مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

الى آخر العمر ، أو خاف مفاجاة [١] الموت.

( مسألة ٣٥ ) : يستحب تمرين المميز [٢] من الأطفال على قضاء ما فات منه من الصلاة ، كما يستحب تمرينه على أدائها سواء الفرائض والنوافل ، بل يستحب تمرينه [٣] على كل عبادة. والأقوى مشروعية عباداته [٤].

______________________________________________________

[١] لكن في الاجزاء ـ لو انكشف ارتفاع العذر وإمكان القضاء على الوجه التام إشكال ، لعدم الدليل على صحة المأتي به حينئذ ، وإنما الموجب للمبادرة حكم العقل من باب الاحتياط ، وهو لا يقتضي الاجزاء ، كما حرر في محله ـ وبهذا افترق هذا الوجه عما قبله.

[٢] بلا خلاف ولا إشكال ظاهر. للنصوص الإمرة به المتجاوزة حد الاستفاضة. وقد عقد لها ـ في الوسائل ـ باباً في أوائل الصلاة (١). فراجعه. وإطلاقها يقتضي عدم الفرق بين الأداء والقضاء والفرائض والنوافل.

[٣] كما يستفاد مما ورد ـ في بعض نصوص الأمر بالصوم ـ : من التعليل بالتعود (٢). وما ورد فيه : من أنه تأديب (٣).

[٤] لإطلاق أدلة التشريع الشامل للبالغ والصغير. وحديث رفع القلم (٤) إنما يرفع الإلزام ، لأنه الذي في رفعه الامتنان ، ولا يصلح لرفع الرجحان والمشروعية. ومنه يظهر : أنها تجزئ عن الواجب لو بلغ بعد الفعل قبل خروج الوقت ،. وكذا لو بلغ في أثناء العمل.

وقيل : بعدم المشروعية له أصلا ، لعدم الدليل عليه غير أدلة استحباب‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٣ ، ٤ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها.

(٢) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٢٩ من أبواب من يصح منه الصوم حديث : ٤.

(٤) الوسائل باب : ٤ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١١.

١٠١

( مسألة ٣٦ ) : يجب على الولي منع الأطفال عن كل ما فيه ضرر [١] عليهم أو على غيرهم من الناس ، وعن كل ما علم [٢] من الشرع إرادة عدم وجوده في الخارج لما فيه من الفساد ، كالزنا واللواط والغيبة ، بل والغناء على الظاهر. وكذا عن أكل الأعيان النجسة وشربها مما فيه ضرر عليهم [٣] وأما المتنجسة فلا يجب منعهم عنها [٤] ، بل حرمة مناولتها لهم غير معلومة [٥]. وأما لبس الحرير والذهب ونحوهما ـ مما‌

______________________________________________________

تمرينه عليه ، وهي إنما تقتضي الاستحباب بالنسبة إلى الولي لا غير. وقيل : بمشروعيتها للطفل بعنوان التمرن على العبادة ، فلا مصلحة فيها إلا من حيث التمرن ، فيستحق عليها الثواب لذلك. لكن عرفت حقيقة الحال.

[١] فإنه مقتضى ولايته عليهم.

[٢] إذ هو مقتضى العلم المذكور.

[٣] إن كان المقصود تقييد المنع بصورة حصول الضرر. بحيث لا منع مع عدمه ، فالوجه في المنع ـ معه ـ ما عرفت. وفي عدم المنع ـ بدونه ـ هو الأصل ، لعدم الدليل على المنع ، وان كان ظاهر المحقق الأردبيلي المفروغية عن المنع حيث قال ـ في محكي كلامه ـ في المقام : « والناس مكلفون بإجراء أحكام المكلفين عليهم ». لكن في ثبوت ذلك التكليف على الولي ـ فضلا عن ثبوته على الناس مطلقا ـ نظر. وان كان المقصود أن الأكل للأعيان النجسة وشربها ضرر فالدليل عليه غير ظاهر. والنجاسة أعم من الضرر ، والا لم يكن وجه للفرق بين النجس والمتنجس.

[٤] للأصل ، بل قد تساعده السيرة.

[٥] إذ غاية ما يمكن أن يستدل به عليها. الأمر بإراقة الماء (١)

__________________

(١) الوسائل باب : ٨ من أبواب الماء المطلق حديث : ٢ ، ٤.

١٠٢

يحرم على البالغين ـ فالأقوى عدم وجوب [١] منع المميزين منها ، فضلا عن غيرهم. بل لا بأس بإلباسهم إياها ، وان كان الاولى تركه ، بل منعهم عن لبسها.

______________________________________________________

والمرق المتنجسين (١) الظاهر في عدم المنفعة لهما. ولو جازت مناولة المتنجس للأطفال لكان لهما منفعة معتد بها عرفا ، لكثرة الابتلاء بالأطفال بل ربما كانوا أكثر العيال. وعدم التعرض للطفل في مثل رواية زكريا بن آدم ـ الواردة في القدر الذي فيه لحم كثير ومرق كثير قد وقع فيه قطرة خمر أو نبيذ ـ حيث قال (ع) : « يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمة أو الكلب » (٢). فإنه شاهد بالحرمة ، إذ لو جازت مناولته للطفل لكان أولى بالذكر.

لكن يمكن أن يكون تنجيس الطفل ـ من جهة كونه مظنة سراية النجاسة ـ مانعا من صدق المنفعة المعتد بها ، فلا يلزم من إراقته تبذير. ولو سلم فجواز الإراقة أعم من حرمة المناولة. وعموم حرمة التبذير ليس حجة في عكس نقيضه. ولعله ـ لما ذكرنا أولا أو لكراهة المناولة ـ لم يذكر الطفل في عداد من تجوز مناولته. وقد تقدم في أحكام النجاسات (٣) ما له نفع في المقام. فراجع.

[١] للأصل ، بعد اختصاص أكثر أدلة المنع لو لم يكن كلها بالرجال فلا مجال لتوهم وجوب المنع. ومن ذلك يظهر أنه لا مانع من جواز إلباسهم إياها. وقد تقدم الكلام في ذلك في لباس المصلي (٤) ، والله سبحانه أعلم.

__________________

(١) الوسائل باب : ٥ من أبواب الماء المضاف حديث : ٣.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب النجاسات حديث : ٨.

(٣) راجع المسألة : ١٠ من فصل ماء البئر ، والمسألة : ٣٢ ، ٣٣ من فصل احكام النجاسات ج : ١ من هذا الشرح.

(٤) راجع الجزء السادس من هذا الشرح المسألة : ١١ من فصل شرائط لباس المصلي.

١٠٣

فصل في صلاة الاستيجار

يجوز الاستئجار للصلاة [١] ،

______________________________________________________

فصل في صلاة الاستيجار‌

[١] على المشهور بين المتأخرين شهرة كادت تكون إجماعا ، بل حكى عليه الإجماع ـ حتى من القدماء ـ جماعة ، كالشهيد في الذكرى ، وشيخه في الإيضاح ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد وغيرهم ـ على ما حكي عنهم ـ وهو الذي تقتضيه عمومات صحة العقود.

ودعوى : أنها لا تحرز قابلية المحل ، فمع الشك فيها ـ كما في المقام ـ لا مجال للتمسك بها. مندفعة : بأن مقتضى إطلاقها المقامي وجوب الرجوع الى العرف في إحراز القابلية ، مع بنائهم على ثبوت القابلية في كل فعل مقصود للعقلاء يبذل بإزالة المال. ومنه المقام بناءً على صحة فعل النائب ، وتفريغه لذمة المنوب عنه ، واقتضائه استحقاق الثواب عليه ـ كما سيأتي.

ومن ذلك يظهر ضعف التردد فيه ـ كما في محكي المفاتيح ـ وظاهر الكفاية ـ حيث اقتصرا على نسبته الى المشهور. وعلله ـ في الأول ـ بفقد النص ، وعدم حجية القياس على الحج أو على التبرع ، وعدم ثبوت الإجماع ـ بسيطاً ولا مركباً ـ عليها. بل في الذخيرة : « لم أجد تصريحاً به في كلام القدماء ، ولم يكن ذلك مشهوراً بينهم ـ قولا ولا فعلا ـ وإنما اشتهر بين المتأخرين ». وقد يظهر من ثانيهما : أن وجه المنع ـ مضافا الى ما عرفته ـ عدم تأتي القربة من الأجير ، كما سيأتي مع ما فيه.

١٠٤

بل ولسائر العبادات [١] عن الأموات إذا فاتت منهم ، وتفرغ ذمتهم [٢]

______________________________________________________

[١] لما عرفت ، بعد عموم صحة النيابة فيها. للأخبار الكثيرة (١) الدالة عليه. وقد جمعها صاحب الحدائق (٢) ، وفي جملة منها : التنصيص على الصلاة ، والصوم ، والحج ، والعتق ، والصدقة ، والدعاء ، والبر ، والخير. وسيأتي بعضها في طي المباحث الاتية.

[٢] كما هو المشهور. وتقتضيه نصوص النيابة ، فإنها ظاهرة في كون النائب يفعل ما اشتغلت به ذمة المنوب عنه كفعل المنوب عنه نفسه. ومنها يظهر ضعف ما هو ظاهر السيد (ره) في الانتصار وابن زهرة في الغنية والعلامة في المختلف من منع صحة النيابة ، وأن المراد من قولنا : يقضي ولي الميت عنه ، أنه يقضي الولي عن نفسه ، ونسبته الى الميت باعتبار أنه السبب في وجوب القضاء على الولي. لقوله تعالى ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى ) (٣) ، وقوله (ص) : « إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث .. » (٤). وجه الضعف : أنه لا بد من الخروج عن ظاهر ذلك بما سبق.

نعم هاهنا إشكال معروف وهو : أن الخطاب إن كان بفعل المنوب عنه فلا يتأتى للنائب التقرب بفعله ، فلا يكون فعله مفرغا لذمة المنوب عنه ، وان كان بفعل النائب تأتى منه قصد التقرب ، إلا أن فعله يكون مفرغاً لذمة نفسه لا لذمة المنوب عنه. وقد يدفع ـ كما سيأتي ـ بأن الأمر وان‌

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٢٨ من أبواب الاحتضار ، وباب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات ، وباب : ٢٣ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) راجع الحدائق ج : ١١ صفحة : ٣٢ ط النجف الأشرف.

(٣) النجم : ٣٩.

(٤) راجع البحار ج : ٢ باب : ٨ ثواب الهداية والتعليم حديث : ٦٥ الطبعة الايرانية الحديثة.

١٠٥

______________________________________________________

كان متوجهاً الى المنوب عنه ومتعلقاً بفعله ، الا أن النائب ينزل نفسه منزلة المنوب عنه ، فيكون الأمر المتوجه الى المنوب عنه متوجهاً اليه ، ويكون فعله فعلا للمنوب عنه تنزيلا. وكما أن فعل المنوب عنه مفرغ لذمته كذلك فعل النائب.

وهذا ـ على ظاهره ـ لا يخلو من اشكال ، إذ التنزيل المذكور ـ بعد ما لم يكن حقيقياً بل كان ادعائياً ـ فهو إنما يقتضي ذلك لو كان صادراً ممن له جعل الاحكام والاثار لكونه طريقاً الى ذلك عرفا ، أما لو كان صادراً من غيره فلا يقتضي ذلك أصلا. ولذا لا يمكن الالتزام بأن تنزيل المكلف للخمر منزلة الماء يقتضي إباحته ، كما أن تنزيل نفسه منزلة عمرو لا يقتضي جواز وطء زوجته ، والتصرف في أمواله ، وصحة طلاقه لزوجاته ، الى غير ذلك مما لعمرو من الأحكام التكليفية والوضعية ، وأيضا إذا اقتضى التنزيل المذكور كون فعل النائب فعلا للمنوب عنه فيكون واجبا ، لم لا يقتضي كون تركه عصياناً يستحق النائب عليه العقاب وفعله طاعة يستحق عليها الثواب؟!.

ويمكن أن يقال في دفع أصل الاشكال : إن الخطاب وان كان متوجها الى المنوب عنه إلا أن ملاكه موجود في كل فعل مضاف إليه إضافة الملك ، سواء أكان مضافا إليه إضافة الصدور ـ كفعله نفسه ـ أم لا ، كفعل النائب الذي يصدر منه بعنوان كونه للمنوب عنه ، فالنائب مهما تصور الفعل المأتي به للمنوب عنه وجده واجداً لملاك الأمر ، فيجوز أن يأتي به قاصداً التقرب بذلك الملاك فيصح طاعة وعبادة : كما يصح لو صدر من المنوب عنه بقصد كونه عن نفسه.

ثمَّ إن نتيجة الفعل المذكور ـ وهو الاستحقاق للثواب ـ لا بد أن يكون راجعاً الى المنوب عنه ، لأنه الذي يملك الفعل ، لا النائب وان كان‌

١٠٦

______________________________________________________

صادراً عنه. ( ودعوى ) : أن الاستحقاق من الأحكام العقلية وموضوعه الانقياد ، وهو غير حاصل من المنوب عنه بل من النائب ، فيمتنع أن يكون الاستحقاق للمنوب عنه. ( مندفعة ) : بأن موضوعه وان كان ما ذكر ، الا أنه لما كان الثواب ملحوظاً نتيجة للفعل ، وكان الحكم العقلي باستحقاقه من قبيل الأحكام الجزائية كان تابعا للفعل ، فيستحقه من له الفعل سواء أكان صادراً منه أم لا. وحيث أن الفعل الصادر من النائب مجعول منه للمنوب عنه ، كان الثواب المحكوم باستحقاقه راجعا إليه أيضا. ولأجل ذلك صح اعتبار المالية والملكية للفعل العبادي ، وصح الإتيان به للمنوب عنه ، لأن الاعتبار المذكور لا يصح إلا فيما يترتب عليه أثر مرغوب فيه ، فكما لا يصح اعتبار المالية والملكية للذباب والحشرات من الأعيان التي لا يتنافس العقلاء عليها. كذلك لا يصح اعتبارها للأفعال التي تكون كذلك ، فلو لم يكن التقرب واستحقاق الثواب أثرا مترتبا على الفعل المضاف الى المنوب عنه لم تصح إضافته إليه ، كما لا تصح إضافة الافعال القبيحة اليه ولا تصح النيابة فيها.

ومما ذكرنا يظهر الوجه في كونه فعل النائب مفرغا لذمة المنوب عنه وموجباً لقربه وعدم كونه مقربا للنائب ، نعم لا مانع من أن يكون في نفس النيابة والإتيان بالفعل للمنوب عنه بداعي التقرب عنه مصلحة ، كما يكشف عن ذلك أوامر النيابة. فإذا فعل متقربا عن المنوب عنه بداعي تلك المصلحة كان موجبا لقربه واستحقاقه الثواب ، غير الثواب الراجع للمنوب عنه الذي استحقه بفعل النائب متقربا عنه.

ثمَّ إنه لا فرق في فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب بين أن يكون الفعل مملوكا على النائب بعقد إجارة أو صلح أو إيقاع ـ من شرط أو نحوه ـ أولا بل يكون فعله حين ما يقع يقع ملكا للمنوب عنه ، كالمتبرع ، والمأمور‌

١٠٧

______________________________________________________

بفعل الأجير. وكذا يجوز التبرع عنهم. ولا يجوز الاستئجار ، ولا التبرع عن الاحياء في الواجبات [١] ، وان كانوا عاجزين عن المباشرة ، إلا الحج إذا كان مستطيعاً [٢] وكان عاجزا عن المباشرة. نعم يجوز إتيان المستحبات وإهداء ثوابها للأحياء كما يجوز ذلك للأموات [٣].

بالعمل ، والعامل في باب الجعالة وغيرهم ، ومنه يظهر : أن دعوى كون باب النيابة من قبيل إهداء الثواب لا داعي إليه بعد مخالفته لظاهر النصوص الدالة على أن عمل النائب بنفسه يصل الى المنوب عنه (١) ، أو أنه من قبيل قضاء دينه (٢) فلاحظها.

[١] لما تقدم في المسألة الثانية والثلاثين من الفصل السابق.

[٢] للنصوص الاتى ذكرها في محله إن شاء الله.

[٣] الظاهر أنه لا إشكال في الأول ، بل وفي الثاني ممن عدا السيد (ره) بل حتى من السيد ، لأن السيد انما يدعي امتناعه من أجل الأدلة الخاصة لا من جهة القواعد العامة ، فإذا فرض عدم دلالة تلك الأدلة على المنع كان جائزاً بلا مانع. بل في رسالة شيخنا الأعظم (ره) المعمولة في القضاء عن الميت قال : « وكيف كان فانتفاع الميت بالأعمال التي تفعل عنه أو يهدي اليه ثوابها مما أجمع عليه النصوص ، بل الفتاوى ، على ما عرفت من كلام الفاضل وصاحب‌

__________________

(١) تقدمت الإشارة إلى مواضعها في التعليقة السابقة. فلاحظ.

(٢) دلت الروايات الكثيرة على ان الصلاة والحج من الدين ، وأن الإتيان بها ـ عن النفس أو الغير ، حيا كان الغير أم ميتا ـ من قبيل قضاء الدين. راجع الحدائق ج : ١١ صفحة : ٣٩ ط النجف ، وكنز العمال ج : ٣ صفحة : ٢٤ ، ٥٦. وتجد بعض ذلك في مستدرك الوسائل باب : ١٨ من أبواب وجوب الحج وشرائطه. وذكر الشيخ ( قده ) بعض ذلك ـ أيضا ـ في المسألة : ٦ من كتاب الحج صفحة : ١٥٦.

١٠٨

ويجوز النيابة عن الاحياء في بعض المستحبات [١].

______________________________________________________

الفاخر ». ولم أقف عاجلا على ما دل على إهداء ثواب العمل (١).

نعم ورد في بعض نصوص صلاة الهدية (٢) ، وفي نصوص قراءة آية الكرسي وإهداء ثوابها إلى الأموات (٣) ويحكى عن المحمودي : أنه كان يحج عن النبي (ص) ويهدي ثواب ذلك الى الأئمة (ع) ، ثمَّ يهدي ثواب إهداء الثواب إليهم (ع) الى المؤمنين (٤). وفي الوسائل ـ في باب وجوب الرجوع في القضاء والفتوى الى رواه الحديث من الشيعة : ـ رواية عن هشام بن الحكم : أنه كان يقول : « اللهم ما عملت من خير مفترض فجميعه عن رسول الله (ص) وأهل بيته الصادقين (ع) ، فتقبل ذلك مني ومنهم » (٥). وفي المستند استدل على جواز جعل الثواب للميت برواية عبد الله بن جندب الاتية ، لأن الثواب هو الصالح للتشريك ثلثا وثلثين وللتفريد. وفي دلالتها تأمل.

[١] ففي رواية محمد بن مروان : « قال أبو عبد الله (ع) : ما يمنع‌

__________________

(١) ويدل عليه ـ ايضاً ـ ما رواه في مستدرك الوسائل باب : ١٠ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ٤٤ من أبواب الصلوات المندوبة حديث : ١ ، ومستدرك الوسائل باب : ٣٦ من أبواب الصلوات المندوبة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ٣٤ من أبواب الدفن حديث : ٤ ، ومستدرك الوسائل باب : ٣٢ من أبواب الدفن حديث : ٧.

(٤) مستدرك الوسائل باب : ١١ من أبواب النيابة حديث : ٦. ونقله الكشي (ره) في ترجمة المحمودي صفحة : ٣١٧ ط بمبئي. وما في المتن منقول بالمعنى ، على سبيل الإجمال.

(٥) الوسائل باب : ١١ من أبواب أحكام القضاء حديث : ٤٠ ، ناقلا إياه عن الكشي (ره) لاحظ رجال الكشي صفحة : ١٧٧ في ترجمة هشام ط بمبئي. وهو ـ بظاهره ـ غير مرتبط بما نحن بصدده وفي الكتابين : ( منهم ) نسخة بدل عن ( منهم ).

١٠٩

( مسألة ١ ) : لا يكفي في تفريغ [١] ذمة الميت إتيان العمل وإهداء ثوابه‌

______________________________________________________

الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين؟ : يصلي عنهما ، ويتصدق عنهما ، ويحج عنهما ، ويصوم عنهما ، فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك ، فيزيد الله عز وجل ببره وصلته خيراً كثيراً » (١).

وفي رواية علي ابن أبي حمزة : « قلت لأبي إبراهيم (ع) : أحج وأصلي وأتصدق عن الاحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال : نعم تصدق عنه وصل عنه ، ولك أجر بصلتك إياه » (٢). وإطلاقهما وان كان يشمل الواجبات والمستحبات ، إلا أنه مقيد بغير الواجبات ، إجماعا ، كما عرفت. وأما رواية عبد الله بن جندب : « كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البر والصلة والخير أثلاثا ، ثلثاً له وثلثين لأبويه ، أو يفردهما من أعماله لشي‌ء مما يتطوع به وان كان أحدهما حياً والأخر ميتاً. فكتب الي : أما الميت فحسن جائز. وأما الحي فلا ، إلا البر والصلة » (٣) فلا تخلو من إجمال. وكأن مراد المصنف (ره) من البعض : ما ورد في هذه النصوص دون غيره من المستحبات. لكن يمكن أن يستفاد من تطبيق الامام (ع) البر على الصلاة وغيرها في الرواية الأولى عموم الحكم لكل ما يقبل النيابة ، دون ما لا يقبله ، كما لو كان استحبابه منوطا بعنوان لا ينطبق على المنوب عنه ، أو كان مما يعتبر فيه المباشرة.

[١] لأن التفريغ إنما يكون بفعل ما في الذمة ، والثواب المهدى اليه أجنبي عنه.

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٩.

(٣) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ١٦.

١١٠

العمل وإهداء ثوابه ، بل لا بد إما من النيابة عنه بجعل نفسه نازلا منزلته [١]. أو بقصد إتيان ما عليه له ولو لم ينزل نفسه منزلته ، نظير أداء دين الغير. فالمتبرع بتفريغ ذمة الميت له أن ينزل نفسه منزلته ، وله أن يتبرع بأداء دينه [٢] من غير تنزيل ، بل الأجير ـ أيضا ـ يتصور فيه الوجهان ، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائباً ، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميت وأداء دينه الذي الله.

( مسألة ٢ ) : يعتبر في صحة عمل الأجير والمتبرع قصد القربة. وتحققه في المتبرع لا إشكال فيه [٣].

______________________________________________________

[١] قد عرفت الإشكال في ظاهر هذا التنزيل.

[٢] قد عرفت تحقيق الحال. والظاهر أن التبرع في وفاء الدين لا يتوقف على جعل ما به الوفاء للمديون ليرجع اليه ما ذكرناه ، بل هو وفاء بمال المتبرع نفسه ، لأنه مصداق ـ حقيقة ـ لما في ذمة المديون وانما لم يصح للغاصب الوفاء عما في ذمته بالمال المغصوب ، لعدم سلطنته عليه لا لقصوره عن المصداقية لما في ذمته. فلو أذن له المالك جاز له الوفاء به بلا عناية كونه له ، ولأجل ذلك لو فرض الفسخ ـ بعد وفاء المتبرع ـ عن الثمن الذي في ذمة المشتري رجع الثمن الى المتبرع لا إلى المشتري ، لأنه خرج من كيس المتبرع فيرجع اليه ، ولم يخرج من كيس المشتري ليرجع اليه ، بخلاف العمل فيما نحن فيه ، فإنه حين وقوعه يقع للمنوب عنه ، نظير العمل في باب الجعالة والأمر بالعمل.

[٣] قد عرفت الإشارة إلى الإشكال في فعل المتبرع من جهات ثلاث : ( إحداها ) : أن يتقرب بأمر نفسه أو بأمر المنوب عنه. ويشكل الأول : بأنه قد لا يشرع العمل في حقه. ويشكل الثاني : بأن الأمر لا يدعو إلا‌

١١١

وأما بالنسبة إلى الأجير الذي من نيته أخذ العوض [١] فربما يستشكل فيه [٢] ، بل ربما يقال [٣] ـ من هذه الجهة ـ : أنه لا يعتبر فيه قصد القربة ، بل يكفي الإتيان بصورة العمل عنه.

لكن التحقيق : أن أخذ الأجرة داع لداعي القربة [٤]

______________________________________________________

من توجه اليه. ( ثانيتها ) : أنه كيف يكون فعله مفرغا لذمة المنوب عنه؟. ( ثالثتها ) : أنه كيف يتقرب المنوب عنه بفعل النائب؟ وكيف يستحق عليه الثواب؟.

وقد عرفت اندفاع الاشكال من الجهات المذكورة ، بلا فرق بين المتبرع والأجير ، غاية الأمر أن جعل النائب عمله للمنوب عنه قد يكون بداعي الأجرة ، كما في الإجارة والصلح والجعالة والأمر بالعمل. وقد يكون بداع شرعي ، كما لو كان بقصد الصلة للقريب والجزاء على الإحسان. والاختلاف في هذه الجهة لا أثر له في الفرق بينهما في جهة الإشكال المتقدم. نعم يفترقان في جهة أخرى يأتي الكلام عليها.

[١] هذا في الجعالة ظاهر. أما في باب الإجارة فالأجر وان كان مستحقا ومملوكا بنفس العقد لا بالعمل ، لكن العمل له دخل في جواز المطالبة بالأجرة. وعلى كل حال فجهة الإشكال في الجميع : كون العمل فاقداً لشرط الإخلاص.

[٢] حكي ذلك عن المفاتيح ، تبعاً لبعض آخر.

[٣] القائل : صاحب المستند.

[٤] لا يخفى أنه لا مجال القياس المقام على الأمثلة المذكورة ، فإن الفعل بداعي أمر الله سبحانه ـ بداعي خوفه ورجائه في الأمور الدنيوية والأخروية ـ لا ينافي تحقق الإطاعة والانقياد له ، الموجب للقرب منه سبحانه واستحقاق الثواب ، إذ الإطاعة في كل مقام لا تكون غرضا أصليا للمطيع‌

١١٢

ـ كما في صلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء ـ حيث أن الحاجة‌

______________________________________________________

بل تكون غرضا غيريا. لكن الفعل بداعي أمره سبحانه. بداعي خوف غيره أو رجائه ـ إنما يكون مقربا في نظر العقلاء من ذلك الغير ، لا منه سبحانه ، كما يظهر ذلك من ملاحظة إطاعة الأوامر العرفية. فإن المولى إذا أمر عبده بإطاعة ضيفه أو صديقه أو ولده فاطاعه كان العبد مستحقاً للجزاء على المولى ، لا على الضيف أو الصديق أو الولد ، فاطاعة النائب أمر الله سبحانه بداعي إطاعة المستأجر واستحقاق الأجر لا تكون مقربة عند العقلاء إلا من المستأجر لا غير ، ولا يستحق ـ بفعله ـ ثواباً منه سبحانه ، فلا تتحقق العبادية المعتبرة في العبادات فلا مجال لقياس العبادة بداعي خوف غير الله سبحانه أو رجائه على الأمثلة المذكورة في المتن ، فإنها فعل العبادة بداعي خوف الله سبحانه أو رجائه.

فالتحقيق في دفع هذا الاشكال : أن فعل العبادة بداعي غير الله سبحانه إنما يمتنع من مقربيتها للفاعل نفسه ، فان كان فعله لنفسه بطلت العبادة ، لأنه يعتبر في جميع العبادات أن تقع على وجه مقرب للفاعل ، أما إذا كان فعله لغيره متقربا عنه فلا موجب لبطلانها بالإضافة إلى غيره. وبعبارة أخرى : إنما يعتبر في العبادة وقوعها على نحو مقرب لمن له العبادة ، فإذا كان المتعبد فاعلا عن نفسه كان فعله بداعي غير الله ـ سبحانه ـ مانعاً من تقربه ، فتبطل ـ لأجله ذلك ـ عبادته. أما إذا كان فاعلا عن غيره فلا دليل يقتضي بطلانها حينئذ. ولأجل ذلك لم يقرر الاشكال المذكور في عبادة المتبرع إذا كان تبرعه بداعي حب المنوب عنه لا بداعي الأمر الشرعي بالتبرع ، مع أنه في التبرع المذكور غير متقرب الله ، فاذا لم يعتبر التقرب في الفعل عن الغير لم يقدح فعله بداعي غير الله. كما لعله ظاهر بأدنى تأمل.

١١٣

ونزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة. ويمكن أن يقال [١] إنما بقصد : القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة [٢] ودعوى : أن الأمر الإجاري [٣] ليس عباديات بل هو توصلي مدفوعة : بأنه تابع للعمل المستأجر عليه [٤] ، فهو مشترك بين التوصلية والتعبدية.

______________________________________________________

[١] هذا الجواب ظاهر محكي حاشية المدارك للوحيد البهبهاني (ره) :

[٢] الظاهر أن مراده وجوب الوفاء بالإجارة. لكن الذي أوضحناه ـ فيما علقناه على مكاسب شيخنا الأعظم (ره) ـ : أن وجوب الوفاء بالعقود والشروط والنذور ونحوها إرشادي محض لا مولوية فيه بوجه. فراجع. نعم عقد الإجارة يوجب ملك المستأجر العمل على الأجير ، ومقتضى عموم وجوب تسليم كل مال الى مالكه وجوب العمل المستأجر عليه.

[٣] هذه الدعوى لشيخنا الأعظم (ره) في رسالته. ومراده من كونه توصليا : أنه لا يتوقف سقوطه على قصد امتثاله ، فلا يمنع من ملاحظة العوض ، كما هو المفروض في ورود الإشكال.

[٤] يعني : إن كان العمل المستأجر عليه توصليا كفي في سقوطه مجرد الإتيان بالعمل وان لم يكن متقربا به. وإن كان عباديا لم يسقط الا أن يؤتى بالفعل بداع قربي أقول : هذا لا يوجب كونه مشتركا بين التعبدي والتوصلي ، إذ الأمر التوصلي ما يكفي في سقوطه مجرد الإتيان بمتعلقه ، وأمر الإجارة كذلك. وعدم سقوطه بإتيان ذات العمل إذا كان المستأجر عليه العمل القربي إنما هو لعدم الإتيان بمتعلقه ، لا لكونه عبادياً حينئذ. اللهم إلا أن يقال : إذا كان موضوعه عبادة ، وفرض أنها لا تصح إلا بقصده على نحو الأوامر العبادية صار عبادياً بالعرض ، فلا يسقط إلا بملاحظته وداعويته.

١١٤

( مسألة ٣ ) : يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات ـ أن يوصي به [١] ، خصوصا مثل الزكاة والخمس والمظالم والكفارات من الواجبات المالية ويجب على الوصي إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية.

______________________________________________________

ويمكن أن يستشكل في الجواب المذكور ـ أيضا ـ من وجوه أخرى : ( أولها ) ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) : من عدم تأتيه في الجعالة والأمر بالعمل ، فإنه لا وجوب فيها ، مع عدم الفصل بينهما وبين الإجارة في صحة العمل. ( وثانيها ) : أن صحة الإجارة موقوفة على صحة العبادة في نفسها ـ مع قطع النظر عن الإجارة ـ فلا بد من أن تكون مشروعة من غير جهة الإجارة ، فلا يصلح أمر الإجارة لتشريعها. ( وثالثها ) : أن إطاعة أمر الإجارة لا يقتضي سقوط أمر الصلاة ، لأن الأمر بالصلاة عبادي والأمر العبادي لا يسقط إلا إذا أتي بمتعلقه بداعيه لا بداعي أمر آخر. ولذا لو انطبق على الصلاة أو الصوم عنوان راجح فأتي بهما بداعي ذلك الأمر لم يسقط أمرهما الأولي. ( ورابعها ) : بأن داعي التقرب مما ينوب به النائب عن المنوب عنه كذات الفعل ، والتقرب بداعي أمر الإجارة ليس كذلك ، لأن أمرها متوجه إلى النائب أصالة لا الى المنوب عنه ، فالتقرب به أجنبي عن التقرب المعتبر في العبادة الذي يكون مورداً للنيابة. فالتحقيق في الجواب ما عرفت.

[١] إذ بعد المفروغية عن ثبوت ملاك التكليف في فعل النائب يجب على المكلف تحصيله والتسبب اليه بقدر المكنة ، فإذا كان الأمر بفعله بعد موته دخيلا في تحقق الفعل المذكور يجب عليه. بل لعله يجب عليه أكثر من الأمر مما له دخل في حصوله من النائب. وانقطاع التكليف بالموت‌

١١٥

ومنها : الحج الواجب [١] ، ولو بنذر [٢] ونحوه. بل وجوب إخراج الصوم والصلاة من الواجبات البدنية أيضا من الأصل لا يخلو عن قوة [٣] ، لأنها دين الله [٤] ،

______________________________________________________

لا يمنع من وجوب الوصية والأمر بفعل ما في الذمة الصادرين حال الحياة. كما أن عدم العلم بترتب الفعل على الأمر لا يمنع من وجوبه عقلا في ظرف احتمال ترتبه ، إذ الشك في القدرة كاف في وجوب الاحتياط. ولا فرق في ذلك بين أن يكون الفوات بعذر وبغيره ، لا طراد المقتضي لوجوب الأمر من باب المقدمة في المقامين. كما لا فرق ـ أيضا ـ بين الواجبات المالية وغيرها ، لذلك.

[١] خروجه من أصل المال مما اتفق عليه النص والفتوى. لكن في كونه واجباً مالياً تأمل. أو منع.

[٢] على خلاف يأتي في كتاب الحج إن شاء الله ، وان كان الأظهر ما في المتن.

[٣] عند جماعة.

[٤] كما صرحت بذلك النصوص في الجملة ، منها : رواية زرارة عن أبي جعفر (ع) المتقدمة في أدلة المواسعة (١). ومنها : رواية حماد عن أبي عبد الله (ع) ـ في أخباره عن لقمان (ع) : « وإذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخر لشي‌ء ، صلها واسترح منها ، فإنها دين » (٢). ونحوهما غيرهما.

وأشكل عليه : بأنه إن كان المراد أنها دين حقيقة ـ لكونه عبارة عما اشتغلت به الذمة ـ فلا دليل على وجوب إخراج كل دين من الأصل‌

__________________

(١) راجع المسألة : ٢٧ من فصل صلاة القضاء.

(٢) الوسائل باب : ١٢ من أبواب قضاء الصلوات حديث : ٢٥.

١١٦

ودين الله أحق أن يقضى [١].

______________________________________________________

لاختصاص الأدلة بالدين المالي. وان كان المراد أنها دين ادعاء ، فالظاهر كونه بلحاظ لزوم الأداء.

[١] هذا ورد في قصة الخثعمية لما سألت رسول الله (ص) ، قالت له : « إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا زمناً لا يستطيع أن يحج ، إن حججت عنه ينفعه ذلك؟ فقال (ص) لها : أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ينفعه ذلك؟ قالت : نعم. قال (ص) : فدين الله أحق بالقضاء » (١). وفيه : أن الظاهر ـ بقرينة المورد ـ كون المراد أن دين الله سبحانه أحق وأولى بصحة قضائه ، جريا على ما اشتهر من أهمية حقوق الناس من حقوق الله تعالى ، فتكون أجنبية عن إثبات المطلوب.

وقد يستدل عليه بما ورد في أداء دين المقتول عمداً من ديته لأنه أحق بديته من غيره (٢). وفيه : أنه انما يقتضي الأحقية فيما لو كان في ذمة الميت مال ودار الأمر بين صرف التركة في قضائه وبين صرفها الى الوارث. والواجبات البدنية ليست من الأموال ـ لا لأنها أفعال في قبال الأموال ، إذ الأفعال قد لا تخلو من مالية. ولذا تقابل بالمال ، فاذا كان الميت مشغول الذمة بفعل مالي ـ من خياطة ثوب أو بناء قنطرة أو نحوهما ـ أمكن دعوى خروجها من الأصل ـ ، بل لأن الواجبات البدنية لم تجب على المكلف بما أنها أموال ، بل بما أنها عبادات مخصوصة قد ألغيت فيها حيثية المالية‌

__________________

(١) مرت الإشارة إلى انه ورد ـ في اخبار كثيرة ـ التعبير عن الصلاة والحج بالدين. والرواية المذكورة في المتن موافقة لما في الحدائق عن السيد (ره). وأقرب الروايات الى هذا المضمون هو ما في المستدرك والا فالتفاوت بينه وبين سائر الروايات كثير ، وان اشترك الجميع في المقصود. فراجع ما علقناه ـ حول هذا الموضوع ـ في أوائل الكلام في هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٥٩ من أبواب القصاص في النفس حديث : ٢.

١١٧

( مسألة ٤ ) : إذا علم ان عليه شيئا من الواجبات المذكورة وجب إخراجها [١] من تركته وان لم يوص به.

والظاهر ان اخباره بكونها عليه يكفي في وجوب الإخراج من التركة [٢].

( مسألة ٥ ) : إذا أوصى بالصلاة أو الصوم ونحوهما ، ولم يكن له تركة ، لا يجب على الوصي [٣]

______________________________________________________

بالمرة ، فليست من سنخ التركة في المالية حتى يمكن استثناؤها وإخراجها منها.

والأجرة المبذولة بإزاء جعلها للميت ـ حسبما تقدم في دفع إشكال النيابة ـ ليست مما اشتغلت بها ذمة المكلف ، بل إنما اشتغلت بنفس الأفعال المخصوصة غير ملحوظ فيها حيثية المالية بوجه. ولأجل ذلك لا ينبغي التأمل في عدم خروجها من الأصل ، لأن الذين المقدم على الميراث يراد منه الدين المالي ، لحفظ الوحدة السنخية بين الخارج والمخرج منه. ولأجل ذلك يتعين كون المراد من حمل الدين عليها في النصوص المتقدمة لزوم الأداء ، لا التنزيل منزلة الدين في وجوب الإخراج من التركة ، لعدم السنخية بينها وبين التركة.

[١] قد عرفت اختصاصه بالواجبات المالية.

[٢] ينبغي أن يجري على الاخبار بها حكم الإقرار بدين ، من نفوذه مطلقاً ، أو في صورة عدم التهمة ، أو غير ذلك. ودعوى : وجوب قبوله مطلقا لأنه مما لا يعلم إلا من قبله ـ غير ظاهرة ، لمنع الصغرى وان سلمت الكبرى.

[٣] لأن مفاد الوصية العهدية ليس إلا جعل ولاية التصرف للوصي ، فيجب التصرف لأجلها. ويختص ذلك بمثل البيع والشراء والإجارة والاستيجار‌

١١٨

أو الوارث إخراجه من ماله ، ولا المباشرة ، إلا ما فات منه لعذر ـ من الصلاة والصوم ـ حيث يجب على الولي [١] وان لم يوص بهما. نعم الأحوط مباشرة الولد [٢] ـ ذكراً كان أو

______________________________________________________

والقسمة ونحوها ، ولا دليل على وجوب مثل الصلاة والصوم بأمر الموصي والأصل البراءة ، بل لا يظن أن ذلك محل إشكال. نعم قد يظهر من شيخنا الأعظم (ره) ـ في كتاب الوصية في شرح قول ماتنه : « ولو أوصى بواجب وغيره .. » وجوب فعل الموصى به على الوصي بنفسه أو بماله. والظاهر أن أصل العبارة : « وجب على الولي .. » بدل : « على الوصي .. » فراجع.

[٢] لما سيأتي إن شاء الله تعالى.

[٣] كأن وجه التوقف فيه : هو التوقف في عموم دليل وجوب إطاعة الولد للوالد لمثل ذلك ، فإنه وان استفاضت الأخبار المتضمنة لكون عقوق الوالدين من الكبائر (١) ، إلا أن في صدقه على مخالفة الأمر والنهى ـ مطلقا ـ إشكالا ، لأنه ـ كما في القاموس ، والمفهوم منه عرفا ـ : ضد البر ، وترك الإطاعة نقيض البر لا ضده. وتفسيره ـ في المجمع ـ : بالإيذاء والعصيان وترك الإحسان ـ مع أنه خلاف الظاهر منه ـ مما لا يمكن الالتزام به ، إذ لا يكاد يرتاب في عدم وجوب إطاعة الوالد لو أمر ولده بطلاق زوجته والتصدق بماله وأشباه ذلك. وكأن من هنا ضعف في الجواهر القول بعدم صحة صوم الولد مع نهي الوالد ، معللا له بعدم ما يدل على وجوب إطاعته في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك من حيث الشفقة.

__________________

(١) راجع الوسائل باب : ٤٦ من أبواب جهاد النفس ، وباب : ٩٢ ، ٩٣ ، ٩٤ ، ١٠٤ ١٠٦ من أبواب أحكام الأولاد.

١١٩

أنثى ـ مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما ، وان لم يكن مما يجب على الولي [١] ، أو أوصى الى غير الولي [٢] ، بشرط أن لا يكون مستلزما للحرج من جهة كثرته. وأما غير الولد ممن لا يجب عليه اطاعته فلا يجب عليه ، كما لا يجب على الولد [٣] ـ أيضا ـ استئجاره إذا لم يتمكن من المباشرة ، أو كان أوصى [٤] بالاستيجار عنه لا بمباشرته.

( مسألة ٦ ) : لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه من الأصل أيضاً [٥]. وأما لو أوصى بما يستحب عليه من باب الاحتياط وجب العمل به ، لكن يخرج من الثلث [٦]. وكذا لو أوصى بالاستيجار عنه أزيد من عمره فإنه يجب العمل به والإخراج من الثلث ، لأنه يحتمل [٧]

______________________________________________________

[١] بأن كان قد فاته لا لعذر.

[٢] يعني : أو كان الولد الموصى بالمباشرة غير الولد الولي.

[٣] قد جزم هنا بعدم وجوب إطاعة الوالد ، لكونه مما يستلزم صرف المال.

[٤] يعني : أو كان قد أوصى الولد بالاستيجار ، فإنه لا يجب عليه.

[٥] هذا إذا تمت مبادي الاحتياط في حق الوارث أيضا. أما لو اختلفت في حقه ـ سواء أكانت الشبهة موضوعية أم حكمية ، كما لو اختلفا اجتهاداً أو تقليداً ـ فوجوب الاحتياط غير ظاهر. وكيف كان فالحكم مختص بالواجب المالي ، كما عرفت.

[٦] لأن وجوبه بالوصية ، ومثله إنما يخرج من الثلث.

[٧] تعليل لوجوب العمل.

١٢٠