ومع أنّ الإمام زين العابدين عليهالسلام كان المثل الأعلى للزهد والعبادة في عصره ، حتى غلبت عليه هذه الصفة أكثر من غيرها ، إلاّ أنّه عليهالسلام وقف من المتظاهرين ـ كذبا ـ بالزهد ، والمائلين الى الانعزال عن المشاكل ، والتاركين للحكّام وللناس ، يظلم اُولئك هؤلاء ، ويتبع هؤلاء اُولئك ، والذين قبعوا ـ حسب نظرتهم ـ على إصلاح أنفسهم وأعمالهم ، تلك الحالة التي سمّيت من بعد بالتصوّف ، وسمّي أهلها بالصوفيّة.
وقف الإمام عليهالسلام من هذه الحالة ومن دعاتها ورعاتها ، موقف الردّ والإنكار وإعلان الخطأ في طرقهم ، وحاول إرشادهم الى طرق السلوك الصائبة ، بما قدّمه إليهم والى الأمة من مواعظ وأدعية وخطب ورسائل وأجوبة تحدّد لهم معالم الطرق القويمة والسبل المستقيمة ، والموصلة الى الهدى والرشاد.
وبما كان الإمام يتمتّع به من مكانة مرموقة معترف بها ، في الإيمان والشرف ، حسبا ونسبا ، وخاصة في الزهد والعبادة ، فإن كلامه في هذا المجال كان هو المقبول ، ومواقفه التي كان يتخذها من المتظاهرين بالزهد ، كانت هي الناجحة والغالبة.
وقد تركّز انحرافهم في نقطتين هامّتين :
١ ـ محاولتهم الانعزال عن الحياة الاجتماعية ، بعدم تدخلهم في ما يمسّ وجودهم بسوء أو ضرر ، مثل التعرّض للظلم والفساد الذي يجري حواليهم ، وخاصة من قبل الخلفاء والولاة وكل من يمتّ الى السلطان والحكومة بصلة! خوفا على أنفسهم من الموت والهلكة.
وقد كان يجرّهم هذا التفكير الى مداراة الظلمة ، والخضوع لهم ، والحضور في مجالسهم ، بل الانخراط في مظالمهم ، وتصويب أعمالهم ، بالرغم من معرفة ظلمهم وعدم استحقاقهم للمقامات التي احتلّوها.
٢ ـ وعلى أثر النقطة الاولى ، فإنهم ابتعدوا عن أهل البيت عليهمالسلام ، لأنهم كانوا هم المعارضين السياسيّين ، فكان الاتصال بهم يعني المحسوبيّة عليهم وعلى خطّهم ،