مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

في ما عدا ما يتعلق بالقراءة في الركعتين الأوليين ، التي يتحملها الامام عن المأموم ، فيعمل كل على وفق رأيه [١].

نعم لا يجوز اقتداء من يعلم وجوب شي‌ء بمن لا يعتقد وجوبه ، مع فرض كونه تارك له ، لأن المأموم حينئذ عالم ببطلان [٢] صلاة الإمام ، فلا يجوز له الاقتداء به ، بخلاف المسائل الظنية حيث أن معتقد كل منهما حكم شرعي ظاهري في حقه ، فليس لواحد منهما [٣] الحكم ببطلان صلاة الأخر ، بل كلاهما في عرض واحد في كونه حكما شرعيا. وأما فيما يتعلق بالقراءة في مورد تحمل الامام عن المأموم وضمانه له‌

______________________________________________________

[١] هذا مسلم ، لكن لازمه عدم جواز الائتمام ، لأن المأموم يرى فساد صلاة الإمام ، فمقتضى وجوب عمله على وفق رأيه أن لا يأتم به فيها ، كما لو كانت صلاة الإمام معلومة الفساد عند الامام والمأموم. نعم لو فرض ائتمام المأموم به غفلة ، جاز للإمام ترتيب آثار الائتمام ، إذا كان يرى صحة صلاة المأموم. ولو كانت صلاة الإمام صحيحة في نظر المأموم ، وصلاة المأموم فاسدة في نظر الامام ، جاز للمأموم ترتيب آثار صحة الائتمام ، ولم يجز ذلك للإمام ، عكس الفرض السابق.

[٢] علمه لا يمنع من ثبوت الحكم الظاهري في حق الإمام فإن كان ثبوته في حقه كافياً في ترتيب المأموم آثار الواقع عليه ، كان اللازم ترتيبها مع العلم بخلافه. والعلم والحكم الظاهري إنما يتنافيان بالإضافة إلى شخص واحد ، لان موضوع الحكم الظاهري هو الشك المنافي للعلم ، لا بالإضافة إلى شخصين.

[٣] هذا خلاف إطلاق دليل الحجية بالإضافة إلى كل منهما ، كما عرفت.

٣٠١

فمشكل ، لان الضامن حينئذ لم يخرج عن عهدة الضمان [١]

______________________________________________________

[١] الضمان المذكور قد تضمنته جملة من النصوص (١). إلا أن المراد به ـ سواء أكان اشتغال ذمة الإمام بقراءة المأموم ، كما هو معنى الضمان في الأموال ، أم سقوط القراءة عن المأموم ، كما تضمنه بعض النصوص (٢) ، أم اجتزاء المأموم بقراءة الإمام كما تضمنه بعض آخر (٣) ـ لا يمنع من صحة الائتمام في الفرض ، بل إنما يقتضي ـ لو حمل على المعنى الأول ـ بقاء القراءة في ذمة الإمام. كما يقتضي ـ لو حمل على المعنى الأول ـ بقاء القراءة في ذمة الإمام. كما يقتضي ـ لو حمل على المعنى الأخير ـ وجوب القراءة على المأموم ، ولا يقتضيان هما بطلان الإمامة بوجه.

نعم يمكن تقريب الاستدلال به ـ لو حمل على المعنى الأول ـ بأن يقال : إن قاعدة : ( الإمام يضمن القراءة ) تنعكس ـ بعكس النقيض ـ إلى أن من لا يضمن القراءة فليس بإمام ، فإذا ثبت عدم وجوب القراءة على الإمامة بمقتضى اجتهاده أو تقليده في عدم وجوبها ـ يثبت أنه ليس بإمام. وفيه : أنه يتوقف على حجية العام في عكس نقيضه. والمحقق في محله خلافه. مع أن الحمل على المعنى الأول خلاف ظاهر الفتوى ، بل خلاف مقتضى الجمع بين النصوص أيضاً ، كما سيأتي. بل لعل الضمان لا ينافي عدم الوجوب ظاهراً على الامام. وعلى هذا فينحصر وجه بطلان الائتمام بأصالة عدم المشروعية ، بناء على عدم إطلاق صالح للمرجعية. لكن هذا البناء ينافي القول بصحة ائتمام أحد المختلفين ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ بالآخر ، ولا سيما إذا كان الاختلاف بمثل القراءة ـ الذي قد عرفت أن المستفاد من صحيح‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١ ، ٣.

(٢) ، يدل على ذلك بعض الروايات التي رواها في الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) يدل على ذلك بعض الروايات التي رواها في الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٠٢

بحسب معتقد المضمون عنه.

مثلا : إذا كان معتقد الامام عدم وجوب السورة ـ والمفروض أنه تركها ـ فيشكل جواز افتداء من يعتقد وجوبها به. وكذا إذا كان قراءة الإمام صحيحة عنده وباطلة بحسب معتقد المأموم ، من جهة ترك إدغام لازم أو مد لازم أو نحو ذلك. نعم يمكن أن يقال بالصحة إذا تداركها المأموم بنفسه ، كأن قرأ السورة في الفرض الأول ، أو قرأ موضع غلط الامام صحيحا ، بل يحتمل أن يقال : إن القراءة في عهدة الامام ، ويكفي خروجه عنها باعتقاده. لكنه مشكل فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.

______________________________________________________

جميل‌ : جوازه ـ لان تركها لا يوجب البطلان ، لحديث « لا تعاد .. » ـ بناء على جريانه مع الجهل بالحكم ـ كما هو الظاهر. فلاحظ. وتأمل. وكأنه لأجل ذلك قال المصنف ( قده ) : « نعم يمكن أن يقال بالصحة إذا تداركها المأموم ».

ثمَّ إنك إذا عرفت أن مقتضى القاعدة المستفادة من صحيح جميل (١) هو صحة الاقتداء ، فوجوب تدارك المأموم للقراءة ـ حينئذ ـ موقوف على أحد الأمرين ، إما على دعوى : قصور أدلة سقوط القراءة عن المأموم عن شمول صورة ترك الامام لها ، لانصرافها إلى صورة تحقق القراءة منه. وإما على دعوى : أن مقتضى الجمع بين نصوص السقوط : الحكم بأن المراد اجتزاء المأموم بقراءة الإمام ، فتكون قراءة الإمام من قبيل المسقط لقراءة المأموم. لكن الاولى يمكن منعها في بعض النصوص ، فإطلاقه محكم. وأما‌

__________________

(١) تقدم ذلك في أوائل المسألة.

٣٠٣

( مسألة ٣٢ ) : إذا علم المأموم بطلان صلاة الإمام من جهة من الجهات ككونه على غير وضوء ، أو تاركاً لركن أو نحو ذلك ـ لا يجوز له الاقتداء به ، وإن كان الامام معتقداً صحتها ، من جهة الجهل ، أو السهو أو نحو ذلك [١].

______________________________________________________

الدعوى الثانية فغير بعيدة ، لان النصوص ـ كما عرفت ـ قد تضمن بعضها : مجرد ضمان الإمام للقراءة ، وبعضها تضمن : مجرد سقوط القراءة عن المأموم وبعضها تضمن : أن قراءة الإمام تجزي المأموم ، كخبر المرافقي : « إذا كنت خلف الامام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته » (١) ، وموثق سماعة : « إذا سمع صوته فهو يجزئه » (٢). والأول وإن كان ظاهراً في فراغ ذمة المأموم عن القراءة واشتغال ذمة الإمام بها ، لكن لا بد من حمله على خلافه ، إذ لا يحتمل اشتغال ذمة الإمام بقراءة المأموم. والثاني لا بد من حمله على الأخير لأنه أشبه بالحاكم المفسر له ، فدعوى : كون سقوط القراءة عن المأموم بنحو اجتزائه بقراءة الإمام ـ فيكون لازمها وجوبها في الفرض على المأموم ، بالأدلة الأولية الدالة على وجوب القراءة مطلقاً ـ في محلها.

نعم قد يقال : إنه لا مجال للتفكيك بين صحة الجماعة وسقوط القراءة فيمتنع الحكم بصحة الجماعة ووجوب القراءة. لكن قد عرفت : أنه لا يقتضيه النص ، إلا بناء على حجية العام في عكس نقيضه ، على ما عرفت. ولكنه ممنوع. وأما الإجماع فلم يثبت انعقاده على عدم التفكيك ، وإن كاد أن يدعيه بعض. فراجع كلماتهم وتأمل.

[١] يعلم الوجه في هذه المسألة مما سبق. ومجرد اعتقاد الامام الصحة للخطإ في الموضوع لا يوجب الاجزاء ، كما حرر في محله. ولم يدع أحد‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٥.

(٢) الوسائل باب : ٣١ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١٠.

٣٠٤

( مسألة ٢٣ ) : إذا رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفو عنها لا يعلم بها الامام لا يجب عليه إعلامه [١]. وحينئذ فإن علم أنه كان سابقا عالماً بها ثمَّ نسيها لا يجوز له الاقتداء به ، لان صلاته حينئذ باطلة واقعا [٢]. ولذا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا تذكر بعد ذلك. وإن علم كونه جاهلا بها يجوز الاقتداء ، لأنها حينئذ صحيحة [٣]. ولذا لا يجب عليه الإعادة أو القضاء إذا علم بعد الفراغ ،

______________________________________________________

الإجماع عليه ، كما ادعي في المسألة السابقة.

[١] تقدم وجهه في أحكام النجاسات.

[٢] على ما تقدم في أحكام النجاسات. نعم إذا كان الامام يرى صحة صلاة الناسي للنجاسة ، ينبغي أن يجوز الاقتداء به ، بناء على ما ذكره سابقاً : من جواز اقتداء المختلفين ـ اجتهاداً أو تقليداً ـ مع اختلافهما في العمل. فان قلت : الناسي حال العمل ـ لغفلته ـ ليس له حكم ظاهري كي يجري فيه ما سبق من الوجه في جواز الاقتداء ، وإنما يثبت له الحكم الظاهري بعد الالتفات إلى النجاسة ، وذلك بعد الفراغ من الصلاة.

قلت : يكفي في الصحة المطابقة لرأيه ولو مع الغفلة عن تطبيقه. ولذا لو تبدل رأيه قبل الالتفات إلى النجاسة ثمَّ التفت لم تجب عليه الإعادة. فتأمل.

[٣] على ما سبق في أحكام النجاسات. ثمَّ إن التفصيل المذكور بين الناسي والجاهل في جواز الاقتداء وعدمه محكي عن نهاية الاحكام. والموجز وكشف الالتباس. وعن جماعة : إطلاق المنع ، بل عن الغرية : أن عليه الفتوى. وينبغي أن يكون مبنى الخلاف هو القول بصحة صلاة الامام وعدمه.

٣٠٥

بل لا يبعد جوازه إذا لم يعلم المأموم أن الامام جاهل أو ناس [١] وإن كان الأحوط الترك في هذه الصورة.

هذا ولو رأى شيئاً هو نجس في اعتقاد المأموم بالظن الاجتهادي ، وليس بنجس عند الإمام ، أو شك في أنه نجس عند الإمام أو لا ـ بأن كان من المسائل الخلافية ـ فالظاهر جواز الاقتداء مطلقا ، سواء كان الامام جاهلا ، أو ناسيا ، أو عالما [٢].

( مسألة ٣٤ ) : إذا تبين بعد الصلاة كون الامام فاسقاً أو كافرا ، أو غير متطهر ، أو تاركا لركن ـ مع عدم ترك المأموم له ـ أو ناسيا لنجاسة غير معفو عنها في بدنه ، أو ثوبه انكشف بطلان الجماعة [٣]،

______________________________________________________

[١] لأصالة عدم علم الإمام بالنجاسة ، فيترتب عليه صحة صلاته ، فيجوز الاقتداء به.

[٢] الجواز في حال الجهل ظاهر ، لصحة الصلاة معه. وأما في حال النسيان والعلم ، فجواز الاقتداء به وعدمه مبنيان على جواز الائتمام مع الاختلاف في الاجتهاد ، كما تقدم. هذا مع العلم برأيه. وأما مع الجهل برأيه فالمرجع أصالة صحة صلاته ، لان كون رأيه الطهارة لما كان شرطاً في صحة الصلاة فأصالة الصحة تثبته ، كما في سائر الشرائط المشكوك وجودها.

[٣] أما مع تبين الفسق أو الكفر. فلفقدان شرط الامام الموجب لبطلان الائتمام ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. ودعوى : أن الشرط في الإمام الوثوق بعدالته ، لا نفس العدالة الواقعية ، كما يظهر من قوله (ع) : « لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته » (١) فيها : أن الظاهر منه اعتبار الوثوق‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة الجماعة ملحق حديث : ٢.

٣٠٦

لكن صلاة المأموم صحيحة [١]

______________________________________________________

طريقاً. لا أقل من حمله على ذلك ، جمعا بينه وبين ما دل على اعتبار العدالة الواقعية من النصوص والإجماع ، الآتي إليهما الإشارة في شرائط الامام. وأما مع تبين عدم الطهارة وما بعده فلتقوم الجماعة بصلاتي الامام والمأموم معا ، فاذا انكشف بطلان إحداهما انكشف بطلانها. لا أقل من الشك في ذلك ، الموجب للرجوع إلى أصالة عدم انعقادها من أول الأمر. ودعوى : أنه يكفي في انعقادها عدم العلم بكون صلاة الإمام غير الصلاة الواقعية ، غير ثابتة ، ولم يقم عليها دليل. وقد عرفت : أن الشك كاف في نفيها.

[١] على المشهور ، كما عن جماعة كثيرة ، بل عن الرياض : أن عليه عامة أصحابنا ـ ما عدا السيد والإسكافي ـ بل عن الخلاف : الإجماع على الصحة لو تبين كفر الامام. وتقتضيها النصوص في جملة منها ، كصحيح الحلبي : « من صلى بقوم وهو جنب ، أو هو على غير وضوء ، فعليه الإعادة ، وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم » (١). ونحوه صحاح محمد بن مسلم (٢) ، وزرارة (٣) ، وعبد الله بن أبي يعفور (٤) وموثق ابن بكير (٥). وكمرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (ع) : « في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال ، وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي. قال (ع) : لا يعيدون (٦).

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٥) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨.

(٦) الوسائل باب : ٣٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٣٠٧

______________________________________________________

وكصحيح زرارة : « قلت لأبي جعفر (ع) : « رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، فأحدث إمامهم ، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم ، أتجزئهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال (ع) : لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة بل ينبغي له أن ينويها صلاة وإن كان قد صلى ، فإن له صلاة أخرى ، وإلا فلا يدخل معهم. وقد تجزئ عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها » (١). بل وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : « في رجل يصلي بالقوم ثمَّ يعلم أنه قد صلى بهم الى غير القبلة. قال (ع) : ليس عليهم إعادة شي‌ء » (٢) ، بناء على ظهوره في اختصاص الامام بالانحراف عن القبلة ، وأن ضمير « عليهم » راجع الى « القوم ». فتأمل.

وهذه النصوص وإن لم يمكن استفادة الكلية من كل واحد منها ، إلا أن مجموعها قد يستفاد منه ذلك. مع أنه يكفي ـ في إثبات الصحة في غير موردها ـ ، أصالة البراءة من قدح الائتمام لو لم يكن خلل أصلا. أو مع عموم : « لا تعاد الصلاة .. » لو فرض الخلل ببعض ما يعتبر وجوده أو عدمه. ودعوى : أنه لو صحت الصلاة فرادى حينئذ يلزم وقوع ما لم يقصد ، إذ المقصود هو الصلاة جماعة. مندفعة ـ كما عرفت ـ بأن صفة الجماعة من الخصوصيات الزائدة على أصل الصلاة ، فقصد الصلاة المقيدة بها لا يمنع من قصد ذات الصلاة ، على نحو تعدد المطلوب في القصد. نعم لو قصد الصلاة جماعة بنحو وحدة المطلوب ، بحيث لا تكون مطلق ذات الصلاة مقصودة أصلا ، كان القول بالبطلان في محله. لكنه خارج عن المفروض.

فان قلت : وصفا الجماعة والفرادى من الأوصاف المتباينة ، فيمتنع‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

٣٠٨

______________________________________________________

أن يكون قصد المقيد بأحدهما داخلا في فقصد المقيد بالآخر ولو بنحو تعدد المطلوب ، فالصلاة فرادى مما لا يمكن أن تكون مقصودة في ضمن الصلاة جماعة.

قلت : وصف الفرادى مما لم يؤخذ قيداً في الصلاة الواجبة ، ولا المستحبة ، فلا يعتبر قصده في الامتثال أصلا ، وإنما المأخوذ موضوعاً للوجوب ذات مطلق الصلاة ، وللاستحباب وصف الجماعة ، فإذا قصد الصلاة جماعة ـ بنحو تعدد المطلوب ـ فقد قصد موضوعي الوجوب والاستحباب معا ، فاذا بطل موضوع الاستحباب ، أمكن بقاء موضوع الوجوب تحت القصد. وقد تقدم في نية الائتمام بعض الكلام في المقام. فلاحظ.

هذا وعن الإسكافي وعلم الهدي : وجوب الإعادة في الثلاثة الأول ، لصحيح معاوية : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون : أنه يضمن ، فقال (ع) : لا يضمن. أي شي‌ء يضمن؟ إلا أن يصلي بهم جنباً ، أو على غير طهور » (١). فتأمل. ولما في خبر الدعائم : « فاذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين » (٢). وما عن نوادر الراوندي : « من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس » (٣). لكنها ـ مع ضعف الأخيرين منها ، واختصاص ثانيهما ـ كالأول ـ في خصوص فقد الطهارة ، وإمكان حملها على الاستحباب ، وإعراض المشهور عنها ، بل قد عرفت عن الخلاف : الإجماع على خلاف الأول والأخير منها ـ لا تصلح للاعتماد عليها في وجوب الإعادة. وعن الشيخ عن الصدوق ـ وعن جماعة من مشايخه ـ : التفصيل بين الجهرية فلا‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) مستدرك الوسائل باب : ٣٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٣٠٩

إذا لم يزد ـ ركناً أو نحوه مما [١] يخل بصلاة المنفرد ـ للمتابعة [٢]. وإذا تبين ذلك في الأثناء نوى الانفراد [٣] ،

______________________________________________________

يعيد المأموم ، والإخفاتية فيعيد في خصوص ما لو تبين حدث الامام. وفي الوسائل : حكاية ذلك في خصوص ما لو تبين كفره. وكيف كان ، فليس له وجه ظاهر ، لإطلاق النصوص ، بل مرسل ابن أبي عمير كالصريح في نفي التفصيل في مورده. ومثله في الضعف ـ : ما في محكي السرائر : من وجوب الإعادة في الوقت ، لو تبين كون صلاة الإمام لغير القبلة ، لعدم الدليل عليه ، بل قد عرفت احتمال صحيح الحلبي لخلافه. مع احتمال كلامه ـ كالصحيح أيضا ـ إرادة ما لو صلى الامام والمأموم معا الى غير القبلة ، فلا يكون مما نحن فيه.

[١] وإلا بطلت. لدليل قدح ذلك في صحة الصلاة. ولا مجال للتمسك ـ في إثبات الصحة ـ بإطلاق النصوص المتقدمة ، فإنه غير ثابت ، لقرب دعوى : ورودها في مقام نفي اقتضاء فساد صلاة الإمام لصلاة المأموم من غير تعرض فيها لغير ذلك. ولعل إطلاق الفتاوى منزل عليه أيضا.

مع أنه لو فرض إطلاقها ، فحملها على ذلك ـ للجمع العرفي بينها وبين أدلة القادحية ـ أولى من تقييد أدلة القادحية بغير المقام. أو من البناء على التعارض والرجوع إلى أصالة البراءة. ومن ذلك يظهر : أنه لو كانت الصلاة مما يعتبر في صحتها الجماعة بطلت ووجبت اعادتها.

[٢] متعلق بقوله « يزد ». وقد عرفت الإشكال في صدق الزيادة على الجزء المأتي به يقصد المتابعة ، وأن ظاهرهم القدح به.

[٣] وصحت صلاته. للأصل المتقدم ، وإطلاق بعض النصوص المشار إليها آنفاً ، وصريح بعض آخر ، كصحيح زرارة : « عن رجل صلى بقوم ركعتين ثمَّ أخبرهم أنه ليس على وضوء. قال (ع) : يتم القوم‌

٣١٠

ووجب عليه القراءة [١] مع بقاء محلها. وكذا لو تبين كونه المرأة [٢] ونحوها ، مما لا يجوز إمامته للرجال خاصة ، أو‌

______________________________________________________

صلاتهم ، فإنه ليس على الامام ضمان » (١). وقيل بالبطلان. وكأنه للزوم وقوع ما لم يقصد ، كما تقدم تقريبه. ولما عن السرائر والمنتهى والذكرى : من أن في رواية حماد عن الحلبي : « يستقبلون صلاتهم لو أخبرهم الإمام في الأثناء أنه لم يكن على طهارة » (٢) لكن عرفت ضعف الأول والرواية لم يعثر عليها في كتب الحديث ، كما اعترف به جماعة ـ منهم المحدث البحراني ـ فلا يمكن الاعتماد عليها. ولا سيما مع هجرها ، وأنها لا تصلح لمعارضة الصحيح السابق ، للجمع العرفي بينهما بحملها على الاستحباب.

[١] لعموم دليل وجوبها.

[٢] فتبطل الجماعة ، لفقد الشرط. وتصح الصلاة ، للأصل المتقدم مضافا إلى ما يدعي : من استفادته من النصوص المتقدمة في الكافر والمحدث للأولوية. ومن تعليل الأمر بالائتمام : بأنه ليس على الامام ضمان في صحيح زرارة. لكن الأولوية ظنية لا تصلح للإثبات. والتعليل محتمل لإرادة عدم ضمان الإمام لإتمام الصلاة بالقوم ، كما عن الصدوق (ره). فتأمل. ومثله : التعليل فيما ورد : « في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة. قال (ع) : يعيد ولا يعيدون ، فإنهم قد تحروا » (٣). إذ الظاهر منه كونه تعليلا لعدم قدح الانحراف عن القبلة في صحة صلاة القوم ، لا لعدم قدح فساد صلاة الإمام فيها.

__________________

(١) الوسائل باب : ٣٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٢) راجع الذكرى في ذيل اشتراط الاقتداء بعدالة الامام ، والسرائر في أواخر باب الجماعة المطبوع في الهامش.

(٣) الوسائل باب : ٣٨ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣١١

مطلقاً ـ كالمجنون وغير البالغ ـ إن قلنا بعدم صحة إمامته ، لكن الأحوط إعادة الصلاة في هذا الفرض [١] ، بل في الفرض الأول ، وهو كونه فاسقاً أو كافراً.

( مسألة ٣٥ ) : إذا نسي الإمام شيئا من واجبات الصلاة ولم يعلم به المأموم صحت صلاته [٢] ، حتى لو كان المنسي ركناً ، إذا لم يشاركه في نسيان ما تبطل به الصلاة. وأما إذا علم به المأموم نبهه عليه ليتدارك إن بقي محله ، وإن لم يمكن ، أو لم ينتبه ، أو ترك تنبيه ـ حيث إنه غير واجب عليه ـ [٣] وجب عليه نية الانفراد إن كان المنسي ركناً ، أو‌

______________________________________________________

[١] خروجاً عن شبهة الخلاف. بل في نجاة العباد : « الأقوى والأحوط استئناف الصلاة ». وعلله في الجواهر : بقاعدة الاشتغال ، وعدم اليقين بصدق الامتثال. ولكنه كما ترى.

[٢] كما تقدم.

[٣] للأصل. نعم في صحيح ابن مسلم : « عن الرجل يؤم القوم فيغلط. قال (ع) : يفتح عليه من خلفه » (١) وموثق سماعة : « عن الإمام إذا أخطأ في القرآن فلا يدري ما يقول. قال (ع) : يفتح عليه بعض من خلفه » (٢). وخبر جابر : « فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه » (٣). وظاهرها : وجوب التنبيه. إلا اني لم أجد من احتمله ، بل ظاهر المتن وحواشيه : المفروغية عن عدمه ، بل لعله ـ أيضا ـ ظاهر : ( نجاة العباد ) وحواشيها. فراجع.

__________________

(١) الوسائل باب : ٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) الوسائل باب : ٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣١٢

قراءة ـ في مورد تحمل الامام ـ مع بقاء محلها [١] ، بأن كان قبل الركوع. وإن لم يكن ركنا ولا قراءة ، أو كانت قراءة وكان التفات المأموم بعد فوت محل تداركها ـ كما بعد الدخول في الركوع ـ فالأقوى جواز بقائه على الائتمام ، وإن كان الأحوط الانفراد [٢] ، أو الإعادة بعد الإتمام.

( مسألة ٣٦ ) : إذا تبين للإمام بطلان صلاته من جهة كونه محدثا ، أو تاركا لشرط أو جزء ، ركن أو غير ذلك.

فان كان بعد الفراغ لا يجب عليه إعلام [٣] المأمومين. وإن كان في الأثناء فالظاهر وجوبه [٤].

______________________________________________________

[١] لكن مقتضى ما تقدم في المسألة الواحدة والثلاثين : أن بقاء المحل يقتضي وجوب تدارك القراءة على المأموم ، لا غير ، فلا موجب لنية الانفراد. غاية الأمر : أنه يجب عليه التدارك واللحوق بالإمام ، لما عرفت من أن أدلة المتابعة ـ مهما كان مفادها ـ لا توجب تخصيص أدلة الجزئية ، ولا تصلح لمزاحمتها بوجه.

[٢] لاحتمال بطلان الائتمام.

[٣] للأصل. ولما تقدم من النصوص في المسألة الرابعة والثلاثين.

[٤] للإجماع ظاهراً ، كما في المستند. ولمرسل الفقيه : « قال أمير المؤمنين (ع) : ما كان من إمام تقدم في الصلاة ـ وهو جنب ـ ناسيا أو حدث حدثا ، أو رعف رعافا ، أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ، ثمَّ لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ، ثمَّ ليتوضأ وليتم ما سبقه من الصلاة. وإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها » (١).

__________________

(١) الوسائل باب : ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣١٣

( مسألة ٣٧ ) : لا يجوز الاقتداء بإمام يرى نفسه مجتهدا وليس بمجتهد ـ مع كونه عاملا برأيه [١]. وكذا لا يجوز الاقتداء بمقلد لمن ليس أهلا للتقليد إذا كانا مقصرين في ذلك بل مطلقاً على الأحوط [٢].

______________________________________________________

لكن الإجماع غير محقق. والمرسل قاصر الدلالة. نعم ظاهر قوله (ع) : « وليأخذ بيد رجل » أنه يجب على المأموم أن يقدم للمأمومين من يؤمهم ، ولا دخل له في وجوب الاعلام. مع أن مورده الرعاف غير الموجب لفساد صلاة الإمام ـ كما هو ظاهر الأمر بإتمام الصلاة ـ ولا يظن الالتزام بوجوب تقديم الامام ، لا على الامام ، ولا على المأمومين ، بل لعل عدم وجوب ذلك على الامام ظاهر ما ورد : فيما لو عرض على الامام ما يمنعه من الإمامة ، فليحمل المرسل على الإرشاد ، كما قد يقتضيه التأمل في سياقه.

هذا مضافا إلى صحيح زرارة ـ الوارد فيمن صلى مع القوم وهو لا ينويها صلاة ـ المتقدم في المسألة الرابعة والثلاثين. فان عدم إنكار الإمام (ع) فيه تقدمه للإمامة ، وعدم إعلامه للمأمومين بحاله ، مع الإنكار عليه بأنه لا ينبغي له أن يدخل في الصلاة وهو لا ينوي الصلاة ، كالصريح في عدم وجوب الاعلام ، كما يظهر بأدنى تأمل. ويعضده : إطلاق بعض نصوص نفي وجوب الاعلام لو تبين الفساد بعد الفراغ ، فإنه شامل لما إذا تبين للإمام في الأثناء. فلاحظ.

[١] لعدم صحة عمله ، حتى بالإضافة إلى الحكم الظاهري في حقه. ومثله الوجه في الاقتداء بالمقلد لمن ليس أهلا للتقليد.

[٢] بل لعله الأقوى. لعدم الفرق بين القاصر والمقصر في عدم صحة عمله بالإضافة إلى الحكم الظاهري في حقه ، وإنما يفترقان بالعذر العقلي وعدمه وليس هو فارقا فيما نحن فيه.

٣١٤

إلا إذا علم أن صلاته موافقة للواقع [١] ، من حيث أنه يأتي بكل ما هو محتمل الوجوب ـ من الأجزاء والشرائط ـ ويترك كل ما هو محتمل المانعية. لكنه فرض بعيد ، لكثرة ما يتعلق بالصلاة من المقدمات والشرائط والكيفيات ، وإن كان آتيا بجميع أفعالها وأجزائها. ويشكل حمل فعله على الصحة [٢] ، مع ما علم منه من بطلان اجتهاده أو تقليده.

( مسألة ٣٨ ) : إذا دخل الإمام في الصلاة معتقدا دخول الوقت ، والمأموم معتقد عدمه أو شاك فيه لا يجوز له الائتمام في الصلاة [٣]. نعم إذا علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام جاز له الائتمام به [٤]. نعم لو دخل الامام نسيانا من غير مراعاة للوقت ، أو عمل بظن غير معتبر لا يجوز الائتمام به ، وإن علم المأموم بالدخول في الأثناء ، لبطلان صلاة الإمام حينئذ واقعا. ولا ينفعه دخول الوقت في الأثناء ـ في هذه‌

______________________________________________________

[١] وكذا لو علم بموافقتها لرأي المأموم ، أو من قلده المأموم ، لأنها حينئذ تكون صحيحة عنده. هذا إذا لم تكن دعوى الاجتهاد ، أو العمل عليه موجبة لانتفاء العدالة ، وإلا لم تجز إمامته. لكن ما في المتن ليس ناظراً الى هذه الجهة.

[٢] بل الظاهر ذلك ، لبناء العقلاء عليه مطلقاً. وليس هو من باب الظهور ليختص بالمجتهد أو المقلد ، كما هو موضح في محله.

[٣] لعدم مشروعية الصلاة حينئذ للإمام ، ولا للمأموم ، ولو صلى منفرداً‌

[٤] يعني : بعد دخول الوقت ، لمشروعية الصلاة ، واجتماع شرائط الائتمام.

٣١٥

الصورة لأنه مختص بما إذا كان [١] عالما ، أو ظانا بالظن المعتبر.

فصل في شرائط إمام الجماعة

يشترط فيه أمور : البلوغ [٢] ،

______________________________________________________

[١] كما تقدم في المواقيت.

فصل في شرائط إمام الجماعة‌

[٢] فإنه شرط في صحة الإمامة على المشهور ، بل عن المنتهى : نفي الخلاف فيه. ويدل عليه ـ مضافاً إلى الأصل المتقدم في عامة الشروط المشكوكة ـ خبر إسحاق : « إن علياً (ع) كان يقول : لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم. ولا يؤم حتى يحتلم ، فإن أم جازت صلاته ، وفسدت صلاة من خلفه » (١). وعن المبسوط والخلاف ومصباح السيد : جواز إمامة المراهق المميز العاقل. وعن الذكرى : نسبته إلى الجعفي. وقد يشهد له خبر طلحة عن جعفر (ع) ، عن علي (ع) : « لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم ، وأن يؤم » (٢). ونحوه خبر غياث بن إبراهيم (٣). وفي موثق سماعة : « تجوز صدقة الغلام ، وعتقه ، ويؤم الناس إذا كان له عشر سنين » (٤).

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٧.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٨.

(٣) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٤) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

٣١٦

والعقل [١] ،

______________________________________________________

لكن الجميع غير مختص بالمراهق. وحملها عليه لا شاهد له. مع إباء الموثق عنه جداً. نعم ظاهر محكي الخلاف ـ من قوله : « دليلنا إجماع الفرقة ، فإنهم لا يختلفون في أن من هذه صفته تلزمه الصلاة. وقوله (ص) : مروهم بالصلاة لسبع ، فإنه يدل على أن صلاتهم شرعية (١) ـ أن الوجه في الجواز : كون عبادات الصبي شرعية ، لا النصوص المذكورة.

لكن فيه : أن مجرد شرعية عباداته غير كاف في صحة الائتمام ، بل الأصل عدمها ، إلا أن يقوم عليه دليل بالخصوص ، مع أن شرعية عباداته لو اقتضت صحة الائتمام به لم يفرق بين المراهق وغيره ، فالقول المذكور مما لا يساعده دليل.

نعم الجمع بين النصوص يقتضي تقييد خبري طلحة وغياث بمفهوم الموثق ، فيحملان على البالغ عشراً وحمل خبر إسحاق على الكراهة. ولا يجوز تقييده بمنطوق الموثق ـ بأن يحمل على ما لم يبلغ عشرا ـ لابائه ذلك جداً ، فتكون نتيجة ذلك : جواز إمامته ـ على كراهة ـ إذا بلغ عشرا. لكنه موقوف على حجية الموثق. وهي غير ظاهرة ، لوهنه باعراض الجميع عنه ، فالمنع مطلقاً أنسب بالقواعد. والله سبحانه أعلم.

[١] إجماعا مستفيض النقل ، حكاه جماعة ، منهم الشيخ والفاضلان والشهيد. وهو الذي يقتضيه ـ مضافا إلى الأصل الذي عرفته. وأنه لا عبادة للمجنون ، لعدم يأتي القصد منه ـ صحيح زرارة : « لا يصلين أحدكم خلف المجنون ، وولد الزنا » (٢) ، ومصحح أبي بصير : « خمسة لا يؤمون‌

__________________

(١) لاحظ الخلاف المسألة : ١٧ من كتاب الجماعة صفحة : ٨١.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣١٧

والايمان [١] ،

______________________________________________________

الناس على كل حال .. وعد منهم ـ : المجنون ، وولد الزنا .. » (١) والمشهور : جواز الائتمام به حال إفاقته. وعن التذكرة والنهاية : المنع عنه. وعن مصابيح الظلام : « إن هذا أظهر أفراد ما ورد في الروايات. إذ غيره ـ لغاية ظهوره ، وعدم تأتي إمامته لوجوه كثيرة ـ لا يحتاج للتعرض له ». وفي مفتاح الكرامة : « لو لحظوا الأخبار بعين الاعتبار ـ كما في مصابيح الظلام ـ لقالوا بالمنع » لكن هذا الاستظهار غير ظاهر. وأضعف منه : ما عن التذكرة من تعليل المنع بإمكان عروضه حال الصلاة ، وبأنه لا يؤمن احتلامه حالة الجنون ، وبنقصانه عن هذه المرتبة. نعم الأصل يقتضي المنع عن إمامته ، ولا إطلاق ترفع به اليد عنه. إلا أن يستفاد الجواز من مفهوم العدد في مثل رواية أبي بصير ، لوروده مورد الحصر فتأمل.

[١] الحاصل بالاعتراف بإمامة الأئمة الاثني عشر (ع) ، فإنه شرط إجماعا ، حكاه جماعة ، بل لعله من الواضحات. وفي صحيح زرارة : « سألت أبا جعفر (ع) عن الصلاة خلف المخالفين ، فقال (ع) : ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر » (٢). وفي مكاتبة محمد بن خالد البرقي إلى أبي جعفر الثاني (ع) : « أتجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك؟ فأجاب (ع) : لا تصل وراءه » (٣). وفي كتاب الرضا (ع) إلى المأمون : « لا يقتدى إلا بأهل الولاية » (٤). وفي خبر ابن راشد : « قلت لأبي جعفر (ع) : إن مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعاً؟ فقال (ع) : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه » (٥) وفي صحيح يزيد بن حماد : « أصلي‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٣) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٤) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١١.

(٥) الوسائل باب : ١٠ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

٣١٨

والعدالة [١] ، وأن لا يكون ابن زنا [٢] ،

______________________________________________________

خلف من لا أعرف؟ فقال (ع) : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه » (١).فتأمل.

[١] ففي الحدائق : لا خلاف بين الأصحاب في اشتراط عدالة إمام الجماعة مطلقاً ». ونقل إجماعهم على ذلك جمع كثير منهم ، بل نقل ذلك عن بعض المخالفين ـ وهو أبو عبد الله البصري ـ محتجاً بإجماع أهل البيت (ع) ويدل عليه موثق سماعة : « عن رجل كان يصلي ، فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال (ع) : إن كان إماماً عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما تطوعا ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ، ويصلي ركعة أخرى ، ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، ثمَّ ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فإن التقية واسعة ، وليس شي‌ء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله (٢) وقد تومئ اليه النصوص الناهية عن الصلاة خلف العاق القاطع ، والمقارف للذنوب ، والمجاهر بالفسق ، والفاجر ، وغير الأمين ، وشارب النبيذ والخمر والأغلف ـ لأنه ضيع من السنة أعظمها ـ ونحو ذلك (٣). وكفى في وضوح الحكم الإجماع المتقدم.

[٢] إجماعا صريحا أو ظاهراً ، حكاه جماعة ، منهم السيدان والشيخ والفاضلان والشهيد. لعده فيمن لا يؤم الناس في جملة من النصوص ، كصحيح زرارة ، ومصحح أبي بصير المتقدمين (٤). وكصحيح محمد بن‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٢ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٣) راجع الوسائل باب : ١١ ، ١٣ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) تقدم ذكر الروايتين في اعتبار العقل في إمام الجماعة.

٣١٩

والمذكورة إذا كان [١] المأمومون أو بعضهم رجالا [٢] ،

______________________________________________________

مسلم (١) ، وخبر الأصبغ (٢).

والمعروف : التعبير عن هذا الشرط بطهارة المولد ، ومقتضاه : عدم جواز الائتمام مع الشك ، لأصالة عدم الطهارة. بخلاف التعبير بما في النصوص فيجوز الائتمام معه ، لأصالة عدم كونه عن زنا ، بناء على جريان الأصل في العدم الأزلي. ولأجل ذلك يكون اللازم هو التعبير بما في النصوص. إلا أن يكون بناؤهم على عدم الفرق ، لأصالة طهارة المولد وكونه عن نكاح صحيح ، فإنها معول عليها عند العقلاء والمتشرعة. ولعل مناسبة الشرطية للوجود هو الوجه في العدول هنا وفي الشرطين الأولين ، إذ ليس في النصوص ـ أيضا ـ اعتبار البلوغ والعقل ، بل إنما تضمنت المنع عن إمامة المجنون ، وما قبل الاحتلام. فلاحظ.

هذا ولعل ما عن كثير : من تفسير طهارة المولد بأن لا يعلم كونه عن زنا ، يراد به وجوب الحكم بذلك عند الشك ، لا أن عدم العلم هو الشرط ، بحيث لو تبين بعد الفراغ كون الامام ابن زنا لم يقدح ذلك في صحة الائتمام به واقعاً ، لتحقق عدم العلم به حال الصلاة ، فإن ذلك مما لا يساعده النص ، ولا الفتوى.

[١] بلا خلاف ظاهر ولا إشكال ، بل حكى الإجماع عليه جماعة. ويكفي فيه الأصل. وقد يشهد به النبوي : « لا تؤم امرأة رجلا ».

[٢] فلو كان كلهم نساء فالمشهور : جواز ائتمامهن بالمرأة ، كما يشهد به خبر الحسن بن زياد الصيقل : « سئل أبو عبد الله (ع) كيف تصلي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟ قال (ع) : يقمن جمعاً في صف‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٢) الوسائل باب : ١٤ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

٣٢٠