتشهد ويسلم فيها ، إلا بناء على‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٣) الوسائل باب : ٨ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥.

٤٥٠

______________________________________________________

الأصل المثبت الذي لا نقول به. وإذا لم يثبت كون الركعة الكذائية هي الثانية والرابعة لم يحرز كون التشهد الأول في الثانية ، ولا كون التشهد الأخير في الرابعة ، مع أنه لا بد من إحراز ذلك ، إذ الواجب من التشهد ما كان في الثانية والرابعة. ففي موثق أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) : « إذا جلست في الركعة الثانية فقل : بسم الله .. ( إلى أن قال ) : فاذا جلست في الرابعة قلت : بسم الله .. » (١). وفي صحيح زرارة : « ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين الأولتين؟ قال (ع) : أن تقول .. ، قلت : فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ فقال (ع) : الشهادتان » (٢). ونحوهما غيرهما.

اللهم إلا أن يقال : لا ريب في تمام الركعة بكمال السجدتين ، غاية الأمر أن التشهد جزء صلاتي له محل معين بعد الركعتين الأولتين ـ قبل القيام إلى الثالثة ـ وبعد الرابعة. وفي رواية الفضل : « وإنما جعل التشهد بعد الركعتين .. » (٣) فالتعبير بكونه في الأولتين والأخيرتين مبني على نوع من العناية ، والمقصود اعتبار كونه موصولة به الركعتان الأولتان والأخيرتان ، فإذا شك بين الأربع والخمس فهذه الركعة المحتملة ـ على تقدير وجودها ـ زائدة لا تمنع من تحقق الوصل بين التشهد المأتي به والأخيرتين ، لأن زيادة الاجزاء لا تمنع من ذلك. ولذا لو ذكر فوت التشهد بعد القيام إلى الثالثة والتسبيح رجع وتداركه ، وكانت زيادة القيام والتسبيح غير مانعة من صدق الوصل بالركعتين الأوليين ، فكذلك زيادة الركعة الخامسة ، فإذا شك فيها لم يكن ذلك موجبا للشك في وصل التشهد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤ من أبواب التشهد حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣ من أبواب التشهد حديث : ٦.

٤٥١

______________________________________________________

بالركعتين الأخيرتين ، بل هو موجب للشك في البطلان لا غير ، ويكفي في نفيه أصالة عدمها. نعم إذا شك بين الاثنتين والثلاث فقد شك في حصول الوصل بين التشهد المأتي به وركعتين الأوليين ، لأن الثالثة على تقدير وجودها أصلية مانعة من حصول الوصل ، وأصالة عدمها لا تنفع في إثبات الوصل المذكور ، إلا بناء على القول بالأصل المثبت. واستصحاب بقاء المصلي في محل التشهد لا يجدي ـ أيضا ـ في إثبات الوصل المذكور ، إلا بناء على القول بالأصل المثبت.

هذا وقد يستشكل في الأصل المذكور : بأنه إنما يتم لو كان عدم الزيادة ملحوظا بنحو مفاد : ( ليس التامة ) ، بأن يكون الواجب أربع ركعات وعدم الزيادة عليها. أما لو كان ملحوظاً بنحو مفاد : ( ليس الناقصة ) ـ بمعنى : ان الواجب أربع ركعات ليست مزيداً فيها ركعة ـ فلا حالة له سابقة ، لامتناع جريان الأصل في العدم الأزلي. ويشكل ذلك أولا : بأنه لا يظهر من أدلة قدح زيادة الركعة مثل مصحح زرارة : « إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة ركعة فليستقبل صلاته استقبالا » (١). إلا أن زيادة الركعة قادحة ، بلا أخذ العدم وصفا للركعات. كيف؟ وذلك خلاف المرتكز. وثانياً : بأن إثبات العدم الوصفي في المقام لا يتوقف على إثبات العدم الأزلي بالأصل ، إذ الأربع حين ما وجدت قبل فعل الخامسة لم تكن مزيدا فيها الخامسة قطعا ، فيستصحب ذلك. ودعوى : ان العدم المذكور عدم تام لا ناقص غير ظاهرة ، إذ لا ميز في الاعدام إلا بالاعتبار واللحاظ. نعم عدم الخامسة آناً ما بعد الرابعة غير كاف في الأثر الشرعي إذ ليس هو المأخوذ وصفا للأربع ، بل المأخوذ وصفا هو العدم المستمر الى أن يتحقق التسليم ، ويمكن إثباته بالاستصحاب ، كما لا يخفى.

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ١١ من فصل الخلل الواقع في الصلاة.

٤٥٢

______________________________________________________

واستشكل بعض الاعلام على هذا الأصل : بأنه علم من استقراء أحكام الشكوك أن الشارع الأقدس لم يعتد بهذا الأصل في عدد الركعات أصلا ، بل أوجب إحراز سلامتها في الفرائض من الزيادة والنقصان ، حتى بالنسبة إلى الأخيرتين ، فيما عدا صورة الشك بين الأربع والخمس وفيه : أن العلم الحقيقي غير حاصل لنا ، لا في الموارد المنصوص فيها بالبناء على الأكثر ، ولا في غيرها. والعلم التعبدي ـ أعني : الحجة على جواز البناء على الأقل ـ وإن كانت حاصلة ـ لما تقدم : من وجوب العمل بالنصوص الدالة على البطلان بالشك في الثنائية والثلاثية والأوليين من الرباعية ، وترجيحها على ما دل على البناء على الأقل في ذلك. وسيأتي أيضا : وجوب العمل بالنصوص الدالة على البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة الاتية ووجوب طرح معارضها ـ إلا أنه مختص بالموارد المذكورة ، ولا يجوز التعدي عنها الى غيرها إلا بدليل. ولا سيما بعد ورود النص بالبناء على الأقل في صورة الشك بين الأربع والخمس. فإن إلحاق الشك في الزيادة في غيره به أولى من إلحاقه ببقية موارد النص ، لاشتراكه معه في احتمال الزيادة ، ومخالفته لها في ذلك.

وقد يستدل على سقوط الأصل المذكور بموثق عمار عن أبي عبد الله (ع) : « يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين : متى شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك قد نقصت » (١). لظهور صدره في أن المرجع في كل سهو أصالة الأكثر ، فيكون مخصصا لدليل الاستصحاب. وفيه : أنه يتم لو لم يكن مقرونا بذيله الذي لا مجال له إلا في الأكثر الصحيح ، ومع اقترانه به يكون من قبيل الكلام المقرون بما يصلح للقرينية فيسقط عمومه عن الحجية. وكأن ما في الجواهر : من أن هذا الاشكال‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في صدر التعليقة. فلاحظ ،

٤٥٣

______________________________________________________

ضعيف ، مبني على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد. لكن المحقق في محله : أنها من باب الظهور ، بل لا تعبد دعوى : كون الذيل قرينة على اختصاص الأكثر بالصحيح لا غير. ويمكن أن يستدل له أيضا : بما تضمن وجوب الإعادة على من لا يدري كم صلى (١). ولا ينافيه ما تضمن الصحة في الشكوك الصحيحة ، لأن ذلك من قبيل المخصص له فيكون حجة فيما عداه ، ويقتضي البطلان. ويمكن الاشكال عليه : بأنه يتم لو كان الجمع بينهما بالتخصيص كما ذكر. أما لو كان بالتخصيص ، بأن يكون المراد ممن « لا يدري كم صلى » صورة تكثر الاحتمالات وإن لم يشك في الأولتين أيضا ـ كما هو ظاهر كل من جعله عنوانا مستقلا ـ وحينئذ لا يشمل مطلق الشك في عدد الركعات ـ فتأمل ـ فإذاً لم يتضح لنا دليل على سقوط الأصل المذكور. إلا أن يكون إجماعا عليه.

ومما يوهم صحة الصلاة ـ في الشك المذكور في المتن ـ صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) : « إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا ـ أو نقصت أم زدت ـ فتشهد وسلم ، واسجد سجدتين ـ بغير ركوع ولا قراءة ـ فتشهد فيها تشهدا خفيفاً » (٢) ، وموثق زيد الشحام : « عن رجل صلى العصر ست ركعات أو خمس ركعات. قال (ع) : إن استيقن أنه صلى خمسا أو ستاً فليعد ، وإن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر ـ وهو جالس ـ ثمَّ ليركع ركعتين ، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ، ثمَّ يتشهد » (٣) ، ومصحح زرارة : « قال رسول الله (ص) : إذا شك أحدكم في صلاته ـ فلم يدر زاد أم نقص ـ فليسجد سجدتين وهو‌

__________________

(١) يأتي ذكر ذلك قريباً في الأمر الثامن.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥.

٤٥٤

السادس : الشك بين الثلاث والست أو الأزيد [١].

السابع : الشك بين الأربع والست أو الأزيد [٢].

الثامن : الشك بين الركعات بحيث لم يدر كم صلى [٣].

______________________________________________________

جالس. وسماهما رسول الله (ص) المرغمتين » (١).

هذا ولكن الصحيح والمصحح لا يمكن الأخذ بإطلاقهما من حيث الموضوع والحكم ، فلا بد إما من تقييد الحكم بفعل ما يحتمل نقصه من الركعات أو من تقييد الموضوع بزيادة الجزء ونقصه. ولعل الثاني أظهر. نعم الموثق كالصريح في نقض الركعات وزيادتها ، بقرينة ما في ذيله. إلا أنه لا يبعد حمله على صورة احتمال النقص والتمام. وكيف كان فلا مجال للعمل بهذه النصوص بعد مخالفتها للمشهور.

[١] الكلام فيه هو الكلام في سابقة بعينه.

[٢] وعن ابن أبي عقيل : الصحة ، إلحاقا له بالشك بين الأربع والخمس. وفي محكي شرح الألفية ـ للمحقق الثاني ـ : إنه قوي متين لا محيد عنه ، ونسبه الى العلامة والشهيد ، واحتمله في المختلف أو مال اليه. لكن المستند فيه إن كان نصوص الشك بين الأربع والخمس فهو غير ظاهر وإن كان أصالة عدم الزيادة فقد عرفت الكلام فيها. وعلى تقدير تماميتها فلا تختص بالمقام. وإن كان مثل صحيح الحلبي ونحوه فقد عرفت إشكاله.

[٣] إجماعا صريحا أو ظاهرا حكاه غير واحد ، لأنه من الشك في الأوليين الذي قد عرفت أنه مبطل. ولرواية صفوان عن أبي الحسن (ع) : « إن كنت لا تدري كم صليت ، ولم صليت ، ولم يقع وهمك على شي‌ء فأعد الصلاة » (٢)

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٤٥٥

( مسألة ٢ ) : الشكوك الصحيحة تسعة في الرباعية :

أحدها : الشك بين الاثنتين والثلاث بعد إكمال السجدتين ـ [١] فإنه يبني على الثلاث [٢] ، ويأتي بالرابعة‌

______________________________________________________

وفي رواية الرازي : « إنما يعيد من لا يدري ما صلى » (١) وقريب منهما غيرهما. وأما صحيح ابن يقطين : « عن الرجل لا يدري كم صلى واحدة أم ثنتين أم ثلاثا. قال (ع) : يبني على الجزم ، ويسجد سجدتي السهو ويتشهد تشهدا خفيفا » (٢) فحاله يظهر مما ذكرنا هنا وفي الشك في الأوليين وان كان المحكي عن ابن بابويه ـ فيمن لم يدر صلى واحدة أم ثنتين أو ثلاثاً أو أربعا : « أنه يتم ويصلي ركعة من قيام وركعتين من جلوس » قد يقتضي اعتماده عليه. ولكنه غير ظاهر فيه ، بل هو غير ظاهر الوجه ، لأن صلاة الركعتين من جلوس بمنزلة ركعة ، فلا يكون ما ذكر تداركا للنقص المحتمل.

[١] تقدم وجهه.

[٢] كما هو المشهور ـ كما عن جماعة ـ بل عن الانتصار والخلاف والغنية وظاهر السرائر ومجمع البرهان : الإجماع عليه. وعن الأمالي : إنه من دين الإمامية. ويشهد به موثقة عمار المتقدمة ، الإمرة بالبناء على الأكثر مطلقا (٣) ونحوها غيرها له. أما مصحح زرارة عن أحدهما (ع) : « قلت له رجل لا يدري أثنتين صلى أم ثلاثا؟ قال (ع) : إن دخل الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ، ثمَّ صلى الأخرى ـ ولا شي‌ء عليه ـ ويسلم » (٤) فغير ظاهر فيه ، لو لم يكن ظاهرا في البناء على الأقل ،

__________________

(١) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦.

(٣) تقدم ذكر الرواية في الخامس من الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة.

(٤) الوسائل باب : ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

٤٥٦

______________________________________________________

بقرينة إطلاق الثالثة على الركعة التي بيده ، وعدم تقييد الأخرى بكونها منفصلة الموجب لظهورها في كونها متصلة ، وعطف التسليم عليها الظاهر في كونه تسليم الصلاة. وأما رواية العلاء : « قلت لأبي عبد الله (ع) : رجل صلى ركعتين وشك في الثالثة. قال (ع) : يبني على اليقين ، فاذا فرغ تشهد وقام قائما فصلى ركعة بفاتحة القرآن » (١) فان سوق السؤال يقتضي حمل اليقين في الجواب على الركعتين. نعم الأمر فيه بصلاة ركعة قائما بعد الفراغ قرينة على كون البناء على اليقين بمعنى البناء على الأكثر ، ضرورة عدم وجوب ركعة بعد الصلاة تعبدا على تقدير البناء على الأقل. وأما صحيحة عبيد عن أبي عبد الله (ع) : عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثاً. قال (ع) : يعبد. قلت : أليس يقال : لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال (ع) : إنما ذلك في الثلاث والأربع » (٢) فمحمولة على الشك قبل إكمال السجدتين ـ الذي يكون فيه الشك شكا في وجود الاثنتين ، الذي قد عرفت أنه مبطل للصلاة ـ ويكون المراد ـ من الثلاث والأربع ـ الثالثة والرابعة. هذا وعن الفقيه : تجويز البناء على الأقل. وعن والده : التخيير بين البناء على الأقل ـ مع التشهد في كل ركعة ـ والبناء على الأكثر وعن المقنع : الفتوى بمضمون صحيح عبيد. هذا وكأن وجه الأول : ما عرفت من الجمع بين النصوص مما عرفت حاله. والثاني : غير ظاهر الوجه ، إلا ما عن الرضوي (٣) ووجه الثالث : صحيح عبيد. ولعل محمل كلامه هو محمل الصحيح ، فلا يكون خلافا منه. والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٣.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٤٥٧

ويتم صلاته. ثمَّ يحتاط بركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس [١] والأحوط اختيار الركعة من قيام ، وأحوط منه الجمع بينهما بتقديم الركعة من قيام ، وأحوط من ذلك استئناف الصلاة مع ذلك. ويتحقق إكمال السجدتين بإتمام الذكر الواجب من السجدة الثانية على الأقوى [٢] ،

______________________________________________________

[١] إجماعا ، كما عن الانتصار والخلاف والغنية ـ وكذا عن المنتهى ـ وعن كشف الرموز : انه فتوى الأصحاب ، لا أعرف فيه مخالفا. وقريب منه ما عن غيرهم. وليس عليه نص بالخصوص ، بل مقتضى إطلاق بعض الموثقات وصريح بعضها تعين القيام. وكذا مصحح زرارة وخبر العلاء ، لو تمَّ ظهورهما في البناء على الأكثر. فالعمدة إذاً في التخيير المذكور : الإجماع المدعى. ونحوه الاستدلال عليه بمرسل جميل ـ الاتي ـ المتضمن للتخيير في النوع الثاني ، لعدم القول بالفصل بينهما. أو بأنه مقتضى الجمع بين الاخبار المتقدمة وبين ما دل على الركعتين جالسا في النوع الثاني ، بضميمة عدم القول بالفصل. ومن هذا يظهر وجه الاحتياط باختيار الركعة قائما. كما يظهر وجه الاحتياط بالجمع من حكاية الاقتصار على الركعتين من جلوس عن العماني والجعفي. وأما الاحتياط بتقديم الركعة حينئذ فوجهه : الفرار عن لزوم الفصل بين الصلاة وصلاة الاحتياط ، التي هي أوفق بظاهر النصوص ، وإن كان الاحتياط المذكور معارضا بالاحتياط بتقديم الركعتين من جهة خلاف العماني والجعفي.

[٢] كما عن الشهيد الثاني والروض والروضة والمسالك والمقاصد العلية ـ وربما نسب الى الشهيد الأول ـ وعن المحقق الثاني : الميل إليه ، لأن السجود وإن كان جزءا من الركعة ، إلا أن الواجب منه صرف‌

٤٥٨

______________________________________________________

الوجود الذي لا ينطبق على الزائد عليه ، بل يكون مستحباً خارجاً فتتم بدونه. مع أن الشك في ذلك كاف في جواز الرجوع الى عموم : « إذا شككت فابن على الأكثر ». مع أنه لو فرض كون الواجب من السجود الفرد المنطبق على الطويل ـ تارة ـ وعلى القصير ـ أخرى ـ بنحو الواجب التخييري بين الأقل والأكثر ، فقبل رفع الرأس وإن كان هو في الركعة ولما يخرج عنها ، إلا أن ما دل على بطلان الشك في الأوليين ظاهر في الشك في وجودهما ـ بنحو مفاد كان التامة ـ في مقابل عدمهما ، بحيث يحتمل عدمهما. كما يحتمل مفاد كان التامة ـ في مقابل عدمهما ، بحيث يحتمل عدمهما. كما يحتمل وجودهما. وهذا المعنى من الشك غير متحقق فيما نحن فيه ، لإحراز وجود الركعتين بتمام اجزائهما بحيث لا يحتمل عدمهما بوجه ، وإنما المحتمل كونه فيهما أو في الثالثة. مع أنه لو شك في المراد من الشك في الأوليين كان عموم ما دل على البناء على الأكثر محكما ، لوجوب الرجوع الى العام عند إجمال مفهوم المخصص. نعم لو كان المراد من الشك في الأوليين المبطل هو الشك في كون ما يصدر منه من الافعال من الأوليين أو من غيرهما ، كان اللازم الحكم بالبطلان في المقام ، للشك في كون السجود الذي هو فيه من الثانية أو الثالثة. إلا أن ذلك غير ظاهر من الأدلة المتضمنة لوجوب إحراز الأولتين. كما أنه لو ثبت كون رفع الرأس من السجدة الثانية من أجزاء الركعة التي سجد لها كان اللازم البطلان في الفرض ، لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في وجود الأولتين إلا أن ذلك غير ظاهر من الأدلة.

ومما ذكرنا يظهر الوجه فيما نسب الى المشهور : من اعتبار رفع الرأس من السجدة الثانية في صحة الشك ، كما يظهر ضعفه. وأضعف منه ما نسب الى ظاهر الذكرى : من الاكتفاء في إكمال الركعتين بوضع الجبهة في السجدة الثانية لعدم كون الذكر من مقومات السجود. وفيه : إنه وإن‌

٤٥٩

وإن كان الأحوط [١] ـ إذا كان قبل رفع الرأس ـ البناء ثمَّ الإعادة. وكذا في كل مورد يعتبر إكمال السجدتين.

الثاني : الشك بين الثلاث والأربع في أي موضع كان وحكمه كالأول [٢] ،

______________________________________________________

كان كذلك إلا أنه من مقومات الركعة فلا تتم قبل وجوده.

هذا وقد تقدم القول بالاكتفاء بالركوع ، وبيان ضعفه في الرابع من الشكوك المبطلة. وأما مصحح زرارة المتقدم ـ الظاهر في اعتبار الدخول في الثالثة في صحة الشك ـ فمحمول إجماعا على ما يقابل الشك قبل إكمال السجدتين ، نظير الحصر الإضافي.

[١] وجهه تقدم.

[٢] إجماعا ، كما عن الانتصار والخلاف والغنية وظاهر غيرها. لعموم ما دل على البناء على الأكثر ، ولغيره من النصوص الواردة فيه بالخصوص كمصحح الحلبي : « إن كنت لا تدري ثلاثا صليت أم أربعا ، ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ، ثمَّ صل ركعتين ـ وأنت جالس ـ تقرأ فيهما بأم الكتاب » (١) ونحوه حسن الحسين ابن أبي العلاء (٢) ومصحح أبي العباس البقباق وعبد الرحمن بن سيابة (٣) وفي مرسل جميل عن أبي عبد الله (ع) : « فيمن لا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً؟ ووهمه في ذلك سواء ، فقال (ع) : إذا اعتدل الوهم في الثلاث والأربع فهو بالخيار ، إن شاء صلى ركعة وهو قائم ، وإن شاء صلى ركعتين وأربع سجدات وهو جالس » (٤) وأما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٦.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ١.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث : ٢.

٤٦٠