كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

ويقال : ليلة المحق ويقال : أتيته في المحاق أي في امتحاق القمر.

ويقال : من البدر قد أبدرنا ، ومن السّواء قد أسوينا ، ومن نصف الشّهر قد أنصفنا.

ويقال : ليلة ضحيان وضحيانة ، وليلة قمراء ، وليلة بيضاء ، وليلة ضحياء ، وليال ضحيانات ، وليلة طلقة ، وليال طلقات ، وطوالق إذا كنّ مقمرات.

ويقال : ثلاث دادي ، وثلاث ظلم ، وثلاث حنادس. قال شعرا :

تداركه في متصل الآل بعد ما

مضى غير دأداء وقد كاد يسحب

وقيل : اللّيالي النّحس والدّهم. وقيل أيضا : ثلاث قحم : لأنّ القمر قحم في دنوّه إلى الشّمس.

ويقال لليلة ثمان وعشرين : الدّعجاء ، وليلة تسع وعشرين الدّهماء ، ولليلة ثلاثين اللّيلاء ، ويجوز أن يكون القحم أخذ من افتحام في السّير ، وقال الأصمعيّ في الحنادس : كلّ ظلماء من اللّيالي حندس ، وقال أبو عمرو : قول النّاس العشر والنفل لا تعرفه العرب. قال الجعدي في الظّلم : كاللّيلة المباركة القمراء تهدي أوائل الظّلم. وقال المسيّب بن علس : كالطّلق يتبع ليلة البهر.

٣٠١

الباب السّابع والعشرون

في ذكر أسماء الهلال من أوّل الشّهر إلى آخره

وما ورد عنهم فيها من الأسجاع وغيرها

قال أبو زيد : الأعراب يقولون للقمر لأوّل ليلة ، رضاع سخيلة حلّ أهلها برميلة. ولابن ليلتين : حديث أمتين يكذب ومين ، ولابن ثلاث : حديث فتيات غير جد مؤتلفات ، ويروى ما أنت ابن ثلاث ، فقال : قليل اللّبات ، ولابن أربعة : عتمة ربع غير حبلى ولا مرضع. ويروى غير جائع ولا مرضع. وقال بعضهم : عتمة أم ربع غير حبلى ولا مرضع. ولابن خمس : عشاء خلفات قعس وزعم غير أبي زيد أنّه يقال لابن خمس : حديث وأنس.

قال أبو زيد : ويقال لابن ست : سر وبت. وقال غيره : أسر وبت. قال أبو حاتم : لأنّه يقال : سرى وأسرى بمعنى. وقال أبو زيد : لابن سبع دلجة الضّبع ، وقال غيره : حد والأنس ذو الجمع. وقال أبو زيد لابن ثمان : قمراء أضحيان. قال أبو حاتم : أضحيان.

قال أبو زيد : ولا بن تسع : انقطع الشّبع. وقال غيره : ملتقط ماء الجزع وقيل مثقّب الجزع.

وقال أبو زيد لابن عشر : ثلث الشّهر. وقال غيره : محنق الفجر. وقال غير أبي زيد قيل للقمر : ما أنت لإحدى عشرة قال : لدى عشاء وأرى بكرة. قيل : فما أنت لاثنتي عشرة؟

قال : موثق للشّمس بالبدو والحضر. الذي حكاه أبو حاتم موثق للشّمس. وقيل : ينبغي أن يكون موثق للخلق. قيل : فما أنت لثلاث عشرة؟ قال : قمر باهر يعشى له النّاظر. قيل : فما أنت لأربع عشرة؟ قال : مقتبل الشّباب أضيء مدجنات السّحاب. قيل : فما أنت لخمس عشرة؟ قال : تمّ التّمام ونفدت الأيام. قيل : فما أنت لستّ عشرة؟ قال : نقص الخلق في الغرب والشّرق. قيل : فما أنت لسبع عشرة؟ قال : أمكنت المغتفر الغفرة. قيل : فما أنت لثماني عشرة؟ قال : قليل البقاء سريع الفناء. قيل : فما أنت لتسع عشرة؟ قال : بطيء الطّلوع بين الخشوع. قيل : فما أنت لعشرين؟ قال : أطلع بسحره وأرى بالبهرة ، قيل : فما

٣٠٢

أنت لإحدى وعشرين؟ قال : كالقبس أطلع في غلس. قيل : فما أنت لاثنتين وعشرين؟ قال : أطيل السّرى ألا رأيت ما أرى. قيل : فما أنت لثلاث وعشرين؟ قال : أطلع في قتمة ولا أجلي الظّلمة. قيل : فما أنت لأربع وعشرين؟ قال : أرى في تلك اللّيالي لا قمر ولا هلال. قيل : فما أنت لخمس وعشرين؟ قال : دنا الأجل وانقطع الأمل. قيل : فما أنت لستّ وعشرين؟ قال : دنا ما دنا فليس يرى لي سناء. قيل : فما أنت لسبع وعشرين؟ قال : أطلع بكرا وأرى ظهرا. قيل : فما أنت لثمان وعشرين؟ قال : أسبق شعاع الشّمس ، وقيل : فما أنت لتسع وعشرين؟ قال : ضئيل صغير لا يراني إلا البصير. قيل : فما أنت لثلاثين؟ قال : هلال مستقبل.

ويقال : جئت لعقب الشّهر وعقبا له أي بعد ما يمضي ، وفي عقبه وعقبه إذا بقيت منه بقيّة.

ويقال : لا يفعل كذا إلّا عقبة القمر. وذلك إذا قارن الثّريا ويقارنها في السنّة مرّة وهو من المعاقبة ، وذلك إذا استوى اللّيل والنّهار ، وقيل : هو عودته إذا غاب وقال بعضهم في العقبة :

لا يطعم العسل والخطميّ لمته

ولا الزّريرة إلّا عقبة القمر

وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي عن المسروحي قال :

لما رأيت الشّعراء أبدوا

وكلّ شيء جمعوه عدّدوا

حاجتهم ما ذو عصا مسند

حيّ كميت عينه توقد

سيد جمع حوله لم يولد

(سيّد جمع) : يعني القمر والنّجوم حوله و (ذو عصا) قال جعل عصاه المجرّة و (مسند) : أي في السّماء ، وقيل أيضا : يسند إليه الشّهور والأيام و (حي كميت) أي يسير ولا روح له ومعنى (أبدوا) أتوا بالأوابد والدّواهي. وأنشد أبو زيد عن المفضل لرجل من بني سعد شعرا :

مهما يكن ريب المنون فإنّني

أرى قمر اللّيل المعذّب كالفتى

يهلّ صغيرا ثم يعظم قدره

وصورته حتّى إذا هو ما استوى

يقارب يخبو ضوؤه وشعاعه

ويمصح حتّى يستسرّ فلا يرى

كذلك زيد المرء ثم انتقاصه

وتكراره في إثره بعد ما مضى

(زيد المرء) زيادته. وقال آخر :

٣٠٣

يدان بنا وابن اللّيالي كأنّه

حسام جلت عنه العيون صقيل

فما زال يغلو كلّ يوم شبابه

إلى أن أتتك العيس وهو ضئيل

والمعنى سرنا من أوّل الشّهر إلى آخره حتى انتهينا إليك. وأنشد ابن الأعرابي :

فلو كنت ليلا كنت ليلة صيف

من المشرقات في موسّطة الشّهر

ولو كنت ظلّا كنت ظلّ غمامة

ولو كنت عرشا كنت تعريشة الفجر

ولو كنت يوما كنت يوم سعادة

يرى شمسه والمزن يهضب بالقطر

وأنشدت عن نقطويه ، قال : أنشدني ثعلب عن ابن الأعرابي شعرا :

لو كنت ليلا من ليالي الشّهر

كنت من البيض تمام البدر

بيضاء لا يشقى به من يسري

أو كنت ماء كنت غير كدر

ماء سماء في صفاء من صخر

أظلّه الله بعيض السدر

فهو شفاء من غليل الصّدر

وأنشدني حمزة بن الحسن قال : أنشدني علي بن سليمان عن المبرد :

وليل في جوانبه فضول

على الآفاق أبهم غيبهان

كأنّ نجومه دمع حبيس

ترقرق بين أجفان الغواني

قال أبو عمر الزّاهد : عرضت هذين البيتين على ثعلب ، فقال : البيت الثّاني مضاف إلى شعر الشّاعر وليس له. وقال جرير في قصّة الأيام :

ويوم كإبهام القطاة مزين

إلى صباه غالب لي باطله

وأنشد في مثله :

ظللنا عند دار أبي نعيم

بيوم مثل سالفة الذّباب

وأنشد أبو العباس ثعلب :

وسيّارة لم تسر في الأرض تبتغي

محلّا ولم يقطع بها البيد قاطع

سرت حيث لا تسري الرّكاب ولم ينخ

لورد ولم يقصر لها القيد مانع

تفتّح أبواب السّماء ودونها

إذا ما ارتجت عنها المسامع سامع

يعني دعوة مظلوم دعا الله تبارك وتعالى وأنشد في مثله شعرا :

خدنان لم يريا معا في منزل

وكلاهما يجري به المقدار

لونان شتّى يغشيان ملاءة

تسفي عليه الرّيح والأمطار

٣٠٤

(الخدنان) : اللّيل والنّهار و (الملاءة) يعني بها الأرض. وقال آخر في المحاجاة :

ما جملي قهقرني وإبلي يعذرني

وقربتي روية وكلبتي حميّة

جمله القمر ، والقهقر الشّديد وإبلي يعذرني : يعني النّجوم ، وقربته السّماء تمطر وكلبته حميّة يعني الشّمس. وأنشدني العسكري أبو أحمد ، قال : أنشدني المفجع الكاتب :

وما واضح بعد الغياث مصور

له خلع شتّى وما هو لابس

يعني : قوس قزح ، و (الغياث) المطر. قال وأنشدني الآخر :

أكلت النّهار فأفنيته

فهل في لياليك من طمع

النّهار : الذّكر من الحبارى واللّيل : فرخ الكروان ، قال : وأنشدني عن ثعلب :

ألا ليتني أصبحت يوما بمنزل

بعيد من اسم الله والبركات

هذا رجل طال سفره ، فكان إذا ارتحل أصحابه قالوا : اسم الله. وإذا نزلوا قالوا : على بركة الله ، قيل : طول السّفر ، وقال ذلك. وقال آخر في ضده :

ليتني في المسافرين حياتي

لا لحبّ الحلول والتّرحال

بل لخمس تحطّ منهنّ ستّ

وثلاثين لا تكون ببالي

يعني خمس صلوات ، يحطّ منها ست ركعات وهي : صلوات المسافر. وأنشدني أبو أحمد العسكري :

رمتني بنجلاوين من ترميانه

بسهمها شدّت عليه التمائم

وشفّت سحابا فيه سبعون أنجما

وشمس تولّتهنّ عشر نواعم

النّجلاوان : العينان يقول من أصابته بطرفها جن ، والسّحاب : أراد به أنّها حلّت أزرارها جعل الغطاء كالسّحاب والأنجم اللآلئ ، والشّمس منه كالقلادة من فضّة أو ذهب وأراد بالعشر النّواعم الأصابع وأنشد :

ستة إخوة وأخت شريفة

هي في دارنا ودار الخليفة

يعني أيام الأسبوع.

٣٠٥

الباب الثّامن والعشرون

في ذكر أسماء الأوقات لأفعال واقعة في اللّيل والنّهار

وأسماء لأفعال مختصّة بأوقات في الفصول والأزمان

يوم العداد : يوم العطاء والفرض. لذلك قيل : عداد فلان في بني فلان أي ديوانه. قال ابن الأعرابي : العداد : الوقت الذي تتهيج فيه أوجاع البطن. والعداد الرّبع من الحمى وأنشد :

يلاقي من تذكّر آل ليلى

كما يلقى السّليم من العداد

وفي الحديث : «وما زالت آكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري» أي يأتيني الأذى منها لوقت معلوم. (والعداد) : اللّيلة التي يناح فيها على الميت من كلّ أسبوع. وعدة المرأة : أيام قرئها.

والصّبوح : ما يشرب صباحا. والغبوق : ما يشرب عشاء. ومن أمثالهم : جاء فلان وقد أحيل صبوحه على غبوقه ، إذا صرف عن رأيه وأمره. ومثله : جاء فلان وقد فتلت ذوائبه وفتّ في عضده. وفي الحديث : «ما زال يفتل في الذّروة والغارب» وأنشد :

ما لي لا أسقى على علّاتي

صبائحي غبائقي قيلاتي

والنّحويون يحتجّون بهذا في حذف حروف العطف من الكلام.

والقبيل : شرب نصف النّهار ، وفي قصة تأبّط شرّا : شروب للقبيل ـ يضرب بالذّيل كمغرب الخيل ـ وأنشد :

يا ربّ مهر مزعوق

مقيل أو مغبوق

من لبن الدّهم الرّوق.

مزعوق : أي نشيط.

والجاشريّة : شرب السّحر. يقال : أسحرنا فتجشّرنا فنحن مسحرون متجشّرون من جشر الصّبح. وأنشد :

٣٠٦

إذا ما شربنا الجاشريّة لم نبل

أميرا وإن كان الأمير من الأزد

وما يؤكل فيه اسمه السّحور والطّائر المسحّر : إذا غرّد سحرا. والسّحر والسّحرة واحد. ويقال : صبّحناهم وغبقناهم وغشيناهم وغديناهم قال عدي :

بينك فلم يلقهم حقباء

والضّحاء للإبل : كالغداء للنّاس ، وأوّل وقت الغداء قبل الفجر الثّاني ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للعرباض حين دعاه إلى السّحور : «هلمّ إلى الغداء المبارك». فالغداء والعشاء مأخوذان من الغداة والعشيّ. ويقال لمن خرج في هذا الوقت : قد غدا منه ، فإن يقدم في هذا الوقت لم يقل غدا ، ولكن يقال : دلج إذا خرج في نصف اللّيل ، أو في أوّله وأدلج إذا خرج في آخره ، فإذا انبسطت الشّمس فإن شئت سمّيت الغداء ضحاء. ويقال : ضح إبلك ، أي غدها وسمّى ضحاء لأنّهم يضحّون للشّمس وفي القرآن : (لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [سورة طه ، الآية : ١١٩] أي لا تعطش ولا تصيبنّك الشّمس. وبناء الفعل من هذه الأفعال قياسه مطّرد وفي أظمأ الفعل والظماء ما بين الوردين ، يقال : وردت الإبل الرّبع والخمس إلى العشر ومن هذا قول الكميت :

وذلك ضرب أخماس أريدت

لأسداس عسى ألّا تكونا

هذا مثل يضرب للرّجل يتعلّل بغير علّة يظهر لك شيئا ويريد غيره ، والّذي يريد شيئا يتوصّل إليه بغير وجهه ، ويخيّل عنه صاحبه. ووردت الماء ظاهره أي وردت كلّ يوم نصف النّهار.

والغب : أن يرد يوما ويدع يوما ، وكذلك الغب في الزّيارة. وفي الحديث : «زر غبّا تزدد حبّا» ومنه قيل : أغبّ اللّحم أغبابا ، وغب غبوبا إذا أروح ولحم غاب ومغب. وحكى أبو زيد : لأضربنّك غبّ الحمار وظاهره الفرس. وغب أنّه يرعى يوما ويشرب يوما. والظّاهر أنّه يشرب الفرس كلّ يوم.

ويقال : أفضينا اليوم : إذا شربت الإبل قليلا قليلا ، وأشربنا إذا رويت إبلنا. والغب في الورود : معروف ، ولا يقال : بدله الثّلث ، كما قيل الرّبع. والورد يوم الحمى ، ويقال : هو مورود. والقلد : يوم يأتي فيه المثلّثة. والقد أيضا أن يمطر النّاس من الأسبوع في يوم معلوم ثلاثا أو أربعا أو أحد الأيام.

ويقال : هو مربع ومربوع في حمى الرّبع. قال الهذلي :

من المربعين ومن آزل

إذا جنّه اللّيل كالنّاحظ

٣٠٧

والقلع : وحواذها أن يعاود وينقطع مرّة بعد أخرى ، وهذا كما قال النّابغة في صفة السّليم : تطلّقه طورا وطورا تراجع. والسّرح : المال يسأم في المرعى.

يقال : سرح القوم إبلهم سرحا وسرحت الإبل ، والمسرح مرعى السّرح ولا يسمّى سرحا من المال إلا ما يغدى به ويراح ، والجميع السّروح ويكون السّارح اسما للقوم الذين لهم السّرح ، نحو الحاضر والسّامر وهما للجميع. وأنشد في ذلك :

سواء فلا جدب فيعرف جدبها

ولا سارح فيها على الرّعي يشبع

وقال : أم حصان لم تكن أمة في الحي ترعى سارح الغنم. قال أبو بكر الدّريدي ، وفي دعاء الاستسقاء : قلّدتنا السّماء قلدا قلدا أي : وردا وردا ، ويقال : صارت الحمى تحاودنا بالزّيادة ، أي يتعهدنا بين الأيام.

والغداء والعشاء معروفان. وقيل لبعضهم : ما المروءة؟ قال : إصلاح المال والرّزانة في المجلس. والغداء والعشاء بالأفنية. وما يتعلّل به قبل الغداء السّلفة والعجلة واللهنة. قال : عجيز عارضها ، منفل ، طعامها اللهنة أو أقل. ويقال : لهنوا ضيفكم أي قدّموا إليه ما يتعلّل به قبل إدراك الغداء. والقيلولة : نوم نصف النّهار ، ويقال : فلان يعشو إلى نار فلان : إذا جاءها ليلا وذلك لما يغطي بصره من الظّلمة. وقال :

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

ومنه : أوطانه العشوة إذا حربه بالباطل ، وهذا كما قال تعالى : (أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً) [سورة يونس ، الآية : ٢٧] ويقال للأكلة في اليوم واللّيلة : الوجبة والوزمة ، وقد وجب والوزمة : وقد وجب نفسه وعياله وتوجّب بنو فلان ، وما يجلب بنو فلان إبلهم وغنمهم الأوجبة والأوزمة وأنشد :

علقت عجوزهم إذا هي أظلمت

بالجاشريّة مثل وزمة درهم

والجاشريّة : شربة في السّحر على غير طعام ومنه قوله :

وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت الجاشريّة أو سقى لي

ومن كلامهم : من أكل الوجبة أو الوزمة لم يمعد ، والممعود : الذي يشتكي معدته ويقال : أتيته آئنة بعد آئنة ، على وزن عائنة أي تارة ، وأتيته بعد أين ويهمزون الأين ولا يهمزون وأنشد :

ترى قورها يغرقن في الآل مرّة

وآئنة يخرجن من عام ضحل

وحكى الأصمعيّ قال : قيل للرّجل أسرع في مشيه : كيف كنت في سيرك؟ قال : كنت

٣٠٨

آكل الوجبة ـ وأنجو الوقعة ـ وأعرس إذا أفجرت ـ وأرتحل إذا أسفرت ـ وأسير الوضع ـ وأجتنب الملع ـ فجئتكم لمسي سبع ـ قوله : أنجو الوقعة : أي أقضي الحاجة في اليوم مرة يعني إتيان الخلاء. ويقال : أنجا ونجا جميعا. والملع ضرب من السّير وهو أشدّ من الوضع ، واختار الوضع على الملع لئلّا ينقطع سيره.

وقد قيل : شرّ السّير الحقحقة ـ ويقال : جزم حزم إذا أكل أكلة في اليوم واللّيلة.

ويقال : ما زال يتمهّق إذا شرب يومه أجمع.

ويقال : تهقّعوا أوردا : أي ورودا كلّهم.

والتّحيين : حلب النّاقة مرة في اليوم واللّيلة. وأنشد :

إذا أفنت أرمي عيالك أفنها

وإن حينت أربي على الوطب حينها

قال : الأصل الحينة ، وهو أن يأكل في اليوم مرّة.

ويقال للعروس إذا غشيها زوجها : هذه ليلة فضتها أي ليلة اقتراعها. الكسائي يقال : أمرجت الدّابة في لغة بني تميم وغيرهم ، يقول : مرجتها قال العجّاج :

رعى بها رعي ربيع ممرجا ، وعبهلتها وأسمتها ، كلّ ذلك إذا أهملها في المرعى نهارا ، فإذا كان باللّيل قيل أنفشها. قال :

أجرش لهابا بن أبي كباش

فما لها اللّيلة من أنفاش

غير السّرى وسائق نجّاش

والفعل لها نفشت ، ولا يستعمل إلا باللّيل ، وفي القرآن : (إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧٨].

وكذلك النّشر أن ينشر الغنم باللّيل فترعى ، وإذا أرسلت فرعت قيل : صبت الإبل تصبو. قال شعرا :

إذا تروّحن من الإعياء

باللّيل لا يصبون في عشاء

ويقال : فلان قنفذ ليل : أي يدور في اللّيل ولا ينام ، والقنفذ لا ينام. وهذا كما أنّ القطرب دويبة تقطع نهارها بالمجيء والذّهاب. وفي الحديث : «لا يبيتنّ أحدكم جيفة ليل وقطرب نهار» قال :

قوم إذا دمس الظّلام عليهم

حدجوا قنافذ بالنّميمة تمزع

٣٠٩

والدّلجة : السّرى من أوّل اللّيل إلى آخره. وقيل : دلج اللّيل : سار من أول اللّيل ، وأدلج : سار من آخره. قال أبو حاتم : أو بعد نومة ينامها.

والتّعريس : النّزول في آخر اللّيل ، كما أنّ التّغوير في آخر النّهار. وهذا كما أنّ الاقتحام من أوّل اللّيل ، والاهتجام في آخره.

ويقال : بلغ الأمر نياه : أي وقته. ثم قيل : طال به الأناء مقصورا ، فإن فتحت مددت الألف ، وأنشد الحطيئة :

وأتيت العشاء إلى سهيل

أو الشّعرى فطال بي الأناء

وحكى أبو نصر عن الأصمعي : آن آنه : أي حان حينه ، وأنى له أن يفعل كذا يأني أنيا. وآن يئين أينا. وأنشد الدّريدي : قال أنشدني أبو حاتم عن الأصمعي : أونوا فقد آن عليها الطّلح. وقال : وهذا من الأون الرّفق ـ يقال : إن يؤن أونا ، وكان الواجب أن يقول : أونوا على الطّلح فقد آن ، أي ارفقوا بها فقد أعيين.

والتّأويب : السّير من غدوة إلى اللّيل. قال الرّاجز :

كأنّ غرّ متنه إذ نجنبه

سير صنائح في حزير نكلّبه

من بعد يوم كامل نؤوّبه

غرّ المتن : طريقته. يقال : إنها تبرق كأنّها سير في حزر.

ويقال : فلان على جول فلان إذا كان على سنّه ، وهو سوغه أي طريده ، ولد بعده ليس بينهما ولد ، وهم أسواغه.

يقال : هو سنه وتنّه : أي مثله وقرنه.

والملى والمعك والمدالك والمطل : تأخير قضاء الدّين عن وقته ومطله.

ويقال : لقيته أوّل وهلة وواهلة ووهلة ـ وأوّل ذي أوّل ـ وأوّل صوك وبوك ـ أي قبل كلّ شيء وقبل كلّ أحد.

وقال يونس : أقامت امرأة فلان عنده : يعني امرأة العنين ربضتها إذا أقامت عنده حولا ثم فرّق بينهما. ويوم الطّلق ويوم القرب. قال الأصمعيّ : سألت أعرابيا عن القرب ، فقال : سير اللّيل لورود الغد ، ويقال : ناقة طالق : من الطّلق ، وقارب من القرب.

قال : أسد وكلب : يسمّون صلاة المغرب صلاة الشّاهد ، وغيرهم من العرب يسمّي الفجر: صلاة الشّاهد وأنشد :

٣١٠

فصبحت قبل الأذان الأوّل

تيماء والصّبح كسيف الصّيقل

قبل صلاة الشّاهد المستعجل

وأنشد غيره : بين الظّلام وصلاة الشّاهد. وأنشد ابن الأعرابي :

يا حبّذا قولهم أبيلوا

وعرّسوا فقد دنا المقيل

يقول : إذا أبالوا الإبل اجتمعت فأمكن السّلام والمصافحة ، واستراح العسيف.

قال الأصمعيّ : المستمي : الطّالب للصّيد نصف النّهار ، والسّامي مثله. وقال الأصمعيّ : هو الطّالب الصّيد وغيره في أيّ وقت كان ، وأنشد :

إذا بكر العواذل أستميت

وهل أنا خالد أما ضحوت

قال : أستميت أي طلبت بكرا. وأنشد أبو عبيدة شعرا :

وليس بها ريح ولكن وديقه

يظلّ بها السّامي يهلّ وينقع

يهلّ : يستحلب ريقه ينفعه تحت لسانه من العطش. وقال جرير :

بقر أوانس لم يصب غرّاتها

نبل الرّماة ولا رماح المستمي

(أبو عمرو) : ليلة شيباء : هي اللّيلة التي يقترع الرجل امرأته فيها وأنشد :

كليلة شيباء التي لست ناسيا

وليتنا إذ مرّ في اللهو قرمل

قال : الشّيباء الضّعيفة ، والأشيب : الضّعيف ، وقال قطرب : ليلة الشّيباء التي يفتضّ الرّجل فيها أهله ثم أنشد شعرا :

وكنت كليلة الشّيباء همّت

بمنع الشّكر آتمها القبيل

آتمها : صيّرها أتوما ، وهي المفضّاة التي صارت شيئا واحدا. والقبيل : الذي يقابلها في الجماع. وقد قيل : الشّيباء يمد ويقصر ، وقال الأسدي : باتت بليلة شيباء على الإضافة وبليلة شيباء بالتّنوين ، وضدّها ليلة حرّة.

وحكى ابن الأعرابي : قال سألت أبا المكارم عن الصّوص ، فقال : هو الذي ينزل وحده ، ويأكل وحده بالنّهار ، فإذا كان اللّيل أكل في القمراء لئلّا يراه الضّيف. وأنشدني :

صوص الغنيّ سدّ غناه فقره. سدّ غناه فقره : يعني فقر النّفس يمنعه من الكرم. وأنشد أيضا شعرا :

يا ربّ شيخ من بني قلاص

يأكل تحت القمر الوباص

٣١١

باهرة باتت على أدراص

الأدراص : ولد الفأر ، ويقال : فصيل صيفي ، وفصيل ربعي ، وما تنتج بعد سقوط الغفر إلى أن يمضي ، يقال له هبع وسمّي هبعا لأنّ الصّال الرّبعيّة أكبر منه وقد قويت ، فهو لا يلحقها إذا مشت لأنّها أدرع منه فيهبع في مشيه ، والهبع والهبعان شبيه بالإرقال.

وقال ابن قينة : الشّرب في نصف النّهار : القيل ، ولم يبلغني عنهم اسم للطّعام في هذا الوقت ، فإذا زالت الشّمس وصار الظّل فيئا فهو أرواح. ولهذا قيل في يوم الجمعة : راحوا إلى المسجد ، ويرى أهل النّظر أنّ الرّواح مأخوذ من الرّوح لأنّ الرّيح تهبّ مع زوال الشّمس. قال لبيد : راح القطين بهجر ما ابتكروا ، فجعل الرّواح في الهاجرة.

ثم يكون الأكل بعد الهجير عشاء ، لأنّه يكون بالعشيّ. والعشي إلى سقوط القرص.

ثم يكون المساء بعده إلى عتمة اللّيل. وليس يزيل المساء العناء.

قال شعرا :

وأ نيئت العشاء إلى سهيل

أو الشّعرى فطال بي الأناء

وقال أحمد بن يحيى : (التّعريس) : باللّيل والنّهار. و (التّهويم) : بالفجر و (وفعوا وفعة) : ناموا نومة.

وحكى ابن الأعرابي أنّ أحدنا يجزم الجزمة أي يأكل في النّهار مرّة.

وحكى أيضا : أنّ أحدنا ليدعلج دعلجة الجرد ، والدّعلجة الذّهاب والمجيء في الأكل. قال : يأكل دعلجة ويشبع من عفاء.

ويقال : ناقة مسحقة : إذا أسحقت أيّام سنتها منذ يوم ولدت ، وناقة مسحقة إذا استحقت سمنا ، واستبان ذلك فيها ، ومستحقة لإرسال الفحل عليها.

ويقال : أرح إبلك عليك : أيّ بيتها عندك وأغربها بيتها في الكلأ. ويقال : في معنى أرح روح أيضا ، قال كعب بن سعد شعرا :

وقور فاه حلمه فمروّح

علينا وأمّا جهله فغريب

وهذا من كلامه مثل ، يريد أنّ حلمه يعطف عليهم ، وجهله يغرب عنهم ، والمعنى لا جهل.

ثم قال الأصمعيّ : التّجمير : طول الإقامة في الثّغور ، قال ولا لغاز إن غزا لجمير.

قال أبو عمر : والتّغمير : أن يدبّ الأعرابي في اللّيلة المقمرة إلى النّساء. والتأطير : أن

٣١٢

تبقى المرأة في دار أبويها زمانا لا تتزوّج. وأنشد المفضّل :

تأطّرن حتّى قيل لسن بوارحا

وذبن كما ذاب السّديف المسرهد

ويقال : باتت المرأة : إذا تحوّلت من دار أبويها إلى دار زوجها. وأنشد لكثير عزة :

وإنّي لأستأني ولو لا طماعة

لعزّة قد جمّعت بين الضّرائر

وهمّت بناتي أن يبتن وحمّمت

وجود رجال من بني الأصاغر

فإذا تحوّلت يقال لها عانق وقد عنقت. وأنشد ابن الأعرابي :

ضح قليلا يلحق الدّاريون. ويقول : ارع إبلك ضحى ، وهذا مثل أي كفّ عن الطّرد حتى يلحقك أصحاب الدّور ، وهذا تفسير ابن الأعرابي.

٣١٣

الباب التّاسع والعشرون

في ذكر الرّياح الأربع ، وتحديد مهابّها ، وما عدل عنها

وهو فصلان

الفصل الأول

قال أبو سعيد : أخبرنا أبو الحسن الطّوسي : حدّثنا ابن الأعرابي عن الأصمعي وغيره. (قالوا) : الرّياح أربع : الجنوب ـ والشّمال ـ والصّبا ـ والدّبور ـ قال ابن الأعرابيّ وكلّ ريح بين ريحين فهي نكباء والجمع نكب.

فأمّا مهبّهنّ : فابن الأعرابي قال : (مهبّ الجنوب) من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريا.

والصّبا : من مطلع الثّريا إلى بنات نعش.

والشّمال : من بنات نعش إلى مسقط النّسر الطائر.

والدّبور : من مسقط النّسر الطّائر إلى مطلع سهيل.

والنّكب : كلّها داخلة في هذا القول في الأربع.

قال : والجنوب والدّبور لهما هيف. (الهيف) : الرّيح الحارة. قال : والصّبا والشّمال لا هيف لهما ، والعرب تجعل أبواب بيوتها حذاء الصّباء ومطلع الشّمس.

وقال الأصمعيّ : ما بين سهيل إلى حرف بياض الفجر جنوب ، وما بإزائها مما يستقبلها من الغرب شمال.

وما جاء من وراء البيت الحرام : فهو دبور ، وما جاء قبالة ذلك فهو صباء والصّباء القبول. قال : وإنما سمّيت قبولا لأنّها استقبلت الدّبور. وقال المبرّد : سمّيت قبولا لأنّها لطيبها تقبلها النّفوس.

وذكر أبو يحيى بن كناسة أنّ خالد بن صفوان قال : الرّياح أربع : (الصّبا) ومهبّها ما

٣١٤

بين مطلع الشّرطين إلى القطب. (ومهبّ الشّمال) ما بين القطب إلى مسقط الشّرطين. (ومهبّ الدّبور) ما بين مسقط الشّرطين إلى القطب الأسفل. و (مهبّ الجنوب) ما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشّرطين.

وحكي عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب أنه قال : الرّياح ستّ : القبول ، وهي : الصّبا ـ والدّبور ـ والشّمال ـ والجنوب ـ والنّكباء ـ وريح سادسة يقال لها محوة.

ثم فسّر ذلك فجعل ما بين المشرقين مخرج القبول وهي الصّبا. وجعل ما بين المغربين مخرج الدّبور. وجعل ما بين مشرق الصّيف إلى القطب مخرج النّكباء. وجعل ما بين القطب إلى مشرق الصّيف مخرج الشّمال ، وجعل ما بين مغرب الشّتاء إلى القطب الأسفل مخرج الجنوب. وجعل ما بين القطب الأسفل إلى مخرج الشّتاء مخرج محوة.

قال أبو يحيى : النّاس على قول خالد : فالقبول هي المشرقيّة لأنّها من قبل المشرق تجيء. قال :

إذا قلت هذا حين أسلو يشوقني

نسيم الصّبا من حيث يطلع الفجر

والدّبور : تناوحها وهي المغربيّة. قال أبو حنيفة ؛ وهاتان الرّيحان على ما ذكرنا في جميع الأرض.

فمهب الصّبا بكل بلد من قبل مشرقه. ومهبّ الدّبور من قبل مغربه.

وكذلك الرّيحان الآخران مهبّهما بكل بلد من جهة القطبين. فأما قولهم للجنوب اليمانية وللشّمال الشّامية فلأنّ مهبّهما كذلك هو بالحجاز ونجد فالشّمال تأتيهم من قبل الشّمال. والجنوب من قبل اليمن.

وليس ذلك بلازم لكل بلد لا يكون الشّمال ببلاد الرّوم شاميّة ولا الجنوب ببلاد الزّنج يمانيّة ، فاعلموا ويقال : هبّت الرّيح تهب هبوبا.

وحكي عن بعض العرب : أنّ الريح لشدّة الهبوب. ويقال : جنبت الرّيح تجنب جنوبا. ومن الشّمال شملت الرّيح تشمل شمولا. وصبت تصبو صبوا وصبا. وقبلت تقبل قبولا وقبلا. ودبرت تدبر دبورا.

ويقال في الشّمال : شمأل وشامل وشمل وشميل وشمول ، ويقال : هبّت الشّمال وهبّت شمالا ، وهبّت ريح الشّمال ، وهبت ريح شمال. قال جرير شعرا :

هبّت شمالا فذكرى ما ذكرتكم

إلى الصّفا إلى شرقي حورانا

وجعل قوله شمالا صفة ، ونصبه على الحال.

٣١٥

وقال :

وهبّت الشّمال البليل وإذ

بات كميع الفتاة ملتفعا

ويسمّى الجنوب : الأزيب ، ويسمّى النّعامى ، قال أبو ذؤيب :

مرته النّعامى فلم يعترف

خلاف النّعامى من الشّام ريحا

وتسمّى الشّمال محوة ، ويقال : هاجت محوة غير مجراه ، وتسمّى الجريباء. قال ابن أحمر :

بواد من قسا ذفر الخزامي

تداعي الجريباء به الحنينا

وإنّما سمّيت محوة لأنّها تمحو السّحاب : تكشفه وتذهب به ، ويقال : أصبحت السّماء صحوة محوة إذا انمحى ما عليها من السّحاب.

قال أبو زيد : من أسماء الدّبور : محوة والقفواء. وعند الأصمعي : محوة اسم للشّمال ويسمّى أيضا مسعا ونسعا. قال شعرا :

قد حال دون دريسيه مؤوّبة

تسع لها بعضاه الأرض تهزيز

ويقال : أجنبنا واشملنا وأدبرنا وأصبينا أي دخلنا فيها ، وكذلك أرحنا فإن أردت أنّها أصابتنا قلت : قبلنا وصبينا ، فنحن مصبئون ومصبيّون وجنبنا ودبرنا ورحنا فنحن مريحون.

قال :

غير درست غير رماد مكفور

مكتئب اللّون مريح ممطور

وقال آخر : مجنوبة الدّل مشمول خلائقها.

وخالف الطّرمّاح أكثر العرب فجعل الهيف في البرد فقال :

وطفأ سارية وهيف مبرد

وقال أبو زياد يقول : إذا كان يوم ريح هذا يوم هائف طيب ، ومن أمثالهم : ذهبت هيف لأديانها. وقال ذو الرّمة :

أهاضيب أنواء وهيفان جرّتا

على الدّار أعراف الجبال الأعافر

وثالثة تهوي من الشّام حرجف

لها سنن فوق الحصى بالأعاصر

ورابعة من مطلع الشّمس أجلفت

عليها بدقعاء المعا فقراقر

فذكر الرّياح الأربع كلّها فجعل الجنوب والدّبور منها يحيي الخير ، وهما الهيفان ـ

٣١٦

وقال الرّاعي : وذكر ريح الشّتاء فغلب عليها الشّمال لأنها أشدّ ريحي الشّتاء بردا :

وهبّت بأرواح الشّتاء عليهم

شمال يؤدّي الرّائحات نسيمها

وقال أوس في مثله :

وعزّت الشّمال الرّياح وإذ

بات كميع الفتاة ملتفعا

وقال أيضا :

وغداة ريح قد وزعت وقرة

إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها

ومن صفاتها عند هبوبها وقد اشتدّ خزيق قال جميد :

بمثوى حرام والمطيّ كأنّها

قنا مسند هبّت لهنّ خزيق

والنّافجة : أوّل كلّ ريح إذا اشتدّت. قال ذو الرّمة :

يستنّ في ظلّ عراص ويطرد

حفيف نافجة عثنونها خضب

وريح نوج : شديدة ، قال العجّاج : واتّخذته النّافجات مناجا.

وريح سيهواء وسيهوج : سريعة المر ، شديدة القشر للأرض. وقال رجل من بني سعد شعرا:

يا دار سلمى بين دارات العوج

جرّت عليها كلّ ريح سيهوج

وقال ذو الرّمة :

وصوح البقل ناح يجيء به

هيف يمانية في مرّها نكب

وريح زفزف : لها صوت كزفزفة الظّليم. وريح هدوج تسمع لها هدجة ، وريح هفافة والهفهفة سرعة المرّ. وريح ريدة رادة وريدانة من راد يرود. قال ابن ميّادة :

أهاجك المنزل والمحضر

رادت به ريحانة صرصر

وقال آخر : جرّت عليها كلّ ريح ريدة. وقال ابن أحمر :

ولهت عليها كلّ معصفة

هوجاء ليس للبها زبر

قوله ليس للبها زبر : مثل يقال للرّجل إذا كان ذا رأي وحجى إنّه لذو زبر وذو جول والزّبر طي البير بالحجارة.

والسّموم : الرّيح الحارة باللّيل والنّهار. والحرور مثلها. والسّمام : الرّيح الحارّة وهي

٣١٧

السّموم. ويقال : يوم ذو سمائم ، ولا يقال : يوم ذو حرائر وليلة سموم وليلة ذات سموم.

وحكى ابن الأعرابي : يوم سام ومسم. ويقال : حرّ يومنا ، وحرّت ليلتنا وهو يحر ويحر حكاهما جميعا ابن الأعرابي واللّحياني ، وقد حرّرت يا يوم وحرّرت يا رجل. وأنت تحر حرارة وحرة. ورجل حرّان ، وامرأة حرّى من العطش. وقوم حراري وحرارى وحرار. ونسوة حريات وحرارى. وقد قرّ يومنا ، وهو يقر مرفوعة القاف ولغة قليلة يقرّ.

واللّجوج : الدّائمة الهبوب لا تكاد تسكن.

والرّياح : اللّواقح تثير السّحاب بإذن الله وتلقح الشّجر. والذّاريات التي تذر التّراب. والعقيم : التي لا تلقح السّحاب. والرّهاء والرّهو : جميعا اللّينة ، وقد رهت ريحها أي سكنت بعد شدة. والشّفان : الرّيح الباردة ، وإنّ ريحها لذات شفان ، وأمست ريحها تشف شفيفا إذا اشتدّ بردها ، ويقال : ليلة شفان. وقال :

وليلة شفان بأرض كريهة

أقمت بها صحبي ولمّا أعرّس

أي أقمتهم على السّير والحرجف : الباردة. ويقال : ليلة حرجف وريح حرجف للشّديدة الهبوب. والجيلان : التي تجيل الحصى. ويقال : ريح ذات جيلان وريح جائلة. والعجاج : الغبار وعجّ يومنا بعجاج ، وريح عجاجة وذات عجاج. والإعصار : التي ترفع التراب لشدة هبوبها بين هبوبها بين السّماء والأرض ، وإنّما هي في مكان واحد. وقد عصرت الرّيح بأعاصير وريح معصر.

والهباء : التّراب الذي تطيّره الرّيح ، تراه على وجوه النّاس وثيابهم والهبوة : الغبرة تراها في السّماء. ويقال : إنّ يومنا لذو هبوة ولا يقال : أرى في السّماء هباء ، ولا يومنا ذو هباء ، ولكن ذو هبوة إذا كانت الرّياح تجيء بتراب مثل الزّريرة. والغبرة : الغبار وقد اغبرّ يومنا ، ورجل مغبر في حاجته إذا قصد لها وجدّ فيها. وقد أقتم يومنا ، ويوم ذو قتام ، وفي السّماء قتمة وغبرة ويقال : قتمة أيضا.

قال الأصمعي : والحرجوج : الدائمة الهبوب المتمادية ، والصّر : القر بلا ريح. ويقال : يوم صر ، وليلة صر وليلة صر. والهوجاء : الشّديدة كأنّ فيها هوجاء. والنّسيم : الرّويد وقد نسمت وتنسمها وريح ذات نسيم. والرّامسات : التي تعفي الآثار ، وترمس الحجرة ، أي تدفنها. والسّافية : التي تسفي التّراب ويوم ذو سافياء ، وريح قاصف تكسر ما تمر به. والمجافيل : الشّداد يجفلن الشّجر وريح جافلة : والمور العجاج والحاسة الباردة تحرق النّبات.

٣١٨

والبارح : الشّديدة تجيء في القيظ. ويقال : إنّ يومنا لبارح. وريح حاصبة وضربتنا بحاصب.

والنّافجة : ينتفج برد.

والخجوج : الشّديدة الهبوب ولا تكون إلا في القيظ ، وقد خجّت الرّيح خجيجا.

والهارية : الشّديدة البرد. قال الكميت :

نباري الرّيح ما هرأت وفئنا

لأموال الغرائب ضامنينا

نصب ضامنينا بفئنا ، ومعنى : فئنا : رجعنا ويروى وقئنا كأنه قال : وقئنا لأموال الغرائب وينتصب ضامنين على الحال كما يقول : وقينا السّماحة والهارية.

والبليل : والحاسة في الشّتاء ويقال : أصابتنا ريح بليل ، ويوم بليل ، وليلة بليل أي باردة ، وإن لم يكن فيها ريح.

والنّعور : التي تفجأك ببرد وأنت في حرّ ، أو بحرّ وأنت في برد. والهدوج : التي تزعزع كلّ شيء.

ويقال : راح يومنا يراح : إذا اشتدّت ريحه ، ويوم راح وريح. ويقال : سكنت الرّيح وفترت وسجت. فأما قول ذي الرّمة وهو يصف قفرا شعرا :

إذا هبّت الرّيح الصّبا درجت به

غرائب من بيض هجائن دردق

فإنّما اكتفى بذكر هبوب الصّبا لأنّه علم أنّ ذلك يكون في الشّتاء فكأنّه قال : إذا كان الشّتاء درجت بهذا البلد خفان النّعام ، والنّعام لا توطن إلّا القفر البعيد من الأنس. وكلّ مواطنه النّعام. فالخفان فيه في الشّتاء موجود لأنّها تبتدئ البيض في الوسمي. وقيل : الشّتاء أكثر ذلك ، ولهذا قال ذو الرّمة :

حتى إذا الهيق أمسى شأم أفرخه

وهنّ لا مؤيس نابا ولا كتب

يرقد في ظلّ عراص ويطرده

حفيف نافجة عثنونها خضب

تبرى له صلعة خرجاء خاضعة

فالخرق دون بياض البيت منتهب

ويل أمّها روحة والريح معصفة

والويل مرتجز واللّيل مغترب

لا يأمنان سباع اللّيل أو بردا

إن أظلما دون أطفال لها لجب

ويقال : عصفت الرّيح وأعصفت ، وفي القرآن : (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) [سورة إبراهيم ، الآية : ١٨] فهذا شأن الرّياح والبلاد والمواطن من بعد يختلف ، فربّ بلد يكون تأذّي أهله

٣١٩

بإحدى الرّياح أشدّ من تأذّيها بسائرها ، ويكون بعضها أوفق لهم وإن كانت أكرهها إلى غيرهم ، كالّذي يذكر من أنّ الجنوب أحبّ الرّياح إلى أرض الحجاز في الشّتاء والصّيف ، ذكر ذلك أبو الحسن الأثرم.

وعكاك : الجنوب يتعوّذ غيرهم منها قال ذو الرّمة شعرا :

إلى بلد لم ينتجعه بعكّة

جنوب ولم يغرس بها النّخل غارس

وكالذي ذكره ابن الأعرابي عن الرّوحي من تأذّي أهل سابة والشّارة ونواحيها بالصّبا ، وكراهتهم لها ، وأنها إذا اشتدّ هبوبها عندهم طوى النّاس وطابهم ، لأنّ الألبان تقلّ ، والوطاب تجف لأنّها ترضع في ضروع الغنم أي ينشفه ، ومنزلهم بين مكّة والمدينة ، هذا وإن كان الآخر قال : فإنّ الرّيح طيّبة قول. وقال طرفة :

وأنت على الأقصى صبا غير قرّة

تذاب منها مزرع ومسيل

وقال آخر :

فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت

على كبد حرّى تجلّت غمومها

وزعم ابن الأعرابي أنّ الجنوب إنّما يشتدّ حرّها بالعراق ، فأمّا بالحجاز فلا. وأنشد قول كثيّر:

جنوب تسامى أوجه الرّكب مسّها

لذيذ ومسراها من الأرض طيّب

وهذا من حال الرّياح في دارنا وأوطاننا متعالم أيضا ، وكما اختلف في هذا الباب اختلف في الأمطار أيضا ، ولا زعم من ذلك ما ذكر عن أبي عبيدة أنه قال : الشّمال : عند العرب للرّوح ، والجنوب : للأمطار ، والأنداء واللّثق والغمق والدّبور للبلاء ، وأهونه أن يكون غبارا عاصفا تقذي الأعين وهي أقلّهن هبوبا ، والصّبا لإلقاح الأشجار.

ويقال : إذا كان النّشأ من العين ثم ألقحته الجنوب ـ وأبست به الصّبا واستدرته الشمال ـ فذلك أجود ما يكون من المطر ، وأنشد في ذلك :

لتلقيحها هيج الجنوب

ويقبل الشّمال نتاجا

والصّبا جالب بمرى. وقال آخر :

مرته الصّبا وزهته الجنوب

وانتجفته الشّمال انتجافا

والانتجاف : استخراج أقصى ما فيه.

٣٢٠