مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم

مستمسك العروة الوثقى - ج ٧

المؤلف:

آية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم


الموضوع : الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠٤

بشرط أن يصل الى حد الركوع قبل رفع الإمام رأسه ، وان كان بعد فراغه من الذكر على الأقوى [١]. فلا يدركه إذا أدركه بعد رفع رأسه ، بل وكذا لو وصل المأموم إلى الركوع بعد شروع الإمام في رفع الرأس ، وان لم يخرج بعد عن حده على الأحوط [٢]. وبالجملة : إدراك الركعة في ابتداء الجماعة‌

______________________________________________________

ثمَّ إن مورد بعض تلك النصوص ، والمتيقن من بعضها الآخر هو الصورة الاولى ـ أعني بها : ما إذا لم يدرك الإمام إلا في الركوع ـ فعموم الحكم لجميع الصور العمدة فيه : ظهور الاتفاق على عدم الفرق بينها.

[١] كما هو المعروف ، الذي يقتضيه إطلاق النصوص. وعن العلامة (ره) في النهاية : اعتبار الذكر قبل أن يخرج الامام عن حد الراكع. وكأنه للتوقيع المروي عن الاحتجاج عن صاحب الزمان (ع) ، وفيه : « إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع » (١) لكنه ضعيف لا يصلح لتقييد غيره. مع وهنه بإعراض الأصحاب ، ولا سيما مع إباء بعض ما سبق عن التقييد.

[٢] وعن الروض والمسالك والمدارك : أن ظاهر الرواية فوات الركعة وعن جامع المقاصد : « يلوح من الرواية الفوات ». وكأنه لإطلاق الرفع قبل أن يركع المأخوذ في رواية الحلبي موضوعا للفوات ، بل وفي غيرها أيضا. لكن الظاهر من الرفع الرفع عن حد الركوع الشرعي ، لا عن حد شخص الركوع المأتي به للإمام. ولذا لا يظن الالتزام بأنه لو رفع رأسه عن حد ركوعه الشخصي ولم يخرج عن حد الركوع الشرعي ، وبقي مستمرا على ذلك ذاكرا لا يجوز الائتمام به.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

٢٠١

يتوقف على ادراك ركوع الامام قبل الشروع في رفع رأسه. وأما في الركعات الأخر فلا يضر عدم [١] ادراك الركوع مع الإمام ، بأن ركع بعد رفع رأسه ، بل بعد دخوله في السجود أيضا.

هذا إذا دخل في الجماعة بعد ركوع الامام. وأما إذا دخل فيها من أول الركعة أو أثنائها واتفق أنه تأخر عن الإمام في الركوع فالظاهر صحة صلاته [٢] وجماعته فما‌

______________________________________________________

[١] يعني : في بقاء الائتمام ، لاستصحاب بقائه. أما في إدراك الركعة الثانية فالذي يلوح من كلماتهم في صلاة الجمعة ـ فيما لو زوحم المأموم عن السجود مع الإمام في الركعة الأولى حتى رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية ـ : المفروغية عن عدم الفرق بين الركعة الاولى والثانية ، وأنه لو أدركه بعد رفع رأسه من ركوع الثانية فقد فاتت تلك الركعة. ولم يحتمل أحد جواز أن يقوم ويركع بدون قراءة ويلحقه في السجود. وظاهر جامع المقاصد وكشف اللثام ومفتاح الكرامة وغيرها : الاتفاق عليه. فلاحظ كلماتهم فيما لو زوحم المأموم في الجمعة عن السجود في الركعة الاولى. ولعله الذي تقتضيه أصالة عدم إدراك الركعة. بل لعله يستفاد من النصوص المتقدم إليها الإشارة ، بإلغاء خصوصية موردها. فتأمل.

ومع ذلك فقد يظهر من شيخنا الأعظم (ره) اختصاص الحكم المذكور بالركعة الاولى ، وأنه معلوم من النص والفتوى. وأما إذا أدركه راكعا فالخلاف في إدراكه للركعة الثانية هو الخلاف المتقدم في الركعة الأولى ، كما صرح به في كشف اللثام وغيره. وان كان ظاهر محكي المنتهى الاتفاق على إدراكها به. فلاحظ.

[٢] لعدم المقتضي لبطلانها. وأما صحة جماعته ـ بمعنى : كونه مدركا‌

٢٠٢

هو المشهور ـ من أنه لا بد من إدراك ركوع الإمام في الركعة الأولى للمأموم في ابتداء الجماعة ، وإلا لم تحسب له ركعة ـ مختص بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام [١] أو قبله بعد تمام القراءة ، لا فيما إذا دخل فيها من أول الركعة أو أثنائها ، وان صرح بعضهم بالتعميم [٢] ،

______________________________________________________

للركعة ـ فهو المشهور ظاهراً ، بل الظاهر أنه داخل في معقد الإجماع ـ المحكي عن التذكرة والمدارك وغيرهما ـ على إدراك الركعة بإدراك الإمام قبل الركوع. ويشهد له صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) : « في رجل صلى في جماعة يوم الجمعة ، فلما ركع الإمام ألجأه الناس الى جدار أو أسطوانة فلم يقدر على أن يركع ـ ثمَّ يقوم في الصف ـ ولا يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم ، أيركع ثمَّ يسجد ويلحق بالصف وقد قام القوم أم كيف يصنع قال (ع) : « يركع ويسجد ، لا بأس بذلك » (١) ونحوه خبره الآخر في الجمعة وغيرها (٢) وموردهما وان كان هو الضرورة ، إلا أن ظهورهما في تحقق الانعقاد قبل طروء الضرورة كأنه لا مجال لدفعه.

[١] كما هو مورد ظاهر النصوص المتقدمة. وفي الجواهر : « لا إشكال في عدم اعتبار ركوع المأموم مع الإمام في الانعقاد بعد فرض اقتدائه في أثناء القراءة أو ابتدائها ».

[٢] هذا حكاه في الجواهر في مبحث جواز نية الانفراد احتمالا. ثمَّ قال : « هو واضح الفساد ». وفي مفتاح الكرامة عن الموجز الحاوي وكشف الالتباس : الحكم بفوات الجماعة لو زوحم المأموم عن ركوع الاولى ، فلما‌

__________________

(١) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ١٧ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢٠٣

ولكن الأحوط الإتمام [١] ـ حينئذ ـ والإعادة.

( مسألة ٢٥ ) : لو ركع بتخيل إدراك الإمام راكعا ولم يدرك بطلت صلاته [٢] ، بل وكذا لو شك في إدراكه وعدمه [٣].

______________________________________________________

ركع وسجد وحده بعد ارتفاع الزحام أدرك الإمام رافعا رأسه من الركعة الثانية. وظاهرهما الحكم بالتعميم. كما أن ظاهر نهاية الاحكام والتذكرة وجامع المقاصد : الاشكال فيه ، لاستشكالهم في فوات الجمعة في الفرض المذكور بل عن المعتبر ونهاية الاحكام والتذكرة ـ فيما لو ارتفع الزحام وقد رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية : ـ أنه يتمها ظهرا وظاهرهم الجزم بعدم الانعقاد. فتأمل.

[١] فإنه مقتضى الأصل. وأما الاحتياط بالإعادة ، فللخروج من شبهة الخلاف.

[٢] لزيادة الركن التي لم يثبت اغتفارها. وفيه : أن زيادة الركن مبنية على عدم سقوط القراءة ، إذ لو بني على سقوطها ـ لحديث : « لا تعاد .. » (١) ونحوه مما دل على اغتفار نقص القراءة ـ فالركوع في محله. ولا موجب للبطلان سواه. نعم يختص ذلك بمورد يعذر فيه بترك القراءة والهوي إلى الركوع. وسيأتي. نعم لا ينبغي التأمل في فوات تلك الركعة ، للنصوص السابقة. وفي جواز الائتمام في الركعات اللاحقة الإشكال المتقدم في جواز الائتمام في الأثناء. إلا أن يستفاد مما سيأتي فيما لو أدرك الإمام في السجدتين الأخيرتين. لكنه في غير محله ، إذ لو قبل بجواز بقائه على الائتمام هناك فليس هو من الائتمام في الأثناء.

[٣] الحكم فيه من حيث صحة الصلاة هو ما عرفته فيما قبله. أما من‌

__________________

(١) مرت الرواية في المسألة : ١٢ من هذا الفصل.

٢٠٤

والأحوط في صورة الشك الإتمام [١] والإعادة ، أو العدول [٢] إلى النافلة والإتمام ، ثمَّ اللحوق في الركعة الأخرى.

( مسألة ٢٦ ) : الأحوط عدم الدخول [٣] إلا مع الاطمئنان بإدراك [٤] ركوع الامام ،

______________________________________________________

حيث صحة الائتمام والحكم بإدراك الركعة ظاهرا فهو أن ظاهر النصوص المتقدمة ـ في إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعا ـ أن الشرط اقتران ركوع المأموم وركوع الامام. وحينئذ فالاقتران المذكور إن كان من الاعتباريات المحضة ـ التي ليس لها خارجية أصلا ، بل هو منتزع من ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام ـ أمكن إثباته باستصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم ، فيترتب عليه أثره ، وهو إدراك الركعة.

هذا إذا علم تاريخ ركوع المأموم وجهل تاريخ رفع الإمام رأسه. أما لو انعكس الأمر ، فأصالة عدم ركوع المأموم في حال ركوع الامام مقتضية للبطلان. وكذا لو جهل تاريخ الأمرين معاً فإنه ـ أيضا ـ يحكم بالبطلان لأصالة عدم انعقاد الجماعة. وان كان للاقتران نحو خارجية فالاستصحاب في الصورة الأولى لا يثبته ، إلا بناء على القول بالأصل المثبت.

[١] يعني : مأموما. ووجه الاحتياط بذلك : أنه أخذ بطر في الشك معا.

[٢] قد يشكل ـ كونه أحوط ـ بعدم الدليل على الجواز حينئذ ، ولا سيما بناء على البطلان ظاهراً ، لدوران الصلاة بين أن تكون باطلة واقعا ، وان تكون صحيحة جماعة ، ولا مجال للعدول في كل منهما. فتأمل.

[٣] يعني : في الصلاة جماعة.

[٤] لأن القصد المعتبر في صحة العبادة هو القصد الى الفعل الصحيح. ومن المحتمل : أن لا يتحقق الا مع العلم ، أو الاطمئنان بالصحة.

٢٠٥

وان كان الأقوى جوازه مع الاحتمال [١]. وحينئذ فإن أدرك صحت ، وإلا بطلت [٢].

( مسألة ٢٧ ) : لو نوى وكبر فرفع الإمام رأسه قبل‌

______________________________________________________

[١] إذا يكفي في عبادية العبادة صدورها عن إرادة المأمور به لأمره سواء أكان ذلك بتوسط الجزم بالانطباق ، كما في العبادات الجزمية ، أم بتوسط احتماله ، كما في جميع موارد الاحتياط. من دون فرق بينهما في حيثية صدور الفعل عن إرادة المأمور به لأمره. وقد أشرنا الى ذلك في شرح بعض مسائل التقليد ، وفي ( حقائق الأصول ).

[٢] قد عرفت أن البطلان في المقام يتوقف على عدم تطبيق حديث : « لا تعاد الصلاة. » ونحوه. والظاهر أنه مع الاطمئنان يكون معذوراً في ترك القراءة ، فيشمله الحديث. بل الظاهر المفروغية عن حجية الاطمئنان في المقام. بل لعله في كل مقام ، لبناء العقلاء عليها وعدم ثبوت الردع عنه. أما مع الظن بإدراك الركوع أو الشك فلا مجال للمعذورية ، لعدم الدليل على الحجية ، ولا على الرخصة في ترك القراءة ، ليجري حديث : « لا تعاد .. » ويكون الركوع في محله. نعم بناء على أن الشرط مجرد ركوع المأموم في زمان ركوع الامام ـ إما لأنه المفهوم من الأدلة ، أو لرجوع التقارن اليه ـ أمكن أن يكون استصحاب بقاء الامام راكعا الى زمان ركوع المأموم كافيا في الحكم بالإدراك ظاهرا ، فيترتب عليه أثره وهو عدم وجوب القراءة فيكون ذلك منشأ لصحة تطبيق الحديث الشريف وتصح لأجله الصلاة.

هذا ولكن المستفاد من النصوص الواردة في إدراك الركوع ، والمعلوم من السيرة جواز الركوع بمجرد احتمال إدراك الإمام راكعا ، احتمالا معتداً به ، فضلا عن الظن به. وعليه فلو ركع كذلك ولم يدركه راكعاً صحت صلاته ، ولا يضره فوات القراءة ، على ما عرفت.

٢٠٦

أن يركع أو قبل أن يصل الى حد الركوع لزمه الانفراد [١] أو انتظار الامام [٢]

______________________________________________________

[١] لا ينبغي الإشكال في جواز الانفراد هنا ، ولو قيل : بعدم جوازه اختياراً ، لعدم انعقاد الجماعة ، فيكون منفردا من أول الأمر. ولا دليل على قدح مجرد نية الائتمام بلا انعقاد له. والأصل البراءة. واحتمال ثبوت أحكام المأموم له الى آخر الصلاة منفي بالعمومات المتضمنة للاحكام الأولية.

[٢] جواز الانتظار ظاهر محكي المبسوط ، قال : « لو أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتد بهما. وان وقف حتى يقوم إلى الثانية كان له ذلك ». ومثله ما عن البيان والروض والمسالك والروضة والفوائد الملية. وقد يشهد له خبر عبد الرحمن : « إذا وجدت الامام ساجداً فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه ، وان كان قاعدا قعدت وان كان قائما قمت » (١) وموثق عمار : « عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين قال (ع) : يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم » (٢).

نعم يعارض ذلك ما تضمن الأمر بالسجود مع الامام من النصوص ، كرواية المعلى عن الصادق (ع) : « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها » (٣) ورواية معاوية بن شريح : « ومن أدرك الامام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها » (٤) ورواية ربعي والفضيل المروية في المستند : « ومن أدرك الامام وقد رفع ( رأسه ظ )

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤.

(٣) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٢.

(٤) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

٢٠٧

قائما إلى الركعة الأخرى فيجعلها الاولى له ، إلا إذا أبطأ الإمام بحيث يلزم الخروج عن صدق الاقتداء [١]. ولو علم قبل أن يكبر للإحرام عدم إدراك ركوع الامام ، لا يبعد جواز دخوله وانتظاره [٢] الى قيام الإمام للركعة الثانية ، مع‌

______________________________________________________

من الركوع فليسجد معه ، ولا يعتد بذلك السجود (١) ولا يبعد كون الجمع العرفي بينهما هو الحمل على التخيير. ولأجل ذلك يظهر أنه كان على المصنف (ره) أن يضم عدلا آخر اليه ـ وهو السجود مع الامام ـ كما صنعه غيره. كما لا وجه لتخصيص الطائفة الثانية بالركعة الأخيرة كما سيأتي منه ، وقد حكي التنصيص على عدم الفرق بين الأخيرة وغيرها عن جماعة ـ كالشيخ والعلامة والشهيدين والأردبيلي ـ لإطلاق النصوص. بل صريح رواية المعلى في غيرها. ولعل الوجه في عدم ضم العدل الآخر بناؤه على ظهور الطائفة الثانية من استئناف التكبير ، وهو في هذه المسألة في مقام بيان ما يصح به التكبير من دون حاجة الى استئنافه. وسيأتي الكلام في ذلك.

[١] يعني : في ارتكاز المتشرعة ، الذي هو حجة لا الارتكاز العرفي إذ القدوة ليست من المفاهيم العرفية. ولذا لا يرجع الى العرف في معرفة أجزائها وشرائطها ، بل هي من المخترعات الشرعية ، سواء أقلنا بالحقيقة الشرعية أم بالمرادات الشرعية.

[٢] إذا كان الانتظار مشروعا ـ لموثق عمار المتقدم ـ لم يكن وجه ظاهر للتوقف في جواز دخوله ، مع التصريح فيه بالافتتاح. نعم استشكل العلامة ـ رحمه‌الله ـ في محكي المختلف في جواز الدخول. وعلله : بلزوم زيادة الركن ـ وهو السجدتان ـ وبالنهي عن الدخول في الركعة عند فوات‌

__________________

(١) راجع المستند المسألة : ٥ ج : ١ ص : ٥٥٠.

٢٠٨

عدم فصل يوجب فوات صدق القدوة ، وإن كان الأحوط عدمه.

( مسألة ٢٨ ) : إذا أدرك الامام وهو في التشهد الأخير يجوز له الدخول معه [١] ،

______________________________________________________

تكبيرها في صحيح ابن مسلم عن الباقر (ع) (١).

ولكنه كما ترى ، إذ الأول ـ مع أنه لا يتم بناء على المشهور من وجوب الاستئناف ـ لا يصلح للاعتماد عليه في مقابل النصوص ، لو تمت دلالتها على عدم الاستئناف. وكيف كان فلا يمنع من الدخول مع الانتظار والثاني وإن اقتضى المنع عن أصل الدخول ، إلا أنك عرفت في المسألة الرابعة والعشرين وجوب رفع اليد عنه ، أخذا بظاهر الأخبار الدالة على جواز الدخول حال ركوع الامام وإدراك الركعة بذلك ، كما هو المختار له (رحمه‌الله).

[١] على المشهور شهرة عظيمة. لموثق عمار عن الصادق (ع) : « عن الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد ، وليس خلفه الا رجل واحد عن يمينه. قال (ع) : لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ، ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته » (٢) ولا يعارضه موثقه السابق ـ وإن توقف في الحدائق لذلك ـ لاختلاف موردهما ، فان مورد هذا الموثق التشهد الأخير الذي هو محل الكلام ، ومورد الموثق السابق (٣) التشهد الأول. وقد عرفت تعارض النصوص فيه ، وأن الجمع العرفي يقتضي التخيير فيه. كما لا يعارضه صحيح ابن مسلم « متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال (ع) : إذا أدرك الامام وهو‌

__________________

(١) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ٢٤ من هذا الفصل.

(٢) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

(٣) المراد به هو موثق عمار المتقدم في المسألة : ٢٧ من هذا الفصل.

٢٠٩

بأن ينوي ويكبر ثمَّ يجلس معه ويتشهد [١] ، فاذا سلم الامام يقوم فيصلي من غير استئناف للنية والتكبير [٢] ، ويحصل له‌

______________________________________________________

في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الامام » (١) وإن عول في المدارك ، فجعل أقصى ما تدرك به الجماعة إدراك السجدة الأخيرة ، كما هو مضمون الصحيح : « فاذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فاتت الجماعة » ‌ـ إذ فيه : أنه يمكن الجمع بين الصحيح المذكور والموثق ، فيحمل الصحيح على إدراك تمام فضل الركعة مع الإمام بإدراكه في السجدة الأخيرة ، ويحمل الموثق على ادراك الفضل في الجملة لو أدركه في التشهد ، فإنه نوع من الجمع العرفي بين الحديثين ، وحمل للظاهر على الأظهر ويشهد به ـ أيضاً ـ ما في خبر معاوية بن شريح : « ومن أدرك الامام ـ وهو في الركعة الأخيرة ـ فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة » (٢).

[١] قد يشكل فعله بعنوان الخصوصية ، لخلو النص ـ ككثير من كلماتهم ـ عن التصريح به. نعم عن المعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها : إن شاء تشهد معه وإن شاء سكت. ولعل المراد فعله بعنوان الذكر المطلق ولا بأس به حينئذ.

[٢] قطعاً ، كما عن الذكرى والروض ، بل إجماعا ، كما عن المهذب البارع. وفي مفتاح الكرامة : « إن رواية عمار منجبرة بالإجماع المنقول والمعلوم ». ويقتضيه ظاهر الموثق المتقدم ، فان قوله (ع) فيه : « فأتم الصلاة .. » ظاهر في الإتمام بدون استئناف. وظاهر محكي النافع :

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) مرت الإشارة إلى الرواية في المسألة : ٢٧ من هذا الفصل.

٢١٠

______________________________________________________

بذلك فضل الجماعة [١] ، وإن لم يحصل له ركعة.

( مسألة ٢٩ ) : إذا أدرك الإمام في السجدة الأولى أو الثانية من الركعة الأخيرة [٢] ، وأراد إدراك فضل الجماعة نوى وكبر وسجد معه السجدة أو السجدتين وتشهد ، ثمَّ يقوم‌

وجوب الاستئناف. وقد يشهد له خبر ابن المغيرة : « كان منصور بن حازم يقول : إذا أتيت الامام وهو جالس قد صلى الركعتين فكبر ثمَّ اجلس ، فإذا قمت فكبر » (١). لكنه لا يصلح لمعارضة الموثق ، لعدم إسناده إلى المعصوم. وعدم وجدان القائل به ، كما عن الرياض. مع أنه في التشهد الوسط.

[١] كما هو المحكي عن جماعة. وكأن المراد فضلها في الجملة. ولعله حينئذ لا خلاف فيه ، كما عن مجمع البرهان. ويقتضيه ظاهر الأمر به في موثق عمار ، وصريح خبر معاوية بن شريح المتقدمين (٢). ولعل تنظر العلامة ( قده ) في ذلك ـ في القواعد ـ واستشكاله ـ في محكي النهاية ـ محمول على إرادة فضل الصلاة من الأول جماعة. ومثله ما عن التذكرة والإيضاح : من أن الأقرب أنه لا تحصل فضيلة الجماعة. ويشهد بذلك تنظره ـ أيضاً ـ لو أدركه رافعاً رأسه من الركوع ، مع أن صريح الصحيح المتقدم ـ لابن مسلم (٣) ـ إدراك فضل الصلاة مع الإمام حينئذ.

[٢] قد عرفت الإشكال في هذا التخصيص ، كما تقدمت أيضاً النصوص الدالة على الحكم المذكور في المسألة السابعة والعشرين.

__________________

(١) الفقيه ج : ١ باب : ٥٦ حديث : ٩٤ صفحة ٢٦٠ طبع النجف الأشرف.

(٢) تقدم ذكرهما في المسألة : ٢٨ من هذا الفصل.

(٣) تقدمت الرواية في المسألة : ٢٨ من هذا الفصل.

٢١١

ـ بعد تسليم الامام ـ ويستأنف الصلاة [١] ، ولا يكتفي بتلك‌

______________________________________________________

[١] وعن المدارك وغيرها : نسبته إلى الأكثر ، لزيادة الركن في الفرض الأول. وللنهي عن الاعتداد بها في خبري المعلى وابن شريح (١) بناء على رجوع الضمير إلى الصلاة. لكن زيادة الركن لا تقدح إذا دل الدليل على الصحة. والنهي عن الاعتداد بجنس السجدة ، ولا سيما وفي الجواهر حكى ـ عما تحضره من نسخة الوسائل ـ : تثنية الضمير في خبر المعلى ، فيتعين إرجاعه إلى السجدتين. مع أنه لو فرض إجماله فالأمر بالسجود والتكبير ـ الظاهر في الدخول بعنوان امتثال أمر الصلاة ـ يكون قرينة على رجوعه الى السجود. ومن هنا كان ظاهر محكي المبسوط والنهاية والسرائر عدم الاستئناف ، بل ربما مال إليه الأردبيلي ـ على ما حكي ـ وقد أتعب في الجواهر نفسه الزكية في تقريبه وتقويته.

هذا والتحقيق : أن نسخة تثنية الضمير وتقويته ينبغي أن تكون ساقطة بعد كون المعروف من نسخ الوسائل التأنيث ، فضلا عن اتفاق نسخ التهذيب عليه ظاهراً. وإرجاع الضمير المفرد المؤنث إلى جنس السجدة مما لا يصح ، لأن جنسها السجود ، فيدور الأمر بين رجوع الضمير إلى الصلاة ـ ومقتضاه لزوم الاستئناف ـ وبين رجوعه إلى الركعة وظاهره حينئذ عدمه. والظاهر من خبر المعلى هو الثاني ، ولا سيما وكون الاعتداد بالركعة مظنة التوهم لإدراك الإمام فيها ، كما لو أدركه في آخر الركوع. وعليه يتعين حمل خبر ابن شريح عليه لو لم يكن ظاهراً في ذلك. مع أنه لو فرض إجماله فغاية الأمر عدم صلاحيته لإثبات صحة الصلاة ، لا أنه يصلح لمعارضة خبر المعلى الدال على صحتها. وأما رواية ربعي والفضيل (٢)

__________________

(١) مر ذكرهما في المسألة : ٢٧ من هذا الفصل.

(٢) تقدم ذكر الرواية في المسألة : ٢٧ من هذا الفصل.

٢١٢

النية والتكبير ، ولكن الأحوط إتمام الأولى بالتكبير الأول ثمَّ الاستئناف بالإعادة.

( مسألة ٣٠ ) : إذا حضر المأموم الجماعة فرأى الامام راكعاً وخاف أن يرفع الإمام رأسه إن التحق بالصف ، نوى وكبر في موضعه [١] وركع ثمَّ مشى في ركوعه ، أو بعده ، أو في سجوده [٢] ،

______________________________________________________

ـ فلو ثبتت ـ فهي على الصحة أدل. فالقول بالصحة قريب جداً ، لأنه الظاهر من النصوص.

ثمَّ إن استئناف التكبير كما يحتمل وجوبه يحتمل تحريمه ، لأنه قطع الفريضة ، فالأحوط ـ الذي به يؤخذ بالمحتملين معاً ـ أن يكبر تكبيراً ، مردداً بين الافتتاح ـ على تقدير لزوم الاستئناف ـ وبين الذكر المطلق ، على تقدير لزوم الإتمام. والله سبحانه أعلم.

[١] بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ، ولا في جواز مشيه في ركوعه بل عن الخلاف والمنتهى ، وظاهر التذكرة والذكرى : الإجماع عليه. لصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع) : « عن الرجل يدخل في المسجد فيخاف أن تفوته الركعة. فقال (ع) : يركع قبل أن يبلغ القوم ، ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم » (١).

[٢] هذا وما بعده يستفاد من مجموع نصوص الباب. مع أن احتمال قدحه في الصلاة مندفع بالأصل ، والنص الدال على جواز المشي فيها إلى القبلة ، كرواية محمد بن مسلم عن ربعي (٢) واحتمال قدحه في الجماعة غير‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ١.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٥ وباب : ٤٤ من أبواب مكان المصلي حديث : ٢.

٢١٣

أو بعده ، أو بين السجدتين [١] أو بعدهما [٢] ، أو حال القيام للثانية [٣] إلى الصف [٤] ، سواء كان لطلب [٥] المكان الأفضل ، أو للفرار عن كراهة الوقوف في صف وحده ، أو لغير ذلك. وسواء كان المشي [٦] الى الامام ، أو الخلف أو أحد الجانبين. بشرط أن لا يستلزم [٧] الانحراف عن‌

______________________________________________________

حاصل ، بل المحتمل قدح عدمه. نعم في إمكان فرض المشي في حال السجود نوع خفاء وإشكال. فتأمل.

[١] الظاهر زيادة ( أو ).

[٢] لصحيح إسحاق : « قلت لأبي عبد الله (ع) : أدخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه ـ وأنا وحدي ـ وأسجد ، فاذا رفعت رأسي أي شي‌ء أصنع؟ قال (ع) : قم فاذهب إليهم فإن كانوا قياما فقم معهم ، وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم » (١).

[٣] بلا خلاف. وعن ظاهر المنتهى : الإجماع عليه. ويدل عليه صحيح عبد الرحمن : « سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع ، فاذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف » (٢)

[٤] متعلق بقوله : « مشى ».

[٥] هذا التعميم مقتضى الأصل. بل قد يقتضيه إطلاق النص.

[٦] هذا مقتضى الإطلاق.

[٧] إذ ليس نظر النصوص إلا إلى الإذن في المشي وانبعد ، وكونه لا مع القوم ، فأدلة سائر موانع الصلاة والجماعة محكمة.

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٦.

(٢) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٣.

٢١٤

القبلة ، وأن لا يكون هناك مانع آخر ، من حائل أو علو أو نحو ذلك. نعم لا يضر البعد الذي لا يغتفر حال الاختيار على الأقوى [١] ، إذا صدق [٢] معه القدوة ، وإن كان الأحوط [٣] اعتبار عدمه أيضاً.

والأقوى عدم وجوب جر الرجلين [٤] حال المشي ،

______________________________________________________

[١] لإطلاق النصوص ، لو لم يكن المتيقن منها ذلك. خلافا لما عن التذكرة والذكرى والبيان والروض والمسالك وجامع المقاصد وغيرها : من تقييده بما إذا لم يكن بعد يمنع الائتمام بل في مفتاح الكرامة : نسبته إلى الأصحاب ، حيث استثنوا هذه المسألة من حكمهم بكراهة الوقوف في صف وحده إذا كان في الصفوف فرجة ، وأنه به نطقت كلماتهم وطفحت عباراتهم والناظر في كتب الاستدلال يقطع بذلك من دون شك ولا شائبة إشكال انتهى. لكن حمل النصوص وكلام الجماعة على ذلك غير ظاهر.

[٢] تقدم الكلام في المراد منه ، وظاهر عدم اشتراط ذلك.

[٣] تقدم وجهه.

[٤] كما هو المشهور. لإطلاق النصوص. وعن الغرية وفوائد الشرائع وتعليق النافع : الوجوب. وعن الموجز وجامع المقاصد والمسالك : عده من الشروط ، لمرسل الفقيه : « روى أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى » (١) لكنه ـ مع ضعفه في نفسه ، وإعراض المشهور عنه ـ غير وارد في خصوص المقام بل هو مطلق ، فيكون معارضاً لنصوص المقام بالعموم من وجه ، الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة لو كان المحتمل خصوص كونه‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث : ٤. وقد مر في المسألة : ٥ من فصل تكبيرة الإحرام ، والمسألة : ٨ من فصل القيام في الجزء السادس من هذا الشرح تفصيل الكلام في أدلة اعتبار الطمأنينة ـ ومنها رواية السكوني الماهية عن المشي حال القراءة ـ فلاحظ.

٢١٥

بل له المشي متخطياً على وجه لا تنمحي صورة الصلاة. والأحوط ترك الاشتغال [١] بالقراءة والذكر الواجب أو غيره ، مما يعتبر فيه الطمأنينة حاله. ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره [٢].

فصل

يشترط في الجماعة [٣] ـ مضافا الى ما مر في المسائل المتقدمة ـ أمور :

______________________________________________________

شرطاً للصلاة. بل معارض بإطلاق ما دل على جواز المشي في الصلاة ، وما دل على جواز التخطي فيها ، مما يوجب تقديمه عليه وحمله على الاستحباب وكأنه ـ لذلك ـ حكي عن الدروس وغيرها : أنه ينبغي أن يجر رجليه.

[١] بل هو المتعين ، كما عن جماعة منهم الشهيدان ، لما عرفت من عدم إطلاق في النصوص يقتضي جوازه ، فدليل الطمأنينة في الأمور المذكورة محكم.

[٢] إذ النصوص وإن اشتملت على المسجد ، لكن المفهوم منها كون موضوع الحكم مجرد خوف فوت ركوع الإمام في أي محل انعقدت الجماعة وأن ذكر المسجد لكونه موضع انعقادها غالباً.

فصل‌

[٣] لا بأس بالتعرض الى ما يقتضيه الأصل عند الشك في صحة الجماعة ـ للشك في اعتبار شي‌ء شرطاً أو مانعا ، في الائتمام ، أو في الإمام أو المأموم ـ فنقول : تارة يكون الشك في الصحة حدوثا ، واخرى : يكون فيها بقاء فان كان الأول فالمرجع أصالة عدم انعقاد الجماعة ، لأن انعقادها إنما يكون‌

٢١٦

______________________________________________________

بجعل الإمامة للإمام من المأموم في ظرف اجتماع الشرائط ، فإذا شك في شرطية شي‌ء مفقود ، أو مانعية شي‌ء موجود ـ للإمام أو المأموم أو الائتمام ـ فقد شك في الانعقاد ، الملازم للشك في حصول الإمامة للإمام والمأمومية للمأموم ، والأصل العدم في جميع ذلك. وبعبارة أخرى : الشك في المقام في ترتب الأثر على الجعل المذكور ، ومقتضى الأصل عدمه.

نعم قد يدعى : أن الأصل في المقام عدم الشرطية أو المانعية المشكوكتين ومقتضاه صحة الجعل والسبب ، وهو حاكم على الأصل المتقدم ، لأنه أصل سببي ، وذلك الأصل مسببي. وفيه : أن أصالة عدم الشرطية أو المانعية سواء أكانت راجعة إلى استصحاب عدمهما ، أم الى أصالة البراءة منهما ، كما هو مضمون حديث : « رفع ما لا يعلمون .. » (١) لا تصلح لإثبات السببية التامة للواجد لمشكوك المانعية ، أو الفاقد لمشكوك الشرطية ، إلا بناء على الأصل المثبت لأن ثبوت السببية التامة للواجد فرع ملاحظته مطلقا شاملا للواجد ، وهذا ليس من آثار عدم المانعية للمشكوك بل ملازم لها ، من جهة العلم الإجمالي بالجعل على أحد النحوين ، إما مطلقا أو مقيدا بالعدم. وكذا يقرر ذلك بالإضافة إلى الفاقد لمشكوك الشرطية.

فإن قلت : ما الفرق بين المقام ومقام تردد الواجب بين الأقل والأكثر؟ فإن المشهور هناك : الرجوع الى البراءة الشرعية في نفي وجوب الجزء المشكوك أو الشرط ، مع جريان الاشكال المذكور فيه. قلت : مبنى الرجوع الى البراءة الشرعية هناك وهو إمكان التفكيك بين الوجوبات الضمنية في التنجز وعدمه ، فلو أمكن ـ أيضا ـ التفكيك بين السببية الضمنية فيهما أمكن الرجوع الى البراءة الشرعية هنا. لكنه غير ظاهر. ولذا وقع القائلون بالبراءة في‌

__________________

(١) الوسائل باب : ٥٦ من أبواب جهاد النفس حديث : ١. ويدل عليه ـ أيضا ـ الحديث : ٣ من الباب المذكور.

٢١٧

______________________________________________________

مقام دفع شبهة الغرض في حيص وبيص ، مع أنها من قبيل ما نحن فيه. ولم يكتفوا في دفع تلك الشبهة بالرجوع إلى البراءة الشرعية ، بل التزموا في دفعها بوجوه أخرى مذكورة في محالها. وقد عد من الواضحات وجوب الاحتياط عند الشك في جزئية شي‌ء أو شرطيته للوضوء أو الغسل أو التيمم إذا كان الموضوع هو الطهارة الحاصلة من أحدها ، ولم يكتف في البناء على حصولها بالرجوع إلى البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية المشكوكة والوجه فيه : ما أشرنا إليه من عدم إمكان التفكيك بين الأحكام الوضعية الضمنية في التنجز وعدمه ، بخلاف الأحكام التكليفية. فتأمل جيداً. وهذا هو العمدة في الاشكال على جريان الأصل المذكور.

وأما الإشكال عليه : بأن حديث الرفع غير ظاهر الشمول للأحكام الوضعية. ففيه مع أن الظاهر من بعض النصوص (١) الوارد في الإكراه على الطلاق والعتاق والصدقة عمومه لها ـ : أنه يغني عنه استصحاب عدم الشرطية. ومثله في الضعف الاشكال عليه بأن مقتضى عموم : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (٢) عدم انعقاد الجماعة مع الشك ، لأنه إذا دل على وجوب القراءة فقد دل بالالتزام على انتفاء الجماعة ، للملازمة بين وجوب القراءة وعدم انعقاد بالجماعة ، وحينئذ لا مجال لأصالة عدم الشرطية ، لأن الأصل لا يعارض الدليل. وجه الضعف : أن العام لا يكون حجة في مثل‌

__________________

(١) لعل المراد به ما في الوسائل باب : ١٢ من أبواب كتاب الايمان حديث : ١٢ الوارد في الحلف مكرهاً بالطلاق والعتاق والصدقة المشتمل على استدلال الامام ـ عليه‌السلام ـ بحديث الرفع. وان كان المقصود الأحاديث الدالة على البطلان بالإكراه فهي كثيرة متفرقة في أبواب الوسائل ، لاحظ باب : ١٢ من أبواب كتاب الأيمان ، وباب : ٣٧ من أبواب مقدمات الطلاق وغيرهما من أبواب المعاملات ـ بالمعنى الأعم.

(٢) مستدرك الوسائل باب : ١ من أبواب القراءة في الصلاة حديث : ٥.

٢١٨

______________________________________________________

هذا المدلول الالتزامي ، فلا مانع من الأصل الجاري لإثبات عنوانه الخاص الذي هو عنوان الجماعة في الفرض ، وحينئذ يكون الخاص هو المرجع ـ وهو ما دل على سقوط القراءة في الجماعة ـ المقدم على عموم : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ».

وربما يدفع الاشكال المذكور : بأن عموم : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » إنما يدل على عدم انعقاد الجماعة ـ في مورد الشك في الشرطية أو المانعية ـ لو كان دليل سقوط القراءة عن المأموم من قبيل المخصص لذلك العموم ، لكنه ليس كذلك ، بل إنما يدل على الاجتزاء بقراءة الامام ، وحينئذ يكون معاضداً لما دل على اعتبار الفاتحة في الصلاة ، لا معارضا مخصصا له. نعم لو لا دليل الاجتزاء بقراءة الامام ، كان مقتضى حكم العقل وجوب قراءة المأموم نفسه ، فدليل الاجتزاء بقراءة إنما يعارض حكم العقل المذكور ، لا دليل وجوب القراءة ، وحينئذ فالأصل الظاهري المنقح لعنوان الجماعة إنما يعارض الحكم العقلي المذكور. ومن المعلوم أن حكم العقل يسقط بمجرد قيام الحجة على خلافه ولو كان أصلا ظاهريا. وجه الضعف : أن قوله (ع) : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » دال على عدم الاجتزاء بقراءة الإمام بإطلاقه الأحوالي لأنه دال على وجوب القراءة على المأموم ولو في حال قراءة الإمام ، فإذا كان حجة في المدلول الالتزامي ـ وهو عدم انعقاد الجماعة عند الشك ـ كان معارضا للأصل الظاهري ، ويرجع الاشكال.

والمتحصل من جميع ما ذكرنا : هو أنه لا أصل لأصالة عدم الشرطية ، وأن المتعين هو الرجوع الى أصالة عدم انعقاد الجماعة وعدم الإمامة للإمام وعدم المأمومية للمأموم ، فيرجع الى حكم المنفرد.

وربما يتمسك في المقام بإطلاق أدلة أحكام الجماعة لنفي اعتبار مشكوك الشرطية. وفيه. مع أنه لا يتم فيما لو كان الشك في الاعتبار عند‌

٢١٩

______________________________________________________

العرف ـ : أنه يتوقف على كون المراد بالجماعة الموضوع العرفي ، وليس كذلك ، بل المراد منها معنى شرعي ، فلا مجال للرجوع الى العرف في تشخيصه. وليس الأمر بالصلاة جماعة إلا كالأمر بالصلاة والصيام والحج ونحوها من موضوعات الأحكام مما أريد به معنى خاص غير المفهوم العرفي. ولذا لا يجوز الرجوع إلى إطلاقها في نفي احتمال الشرطية والجزئية. هذا كله إذا كان الشك في انعقاد الجماعة حدوثا ومن أول الأمر. وإن كان الثاني ـ وهو الشك في انعقاد الجماعة بقاء ـ فالمرجع استصحاب البقاء واستصحاب كون الإمام إماما والمأموم مأموما ، فتترتب الاحكام الى أن يعلم بفسادها.

ثمَّ إنه لو فرض عدم وفاء الأصول في مقام إثبات الجماعة ونفيها ، فالمأموم ـ لأجل أنه يعلم إجمالا ، إما بوجوب القراءة ، وإما بوجوب المتابعة ـ يتعين عليه ـ بحكم العقل ـ الاحتياط بالجمع بينهما. إلا أن يقال : يتم ذلك لو كان سقوط القراءة عن المأموم من باب التخصيص. أما لو كان من باب الاجتزاء بقراءة الإمام ، فلأجل أن الأصل يقتضي عدم الاجتزاء بها ـ فتجب على المأموم ظاهرا ـ ينحل العلم الإجمالي بقيام المنجز على أحد طرفيه ، فالمرجع في وجوب المتابعة أصالة البراءة. إلا أن يبتلى بزيادة الجزء ، إذ يعلم حينئذ بوجوب المتابعة أو قادحية الزيادة ، فيجب عليه الاحتياط في الأمرين معا. لو لا أن قادحية الزيادة مرجعها وجوب الإعادة. وإذا دار الأمر بين وجوب الإعادة ووجوب أمر آخر فالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ينحل بقاعدة الاشتغال الموجبة للإعادة ، ولا مجال حينئذ لوجوب المتابعة. ومن ذلك يتحصل : أنه لو فرض قصور الأصل عن إثبات صحة الجماعة وفسادها كان مقتضى القواعد البناء على وجوب القراءة وقادحية الزيادة ، اللذين هما من أحكام صلاة المنفرد. نعم لو قيل بعدم وجوب المتابعة ـ حسبما يأتي‌

٢٢٠