الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦
قال العلوي الأصبهاني في النّسر شعرا :
وركب ثلاث كالأثافي تعاوروا |
|
دجى اللّيل حتّى أومضت سنة الفجر |
إذا جمعوا سميتهم باسم واحد |
|
وإن فرّقوا لم يعرفوا آخر الدّهر |
وقال أبو النّجم في إصغاء الشّمس للمغيب :
صب عليه قانص لمّا عقل |
|
والشّمس قد صارت كعين الأحول |
ولابن الرّومي في طلوع الشّمس من خلل السّحاب :
ظلّت تسترنا وقد بعثت |
|
ضوءا يلاحظنا بلا لهب |
قال ذو الرّمة في مثله وهو يصف امرأة :
تريك بياض لبّتها ووجها |
|
كقرن الشّمس أفتق ثم زالا |
أصاب خصاصة فبدا كليلا |
|
كلا وانفلّ سائره انفلالا |
قال آخر في دارة الشّمس :
والشّمس معرضة تمور كأنّها |
|
ترس يقلّبه كميّ رامح |
وأنشد ثعلب :
كأنّ ابن مزنتها جانحا |
|
فسيط لدى الأفق من خنصر |
وقد تركنا تقصّي الباب لأنّ في هذا القدر كفاية.
الباب الثامن والأربعون
في ذكر السّراب ، ولوامع البروق ، ومتخيّلات المناظر ووصف السّحاب
(السّراب) : هو الذي يتلألأ نصف النهار كأنّه ماء ، لازقا بالأرض وهو الآل وقيل الآل يكون ضحوة ، والسّراب نصف النّهار. وفي القرآن : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [سورة النّور ، الآية : ٣٩] وقيل في الفرق بينهما : إنّ الآل هو الذي يرفع كلّ شيء ، وسمّي الآل لأنّ الشخص هو الآل ، فلما رفع الشّخص قيل هذا آل. قال الأعشى :
حتّى لحقناهم تعدى فوارسنا |
|
كأنّنا رعن قف يرفع الآلا |
وقيل : هذا من المقلوب ، أراد كأنّنا رعن قف يرفعه الآل ، والآل يرتفع عن وجه الأرض ، واللّعاب الذي يتساقط من السّماء كأنّه زبد في مرأى العين ويسمى ريق الشّمس. قال :
يثرن الثّرى حتّى يباشرن برده |
|
إذا الشّمس مجّت ريقها بالكلاكل |
ويلمع اسم السّراب ، وفي المثل : إنما أنت يلمع.
ويقال لبرق الخلّب : يلمع أيضا ولذلك قيل : أكذب من يلمع ، واليلامع من السّلاح : ما برق نحو البيضة ، ولا معا المفازة جانباها.
ويقال : ما بها لا مع أي أحد ، و (الرّقراق) مثل السّراب وقيل رقراق السّراب ترقرقه. قال الشّاعر :
يدوم رقراق السّراب برأسه |
|
كما دوّمت في الأرض فلكة مغزل |
وقد صحا السّراب أي انكشف ومصح الآل وتسعسع والذي تراه في الشّمس كأنه خيط ممتد يقال له مخاط الشّيطان. وقد كنّي عن السّراب بأبوال البغال قال شعرا :
وحمير أبوال البغال بأنّني |
|
تسديت وهنا ذلك البينا |
قال بشر يصف إبلا :
فقد جاوزن من غمدان أرضا |
|
لأبوال البغال بها وقيع |
يطان بها فروث مقصرات |
|
بقاياها الجماجم والضّلوع |
وإنّما قالوا ذلك لأنّ البغال لا تتناسل فلا ينتفع بأبوالها كما لا ينتفع بالسّراب.
ويقال : فلان كثير البول إذا كان كثير ، و (الوقيع) الخضر تكون في الأرض.
وقال ابن الأعرابي : البغال باليمن ، فبيّن أنّ هذه الأرض تكون باليمن.
قوله بطان : يعني قوائم النّاقة ، والمراد بالأرواث كروش إبل قصرن عن السّير فتركت مخلفات فأكلهنّ السّباع.
ويقال للسّراب المسجهر الكذوب اللّون. وقال ذو الرّمة يصف الأظعان :
توارى وتبدو لي إذا ما تطاولت |
|
شخوص الضّحى وانشقّ عنها غديرها |
(الشّخوص) : تطاول في وقت الضّحى لأن السّراب يرفعها يقول تبدو لي الأظعان في ذلك الوقت إذا رفعها الآل وتواري إذا انشقّ عنها غديرها ، يعني السّراب ، وهذا الذي يشير إليه لتخيل الشّخوص في المناظر ، لذلك قال ابن أحمر :
وازدادت الأشباح أخيلة |
|
وتعلّل الحرباء بالثّغر |
وقال جرير
ومن دونه تيه كأنّ شخوصها |
|
يحلن بأمثال فهنّ شوافع |
وقال ذو الرّمة في بيان السّراب يصف فلاة :
بها غدر وليس بها بلال |
|
وأشباح تحول وما تريم |
تموت قطا الفلاة بها أواما |
|
ويحسر في مناكبها النّسيم |
قوله : (أشباح تحول) : أي تتحرّك ولا تبرح بل يخيّل ذلك إليك. وقال الشّماخ وذكر ناقة:
إذا شرفات الآل زالت ونصفت |
|
تناطح ضبعاها به ويداهما |
قوله : نصفت : صار السّراب إلى أنصافها ، وقوله : ويداهما : جعل اليدين للضّبعين وقال:
وحومانة زرقاء يجري سرابها |
|
بمنسجة الآباط حدب ظهورها |
(حومانة) : أرض غليظة ، و (المنسجة) : المنصبّة أي ليست بضيقة الفروج وقال الكميت :
إذا ما الآل أعرض لم يجمح |
|
إليّ بأعين الخوف الغيوب |
(يجمح) : ينظر نظرا شديدا ، و (الغيوب) : جمع الغيب وهو المتخفّض. وقال ذو الرّمة:
ترى الريعة القوداء منه كأنّها |
|
مناد بأعلى صوته القوم لامع |
الرّيعة : هضبة وهي الجبل الصّغير المفترش مع الأرض ، أي كأنّها في السّراب ، (مناد) : يلمع بثوبه ، وقوله يصف قنه. قوداء طائقها في الآل محزوم الطّائق حرف شاخص في القنّة وقوله : كأنّما الأعلام فيها سير. أي كأنّها تسير في السّراب. قال جران العود وذكر أرضا :
ببلقعة كأنّ الأرض فيها |
|
تجهز للتّحمل والبكور |
يريد أنّ السّراب يطرد فيها فكأنها تجهز. وقال ابن الدّمينة :
برماحة الأنضاد فماصة الصّوى |
|
تداوي المطايا من مروح العجازف |
(الأنضاد) : جمع النّضد وهو ما تراكم من الجبل. و (الصّوى) : الأعلام وتقصمها في السّراب.
قال أبو النّجم :
بمهمة سابغة جلاله |
|
ينفض في العين الضّحى أسماله |
أراد ينفض الضّحى أسمال السّراب فيما ترى العين وقال :
حتى إذا الأكم طفت في آلها |
|
مثل طفو الحمّ في آهالها |
وقال :
إذا السّراب استشخص الأجذالا |
|
واطّردت دياسقا أسمالا |
واستنسج الآرام والتّلالا الأجذال : أصول الشجر ، (واطّردت دياسقه) : وهو السّراب الأبيض وشبهه بأسمال الثّياب. قال ابن مقبل :
ويوم يقسّم ريعانه |
|
رءوس الأكام يغشّين آلا |
ترى البيد تهدج من حرّه |
|
كأنّ على حزم راء بغالا |
بغالا عقارى تغشّينه |
|
وكلّ تحمل منه فزالا |
جعلها (عقارى) : لأنّها لا تلد ، و (ريعانه) : أوّله ، (تهدج) : تتحرك يعني أنّ الآل يتحرّك فكأنّ (بغالا) على كل شرف توجف. ولأبي ذؤيب :
يستنّ في عرص الصّحراء فائزه |
|
كأنّه سبط الأهداب مملوج |
وأنشد :
ونسجت لوامع الحرور |
|
سبائيا كسرق الحرير |
فالمراد به السّراب يستدل من هذا البيت على أنّ السّرق يقع على الحرير الأبيض دون غيره. قال ذو الرّمة :
إذا تنازع جالا مجهل قذف |
|
أطراف مطّرد بالحرّ منسوج |
تلوى الشّنايا بأحقيها حواشيه |
|
لي الملأ بأطراف التّفاريج |
جعل أطراف السّراب المنسوج بالحرّ يتنازعها جانبا المفازة ، وقد بالغ في الإبانة والتّصوير. وهذا كما قال الرّاعي :
وإذا ترقّصت المفازة غادرت |
|
زبدا يبغّل خلفها تبغيلا |
ويعني بالزّبد حادي الإبل ، وما أوردناه في السّراب ووجوه تشبيه كاف في هذا الموضع.
فأمّا البرق : فإنّ الأصمعيّ قال : أحسن ما قيل في وصف البرق والغيث قول عدي بن الرّفاع :
فقمت أخبره بالغيب لم يره |
|
والبرق إذانا محزون له أرق |
قال أبو نصر : كذا رويناه عن الأصمعي ، وهذا مما يعد من تصحيفه. ورواه أبو عمر والشيباني وابن الأعرابي وأبو عبيدة. والبرق إذانا محزوله أرق : أي مشترف مراقب. وتصحيح رواية الأصمعي :
لا كلفته فيه وبعده مرن |
|
يسبح في ريح شآمية |
مكلل بعماء ألماه منتطق |
معنى (يسبح) : يعرض وروى يسبح أي الرّعد. وقال :
ألقى على ذات أحقاد كلاكله |
|
وشتّ نيرانه وانجاب يأتلق |
نارا يعاود منها العود حدّته |
|
والنّار تسفع عيدانا فتحترق |
وبات تجتلب الجوزاء درتها |
|
بنوءها حين هاجت مربع نعق |
يبكي ليدرك محلا كان ضيّعه |
|
يريق منبسط منه ومندفق |
جون المسارب رقراق تظلّ به |
|
شم المخارم والأثناء تصطفق |
يكاد يطلع ظلما ثم يغلبه |
|
عز الشّواهق والوادي به شرق |
ويقال في البرق : يشرى ـ ويومض ـ ويعن ـ ويعترض ـ ويوبض ـ ويستطير ـ ويستطيل ـ ويلمع ـ ويتبوج ـ ويخطف ـ ويخفو ـ ويبرق ـ ويتألّق ـ ويتلألأ ـ ويستشري ـ وينيض ـ ويخرق ـ ويسلسل ـ ويشتن ـ ويبتسم ـ ويضحك ـ ويبعق ـ وينشق ـ ويرتعص ـ ويقري ـ ويهص ـ ويثقب ـ ويلوّح ـ ويتهلّل ـ ويتكلّل. ومما يستحسن في وصف البرق وخفائه ، والرّعد في حدائه ، والثّلج ولألائه ـ قول بعضهم :
ينبض نبض العرق في استخفاء |
|
كأنّه في البعد والخفاء |
شرارة تطرف من قصباء |
|
أو طرف طيرهم باقتداء |
حتى إذا امتدّت على السّواء |
|
ورجفت بزجل الحداء |
وقعقعت بالرّعد ذي الضّوضاء |
|
كأنّ بين الأرض والسّماء |
رجل جراد ثار في عماء |
|
أو سرعانا من دبا غوغاء |
وكرسفا ينذف في الهواء |
|
تطيره الرّيح على قواء |
أو حلبا ينطف من أطباء |
|
أو رغوة تنفش من غرلاء |
أو كتفي الفضّة البيضاء |
|
أو كانتثار الدّر ذي اللّألاء |
أو كانتظام الودع في الإخفاء |
|
فأشمطت الأرض على فتاء |
واستوفت الآكام بالصّواء |
وقال آخر :
وأرض أنست بأهوائها |
|
وغيث سريت له إذ سرى |
وشمت بوارق أقطاره |
|
فبرق يلوح وبرق خبا |
وبات يعجّ عجيج القطا |
|
وباتت بجوالقها تمترى |
وقد هدأ الصّوت من غيره |
|
ودارك بين البكا والفنا |
وقلت له حين أبصرته |
|
يراوح بين الخسا والزّكا : |
أأنت القطار أم أنت البحا |
|
ر أم أنت قاسم المرتجى؟ |
فأنبت ما لم يكن نابتا |
|
وقلع من نبته ما عفا |
ولم تلبث الأرض أن صرّحت |
|
عن النور واخصر أعلى الضّفا |
وصار على الأرض من وبله |
|
قناع السّيول وإزر الربى |
شعر :
تأزّرت الأرض ثم ارتدت |
|
من النّور حليا كساها الحيا |
وصار سواء إذا جبتها |
|
مفاوز بربّها والقرى |
قال العتابي :
أرقت للبرق يخبو ثمّ يأتلق |
|
يخفيه طورا ويبديه لنا الأفق |
كأنّها غرّة شهباء لامحة |
|
في وجه دهماء ما في جلدها يلق |
أو ثغر زنجية تغترّ ضاحكة |
|
تبدو مشافرها طورا وتنطبق |
أو غرّة الصّبح عند الفجر حين بدت |
|
أو في المساء إذا ما استعرض الشّفق |
له بدائع حمر اللّون هائلة |
|
فيها سلائل بيض ما لها حلق |
والغيم كالثّوب في الآفاق منتشر |
|
من فوقه طبق من تحته طبق |
تظنّه مصمتا لا فتق فيه فإن |
|
سالت عزاليه قلت الثّوب منفتق |
إن قعقع الرّعد فيه قلت ينخرق |
|
أو لألأ البرق فيه قلت تحترق |
تستكّ من رعده أذن السّميع كما |
|
يغشي إذا نظرت في برقه الحدق |
فالرّعد صهصلق والرّيح مخترق |
|
والبرق موتلق والماء منبعق |
غيث أواخره تحدو أوائله |
|
أرب بالأرض حتى ماله لثق |
قد حاك فوق الرّبى نورا له أرج |
|
كأنّه الوشي والدّيباج والسّرق |
فطار في الأنف ريح طيب عبق |
|
ونار في الطّرف لون مشرق أنق |
من خضرة نبتها حمراء قانية |
|
أو أصفر فاقع أو أبيض يقق |
ولبعض بني مازنة :
إذا الله لم يسق إلّا الكرام |
|
فاسق ديار بني حنبل |
ملثا مربا له هيدب |
|
صخور الرّواعد والأزمل |
تكركره حصحصات الجنو |
|
ب وتفرغه هزة الشّمال |
كأنّ الرّباب دوين السّحاب |
|
نعام تعلق بالأرجل |
كأنّ الركية من فيضه |
|
إذا ما بدا فلكة المغزل |
قال علي بن الجهم في السّحاب شعرا :
وسارية ترتاد أرضا تجودها |
|
شغلت بها عينا قليلا هجودها |
أتتنا بها ريح الصّبا وكأنّها |
|
فتاة ترجيها عجوزا تقودها |
تميس بها ميسا فلا هي إن دنت |
|
نهتها ولا إن أسرعت تستعيدها |
تقاربها في كلّ أمر تريده |
|
ليسرح في أكنافها من يريدها |
إذا فارقتها ساعة ولهت له |
|
كأمّ وليد غاب عنها وليدها |
فلمّا أضرّت بالعيون بروقها |
|
وكادت تصمّ السّامعين رعودها |
دعتها إلى حلّ النّطاق فأرعشت |
|
يداها وخرّت سمطها وعقودها |
وكادت تمسّ الأرض إمّا تلهفا |
|
وإمّا حذارا أن يضيع فريدها |
فلمّا رأت حرّ الثّرى متعقدا |
|
بما زلّ عنها والرّبى تستزيدها |
وأنّ أقاليم العراق فقيرة |
|
إليها أقامت بالعراق تجودها |
فما برحت بغداد حتّى تفجّرت |
|
بأودية ما تستفيق مدودها |
وحتّى رأينا الطّير في جنباتها |
|
تكاد أكفّ الغانيات تصيدها |
وحتّى اكتست من كل نور كأنّها |
|
عروس عليها وشيها وبرودها |
ودجلة كالدّرع المضاعف نسجها |
|
لها حلق تبدو وتخفي حديدها |
فلمّا قضت حقّ العراق وأهله |
|
أتاها من الرّيح الشّمال يريدها |
فمرّت تفوت الطّير سبقا كأنّها |
|
جنود عبيد الله ولّت بنورها |
الباب التّاسع والأربعون
في تذكّر طبّ الزّمان ـ والتهلّف عليه ـ والحنين إلى الألّاف ـ والأوطان
كنا قد ذكرنا فيما صدّرنا به هذا الكتاب ما أنشأ الله عليه الخليقة من حبّ الوطن والسّكن ، وما درج إليه أولي النّحل السّليمة ـ والعقد الصّحيحة من الولوع بحفظ متقادم أعصارهم ، بما اتّفق من سير وحكم نخبهم ـ وأنه حبّب إليهم ما يأثره القرن بعد القرن ، منهم ليظهر من جلائل صنعه ـ في كل حين وفوائد منحه على كلّ حال ما توافق فيه الرّواة ـ وتلاحق به المدد والأوقات.
وذكرنا أيضا شيئا صالحا من علّة الحنين إلى الألّاف والأوطان ، وما تأسّس عليه أسباب التّنافس والتّحاسد بين الرّجال ، إلى انكشاف الأحوال عن التّراضي بينهم بمختلفات الأقسام ، وإنّ جميع ذلك حكمة بالغة من الله جلّ جلاله في الأنام ، فأحببنا أن نجدد هنا ما يتأكّد به ما تقدّم ، أنشد المبرد شعرا :
لعمري لئن جليت عن منهل الصّبا |
|
لقد كنت ورّاد المشربة العذب |
ليالي أعدو بين بردين لاهيا |
|
أميس كغصن البانة النّاعم الرّطب |
سلام على سير القلاص مع الرّكب |
|
ووصل الغواني والمدامة والشّرب |
سلام امرئ لم تبق منه بقية |
|
سوى نظر العينين أو شهوة القلب |
قال أبو تمام :
إذا لا صدوف ولا كنود اسماهما |
|
كالمعنيين ولا نوار نوار |
إذ في القتادة وهي أنجل أيكة |
|
نمر وإذ عود الزّمان نضار |
قال دريد بن عبد الله :
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت |
|
مزارك من ريّا وشعباكما معا |
وأذكر أيّام الحمى ثمّ أنثني |
|
على كبدي من خشية أن تقطّعا |
تلفّت نحو الحيّ حتّى وجدتني |
|
وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا |
وليست عشيات الحمى برواجع |
|
عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا |
أنشد أبو صالح الآمدي عن الأخفش :
سقى الله أياما لنا ليس رجّعا |
|
إلينا وعصر العامريّة من عصر |
ليالي أعطيت البطالة مقودي |
|
تمرّ اللّيالي والشّهور ولا أدري |
مضى لي زمان لو أخيّر بينه |
|
وبين حياتي خالدا آخر الدّهر |
لقلت دعوني ساعة وحديثها |
|
على غفلة الواشين ثم اقطعوا عمري |
وقال آخر :
أقول لصاحبي والعيس تهوي |
|
بنا بين المنيفة فالضّمار |
تمتّع من شميم عرار نجد |
|
فما بعد العشيّة من عرار |
ألا يا حبّذا نفحات نجد |
|
وريّا روضه بعد القطار |
وأهلك إذا يحلّ الحيّ نجدا |
|
وأنت على زمانك غير زار |
شهور ينقضين وما شعرنا |
|
بأنصاف لهنّ ولا سرار |
قال ابن الرّومي :
بكيت فلم تترك لعينك مدمعا |
|
زمانا طوى شرخ الشّباب فودّعا |
سقى الله أوطارا لنا ومآربا |
|
تقطّع من أقرانها ما تقطّعا |
ليالي ينسين اللّيالي حسابها |
|
بلهنية أقضي بها الحول أجمعا |
على غرة لا أعرف اليوم باسمه |
|
وأعمل فيه اللهو مرأى ومسمعا |
قال معن بن زائدة :
تمطّى بنيسابور ليلي وربّما |
|
يرى بجنوب الدّير وهو قصير |
ليالي إذا كلّ الأحبة حاضر |
|
وما كحضور من يحبّ سرور |
فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح |
|
وأمّا الألى أقليهم فحضور |
وإذ لا أبالي أن يضيّع سائس |
|
ويشقى بما جرّت يداه وزير |
يحنّ إلى الألّاف قلبي وقلبه |
|
إذا شاء عن ألّافه لصبور |
أبيت أناجي النّفس حتى كأنّما |
|
يشير إليها بالبنان مشير |
لعلّ الذي لا يجمع الشّمل غيره |
|
يدير رحى جمع الهوى فتدور |
فتسكن أشجانا وتلفي أحبة |
|
ويورق غصن للشّباب نضير |
أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني |
|
بأيدي العداة الثّائرين أسير |
وله :
باد الهوى وتقطّعت أسبابه |
|
وصبا فعاود قلبه أطرابه |
ذكر النّميريّ الغواني بعد ما |
|
نزل المشيب وبان منه شبابه |
وتذكّر اللهو القديم فساقه |
|
أن شطّ بعد تقارب أحبابه |
غشي المنازل بالسّليل فهاجه |
|
ربع تبدّل غيره أربابه |
بانوا وما من بين حيّ راحل |
|
إلّا له أجل يلوح كتابه |
ولقد نراه للقتول وأهلها |
|
جارا تمسّ بيوتهم أطنابه |
صافت بوج في ظلال كرومه |
|
حتى شتا وتصرّمت أعنابه |
وتذكّرت متربّعا من أرضه |
|
بردت شمائمه وجال سحابه |
كم قد أربّ بجوّه من معذق |
|
متهزّم قرد يطير ربابه |
فمحلّها منه رواء مبقل |
|
هزج إذا ارتفع النّهار ذبابه |
حلّ به ثمد ومحضر بهجة |
|
حرما وأمنا حوله أنصابه |
يهوي إليها العالمون كأنّهم |
|
قطع القطا متواترا أسرابه |
إنّ الذي يهوى فؤادك قربه |
|
قد سدّ بالبلد الحرام حجابه |
أنّى ينال إذا انتمت في مشرف |
|
دون السّماء حصينة أبوابه |
لجّ المتيّم في البعاد سفاهة |
|
والبين ينعب ظبيه وغرابه |
حتى إذا احتمل الحبيب تبادرت |
|
عيناه دمعا دائما تسكابه |
إنّ امرأ كلفا بذكرك موزعا |
|
حقّ عليكم وصله وثوابه |
قد طال ما انتظر النّوال لديكم |
|
حتى استملّ ولامه أصحابه |
لو تنطق العيس اشتكت ما عالجت |
|
من حبسها عند القتول ركابه |
قال ابن ميادة :
ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلة |
|
بحرّة ليلى حيث رببني أهلي |
بلاد بها نيطت عليّ تمائمي |
|
وقطّعن عني حين أدركني عقلي |
قال ابن الرومي :
ولي وطن آليت ألّا أبيعه |
|
وألّا أرى غيري له الدّهر مالكا |
عهدت بها شرخ الشّباب ونعمة |
|
كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا |
وقد ألفته النفس حتى كأنّه |
|
لها جسد إن غاب غودرت هالكا |
وحبّب أوطان الرّجال إليهم |
|
مآرب قضّاها الشّباب هنالكا |
إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم |
|
عهود الصّبا فيها فحنّوا لذلكا |
اعتل رجل في غربته فتذكّر أهله فقال :
لو أنّ سلمى أبصرت تحدّدي |
|
ودقة في عظم ساقي ويدي |
وبعد أهلي وجفاء عودي |
|
عضّت من الوجد بأطراف اليد |
قال أبو عنية :
ألا خبّروا إن كان عندكم خبر |
|
أتقفل أم نثوي على الهمّ والضّجر |
شعر :
نفى النّوم عن عيني تعوّض رحلة |
|
لها الهمّ واستولى بها بعدها السّخر |
فإن أشك من ليلى ليلى طوله |
|
فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر |
فيا حبّذا بطن الحزير وظهره |
|
ويا حسن واديه إذا ماؤه ذخر |
ويا حسن تلك الباسقات إذا غدت |
|
مع الماء تجري مصعدات ومحدر |
ويا حبّذا نهر الأبلة منظرا |
|
إذا مدّ في إبانه النّهر أو جزر |
وفتيان صدق همّهم طلب العلى |
|
وسيماهم التّحجيل في المجد والغرر |
لعمري لقد فارقتهم غير طائع |
|
ولا طيب نفسا بذاك ولا مقر |
وقائلة ما ذا نآى بك عنهم |
|
فقلت لها لا علم لي فسلي القدر |
فيا سفرا أووى بلهوي وأنثي |
|
ونغّصني عيشي عدمتك من سفر |
وقال آخر :
أعلى اليأس أنت أم أنت راج |
|
كلّ همّ مصيره لانفراج |
ما تغنّى القمريّ إلا شجاني |
|
وغناء القمريّ للقلب شاج |
فلنوح الحمام يهتاج قلبي |
|
يا لقوم لقلبي المهتاج |
وخليل سرى إليّ ودوني |
|
سير شهرين للبغال النّواج |
عامدا ما تراه يقظان عيني |
|
وهو في النّوم لي ضجيع مناج |
جعلت نفسه لنفسي على البعد |
|
مزاجا أحبب به من مزاج |
كم بجرجان ليت شعري مقامي |
|
ومتى من غمومها أنا ناج |
إنّ أشهى إلي منها مقام |
|
بين دار المنجاب والحجاج |
في فتو من كل أيلج يكفي |
|
وجهه في الظّلام فقد السراج |
ربّ فاحفظهم وردّ إليهم |
|
غرابتي يا مؤلف الأزواج |
وقال آخر :
ألا ما لعينك لا ترقد |
|
وما لدموعك لا تجمد |
وما بال ليلك ليل السّليم |
|
ساوره الحيّة الأربد |
وخلّاك صحبك في زفرة |
|
وهمّ عنك في غفلة هجّد |
فما لك من وحشة مؤنس |
|
وما لك عند البكا مسعد |
فقاس الهوى وتقرد به |
|
فأنت الوحيد به المفرد |
مللت بجرجان طول الثّوى |
|
وبالبصرة الدار والمولد |
وكم لي بها من أخ أصيد |
|
نماه لمجد أب أصيد |
مصابيح ليل إذا أشرقت |
|
يفرج عنه الدّجى الأسود |
إذا النّاس غمّتهم أزمة |
|
فلم يبق كهل ولا أمرد |
يؤمّل أو يرتجى رفده |
|
يعود بخير ولا يرفد |
ولم يدر حرّان ذو درّية |
|
إلى من بكربته يقصد |
سواء إذا ازدحم الواردو |
|
ن أقربهم فيه والأبعد |
إذا ما التقوا وثقوا عنده |
|
بأن لن يزادوا ولن يطردوا |
ويغشون في الحرب حوماتها |
|
إذا شبّ نيرانها الموقد |
وأعرضت الخيل مزورة |
|
سرابيلها العلق المجسّد |
إذا وعدوا أنجزوا وعدهم |
|
وإن أوعدوا حان من أوعدوا |
مواريث آباء آبائهم |
|
يورثها سيّد أسيد |
فلو كان يخلد أهل الندى |
|
وأهل المعالي إذا خلدوا |
متى ألقهم بعد طول المغيب |
|
أجدهم على خير ما أعهد |
ألا ربّما طاب لي مصدري |
|
لديهم وطاب لي المورد |
شعر :
وإن يقدر الله لي رجعة |
|
فجدّي بقربهم الأسعد |
وإلّا فلا حزني منقض |
|
ولا حرّ نيرانه يبرد |
فيا سادة النّاس أنتم مناي |
|
على بعد داري فلا تبعدوا |
وأقسم ما طاب لي بعدكم |
|
مقام ولا طاب لي مقعد |
يغور هواي إذا غرتم |
|
وإن تنجدوا فالهوى منجد |
ألا ليتني جاركم بالعرا |
|
ق ما جاور الفرقد الفرقد |
ألا أيّها النّاس إنّي لكم |
|
على خالد مشهد فاشهدوا |
بكى من عتاب توالت به |
|
قواف يردّدها المنشد |
فكيف إذا ما استحرّ الهجاء |
|
إذا لا يقوم ولا يقعد |
قال محمد بن عبد الله بن ظاهر :
يا جبل السّماق سقيا لكا |
|
ما فعل الظّبي الذي حلكا |
فارقت أوطانك لأنّه |
|
فارقك الخلّ ولا ملكا |
فأيّ أوطانك أبكي دما |
|
ماءك أو طينك أو ظلّكا |
أو نفحات منك تأتي إذا |
|
دمع الندى تحت الدّجى بلّكا |
حدّث الزّيدي قال : أخبرنا الزّبير بن بكار قال : كانت ظبية تحت محمد بن أبي بكر بن مسور وكانت ذات مال ولا مال له ، فخرج يطلب الرّزق فلمّا كان في موضع يقال له : بلكثة ، انصرف راجعا فدخل إليها فقالت : الخير رجعت فقال شعرا :
بينما نحن بالبلاكث فالقا |
|
ع سراعا والعيس تهوي هويّا |
خطرت خطرة على القلب من ذكرا |
|
ك وهنا فما استطعت مضيّا |
ولو أنّ ما أهدين لي كان شربة |
|
ببطن اللّوى من وطب راع شفانيا |
وأنشد أبو بكر بن دريد قال : أنشدني أبو عمر أنّ الكلابي لرجل من قومه قال شعرا :
يحنّ إلى الرّمل اليماني صبابة |
|
وهذا لعمري لو رضيت كثيب |
فأين الأراك الدّوح والسّدر والغضا |
|
ومستنجز عما يحبّ قريب |
هناك تغنّينا الحمام ويجتني |
|
جنا اللهو يحلو لي لنا ويطيب |
قال أعرابي :
أيا أثلاث القاع من بين توضح |
|
حنيني إلى أظلالكنّ طويل |
ويا أثلاث القاع قد ملّ صاحبي |
|
ثوائي فهل في ظلّكن مقيل |
ويا أثلاث القاع ظاهر ما بدا |
|
على ما بقلبي شاهد ودليل |
ويا أثلاث القاع قلبي موكّل |
|
بكنّ وجدوى خيركنّ قليل |
ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة |
|
إلى قرقري حتى الممات سبيل |
قال أعرابي :
ألا حبّذا والله لو تعلمانه |
|
ظلالكما يا أيّها الطّللان |
وماء كما العذب الذي لو شربته |
|
وبي صالب الحمّى إذا لشفاني |
وأنشد الأخفش علي بن سليمان :
اقرأ على الوشل السّلام وقل له |
|
كلّ المشارب مذ هجرت ذميم |
سقيا لظلّك بالعشيّ وبالضّحى |
|
ولبرد مائك والمياه حميم |
لو كنت أملك منع مائك لم يذق |
|
ما في فلاتك ما حييت لئيم |
قال الرّياشي أنشدني أعرابي :
سلّم على قطن إن كنت تاركه |
|
سلام من يهوى مرة قطنا |
قلت لبيك إذ دعاني لك الشّوق |
|
وللحاد بين كرا المطيّا |
ثم كرّوا صدور عيس عتاق |
|
مضمّرات طوين السّير طيّا |
ذاك مما لقين من دلج اللّيل |
|
وقول الحداة باللّيل هيّا |
فقالت : لا جرم والله لأشاطرنك ملكي فشاطرته.
قال أبو تمام :
وما سافرت في الآفاق إلّا |
|
ومن جدواك راحلتي وزادي |
مقيم الظّنّ عندك والأماني |
|
وإن تلفت ركابي في البلاد |
معاد البعث معروف ولكن |
|
ندى كفّيك في الدّنيا معادي |
وأين تجور عن قصد لساني |
|
وقلبي رائح برضاك غاد |
ومما كانت الحكماء قالت |
|
لسان المرء من خدم الفؤاد |
قال البحتريّ :
أملي فيكم وحقّي عليكم |
|
ورواحي إليكم وابتكاري |
واضطرابي في النّاس حتى إذا عدت |
|
إلى حاجة فأنتم قصاري |
قال أبو تمام :
كلّ شعب كنتم به آل وهب |
|
فهو شعبي وشعب كلّ أديب |
إنّ قلبي لكم لكالكبد |
|
الحرّى وقلبي لغيركم كالقلوب |
أبو عبد الله بن الأعرابي قال : أنشدتني امرأة من أهل اليمامة لنفسها وكانت مرضت بمصر شعرا :
تحاشد جاراتي فجئن عوائدا |
|
قصار الخطى تجر البطون حواليا |
وجئن برمان وتين وفرسك |
|
وبقل بساتين ليشفين دائيا |
شعر :
أحبّه والذي أرسى قواعده |
|
حبّا إذا ظهرت أعلامه بطنا |
فليتنا لا نريم الدّهر ساحته |
|
وليته حين سرنا غربة معنا |
ما من غريب وإن أبدى تجلّده |
|
إلّا سيذكر عند الغربة الوطنا |
قال أعرابي :
لا والذي إن كذبت اليوم عاقبني |
|
وإن صدقتكم ربّي فعافاني |
ما قرّت العين بالأبدال بعدكم |
|
ولا وجدت لذيذ النّوم يغشاني |
ومن المستحسن في هذا المعنى قوله :
شيب أيام الفراق بمفارقي |
|
وانشزن نفسي فوق حيث يكون |
وقد لان أيام اللّوى ثم لم يكد |
|
من العيش شيء بعدهنّ يلين |
يقولون : ما أبلاك والمال غانم |
|
عليك وضاحي الجلد منك كثير |
فقلت لهم : لا تعذلوني وانظروا |
|
إلى النّازع المقصور كيف يكون |
يعني بالنازع المقصور : بعير حنّ إلى وطنه فقيّد مخافة أن يهيم على وجهه وهذا في الإبل معروف لذلك قال القائل :
لا تصبر الإبل الجلاد تفرّقت |
|
بعد الجميع ويصبر الإنسان |
قال :
هبت وما في الأفق منه قزعة |
|
وليس منه أحد على أمل |
فأنشأته قطعا تمت ما |
|
زال وما زالت به حتى اتّصل |
وطأطأت بالأرض من أكتافه |
|
وسدّدت منه الفروج والخلل |
حتى إذا كان بعيدا فدنا |
|
وكان في السّير خفيفا فثقل |
وأسمع الأصمّ صوت رعده |
|
ووقر السّمع الصّحيح وأعل |
وأبصر الأكمه ضوء برقه |
|
وخطف الطّرف الحديد وأكل |
وصرّ حتى قيل هذا حاصب |
|
من السّماء وعذاب قد أظل |
ونحن مصنوع لنا مدبر |
|
فيه ولكنّا خلقنا من عجل |
حلّت عزاليه بسرّمن رأى |
|
فلم تزل تعلّها بعد النّهل |
إذا تلكا هتف الرّعد به |
|
وأومضت فيه البروق فهطل |
ليل التّمام والنّهار كله |
|
متّصلا مذ غدوة حتى الأصل |
فما دنا حتّى اتّقى النّاس أذى |
|
إفراطه وقالت الأرض بجل |
شرقت فيما ضرّ منه أهله |
|
وما شركت في السّرور والجذل |
ولا نقعت غلة بمائه |
|
في معشر قد نقعوا به الغلل |
ولا أجلت الطّرف في رياضه |
|
ولا أسمت السّرح في الوادي البقل |
ولا تحملت له صنيعة |
|
يشملني مرفقها فيمن شمل |
إلّا بتحميل السّلام سيله |
|
إلى مدينة السّلام إن حمل |
إلى بلاد جلّ إخواني بها |
|
ومن أعزّ من صديق وأجل |
خرج عوف بن محلم مع عبد الله بن طاهر إلى متصيّد ، فكان عبد الله يحدثه وسمعه يثقل عن الاستماع فانبرى يقول شعرا :
إنّ الثّمانين وبلّغتها |
|
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان |
وأبدلتني بشطاط الخنا |
|
وكنت كالصّعدة تحت السّنان |
وعوّضتني من زماع الّذي |
|
وهمّه همّ الدثور الهدان |
فتهت بالأوطان وجدا بها |
|
وبالفواني أين مني الفوان |
وصرت ما فيّ لمستمتع |
|
إلّا لساني وبحسبي لسان |
أدعو به الله وأثني به |
|
على الأمير المصعبي الهجان |
وقرّباني بأبي أنتما |
|
من وطني قبل اصفرار البنان |
وقيل ينعاني إلي نسوة |
|
أوطانها حرّان فالرّقتان |
سقى قصور الشّاذياخ الحيا |
|
من بعد عهدي وقصور الميان |
الباب الخمسون
في ذكر أنواع الظّل وأسمائه ونعوته
ويقال : ظلّ وفيء وتبع فجمع ظل ظلال وظلول وجمع الفيء أفياء وفيوء.
تتبع أفياء الظّلال عشية |
|
على طرق كأنّهنّ سبوت |
وقال آخر :
فسلام الإله يغدو عليهم |
|
وفيوء الفردوس ذات الظّلال |
وإنما قال : أفياء الظّلال ، فأضاف الفيء إلى الظّل ، لأنّه ليس كلّ ظل فيء وكلّ فيء ظل وكان رؤبة يقول : الظّل ما نسخته الشّمس وهو أول ، والفيء ما نسخته الشمس وهو آخر.
وقالوا : الظّل بالغداة والعشي ، والفيء بالعشي. وقال أبو حاتم : الظّل يكون ليلا ونهارا ، ولا يكون الفيء إلّا بالنّهار ، وهو ما نسخته الشّمس ففاء وكان من أوّل النّهار ولم تنسخه. قال الشاعر :
فلا الظّل من برد الضّحى نستطيعه |
|
ولا الفيء من برد العشيّ نذوق |
وقال :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله |
|
وأقعد في أفيائه بالأصائل |
والتّبع : الظّل بالغداة والعشي. قال الشّاعر :
نرد المياه حضيرة ونفيضه |
|
ورد القطاة إذا استمال التّبع |
وإذا كان الظّل تاما لم ينقص ولم تنسخه الشّمس قيل : ظل دوم ودائم. قال : شتّان هذا والعناق والنّوم والمشرب البارد والظل الدّوم.
وهذا كقوله تعالى : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [سورة الملك ، الآية : ٣٠] أي غائرا ـ وظلّ
رفق ومسترفق ، وجلس في أرفق الظّل وظلّ ممدود ومديد ، وظلّ واصب ـ وظلّ ساكن. وظلّ راتب راسب ومعتد وعتيد. وظلّ أمم وعمم ، فإذا كان كشيفا ثخينا لم تنسخه الشّمس أو نسخته ووفرته. قيل ظلّ قوي ـ وكشيف ـ وثخين رصين ـ وسجس ـ ووارف ـ ووريف. قال :
غدا تحت فينان من الظّل وارف
وظل واف ضاف ـ وظلّ سابغ ـ وظلّ وحف نعف ـ وظلّ ـ واعد ـ وصادق ـ وموثوق ـ وظلّ ـ مظلّ ـ وظليل وظلّ فينان ـ وذو فيون ـ وظلّ مغطال ـ ومغطئل.
وإذا كان ضعيفا شفا قيل شف هف. وشفيف هفيف ـ وشفشف ـ وشفشاف ـ وهفهف ـ وهفهاف ـ وشعشع ـ وشعشاع ـ وخادع ـ وخداع ـ وخدوع وكاذب ـ وكذاب ـ وكذوب ـ وظنون ـ وحتيفور ـ وملذان ـ وملاق ـ وخفاق.
فإذا أكلته الشّمس ـ وتحيفته قيل أخذ الظّل يتراجع ـ ويتراد ـ ويزحل وينحلّ ويضهل ـ ويذبل ـ وينحف ـ ويهرد وينزل ـ ويأفل ـ وينشل ـ ويشل ـ ويليح ـ ويلق ـ ويدق ـ ويموت ـ ويأزي ـ ويحسر ـ ويقصر ـ ويمصح ـ ويهرب ـ ويجنح ـ ويرزح ـ وينفق ـ ويحول ويزول ـ ويصيف ـ ويضيف ـ ويقلص ـ ويضحي ـ ويكري. قال ابن أحمر :
وتواهقت أخفافها طبقا |
|
والظّل لم يفضل ولم يكثر |
ويتأزّف ـ ويتجارف ـ ويتأزّى ـ ويتقاصر ـ ويسمئيل ـ ويضمحلّ ـ ويغيب ـ وظلّ منقوص.
وإذا ضاق كلّ ضيق قيل : أخذ يضيق ـ ويقع ـ ويسقط ـ وينصب ـ وكرب يغيب ـ ويرزأ ـ ويفيء ـ ويبلى ـ ويموت ـ وقد عاد ـ ولاذ ـ وعاوذ ـ ولاوذ ، وألاذ ـ واسترق ـ وانحمق ـ وانغفق ـ وانسرب ـ وانبتر.
والظلّ : ضيق ـ وضيق ـ وزناء ـ وأحمق ـ ومحمق ـ وضهل ـ وواشل ـ ناشل ـ وشعى ـ ولقي ـ وهزيل ـ ونحيف ـ وحرض ـ ودنف ـ وهالك ـ وساقط ـ ومتكرس ـ ومتزرب ـ وخانس كانس ـ وأعجف ـ ومحيف مذيق ـ وصحصاح.
فإذا أسرع الزّوال ـ وتعجّل في الانفتال ـ قيل ظلّ مستوفز ـ ومستقلص ومستطرد ـ ومالح ـ وراغش ـ ووالق ـ ودالق.
فإذا أخذ يترجّح قيل يترجّح ـ ويميد ـ ويمور ـ ويتراد ـ ويتغيف ـ فإذا وقف قيل قد وقف ـ وصام ـ وقام ـ ومكد ـ وركد ـ ومصد ـ وحار ـ وتحيّر ـ ودوم ـ وتلدد ـ وتبلد ـ وعقل ـ واعتقل ـ وتخبس ـ وتصبّر ـ وظلّ حيران ثابت لا يزول.
ويقال : وردته والظّل عقال ـ وحذاء ـ وطباق ـ وطراق ـ قال الشّاعر :
وكان طرّاق الخف أو قل زائدا
وشعار ودثار ـ ورداء ـ وخف ـ ونعل ـ وجورب.
قال : وانتعل الظّل فصار جوربا. وساق ـ وظل مثارب من الأرومة ومتجعثن من الجعثنة ومتجرثم من الجرثومة.
فإذا حوّل قيل حول ـ وفاء ـ وراع ـ ونسخ ـ وانتقل ـ وبدل ـ واعتدب.
ويقال : يزل الظّل محولا ومحولا وطاردا ، ومطرودا ـ وناسخا ـ ومنسوخا وسارقا ـ ومسروقا ـ ولاحقا ـ وملحوقا.
ويقال : له أول ما يظهر في فيئه نبت الظلّ ـ ونجم ـ ونسم ـ وعسم ـ وبدا ـ وتولّد ـ وظهر ـ وأنتج ـ ونبع ـ ونبغ ـ وانتعش ـ وانتقش ـ وأحنى ـ وطلع ـ ونسغ وجلس في نسيغ الظّل ورسيغه. وموكده ـ ومنتجه ـ ومنبته ـ ومستنبته ـ ومستنبطه ـ ومستوشاه ـ ومستعلقه ـ ومستذاقه ـ ومستطعمه ـ ومسترفقه ـ ومستحلقه ـ ومستودقه ـ ومستمتعه ـ ومسترفده ـ وملتقطه ـ ومستفاه ـ ومشتفه ـ ونفاشه ـ وجناه.
فإذا انبسط شيئا في فيئه قيل : حي ـ وربا ـ ونبت ـ وسعى ـ ومشى ـ وحبا ـ وثار ـ وسار ـ وجسم ـ وسمن ـ واستطال ـ وفضل ـ ونمى.
ويقال : ظلّ شاب ـ وجذع ـ وقيان ـ وشارخ ـ وغض. قال قد صبحت والظّل غض ما زجل ـ وظلّ دوم ودائم ـ وروح ـ ورائح وثمل ـ وهائل ـ وظلال ثمل ـ وثملة وثوامل ـ وجاءنا في ثميلة الظّل ـ وثامله ـ ومشتمله ـ وثمله ـ وثمده ـ وشجرة مثملة وقد استبرد في الظلّ ـ واستروح ـ واستدفأ ـ وظلّ مدفئ ـ ودفيء ـ على فعيل ـ وسخن ـ وساخن ـ وسخاخين ـ وظلّ بارد ـ وكريم ـ وأدفأت الشّجرة بظلالها ـ ودفأت وأبردت ـ وأروحت ـ وأراحت ـ وأطابت ـ وأطيبت ـ وتفيأت الشّجرة بظلها ـ وأفاءت ظلالها ـ وقد فاء الظّل بفيء فاء وفيئا.
ويقال : ظل مومن ـ ومشمل ـ وموسر ـ وميامن ومياسر ـ وقد أيمنت ـ ويامنت وأيسرت ـ وياسرت ـ وأشملت ـ ووقع ذات اليمين ـ وذات الشّمال ـ وإذا تحرّك خلال الشّجر قيل رمح الظلّ ـ وركض وارتكض ـ وصرخ ـ ورقص ـ ورنق.
ويقال : ركض الماء في المجمر أيضا.
ويقال : ظل أبيض ـ وأشهب ـ وأسمر ليس بشديد السّواد ـ والعس ـ وأدعج وأظمأ ـ