تاريخ مدينة دمشق - ج ٧١

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٧١

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٩٩
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

من مصر عسكرا كبيرا زهاء خمسين ألف رجل من البربر وسائر الناس ، فالتقوا بحمص فهزمهم أحمد المعتضد ، ولما التقوا جعل أحمد على ميمنته ذا السيفين إسحاق بن كنداجيق وعلى ميسرته محمد بن أبي الساج ، فانهزم المصريون وهربوا إلى مصر ودخل أحمد المعتضد دمشق (١).

قال أحمد بن حميد بن أبي العجائز :

دخل أبو العباس أحمد المعتضد دمشق قبل أن ولي الخلافة ، دخلها من باب الفراديس ، فلما بلغ إلى باب البريد التفت فنظر إلى مسجد الجامع ، وقف وعنّ (٢) دابته فقال : أي شيء هذا؟ فقيل : هذا مسجد الجامع. قال : وأيش هذه الزيادة التي قدامه؟ فقالوا : هذه تسمى الزيادة ، فيها التجار ، ويدخل منها إلى مسجد الجامع ولكل باب للمسجد زيادة مثل هذا تشبه الدهاليز ، بناء مبني بقناطر وأروقة فاستحسنها وقال : ما في الدنيا مسجد جامع عني به ما عني بهذا المسجد. ثم سار ونزل الراهب على باب دمشق أياما ثم خرج منها إلى حرب أبي الجيش عند طواحين الرملة (٣). وواقعه في سنة إحدى وسبعين (٤).

قال أبو بكر بن أبي الدنيا (٥) :

استخلف أبو العباس المعتضد بالله أحمد بن محمد في اليوم الذي مات فيه المعتمد على الله. وله إذ ذاك سبع وثلاثون سنة.

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ٧ / ٤٢٥ (ط دار الفكر) والنجوم الزاهرة ٣ / ٥٠.

(٢) عنّ دابته : جعل لها عنانا (انظر اللسان).

(٣) الطواحين : موضع قرب الرملة من أرض فلسطين بالشام ، كانت عنده الوقعة المشهورة بين خمارويه بن أحمد بن طولون والمعتضد بالله في سنة ٢٧١ ه‍ انصرف كل واحد منهما مفلولا ، كانت أولا على خمارويه ، ثم كانت على المعتضد (معجم البلدان ٤ / ٤٥).

(٤) وقعة الطواحين هزم فيها أبو العباس خمارويه ، فركب خمارويه حمارا هاربا منه إلى مصر ، ووقع أصحاب أبي العباس في النهب ، ونزل أبو العباس مضرب خمارويه ولا يرى أنه بقي له طالب ، فخرج عليه كمين لخمارويه كان كمّنه له خمارويه وفيهم سعد الأعسر وجماعة من قواده وأصحابه ، وأصحاب أبي العباس قد وضعوا السلاح ونزلوا ، فشد الكمين عليهم فانهزموا ، وتفرق القوم ، ومضى أبو العباس إلى طرسوس في نفر قليل من أصحابه ، وذهب كل ما في العسكرين. انظر تاريخ الطبري ٥ / ٥٩٠ حوادث سنة ٢٧١ والبداية والنهاية ٧ / ٤٢٥ (ط دار الفكر) وانظر تفاصيل واسعة وردت في النجوم الزاهرة ٣ / ٥٠ ـ ٥١.

(٥) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤.

٢٠١

قال محمد بن أحمد بن البراء (١) :

ولي المعتضد بالله لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. وولد بسرّ من رأى في ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين ومائتين.

قال القاضي أبو عمرو محمد بن يوسف (٢) :

قدّم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي في حكم ، فجاء فارتفع في المجلس ، فأمره الحاجب بموازاة خصمه ، فلم يفعل ـ إدلالا بعظم محله (٣) من الدولة ـ فصاح أبي عليه وقال : قفاه ، أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع؟ يا غلام! عمرو بن أبي النخاس الساعة لأتقدم إليه ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين ، ثم قال لحاجبه : خذ بيده وسوّ بينه وبين خصمه ، فأخذ كرها وأجلس مع خصمه ، فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالله ـ وبكى بين يديه ـ فصاح عليه المعتضد وقال : لو باعك لاخترت (٤) بيعه ، وما رددتك إلى ملكي أبدا ، وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم ، فإنه عمود السلطان ، وقوام الأديان.

قال إسماعيل بن إسحاق القاضي (٥) :

دخلت على المعتضد ، وعلى رأسه أحداث روم صباح الوجوه ، فنظرت إليهم ، فرآني المعتضد وأنا أتأملهم. فلما أردت القيام أشار إليّ فمكثت ساعة ، فلما خلا قال لي : أيها القاضي ، والله ما حللت سراويلي على حرام قط.

روى التنوخي (٦) قال :

لما خرج المعتضد إلى قتال وصيف الخادم إلى طرسوس وأخذه عاد إلى أنطاكية ، فنزل خارجها ، وطاف البلد بجيشه ، وكنت صبيا إذ ذاك في المكتب. قال : فخرجت مع جملة

__________________

(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤.

(٢) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٤ / ٣١١ في أخبار يوسف بن يعقوب الأزدي البصري ، ورواه من طريق الخطيب ابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨١٢ ـ ٨١٣.

(٣) في تاريخ بغداد : مجلسه.

(٤) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ بغداد وبغية الطلب : «لأجزت بيعه» وهو أشبه.

(٥) الخبر رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤ ونقلا عنه رواه ابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨١١ والبداية والنهاية ٧ / ٤٦٧ ، ٤٦٨ (ط دار الفكر).

(٦) هو علي بن المحسن بن علي التنوخي ، شيخ أبي بكر الخطيب.

٢٠٢

الناس ، فرايته وعليه قباء أصفر ، فسمعت رجلا يقول : يا قوم ، الخليفة بقباء أصفر بلا سواد قال : فقال له أحد الجيش : هذا كان عليه وهو جالس في داره ببغداد ، فجاءه الخبر بعصيان وصيف ، فخرج في الحال عن داره إلى باب الشّمّاسيّة فعسكر به ، وحلف ألّا يغيّر هذا القباء أو يفرغ من أمر وصيف ، وأقام بباب الشماسية أياما حتى لحقه الجيش ، ثم خرج ، فهو عليه إلى الآن ما غيّره.

قال إسماعيل بن إسحاق القاضي (١) :

دخلت على المعتضد فدفع إليّ كتابا. نظرت فيه فكأنه قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتج به كل منهم لنفسه ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، مصنف هذا الكتاب زنديق ، فقال : لم تصحّ هذه الأحاديث؟ قلت : الأحاديث على ما رويت ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر ، وما من عالم إلّا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه ، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب.

حدث (٢) صافي الحرمي (٣) قال :

مشيت يوما بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم ، فلما بلغ إلى باب شغب (٤) ، أم المقتدر ، وقف يسمع ويتطلع من خلال (٥) الستر ، وإذا هو بالمقتدر ، وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن ، وبين يديه طبق فضة فيه عنقود عنب في وقت فيه العنب عزيز جدا ، والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدّور ، حتى إذا بلغ الدّور إليه أكل عنبة واحدة مثل ما أكلوا حتى فني العنقود ، والمعتضد يتميّز غيظا. قال : فرجع ولم يدخل الدار ، ورأيته مغموما فقلت : يا مولاي ، ما

__________________

(١) الخبر من هذا الطريق رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥ وابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨١٨ نقلا عن أبي بكر الخطيب. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٦٨ (ط دار الفكر) من طريق البيهقي ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٥٨٩.

(٢) الخبر ورواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ٢١٦ وما بعدها من طريق علي بن المحسن القاضي بسنده إلى صافي الحرمي. ورواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٦٨ (ط دار الفكر) نقلا عن أبي بكر الخطيب ، مختصرا.

(٣) في البداية والنهاية : صافي الجرمي.

(٤) في البداية والنهاية : شعث ، تحريف.

(٥) في تاريخ بغداد : خلل في الستر.

٢٠٣

سبب ما فعلته ، وما قد بان عليك؟ فقال : يا صافي ، والله لو لا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم ، فإنّ في قتله صلاحا للأمة. فقلت : يا مولاي ، حاشاه ، أي شيء عمل؟ أعيذك بالله يا مولاي ، العن إبليس ، فقال : ويحك أنا أبصر بما أقول ، أنا رجل قد سست الأمور ، وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد ، ولا بد من موتي ، وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي ، وسيجلسون ابني عليا ـ يعني المكتفي ـ وما أظن عمره يطول للعلّة التي به ، يعني الخنازير ، فيتلف عن قرب ، ولا يرى الناس إخراجها عن ولدي ، ولا يجدون بعده أكبر من جعفر ، فيجلسونه ، وهو صبي ، وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه أطعم الصبيان مثل ما أكل ، وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم ، والشح على مثله في طباع الصبيان ، فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن ، فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب ، ويبذر ارتفاع الدنيا ويخربها ، فتضيع الثغور وتنتشر الأمور ، وتخرج الخوارج (١) ، وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلا. فقلت : يا مولاي ، بل يبقيك الله تعالى حتى ينشأ في حياة منك ، ويصير كهلا في أيامك ، ويتأدب بآدابك ، ولا يكون هذا الذي ظننت. فقال : احفظ عني ما أقوله ، فإنه كما قلت. قال : ومكث يومه مهموما ، وضرب الدهر ضربه (٢).

ومات المعتضد ، وولي المكتفي فلم يطل عمره ، ومات ، وولي المقتدر فكانت الصورة كما قاله المعتضد بعينه. فكنت كلما وقفت على رأس المقتدر وهو يشرب ورأيته قد دعا بالأموال فأخرجت إليه ، وحللت (٣) البدر وجعل يفرقها على الجواري والنساء ويلعب بها ، ويمحقها ويهبها ، ذكرت مولاي المعتضد وبكيت.

قال صافي (٤) :

وكنت يوما واقفا على رأس المعتضد فقال : هاتم فلانا الطيبي ، يعني خادما يلي خزانة الطيب ، فأحضر فقال : كما عندك من الغالية؟ فقال : نيف وثلاثون حبا (٥) صينيا مما عمله عدة

__________________

(١) كذا في مختصر ابن منظور «ويخرج الخراج» والمثبت عن تاريخ بغداد : «وتخرج الخوارج».

(٢) في تاريخ بغداد : ضربته.

(٣) في تاريخ بغداد : وحلق البدر.

(٤) تاريخ بغداد ٧ / ٢١٧.

(٥) في مختصر ابن منظور : «جبا» والمثبت عن تاريخ بغداد ، والحب : الجرة العظيمة.

٢٠٤

من الخلفاء. قال : فأيها أطيب؟ قال : ما عمله الواثق. قال : أحضرنيه فأحضره حبا عظيما يحمله عدة ، ففتح فإذا بغالية قد ابيضّت من التعشيب وجمدت من العتق في نهاية الذّكاء ، فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الحب (١) ، فأخذ من لطاخته شيئا يسيرا من غير أن يشعث رأس الحب (٢) ، وجعله في لحيته وقال : ما تسمح نفسي بتطريق التشعيب على هذا الحب ، شيلوه ، فرفع ، ومضت الأيام فجلس المكتفي [للشرب](٣) يوما ، وهو خليفة ، وأنا قائم على رأسه فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي ، فأخبره بمثل ما كان أخبر به أباه ، فاستدعى غالية الواثق ، فجاءه بالحب بعينه ففتح فاستطابه ، وقال : أخرجوا منه قليلا ، فأخرج منه مقدار ثلاثين أو أربعين مثقالا ، فاستعمل منه في الحال ما أراد ، ودعا بعتيدة (٤) له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الطعام (٥) ، وأمر بالحب فختم بحضرته ورفع.

ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة ، وجلس مع الجواري يوما وكنت على رأسه ، فأراد أن يتطيّب فدعا الخادم وسأله ، فأخبره بمثل ما أخبر به أباه وأخاه ، فقال : هات الغوالي كلها ، فأحضر الحباب (٦) كلها ، فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال وأقل وأكثر ، فيشمّه ويفرقه على من بحضرته ، حتى انتهى إلى حب الواثق فاستطابه فقال : هاتم عتيدة حتى يخرج منه إليها ما يستعمل ، فجاءوه بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها. ورأى الحب ناقصا والعتيدة فيها قدح الغالية ما استعمل منه كثير شيء فقال : ما السبب في هذا؟ فأخبرته بالسبب (٧) على حاله ، فأخذ يعجب من بخل الرجلين ، ويضع منهما بذلك ، ثم قال : فرقوا الحب بأسره على الجواري ، فما زال يخرج منه أرطالا أرطالا وأنا أتمزق غيظا ، وأذكر حديث العنب وكلام مولاي المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الحب ، فقلت له : يا مولاي ، إن هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها وما لا يعتاض منه ، فلو تركت ما بقي منها لنفسك ، وفرقت من غيرها كان أولى. قال : ـ وخرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد ـ فاستحيا مني ،

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : «الجب» والمثبت عن تاريخ بغداد ، وقد صوبناها في كل المواضع من الخبر.

(٢) في مختصر ابن منظور : «يشعب رأس الجب» والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٣) زيادة عن تاريخ بغداد.

(٤) العتيدة : الطبلة أو الحقّة يكون فيها طيب الرجل والعروس (القاموس).

(٥) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ بغداد : الأيام.

(٦) في مختصر ابن منظور : الجباب.

(٧) في تاريخ بغداد : فأخبرته بالخبر على شرحه.

٢٠٥

فرفعت الحب فما مضت إلّا سنون من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى أن عجن غالية بمال عظيم.

قال أبو محمد عبد الله بن حمدون (١) :

قال لي المعتضد ليلة وقد قدم له عشاء : لقّمني ، قال : وكان الذي قدّم فراريج ودراريج ، فلقمته من صدر فرّوج فقال : لا ، لقّمني من فخذه ، فلقمته لقما ، ثم قال : هات من الدراريج (٢) ، فلقّمته من أفخاذها ، فقال : ويلك هو ذا تتنادر عليّ؟! هات من صدورها ، فقلت : يا مولاي ، ركبت القياس ، فضحك ، فقلت : إلى كم أضحكك ولا تضحكني؟ قال : شل المطرح وخذ ما تحته. قال : فشلته فإذا دينار واحد ، فقلت : آخذ هذا؟ فقال : نعم ، فقلت : يا لله هو ذا تتنادر أنت الساعة عليّ! خليفة يجيز نديمه بدينار؟! فقال : ويلك لا أجد لك في بيت المال حقا أكثر من هذا ، ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئا ، ولكن هو ذا أحتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار ، فقبّلت يده ، فقال : إذا كان غدا وجاءني القاسم ـ يعني ابن عبيد الله ـ فهو ذا أسارّك ـ حتى تقع عيني عليه ـ سرارا طويلا التفت فيه إليه كالمغضب ، وانظر أنت إليه في خلال ذلك كالمخالس لي نظر المترثي له ، فإذا انقطع السرار فيخرج ولا يبرح الدهليز أو تخرج ، فإذا خرجت خاطبك بجميل وأخذك إلى دعوته ، وسألك عن حالك ، فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني ، وثقل ظهرك بالدين والعيال ، وخذ ما يعطيك ، واطلب كلّ ما تقع عينك عليه ، فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار ، فإذا أخذتها ، فسيسألك عما جرى بيننا ، فأصدقه ، وإياك أن تكذبه وعرّفه أن ذلك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا ، وليكن إخبارك له بعد امتناع شديد ، وأحلاف منه لك بالطلاق والعتاق أن يصدّقه ، وبعد أن يخرج من داره كل ما يعطيك (٣).

فلما كان من غد حضر القاسم ، فحين رآه بدأ يسارّني ، وجرت القصة على ما واضعني (٤) عليه ، فخرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني ، فقال : يا أبا محمد ، ما هذا

__________________

(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦ من طريق علي بن المحسن التنوخي بسنده إلى ابن حمدون.

(٢) الدراج كرمان طائر شبه الحيقطان ، وهو من طير العراق. (تاج العروس : درج).

(٣) في تاريخ بغداد : وبعد أن تخرج من داره تأخذ كل ما يعطيك إياه وتحصله في بيتك.

(٤) تاريخ بغداد : واضعته عليه.

٢٠٦

الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة؟! فاعتذرت إليه باتصال الخدمة عليّ ، فقال : ما تقنعني إلّا أن تزورني اليوم وتتفرج ، فقلت : أنا خادم الوزير ، فأخذني إلى طيّارة (١) وجعل يسألني عن حالي وأخباري فأشكو إليه الخلة ، والإضافة ، والدّين ، والبنات ، وجفاء الخليفة وإمساكه يده ، فيتوجع ويقول : يا هذا مالي لك ، ولن يضيق عليك ما يتسع علي [أو تتجاوزك نعمة تحصلت لي ، أو يتخطاك حظ فإنك في فنائي](٢) ، ولو عرّفتني لعاونتك على إزالة هذا كله عنك ، فشكرته. وبلغنا داره ، فصعد ولم ينظر في شيء وقال : هذا يوم أحتاج أن أختص فيه بالسرور بأبي محمد ، فلا يقطعني أحد عنه. وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال ، وخلا بي في دار الخلوة ، وجعل يجاذبني (٣) وينشطني ، وقدمت الفاكهة فجعل يلقّمني بيده ، وجاء الطعام ، فكان هذا سبيله ، فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت ، وأحضرني ثيابا وطيبا ومركوبا فأخذت ذلك ، وكان بين يديه صينية فضة فيها مغسل فضة وخرداذيّ (٤) بلور وكوز وقدح بلور ، فأمر بحمله إلى طيّاري (٥) ، وأقبلت كلما رأيت شيئا حسنا له قيمة وافرة طلبته. وحمل إلي فرشا نفيسا وقال : هذا للبنات. فلما تقوض المجلس خلا بي وقال : يا أبا محمد ، أنت عالم بحقوق أبي عليك ، ومودتي لك ، فقلت : أنا خادم الوزير ، فقال : أريد أن أسألك عن شيء ، وتحلف لي أنك تصدقني عنه ، فقلت : السمع والطاعة ، فأحلفني بالله وبالطلاق والعتاق على الصدق ، ثم قال : بأيّ شيء سارّك الخليفة اليوم ، في أمري؟ فصدقته عن كل ما جرى حرفا بحرف ، فقال : فرجت عني ، ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته لي انهلّ (٦) علي ، فشكرته وودّعته ، وانصرفت. فلما كان من الغد باكرت المعتضد فقال : هات حديثك ، فسقته عليه فقال : احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها معك بسرعة.

قال محمد بن يحيى الصولي (٧) :

__________________

(١) في مختصر ابن منظور : طياره ، وفي تاريخ بغداد : طيارة.

(٢) الزيادة بين معكوفتين استدرك عن تاريخ بغداد.

(٣) في تاريخ بغداد : يحادثني ويبسطني.

(٤) الخرداذي : الخمر ، مركبة من الخر والداذي ، ومعناه : شراب الحمار (انظر تاج العروس : خردذ ، ودوذ).

(٥) في تاريخ بغداد : طيارتي.

(٦) في تاريخ بغداد : أسهل عليّ.

(٧) الخبر رواه المعافى بن زكريا الجريري في الجليس الصالح الكافي ١ / ٤١٩ وما بعدها نقلا عن محمد بن يحيى الصولي. وروى القصة عن محمد بن يحيى الصولي أيضا ابن الجوزي في المنتظم ١٢ / ٣٩٩ وما بعدها في حوادث سنة ٢٨٦.

٢٠٧

كان مع المعتضد أعرابي فصيح يقال له : شعلة بن شهاب اليشكري ، وكان يأنس به ، فأرسله إلى محمد بن عيسى بن شيخ وكان عارفا به ليرغبه في الطاعة ويحذره العصيان ويرفق به. قال شعلة : فصرت إليه فخاطبته أقرب خطاب ، فلم يجبني ، فوجهت إلى عمته أم الشريف ، فصرت إليها فقالت : يا أبا شهاب ، كيف خلّفت أمير المؤمنين؟ فقلت : خلّفته أمّارا بالمعروف ، فعّالا للخير ، متعززا على الباطل ، متذللا للحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت لي : أهل ذلك هو ومستحقّه (١) وكيف لا يكون كذلك وهو ظل الله الممدود على بلاده ، وخليفته المؤتمن على عباده ، أعز به دينه ، وأحيا به سنته ، وثبّت (٢) به شرائعه ، ثم قالت : يا أبا شهاب ، فكيف رأيت صاحبنا؟ قلت : رأيت حدثا معجبا قد استحوذ عليه السفهاء ، واستبد بآرائهم ، وأنصت لأقوالهم (٣) ، يزخرفون له الكذب ، ويوردونه الندم ، فقالت : هل لك أن ترجع إليه بكتابي قبل لقاء أمير المؤمنين ، فلعلك تحلّ عقد (٤) السفهاء؟ قلت : أجل ، فكتبت إليه كتابا حسنا لطيفا أجزلت فيه الموعظة ، وأخلصت فيه النصيحة ، بهذه الأبيات :

أقبل نصيحة أمّ قلبها وجل

عليك خوفا وإشفاقا وقل سددا

واستعمل الفكر في قول (٥) فإنّك إن

فكّرت ألفيت في قولي لك الرّشدا

ولا تثق برجال في قلوبهم

ضغائن تبعث الشنآن والحسدا

مثل النعاج خمولا في بيوتهم

حتى إذا أمنوا ألفيتهم أسدا

وداو داءك والأدواء ممكنة

وإذا طبيبك قد ألقى عليك (٦) يدا

أعط (٧) الخليفة ما يرضيه منك ولا

تمنعه مالا ولا أهلا ولا ولدا

واردد أخا يشكر ردا يكون له

ردءا (٨) من السوء لا تشمت به أحدا

__________________

(١) زيد في الجليس الصالح : ومستوجبه.

(٢) في الجليس الصالح : وثبتت.

(٣) في الجليس الصالح : وأنصت لأفواههم.

(٤) في الجليس الصالح : عقدة السفهاء.

(٥) في الجليس الصالح والمنتظم : قولي.

(٦) في الجليس الصالح : إليك.

(٧) في المنتظم : واعط الخليفة.

(٨) في المنتظم : ردا.

٢٠٨

قال : فأخذت الكتاب وصرت به إلى محمد بن أحمد بن عيسى (١). فلما نظر فيه رمى به إليّ ثم قال : يا أخا يشكر ، ما بآراء النساء تتم الأمور (٢) ولا بعقولهن يساس الملك ، ارجع إلى صاحبك فرجعت إلى أمير المؤمنين فأخبرته الخبر على حقّه وصدقه. فقال : وأين كتاب أم الشريف؟ فدفعته إليه فقرأه وأعجبه شعرها (٣) ، ثم قال : والله إني لأرجو أن أشفّعها في كثير من القوم. فلما كان من فتح آمد ما كان أرسل إلي المعتضد فقال : يا شعلة هل عندك علم من أم الشريف؟ قلت : لا ، والله ، قال : فامض مع هذا الخادم فإنك ستجدها في جملة نسائها. قال : فمضيت ، فلما بصرت بي من بعيد سفرت عن وجهها وأنشدت :

ريب الزّمان وصرفه

وعناده (٤) كشف القناعا

وأذلّ (٥) بعد العزّ منا

الصّعب والبطل الشجاعا

ولكم نصحت فما أطع

ت وكم حرصت بأن أطاعا

فأبى بنا المقدار (٦) إلّا

أن نقسّم أو نباعا

يا ليت شعري هل نرى

يوما لفرقتنا اجتماعا (٧)

قال : ثم بكت حتى علا صوتها ، وضربت بيدها على الأخرى وقالت : يا أبا شهاب ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، كأني والله كنت أرى ما أرى (٨) فقلت لها : إن أمير المؤمنين وجّه بي إليك ، وما ذاك إلّا لجميل رأيه فيك ، فقالت لي : فهل لك أن توصّل لي رقعة إليه؟ قلت : هل لي فدفعت إليّ رقعة فيها :

قل للخليفة والإمام المرتضى

وابن الخلائف من قريش الأبطح

__________________

(١) محمد بن أحمد بن عيسى كان قد خرج على الخليفة وتحصن بآمد ، فقصده المعتضد ومعه ابنه أبو محمد المكتفي بالله فحاصره بها فخرج إليه سامعا مطيعا فتسلمها منه وخلع عليه وأكرم أهلها. انظر خبره في البداية والنهاية ٧ / ٤٥٨ (ط دار الفكر) والمنتظم لابن الجوزي ١٢ / ٣٩٨ حوادث سنة ٢٨٦ وتاريخ الطبري ٥ / ٦٢٩ (حوادث سنة ٢٨٦).

(٢) في المنتظم : الدول.

(٣) في المنتظم : فأعجبه شعرها وعقلها.

(٤) كذا في مختصر ابن منظور والمنتظم ، وفي الجليس الصالح : معتادة.

(٥) كذا في مختصر ابن منظور والمنتظم ، وفي الجليس الصالح : فأذل.

(٦) كذا بالأصل والجليس الصالح ، وفي المنتظم : المقدور.

(٧) عجزه في المنتظم : من بعد فرقتنا اجتماعا.

(٨) في المنتظم : ما أنا فيه.

٢٠٩

علم الهدى ومناره وسراجه (١)

مفتاح كلّ عظيمة لم تفتح

بك أصلح الله البلاد وأهلها

بعد الفساد وطالما لم تصلح

قد زحزحت (٢) بك هضبة العرب التي

لولاك بعد الله لم تتزحزح

أعطاك ربّك ما تحبّ فأعطه

ما قد يحب وجد بعفو (٣) واصفح

يا بهجة الدنيا وبدر ملوكها

هب ظالمي ومفسديّ لمصلح

فصرت بالرقعة إلى المعتضد (٤) ، فلما قرأها ضحك وقال : لقد نصحت لو قبل منها وأمر أن يحمل إليها خمسون ألف درهم وخمسون تختا من الثياب ، وأمر أن يحمل مثل ذلك إلى محمد بن أحمد بن عيسى.

قال وصيف خادم المعتضد (٥) :

سمعت المعتضد بالله ينشد عند موته وقد أخذ بكظمه (٦) يقول :

تمتّع من الدّنيا فإنّك لا تبقى

وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرّنقا (٧)

ولا تأمننّ الدّهر إنّي أمنته (٨)

فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقّا

قتلت صناديد الرّجال ولم أدع

عدوّا ولم أمهل على ظنّة (٩) خلقا

وأخليت دار الملك من كلّ نازع (١٠)

فشرّدتهم (١١) غربا وشرّدتهم (١٢) شرقا

__________________

(١) في الجليس الصالح : وسراجه ومناره.

(٢) في الجليس الصالح والمنتظم : «فتزحزحت» بدل : «قد زحزحت».

(٣) في الجليس الصالح والمنتظم ، بعفوك.

(٤) في الجليس الصالح : قال : فأخذت الرقعة وصرت بها إلى المعتضد.

(٥) الخبر والشعر في تاريخ الإسلام حوادث سنة (٢٨١ ـ ٢٩٠) ص ٦٧ ـ ٦٨ وسير الأعلام ١١ / ٣٧ (ط دار الفكر) وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٤٣٦ والبداية والنهاية ٧ / ٤٧٥ (ط دار الفكر).

(٦) الكظم بالتحريك ، مخرج النفس.

(٧) الرنق بالفتح : الكدر. ماء رنق : أي كدر.

(٨) في البداية والنهاية : إني ائتمنته.

(٩) في البداية والنهاية : خلق.

(١٠) صدره في تاريخ الإسلام وسير الأعلام :

وأخليت دور الملك من كل بازل

وفي تاريخ الخلفاء : نازل.

(١١) في تاريخ الخلفاء وسير الأعلام وتاريخ الإسلام : وشتتهم.

(١٢) في المصادر السابقة : ومزقتهم.

٢١٠

فلمّا بلغت النجم عزا ورفعة

وصارت (١) رقاب الخلق أجمع لي رقّا

رماني الرّدى سهما فأخمد جمرتي

فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى (٢)

ولم (٣) يغن عنّي ما جمعت ولم أجد

لذي ملك الأحياء في حينها رفقا (٤)

فأفسدت دنياي وديني (٥) سفاهة

فمن ذا الذي مني (٦) بمصرعه أشقى

فيا ليت شعري بعد موتي ما ألقى

إلى نعمة لله أم ناره ألقى (٧)

[قال ابن كثير] :

[وروى الحافظ ابن عساكر عن أبي الحسين النوري أنه اجتاز بزورق فيه خمر مع ملاح ، فقال : ما هذا ولمن هذا؟ فقال له : هذه خمر للمعتضد ، فصعد أبو الحسين إليها فجعل يضرب الدنان بعمود في يده حتى كسرها كلها سوى واحد تركه ، واستغاث الملاح ، فجاءت الشرطة فأخذوا أبا الحسين ، فأوقفوه بين يدي المعتضد ، فقال له : من أنت؟ فقال أنا المحتسب. فقال : ومن ولاك الحسبة؟ فقال : الذي ولّاك الخلافة يا أمير المؤمنين ، فأطرق رأسه ثم رفعها ، فقال : ما الذي حملك على ما فعلت؟ فقال : شفقة عليك لدفع الضرر عنك ، فأطرق رأسه ثم رفعه فقال : ولأي شيء تركت منها دنا واحدا لم تكسره؟ فقال : لأني إنما أقدمت عليها فكسرتها إجلالا لله تعالى ، فلم أبال أحدا حتى انتهيت إلى هذا الدن دخل في نفسي إعجاب من قبيل أني قد أقدمت على مثلك فتركته.

فقال له المعتضد : اذهب فقد أطلقت يدك ، فغيّر ما أحببت أن تغيره من المنكر.

فقال له النوري : الآن انتقض عزمي عن التغيير ، فقال : ولم؟ فقال : لأني كنت أغير عن الله ، وأنا الآن أغير عن شرطي. فقال : سل حاجتك ، فقال : أحب أن تخرجني من بين يديك

__________________

(١) في المصادر السابقة : ودانت.

(٢) في المصادر : ملقى.

(٣) ليس البيت في المصادر السابقة.

(٤) عجزه في البداية والنهاية :

لدى ملك إلّا حباني حبها رفقا

(٥) في تاريخ الإسلام : ديني ودنياي.

(٦) في البداية والنهاية : مثلي.

(٧) عجزه في البداية والنهاية :

«إلى نعمة الله أم في ناره ألقى»

وفي سير الأعلام : «رحمة» بدل «نعمة».

٢١١

سالما. فأمر به فأخرج فصار إلى البصرة ، فأقام بها مختفيا خشية أن يشق عليه أحد في حاجته عند المعتضد ، فلما توفي المعتضد رجع إلى بغداد](١).

[كان ملكا مهيبا ، شجاعا ، جبارا ، شديد الوطأة ، من رجال العالم يقدم على الأسد وحده.

وكان أسمر نحيفا ، معتدل الخلق ، كامل العقل.

وكان قليل الرحمة ، إذا غضب على أمير حفر له حفيرة ، وألقاه حيّا ، وطم عليه.

وكان ذا سياسة عظيمة.

وكان في المعتضد حرص وجمع للمال ، حارب الزنج ، وله مواقف مشهودة ، وفي دولته سكتت الفتن ، وأسقط المكس ونشر العدل ، وقلل من الظلم](٢).

[قال الصولي : وكانت دريرة جارية المعتضد مكينة عنده لها موضع من قلبه ، فتوفيت فجزع عليها جزعا شديدا ، ومن شعر المعتضد فيها لما ماتت :

يا حبيبا لم يكن يع

دله عندي حبيب

أنت عن عيني بعيد

ومن القلب قريب

ليس لي بعدك في شي

ء من اللهو نصيب

لك من قلبي على قل

بي وإن بنت رقيب

قال الصولي : واعتل المعتضد في سنة تسع وثمانين ولم يزل عليلا مذ وقت خروجه إلى الخادم وتزايدت علته.

وقال : إن علته كانت فساد مزاج وجفافا من كثرة الجماع ، وكان دواؤه أن يقل الغذاء ويرطب بدنه قليلا قليلا ولا يتعب ، فكان يستعمل ضد هذا ويريهم أنه يحتمي ... فلم يزل كذلك إلى أن سقطت قوته واشتدت علته في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ... ثم توفي ليلة الاثنين](٣).

ولي المعتضد الخلافة لعشر بقين من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين. وتوفي لثمان

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن البداية والنهاية ٧ / ٤٦٩ ـ ٤٧٠ (ط دار الفكر).

(٢) ما بين معكوفتين استدرك عن سير الأعلام وتاريخ الإسلام.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن بغية الطلب ٢ / ٨٢٢ ـ ٨٢٣.

٢١٢

بقين من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين. فكانت خلافته تسع سنين وتسعة أشهر ويومين (١). وله من السن خمس وأربعون وعشرة أشهر وأيام (٢).

وكان أسمر نحيف الجسم معتدل الخلق ، قد وخطه الشيب ، في مقدم لحيته طول (٣).

قال صافي الحرمي (٤) :

لما مات المعتضد بالله كفنته في ثوبين قوهي (٥) ، قيمتهما (٦) ستة عشر قيراطا.

وأم المعتضد أم ولد يقال لها ضرار ، وقيل خفير ، ماتت قبل خلافته بيسير ، ومولده سنة ثلاث وأربعين ومائتين.

ولما مات بويع ابنه محمد المكتفي بالله ابن المعتضد بالله.

[قال ابن كثير] :

[وقد عمل أبو العباس عبد الله بن المعتز العباسي في ابن عمه المعتضد مرثاة حسنة يقول فيها :

يا دهر ويحك ما أبقيت لي أحدا

وأنت والد سوء يأكل الولدا

استغفر الله بل ذا كله قدر

رضيت بالله ربا واحدا صمدا

يا ساكن القبر في غبراء مظلمة

بالظاهرية مقصى الدار منفردا

أين الجيوش التي قد كنت تشحنها

أين الكنوز التي لم تحصها عددا

أين السرير الذي قد كنت تملؤه

مهابة من رأته عينه ارتعدا

أين القصور التي شيدتها فعلت

ولاح فيها سنا الإبريز فاتقدا

قد أتعبوا كل مرقال مذكرة

وجناء تنشر من أشداقها الزبدا

أين الأعادي الألى ذللت صعبهم

أين الليوث التي صيرتها نقدا

__________________

(١) في بغية الطلب : وخمسة أيام.

(٢) تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٧.

(٣) تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٧.

(٤) من طريقه رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٤ / ٤٠٧.

(٥) القوهي ضرب من الثياب البيض ، منسوبة إلى قوهستان (اللسان).

(٦) في مختصر ابن منظور : قيمتها ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

٢١٣

أين الوفود على الأبواب عاكفة

ورد القطا صفر ما جال واطردا

أين الرجال قياما في مراتبهم

من راح منهم ولم يطمر فقد سعدا

أين الجياد التي قد حجلتها بدم

وكن يحملن منك الضيغم الأسدا

أين الرماح التي غذيتها مهجا

مذمت ما وردت قلبا ولا كبدا

أين السيوف وأين النبل مرسلة

يصبن من شئت من قرب وإن بعدا

أين المجانيق أمثال السيول إذا

رمين حائط حسن قائم قعدا

أين الفعال التي قد كنت تبدعها

ولا ترى أن عفوا نافعا أبدا

أين الجنان التي تجري جداولها

وتستجيب إليها الطائر الغردا

أين الوصائف كالغزلان رائحة

يسجن من حلل موشية جددا

أين الملاهي وأين الراح تحسبها

ياقوتة كسيت من فضة زردا

أين الوثوب إلى الأعداء مبتغيا

صلاح ملك بني العباس إذ فسدا

ما زلت تقسر منهم كل قسورة

وتحطم العاتي الجبار معتمدا

ثم انقضيت فلا عين ولا أثر

حتى كأنك يوما لم تكن أحدا

لا شيء ، يبقى سوى خير نقدمه

ما دام ملك لإنسان ولا خلدا

ذكرها ابن عساكر في تاريخه](١).

[٩٦٦٣] أحمد بن طولون ، أبو العباس الأمير (٢)

ولد بسامراء (٣) ، وولي إمرة دمشق ، والثغور ، والعواصم (٤) ، ومصر مدّة.

__________________

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن البداية والنهاية ٧ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤ (ط دار الفكر) وبعض الأبيات في تاريخ الخلفاء ص ٤٣٦ ـ ٤٣٧ وتاريخ الإسلام (٢٨١ ـ ٢٩٠) ص ٦٩ ـ ٧٠ وسير الأعلام ١١ / ٣٧ ، ٣٨ (ط دار الفكر).

(٢) ترجمته في تاريخ الطبري (الفهارس) والبداية والنهاية (الفهارس) والكامل لابن الأثير (الفهارس) وسير أعلام النبلاء ١٠ / ٤٨٩ (٢٢٧١) (ط دار الفكر) والوافي بالوفيات ٦ / ٤٣٠ والنجوم الزاهرة ٣ / ١ ـ ٢١ والمنتظم ١٢ / ٢٣٠ وبغية الطلب ٢ / ٨٢٦ وولاة مصر للكندي (الفهرس العام) ، وفيات الأعيان ١ / ٥٥ وبدائع الزهور ١ / ٣٧ وتاريخ الإسلام حوادث سنة (٢٦١ ـ ٢٧٠) ص ٤٦ وانظر بهامشه أسماء مصادر أخرى كثيرة ترجمت له.

(٣) سامرا لغة في سرّ من رأى ، مدينة كانت شرقي دجلة وقد خربت (معجم البلدان ٣ / ١٧٣).

(٤) العواصم : حصون موانع وولاية تحيط بها بين حلب وأنطاكية وقصبتها أنطاكية (انظر معجم البلدان ٤ / ١٦٥).

٢١٤

حدث الحافظ ابن عساكر بسنده عن بعض مشايخ المصريين (١) :

أنّ أحمد المعروف بابن طولون ، ذكروا أن طولون تبناه [لديانته ، وحسن صوته بالقرآن](٢) ، وأنه لم يكن ابنه وأنه كان ظاهر النجابة من صغره. وكان له بأهل الحاجات عناية. وكان أبدا يسأله فيهم ، فيعجب بذلك منه ، ويزداد بصيرة فيه ، وأنه دخل إليه يوما ، فقال له : ما لك؟ فقال : بالباب قوم ضعفاء ، لو كتبت لهم بشيء. فقال : امض إلى موضع كذا لطاقة في بعض مقاصير القصر ، فهنالك قرطاس تأتيني به حتى أكتب لهم بما رغبت فيه ، فنهض إلى ذلك الموضع فوجد في طريقه في بعض تلك المقاصير حظية من حظايا الأمير ، وقد خلا بها بعض الخدم ، فسكت ، وأخذ حاجته وانصرف إليه ، فكتب له وخرج ، وخشيت الحظيّة أن يسبقها بالقول ، فأقبلت إلى الأمير من فورها ، فأخبرته أن أحمد قد راودها عن نفسها ، وذكرت له المكان الذي وجدها فيه ، فوقع في نفسه صدقها من أجل إرساله إياه إلى ذلك الموضع ، والرؤساء يفقدون عقولهم عند أقل شيء يسمعونه في الرئاسة أو في الحرم ، وقلما يثبتون عندهما. فلما انصرف أحمد كتب له كتابا إلى أحد خدمه يأمره فيه بقتل حامل الكتاب دون مشاورة (٣) ، وأرسل أحمد به فخرج أحمد مسرعا بالكتاب.

ورأته الحظية في بعض مجالسها فاستدعته ، فأخبرها أنه مشغول بحاجة وأنه كلفه إياها الأمير ، وأراها الكتاب ، وهو لا يدري ما فيه. فقالت : لا عليك ، أنا أرسل به ، واقعد أنت فإني أحتاج إليك ، واستدعت ذلك الخادم ، فأرسلته بالكتاب إلى المأمور بحمله إليه ، وشغلت هي أحمد بكتاب شيء بين يديها ، وإنما شغلته ليزيد حنق السيد عليه (٤) ، ونهض ذلك الخادم بالكتاب فامتثل فيه الأمر وأرسل بالرأس إليه ، فلما رآه سأل عن أحمد ، فاستدعاه ، وقال : أخبرني بالصدق ، ما الذي رأيت في طريقك إلى الموضع الذي أرسلتك إليه غير القرطاس. فقال : ما رأيت شيئا. فقال : والله إن لم تخبرني لأقتلنك. فأخبره. وسمعت الحظيّة بقتل الخادم ، فجرت إلى مولاها مرنبة (٥) ذليلة تطلب العفو ، وهي تظن أن الأمر قد صحّ عند

__________________

(١) الخبر رواه ابن كثير في البداية والنهاية ٧ / ٤٢١ ـ ٤٢٢ (ط دار الفكر) نقلا عن ابن عساكر.

(٢) زيادة عن البداية والنهاية.

(٣) في البداية والنهاية : ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك تضرب عنقه وابعث برأسه سريعا إليّ.

(٤) في البداية والنهاية : وظنت أن به جائزة تريد أن تخص بها الخادم.

(٥) كذا في مختصر ابن منظور.

٢١٥

مولاها فقال لها : أخبريني بالحق ، فبرأت أحمد ، وتبين له صحة الأمر ، فأمر بقتلها ، وحظي أحمد عنده ، حتى ولاه الأمر بعده.

حدث أبو عيسى محمد بن أحمد بن القاسم اللؤلؤي.

أن طولون رجل من طغزغز (١) ، وأن نوح بن أسد عامل بخارى أهداه إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مائتين (٢) ، وولد له ابنه أحمد سنة عشرين ومائتين (٣). ومات طولون سنة أربعين ومائتين. ونشأ أحمد ابنه على مذهب جميل وطريقة مستقيمة ، وطلب العلم وحفظ القرآن ، وكان من أدرس الناس للقرآن ، ورزق حسن الصوت ، ودخل إلى مصر في الأربعاء لسبع (٤) بقين من رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين.

قال :

وخلّف أحمد بن طولون عشرة ألف ألف دينار (٥). وقيل إنه خلف ثلاثة وثلاثين ولدا ، فيهم ذكور سبعة عشر (٦). وأطبقت جريدته من الموالي على سبعة آلاف رأس ، ومن الغلمان على أربعة وعشرين ألف غلام ، ومن الخيل المروانية (٧) على سبعة آلاف رأس ، ومن الجمال ألف وسبع مائة جمل ، ومن بغال القباب والثقل ست مائة بغل ، ومن المراكب الحربية مائة مركب ، ومن الدواب لركابه مائة وثلاثين (٨) دابة. وكان خراج مصر في تلك السنة مع ما انضاف إليه من صاع الأمراء بحضرة السلطان أربعة آلاف ألف وثلاث مائة ألف دينار (٩).

وأنفق على الجامع في بنائه ونفقته مائة وعشرين ألف دينار (١٠) ، وعلى البيمارستان

__________________

(١) في البداية والنهاية : من الأتراك.

(٢) قال ابن كثير : ويقال إلى الرشيد في سنة تسعين ومائة.

(٣) في البداية والنهاية : سنة أربع عشرة ، وقيل في سنة عشرين ومائتين ونقل ابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨٢٧ عن صالح بن إبراهيم بن رشيد بن المصري قوله : ولد أبو العباس أحمد بن طولون سنة اثنتي عشرة ومائتين.

(٤) في بغية الطلب ٢ / ٨٢٨ في شهر رمضان لأربع عشرة ليلة خلت منه والمثبت يوافق ما جاء في البداية والنهاية ٧ / ٤٢٢ (ط دار الفكر).

(٥) سير الأعلام ١٠ / ٤٨٩ (ط دار الفكر).

(٦) البداية والنهاية ٧ / ٤٢٢ (ط دار الفكر) وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٤٧.

(٧) في النجوم الزاهرة ٣ / ٢١ الخيل الميدانية.

(٨) في النجوم الزاهرة : ثلاثمائة من الدواب لخاصته.

(٩) المنتظم لابن الجوزي ١٢ / ٢٣٣ وتاريخ الإسلام ص ٤٧ ، وسقط «وثلاثمائة ألف» من سير الأعلام.

(١٠) المنتظم ١٢ / ٢٣٣.

٢١٦

ومشتغله ستين ألف دينار (١) ، وعلى الميدان مائة وخمسين ألف ، وعلى من ناب بالثغور ثمانين ألف دينار ، وكان قائم صدقته في كل شهر ألف (٢) دينار.

وراتب مطبخه وعلوفته كل يوم ألف دينار ، وما يجريه على جماعة من المستخدمين وأبناء السبيل سوى ما كان يجريه السلطان خمس مائة دينار ، وما يحمل لصدقات الثغور في كل شهر خمس مائة دينار ، وما يقيمه من الأنزال والوظائف في كل شهر ألفي دينار.

وحكي أن أبا الجيش فرق كسوة أحمد في حاشيته. قال الحاكي : فلحقني منها نصيب ، فما خلا ثوب منها من الرفاء ووجدت في بعضها رقعة.

وكان أحمد بن طولون يقول : ينبغي للرئيس أن يجعل اقتصاده على نفسه وسماحته على من يشمله وقاصديه ، فإنه يملكهم ملكا لا يزول عن قلوبهم ولا تشذ معه سرائرهم.

وحدث أبو العباس أحمد بن خاقان ، وكان تربا لأحمد بن طولون قال :

كان طولون تركيا من جيش يقال لهم طغزغز (٣) ، وكان نوح بن أسد صاحب خراسان وجهه إلى الرشيد هارون سنة تسعين ومائة. وولد أحمد في سنة أربع عشرة ومائتين من جارية تسمى هاشم (٤) ، وتوفي طولون سنة ثلاثين ومائتين ولأحمد ست عشرة سنة ونشأ نشوءا حسنا في العفة والتصوّن والدماثة وسماع الحديث حتى انتشر له حسن الذكر ، وتصور في قلوب الناس بأفضل صورة ، حتى صار في عداد من يوثق به ويؤتمن على السر والفروج والمال. وكان شديد الإزراء (٥) على الأتراك وأولادهم فيما يرتكبونه ، غير راض بما يفعلونه إلى أن قال يوما : إلى كم نقيم يا أخي على هذا الإثم لا نطأ موطئا إلّا كتب علينا فيه خطيئة. والصواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب لنا بأرزاقنا إلى الثغر ، ونقيم في ثواب ، ففعلنا ذلك. فلما صرنا إلى طرسوس سرّ بما رأى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأقبل

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ / ٤٢٢ (ط دار الفكر).

(٢) في المنتظم : ثلاثة آلاف دينار.

(٣) طغزغز ، وفيها لغات ، قيل فيها : تغزغز وطغرغر وتغرغر وهم جيل من الترك كانوا يسكنون أرضا واسعة على حدود الصين ، وهم فيها أصحاب خيام كأعراب البادية ، انظر كتاب التنبيه والإشراف للمسعودي.

(٤) كذا في البداية والنهاية ٧ / ٤٢١ (ط دار الفكر) نقلا عن ابن عساكر ، وفي النجوم الزاهرة ٣ / ١ هاشم ، وقيل : قاسم.

(٥) الإزراء : يقال : أزرى عليه إذا عابه وعاتبه.

٢١٧

على الترهب وذكر بعد هذا أنه عاد إلى العراق فزاد محله عند الأتراك فاختاره بابكباد (١) لخلافته على مصر ، فخرج إليها. وذكر غير هذا (٢).

ثم إنه غلب على دمشق بعد وفاة إيماجور (٣) أميرها (٤).

قال أبو الحارث إسماعيل بن إبراهيم المري :

كان أول دخول أحمد بن طولون دمشق لما سار من مصر إليها في سنة أربع وستين ومائتين ، بعد موت وال كان بها يقال له : أماجور ، وأخذ له مال عظيم ، وخرج عن دمشق إلى أنطاكية وحاصر بها سيما (٥) وأصحابه حتى ظفر به وقتله ، وأخذ له مالا عظيما وفتحها عنوة. وصار إلى طرسوس ثم رجع إلى دمشق في هذه السنة في آخرها ، وخرج منها حتى بلغ الرقة في طلب غلام له هرب منه يقال له لؤلؤ (٦) خرج إلى أبي أحمد الموفق في الأمان. ثم رجع ابن طولون إلى دمشق فاعتلّ بها وخرج في علته إلى مصر فتوفي بمصر في ذي القعدة سنة سبعين ومائتين.

قال أحمد بن محمد (٧) بن أبي العجائز وغيره من مشايخ دمشق (٨) :

لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع فيها حريق عند كنيسة مريم (٩) فركب إليه أحمد

__________________

(١) في تاريخ الطبري : بايكباك ، وفي النجوم الزاهرة : باكباك.

(٢) انظر النجوم الزاهرة ٣ / ٥ ـ ٦ وتاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٤٧ ـ ٤٨.

(٣) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تحفة ذوي الألباب : أماجور ، وقيل : ماجور ، ويقال : أياجور. انظر ترجمته في الوافي بالوفيات ٩ / ٣٧٥ وأمراء دمشق ص ١٣.

(٤) ولي دمشق أيام المعتمد سنة ٢٥٦ ومات سنة ٢٦٤ ه‍ ـ وقد ولي إمرة دمشق بعد موته ابنه علي بن أماجور ، وذلك قبل قدوم أحمد بن طولون إلى دمشق واستيلائه عليها ، وكان دخوله إليها سنة أربع وستين. انظر تحفة ذوي الألباب ١ / ٣٠٩ ـ ٣١٠.

(٥) في سيرة أحمد بن طولون ص ٣٥ «سيما الطويل» وفي عقد الجمان : سيماء.

(٦) لؤلؤ غلام أحمد بن طولون هرب من أحمد إلى أبي أحمد الموفق ، ثم قبض عليه الموفق سنة ٢٧٣ وضيق عليه وصادره بأربعمائة ألف دينار فافتقر ثم عاد إلى مصر في آخر أيام هارون بن خمارويه وحيدا بغلام واحد (انظر الكامل لابن الأثير).

(٧) كذا في مختصر ابن منظور ، وفي تاريخ الإسلام : أحمد بن حميد بن أبي العجائز ، وفي النجوم الزاهرة :

أحمد بن أحمد بن حميد بن أبي العجائز.

(٨) الخبر من طريقه في تاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٤٨ وسير الأعلام ١٠ / ٤٩٠ (ط دار الفكر) والنجوم الزاهرة ٣ / ١٣ ـ ١٤ والبداية والنهاية ٧ / ٤٢٢ (ط دار الفكر) وتحفة ذوي الألباب ١ / ٣١٧.

(٩) كنيسة مريم ، كنيسة قديمة بالمدينة لا تزال إلى اليوم باقية في حي الميدان ، قرب منطقة باب المصلى.

٢١٨

ابن طولون ومعه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو ، وأبو عبد الله أحمد (١) بن محمد الواسطي كاتبه ينظرون إلى الحريق ، فالتفت أحمد بن طولون إلى أبي زرعة ، فقال : ما يسمى هذا الموضع؟ فقال له أبو زرعة : يقال له كنيسة مريم. فقال أبو عبد الله : وكان لمريم كنيسة؟ فقال أبو زرعة : إنها ليست مريم بنت عمران أم عيسى وإنما بنى النصارى هذه الكنيسة فسموها باسمها. فقال أحمد بن طولون لأبي عبد الله الواسطي : ما أنت والاعتراض على الشيخ. ثم أمر بسبعين ألف دينار تخرج من ماله وتعطى كل من احترق له شيء ويقبل قوله ولا يستحلف عليه. فأعطوا وفضل من المال أربعة عشر ألف دينار ، وكان يجري ذلك على يد أبي عبد الله الواسطي فراجع أبو عبد الله أحمد بن طولون فيما بقي من المال ، فأمر أن يفرق على أصحاب الحريق على قدر شهامتهم (٢) ولا يردّ إلى بيت المال منه شيء.

وذكر ابن أبي مطر القاضي في كتابه قال :

توفي بكار بن قتيبة (٣) يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لستّ خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومائتين. ومات ابن طولون قبله بشهر وأربعة أيام.

قال محمد بن علي المادرائي (٤) :

كنت أجتاز بتربة (٥) أحمد بن طولون فأرى شيخا عند قبره يقرأ ، ملازما القبر ، ثم إني لم أره مدة ثم رأيته بعد ذلك ، فقلت له : ألست الذي كنت أراك عند قبر أحمد بن طولون وأنت تقرأ عليه؟ فقال : بلى ، كان ولينا رئاسة في هذا البلد وكان له علينا بعض العدل إن لم يكن الكل ، فأحببت أن أقرأ عنده وأصله بالقرآن. قال : قلت له : لم انقطعت عنه؟ فقال لي : رأيته في النوم وهو يقول لي : أحبّ ألا تقرأ عندي ، فكأني أقول له : لأي سبب؟ فقال : ما تمرّ بي آية إلّا قرّعت بها ، وقيل لي : ما سمعت هذه؟!

__________________

(١) في تاريخ الإسلام : محمد بن أحمد الواسطي.

(٢) في البداية والنهاية : حصصهم ، وفي تحفة ذوي الألباب : سهامهم.

(٣) هو بكار بن قتيبة بن أسد بن عبيد الله أبو بكر الثقفي البغدادي ، راجع ترجمته في سير الأعلام ١٠ / ٤٠٧ (ط دار الفكر).

(٤) من طريقه روى الخبر ابن العديم في بغية الطلب ٢ / ٨٣٥ والذهبي في تاريخ الإسلام (ترجمته) ص ٤٩ وفي سير الإعلام ١٠ / ٤٩٠ ، ٤٩١ (ط دار الفكر) والمنتظم ١٢ / ٢٣٣.

(٥) في مختصر ابن منظور : تربة ، والمثبت عن المصادر السابقة ، وفي سير الأعلام : بقبر.

٢١٩

من اسم أبيه على حرف العين المهملة

[من الأحمدين]

[٩٦٦٤] أحمد بن عاصم ،

أبو عبد الله الأنطاكي الزاهد

صاحب المواعظ.

سكن دمشق ، وروى عن جماعة.

[من كبار المشايخ وزهادهم وأولى الحكمة واللسان.

روى عن الهيثم بن جميل الأنطاكي ، ومخلد بن الحسين ، وأبي قتادة ، وسفيان بن عيينة ، ويوسف بن أسباط ، وأبي معاوية محمد بن خازم الضرير ، وأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، وقيل : إنه رأى الفضيل بن عياض.

روى عنه أحمد بن أبي الحواري ، وأبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، وأبو عمرو السراج ، وأبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد بن يحيى التميمي ، وعبد العزيز بن مختار ، وأحمد بن صالح ، وإسحاق بن عبد المؤمن الدمشقي ، وعلي بن الموفق البغدادي ، ومحمود بن خالد ، وعبد الله بن هلال الدومي الربعي ، وعبد الواحد بن أحمد الدمشقي ، ومحمد بن الفيض بن محمد الغساني](١).

__________________

[٩٦٦٤] ترجمته في بغية الطلب ٢ / ٨٤٨ والرسالة القشيرية ص ٣٩٤ وكناه أبا علي. وحلية الأولياء ٩ / ٢٨٠ والجرح والتعديل ١ / ١ / ٦٦ وصفة الصفوة ٤ / ٢٧٧ وطبقات الشعراني ١ / ٨٣ وسير أعلام النبلاء ٩ / ١٨١ (١٦٩٩) و٩ / ٥٨٠ (١٨٩٤) (ط دار الفكر) والبداية والنهاية ٧ / ٣٣٠ (ط دار الفكر). وفي بغية الطلب وقيل : أبو علي بعد أبو عبد الله.

(١) ما بين معكوفتين استدرك عن بغية الطلب ٢ / ٨٤٨.

٢٢٠