تفسير النسائي - ج ٢

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي

تفسير النسائي - ج ٢

المؤلف:

أبي عبدالرحمن ابن شعيب بن علي النسائي


المحقق: صبري بن عبدالخالق الشافعي وسيّد بن عبّاس الجليمي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٨٩٥
الجزء ١ الجزء ٢

[٣٧٤] ـ قال حمزة بن محمّد : (١)

ـ نا محمّد بن جعفر (٢) بن الإمام قال : حدّثني عليّ بن المدينيّ (٣) ، بإسناده مثله.

__________________

(١) هو راوي هذا التفسير عن الإمام النسائي.

(٢) في الأصل فوق «جعفر» لفظة «صح».

(٣) في الأصل : «المدني».

__________________

ـ من هو ذا ، ولذا قال في التقريب : مقبول يعني عند المتابعة وإلا فليّن الحديث ، وقد روى عن عبد اللّه بن المبارك وروى عنه علي بن المديني.

وقد علق الشيخ شعيب الأرناءوط على هذا الحديث فقال : وإسناده صحيح!! وهو ذهول شديد فإن في إسناده بشّار هذا ، وقد وقع في الجزء المطبوع من تهذيب الكمال (٤ / ٨٢) خطأ أو وهم من الطابع أو الناسخ أو غيرهما فقال الشيخ : وقد أورده النسائي في التفسير في سننه الكبرى عن محمد بن جعفر بن محمد وعلي بن المديني ... والصواب أن المصنف يروي هذا الحديث عن محمد بن جعفر بن الإمام عن علي بن المديني ـ به.

والحديث أخرجه الخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (١ / ص ٥١٢) عن محمد بن جعفر بن الإمام عن علي ـ به.

وتفسير الآية بهذا مروي عن مجاهد وابن جريج والضحاك ، وانظر تفسير الطبري وابن كثير.

قوله يجأرون : هو رفع الصوت بالدعاء والاستغاثة.

(٣٧٤) ـ سبق تخريجه (رقم ٣٧٣).

(تنبيه) : هذا الحديث ليس من أصل كتاب التفسير من السنن الكبرى ـ

١٠١

__________________

للنسائي ، وإنما هو ممّا زاده حمزة الكناني ـ راوي هذا التفسير عن الإمام النسائي ـ على التفسير ، والدليل على ذلك قرينتان : ـ

الأولى : أن من الرواة عن محمد بن جعفر بن محمد بن حفص المشهور ب «ابن الإمام» ـ شيخ النسائي في الحديث السابق (رقم ٣٧٣) ـ حمزة الكناني ، كما في التهذيب للمزي وتهذيب التهذيب لابن حجر ، في ترجمة محمد هذا.

الثانية : أن الحافظ المزي ، رحمه‌الله لم يورده في تحفة الأشراف (رقم ٦٢٢٠) إلا من طريق النسائي فقط. وذلك لأن الزيادات على الكتب الستة ليست على شرطه في تصنيفه ـ كما فعل في زيادات أبي الحسن بن القطان في زياداته على سنن ابن ماجه ، وراجع النكت الظراف على تحفة الأشراف (رقم ٦٤١١) ، (رقم ١٠٩٦٠) ، وتهذيب التهذيب : ترجمة سعيد بن سعد بن أيوب (٤ / ٣٦) للحافظ ابن حجر ـ ولم أر من نبّه على أن لحمزة الكناني زيادات على سنن النسائي فالحمد لله على توفيقه ، والله تعالى أعلم.

فائدتان :

(*) هذا الحديث تفرد به المصنف وحمزة الكناني دون باقي الكتب الستة كما يستفاد من تحفة الأشراف للمزي ، وغيرها كما يستفاد من الدر المنثور (٥ / ١٢) وقد فاته العزو لحمزة الكناني في زياداته على النسائي.

(*) نقل الحافظ ابن حجر في التهذيب (٩ / ٩٥) في ترجمة محمد بن جعفر هذا عن النسائي في مشيخته أنه قال عن شيخه محمد هذا : «وروي لنا عن علي بن المديني حديثا غريبا» ا. ه فلعل النسائي قصد هذا الحديث.

وإن كان لمحمد بن جعفر حديثا آخر عن علي بن المديني من حديث عائشة مرفوعا في اعتكاف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كذا أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (٢ / ١٣٠) في ترجمته من طريق الطبراني في معجمه الصغير (٢ / ٩٠) ، والله تعالى أعلم.

١٠٢

[٢٥١] قوله تعالى :

(اخْسَؤُا فِيها) [١٠٨]

[٣٧٥] ـ أنا قتيبة بن سعيد ، نا اللّيث ، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال : لمّا فتحت خيبر ، أهديت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاة فيها (١) سمّ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اجمعوا لى من كان هاهنا من اليهود» فجمعوا له ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّي سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقونى فيه؟» قالوا : نعم يا أبا القاسم ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أبوكم» قالوا : فلان. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبتم ، بل أبوكم فلان» قالوا : صدقت وبررت. قال : «هل أنتم صادقوني عن شيء إن سألتكم عنه؟» قالوا : نعم ، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفت في أبينا. فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في الأصل : «فيهم» وهو خطأ محض.

__________________

(٣٧٥) ـ أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الجزية والموادعة ، باب إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يعفى عنهم؟ (رقم ٣١٦٩) وكتاب المغازي ، باب الشاة التي سمّت للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم بخيبر (رقم ٤٣٤٩) وكتاب الطب ، باب ما يذكر في سم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم (رقم ٥٧٧٧).

انظر تحفة الأشراف للمزي (رقم ١٣٠٠٨). ـ

١٠٣

«من أهل النّار؟» فقالوا : نكون فيها يسيرا ثمّ تخلفوننا فيها ... (١) فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اخسئوا فيها ، والله لا نخلفكم فيها أبدا. وساق الحديث.

* * *

__________________

(١) في الأصل كلمة غير واضحة.

__________________

ـ قوله اخسئوا فيها : الخاسئ المبعد المطرود ، وهو أيضا الصاغر الذليل وقوله ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ ذلك لليهود ، هو زجر لهم بالطرد والإبعاد أو دعاء عليهم بذلك.

١٠٤

سورة النّور

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[٢٥٢] قوله تعالى :

(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) [٢]

[٣٧٦] ـ أنا قتيبة بن سعيد ، نا اللّيث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة ،

__________________

(٣٧٦) ـ أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الوكالة ، باب الوكالة في الحدود (رقم ٢٣١٤ ، ٢٣١٥) وكتاب الشهادات ، باب شهادة القاذف والسارق والزاني (رقم ٢٦٤٩) مختصرا ، وكتاب الصلح ، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (رقم ٢٦٩٥ ، ٢٦٩٦) وكتاب الشروط ، باب الشروط التي لا تحلّ في الحدود (رقم ٢٧٢٤ ، ٢٧٢٥) وكتاب الأيمان والنذور ، باب كيف كانت يمين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ (رقم ٦٦٣٣ ، ٦٦٣٤) وكتاب الحدود ، باب الاعتراف بالزنا (رقم ٦٨٢٧ ، ٦٨٢٨) وباب البكران يجلدان وينفيان (رقم ٦٨٣١) وباب إذا رمى امرأته أو امرأة غيره بالزنا عند الحاكم والناس (رقم ٦٨٤٢ ، ٦٨٤٣) وباب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائبا عنه (رقم ٦٨٣٥ ، ٦٨٣٦) وباب هل يأمر الإمام رجلا فيضرب الحد غائبا عنه (رقم ٦٨٥٩ ، ٦٨٦٠) وكتاب الأحكام ، باب هل يجوز للحاكم أن يبعث رجلا وحده للنظر في الأمور (رقم ٧١٩٣ ، ٧١٩٤) وكتاب أخبار الآحاد ، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق ... (رقم ٧٢٥٨ ، ٧٢٥٩ ، ٧٢٦٠) وكتاب الاعتصام بالكتاب والسّنّة ، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (رقم ٧٢٧٨ ، ٧٢٧٩) ، وأخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الحدود ، باب من اعترف على نفسه بالزنى (رقم ١٦٩٧ ، ١٦٩٨ / ٢٥) ، وأخرجه أبو داود

١٠٥

عن أبي هريرة وزيد بن خالد ، أنّهما قالا : إنّ رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أنشدك (*) إلا قضيت لي بكتاب الله ، فقال الخصم الآخر ـ وهو أفقه منه ـ نعم واقض بيننا بكتاب الله ، وأذن لي فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قل» فقال : إنّ ابنى كان (*) عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، وإنّي أخبرت أنّ على ابني الرّجم ، فافتديت منه بمائة شاة وبوليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني أنّ على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأنّ على امرأة هذا الرّجم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والّذى نفسي بيده ، لأقضينّ بينكما بكتاب الله ؛ الوليدة والغنم ردّ ، و (*) على ابنك جلد مائة وتغريب عام ، اغد يا أنيس (١) إلى امرأة هذا فارجمها» فغدا عليها فاعترفت ، فأمر بها فرجمت.

__________________

(٠) (*) في الأصل فوقها «صح».

(١) في الأصل : «نيس» بدون ألف وهو مخالف لباقي المصادر.

__________________

ـ في سننه : كتاب الحدود ، باب المرأة التي أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم برجمها من جهينة (رقم ٤٤٤٥) ، وأخرجه الترمذي في جامعه : كتاب الحدود ، باب ما جاء في الرجم على الثيب (رقم ١٤٣٣) وأخرجه المصنف في سننه : كتاب آداب القضاة ، صون النساء عن مجلس الحكم (رقم ٥٤١٠ ، ٥٤١١) وأخرجه ابن ماجة في سننه : كتاب الحدود ، باب حد الزنى (رقم ٢٥٤٩) كلهم من طريق عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود ـ به.

انظر تحفة الأشراف للمزي (رقم ٣٧٥٥).

قوله عسيفا أي أجيرا.

١٠٦

[٢٥٣] قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) [٦]

[٣٧٧] ـ أنا سوّار بن عبد الله بن سوّار ، نا خالد بن الحارث ، نا عبد الملك بن أبي سليمان ، حدثني سعيد بن جبير ، قال :

أتيت ابن عمر فقلت : يا أبا عبد الرّحمن ، المتلاعنين يفرّق بينهما؟ فقال : سبحان الله ، إنّ أوّل من سأل عن ذلك فلان ، فقال يا رسول الله الرّجل يرى امرأته على الفاحشة فإن تكلّم تكلّم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت عن أمر عظيم. فسكت عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فجاءه بعد ذلك ، فقال يا رسول الله الأمر الّذى سألتك عنه ابتليت به قال : «فإنّ الله قال :

__________________

(٣٧٧) ـ أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب اللعان (رقم ١٤٩٣ / ٤) ، وأخرجه الترمذي في جامعه : كتاب الطلاق ، باب ما جاء في اللعان (رقم ١٢٠٢) ، وكتاب تفسير القرآن ، باب ومن سورة النور (رقم ٣١٧٨) وأخرجه المصنف في سننه : كتاب الطلاق ، باب عظة الإمام الرجل والمرأة عند اللعان (رقم ٣٤٧٣) كلهم من طريق سعيد بن جبير ـ به.

وسيأتي (رقم ٣٧٨).

انظر تحفة الأشراف للمزي (رقم ٧٠٥٨).

قوله «المتلاعنين» التلاعن هو رمي الرجل زوجته بالزنا ، وإنكار الزوجة ذلك ولم يكن معه شاهد غيره.

١٠٧

/ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ)(١)(..) حتّى قرأ الآيات كلّها ، فذكّره النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقال : والّذي بعثك بالحقّ إنّه للحقّ ، ثمّ دعا المرأة فذكّرها الله ، وأخبرها أنّ عذاب الدّنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : والّذي بعثك بالحقّ ما كان هذا. فقال للرّجل : «تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين ، والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» ثمّ شهدت المرأة أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين ، ثمّ فرقّ بينهما.

[٣٧٨] ـ أنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا جرير ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سعيد بن جبير قال :

سألنا ابن عمر : أيفرّق بين المتلاعنين ، قال : سبحان الله ، نعم ، أتى رجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت أحدنا يرى امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ فسكت عنه فلم يجبه ، ثم أتاه فقال : إنّى قد ابتليت به يا رسول الله ، فأنزل الله هذه الآيات من سورة النّور ،

__________________

(١) في الأصل فوق هذه الكلمة «صح».

__________________

(٣٧٨) ـ سبق تخريجه (رقم ٣٧٧).

١٠٨

ودعا (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرّجل ، فشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الصّادقين والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثمّ ثنّي بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصّادقين ، ثمّ فرّق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما.

* * *

__________________

(١) في الأصل : «علي» وضرب عليها بالقلم ، وكتب بالهامش «دعا» وفوقها «صح».

__________________

قوله ثنّى من التثنية ، وهو الإتيان بشيء بعد شيء ، أي دعاها بعد الرجل.

١٠٩

[٢٥٤] قوله تعالى :

([وَ] (*) الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [٣]

[٣٧٩] ـ أنا عمرو بن عليّ ، نا المعتمر (١) بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحضرمىّ ، عن القاسم بن محمّد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : كانت امرأة يقال لها أمّ مهزول ، وكانت بجياد وكانت تسافح ، فأراد رجل من أصحاب النّبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوّجها ، فأنزل الله عزوجل : ([وَ] (*) الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها / إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

__________________

(١) في الأصل : «النعمان» والتصحيح من تحفة الأشراف ، وتفسير ابن كثير (٣ / ٢٦٤).

(*) سقطت ال «واو» من الأصل.

__________________

(٣٧٩) ـ صحيح بطريقيه تفرد به المصنف من هذا الوجه ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٨٩١٢).

ورجاله ثقات غير الحضرمي هذا ، وقد اختلف فيه ، فإن كان هو الحضرمي بن لاحق ، فلا بأس به ، وإن يك غيره فهو مجهول ، على أنه قد جاء من غير طريقه كما سيأتي. وفي شأن الحضرمي هذا قال عبد اللّه بن أحمد (الجرح والتعديل ٣ / رقم ١٣٤٧) : سألت أبي عن الذي حدث عنه سليمان التيمي ، قال : كان قاصا فزعم معتمر قال : قد رأيته ، قال أحمد : لا أعلم يروي عنه غير سليمان التيمي ، وقال عبد اللّه : وسألت يحيى بن معين فقال : ليس به بأس وليس هو بالحضرمي ، وقال أبو حاتم : حضرمي اليمامي وحضرمي بن ـ

١١٠

__________________

لاحق هما عندي واحد.

وذكره ابن حبان في الثقات (٦ / ٢٤٩) وفرق بينه وبين الحضرمي بن لاحق ، فقال في الذي يروي عنه سليمان التيمي : «لا أدري من هو ولا ابن من هو» ، وقال ابن المديني : «حضرمي شيخ بالبصرة ، روي عنه التيمي مجهول ، وكان قاصا ، وليس هو بالحضرمي بن لاحق» ، وكذا استظهر ابن حجر في التهذيب أنهما اثنان ، وقال في التقريب : «حضرمي بن لاحق التميمي القاصّ لا بأس به».

وقد أخرجه أحمد في مسنده (٢ / ١٥٩ ، ٢٢٥) ، وابن جرير الطبري (١٨ / ٥٦) ، والحاكم في مستدركه (٢ / ١٩٣ ـ ١٩٤) وصححه ووافقه الذهبي ، والبيهقي في سننه (٧ / ١٥٣) ، كلهم من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه ـ به ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧ / ٧٤) : «رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه ورجال أحمد ثقات».

وزاد السيوطي نسبته في الدر المنثور (٥ / ١٩) لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي داود في ناسخه عن عبد الله بن عمرو ـ به.

وقد جاء من وجه آخر ـ بإسناد حسن ـ مطولا ، وفيه تسمية الرجل بمرثد ، والمرأة ب «عناق» ، وانظر تحفة الأشراف (رقم ٨٧٥٣) ، فقد أخرجه أبو داود (رقم ٢٠٥١) ، والترمذي (رقم ٣١٧٧) وحسنه ، والنسائي (رقم ٣٢٢٨) ، والحاكم في مستدركه (٢ / ١٦٦) مختصرا وصححه ووافقه الذهبي ، والبيهقي في سننه (٧ / ١٥٣) ، كلهم من حديث عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ به ، وأخرجه ابن جرير في تفسيره (١٨ / ٥٦) من حديث عمرو بن شعيب قوله ، وفيه من لم يسم.

وجملة القول أن الحديث بطريقيه صحيح لغيره ـ والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله «بجياد» هي موضع بمكة يلي الصفا ، وهي لغة في «أجياد» كما في معجم البلدان لياقوت الحموي (١ / ١٠٤) ، (٢ / ١٩٥).

قوله «تسافح» من السفاح وهو الزنا.

١١١

[٢٥٥] قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) [١١]

[٣٨٠] ـ أنا محمّد بن عبد الأعلى ، نا محمّد بن ثور ، عن معمر ، عن محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ ، قال : أخبره عروة بن الزّبير وسعيد بن المسيّب وعلقمة بن وقّاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن حديث عائشة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرّأها الله ـ وكلّهم حدّثنى بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض ، وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت من كلّ واحد منهم الحديث الّذي حدّثني به ، وبعض حديثهم يصدّق بعضه بعضا ، زعموا أنّ عائشة زوج النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيّتهنّ خرج سهمها خرج بها معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في (١) هودجي

__________________

(١) في الأصل : «فيه» وهو خطأ. والتصحيح من البخاري.

__________________

(٣٨٠) ـ سبق تخريجه (رقم ٢٧١).

قوله : أقرع أي أجرى قرعة فأيتهن خرجت قرعتها خرج بها.

١١٢

وأنزل فيه فسرنا (١) حتّى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من [غزوته تلك وقفل](٢) ودنونا من المدينة ، أذّن ليلة بالرّحيل ، فمشيت حتّى جاوزت الجيش فلمّا قضيت شأني أقبلت إلى الرّحل فلمست صدري ، فإذا عقد [لي](٣) من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت ، فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لى وحملوه على بعيرى الّذي كنت أركبه ، وهم يحسبون أنّي فيه ؛ وكان النّساء إذ ذاك خفافا لم يهبّلهنّ ولم يغشهنّ اللّحم ، إنّما يأكلن العلقتين من الطّعام ، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رفعوه ورحلوه ، وكنت جارية حديثة السّنّ ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فيمّمت منزلي الّذي كنت فيه ، وظننت أنّ القوم / سيفقدوني فيرجعون ، فبينا

__________________

(١) في الأصل : «وانزل فيه حتى» وبعد «فيه» علامة لحق وفي الهامش «سيرنا» عليها وهي «صح» والتصحيح من البخاري.

(٢) في الأصل : «غزوة وفضلى» وهو خطأ محض والتصويب من البخاري.

(٣) زيادة يقتضيها السياق من البخاري.

__________________

قوله : قفل القفول : الرجوع من السفر ، وقيل : القفول : رجوع الجند بعد الغزو.

قوله جزع أظفار هو الخرز اليماني.

قوله : لم يهبّلهن اللحم أي لم يكثر عليهن ويسمنّ.

قوله : العلقتين أي يكتفي بالبلغة من الطعام أي اليسير.

١١٣

أنا جالسة في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت حتّى أصبحت ، وكان صفوان بن المعطّل من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائما ، فأتاني فعرفني حين رآني : وكان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى فخمّرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلّمني (١) كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها وانطلق يقود بي الرّاحلة ، حتّى أتينا الجيش (٢) بعد ما نزلوا موغرين (٣) في نحو الظّهيرة ، فهلك من هلك في شأني ، وكان الّذي تولّي كبره عبد الله ابن أبيّ بن سلول ، فقدمت المدينة ، فاشتكيت شهرا ، والنّاس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أنّي لا أعرف من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللّطف الّذي كنت أرى حين أشتكي ، إنّما يدخل علىّ فيسلّم فيقول : «كيف تيكم؟» فذلك [الّذي](*) يريبني ولا أشعر [بالشّرّ](*) حتّى خرجت بعد ما

__________________

(١) في الأصل : «يكلمني» التصحيح من البخاري وغيره.

(٢) في الأصل : «صح» فوق هذه الكلمة.

(٣) في الأصل : «مغاولين» التصحيح من البخاري وغيره.

(*) زيادة من البخاري يقتضيها السياق.

__________________

قوله : موغرين أصله من الوغرة وهي شدة الحر.

قوله : يريبني أي يجعلني أشك.

١١٤

نقهت ، فخرجت [معي](*) أمّ مسطح قبل المناصع وهو متبرّزنا ، ولا نخرج إلّا ليلا إلى ليل. وذلك قبل أن تتّخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب (**) ، الأول في التّبرّز [قبل الغائط](*) وكنّا نتأذى بالكنف أن نتّخذها عند بيوتنا.

فانطلقت أنا وأمّ مسطح ـ وهي : بنت أبي رهم بن عبد المطّلب بن عبد مناف ، وأمّها بنت صخر (**) بن عامر خالة أبي بكر الصّدّيق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد (**) بن (**) المطّلب ـ فأقبلت أنا وابنة أبي (**) رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أمّ مسطح في مرطها فقالت : تعس مسطح! فقلت لها : بئس ما قلت ، تسبّين رجلا قد شهد بدرا.

فقالت : يا هنتاه! ألم تسمعى ما قال؟. قلت : وما قال؟

__________________

(*) زيادة من البخاري يقتضيها السياق.

(**) في الأصل : فوق هذه الكلمة «صح».

__________________

قولها : فهلك من هلك في شأني أي هلك من هلك بالكلام في شأني ، اتهاما ورميا بالباطل.

قوله : المناصع هي المواضع التي يتخلى فيها لقضاء الحاجة.

قوله : كنف جمع كنيف وهو كل ما ستر من بناء أو حظيرة.

قوله : مرطها المرط ما يكتسي به ويكون من صوف أو غيره.

قوله : يا هنتاه أي يا هذه ، وقيل : يا بلهاء ، كأنها نسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس.

١١٥

فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا إلى مرضي ، فلمّا رجعت إلى بيتي ، ودخل علىّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «كيف تيكم» (**). / قلت : أتأذن (**) لى أن آتي أبوي؟ قال : «نعم» ، وأنا أريد حينئذ أن أتيقّن الخبر من عندهما ، فأذن لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئت لأبويّ فقلت لأمّي أي هنتاه (١) ما يتحدّث النّاس؟ قالت : أى بنيّة ؛ هوّني عليك ، فو الله لقلّ ما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها لها ضرائر إلّا كثّرن عليها ، فقلت : سبحان الله ، أوقد تحدّت النّاس بهذا وبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قالت : نعم. فبكيت تلك اللّيلة حتّى أصبحت لا يرقأ لى دمع ، ولا أكتحل بنوم حتّى ظنّ أبواي أنّ البكاء سيفلق كبدي ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علىّ بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله. فأمّا أسامة فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالّذي يعلم من براءة أهله ، وبالّذي [يعلم](*) في نفسه من الودّ. فقال : يا رسول الله ، أهلك ولا نعلم إلّا خيرا. وأمّا عليّ بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ؛ لم يضيّق الله عليك النّساء والنّساء سواها (*) كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك

__________________

(١) هكذا في الأصل ، وفي البخاري وغيره : «يا أمتاه».

(**) زيادة من البخاري وغيره يقتضيها السياق.

(*) في الأصل : فوق هذه الكلمة «صح».

__________________

قوله : وضيئة من الوضاءة ، وهي الحسن والجمال.

قوله : يرقأ أي يسكن وينقطع.

١١٦

ـ يعنى بريرة ـ فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة فقال : «هل رأيت من شيء يريبك من عائشة» قالت بريرة : والّذي بعثك بالحقّ إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنّها حديثة السّنّ تنام عن عجين أهلها ، فتأتى الدّاجن (١) فتأكله. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطيبا فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثمّ قال : «أمّا بعد ، فمن يعذرني ممّن قد بلغني أذاه في أهلى» ـ يعني عبد الله بن أبيّ بن سلول ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على المنبر أيضا : «يا معشر المسلمين ، من يعذرني ممّن قد بلغني أذاه في أهلي ـ يعني عبد الله بن أبيّ بن سلول ـ فو الله ما علمت على أهلي إلّا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلّا معي».

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أعذرك منه يا رسول الله ؛ إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان / من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقال سعد بن عبادة ـ وهو سيّد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحميّة فقال : أى سعد بن معاذ لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله. فقام أسيد بن حضير ـ وهو ابن عمّ

__________________

(١) في الأصل : «الداجق» بالقاف ، وهو تصحيف ، والتصحيح من باقي الروايات.

__________________

قوله : أغمصه عليها أي أعيبها به وأطعن به عليها.

قوله : الداجن وهي الشاة وتطلق على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيره.

١١٧

سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنّه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيّان : الأوس والخزرج ، حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخفّضهم حتّى سكتوا ، ثمّ أتاني النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا في بيت أبوي ، فبينا هو جالس وأنا أبكي فاستأذنت علىّ امرأة من الأنصار ... وساق الحديث.

* * *

١١٨

[٢٥٦] قوله تعالى :

(الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ) [٢٣]

[٣٨١] ـ أنا الرّبيع بن سليمان ، نا عبد الله بن وهب ، عن سليمان ابن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن أبي الغيث عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اجتنبوا السّبع الموبقات» قيل : يا رسول الله ، وما هي؟ قال : الشّرك بالله ، والسّحر (١) وقتل النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ ، وأكل الرّبا وأكل مال اليتيم ، والتّولّي يوم الزّحف ، وقذف المحصنات المؤمنات».

__________________

(١) في الأصل : «الشح» والتصويب من البخاري وغيره.

__________________

(٣٨١) ـ أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب الوصايا ، باب قول اللّه تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (رقم ٢٧٦٦) وكتاب الطب ، باب الشرك والسحر من الموبقات (رقم ٥٧٦٤) وكتاب الحدود ، باب رمي المحصنات (رقم ٦٨٥٧) ، وأخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان ، باب بيان الكبائر وأكبرها (رقم ٨٩ / ١٤٥) وأخرجه أبو داود في سننه : كتاب الوصايا ، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم (رقم ٢٨٧٤) ، وأخرجه المصنف في سننه : كتاب الوصايا ، اجتناب أكل مال اليتيم (رقم ٣٦٧١) كلهم من طريق سالم أبي الغيث ـ به.

انظر تحفة الأشراف للمزي (رقم ١٢٩١٥).

١١٩

[٢٥٧] قوله تعالى :

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ) [٣٠]

[٣٨٢] ـ أنا محمد بن إبراهيم ، نا الفضل بن العلاء ، نا عثمان بن حكيم ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبيه (١) ، عن جدّه ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما ظهرا فوجدهم يتحدّثون (٢) في مجالسهم (٣) على أبواب الدّور فقال : «ما هذه المجالس؟ إيّاكم وهذه الصّعدات ، تجلسون فيها» قالوا : يا رسول الله ، نجلس على غير ما بأس ، نغتمّ في البيوت فنبرز فنتحدّث! قال : «فأعطوا المجالس حقّها» قالوا : وما حقّها يا رسول الله؟ قال : «غضّ البصر ، وحسن الكلام ، وردّ السّلام ، وإرشاد الضّالّ».

__________________

(١) في الأصل فوق هذه الكلمة «صح».

(٢) في الأصل : «يحدثون» بدون تاء ، والتصويب من باقي الروايات.

(٣) في الأصل : «مجالهم».

__________________

(٣٨٢) ـ أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب السّلام ، باب من حق الجلوس على الطريق رد السّلام (رقم ٢١٦١ / ٢).

انظر تحفة الأشراف للمزي (رقم ٣٧٧٦).

قوله نغتم أي نستر ونتوارى ، من الغم ، هو التغطية والستر.

١٢٠