مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة [١] ، وأتمها أو قطعها.

( مسألة ١٥ ) : يجوز للمأموم أن يأتي بذكر الركوع والسجود أزيد من الامام. وكذا إذا ترك بعض الأذكار المستحبة يجوز له الإتيان بها ، مثل تكبيرة الركوع والسجود وبحول الله وقوته ونحو ذلك [٢].

( مسألة ١٦ ) : إذا ترك الإمام جلسة الاستراحة لعدم كونها واجبة عنده لا يجوز للمأموم ـ الذي يقلد من يوجبها أو يقول بالاحتياط الوجوبي ـ أن يتركها. وكذا إذا اقتصر في التسبيحات على مرة ، مع كون المأموم مقلداً لمن يوجب الثلاث. وهكذا.

______________________________________________________

بناء على أن بطلانها جماعة لا يلازم بطلانها فرادى ، كما هو الظاهر ، حسبما عرفته. والأمر بالإعادة في المروي عن قرب الاسناد ـ بناء على كونه فيما نحن فيه ـ محمول إما على صلاة لا تصح فرادى. أو على مشروعية القطع لإدراك الجماعة في التكبير ، بناء على جواز الائتمام بعد الانفراد ، أو في الصلاة ـ في الجملة ـ بناء على عدم جوازه.

[١] أما جواز ذلك فيأتي بيان وجهه في المسألة السابعة والعشرين. وأما تعين ذلك في تحصيل الائتمام في الصلاة فهو خلاف إطلاق رواية قرب الاسناد ، بناء على بعض محتملاتها ، كما عرفت.

[٢] إذ لا ريب في عدم وجوب متابعة المأموم للإمام في أمثال ذلك فيجوز له أن يخالفه في كيفية التسبيح. كما يجوز أن يخالفه في كميته أيضا فأدلة مشروعية كل من الكيف والكم محكمة. لكن ذلك حيث لا يلزم إخلال بالمتابعة ، وإلا جرى عليه حكمه ، من إثم أو بطلان أو غيرهما. وكذا‌

٢٨١

( مسألة ١٧ ) : إذا ركع المأموم ثمَّ رأى الامام يقنت في ركعة لا قنوت فيها يجب عليه العود الى القيام [١] ، لكن يترك القنوت [٢]. وكذا لو رآه جالساً يتشهد في غير محله وجب عليه الجلوس معه ، لكن لا يتشهد معه. وهكذا في نظائر ذلك.

( مسألة ١٨ ) : لا يتحمل الامام عن المأموم شيئاً من أفعال الصلاة [٣] ، غير القراءة في الأولتين إذا ائتم به فيهما. وأما في الأخيرتين فلا يتحمل عنه ، بل يجب عليه بنفسه أن يقرأ الحمد أو يأتي بالتسبيحات ، وإن قرأ الإمام فيهما وسمع قراءته [٤]. وإذا لم يدرك الأولتين مع الامام وجب عليه‌

______________________________________________________

الكلام في المسألة اللاحقة ، فإن أدلة وجوب الفعل ـ عقلياً كان أم شرعياً ـ محكمة.

[١] يعنى : للمتابعة. والظاهر أنه لا إشكال في ذلك عندهم ، وإن كان يشكل من جهة عدم كون القيام المذكور مشروعاً. ولكن يدفع : بأن الرجوع لتحصيل المتابعة في الركوع المشروع ، وكذا الحال في أمثاله.

[٢] إذ لا دليل على مشروعيته. وأدلة وجوب المتابعة قاصرة عن إثباتها فلو فعله بقصد المشروعية كان تشريعا محرما ، يترتب عليه ما يترتب على مطلق التشريع.

[٣] بلا اشكال ظاهر. والنصوص به وافية ، ففي موثق سماعة : « أن الامام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه ، إنما يضمن القراءة » (١) ونحوه غيره.

[٤] كما تقدم في المسألة الأولى. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢٨٢

القراءة فيهما [١] ، لأنهما أولتا صلاته. وإن لم يمهله الامام‌

______________________________________________________

[١] كما عن المرتضى والشيخ في التهذيبين ، وظاهر النهاية والمبسوط وابن زهرة والحلبي وجماعة من متأخري المتأخرين ، كالمحدث البحراني والمحقق البهبهاني وغيرهما. للنصوص الظاهرة فيه ، كصحيح ابن الحجاج عن الصادق (ع) « عن الرجل يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال (ع) : اقرأ فيهما ، فإنهما لك الأولتان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » (١) وصحيح ابن أبي عبد الله عنه (ع) : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة ، قرأت في الثالثة من صلاته ، وهي اثنتان لك ، فان لم تدرك معه إلا ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي تليها. وإن سبق بركعة جلست في الثانية لك ـ والثالثة له ـ حتى تعتدل الصفوف قياماً » (٢). وصحيح زرارة : « إن أدرك من الظهر ـ أو من العصر أو من العشاء ـ ركعتين وفاته ركعتان ، قرأ في كل ركعة ـ مما أدرك خلف الإمام ـ في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب .. ( إلى أن قال ) : وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ، ثمَّ قعد فتشهد ، ثمَّ قال فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة » (٣) وقريب منها غيرها ، المعتضدة بما دل على وجوب القراءة في الصلاة. وبها يخرج عما دل على سقوطها على المأموم وضمان الامام لها مع إمكان دعوى : انصرافه إلى المأموم في الأوليين ، كما يشهد به إطلاق الضمان. إذ لا يتحملها الامام مطلقا إلا وهو فيهما.

ومنه يظهر ضعف ما عن المنتهى والتذكرة والمختلف والنفلية والفوائد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

٢٨٣

لإتمامها اقتصر على الحمد وترك السورة [١] وركع معه. وأما إذا أعجله عن الحمد أيضا فالأحوط إتمامها [٢] واللحوق به‌

______________________________________________________

الملية ، بل وعن السرائر : من استحباب القراءة ، جمعا بين النصوص المتقدمة وبين ما دل على ضمان الامام لها. أو لقصور النصوص عن إثبات الوجوب لاشتمالها على الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه ونحوه ذلك ، مما لا يصلح لرفع اليد عن ظاهر الطلب. مع عدم اطراد بعضه في جميعها. ولقد أطال في الجواهر في استقصاء ذلك ودفعه. فراجعه.

[١] بلا إشكال ، كما في الجواهر. ويدل عليه صحيح زرارة السابق (١)

[٢] وقواه في المستند ، وحكي عن المحقق القمي. وهو الذي تقتضيه أدلة وجوبها. ولا مجال لمعارضتها بدليل وجوب المتابعة ـ سواء أكان مفاده شرطيتها في بقاء الائتمام في الصلاة ، أم وجوبها النفسي ، أم شرطيتها في صحة الصلاة ـ لأن المتابعة ـ بأي نحو اعتبرت إنما تعتبر في الصلاة الصحيحة فأدلة الجزئية للصلاة والشرطية مقدمة على دليلها ، فلا يكون دليل وجوب المتابعة مزاحما للدليل وجوب القراءة ، ولا وجوب غيرها من الاجزاء والشرائط بوجه. وهكذا الحال في الموانع.

إلا أن يقوم دليل بالخصوص على سقوط الجزئية أو الشرطية أو المانعية فيجب حينئذ إعمال دليل وجوب المتابعة. ولذا قوى في الجواهر وغيرها : وجوب المتابعة في المقام وترك الفاتحة ، لصحيح معاوية : « عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام ـ وهي أول صلاة الرجل ـ فلا يمهله حتى يقرأ ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال (ع) : نعم » (٢) (٣) فان الظاهر من عدم‌

__________________

(١) تقدم في التعليقة السابقة.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٣) قد تشكل الرواية : بعدم ظهورها في تشريع ترك القراءة بل في مقام قضاء ما ترك.

لكنها ظاهرة في المفروغية عن جواز تركها إذا لم يمهله الامام. ( منه مد ظله ).

٢٨٤

في السجود أو قصد الانفراد. ويجوز له قطع الحمد والركوع معه ، لكن في هذه لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة [١].

( مسألة ١٩ ) : إذا أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمل عنه القراءة [٢] فيها ، ووجب عليه القراءة في ثالثة الإمام‌

______________________________________________________

إمهال الامام ركوعه قبل قراءة المأموم ، لا رفع رأسه قبلها. وإطلاقه وان كان يقتضي اختصاصه بصورة عدم الشروع في القراءة أصلا ، فيكون المرجع ـ في صورة الشروع فيها ـ القاعدة المتقدمة المقتضية لوجوب إتمامها. إلا أنه يمكن التعدي إليها عرفا ، بإلغاء خصوصية المورد. ولا سيما مع احتمال دخول الصورة الثانية في الرواية ، بأن يكون المراد القراءة الموظفة.

ومنه يظهر الإشكال في كون الإتمام أحوط ـ بناء على ما اختاره من وجوب المتابعة إذ أنه يلزم من الإتمام ترك المتابعة الواجبة. نعم هو أحوط ، بلحاظ صحة الصلاة لا غير. نعم قصد الانفراد أحوط من حيث الوضع والتكليف معا ، بناء على جوازه ، كما جزم به سابقاً.

ثمَّ إنه لو بني على التزاحم بين وجوب القراءة ووجوب المتابعة ، وجوب إعمال قواعد التزاحم بينهما من التخيير أو الترجيح. ويمكن أن يقال حينئذ : بوجوب قصد الانفراد في نظر العقل ، فرارا عن الابتلاء بالتزاحم بينهما والوقوع في خلاف غرض الشارع ، لعدم الفرق في القبح عند العقل بينه وبين تفويت الغرض بالمعصية. وقد أشرنا إلى ذلك في مبحث قراءة العزيمة في الفريضة.

[١] قد عرفت وجهه.

[٢] لما تقدم. ويشير اليه صحيح ابن أبي عبد الله المتقدم (١) كما تضمن أيضا : القراءة في ثالثة الإمام.

__________________

(١) مر ذلك في المسألة : ١٨ من هذا الفصل.

٢٨٥

الثانية له ، ويتابعه في القنوت [١] في الأولى منه ، وفي التشهد [٢] والأحوط التجافي فيه [٣].

______________________________________________________

[١] ففي موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (ع) : « في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام ، فقنت الإمام ، أيقنت معه؟ قال (ع) : نعم ، ويجزئه من القنوت لنفسه » (١). ولأجل احتماله السؤال عن المشروعية بل لعل ظاهره ذلك ـ لا يكون ظاهرا في الوجوب ولأجل ذلك حكي التصريح بالاستحباب عن جماعة. وفي الجواهر : جعله مما ينبغي. ولعله ظاهر المتن.

[٢] ففي موثق الحسين بن المختار وداود بين الحصين : « سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام ، فأدرك الثنتين ، فهي الأولى له والثانية للقوم ، ويتشهد فيها؟ قال (ع) : نعم. قلت : والثانية أيضا؟ قال (ع) : نعم. قلت : كلهن؟ قال (ع) : نعم ، وإنما هي بركة » (٢). ونحوه خبر إسحاق بن يزيد (٣). وقد يستفاد ذلك من غيرهما.

[٣] بل عن الصدوق : وجوبه. وربما نسب إلى ظاهر السرائر والغنية والحلبي وابن حمزة. وفي الجواهر : « لا يخلو عن قوة ». للأمر به في النصوص ، كصحيح الحلبي : « ومن أجلسه الإمام في موضع ـ يجب أن يقوم فيه ـ تجافي ، أو أقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا » (٤) وفي صحيح ابن الحجاج : « يتجافى ولا يتمكن من القعود » (٥). لكن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب القنوت حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٦٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٥) الوسائل باب : ٦٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٢٨٦

كما أن الأحوط التسبيح [١] عوض التشهد ، وإن كان الأقوى جواز التشهد ، بل استحبابه [٢] أيضا. وإذا أمهله الإمام في الثانية له للفاتحة والسورة والقنوت أتى بها [٣]. وإن لم يمهله ترك القنوت [٤]. وإن لم يمهله للسورة تركها [٥]. وإن لم يمهله لإتمام الفاتحة ـ أيضا ـ فالحال كالمسألة المتقدمة [٦] ، من أنه يتمها ويلحق الإمام في السجدة ، أو ينوي الانفراد ، أو يقطعها ويركع مع الامام ويتم الصلاة ويعيدها.

( مسألة ٢٠ ) : المراد بعدم إمهال الامام المجوز‌

______________________________________________________

ظاهر الأكثر ـ حيث أطلقوا الجلوس ـ : هو العدم ، حملا للأمر على الندب ، لبعد تقييد القعود المذكور في بعض النصوص بذلك ، لأنه فرد خفي يأبى المطلق عن حمله عليه. فتأمل.

[١] بل عن النهاية وظاهر محكي السرائر : الأمر بالتسبيح والمنع عن التشهد ، بل لعله ظاهر غيرهم ، ممن اقتصر على الأمر بالتسبيح. وفي الجواهر : « لم نعرف لهم شاهدا على ذلك ».

[٢] لما عرفت من الأمر به ، المحمول على الاستحباب إجماعا ، ويقتضيه ـ أيضا ـ ظاهر كونه بركة ، كما في الموثق السابق.

[٣] لعموم أدلتها.

[٤] لاستحبابه ، فلا يزاحم الواجب ، وهو المتابعة.

[٥] لصحيح زرارة المتقدم (١).

[٦] ولا مجال للاقتصار على مورد الصحيح ـ وهو الركعة الاولى ـ والرجوع في الثانية إلى القاعدة المتقدمة ، لعدم الفصل بينهما. فتأمل.

__________________

(١) مر ذكره في أواخر المسألة : ٧ من هذا الفصل.

٢٨٧

لترك السورة ـ ركوعه قبل شروع [١] المأموم فيها ، أو قبل إتمامها ، وإن أمكنه إتمامها قبل رفع رأسه من الركوع ، فيجوز تركها بمجرد دخوله في الركوع ولا يجب الصبر إلى أواخره وإن كان الأحوط قراءتها ، ما لم يخف [٢] فوت اللحوق في الركوع ، فمع الاطمئنان بعدم رفع رأسه قبل إتمامها لا يتركها ولا يقطعها.

( مسألة ٢١ ) : إذا اعتقد المأموم إمهال الإمام له في قراءته فقرأها ولم يدرك ركوعه لا تبطل صلاته بل الظاهر عدم البطلان إذا تعمد [٣] ذلك ، بل إذا تعمد الإتيان بالقنوت مع علمه بعدم درك ركوع الامام فالظاهر عدم البطلان.

______________________________________________________

[١] فإنه الظاهر من صحيح معاوية المتقدم (١).

[٢] هذا على إطلاقه غير ظاهر ، إذ قد يؤدي ذلك الى التأخر الفاحش الذي قد تقدم : أنه ينافي المتابعة الواجبة ، فاللازم تقييده بذلك ، لا بما في المتن ، إذ قد يكون بقاء المأموم قائما إلى زمان رفع الإمام رأسه من ركوعه لا ينافي المتابعة ، فلا يمنع من كون الأحوط قراءة السورة حينئذ. و. كيف كان ، فالوجه في كون الأحوط هو القراءة ـ مع ظهور النص في جواز تركها بمجرد ركوع الامام ـ احتمال أن يكون المراد من عدم الإمهال في النص فوات المتابعة على تقدير القراءة ، فيختص الترخيص في ترك السورة بصورة فوات المتابعة من قراءتها.

[٣] لما تقدم : من عدم اقتضاء ترك المتابعة للبطلان. وكذا التخلف في ركن بل ركنين. ومنه يظهر الوجه في بقية المسألة.

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ من هذا الفصل.

٢٨٨

( مسألة ٢٢ ) : يجب الإخفات في القراءة خلف الامام وإن كانت الصلاة جهرية ، سواء كان في القراءة الاستحبابية [١] ـ كما في الأولتين مع عدم سماع صوت الإمام ـ أو الوجوبية ، كما إذا كان [٢] مسبوقا بركعة أو ركعتين. ولو جهر جاهلا أو ناسياً لم تبطل صلاته [٣].

______________________________________________________

[١] ليس في النصوص ما يدل على وجوب الإخفات في المقام ، بل الجهر فيه هو مقتضى إطلاق أدلة الجهر. بل الظاهر : أن الأدلة الدالة على مشروعية القراءة أو استحبابها ظاهرة في اتحادها مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات الراجعة إلى المادة والهيئة ، حتى الجهر والإخفات ، والتشكيك في ذلك في غير محله. نعم ربما يستفاد وجوب الإخفات مما يأتي في المسبوق ، بدعوى : كون المفهوم منه أن ذلك من أحكام الجماعة مطلقا بلا خصوصية لمورده. وهو غير بعيد ، فان تمَّ ، وإلا كان المتعين الجهر لا التخيير. وإن استظهره في المستند ، لأجل قصور أدلة وجوب الجهر عن إثباته في المقام. والإجماع المركب غير معلوم. إذ فيه : ما عرفت من وفاء الأدلة به.

[٢] لما في صحيح زرارة المتقدم من قوله (ع) : « قرأ في كل ركعة ـ مما أدرك خلف الإمام ـ في نفسه بأم الكتاب وسورة » (١) وفي المستند اختار الاستحباب ، لعدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب. ولكنه ممنوع كما حقق في محله.

[٣] لصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع) : « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، فقال (ع) : أي ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً ،

__________________

(١) راجع المسألة : ١٨ من هذا الفصل.

٢٨٩

نعم لا يبعد استحباب الجهر بالبسملة [١] ، كما في سائر موارد وجوب الإخفات.

( مسألة ٢٣ ) : المأموم المسبوق بركعة يجب عليه التشهد في الثانية [٢] منه الثالثة للإمام ، فيتخلف عن الامام ويتشهد ثمَّ يلحقه في القيام ، أو في الركوع إذا لم يمهله للتسبيحات [٣] فيأتي بها. ويكتفي بالمرة [٤] ـ ويلحقه في الركوع أو السجود وكذا يجب عليه التخلف عنه في كل فعل وجب [٥] عليه دون الامام ـ من ركوع أو سجود أو نحوهما ـ فيفعله ثمَّ‌

______________________________________________________

أو ساهياً ، أو لا يدري فلا شي‌ء عليه ، وقد تمت صلاته » (١) وقد تقدم الكلام فيه في القراءة.

[١] لإطلاق أدلة استحبابه ، الشامل للمقام. ويمكن أن يقال : المطلق منها ضعيف لا يمكن رفع اليد به عن الصحيح. وأدلة التسامح ـ لو تمت في نفسها ـ لا تجري في قبال أدلة الحرمة. وفيه : أنه لو سلم الضعف فمنجبر بعمل الأصحاب. وعدم ثبوت العمل في المقام غير قادح في الجبر لكفاية العمل في الجملة في حصوله. وقد تقدم بعض الكلام فيه في القراءة فراجع.

[٢] إجماعاً ، ففي صحيح عبد الرحمن البصري : « إذا سبقك الإمام بركعة جلست في الثانية ـ والثالثة له ـ حتى تعتدل الصفوف قياماً » (٢)

[٣] يعني : لم يمهله لأن يقوم الى التسبيحات ، بأن ركع الامام قبل أن يقوم المأموم.

[٤] فإنها تكفي ولو للمنفرد.

[٥] للقاعدة المتقدمة في المسألة الثامنة عشرة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٢٦ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢٩٠

يلحقه ، إلا ما عرفت من القراءة في الأوليين [١].

( مسألة ٢٤ ) : إذا أدرك المأموم الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه ، وجب عليه قراءة [٢] الفاتحة والسورة إذا أمهله لهما ، وإلا كفته الفاتحة على ما مر. ولو علم أنه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة أيضا فالأحوط عدم الإحرام ، إلا بعد ركوعه [٣] ، فيحرم حينئذ ويركع معه ، وليس عليه الفاتحة حينئذ [٤].

______________________________________________________

[١] وفي الجواهر : ألحق بها التسبيحات في الركعات الأخيرة ، والأذكار في الركوع والسجود. ولكنه غير ظاهر من النصوص. والتعدي من القراءة إليها أشبه بالقياس مع الفارق ، لقلة الاهتمام بالقراءة في الأوليين. ولذا تسقط مع الائتمام بأولتي الامام ، ولا كذلك المذكورات.

[٢] تقدم وجهه.

[٣] منشؤه : التوقف في سقوط الفاتحة إذا لم يمهله لها ، المؤدي إلى الدوران ـ على تقدير الإحرام قبل ركوع الامام ـ بين احتمال فساد الصلاة على تقدير المتابعة وترك الفاتحة ، وبين احتمال الإثم على تقدير القراءة وترك المتابعة. قال في محكي الحدائق : « الأحوط للمأموم ـ الذي لا يعلم التمكن من القراءة ـ ألا يدخل مع الإمام ، إلا عند تكبيرة الركوع ، فإنه لا قراءة حينئذ ». ومثله محكي الرياض. لكن لما عرفت من أن الظاهر : جواز ترك القراءة لو لم يمهله الامام ، فالاحتياط المذكور استحبابي. نعم لو بني على كون المقام من باب التزاحم بين وجوب القراءة ووجوب المتابعة تعين ترك الدخول في الجماعة. كما أنه لو دخل تعين الانفراد ، كما أشرنا الى ذلك في المسألة الثامنة عشرة.

[٤] وظاهر ما تقدم عن الحدائق والرياض : المفروغية عنه ، كما يظهر‌

٢٩١

( مسألة ٢٥ ) : إذا حضر المأموم الجماعة ولم يدر أن الامام في الأوليين أو الأخيرتين قرأ الحمد والسورة بقصد القربة [١] ، فإن تبين كونه في الأخيرتين وقعت في محلها ، وإن تبين كونه في الأوليين لا يضره ذلك [٢].

( مسألة ٢٦ ) : إذا تخيل أن الامام في الأوليين فترك القراءة ثمَّ تبين أنه في الأخيرتين ، فإن كان التبين قبل الركوع قرأ ـ ولو الحمد [٣] فقط ـ ولحقه. وإن كان بعده صحت صلاته [٤]. وإذا تخيل أنه في إحدى الأخيرتين فقرأ ثمَّ تبين‌

______________________________________________________

ذلك أيضا مما ورد في المشي إلى الصف ، وفي إدراك الركعة بإدراك الركوع فلاحظ البابين المعقودين لذلك في الوسائل (١)

[١] هذا مقتضى الاحتياط. وأما مقتضى الأصل فعدم وجوب قراءتها للشك فيه. اللهم إلا أن يرجع إلى عموم ما دل على وجوب القراءة ، بناء على الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية مطلقا. أو في خصوص ما لو أمكن نفي عنوان الخاص بأصالة العدم ، إذ الخاص في المقام المأموم في أوليي الامام ، والأصل عدم كونه كذلك. وأما أصالة بقاء الإمام في الأوليين فلا يصلح لنفي القراءة ، إلا إذا كان عنوان الخاص في المقام المأموم بإمام هو في الأوليين. لكنه غير ظاهر من الأدلة ، بل الظاهر منها : أن عنوان الخاص المأموم بإمام في ركعة هي إحدى الأوليين. وأصالة بقاء الإمام في الأوليين لا تصلح لإثبات كون الركعة إحدى الأوليين ، إلا بناء على الأصل المثبت‌

[٢] لعدم قدح القراءة غير الموظفة بالخصوص.

[٣] لعموم دليل وجوب القراءة.

[٤] لعدم قدح نقص القراءة ـ سهوا ـ إجماعا ، لأنها سنة ، والسنة‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ و ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٩٢

كونه في الأوليين فلا بأس [١]. ولو تبين في أثنائها لا يجب إتمامها [٢].

( مسألة ٢٧ ) : إذا كان مشتغلا بالنافلة فأقيمت الجماعة وخاف من إتمامها عدم إدراك الجماعة ـ ولو كان بفوت الركعة الأولى منها ـ جاز له قطعها ، بل استحب ذلك [٣] ، ولو‌

______________________________________________________

لا تنقض الفريضة ، كما في النص (١).

[١] لعدم قدح زيادة القراءة ، سهوا ـ إجماعا. وسيأتي في محله إن شاء الله.

[٢] لما عرفت من سقوط القراءة عنه في الأوليين.

[٣] كما هو المعروف. لصحيح عمر بن يزيد : « سأل أبا عبد الله (ع) عن الرواية التي يروون : أنه لا يتطوع في وقت فريضة ، ما حد هذا الوقت؟ قال (ع) : إذا أخذ المقيم في الإقامة ، فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة. فقال (ع) : المقيم الذي يصلي معه » (٢) واستظهار الابتداء دون ما يعم الاستدامة ـ كما في الجواهر ـ غير ظاهر. ولا سيما بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع. ( ودعوى ) : كون القرينة عليه حرمة قطع النافلة الملازم لوجوب فعلها بعد الشروع فيها ، فلا تكون حينئذ من التطوع ، كما في المستند. ( مندفعة أولا ) : بالمنع من حرمة قطع النافلة ، ( وثانيا ) : بأن الظاهر من التطوع : ما كان تطوعا لا بالنظر الى حرمة القطع ، بل يكون صرف وجوده تطوعا ، وإن وجب إتمامه على تقدير الشروع فيه. كما أن مقتضى النص القطع حال إقامة المقيم ، وإن أمكنه إدراك الركعة الأولى ،

__________________

(١) إشارة إلى حديث : « لا تعاد الصلاة .. » لاحظ الوسائل باب : ١٤ من أفعال الصلاة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب الأذان والإقامة حديث : ١.

٢٩٣

قبل إحرام الإمام للصلاة. ولو كان مشتغلا بالفريضة منفردا وخاف من إتمامها فوت الجماعة ، استحب له العدول بها [١]

______________________________________________________

بل وإن أمكنه إدراك التكبير للافتتاح.

لكن الظاهر من غير واحد : اعتبار خوف فوت الجماعة ، إما مطلقا ـ كما عن الأردبيلي واحتمله غيره ـ أو خصوص الركعة الأولى ـ كما لعله ظاهر أكثرهم ـ أو خصوص القراءة ، كما عن المحقق الثاني. نعم عن الدروس والبيان واللمعة والنفلية والموجز الحاوي وإيضاح النافع : عدم التقييد بذلك واستحسنه في محكي المسالك. وهو الأوفق بظاهر الصحيح. كما أن الظاهر منه : أفضلية القطع لتدارك فضل الجماعة ، كما هو ظاهر الأكثر. وعن الشيخ في النهاية وغيره : التعبير بالجواز. وعن الروض : « لعل الاستحباب متفق عليه » وإن عبر جملة منهم بالجواز المطلق ، لان الظاهر إرادتهم الاستحباب لا الإباحة ». وفي مفتاح الكرامة : دعوى الإجماع المعلوم على الاستحباب‌

[١] على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل ظاهر جماعة الإجماع عليه. لصحيح سليمان بن خالد : « سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل دخل المسجد ، فافتتح الصلاة ، فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة ، قال (ع) : فليصل ركعتين ، ثمَّ ليستأنف الصلاة مع الامام ولتكن الركعتان تطوعا » (١) وموثق سماعة : « عن رجل كان يصلي ، فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة ، قال (ع) : إن كان إماماً عدلا فليصل أخرى ولينصرف ، ويجعلها تطوعا ، وليدخل مع الإمام في صلاته .. » (٢) والمناقشة في الاستحباب : بعدم ظهور الأمر فيه ـ لوروده مورد توهم الحضر ـ لا يصغى إليها ـ كما في الجواهر ـ لعدم‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٢٩٤

إلى النافلة وإتمامها ركعتين ، إذا لم يتجاوز محل العدول [١] ، بأن دخل في ركوع الثالثة ، بل الأحوط عدم العدول [٢] إذا قام للثالثة وإن لم يدخل في ركوعها. ولو خاف من إتمامها ركعتين فوت الجماعة ـ ولو الركعة الأولى منها ـ جاز له القطع بعد العدول [٣] إلى النافلة على الأقوى ،

______________________________________________________

ظهور القرينة المذكورة. مع حكاية ظاهر الإجماع عليه ، كما عرفت.

[١] لقصور الحديثين عن إثبات الحكم حينئذ.

[٢] لقصور الحديثين أيضاً عن إثبات الحكم. أما ثانيهما : فظاهر. وأما الأول : فمقتضى الأمر بصلاة ركعتين عدم بلوغهما ، فضلا عن صورة الزيادة عليهما. مع أن البناء على عدم جواز العدول بعد الدخول في ركوع الثالثة يقتضي البناء على عدمه قبله أيضا ، لأن الزائد على الركعتين كان في محله حين الإتيان ولم يكن زيادة في الصلاة ، فدليل العدول إن شرع العدول في بعض المأتي به فليشرعه ولو بعد ركوع الثالثة. وإن لم يشرعه في البعض دون البعض لم يشرعه في المقامين ، فالتفكيك بين ما قبل الركوع وما بعده ـ في جواز العدول وعدمه ـ غير ظاهر. وكأنه لذلك منع عن العدول في الفرض في التذكرة والنهاية ومجمع البرهان وغيرها ، على ما حكي.

[٣] لأن الصلاة بعد العدول تكون نافلة ويجوز قطع النافلة! وفي الجواهر : « إن صيرورتها بعد العدول نافلة أيضا لا يستلزم جريان حكم النافلة ابتداء عليها ». وكأنه لاستصحاب حرمة القطع. والمنع عنه ـ لتعدد الموضوع ـ غير ظاهر ، إذ الموضوع ـ عرفا ـ نفس الصلاة ، والفريضة والنفلية من الحالات المتبادلة على الموضوع الواحد. واما احتمال : كون العدول بعد الإتمام ـ كما في الجواهر وعن مجمع البرهان : نفي البعد عنه.

٢٩٥

وإن كان الأحوط عدم قطعها [١] بل إتمامها ركعتين ، وإن استلزم ذلك عدم إدراك الجماعة في ركعة أو ركعتين. بل لو علم عدم إدراكها أصلا ـ إذا عدل إلى النافلة وأتمها ـ فالأولى والأحوط عدم العدول وإتمام الفريضة [٢] ، ثمَّ إعادتها جماعة إن أراد وأمكن.

( مسألة ٢٨ ) : الظاهر عدم الفرق ـ في جواز العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة ـ بين كون الفريضة التي اشتغل بها ثنائية أو غيرها ،

______________________________________________________

وأما قبل الإتمام فهي على فرضيتها ، فقطعها قطع للفريضة ـ فهو خلاف ظاهر النص جدا.

نعم لا تبعد دعوى : جواز القطع قبل العدول ، لعدم الدليل على عموم المنع. والإجماع على المنع عنه في المقام غير ثابت ، بل معلوم العدم فقد حكي عن جماعة من الأساطين : جوازه ، كالشيخ في موضعين من المبسوط ، والقاضي والشهيد في الذكرى والدروس والبيان ، وجماعة من متأخري المتأخرين. والاقتصار في النص على العدول إلى النافلة لا يدل على المنع عن القطع ، لا قبل العدول ، ولا بعده ، لجواز أن يكون محافظة على صحة العمل ، كما لعله ظاهر.

[١] فراراً عن احتمال الإثم.

[٢] لقصور النص عن إثبات جوازه في الفرض ، إذ الأمر بالعدول فيه لأجل إدراك الجماعة ، فيقصر عن شمول صورة العلم بعدم إمكانه. وحينئذ فالمرجع ـ في جواز العدول فيها ـ هو الأصل المقتضي للمنع عنه ، على ما حُرر في محله من المواقيت.

٢٩٦

ولكن قيل بالاختصاص بغير الثنائية [١].

( مسألة ٢٩ ) : لو قام المأموم مع الإمام إلى الركعة الثانية أو الثالثة ـ مثلا فذكر أنه ترك من الركعة السابقة سجدة ـ أو سجدتين أو تشهداً أو نحو ذلك ـ وجب عليه العود [٢] للتدارك. وحينئذ فان لم يخرج عن صدق الاقتداء وهيئة الجماعة عرفا [٣] فيبقى على نية الاقتداء ، وإلا فينوي الانفراد [٤].

( مسألة ٣٠ ) : يجوز للمأموم الإتيان [٥] بالتكبيرات الست الافتتاحية قبل تحريم الامام ، ثمَّ الإتيان بتكبيرة الإحرام بعد إحرامه ، وإن كان الامام تاركاً لها.

______________________________________________________

[١] قال في المستند : « لو كانت الفريضة التي يصليها ثنائية ، فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة إذا شرع الإمام في الصلاة؟ الظاهر : لا ، لخروجه عن مورد الأخبار ».

[٢] للقاعدة المتقدمة في المسألة الثامنة عشرة.

[٣] لا بد أن يكون المراد عرف المتشرعة ـ كما تقدم ـ إذ العرف العام مما لا يرجع إليه في أمثال المقام ، مما كان للشارع الأقدس فيه مراد خاص.

[٤] بل لا موجب للنية المذكورة ، فإنه بالرجوع الى الواجب يكون منفرداً قهراً حسب الفرض.

[٥] لعموم أدلة الاستحباب. ولا يلزم منه الدخول في الصلاة قبل الإمام ، لأن دخوله يكون بتكبيرة الإحرام. وهي بعد تكبير الامام. ومجرد ترك الامام لها لا يوجب على المأموم تركها. لعدم وجوب المتابعة في مثل ذلك. وهذا مبني على أن تكبيرة الإحرام واحدة ، وأن له أن‌

٢٩٧

( مسألة ٣١ ) : يجوز اقتداء أحد المجتهدين أو المقلدين أو المختلفين بالآخر ، مع اختلافهما في المسائل الظنية المتعلقة بالصلاة ، إذا لم يستعملا محل الخلاف واتحدا في العمل [١].

مثلا : إذا كان رأي أحدهما ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ وجوب السورة ، ورأي الأخر عدم وجوبها ، يجوز اقتداء الأول بالثاني ، إذا قرأها [٢] وإن لم يوجبها. وكذا إذا كان أحدهما يرى وجوب تكبير الركوع أو جلسة الاستراحة أو ثلاث مرات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين ، يجوز له الاقتداء بالآخر الذي لا يرى وجوبها ، لكن يأتي بها بعنوان الندب [٣] ، بل وكذا يجوز مع المخالفة [٤] في العمل أيضاً‌

______________________________________________________

يجعلها الأخيرة. أما لو كانت كلها للإحرام. أو يتعين عليه جعلها الأولى ، فليس له الشروع فيها قبل الامام. وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث تكبيرة الإحرام.

[١] لا ينبغي الإشكال فيه إذا لم يحصل ما يوجب اختلال قصد الامتثال للعلم بعدم اعتبار اتفاق الامام والمأموم في الاجتهاد أو التقليد ، مع الاتفاق في العمل المحكوم بصحته عند كل منهما.

[٢] إما بقصد القربة المطلقة. أو بقصد الندب. إذا كان بنحو الجهل بالتطبيق ، لا بنحو التقييد ، ولا بنحو الإهمال الملازم له. وكأن هذا هو المراد بما عن التذكرة وأبي العباس والصيمري : من المنع لو قرأها بقصد الندب ، لأن الندب لا يغني عن الواجب.

[٣] يعني : إذا كان بنحو الجهل بالتطبيق ، كما عرفت.

[٤] قد عرفت : أنه لا إطلاق في المقام يرجع إليه في نفي احتمال‌

٢٩٨

______________________________________________________

شرطية ما يحتمل اعتباره في انعقاد الجماعة ، وأن المرجع أصالة عدم المشروعية وعدم الانعقاد. وحينئذ فإذا احتمل اعتبار اتفاق الامام والمأموم في العمل في صحة الائتمام وجب البناء على اعتباره. نعم قد يستفاد من صحيح جميل : « في إمام قوم أجنب ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ومعهم ما يتوضئون به ، أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال (ع) : لا ، ولكن يتيمم الامام ويؤمهم فان الله جعل التراب طهورا » (١). الاكتفاء في صحة الاقتداء بصحة صلاة الإمام ، لأن الظاهر من التعليل كونه تعليل لصحة إمامة الجنب ـ كما يقتضيه ظاهر السؤال ـ لا لصحة صلاة المتيمم. فاذا كان المراد من طهورية التراب إباحته للصلاة ـ كما هو المشهور ـ أو الطهورية الناقصة ـ كما هو الظاهر ـ فقد دل على كلية جواز الائتمام بكل من تباح له الصلاة وتصح منه وإن كانت ناقصة. وعليه فلا بد للمأموم في جواز اقتدائه بإمام من أن تصح صلاته عنده ، بحيث يرى المأموم صحتها ، سواءً أكان منشأ ذلك حديث : « لا تعاد .. » (٢) ونحوه ـ كما في ترك الأجزاء والشروط العلمية ـ أم أدلة الأبدال الاضطرارية ـ كما في الواجبات الواقعية الثانوية. مثل ائتمام المتوضي بالمتيمم ـ أم أدلة الحجية ـ بناء على السببية والموضوعية ـ كما في ائتمام المختلفين اجتهاداً أو تقليداً ، فان عمل الامام محكوم بصحته عند المأموم كالإمام ، لأن المأموم إذا كان يرى السببية والموضوعية لأدلة الحجية‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١ وباب : ٢٤ من أبواب التيمم حديث : ٢. إلا ان متن الرواية بالنحو المذكور يغاير ما في الوسائل في الموضعين. وكذا يخالف رواية الفقيه ج ١ صفحة ٦٠ طبع النجف ، والتهذيب ج ١ صفحة ٤٠٤ وج ٣ صفحة ١٦٧ طبع النجف ، وفروع الكافي ج ٣ صفحة ٦٦ طبع إيران الحديث. اللهم إلا أن يكون المقصود النقل بالمعنى.

(٢) مرت الإشارة إلى الرواية قريبا في المسألة : ٢٦ من هذا الفصل.

٢٩٩

______________________________________________________

فهو يرى أن عمل الامام موافق للتكليف الواقعي الحقيقي الفعلي المتوجه اليه نظير صلاة الإمام بالتيمم إذا كان فاقداً للماء. أو أدلة الاجزاء على تقدير تماميتها ـ ولو بناء على الطريقية ـ بناء على كشفها عن صحة العمل ووفائه بالمصلحة ولو في الجملة.

فلو لم يحكم المأموم بصحة صلاة الإمام ، لفقدها بعض ما يعتبر في الصلاة الواقعية الأولية بحسب نظره ، ولم يكن مجرى لحديث : « لا تعاد .. » ولا لأدلة الأبدال ، ولا كان يرى المأموم السببية والموضوعية لأدلة الحجية بل كان يرى الطريقية والعذرية ، ولا يرى تمامية أدلة الاجزاء أصلا ، أو لا يرى دلالتها على صحة العمل ووفائه بالمصلحة ، بل يحتمل كون سقوط الإعادة والقضاء لمجرد التسهيل ، فلا يجوز له ترتيب آثار صحة الائتمام ، للأصل المتقدم إليه الإشارة. ومجرد ثبوت الحكم الظاهري في حق الامام لا يجدي. ولا سيما وأن مقتضي إطلاق أدلة الحجية في حق المأموم وجوب ترتيب آثار الفساد على صلاة الإمام ، لأنه يراها فاسدة ، فكيف يصح له الائتمام به؟ ولا فرق بين ظن المأموم بفسادها ـ إذا كان حجة مطلقا ـ وبين علمه بفسادها. والتفصيل بينهما أشكل من الحكم بصحة الائتمام مطلقاً.

هذا والمحقق في محله : أن ظاهر أدلة الحجية الطريقية والعذرية المحضة فهي لا تقتضي الإجزاء بوجه. لكن ادعي : الإجماع على الاجزاء بالنسبة إلى الأعمال الماضية فيما لو تبدل رأي المجتهد. والظاهر منه الصحة ، لا مجرد عدم وجوب الإعادة أو القضاء. وعليه فلا مانع من الاقتداء مع المخالفة في العمل ، من دون فرق بين علم أحدهما ببطلان صلاة الآخر وعدمه ، وإن كان بعد لا يخلو من تأمل ، إذ الإجماع ـ على تقدير تماميته ـ غير ظاهر ادعاؤه على نفي الإعادة أيضا ، كنفي القضاء. كما أنه غير واضح في الصحة ـ ولو في الجملة ـ وقد تقدم الكلام في ذلك في مسائل التقليد. فراجع.

٣٠٠